الأفق الأعلى
هذه مقالة غير مراجعة.(نوفمبر 2024) |
الأفق الأعلى | |
---|---|
معلومات الكتاب | |
المؤلف | فاطمة عبدالحميد |
البلد | الإمارات العربية |
اللغة | اللغة العربية |
الناشر | منشورات ميسكلياني - الإمارات |
تاريخ النشر | 2022 |
مكان النشر | الإمارات العربية |
النوع الأدبي | سوداوية ساخرة |
التقديم | |
عدد الصفحات | 230 صفحة |
الجوائز | |
القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2023 | |
المواقع | |
ردمك | 9789938740219 |
تعديل مصدري - تعديل |
الأفق الأعلى (بالإنجليزية:Upper horizon)، رواية عربية للكاتبة السعودية فاطمة عبدالحميد[1] صدرت عام 2022م عن دار النشر الإماراتية ميسكلياني، وتعتبر إحدى أنجح وأشهر روايتها حيث تم ترشيحها بالقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2023م [2][3][4][5] ثم تم ترشيحها بالقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية لنفس العام[6][7].
الحبكة
[عدل]كُتبت "الأفق الأعلى" بسخرية سوداوية، كما لو يرويها الملاك عزرائيل[8]، ملاك الموت، الذي يخاطب القارئ مباشرة ويخبره عن الأشخاص الذي يلتقي بهم وعن ردود أفعالهم عند اللحظة الحاسمة. ومن خلاله، نتعرف على سليمان، أرمل في الخمسينيات من عمره، كانت قد زوّجته أمه بفتاة تكبره بإحدى عشرة سنة، وهو لا يزال مراهقاً في الثالثة عشرة من عمره. وكان يعيش طوال عمره في ظل حماية نساء مختلفات، ولا يستطيع الاعتناء بنفسه أو القيام بأبسط الأشياء، وبذلك يمثّل صورة معاكسة للصورة النمطية للرجل العربي القوي. يبقى سليمان وحيداً في شقته إلى أن يلمح من شرفتها طيف جارته، التي ستصبح شريكة له في مغامرة حب لم تكن في الحسبان. وكأن الرواية تقول إن التخطيط والتنبؤ بالمستقبل أمران مستحيلان، فقد تخدعك الحياة ويعبث بك الموت؛ ومهما فعلت، لا تستطيع الإفلات من حتمية الأقدار.[9][10]
القضايا الرئيسية
[عدل]يتناول النص الأدبي المنافس على جائزة البوكر العربية لعام 2023م قضايا مثل الوحدة، وتفضيل إنجاب الذكور، والزيجات الفاشلة بأنماطها المختلفة المنزلقة في بعضها إلى الخيانة والتي تارة ترجع إلى الحرمان العاطفي، أو الرتابة الخانقة، إهمال البيت من أجل التفوق المهني، أو غياب القوامة، ومن حكمت حياتهما قاعدة قليل من الثقة مزيد من التكاثر بافتراض أن الرجل تكبح الأبناء جماحه.[11]
زواج القُصّر من الذكور
[عدل]في رواية “الأفق الأعلى" للكاتبة السعودية فاطمة عبد الحميد نجد أنفسنا أمام سليمان، الطفل الذي سرقت طفولته منه بتزويجه في سن الثالثة عشرة من عمره، لإمراة في الثالثة والعشرين من عمرها. طفل لم تمل قدماه بعد من ركل الكرة، واللعب مع أقرانه في الملعب، لم يحفل بنداء الرجولة الذي فرضته والدته عليه "ليفعل ما يفعله الرجال" مع نسائهن. هرب مراراً من غرفته، من أحضان تلك الشابة ذات الوحمة الجلدية التي تغطي وجهها، فتشوهها الجسدي كان الدافع وراء قبول هذا الزواج الذي يفتقر إلى كل مقومات التكافؤ، فليس للمرأة في نظر هذا المجتمع الذي يقيمها، حسب طول قامتها، ولون بشرتها، وتناسق ملامحها، أي فرصة للزواج، إن عازها شيء من الجمال.
سليمان يستعد لركل الكرة، ليسدد الهدف الذي سيجعل منه بطلا في عين أقرانه، لعله بذلك يخفف من وطأة سخريتهم من أذنيه الخفاشيتين، أذنا وطواط، لكنه تجاهل سماع نداءات أمه، "افعل ما يفعله الرجال"، حينما جاءته لتخطفه من بين أقرانه، الذين يسخرون منه: "سليمان يحرد من بيت العرسان". وتحبسه في غرفته ليقوم بواجب الزوجية الذي لا يفقه عنه شيئا، وتبقى تلك الركلة معلقة في ملعب حياته، تنتظر تسديدة منه إلى شباك المرمى، ولا تأتى إلا حين يأتي إليه ملك الموت وهو في الخمسين من عمره.
" لم يكن طفلاً يوماً.. هذا ما أنتابه لحظتها. إنه رجل منذ القدم. رجل فحسب".
يُقال: تعددت الأسباب والموت واحد، لكن الكاتبة ها هنا تعيد تعريف الموت عبر حياة سليمان ليصبح هو المعادل الموضوعي لفكرة سرقة الطفولة المبكرة وانتهاك حرمتها، رغبة من والدة سليمان التي ترملت بخلود نسلها.
يولد الموت في داخلنا تلك الرغبة الجامحة نحو ترك ما يدل على وجودنا في هذه الحياة، يسميه البعض أثراً، أو بحثاً عن الخلود، وقد تكون تلك المحاولات التي تشبه محاولات جلجامش في البحث عن عشبة الخلود نوعا من التعبير عن الرفض والغضب المكبوت ضد فكرة وجودنا المؤقت والعابر في هذه الحياة، يقول زيجمونت باومان: "الخلود ليس مجرد غياب للموت. إنه تحد للموت وإنكاره".
