الرياضيات في العصر العباسي

هذه المقالة أو أجزاء منها بحاجة لإعادة كتابة.
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

حفل العصر العباسي بعدد كبير من كبار علماء الرياضيات الذين أبدعوا في علوم الرياضيات، وفيما يلي بإيجاز بعض من إنجازاتهم التي أثرت تأثيرًا بارزًا في ازدهار الفكر الرياضي وتقدمه في الشرق والغرب.

الحساب[عدل]

عرّف العلماء المسلمين علم الحساب بأنه علم الأعداد، واشتقوا اسمه، من كلمة الحساب المصدرية ومعناها العدد، وقد اطّلع العلماء على حساب الهنود فأخذوا عنهم نظام الترقيم وهذبوه وكونوا منه سلسلتين وهي:

  • النظام الأول: يسمى هذا النظام بنظام الأرقام الطباشرية اللذي كان يستعمله العاملون المختصون بالميناء لتدوين البضائع المستوردة والمصدرة على متن السفن الراسية في الموانئ التجارية. إن عمليات التدوين على ألواح التسجيل تتمثل في استعمال أصابع قلمية طباشرية لعد البضائع والحاويات وذلك باستعمال رسومات هندسية وفنية اثر حكها على ألواح خشبية تاركة وراءها غبارًا خفيفًا. إن عمليات تدوين البضائع في الموانئ التجارية وخاصة منها الموانئ الفينيقية المزدهرة في تلك الفترة، كانت تستعمل نظام عد الأصابع من قبل الفنيقيين وعد زوايا الرسومات الذي طوره العرب في فترة لاحقة. وقد انتشرت هذه الأرقام الحاسبة للزوايا في المغرب العربي الكبير بحكم تمدد الفنيقيين التونسيين تجاريا شرقًا وغربًا. وعند قدوم العرب الى شمال افريقيا في فترة ازدهارهم طوروا تلك الأشكال جاعلين منها أرقاما مرقمة على شكل 987654321 والتي تقوم في أساسها على تدوين عدد الزوايا في شكل أعمدة حسابية. والرقم واحد "1" مثلًا هو رسم أحادي الزوايا، وأما الرقم اثنان "2" فله زاويتان عند رسمه على شكل “ Z ”. وبتطور الحضارة العربية في المشرق والمغرب وتمدد تلك الحضارة الانسانية في الأندلس استعمل الأوروبيون الأرقام العربية في مختلف أنشطتهم منها الاقتصادية والتجارية والعلمية.
  • النظام الثاني: وهو نظام الأرقام الهندية والمعروف بالطريقة المتوارثة والمنتشرة في عدد من الدول العربية والعربية المشرقية والاسلامية إلى يومنا هذا.[1] كما ابتكر المسلمون العرب رقم الصفر العجيب الذي سهل العمليات الحسابية تسهيلا لا حدود له خاصة في علم الفلك وتقنية المعلومات والذكاء الاصطناعي وقد عرفوه العرب بأنه المكان الخالي من كل شيء. وقد أخذه الأوربيون باسمه العربي وتداولوه في مختلف لغاتهم، فقال الإنجليز: "Cipher"، وقال الفرنسيون: "Chiffre"، وقال الألمان:"Ziffer". وفي ما يخص تاريخ الترقيم يقول الدكتور كارل بوير في كتابه تاريخ الرياضيات:
«إنه بدون اكتشاف العرب للأعداد العربية كان من الممكن أن تكون الرياضيات الآن في مهدها، ولكن بواسطتها استطاع الإنسان أن يخترع، وأن يعرف الطبيعة بأكملها».

ولقد قسّم المسلمون الأعداد العربية إلى قسمين أساسيين هما: قسم زوجي وقسم فردي. وعرفوا كلا منهما، كما بحثوا في أنواعهما ونظرياتهما، وفي ذلك قالوا: «ما من عدد إلا وله خاصية أو عدة خواص، لا يشاركه فيها غيره». ولم يقف المسلمون العرب عند هذا الحد، بل بحثوا في النسبة والمتواليات وقسموها إلى ثلاثة أنواع:

  • 1- المتواليات العددية.
  • 2- المتواليات الهندسية.
  • 3- المتواليات التوافقية أو التأليفية.

