محمد
أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ الْقُرَشِيُّ (ربيع الأول 53ق.هـ - ربيع الأول 11هـ) (أبريل 571م - يونيو 632م)؛ هو رسول الله إلى الإنس والجن في الإسلام؛[1] أُرسِل ليُعيد العالمين إلى توحيد الله وعبادته شأنه شأن كل الأنبياء والمرسلين، وهو خاتمهم، وأُرسِل للناس كافة،[2] ويُؤمن المسلمون بأنه أشرف المخلوقات وسيد البشر،[3] ويعتقدون فيه العصمة.[4] عند ذكر اسمه، يُلحِق المسلمون عبارة «صلى الله عليه وسلم» مع إضافة «وآله» و«وصحبه» في بعض الأحيان، لِمَا جاء في القرآن والسنة النبوية مما يحثهم على الصلاة عليه.[5] ترك النبي محمد أثرًا كبيرًا في نفوس المسلمين، وكثرت مظاهر محبّتهم وتعظيمهم له باتباعهم لأمره وأسلوب حياته وتعبده لله، وقيامهم بحفظ أقواله وأفعاله وصفاته وجمع ذلك في كتب عُرفت بكتب السيرة والحديث النبوي، واحتفالهم بمولده في شهر ربيعٍ الأولِ في كل عام. وحَّد محمد الجزيرة العربية في نظام إسلامي واحد، حيث شكّل القرآن وتعاليمه وممارساته أساس نظامها.
وُلد في مكة في شهر ربيع الأول من عام الفيل، قبل ثلاث وخمسين سنة من الهجرة، ما يوافق سنة 570 أو 571 ميلادياً و53ق.هـ.[6] وُلِد يتيم الأب، وفقد أمه في سن مبكرة فتربى في كنف جدّه عبد المطلب، ثم من بعده عمه أبي طالب إذ ترعرع، وكان في تلك الفترة يعمل بالرعي ثم بالتجارة. تزوج في سن الخامسة والعشرين من خديجة بنت خويلد وأنجب منها كل أولاده باستثناء إبراهيم. كان قبل الإسلام يرفض عبادة الأوثان والممارسات الوثنية التي كانت منتشرة في مكة، وكان ينعزل ويتعبد في غار حراء عدة ليالٍ.[7] وعندما كان محمد في الأربعين من عمره، قرابة 610م، ذكر أنّ جبريل زاره في الغار، وتلقى أول وحي من الله. وفي عام 613م، نزل عليه جبريل وكُلّف بالرسالة وهو ابن أربعين سنة، أمر بالدعوة سرًّا لثلاث سنوات، قضى بعدهن عشر سنوات أُخَر في مكّة مجاهرًا بدعوة أهلها، وكلِّ من يرد إليها من التّجار والحجيج وغيرهم، مُعلنًا أن «الله واحد»، وأن «الخضوع» الكامل (الإسلام) لله هو الطريق الصحيح، وأنه نبي مرسل من الله على غرار الأنبياء الآخرين في الإسلام. هاجر إلى المدينة المنورة والمسماة يثرب آنذاك عام 622م وهو في الثالثة والخمسين من عمره بعد أن تآمر عليه سادات قريش ممن عارضوا دعوته وسعوا إلى قتله، فعاش فيها عشر سنين أُخر داعيًا إلى الإسلام، وأسس بها نواة الحضارة الإسلامية، التي توسعت لاحقًا وشملت مكة وكل المدن والقبائل العربية، إذ وحَّد العرب لأول مرة على ديانة توحيدية ودولة موحدة، ودعا لنبذ العنصرية والعصبية القبلية.
مصادر سيرته
كان لشخصية النبي محمد تأثير كبير في التاريخ، ولذلك فإن حياته وأعماله وأفكاره قد نُوقشت على نطاق واسع من جانب أنصاره وخصومه على مر القرون. كما اهتم المسلمون قديمًا وحديثًا بسيرته باعتبارها المنهج العملي للإسلام، فألف علماء الإسلام مؤلفات عديدة وجامعة في سيرته، ودونوا كل ما يتعلق بذلك.[8]
القرآن
يُعد القرآن مصدرًا أساسيًا لمعرفة سيرة النبي محمد،[9] كونه أقدم وأوثق مصادر السيرة النبوية، لأنه يرجع إلى عصر النبي محمد نفسه. كما يتفق المسلمون كافة على مدى العصور على نسخة واحدة منه رغم اختلاف الفرق الإسلامية.[10] وإن كان القرآن لم يتناول كل سيرة النبي محمد باستفاضة، إلا أنّه ذكر فيه إشارات كثيرة إلى سيرته إما بصريح العبارة أو بالإشارة أو بالتضمين،[11] فذُكر فيه بعض شمائله ودلائل نبوته وأخلاقه وخصائصه وحالته النّفسية وذُكر فيه أيضًا شيء عن غزواته، فقد ورد في القرآن قرابة 280 آية في الغزوات (وهي تساوي نسبة 4,65% من القرآن)[11] جاء بعضها بالإشارة، وبعضها تصريحًا، كغزوات بدر وأُحُد والخندق والحديبية وخيبر وفتح مكة.[12] فمثلاً اشتملت سورة الأحزاب على تفاصيل من سيرة محمد مع أزواجه وأصحابه كما تضمنت تفاصيل كثيرة عن غزوة الأحزاب.[13]