وجود يمضي كلمح البصر، كسراب يخاله الظمآن ماء، ويظنه المرؤ حياة، لكن سرعان ما يتكشف له أن لحظة ولادته هي الخطوة الأولى له في مسيرته نحو الموت، على حد توصيف هيدغر.
فأن تعيش الحياة معناه أن تقر بالنهاية الحتمية لوجودك، وهذا الإقرار يخالطه رعب الفناء، والشعور الدائم بصراع المرء مع الزمن، فالزمن هو نكبتنا الكبرى، وساعتنا الرملية تنسل حبيبات رملها أمام أعيننا، فلا يبقى أمام إدراكنا بأن التمرين الأول على الحياة هو الحياة نفسها، وبأننا نعيش في الأغلب خارج "حيز أنفسنا" لنكون صورة لما يريده المجتمع منا لا ما نحن عليه حقا. فكما يقول كونديرا في روايته "الخلود": أن يحيى المرء معناه، أن يحمل أناه المتألمة عبر العالم، فالألم هو الضريبة التي لابد من دفعها لقاء أن يكون المرء ما يريد.
لكن من سيسمع نداء طفل كل ما يريده هو لعب الكرة؟ لا أحد حتماً، إن كان الطفل يُرى كامتداد لظل الآخرين، آلة لتحقيق أحلام والديه، أو باقي عشيرته، فنحن نعيش في مجتمعات لا تحفل بالفردية في خضم ما تريده الجماعة أو العشيرة.
على لسان الموت تسرد الكاتبة أحداث روايتها، بعبارات قاطعة تهكمية "لا حقيقة سواي"، إذ يسخر الموت وهو يشاهد البشر وهم منغمسون في مشاغلهم، بينما يترصد بهم، ويبسط إليهم كفه، مجهضاً أماني كنا نرى تحقيقها قاب قوس أو أدنى، هادماً بمخاطبته القارئ مباشراً كل الحواجز النفسية، التي يضعها المرء حين ينغمس في القراءة، ولا مجال ها هنا للاستعارات أو المواربة، يقول الموت قولته بما لا تحتمل من تأويل ويمضي ليتابع حصد الأرواح، فهو لا يخاف أحداً. ليس صحيحاً أن تعدد الأسباب سيفضي حتماً إلى الموت الواحد، فللموت أوجه عديدة تتجاوز في جوهرها انفصال الروح عن الجسد وبرودة الأعضاء، وتوقف الجسم عن القيام بالوظائف الحيوية. كأن يموت المرء شوقاً واشتياقاً، أن يحن إلى من يحب بألف حنين، "وكل حنين يهز الضلوع"، أن يتجرع مرارة الوحدة، وعلقم الخذلان، أن يصاحب صفحة وجهه فلا يرى من حوله من يؤنس غربة روحه، أو يروي ظمأ أيامه للرفقة، أن يعتاد سماع صوته في لجج الصمت المطبق من حوله، أن يموت المرء كمداً، حسرة، وشكاً، وخيبة حين لا يبقى ما ينتظره أبداً في هذه الحياة، حين يفقد الدافع للنهوض من سريره، أو اتباع حمية غذائية ليرتدي "الفستان الأحمر".
مما ورد على لسان الموت في الرواية:
"لعل أكثر ما يثيرني هو أن أرى شخصاً يموت على غير يدي.. كالموت حباً، والموت غربة ووحدة، وكلاهما لا يمتان إلى بصلة، فكل موت ما عداي يظل مطالبا بتقديم أسبابه".
بيد أن كل تلك التنويعات على مقام الموت لا تستوجب بكاء الآخرين، أو تعاطفهم، أو أن يذكّروا أنفسهم بضرورة تذكر محاسن موتاهم، فلا يتجلى حب الإنسان لأخيه الإنسان، إلا حين يحمل على الأكتاف، ويستحيل اللقاء، أو الغفران، أو التعويض عن مرارة الحرمان. كل صور الموت المجازية هي "ترف نفسي"، أو يوسم أصحابها "بالهشاشة النفسية"، فأن تموت حباً، أو غربة، أو وحدة، يعني أنك رهنت مصيرك بمصير فان آخر، متقلب بطبعه، لا يستقيم له ود، ولا يدوم له صاحب، وتنهال عليك آيات اللوم والتقريع، فلا تعلق قلبك بغير ربك، ولو كنت ذا إيمان متين لما حاد القلب عن جادة الصواب، وأمسى هشيما تذروه الرياح. نحن أحن ما نكون في بيوت العزاء، مترعة عيوننا بالدموع التي حبست، وجمدت منذ آخر خصومة، وعداوة نشبت بيننا وبين من فارقنا اليوم، دموع مهراقة تنسكب حسرة على ما فرطنا من محبة وتسامح، وما أن تنتهي أيام العزاء حتى نعود إلى سابق عهدنا، نكيل العتاب لمن لم يقم بواجب العزاء، ونستحدث عداوة جديدة. في مجتمعاتنا لا مكان لمساءلة اليقينيات أو التشكيك في صحتها، لا مكان لإعادة تعريف الموت مثلا، ولا لرسم علاقة جديدة معه، الموت حسب ثقافتنا رحلة عبور إلى حياة أخرى، لكن الكاتبة في روايتها هذه أعادت تعريف الموت اليقيني الدلالة مجتمعيا بكثير من الشجاعة، قد يرى البعض في محاولتها استخفافا بهيبة الموت، أو لعباً في المنطقة المحظورة مجتمعيا ودينيا، فكما أن الكاتبة أعادت تعريف الموت في روايتها من خلال قصص أبطالها، فقد تجرأت لتقدم صوراً مغايرة لما اعتدنا عليه في أدوار كل من المرأة والرجل في علاقات معقدة، تقارب المحظورات الجنسية والعاطفية، بعيدا عن تكرار صورة المرأة الضحية والذكر المتجبر المتسلط.[12]
المقام الأول من مقامات الموت: طفولة مسفوحة على مذبح الرجولة
[عدل]"لم يكن طفلاً يوماً.. هذا ما انتابه لحظتها. إنه رجل منذ القدم. رجل فحسب"
تجلت الصورة الأولى للموت في الرواية بسلب طفولة سليمان، وسلب رجولته، حين زوجته أمه حمدة، وهو في عمر الثالثة عشرة من امرأة تكبره بعشر سنين، ليملأ البيت عليها أطفالاً، إذ تحول الطفل بنظرها إلى ماكينة تخصيب تضمن استمرار النسل، فبعد أن مات عنها زوجين، وبقيت مع وحيدها، حاربت كل الأعراف والتقاليد، وعكست الآية التي لم ينكرها المجتمع يوما، فأن تتزوج قاصر ممن يكبرها فلا بأس في ذلك، ولكن أن يتزوج فتى قاصر ممن تكبره ففي ذلك ظلم له حسب رأي المجتمع الذي لا يحفل حقا بصوابية نظرته للعدل!