وكشفوا عن بعض حقائق النسبة فيما يتعلق بالأبعاد والأثقال، وكيفية استخراج الأنغام والألحان من النسبة التأليفية. وقد بسط إخوان الصفا في القرن الرابع الهجري القول في ذلك، حيث ذكروا في رسائلهم: «إن علم النسبة علم شريف جليل، وإن الحكماء جميع ما وضعوه من تأليف حكمتهم فعلى هذا الأصل أسسوه وأحكموه، وقضوا لهذا العلم بالفضل على سائر العلوم، إذ كانت كلها محتاجة إلى أن تكون مبنية عليه، ولولا ذلك لم يصح عمل، ولا صناعة، ولا ثبت شيء من الموجودات على الحال الأفضل».

أما فيما يتعلق بالتناسب، وطريقة استخراج المجهول، فقد أبدعوا أيما إبداع، لقد أوضحوا استخراج المجهولات بالأربعة المتناسبة، وبحساب الخطأين، وبطريقة التحليل والتعاكس، وبطريقة الجبر. كما ابتكر المسلمون طرقًا جديدة في العمليات الحسابية حملت اسم المسلمين. ومما لا شك فيه أن المسلمين هم مبتدعو الكسر العشري بما هو عليه الآن من ابتكار الخط المستقيم الفاصل بين البسط والمقام. ويقول في ذلك الأستاذ الكبير لويس كارينكى في كتابه المؤثرات على تاريخ العلوم:

إن الكسر الاعتيادي واستعماله كما هو الآن من المعالم التاريخية التي يجب أن يفخر بها المسلمون.

ويقول العالم الرياضي المشهور «ل. فودستين» في مقالة بعنوان «الاعداد العربية»: «إن وصول الرياضيات لما هي عليه الآن يرجع إلى ابتكار المسلمين لعملياتهم الحسابية العظيمة». ومن الكتب التي وضعت في الحساب:

كتاب للخوارزمي الذي يعتبر الأول في نوعه من حيث التبويب والمادة العلمية؛ حيث بيّن فيه نظام الأعداد الهندي وطريقة استخدامها عمليَا عن طريق ضرب الأمثلة على ذلك، حتى يسهل على رجال المال والتجارة عملهم، كما أنه شرح فيه العمليات الحسابية الأربع الضرب والقسمة والجمع والطرح، وحدد موقع الصفر في العمليات الحسابية، كما عرض فيه العديد من الأمثلة بالنسبة إلى تقسيم الميراث[2]، ويعتبر كتابه أول كتاب في الحساب نقله الأوربيون إلى لغاتهم، واستمر زمنًا طويلا مرجعًا هامًا للعلماء والتجار والمحاسبين، ويدل الكتاب على أن المسلمين ابتكروا كثيرًا من المسائل التي تشحذ الذهن وتقوى التفكير، كما أنه يعكس الأسلوب المتميز الذي اتبعوه في إجراء العمليات الحسابية بحيث كانوا يوردون لكل عملية حسابية طرقًا متعددة تتمشى مع مراحل النمو. ومن الطريف أن علماء التربية الحديثة أوصوا باستخدام «خوارزمية الضرب بطريقة الشبكة» في المدارس الابتدائية لسهولة فهمها ومقدرة طلاب هذه المرحلة على استيعابها. وكتاب «الباهر» في الحساب والجبر وعلاقتهما بالهندسة للسموأل بن يحيى المغربى، وقد نشرت مخطوطة هذا الكتاب حديثًا في سوريا، وهو كتاب يعرف بعالم رياضي جليل يحتل مكانة عالية بين علماء العرب والمسلمين.