كتب الحديث
شغلت السيرة النبوية حيزًا كبيرًا من كتب الحديث، وكلّ من ألّف في الحديث كان يُخصص أقسامًا وأبوابًا وكتبًا خاصة بما يتعلق بحياة النبي محمد ودعوته ومغازيه وصحابته،[14] غير أن تلك الأقسام لم تكن مرتبة ترتيبًا زمنيًا.[15] ثم إن مقصد مؤلفي هذه الكتب كان منصَبًّا على جمع أقوال النبي محمد وأفعاله وتقريراته وأحكامه،[15] وكانت مشاهد السيرة تأتي في ثناياها ليستدلوا بها على الحكم الشرعي،[16] لذا جاءت بغير تفصيل بل كانت تقتصر على بعض تلك الأخبار وفق منهج أهل الحديث في الرواية.[11]
اتفق علماء المسلمين على أن أشهر وأقدم كتب الحديث التي زخرت بأخبار السيرة النبوية هو موطأ مالك، إذ أورد جملة من الأحاديث تتعلق بسيرة النبي محمد وأوصافه وذكر ما يتعلق بالجهاد.[14] وكذلك فعل البخاري في صحيحه، إذ ذكر جوانب من حياة النبي محمد قبل البعثة وبعدها، وخصص كتابًا في المغازي وآخر في الجهاد،[17] كما ذكر كثيرًا من خصائصه ودلائل معجزاته بما يوازي عُشْر صحيحه.[14] وهكذا فعل مسلم بن الحجاج في صحيحه، إذ اشتمل على جزء كبير من سيرته وفضائله وجهاده.[14] وكان كلّ من جاء بعدهم اتبع النهج نفسه مع اختلاف في التبويب والترتيب، كأصحاب السنن أبي داود والترمذي ومحمد بن ماجه والدارمي وأحمد بن حنبل.[15]
كتب السيرة
بدأت كتابة السيرة النبوية والمغازي في مرحلة متأخرة عن كتابة الأحاديث النبوية، وإن كان الصحابة يهتمون بنقل سيرته شفاهًا،[18] فكان أول من اهتم بكتابة السيرة عمومًا هو عروة بن الزبير (ت. 92 هـ) ثم أبان بن عثمان (ت. 105 هـ) ثم وهب بن منبه (ت. 110 هـ) ثم شرحبيل بن سعد (ت. 123 هـ) ثم ابن شهاب الزهري (ت. 124 هـ)، غير أن جميع ما كتبه هؤلاء قد باد وتلف، فلم يصل إلينا منه شيء، إلا بقايا متناثرة روى بعضها الطبري.[18] وفي الطبقة التي تلي هؤلاء، يأتي محمد بن إسحاق (ت. 152 هـ) والذي اتفق الباحثون على أنّ ما كتبه يُعد أوثق ما كُتب في السيرة النبوية في ذلك العهد،[15] ولكن كتابه لم يصل إلينا كاملًا، لكن نقل ابن هشام (ت. 218 هـ) كتاب ابن إسحاق مهذبًا ملخصًا وهو المعروف بكتاب «سيرة ابن هشام».[19] كما اعتمد الطبري (ت.310 هـ) اعتمادًا كبيرًا على أخبار رُويت عن ابن إسحاق في الجزء الخاص بالسيرة النبوية من كتابه تاريخ الطبري.[إنج 1]
مصدر آخر ظهر في وقت مبكر هو «المغازي» للواقدي (ت. 207 هـ)، الذي استفاد منه تلميذه ابن سعد البغدادي (ت. 230 هـ) في كتابه المسمى بـ «الطبقات الكبرى». تعامل الكثير من الباحثين مع هذه المصادر كمصدر صحيح، مع أن دقتها غير مؤكدة.[إنج 1] عمل الباحثون لاحقًا على التمييز بين الأساطير والروايات الدسيسة والمكذوبة من جهة والروايات التاريخية البحتة من جهة أخرى.[إنج 2]
كتب الشمائل والدلائل
تعدّ كتب الشمائل من المصادر الأساسية لمعرفة سيرة النبي محمد،[20] وهي الكتب التي قصد أصحابها العناية بذكر أخلاق محمد وعاداته وفضائله وسلوكه في الليل والنهار،[16] كما تناولت آدابه وصفاته الخَلْقية والخُلُقية.[21] اهتم علماء المسلمين بالشمائل المحمدية منذ القدم، وكان أحد أغراض كتب الحديث، ثم أفرده المحدّثون في كتب مستقلة، كان في مقدمتهم أبو البختري وهب بن وهب الأسدي (ت. 200 هـ) في مؤلفه "صفة النبي ﷺ" ثم أبو الحسن علي بن محمد المدائني (ت. 224 هـ) في كتابه «صفة النبي»، ثم كتاب «الشمائل المحمدية» للترمذي (ت. 279 هـ)، ثم داود بن علي الأصبهاني (ت. 270 هـ) في كتابه «الشمائل المحمدية»،[21] ثم إسماعيل القاضي المالكي (ت. 282 هـ) في كتابه «الأخلاق النبوية»، كذلك أبو الحسن أحمد بن فارس اللغوي (ت. 295 هـ) في كتابه «أخلاق النبي».[16] ثم جاء بعدهم في القرون التالية خلق كثيرٌ، منهم القاضي عياض (ت. 544 هـ) في كتاب «الشفا بتعريف حقوق المصطفى».