بقي سليمان طوال حياته مع زوجته "نبيلة" يشعر بالعار، بالذل، بالمهانة، يتذكر كيف كان يهرب من سريرها طفلا، وكيف أخذت بيده لتعلمه كيف يكون رجلا، ولا يخفى ها هنا لو تجاهلنا مسألة الفارق العمري ـ وهو أمر صعب التجاهل ـ أن نجد بذرة لتفكير ذكوري تفترض أن الثقافة الجنسية، والمبادرة بالجنس شأن ذكوري، وأي تعد على حمى تلك المنطقة من قبل النساء يعد انتقاصا من رجولة الذكر.
عاش سليمان حياته تحت وصاية أمه "حمدة"، ومن بعدها زوجته "نبيلة"، نجد أنفسنا حتى هذه اللحظة في ظل مجتمع ماترياركي "أمومي"، لكنه لا يختلف كثيرا عن قمعية المجتمع البطريركي "الذكوري"، وهذه الحالات رغم ندرتها في مجتمعاتنا الشرقية إلا أنها وجدت طريقها إلى قلم الكاتبة لتصف ما يقع من ظلم أيضا على الرجل، فالظلم الذي تعالجه بصورته الأعم هو سلب الإنسان حقه في الاختيار، سواء أكان رجلاً أم امرأة.
وجد سليمان بعض السلوى في بناء بيوت من أعواد الكبريت، مع ما تحمله تلك البيوت من دلالة الهشاشة، والانهيار الوشيك، والقابلية لاحتراق كل شيء، فكأنه يعوض بتلك البيوت وإن كانت هشة لكنها من تصميمه، ووفق مخططه بنيت، عن غياب اختياره حين زوجته أمه طفلا وليفتح "بيتاً".
تعيد "نبيلة" تمثيل دور حماتها "حمدة"، فتمارس الوصاية والتدخل في شؤون حياة أبنائها، تختار الزوجة التي تراها هي مناسبة لابنها، تختار هدايا أعياد ميلاد زوجات أبنائها، وترسل صورة للهدية، ولا تترك مجالا للانفكاك من سطوة اختياراتها، فاقتراحاتها ترقى لمرتبة الإلزام لا النصح، فترسل لابنها اسم المحل ليشتري الهدية التي اقترحتها منه. أن تحيا يعني أن تتحمل نتيجة اختياراتك، لكننا هاهنا نجد سلب حق الإنسان في الاختيار، وسلب إرادته، وحريته إحدى أوجه الموت التي ألمحت إليها الكاتبة. ملمح آخر من ملامح سطوة النساء في الرواية علاقة أحد أبناء سليمان مع زوجته المهووسة بالنجاح المهني، والسعي خلف وهم "الإنجاز"، فلا مكان للعاطفة، أو العلاقة الحميمية، أو إنجاب الأبناء، فمسيرتها المهنية أهم من أي اعتبار.
المقام الثاني من مقامات الموت: حب مجهض
[عدل]"أحبك بمعنى أني أحياك"
يمضي سليمان أكثر من ثلاثين سنة "هادئة" نسبياً في زواجه مع نبيلة، زواج لا ينقصه سوى الحب، لكن غياب الموت لا يعني تصدر الخلافات، بل هو الهدوء المقيت، هدوء صامت، لا يأمل أحد تغير أحد، لكنه لا يرضى عن شريكه، ويشعر بغياب شيء ما، قد يكون هو الحياة نفسها! تموت "نبيلة" الإنسانة الرياضية، المتبعة للحمية طوال حياتها، وهي تركض في الممشى. يحرر موتها سليمان من سطوة قوانينها التي فرضتها عليه، ويسأل: كيف للموت أن يأتي هكذا، ويخطف نبيلة دون سابق إنذار، لكن موتها كان بالنسبة له، ولادة جديدة. فمن الموت تخرج الحياة، لتبدأ قصة حب سليمان مع جارته "سمر" الأربعينية، التي تزوجت من رجل أبله، "فاضل" مدلل والدته، اللاهث خلف رغباته، هاجرا زوجته، التي لم تجد من يشبع جوع جسدها سوى علاقات عابرة مع هذا وذاك، فالمرأة التي قدمتها الكاتبة لتقع في شباك الحب لم تكن قديسة، ولم تنكر سطوة نيران الرغبة حين تحرق كل ذرة في جسدها الذي يركض نحو الشيخوخة، ويحتاج إلى اعتراف ذكوري بأنوثته المهملة من قبل زوج لا يحفل بزوجته، وكل ما يهمه أن لا يعكر صفو راحته شيء، فتكفلت والدته بمنح زوجته شقة فاخرة لتقيم فيها، مقابل أن تنجب من ابنها من يحمل اسم العائلة. تجاهلت كل الشائعات التي كانت تتداولها الألسن حول علاقات "سمر" مع الرجال، وهنا تظهر عقدة الأم الشرقية التي تحرص على استمرار نسل ابنها وإن كانت بصورة تبدو للوهلة الأولى عكس صورة "حمدة"، ف"حمدة" قذفت بابنها إلى عالم الرجولة وهو طفل، لينجب لها أحفادا، بينما "أم فاضل" حمت طفولية تصرفات ابنها الرعناء اللامسؤولة، مقابل أن تتكفل بتوفير المسكن والمأكل ل"سمر"، آلة الانجاب لاستمرار النسل. يعاني "قصي" أحد أبناء "سليمان" من زوجته "أسماء" المهووسة بالنجاح المهني، والسعي خلف وهم "الإنجاز"، فلا مكان للعاطفة، أو العلاقة الحميمية، أو إنجاب الأبناء، فمسيرتها المهنية أهم من أي اعتبار. هذا هو الوجه الثاني للموت في الرواية: "غياب الحب" والشوق، والرغبة، أن يمسي الإنسان كائنا بارداً بملامح متجمدة، ليظهر أمام الجميع متماسكاً حرصاً على مظهره الاجتماعي، لكنه يحترق من الداخل كمدا لغياب الحب عن حياته.[13][14]
"الشيطان والحب وحدهما قادران على العبث بالبشر. أما الشيطان فأمره هيّن، إذ تكفي النية الصادقة أو الموسيقى لطرده. أما الحب. فلا شيء يمحوه، بل إن كل ما يحدث وما لا يحدث يكون سبباً في إحيائه".