وهناك كتب كثيرة أخرى لا تقل أهمية عن ذلك مثل:

كذلك لعبت بعض المؤلفات في علم الحساب دورًا هامًا في الكشف عن اللوغاريتمات ووضع جداولها التي أصبحت عظيمة الفائدة في تسهيل حل المسائل المتضمنة أعدادًا كبيرة وتقوم فكرتها أساسًا على استبدال عمليات الضرب والقسمة بعمليات الجمع والطرح، ومعرفة الصلة بين حدود المتواليات الهندسية وحدود المتوالية العددية. ومن هذه المؤلفات كتاب «الجمع والتفريق» لسنان بن الفتح الحراني الذي شرح فيه كيفية إجراء عمليات الضرب والقسمة بواسطة عمليات الجمع والطرح. واستطاع ابن يونس المصري أن يتوصل إلى إيجاد القانون الاتي:

جتا س جتا ص = ½ جتا (س+ص) +½ جتا (س-ص). وكان لهذا القانون قيمة كبيرة عند علماء الفلك قبل اكتشاف اللوغاريتمات؛ إذ يسهل حلول كثير من المسائل الطويلة المعقدة. ومازالت في أوروبا جداول اللوغاريتمات المعروفة في عصرنا تحمل اسم الخوارزمي أو «الغوريتمى».

علم الجبر[عدل]

سرعان ما طرق المسلمون باب التاريخ وسجلوا لأول مرة "علم الجبر" وعنهم أخذ العالم هذه الكلمة"Algebra"" بأبعادها العلمية، لذا فعلم الجبر علمًا إسلامي النشأة وهذه الحقيقة يقرّ بها كثير من العلماء فيقول كاجوري في كتابه الرياضيات: إن العقل ليدهش عندما يرى ما قدمه المسلمون في علم الجبر، لأنهم في الحقيقة قدموه في صورة علمية ناضجة، سار على منوالهم فيها جميع الدارسين للرياضيات. وكان كتاب «الجبر والمقابلة» للخوارزمي هو مصدرهم الأساسي، ويعد الخوارزمي أول من استنبط هذا العلم واستخرجه، وقد أورد فيه 800 مثالاً، ونقله إلى اللاتينية «جيرار الكريمونى» خلال القرن (12م)، فاعتمدت عليه جامعات أوربا حتى القرن (16م) وبواسطته عرفت أوربا مبادئ علم الجبر. فكان محل اهتمام كثير من العلماء المسلمين لذا كتبوا حوله عددًا من الشروح والدراسات[3] كما توصل ثابت بن قرة إلى حجم الجسم المكافئ؛ ولهذا يعتبره كثير من الرياضيين مبتكر علم التفاضل والتكامل. وكتب البروفيسور «ديفيد سميث» في كتابه «تاريخ الرياضيات»: «إن ثابت بن قرة، صاحب الفضل في اكتشاف علم التفاضل والتكامل؛ حيث أوجد حجم الجسم المكافئ، وذلك في عام (256هـ). ومن المعروف أن علم التفاضل والتكامل أعان على حل عدد كبير من المسائل الصعبة والعمليات الملتوية». وتقدم عمر الخيام بعلم الجبر خطوات إلى الأمام، وله كتاب نشر حديثًا بأمريكا سنة (1932م)، غير كتبه الأخرى المترجمة إلى اللغات الاجنبية وخاصة الفرنسية، وقد تميز كتابه في الجبر عن كتاب الخوارزمي، وطور المعادلات الجبرية من الدرجة الثالثة والرابعة بواسطة قطع المخروط، وهو أرقى ما وصل إليه المسلمون في الجبر، بل هو أرقى ما وصل إليه علماء الرياضيات في حل المعادلات في الوقت الحاضر. كما كان لكتاب الجبر والمقابلة للخوارزمي شروح عديدة قام بها الكثير من علماء المسلمين الذين اهتموا بتطوير هذا العلم والتأليف فيه والإضافة إليه، مثل: أبي الوفاء البوزجانى، وأبي بكر الكرخي، والسموأل المغربي، وعبد الله بن الحسن الحاسب، وغيرهم.