أما كتب الدلائل فهي الكتب التي حوت بحسب ما يراه المسلمون الحجج والبراهين الدّالّة على صدق وصحّة نبوة محمد، وعلى شمول وعموم رسالته، بدلالات واضحة لا جدل فيها، وفيها الأدلة على معجزاته وظهور آياته، والردّ على من أنكرها.[22] وفي كتب السنة النبوية أبواب خُصصت لعلامات النبوة، كما فعل البخاري ومسلم وغيرهما. أما الكتب المخصصة لهذا الشأن فهي كثيرة جدًا أشهرها «دلائل النبوة» للبيهقي.[23]
مصادر أخرى
للسيرة مصادر أخرى مثل كتب تفسير القرآن وأسباب النزول، ذلك أن علماء المسلمين يعتمدون في شرح القرآن بشكل أساسي على تفسيرات القرون الإسلامية الأولى، بما في ذلك الآيات التي تتناول حياة محمد. ومن أمثلتها تفسير ابن كثير وتفسير الطبري وتفسير القرطبي.[وب 1] إضافة إلى كتب التاريخ التي تتناول التاريخ عمومًا وتتطرق إلى السيرة النبوية كتاريخ الطبري وتاريخ ابن خلدون وغيرها.[وب 1] كذلك هناك مصادر غير عربية، منها اليونانية، ومن أقدمهم الكاتب ثيوفانس في القرن التاسع الميلادي. وهناك السريانية ومن أقدمهم كاتب القرن السابع جون بار بينكاي[إنج 3] مع وجود خمسة كتبة آخرين لا تزيد فترة ذكرهم للنبي عن ثلاثين عامًا من وفاته.
خلفية تاريخية
جزء من سلسلة مقالات حول |
الرسول محمد |
---|
بوابة محمد |
كانت شبه الجزيرة العربية مفككة، لا توحدها دولة ولا تديرها حكومة،[24] وكانت الدول القديمة التي قامت في اليمن ونجد وأطراف العراق والشام قد اندثرت، وطغت البداوة على المدن في تهامة والحجاز،[وب 2] فكانت القبيلة هي الوحدة السياسية والاجتماعية. فكانت مكة تُدار من قبل الملأ في دار الندوة.[25] والمدينة المنورة في حالة نزاع دائم بين الأوس والخزرج. أما دولة المناذرة في الحيرة ودولة الغساسنة في الشام فقد سمح الفرس والروم للدولتين بالنشوء لتكونا حاجزتين تصدان عنهما غزو القبائل العربية، وتتوليان حماية القوافل التجارية. وقد أسقط الفرس دولة المناذرة سنة 602م قبل البعثة المحمدية بثمان سنوات.[وب 2]
وكان بدو العرب يعتمدون على الرعي والتنقل لأماكن الماء، مما يجعلها في حروب مع بعضها للحصول على الموارد.[وب 2] أما في المدن، فكان فيها نشاط تجاري وزراعي وصناعي، فمكة كان يغلب عليها النشاط التجاري، وتتحكم بطرق التجارة بين اليمن والشام، وقد استفادت مكة من مكانة الكعبة الدينية عند العرب في حماية قوافلها التجارية.[25] أما المدينة فكان يغلب عليها الزراعة حيث بساتين النخيل والأعناب والفواكه. واستعمل العرب الدينار البيزنطي والدرهم الفارسي في التبادل التجاري.[وب 2] أما الصناعة فقد عُرفت المدينة بصياغة الحلي الذهبية والفضية، وصناعة السيوف والرماح والنبال والدروع، كما قامت في المدن العربية حرف الحدادة والصياغة والدباغة، والغزل والنسيج. وكان العرب يعرفون أنواعًا من المعاملات المالية كالقراض والمضاربة والرهن.[وب 2]
سادت الوثنية في جزيرة العرب،[26] إذ كانوا يعبدون آلهة يمثلونها في أصنام مصنوعة من الحجر والخشب بلغ عددها 360 صنمًا حول الكعبة تعبدها القبائل التي تؤم البيت للحج وتقدم لها القرابين والنذر.[وب 3] كان من أقدمها وأكبرها «هُبَل» (لكنانة وقريش)، و«مَناة» (لهُذَيل وخزاعة)، و«الّلات» (لثقيف)، و«العُزَّى» (لقريش وكنانة).[27] ومع ذلك بقي لديهم شعائر من بقايا دين إبراهيم مثل تعظيم الكعبة، والطواف بها، والحج، والعمرة.[26] وكان هناك أفراد من الموحدين على ملة إبراهيم وإسماعيل كانوا موجودين في مكة عرفوا بالأحناف.[وب 3] وجدت أيضًا ديانات بشكل محدود مثل اليهودية في اليمن والمدينة، والنصرانية في نجران والحيرة ودومة الجندل وأطراف الشام. كذلك وُجد انتشار محدود للمجوسية قادمًا من بلاد الفرس.[وب 3]
نسبه
هو «أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (واسمه شيبة) بن هاشم (واسمه عمرو) بن عبد مناف (واسمه المغيرة) بن قصي (واسمه زيد) بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر (واسمه قيس) وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة (واسمه عامر) بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». هذا هو المتفق عليه من نسبه، أما ما فوقه ففيه اختلاف كثير، غير أنه ثبت أن نسب عدنان ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم.[28]