المقام الثالث من مقامات الموت: الخيانة والخذلان
[عدل]في رواية "الخوف من الطيران" لإريكا يونغ كشفت ورقة التوت عن سوءة العلاقات الجنسية بين المرأة والرجل، متخطية بجرأة لم يعهدها الأدب من كاتبة كل المحظورات في وصف تفاصيل مغامراتها الجنسية، لكن ما يجعل لتلك الرواية قيمة في نظري ليس سرد تفاصيل العلاقات الجنسية، بل تحليلها نفسيا، وبخاصة حين قالت إن الجنس شأن عقلي خالص، فالجنس كما أشار إريك فروم هو في أحد أوجهه أداة نفسية، لمواجهة الضغوطات، أو الحاجة إلى الاعتراف.
في رواية الأفق الأعلى تستثمر الكاتبة دراستها في مجال علم النفس، لتتحدث عن مشاعر زوجة تعلم أن زوجها لا يرغب بها، وإن لم يصرح بذلك، وأنه حين يغمض عينيه عندما يقبلها تدرك أنه يستحضر عشرات النساء في مخيلته، وحين يضاجعها لا يعدو جسدها أن يكون كومبارسا، بينما تطوف عشرات النساء عرايا في مخيلته. هذا البعد النفسي في وصف العلاقة الحميمة هو ما يمنح قصة "باسم" مع زوجته "منال" بعدا يقارب إحدى صور الموت، وهو الخيانة أو لنخفف من حدة الوصف ولنقل الخذلان، فهو إن خانها في خيالاته، بل على أرض الواقع في أسفاره العديدة، فهي قاومت ذاك الخذلان، الذي ترى فيه موتا لزواجها، بأن جعلت من إنجاب الأبناء حبلا لربط الأب المتفلت عاطفيا!، تلك الحيلة التي تلجأ إليها كثير من النسوة لأطالة عمر زواج يلقط أنفاسه الأخيرة منذ بدايته! قد تضمن تلك الحيلة بقاء الزوج قريبا من عائلته، لكنها لن تزرع الحب يوما في قلبه تجاه زوجته.
القصة الثانية التي تجلى الموت فيها بمظهر الخذلان، هي حين طرد "سليمان" من سيارته فتاة شابة كانت تهرب من شيء ما في الشارع، وتوسلت إليه أن يبقيها، لكنه أصر على معرفة ما تهرب منه وإلا فلتخرج من سيارته، خرجت وكان الموت ينتظرها، إذ صدمتها شاحنة فور خروجها راكضة مرة أخرى. أن تخذل من احتمى بك، من وثق بك، من رأي في عينيك واحة أمانه واستقراره، أن تخذله يعني أن تموت في عينه وفي عيني نفسك أيضا. للموت أوجه إن أنكرناها في تعرفنا جيدا، تحدق في أعيننا لنرى كم مرة تسببنا في موت قلب، وجرح نفسا، وكآبة منظر.
المقام الرابع من مقامات الموت: لعنة الظل
[عدل]"ليس ثمة نهايات سعيدة في حياة تقف على ساق واحدة"
تمثل قصة أمجد أصغر أبناء سليمان، وأكثرهم شبها به، إذ له اذنان خفاشيتان مثل والده، أحد أوجه القتل الرمزي، حين أصرّ أمجد على الانسلاخ عن أي شبه قد يكون ملحوظا بينه وبين والده، وكأنه يقتل أباه رمزيا، ليتحرر منه، فعمد أمجد إلى إجراء عملية تجميلية لأذنيه، لكن لم ينتبه إليه أحد.
"سليمان" بدوره حين اكتشف علاقة حبيبته "سمر" بالصيدلاني، قرر أن يقتل حبها في قلبه، فسعى إلى التقرب إلى زوجها ويمضي في حياته وكأن "سمر" وحبها لم يولد يوما في قلبه، ارتدى وهي في الخمسين من عمره ملابس لاعبي كرة القدم وطلب من أبنائه استئجار ملعب، ليسدد الهدف الذي سحبته أمه حين كان طفلا قبل تسديده، فكانت هذه المباراة بمثابة مباراة اعتزال لسليمان لا في ملاعب الكرة بل في الحياة نفسها. لكن الملابس، والتظاهر بالسعادة لم تنجح في قتل ذاك الحب، ولا في استعادة الحياة التي لم يعشها يوما.