    • ومن أبرز هؤلاء العلماء: الخليل بن أحمد الفراهيدي أحد أشهر علماء اللغة والشعر والأدب وعلم العروض والنحو. الجاحظ أحد علماء البلاغة والأدب. الأصمعيّ أحد علماء اللغة والأدب. الإمام أبو حنيفة بن ثابتٍ الكوفي وهو أحد علماء الفقه. القاضي أبو يوسف أحد علماء الفقه. المسعودي والذي برز في الجغرافيا. أبو الحسن بن الهيثم الذي برز في الفيزياء والرياضيات، محمّد بن زكريا الرازي الذي اشتهر في الطب، محمدٍ بن موسى الخوارزمي الذي برز في علم الجبر. جابر بن حيان وقد برز في الكيمياء .
    • ابن الهيثم: هو محمد بن الحسن بن الحسن بن الهيثم المكنى بأبي علي البصري، ولد في مدينة البصرة عام (965) ميلادية . وهو عالم في مجال الرياضيات والبصريات والهندسة ولديه العديد من الاكتشافات العلميّة التي تتطابق مع العلم الحديث . عاصر ابن الهيثم الخليفة العباسي الحاكم بأمر الله الذي كان يبدي اهتماماً بالغاً في العلماء في القاهرة حيث أنشأ هناك دار الحكمة المعروفة بدار العلم . كما درس ابن الهيثم الطب في بغداد عاصمة الخلافة العباسية آنذاك وتخصص في طب العيون . ورغم وجود العديد من كبار العلماء في المدينة إلّا أن أهل بغداد كانوا يقصدونه في طلب المعرفة في عدة مجالات . وقد توفي في القاهرة عام 1040م، ومن أهم كتبه كتاب جمع فيه بين هندسة إقليدس وأبولونيوس، وطبق عليه علم المنطق.[4]

علم الهندسة[عدل]

تعتبر الهندسة من أبرز شواهد الحضارة الإنسانية وتطورها، وللمسلمين فيها باع طويل، فقد حفظوها من الضياع طوال العصور الوسطى، وأسلموها إلى أوروبا لتبنى عليها، واستخدموا الجبر في بيان أوجهها، وشرحوا، وفرعوا، وأضافوا إضافات جديدة، كأسس الهندسة التحليلية، ولا يخفى أن الرياضيات الحديثة تبدأ منها، وترجموا كثيرًا من الكتب لإقليدس وبطليموس وأرشميدس. ثم تصدى لشرح كتاب إقليدس وبرهان مسلماته كثيرون مثل: البيروني، والحسن ابن الهيثم، وعمر الخيام، وغيرهم كما تطرقوا إلى قضايا وبحوث جديدة لم يتناولها إقليدس.

وكان كتاب ابن الهيثم «شرح مصادرات إقليدس» الذي عنى بالمسلمات، وكتابه «حل شكوك إقليدس في الأصول وشرح معانيه» من أهم المؤلفات التي أثارت العديد من المجادلات والمناقشات العلمية، وفتحت الباب لمزيد من التأليف في هذا المجال. وبقيت أوروبا تستعمل في جامعاتها هندسة إقليدس المترجمة عن اللغة العربية حتى القرن (16م)، واستطاع عمر الخيام أن يبرهن أن مجموع زوايا أي شكل رباعى تساوى (360ْ) ومجموع زوايا أي مثلث تساوى (180ْ). وكان للبيرونى جهود مشكورة في علم الهندسة، ومن كتبه «استخراج الأوتار في الدائرة بخواص الخط المنحنى فيها»، وقد أراد البيرونى في هذا الكتاب تصحيح دعوى القدماء اليونانيين في انقسام الخط المنحنى في كل قوس بالعمود النازل عليها من منتصفها والتغيير من خواصه. وقد ركز علماء المسلمين على الهندسة التطبيقية، ويتجلى هذا بوضوح في بعض مؤلفات ابن الهيثم كمقالته في «استخراج سمت القبلة»، ومقالته «فيما تدعو إليه حاجة الأمور الشرعية من الأمور الهندسية»، وكتاب طابق فيه بين الأبنية والحفور بجميع الأشكال الهندسية، وغيرها، ومن المؤلفات القيمة في علم الهندسة كتاب «الشكل الهندسى» لمحمد بن موسى بن شاكر، وكتاب في «استخراج المسائل الهندسية» لثابت بن قرة، وكتاب في «الأعمال الهندسية» لنفس المؤلف، وكتاب «الأعمال الهندسية» لأبى الوفاء البوزجاني. وأعطى الكندي جزءًا كبيرًا من وقته لعلم الهندسة؛ فألف فيها (32)كتابًا ورسالة، منها رسالة في «الهندسة الكروية»، ورسالة في «الأشكال الكروية»، ورسالة في «الهندسة المستوية»، وكتاب في «تسطيح الكرة» وغير ذلك.