ولم يكن فرع من قريش إلا كان لمحمد فيهم قرابة.[29] ويعتقد المسلمون أن الله قد اصطفى نبيَّهم محمدًا واختاره من أزكى القبائل وأفضل البطون وأطهر الأصلاب،[30] حيث قال: «خرجتُ من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمّي»،[31] وقال أيضًا: «إنَّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم»،[32] وقال أيضًا: «نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا»،[33] وقال: «إنَّ الله تعالى خلق الخلق، فجعلني في خير فِرَقِهم، وخير الفرقتين، ثم تخيَّر القبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم تخيَّر البيوت فجعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرُهم نفسًا، وخيرُهم بيتًا».[34]
- أبوه: هو عبد الله بن عبد المطلب، أمّه «فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب».[35] كان عبد الله أحسن أولاد عبد المطلب وأعفّهم وأحبّهم إليه، وأصغرهم من بين أولاده، وهو الذبيح، الذي فداه أبوه بمئة من الإبل.[36]
- أمّه: هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، أمّها «برّة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب».[37] كانت آمنة تُعد يومئذٍ أفضل امرأة في قريش نسبًا وموضعًا، وكان أبوها سيّد بني زهرة نسبًا وشرفًا.[36]
- أعمامه وعماته: هم العباس، وحمزة، والزبير، والمقوَّم، والحارث، والغيداق، وقُثم، وعبد الكعبة، وجَحْل (واسمه المغيرة)، وأبو لهب (واسمه عبد العزَّى)، وأبو طالب (واسمه عبد مناف)، وضرار.[38] وأما عماته، فهنّ عاتكة، وأميمة، وأروى، وأم حكيم (وهي البيضاء)، وبرّة، وصفيّة.[39] وأسلم منهم حمزة والعباس وصفية، واختُلف في عاتكة وأروى.[40]
- أخواله وخالاته: لم يكن لمحمد أخوال وخالات إلا «عبد يغوث بن وهب»،[41] وكان محمد يقول عن سعد بن أبي وقاص: «هذا خالي فليرني امرؤ خاله»،[42] لأن سعدًا كان من بني زهرة وكانت أم النبي أيضًا منهم.[41]
حياته قبل البعثة
ولادته
لما بلغ عبد الله بن عبد المطلب ثماني عشرة أو خمسًا وعشرين سنة،[43] زوّجه أبوه آمنة بنت وهب من عمها «وهيب بن عبد مناف» وقد كانت تعيش عنده.[44] فبنى بها عبد الله في مكة فحملت بمحمد، وكانت آمنة تحدّث أنّها حين حملت به أُتِيَت فقيل لها: «إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي: "أعيذه بالواحد من شر كل حاسد"، ثم سمّيه "محمدًا"».[45] ثم لم يلبث أبوه عبد الله حتى خرج إلى الشام للتجارة، فمرّ بالمدينة فأقام عندهم مريضًا شهرًا ثم تُوفي عن عمر خمسة وعشرين عامًا،[46] ودُفن في «دار النابغة» (وهو رجل من بني عدي بن النجار)،[44] وكانت آمنة يومئذ حاملًا بمحمد لشهرين (رأي الجمهور)،[30] تاركًا وراءه خمسة جمال، وقطعة غنم، وجارية حبشية اسمها «بركة» وكنيتها أم أيمن.[44] وُلد في مكة في شعب أبي طالب،[ا] في الدار التي صارت تُعرف بدار «ابن يوسف».[48] وتولّت ولادته «الشِّفاء» أم عبد الرحمن بن عوف.[49]
وقد كان مولده يوم الاثنين، 8 ربيع الأول،[50] أو 9 ربيع الأول[51] أو 12 ربيع الأول (المشهور عند أهل السنة)،[52] أو 17 ربيع الأول (المشهور عند الشيعة)،[53] من عام الفيل، بعدما حاول أبرهة الأشرم غزو مكة وهدم الكعبة، قيل: بعده بشهر، وقيل: بأربعين يومًا، وقيل: بخمسين يومًا (وهو المشهور)،[50] ويوافق ذلك 20 أبريل[54] أو 22 أبريل سنة 571م على الأصح.[36]
ويُروى أن محمدًا قد وُلد مختونًا مسرورًا (مقطوع السرّة)، بينما تذكر روايات أخرى أن عبد المطلب ختنه يوم سابعه وجعل له مأدبة.[55] وكانت أمّه تحدّث أنها لم تجد حين حملت به ما تجده الحوامل من ثقل ولا وحم، ولما وضعته وقع إلى الأرض مستقبل القبلة رافعًا رأسه إلى السماء،[52] مقبوضة أصابع يديه مشيرًا بالسبابة كالمسبّح بها.[56]
مِن قَبلها طِبتَ في الظِّلال وفي مستودِع حيث يُخصَف الوَرَق ثُم هبطتَ البلاَد لا بشرٌ أنت ولا مضغةٌ ولا علق بل نُطفةٌ تركب السَّفينَ وقد ألجَم نسرًا وأهله الغرق تُنقَل من صالب إلى رَحم إذا مضى عالم بدا طَبَق ثم احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء تحتها النطق وأنتَ لمَّا وُلدتَ أشرقت الـ ـأرضُ وضاءت بنورك الأفُق فنحن في ذلك الضِّياء وفي النُّور وسبل الرشاد نخترق |
—العباس بن عبد المطلب[57] |