تحاول الكاتبة في آخر الرواية لملمة تلك الحكايات المتشعبة في روايتها، وربطها قائلة: "أليست "سمر" هي الطفولة التي لم يعشها "سليمان"؟ أيحب "قصي" بالفعل "أسماء" أم هي آخر ما بقي له من أمه؟ وذاك الذي تعثر به "باسم" في تركيا، أهو حبّ أم بحث مشروع عن حياة لم يعشها؟ والأذنان المشكوكتان بثلاث غرز في كل اتجاه، أهي محاولة أمجد للهروب من شبهه بأبيه؟"
الأحداث الرئيسية
[عدل]جاء زواج سليمان الريس حدث يشكل محور الرواية. سليمان وحيد أمه، يتيم، تزوج من نبيلة التي تكبره بنحو العقد، وبين ليلة وضحاها صار مطلوبًا منه أن يفعل مثلما يفعل الرجال، دون أن يشرح له أحد ماذا عليه أن يفعل على وجه التحديد.[15]
المؤلفة وإن كانت سعودية[16]، فإن الفضاء السردي لروايتها ليس ذا خصوصية محلية، وحيّ «بدَّار» بوصفه المكان الرئيسي في الرواية، ما هو إلا مثال للأحياء العربية كافة من شرقها إلى غربها لا يضيق بأيها. يُعرّي النص بيوت الكبريت الهشة، يقتحمها ليروي سيرتها، ولما كان البطل سليمان هو أصل الحكاية، جعلت الكاتبة من هواياته بناء بيوت من أعواد الثقاب ليذكرنا دومًا بمآل ما يبني طيلة الرواية. هذه بيوت تتصنع نموذج العائلة السعيدة، بل تُجيد اللعبة أحيانًا فتنطلي على الآخرين، بينما هي، في الحقيقة، على شفا الاشتعال.
العُرف الحاكم لهذه البيوت المُرساة على أساسات رخوة قابلة للاحتراق هو الرغبة في استمرار سلالة العائلة خاصة لدى أولاد الذوات أيا كان الثمن، وإن كانت الهشاشة جُلّ نصيبها، وإن عمَّها الخواء ولوَّثتها الخيانة، فالمهم هو الشكل المجتمعي، الزواج كسبيل للإنجاب، التظاهر بالنموذجية وادعاء الفضيلة والمظهر الخارجي، أي شيء عدا ذلك مقدور عليه مادام تحتويه جدران البيوت، أي خلل يهون مادام تكتمه الصدور، ولا فرق في هذا بين غني وفقير.[17]
الطفل زوجًا
[عدل]حدث واحد يشكل محور الرواية، منه تُنسج الخيوط، ومنه كان التشظي، هو زواج سليمان الريس مبكرًا بقرار من السيدة حمدة. سليمان وحيد أمه، يتيم، تزوج من نبيلة التي تكبره بنحو العقد، وبين ليلة وضحاها صار مطلوبًا منه أن يفعل مثلما يفعل الرجال، دون أن يشرح له أحد ماذا عليه أن يفعل على وجه التحديد.[18]
لا يتمحور الصراع في الرواية حول زواج رجل بامرأة تكبره سنا، أو زواج امرأة من رجل يصغرها، وإن لاقى هذا الفعل همسا وتهكما ليس بقليل من المحيطين في مجتمعاتنا، وما يعنيه ذلك من أحكام ورفض ووصم أحيانا قد ينسف علاقة شرعية أحلَّها الله وحرَّمها الناس، لا يعيبها إلا العُرف وما وجدنا عليه آباءنا دون نظر. وإنما الصراع متولد عن تعجل ما هو آت، عن طفولة سليمان الموءودة بزواجه وهو طفل في الثالثة عشر من العمر، ومطالبته بأن يتصرف كرجل وهو يفتقد حس المسؤولية، بل يفتقد الرغبة الفطرية من الأساس لأنه ما زال ولدًا.[19]
أُجبر سليمان على هجر كرة القدم التي يحب، جُرَّ من أذنيه حتى صارتا كأذني الوطواط ليمكث بعيدًا عن الملعب ويُلقى به إلى عروسه، بل حُرم من الطعام حتى يختلي بها وينجبان الولد، الولد تحديدًا فأمه غير راغبة في حفيدات. خنق القطة ليكبر سريعًا، وهمّ بالانتحار حين داهمه الفشل الحياتي. لسبب ما تبدو السيدة حمدة على قناعة بأن طفلها سيجد طريقة لفهم ما عليه أن يفعل في خلوته بزوجته، وإن تفجرت فيه الإثارة بعد أكثر من عام على ارتباطه، ومجددًا كانت الكرة سببًا في هذا التحول.
عمرٌ كامل عاشه "سليمان" في حرمان من حياة كان يُفترض أن يعيشها، ونُضج طُلب قبل الأوان، فلا صار ثمرة طيبة، ولا هو بقى على حالته الأولى، بل عاش حالة البين بين، تتعارك نساؤه لاسترداد حقه. هو رجل تقوده امرأته، وأب لا يمارس الأبوة لثلاثة أبناء، غير جدير بحمل المسؤوليات، حتى عند وفاة زوجته التي يقول في الصلاة عليها: «ها هي نبيلة القائِدة، حتّى وهي مُسجّاةٌ في نعش، تتقدّمُنا، ونحنُ كلُّنا نسِيرُ خَلْفَها».