علم حساب المثلثات[عدل]

وعلم حساب المثلثات علم عربي إسلامي، ويسمى علم الأنساب وهو فرع من فروع الرياضيات يبين النسب بين أضلاع المثلث وزواياه، ويعترف جميع علماء الرياضيات الأوربيين بأن المسلمين أسهموا الإسهام الأساسي في إنشاء علم المثلثات، وأن الفضل يرجع لهم في جعله علمًا منتظمًا ومستقلا عن علم الفلك، وقد كانوا يستخدمون هذا العلم في قياس المساحات الكبيرة والمسافات الطويلة، ودراسة الفلك والاهتداء في الملاحة البحرية.[5]

وقد قال «رام لاندو» في كتابه «المؤثر على حضارة العرب»: «إن حساب المثلثات في أوروبا كان مأخوذًا من علم حساب المثلثات عند المسلمين. ويقول» ديفيد سميث «في كتابه تاريخ الرياضيات»: «...ولم تدرس المثلثات الكروية المائلة بصورة جديدة وجدية إلا على أيدى العرب والمسلمين في القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي» وقد قام المسلمون بحل معادلات مثلثية كثيرة عن طرق التقريب، وهم أول من أدخل المماس في إعداد النسب المثلثية. ويروى مؤرخو الرياضيات أن علماء المسلمين كانوا هم أول من استعمل المعادلات المثلثية، وإليهم يرجع الفضل في تطوير الظل والجيب في علم حساب المثلثات. ويقول "جوزيف هل" في كتابه "حضارة العرب": "إن علم الجيب والظل يعتبر من تراث السلمين"، ويضيف الدكتور "دارك ستروك" في كتابه "المختصر في تاريخ الرياضيات": "إن كلمة جيب كلمة عربية، وهذا لا يترك مجالا للشك في أن الفضل يرجع إلى المسلمين في تطويرها إلى ماهي عليه الآن". ومن العلماء المسلمين الذين برزوا في هذا العلم ابن سنان البتانى، وهو أول من استعمل المعادلات المثلثية، وأبو الوفاء البوزجانى أول من أدخل المماس في عداد النسب المثلثية، واستخدم المماسات، والقواطع، ونظائرها في قياس المثلثات والزوايا. كما ابتكر طريقة لإنشاء جداول للجيوب في المثلثات المستوية، وأعطى جيب نصف الدرجة صحيحًا لثمانية أرقام عشرية، ووضع جداول لنسبة الظل التي أدخلها مع نسبتي القاطع وقاطع التمام. ومن العلماء الذين أسهموا في علم المثلثات: أبو العباس التبريزى، وأبو جعفر الخازن في القرن الرابع الهجري، والبيرونى، والعالم الأندلسي الجليل أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى النقاش المعروف بابن الزرقالى عند الغربيين، وكان له أثر عظيم في علم حساب المثلثات وخاصة المثلث الكروى، ووجد اسم جيب الزاوية واستعمالها في كتاب ابن الزرقالى. وقد ألف كذلك جداول لعلم حساب المثلثات ترجمها الغرب إلى اللاتينية. ويقول "سيديو" عن إنجازات البتانى في علم المثلثات: "يرجع أول تقدم في علم المثلثات إلى البتانى، فقد بدا لهذا الفلكي العظيم -الملقب ببطليموس العرب- أن يستبدل الأقواس بالأوتار للأقواس المضاعفة أي جيوب الأقواس المقترحة". ثم يذكر من أقوال البتانى قوله: "لم يستعمل بطليموس الأوتار الكاملة إلا لتسهيل التطبيقات، وأما نحن فقد اتخذنا أنصاف الأقواس المضاعفة". وانتهى البتانى إلى الدستور الأساسي للمثلثات الكرية فطبقه غير مرة، ونجد في كتب البتانى لأول مرة مبدأ مماس القوس، وتعبير (جيب تمام الجيب) الذي لم يستعمله الإغريق قط، وأدخل البتانى هذا المبدأ إلى حسابات الساعة الشمسية فسماه الظل الممدود، وليس هذا سوى المماس المثلثي عند علماء الوقت الحاضر. وأضاف "إيرك بل" في كتابه "تطورات الرياضيات": "إن البتانى هو أول عالم أدخل علم الجبر على علم حساب المثلثات بدلا من الهندسة كما كان الحال في القديم. ومن أشهر المشتغلين بعلم الرياضيات والميكانيك: أبناء موسى بن شاكر، وقد عالجوا ألوانًا من التأليف طرقت: علم الحيل، وعلم المثلثات؛ حيث لجأوا إلى طريقة جديدة تعتمد المنحنيات في تقسيم الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية، ووضع مقدارين ليتوالى على قسمة واحدة واستعملوا القانون المشهور في عالم المثلثات باسم "قانون هيرون"، وذلك لتقدير مساحة المثلث إذا علم طول كل ضلع من أضلاعه.