وأنها رأت حين ولدته كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام.[58] قالت أم عثمان بن أبي العاص: «حضرتُ ولادة رسول الله ﷺ، فرأيت البيتَ حين وضع قد امتلأ نورًا، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننتُ أنها ستقعَ عليّ».[56] وبعدما ولدته أرسلت إلى عبد المطلب تبشّره بحفيده، ففرح به فرحًا شديدًا، ودخل به الكعبة شاكرًا الله،[36] وقال: «ليكوننّ لابني هذا شأن»،[44] واختار له اسم «محمّد» ولم تكن العرب تسمي به آنذاك، إلا ثلاثة طمع آباؤهم حين سمعوا بذكر محمد وبقرب زمانه وأنه يُبعث في تهامة فيكون ولدًا لهم.[56] وقد علمت اليهود آنذاك بولادة محمد، يقول حسان بن ثابت: «والله إني لغلام يفعة، ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهوديًا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب: يا معشر يهود، حتى إذا اجتمعوا إليه، قالوا له: ويلك ما لك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به».[59]
نشأته
تربى محمد في بيت حليمة السعدية من هوازن، ونشأ في ديار وأرض قبيلة هذيل. وكان أوّل من أرضعته بعد رضاعه من أمّه بأسبوع ثويبة مولاة أبي لهب،[36] كان قد أعتقها، فأرضعت محمدًا أيامًا بلبن ابن لها يُقال له: «مسروح»، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب وأبا سلمة المخزومي،[48] وقيل: بل أرضعتهما معه.[60] ويروي البخاري أنه «لما مات أبو لهب رآه بعض أهله بمنامه، قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألقَ بعدكم (أي لم ألقَ بعدكم خيرًا) غير أني سُقيت في هذه بعتاقتي ثويبة».[61] وكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر،[62] وكان يقول لها: «يا أُمّه»، وكان إذا نظر إليها قال: «هذه بقية أهل بيتي».[63] كان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لمواليدهم في البوادي،[49] فجاءت نسوة من بني سعد بن بكر يطلبنَ أطفالًا يرضعنهم فكان محمد من نصيب حليمة بنت أبي ذؤيب لتُرضعه مع ابنها «عبد الله» في بادية بني سعد، وزوجها هو «الحارث بن عبد العزى»، وكان لهما ابنتان «أنيسة» و«حذافة» ولقبها الشيماء التي كانت تحضن محمدًا مع أمّها إذا كان عندهم.[59] وأجمع رواة السِّير أنَّ بادية بني سعد كانت تعاني إذ ذاك سنةً مجدبةً، فلما جاء محمد إلى باديتهم عادت منازل حليمة مخضرّة وأغنامها ممتلئة الضرع.[30] عاش محمد معها سنتين حتى الفطام وقد كانت حليمة تذهب به لأمه كل بضعة أشهر لزيارتها، فلما انتهت السنتين عادت به حليمة إلى أمّه لتقنعها بتمديد حضانته خوفًا من وباء بمكة وقتها ولبركة رأتها من محمد، فوافقت آمنة.[36] وعندما بلغ سن الرابعة،[64] وقيل: الخامسة،[52] حدثت له حادثة شق الصدر التي ورد في كتب السير تكرار مثيلها أكثر من مرة،[30] والتي أنكرها الشيعة،[65] وبعض المستشرقين أمثال رينولد نيكلسون،[62] فأعادته حليمة إلى أمه. روى مسلم تلك الحادثة فقال:[66]
أن رسول الله ﷺ أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه (جمعه وضم بعضه إلى بعض) ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (مرضعته) فقالوا: إن محمدًا قد قُتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره. |
تُوفيت أمّه، وهو ابن ست سنوات أثناء عودتهم من زيارة لأخواله من بني عدي بن النجار، بمكان يسمى الأبواء،[49] فحضنته أم أيمن، وحملته إلى جدّه عبد المطلب ليكفله بعد ذلك ليعيش معه بين أولاده.[60] وفي السنة الثامنة من عمره، توفي جده عبد المطلب، بعد أن اختار له أبا طالب ليكفله، ويقوم بشؤونه.[67]
شبابه
لم يكن عمّه أبو طالب ذا مال وفير، فاشتغل محمد برعي الغنم وكان يأخذ عليه أجرًا[64] مساعدةً منه لعمّه،[62] قال «ما بعث الله نبيًا إلا رعى الغنم. فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنت أرعاها على قراريط (أجزاء من الدراهم والدنانير) لأهل مكة».[68] بينما أنكر الشيعة خبر رعيه الغنم.[65] وفي الثانية عشر من عمره،[69] سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام للتجارة، فلما نزلوا «بصرى» في الشام مرّوا على راهب اسمه «بحيرى»،[60] وكان عالمًا بالإنجيل، فجعل ينظر إلى محمد ويتأمّله، ثم قال لأبي طالب «ارجع بابن أخيك إلى بلدك واحذر عليه اليهود فوالله إن رأوه أو عرفوا منه الذي أعرف ليبغنه عنتًا، فإنه كائن لابن أخيك شأن عظيم نجده في كتبنا وما ورثنا من آبائنا».[70]