عاش "سليمان" في ظل زوجته بِعَلكة لا تبرح فمه ودون كفٍ عن فرقعات المستكة، رجلًا طفلًا لم ينهه كِبَرُه وعقده الستيني عن مبارحة كل أمله في الحياة بالعودة إلى الملعب للعب مباراة كرة قدم في عمر متأخر، ستكون مباراة اعتزاله الحياة. عمرٌ كامل عاشه ولا يغيب عن ذهنه هتاف «سليمان سليمان يحرد من بيت العرسان» الذي تغشّاه مذ كانت أمه ترشي رفاقه بالحلوى والمال حتى لا يسمحوا له باللعب معهم، فقد صار عليه تركهم ومجالسة آبائهم الرجال.[20]
الشائع أن نسمع عن فتيات صغيرات لم يبلغن بعد وقد زُج بهن إلى قفص الزوجية في عملية بيع يقننها العُرف ويتحصل منها الأهل على ما يملأ الجيوب والبطون، لكن أن يتحول الأولاد الصغار إلى أزواج، بل أن تكون زوجاتهم أنضج منهم بسبب فارق العمر لصالح المرأة، فهذا ليس بالأمر المنتشر، بخاصة وأن سليمان الريس في النهاية لا نصيب له من اسمه، فلا هو صاحب أملاك ولا جاه كما مدلول اسمه الأول، ولا هو ريّس في شيء بل تابع يخلف المرأة التي تتسيده، أمه ثم زوجته، فما الذي حمل نبيلة على قبوله؟
صفقة العمر
[عدل]تنظر نساء «الأفق الأعلى» إلى الرباط المقدس باعتباره صفقة مادية وغنيمة وفيرة. السيدة حمدة في أسرة الريس تستغل الاحتياج الفطري للشريك لدى نبيلة لتعرض عليها ابنها سليمان الذي يصغرها بأحد عشر عامًا. في المقابل، سيتغاضى سليمان وأمه عن وحمة نبيلة البنية، «اللطخة» على وجهها التي تنتقص من جمالها وتخاف معها أن يفوتها الرجال.
حذرتها الأم وهي تُذكِّرها بعيبها الذي تقايض عليه من أن «انتظار بضع سنوات أهون بكثير من عمر يتراكم في انتظار فراش لن يدفأ برفقة أحدهم»، فقبلت نبيلة بزوج طفل ظل يبكي إلى جوارها في أولى لياليهما معًا. وحين زارها ملك الموت ليقبض روحها، تمنت لو جاءها في بداية زواجها حين كان عليها عبء تحويل سليمان إلى رجل.
"نبيلة" نفسها تفعل مع ابنها البكر ما فعلته معها حماتها وهي ابنة خالها، تختار له إحدى تلميذاتها، وتقنعه أنها اختيار جيد ستساعده في التغلب على التلعثم، مشكلة لم يدرِ أنها لديه أصلًا. ولما علمت صبيحة زواجه أنه لا يعرف ما يفعل الرجال في زواجهم، شرحت له كما شرحت من قبل لزوجها الطفل، ومع الشرح هوت قدسيتها في عينيه.
في المقابل، تستغل الأم في أسرة أخرى هي أسرة «الصاهد» الغنية احتياج امرأة بائسة لعيشة كريمة تُدعى "سمر"، لتعرض عليها ابنها "فاضل" ذا القلب المعلول. على أثر المقايضة، تعيش "سمر" عمرها وحيدة في شقاء عاطفي على مشارف سن اليأس، تدفع ثمن اختيارها في شقة فاخرة. ترى نفسها كلبة هرمة بجسدها المترهل جرّاء الولادة القيصرية، لا يأتيها زوجها في العام إلا مرتين أو ثلاثة، أما الطلاق فيعني خسارة رهان العمر وفقدان كل ما اكتسبت.[20]
تساؤلات النوع
[عدل]يمكن القول بتصاعد خط روايات النوع وعلاقات الحب الملتبسة، التي يقع فيها شريكان هما زوج وزوجة في علاقتين أخريين، وبوضوح. هذه الروايات قفزت مع مطلع العقد الحالي من مجرد الطفو على الساحة الأدبية إلى الوصول لقوائم جائزة مرموقة كالبوكر العربية بل وحصدها أحيانًا. في العام الماضي فازت بالجائزة رواية الكاتب الليبي محمد النعاس «خبز على طاولة الخال ميلاد» التي تتناول المفهوم المعقد للرجولة في المجتمع العربي، وفي العام سابقه دخلت «الاشتياق إلى الجارة» للكاتب التونسي الحبيب السالمي في القائمة القصيرة، وها هي «الأفق الأعلى» في السنة الثالثة. في الروايات الثلاثة كانت هناك دومًا شخصية الزوجة الخائنة.[21]
اللافت أن رواية النعاس صدرت عن دار «رشم» السعودية بالاشتراك مع «مسكيلياني» التونسية، والأخيرة هي ناشر رواية «الأفق الأعلى» كذلك.
نماذج النساء التي تقدمها فاطمة عبد الحميد في روايتها هنا تنتمي في الغالب لقالب واحد هو قالب الأنثى التي لا تظهر ضعفها، المتفوقة على الذكر دراسيًّا ومهنيًّا وفي الجمال والقيمة، من بُرمجت على وضع الأمومة المهيمنة أمًّا كانت أو زوجة، تُخرس الضحكات، وربما تنتقم من كل زوجة سعيدة تطالها يدها لأنها بائسة مع شريكها. سمر كانت نموذجا آخر لهذا أحبها سليمان.
لكن الكاتبة أيضًا تنتصر بين السطور لبعض القيم منها مثلًا الاهتمام بالبيت ومتطلبات الزوجية وعدم الاكتفاء بالتفوق المهني. نقرأ «إنّها تفتقِدُهُ كما لو أنّه كانَ الجزءَ الوحيدَ المتحرّكَ منْ حياتِها، رغم كلِّ النّجاحاتِ المهنيّةِ التي حقّقتْها».
تبرهن لنا الرواية على أن فاقد الشيء يعطيه إذا ما زُرع في محيط آخر غير محيط الأزمة، هكذا ذاق سليمان الحب مع جارته التي ينهش فيها الحرمان العاطفي، لتبدأ أحاديث الشرفة والنافذة والسمر مع «سمر». في هذه العلاقة عاشا حياة بديلة، قصة عاطفية غريبة لم يَرِداها من قبل. قطع فيها شوطًا نحو الرجولة فصار يحتوي ويحب ويحتد وينهي ويأمر فيُطاع ويغضب ويكسر، وأحبت سمر كفتاة في العشرين.