وقضى أبو الوفاء جل وقته في دراسة مؤلفات البتانى في علم حساب المثلثات فعلق عليها وفسر الغامض منها. ويقول الدكتور «موريس كلاين» عن أبى الوفاء في كتابه «تاريخ الرياضيات من الغابر إلى الحاضر»: «إن أبا الوفاء عرف بعض النقط الغامضة في مؤلفات العالم المسلم المشهور البتانى وشرحها». وهكذا أسهمت الحضارة الإسلامية في إثراء الفكر الرياضي بأهم مقومات تقدمه وازدهاره، وهي العناية بالبحث العلمي والتطبيقي إلى جانب الدراسات النظرية على أساس علمي سليم يعتمد على المنهج التجريبي الاستقرائي؛ ولهذا حفل التراث العلمي الإسلامي بالكثير من النظريات والأفكار الرياضية الأصيلة التي أجمع المؤرخون على أهميتها واعتماد المحدثين عليها. ويقول الكاتب «رام لاندو» في كتابه «مآثر العرب في الحضارة»: «إن المسلمين قدموا كثيرًا من الابتكارات في حقل الرياضيات، ومع ذلك فإن معظم الأمريكان والأوربيين لم يعودوا يتذكرون من أي مخزن اكتسب العالم المسيحي الأدوات التي لم يكن لتصل الحضارة الغربية إلى مستواها الحالي إلا بها". وظهر من علماء الرياضيات النابغين مجموعة كبيرة تكمل انجازات السابقين وتبنى عليها ومن هؤلاء: نصير الدين الطوسي، وكان عالمًا فذًا في الرياضيات والفلك، ويقول «جورج سارتون» في كتابه تاريخ العلوم: «إن نصير الدين الطوسي يعتبر من أعظم علماء الإسلام ومن أكبر رياضييهم "فأبدع في علم الرياضيات بجميع فروعه، ويوضح ذلك الدكتور «موريس كلاين» في كتابه "تاريخ الرياضيات من الغابر حتى الحاضر": "أن نصير الدين الطوسي كان يعرف معرفة تامة الأعداد الصم، ويظهر ذلك من بحوثه لمعادلات صماء مثل:

الجذر التربيعي لـ (أ ب) = حاصل ضرب الجذر التربيعي لـ (أ) × الجذر التربيعي لـ (ب)، والجذر التربيعي لحاصل ضرب (أ2) × (ب2) = أب.