لُقّب محمد في مكة «بالأمين»،[49] فكان الناس يودعون أماناتهم عنده. كما عُرف عنه أنه لم يسجد لصنم قطّ، رغم انتشار ذلك في قريش،[7] ولم يشارك شبابهم في لهوهم ولعبهم،[64] وإنما كان يشارك كبرائهم في حربهم ومساعدتهم بعضًا بعضًا، ففي الرابعة عشر من عمره، وقيل في العشرين من عمره،[54] حدثت حرب الفجار بين كنانة وقيس عيلان، وشارك محمد مع قريش ضمن بني كنانة لأن قريش من كنانة، وأما خصومهم قيس وعيلان فكان منهم قبائل هوازن وغطفان وسليم وعدوان وفهم وغيرهم من القبائل القيسية، فشارك محمد فيها.[71] وقال النبي محمد عن حرب الفجار :«قد حضرته مع عمومتي، ورميت فيه بأسهم، وما أحب أني لم أكن فعلت»،[72] وقال عن حرب الفجار كذلك:«كنت أنبل على أعمامي»،[73] وقال عنها أيضا:« ما سرني أني لم أشهده إنهم تعدوا على قومي عرضوا عليهم أن يدفعوا إليهم البراض صاحبهم فأبوا».[74] كما شارك قريشًا في «حلف الفضول» وهو ميثاق عقدته قريش في دار عبد الله بن جدعان بمكة، وتعاهدت فيه أن تحمي الضعفاء والمظلومين، قال محمد «لقد شهدتُ في دار عبد الله بن جدعان حِلفًا، لو دُعيت به في الإسلام لأجبتُ».[75]
ولمّا أصاب الكعبة سيل أدّى إلى تصدّع جدرانها، قرر أهل مكة تجديد بنائها،[64] وفي أثناء ذلك اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في موضعه، فاتفقوا على أن يضعه أول شخص يدخل عليهم، فلما دخل عليهم محمد وكان عمره خمسًا وثلاثين سنة، قالوا «هذا الأمينُ، قد رَضينا بما يقضي بيننا»، فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه.[76]
زواجه بخديجة
جزء من سلسلة الإسلام عن |
الأنبياء المذكرون في القرآن |
---|
بوابة الإسلام |
كانت خديجة بنت خويلد امرأةً تاجرةً ذات شرف ومال،[49] فبلغها عن محمد ما بلغها من أمانته، فعرضت عليه أن يخرج بمالها إلى الشام متاجرًا وتعطيه أفضلَ ما كانت تعطي غيره من التجّار،[77] فقبل وخرج ومعه غلامها «ميسرة»، فقدما الشام فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبة من صومعة راهب يُقال له «نسطور»،[78] فاطلع الراهب إلى ميسرة وقال له «ما نزل تحت هذه الشجرة قطّ إلا نبيّ»،[79] وكان ميسرة إذا اشتد الحرّ يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره.[80] فلما أقبل عائدًا إلى مكة قدم على خديجة بمالها وقد ربحت ضعف ما كانت تربح.[77] بعد ذلك عرضت خديجة عليه الزواج بواسطة صديقتها «نفيسة بنت منيّة»،[78] فرضى بذلك، وعرض ذلك على أعمامه، فخرج معه عمّه حمزة بن عبد المطلب حتى خطبها من عمّها «عمرو بن أسد»،[81] وقيل بل خطبها له أبو طالب.[82] ثم تزوجها بعد أن أصدقها عشرين بكرة، وكان سنّه خمسًا وعشرين سنة وهي أربعين سنة،[83] وقيل بل كانت خمسًا وعشرين سنة،[84] أو ثمانية وعشرين سنة.[85] وكانت خديجة أول امرأة تزوجها محمد ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت[80] بعد ما بقيت معه خمسًا وعشرين سنة، عشرًا بعد المبعث وخمس عشرة قبله.[52] وبحسب أهل السنة فإنه قد تزوج خديجة قبل محمد وهي بِكر «عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم» (وولدت له هند) ثم مات عنها فتزوجها «أبو هالة النباش بن زرارة» (وولدت له هند وهالة).[77] بينما رفض الشيعة ذلك، وقالوا إنَّ محمدًا تزوجها بكرًا.[86]
أنجب محمد من خديجة كل أولاده إلا إبراهيم. وحين تزوج خديجة، أعتق حاضنته أم أيمن فتزوجها «عبيد بن زيد من بني الحارث»، فولدت له أيمن،[87] فصحب محمدًا حين بُعث وتوفي شهيدًا يوم حنين،[63] وقيل يوم خيبر.[87] وكان زيد بن حارثة لخديجة فوهبته لمحمد، فأعتقه وزوجه أم أيمن بعد النبوة فولدت له أسامة،[88] وتوفيت بعدما توفي محمّد بخمسة أشهر.[89]
مبشرات على قرب مبعثه
يؤمن المسلمون بأن الله لم يبعث نبيًا إلا وأخذ عليه الميثاق لئن بُعث محمد وهو حيّ ليؤمننّ به وينصرنّه، ويأمر قومه بذلك،[90] وكان محمدٌ يقول «أنا دعوة إبراهيم، وكان آخر من بشّر بي عيسى بن مريم».[91] وقد ورد في كتب السير بأن الأحبار من اليهود والكهّان من النصارى ومن العرب كانوا قد تحدّثوا بأمر النبي محمد قبل مبعثه لمّا تقارب زمانه،[92] فأمّا الكهّان من العرب فأتتهم به الشياطين من الجن مما تسترق من السمع في السماء قبل أن تُحجَب عن ذلك برمي النجوم والشهب بمبعث النبي محمد،[92] وأما الأحبار من اليهود والرهبان من المسيحيين فلِما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه، وما كان من عهد أنبيائهم إليهم أن يتبعوه وينصروه إذا بعث فيهم.