الرواية تؤنسن الخطيئة ولا تشيطنها، بخاصة في حالة سمر التي أدماها حالها فحاولت الانتحار، تجعل القارئ يتفهم ما ألَّم بها من ظروف ومكابدة دفعتها إلى الخيانة القلبية والجسدية، ففي العادة تُغفر الخيانة الزوجية للرجل، أمّا المرأة فلا، على شدة وقعها في الحالتين.
لكن الرواية أيضًا تثير أفكارًا وتساؤلات عن الطمع والإرادة والأولويات، فليس كل الأبطال ضحايا، إلا أن البعض يختار حياته ويهوى أن يراه الآخرون مُجبرًا عليها، رغم تملكه زمام تغيير الدفَّة طيلة الوقت، مُستدِّرا عطفًا وشفقة ليست في محلها. نعرف مثلًا أن زوج سمر في الأوراق هو مريض قلب، فإن منعته صحته منها، فكيف يفسر بخله بالمشاعر والحضور؟ وكيف يفسر غيابه عن حياة الابن والابنة ودوره في حياتهما الذي لا يكاد يُذكر مع انشغاله بالسفر رفقة أصحابه؟
من الجدير بالذكر أن الرفض المجتمعي للعلاقات التي تكون فيها المرأة أكبر من الرجل ليس حكرًا على العرب، كما تعبر الكاتبة الفرنسية النوبلية آني إرنو في روايتها «الشاب» الصادرة العام الماضي، وفيها تحكي عن علاقة قديمة جمعتها بشاب يصغرها بنحو 30 عامًا ونظرة الأصدقاء بل والأغراب لهما. غير أن الأخذ بإرث أدبي لأديبة فرنسية تبلغ من العمر 82 عامًا دون اعتبار للتغيرات التي مرت بفرنسا وأوروبا لن يعطي الانطباع الصحيح عن المجتمع الفرنسي اليوم، حيث الرئيس نفسه متزوج من امرأة تسبقه بربع قرن، وحيث لم يعد هناك مأزق للحمل خارج الزواج، وهي قضية تناولتها إرنو في روايتها «الحدث». إرنو في العادة تحكي عن أحداث عاشتها قبل ثلاثين عامًا أو أكثر.[22]
الموت راويًا
[عدل]بعيدًا عن كل ما سبق من علاقات متشابكة، تخطفك عتبات هذا النص بدءًا من العنوان إلى تفاصيل الغلاف، وفي الاستهلال تقرأ: «أنا أسوأُ مخاوفِكَ، وأنا كاتمٌ سِرَّ زيارتِي المباغتةِ لكَ، وهذا ما لنْ يحبَّهُ كلُّ مَنْ يهتمُّ بأمْرِك. ولتعلَمْ فحَسْب، أنّه لا فرقَ بيْنَ أن تُولِّيَ وجهَكَ شطْرَ الحائطِ لحظةَ وصُولي أو أن تُولِّيَ له ظهْركَ، ففي كلتا الحالتينِ لنْ تستطيعَ منِّي إفْلاتًا. لأنّني سأكونُ حِينَها أضْخَمَ نفُوذٍ يسْتَولي عَليْكَ».[23]
سرعان ما تدرك أنك إزاء صوت راوٍ عليم فريد وغير مستساغ، هو الصوت الذي يفر منه الناس. الراوي في هذه الرواية هو صاحب اللمسة الأخيرة والألم الأخير، هو ملك الموت الذي من عليائه يرى العالم بأحيائه يتحركون كنقاط كثيرة صغيرة تُقبَض على حين.[24]
يصوره الغلاف وكأنه مُطّلع على ما حوته صدور الشخوص، كأنه يقرأ من نافذة إسرارهم فلا شيء يستغلق عليه. لكن الاستهلال الخاطف ما يلبث أن يخفت مع الدخول في العلاقات المتشرذمة التي تتقاطع خيوطها مع محيطك الاجتماعي بشكل أو بآخر، وكأن هناك تجاذبًا بين فكرتين تتنازعان على القارئ، وكلما هممتَ بنسيان صوت الراوي والانهماك في الأحداث، باغتك بساعة الصفر التي قبض فيها أرواحًا في نهاية بعض المقاطع، ليذكرك بحقيقة أنه المحيط بهذا النص المميز، وإن أحدث تقديم بعض شخوصه ربكة في المتابعة.[25]
اقتباسات من الرواية
[عدل]ليس صحيحًا أنكم تحبون الوحدة، أنتم لا تطيقونها، أمّا تلك التي تميلون إليها أحيانًا أو دائمًا، فهي العزلة.
تقولُ العبرةُ: «عندما تهمّ بالتقاطِ حجرٍ من الأرضِ، فعليكَ أن تستعدّ لما ستجده تحتَهُ، وإذا لم تكن مستعدًّا لذلك، فلا تفكّر في التقاطه منذُ البَدْء».
عادةٌ قديمةٌ لدى الكثيرِ مِنَ الأمّهاتِ، تقتضِي إلقاءَ المزيدِ مِنَ اللّومِ على الابنِ البارِّ أكثرَ مِنْ بقيّةِ إخوتِهِ، للاستزادةِ في طاعتِهِ وعطفِهِ.
قدْ لا يختلِفُ اثنانِ في أنّ النّسيانَ، يأتي في المرتبةِ الثّانيةِ في الأفضليّةِ عند البشرِ، بعْدَ الجِنْسِ مُباشَرةً.