كما كانت لديه خبرة جيدة بالدوال الجبرية الصماء، وبالمثلث الكروي القائم الزاوية وهذا يظهر من رسالة "الأشكال الرباعية الأضلاع "، ويقول الدكتور "درك سيترك" في كتابه "ملخص تاريخ الرياضيات": "إن نصير الدين الطوسي من المفكرين الاوائل في الاعداد التي ليس لها جذور-الأعداد الصم-، ولو أعطى كل ذي حق حقه فإنه من الجدير أن يقال إنه المبتكر الأول لهذه الأعداد التي لعبت في الغابر دورًا مهمًا ولا تزال لها أهميتها العظمى في الرياضيات الحديثة التي تدرس الآن في جميع أنحاء العالم. واشتهر نصيرالدين الطوسي بعلم حساب المثلثات، فألف فيه كتاب " شكل القطاعات"، وهو يحتوى على حساب المثلثات فقط، فنجح بذلك في فصل حساب المثلثات عن علم الفلك، ويذكر الدكتور "ديفيد يوجين سميث" في كتابه "تاريخ الرياضيات": "إن نصير الدين كتب أول كتاب في علم حساب المثلثات سنه 648هـ نجح فيه نجاحًا تامًا في فصل حساب المثلثات عن علم الفلك"، ثم أضاف "...إن نصير الدين هو أول من طور نظريات جيب الزاوية إلى ما هي عليه الآن مستعملاً في المثلث المستوى". وأوضح البروفيسور "إريك بل" في كتابه "الرياضيات وتطويرها عبر التاريخ": أنه كان لكتاب نصير الدين الطوسي في علم حساب المثلثات الأثر الكبير في علماء الرياضيات في الشرق والغرب، بما فيه من الابتكارات الجديدة التي أفادت وطورت هذا الحقل". كما اهتم بالهندسة الفوقية، أو الهندسة الإقليدسية، فقال البروفيسور "درك سترديك" في كتابه "ملخص تاريخ الرياضيات": "إن نصير الدين الطوسي حاول بكل جدارة أن يبرهن على الموضوعة الخامسة من موضوعات إقليدس، فكانت محاولته بدء عصر جديد في علم الرياضيات الحديثة؛ لهذا انصبت عقليته العظيمة على برهانها، وهو: (أن مجموع زوايا المثلث تساوى زاويتين قائمتين). وألف نصير الدين الطوسي أكثر من (145) مؤلفا في حقول مختلفة منها: علم حساب المثلثات، والجبر، والهندسة، والجغرافية، والهيئة، وغيرها منها: مقالة تحتوى على الشكل القطاعي السطحي والنسب الواقعة فيه، والرسالة الشافية عن الشك في الخطوط المتوازية، كتاب تحرير إقليدس، وغيرها؛ ولهذا فإن نصير الدين ترجم ودرس واختصر، وأضاف نظريات جديدة إلى إنتاج من سبقه من علماء شرقيين وغربيين، فأرسى قواعد إنتاجه العلمي على تجاربه، وتجارب الآخرين وألوان نشاطهم المختلفة، كما كان نصير الدين الطوسى موسوعة في العلوم كلها، فألف كتبًا كثيرة استفاد منها من تبعه.

مراجع[عدل]

  1. ^ أحمد الملا (1406هـ). أثر العلماء المسلمين في الحضارة الأوروبية (ط. 2). دمشق: دار الفكر. ص. 152.
  2. ^ طه عبدالمقصود (2004م). الحضارة الإسلامية دراسة في تاريخ العلوم الإسلامية نشأتها في المشرق وانتقالها إلى الأندلس (ط. 1). بيروت: دار الكتب العلمية. ص. 209.
  3. ^ طه عبدالمقصود. الحضارة الإسلامية. ص. 204.
  4. ^ شوقي أبو خليل و نزار أباضة (2007). لوحات مضيئة في الحضارة العربية الإسلامية. دمشق: دار الفكر. ص. 100.
  5. ^ أحمد الملا. أثر العلماء المسلمين. ص. 160.