قال ابن عباس «كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فلمّا التقوا هُزمت يهود خيبر فعاذت اليهود بهذا الدعاء فقالت «اللهم إنا نسألك بحقّ محمد النبيّ الأميّ الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم»، فكانوا إذا التَقَوا، دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان، فلما بُعث النبي ﷺ كفروا به فأنزل الله ﴿وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [البقرة:89]».[93] ومما ورد في قصة إسلام سلمان الفارسي أنه قال له أحد الرهبان «قد أظلّ زمان نبي، مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى الأرض بين حرّتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهديّة ولا يأكل الصّدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل».[92] وعن عامر بن ربيعة أنه قال: «سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول أنا أنتظر نبيًا من ولد إسماعيل ثم من بني عبد المطلب بن هاشم ولا أراني أدركه، وأنا أؤمن به وأصدّقه وأشهد أنه نبيّ، فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرئه مني السّلام، وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك. قلت: هلمّ. قال: هو رجل ليس بالقصير ولا بالطويل ولا بكثير الشعر ولا بقليله وليست تفارق عينيه حمرة وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره، فإيّاك أن تخدع عنه فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم، فكل من أسأل من اليهود والنصارى والمجوس يقولون «هذا الدين وراءك» وينعتونه مثل ما نعته لك ويقولون «لم يبق نبي غيره»».[94]
وقد كان محمد يرى قبل بعثته أمورًا، من ذلك ما قاله «إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلّم علي قبل أن أُبعث، إني لأعرفه الآن»،[32] وكان إذا خرج لحاجة أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها، فلا يمرّ بحجر ولا شجر إلا قال «السلام عليك يا رسول الله» يمينه وعن شماله وخلفه فلا يرى إلا الشجر والحجارة. فمكث كذلك يرى ويسمع، حتى جاءه جبريل في غار حراء.[95]
حياته بعد البعثة إلى الهجرة
نزول الوحي
لما بلغ محمد سنَّ الأربعين، اعتاد أن يخرج إلى غار حراء (طوله 2.16 م، وعرضه 0.945 م) في جبل النور على بعد نحو ميلين من مكة،[64] وذلك في كل عام،[95] فيأخذ معه الطعام والماء ليقيم فيه شهرًا بأكمله ليتعبد ويتأمّل.[96] ويعتقد المسلمون بأنه في يوم الاثنين،[97] 17 رمضان[98] أو 24 رمضان،[99] أو 21 رمضان، الموافق 10 أغسطس سنة 610م،[100] أو 27 رجب (المشهور عند الشيعة)،[101] نزل الوحي أول مرّة على محمد وهو في غار حراء، تروي عائشة بنت أبي بكر قصة بدء الوحي، والتي أنكر الشيعة معظمَ ما جاء فيها:[102]
أول ما بدأ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه المَلك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقاريء. قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: ﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِی خَلَقَ ١ خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ٢ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٣ ٱلَّذِی عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ٤ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ ٥﴾ [العلق:1–5] فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زمّلوني زملّوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتُقرِي الضيف، وتُعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة، وكان امرءًا تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله ﷺ خبر ما رأى، فقاله له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله به على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيًا إذ يُخرجك قومك، فقال رسول الله ﷺ: أوَمخرجيّ هم؟ قال: نعم، لم يأتِ رجل قطّ بمثل ما جئتَ به إلا عُودِي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا |
كما يفسر علماء المسلمين ما ورد في سفر التثنية بالتوراة بأنه نبوءة عن قصة نزول الوحي على محمد:
ثم يُعطى الكتاب للأمي قائلاً: "الآن اقرأ هذا". فيقول: "لا أستطيع القراءة. سفر إشعيا 29: 12
وبعد تلك الحادثة، فَتَر عنه الوحي مدة، قيل أنها أربعون ليلة وقيل أقلّ من ذلك، ورجّح البوطي ما رواه البيهقي من أن المدة كانت ستةَ أشهر،[103] حتى انتهت بنزول أوائل سورة المدثر. فكان أول ما نزل من القرآن بعد أول سورة العلق، أول سورة القلم، والمدثر والمزمل والضحى والليل.[94] وعن كيفية نزول الوحي عليه، كان يقول «أحيانًا في مثل صلصلة الجرس، فهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول»، قالت عائشة: «ولقد رأيتُه ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصِم عنه، وإنَّ جبينه ليتفصَّد عرقًا».[104] وفي تلك الفترة نفسها حدثت له حادثة شق الصدر مرة ثانية.[ب]
بداية الدعوة