فأدركت أنّ زوجها ينهار، وأنّ في صدره حقيقةً تتعفّن يومًا بعد يوم، وهو يكاد يتقيّؤها.[26]
الكاتبة
[عدل]فاطمة عبد الحميد مؤلفة وكاتبة سعودية من مواليد جدّة، السعودية، عام 1982م. درست الروائية فاطمة عبد الحميد علم النفس بالجامعة وحصلت على درجة البكالوريوس في نفس المجال، ثم مارست عملها كمعالجة نفسية ومعلمة. صدرت لها مجموعة قصصية بعنوان "كطائرة ورقية" عام 2010م، وثلاث روايات، هي كالآتي: "حافة الفضّة" صدرت عام 2013م، "ة النسوة" صدرت عام 2016م، و"الأفق الأعلى" صدرت عام 2022م.[27] تم ترشيح روايتها "الأفق الأعلى"[28] لجائزة البوكر العربية بقائمتيها الطويلة ثُم القصيرة لعام 2022م.[29][30] جائت رواياتها المترجمة كالآتي: The Edge of Silver (2013) و F for Female (2016).[31][32][33]
انظر أيضاً
[عدل]- خادمات المقام.
- أم ميمي.
- رامبو الحبشي.
- حكاية فرح.
- همس العقرب.
- زنقة الطليان.
- ماكيت القاهرة.
- الهنغاري.
- الخط الأبيض من الليل.
المراجع
[عدل]- ^ "فاطمة عبدالحميد". www.goodreads.com. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ الكويتية، جريدة الجريدة (24 يناير 2023). "«البوكر» للرواية العربية تعلن قائمتها الطويلة". جريدة الجريدة الكويتية. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ للأخبار, مركز الاتحاد (24 Jan 2023). "إعلان القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2023". مركز الاتحاد للأخبار (بar-AR). Retrieved 2024-11-07.
{{استشهاد ويب}}
: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link) - ^ "جائزة البوكر العالمية للرواية العربية". نقد X نقد. 28 يناير 2023. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ "قبل الإعلان عنها.. تعرف على روايات القائمة القصيرة لجائزة البوكر 2023". جريدة الدستور (بar-eg). 14 May 2023. Retrieved 2024-11-07.
{{استشهاد ويب}}
: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link) - ^ "الأفق الأعلى | International Prize for Arabic Fiction". arabicfiction.org. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ ""الأفق الأعلى" رواية سعودية سوداوية يرويها ملاك الموت وصلت لـ البوكر 2023". اليوم السابع. 3 مارس 2023. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ "رواية "الأفق الأعلى".. كاميرا تراقب تحركات الإنسان | إرم نيوز". https://www.eremnews.com. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
{{استشهاد ويب}}
: روابط خارجية في
(مساعدة)|صحيفة=
- ^ "الأفق الأعلى". مؤسسة عبد الحميد شومان (بالإنجليزية الأمريكية). Retrieved 2024-11-07.
- ^ مِساحتي (28 مايو 2023). "الأفق الأعلى". مِساحتي. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ "قراءة في رواية "الأفق الأعلى" لفاطمة عبد الحميد - د. منير الحايك (روائي وأكاديمي)". Addiyar. 6 مايو 2023. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ "القدس".
- ^ "الأفق الأعلى". Goodreads (بالإنجليزية). Retrieved 2024-11-07.
- ^ "الرياض".
{{استشهاد ويب}}
: الوسيط|الأول=
يفتقد|الأخير=
(مساعدة)صيانة الاستشهاد: url-status (link) - ^ "جريدة الأخبار".
- ^ البيان. "الروائية فاطمة عبدالحميد: «الأفق الأعلى» بحث عن معنى يختبئ بعناية". www.albayan.ae. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ "«الأفق الأعلى».. تفاصيل إنسانية بسيطة". جريدة القبس. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ "ألترا صوت".
- ^ حسن، آية (9 مارس 2023). "رواية الأفق الأعلى: عندما يَروي مَلَاكُ المَوْتِ قِصَص زِيجَاتنا الفَاشِلَة". المحطة. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ ا ب "فاطمة عبد الحميد تروي سيرة بيوت الكبريت في «الأفق الأعلى»". Manshoor. 14 مايو 2023. مؤرشف من الأصل في 2024-11-23. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ "«الأفق الأعلى»... سيرة لحياة الموت". aawsat.com. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ "جامعة تامنغست الجزائر". مجلة إشكالات في اللغة والأدب ع. 12. 4 ديسمبر 2023.
- ^ الراوي، عبد الرحيم (5 فبراير 2023). "رواية "الأفق الأعلى".. كاميرا تراقب تحركات الإنسان". أنوار بريس. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ "«الأفق الأعلى».. كيف نجرب الموت مئات المرات بالإبقاء على الاختيارات الخاطئة - بوابة الشروق". www.shorouknews.com (بar-eg). Retrieved 2024-11-07.
{{استشهاد ويب}}
: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link) - ^ "«الأفق الأعلى» لفاطمة عبدالحميد | مجلة الفيصل". اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ "اقتباسات من الأفق الأعلى". Abjjad. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ الحميد، فاطمة عبد. "رواية الأفق الأعلى - فاطمة عبد الحميد | كتوباتي". كتوباتي kotobati. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ "الأفق الأعلى". Kutubna Cultural Center (بالإنجليزية). Retrieved 2024-11-07.
- ^ الفراج، ناشرة أسماء (2 مارس 2023). "رواية "الأفق الأعلى"السعودية تصل إلى البوكر 2023". الديرة نيوز. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ عاشور، اليوم-أحمد (24 يناير 2023). ""الأفق الأعلى" للسعودية فاطمة عبد الحميد في القائمة الطويلة لبوكر العربية". alyaum. اطلع عليه بتاريخ 2024-11-07.
- ^ "Fatima Abdulhamid / International Prize for Arabic Fiction". مؤرشف من الأصل في 2023-02-14. اطلع عليه بتاريخ 2023-06-08.
- ^ "Interview with longlisted author Fatima Abdulhamid / International Prize for Arabic Fiction". مؤرشف من الأصل في 2023-04-01. اطلع عليه بتاريخ 2023-06-08.
- ^ "القدس العربي".