يعتقد المسلمون أن محمدًا بُعث للناس كافة، فقد قال عن نفسه «أنا رسولُ من أدركتُ حيًا، ومن يولد بعدي»،[91] فبعد نزول آيات سورة المدثر،[107] بدأ يدعو إلى الإسلام الكبيرَ والصغيرَ، والحر والعبد، والرجال والنساء، فكان أوّل النّاس إيمانًا به بحسب الرواية السنية زوجته خديجة بنت خويلد،[108] ثمّ ابن عمّه علي بن أبي طالب،[109] (وهو أول الناس إيمانًا بحسب الشيعة)[110] وكان صبيًا يعيش في كفالة محمد معاونةً لأبي طالب،[111] وهو يومئذٍ ابن عشر سنين[112] وقيل ثمان سنين، وقيل غير ذلك.[113] ثم أسلم زيد بن حارثة مولى محمد ومتبنّاه قبل تحريم ذلك في الإسلام، فكان أول ذكر أسلم وصلّى بعد علي بن أبي طالب،[106] وفي رواية الزهري أن زيدًا كان أول الرجال إسلامًا.[111] ثم أسلم صديقه المقرّب أبو بكر بن أبي قحافة،[106] وقيل بل أسلم قبل علي بن أبي طالب،[114] قال أبو حنيفة «بل هو أول من أسلم من الرجال، وعليًا أول من أسلم من الصبيان».[115]
ولمّا أسلم أبو بكر أظهر إسلامه فكان أول من أظهر الإسلام في مكة،[116] وجعل يدعو إلى الإسلام من وثِقَ به من قومه ممن يجلس إليه، فأسلم بدعائه عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص.[114] ويُروى أنّ أبا بكر رأى رؤيا قبل إسلامه، ذلك أنه رأى القمر ينزل إلى مكة، ثم رآه قد تفرّق على جميع منازل مكة وبيوتها، فدخل في كل بيت منه شعبة، ثم كأنه جمع في حجره، فقصّها على بعض الكتابيين فعبرها له بأن «النبي المنتظر الذي قد أظل زمانه تتبعه وتكون أسعد الناس به».[117] وكان محمد في بداية أمره يدعو إلى الإسلام مستخفيًا حذرًا من قريش مدة ثلاث سنين.[118] وكان من أوائل ما نزل من الأحكام الأمر بالصلاة، وكانت الصلاة ركعتين بالصباح وركعتين بالعشيّ،[117] فكان محمد وأصحابه إذا حضرت الصلاة ذهبوا في الشِّعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم.[119] وكان المسلمون الأوائل يلتقون بمحمد سرًا، ولما بلغوا ثلاثين رجلاً وامرأةً، اختار لهم محمد «دار الأرقم بن أبي الأرقم» عند جبل الصفا ليلتقي بهم فيها لحاجات الإرشاد والتعليم.[118] وبقوا فيها شهرًا،[120] لحين ما بلغوا ما يقارب أربعين رجلاً وامرأةً، فنزل الوحي يكلف الرسول بإعلان الدعوة والجهر بها.[121]
الجهر بالدعوة
بقي محمد ثلاث سنوات يدعو الناس سرًا، ثم بدأ بالدعوة جهرًا بعدما تلقّى أمرًا من الله بإظهار دينه، عن علي بن أبي طالب أنه قال: «لما نزلت «وأنذر عشيرتك الأقربين» جمع رسول الله ﷺ قرابته، فاجتمع له ثلاثون رجلاً، فأكلوا وشربوا، فقال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي في أهلي؟ فقال علي: أنا».[122] ويروي ابن عباس فيقول:[123]
لمّا أنزلت «وأنذر عشيرتك الأقربين» صعد رسول الله ﷺ على الصّفا فقال: يا معشر قريش! فقالت قريش: مالك يا محمد؟ قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل أكنتم تصدقونني؟ قالوا: نعم، أنت عندنا غير متَّهم، وما جربنا عليك كذبًا قطّ. قال: فإنّي نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ، يا بني عبد المطلب! يا بني عبد مناف! يا بني زهرة! إنّ الله أمرني أن أُنذر عشيرتي الأقربين، وإنّي لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيبًا، إلا أن تقولوا لا إله إلا الله. فقال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله «تبت يدا أبي لهب وتب» |
لم تعادِ قريشٌ محمدًا ودعوتَه إلا بعد أن نزلت آيات في ذم الأصنام وعبادتها،[123] بينما يتمسك مفسرو القرآن وأغلب كتاب السيرة بأن المعارضة تزامنت مع بدء الدعوة الجهرية للإسلام.[124] فاشتدت قريش في معاداتها لمحمد وأصحابه، وتصدّوا لمن يدخل في الإسلام بالتعذيب والضرب والجلد والكيّ، حتى مات منهم من مات تحت التعذيب،[118] قال ابن مسعود «أول من أظهر الإسلام بمكة سبعة: رسول الله ﷺ وأبو بكر وبلال وخباب وصهيب وعمار وسمية. فأما رسول الله ﷺ وأبو بكر فمنعهما قومهما، وأما الآخرون فأُلبسوا أدرع الحديد ثم صُهروا في الشمس وجاء أبو جهل إلى سمية فطعنها بحربة فقتلها».[125] حتى محمد قد ناله نصيب من عداوة قريش، من ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص «بينما رسول الله ﷺ يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله ﷺ ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله ﷺ وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم».[126] وقد كان من أشدّهم معاداة لمحمد وأصحابه أبو جهل، وأبو لهب، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن قيس بن عدي، والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط،[123] حتى دعا على بعضهم قائلاً: «اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد».[127]
سلكت قريش طريق المفاوضات لثني محمد عن دعوته، فأرسلت عتبة بن ربيعة أحد ساداتهم يفاوضه، فلما سمع القرآن عاد لقريش وقال «أطيعوني وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكوننّ لقوله الذي سمعت منه بنبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزّه عزّكم». ثم حاولوا مرات كثيرة بعرض المال عليه والزعامة، لكن محمدًا كان يرفض في كل مرة.[118] ولما كان محمد في حصانة عمّه أبي طالب، أرسلوا وفودًا لعمّه يعاتبونه مرات عديدة،[124] حتى صعُب على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم له، فقال لمحمد «يا ابن أخي، إنّ قومك قد جاؤوني وقالوا كذا كذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت، فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك»، فظنّ محمد أن قد بَدَا لعمّه فيه، وأنه خاذله ومُسْلمه، وضعف عن القيام معه. فقال محمد كلمته المشهورة «يا عمّ، لو وُضعت الشمس في يميني، والقمر في يساري، ما تركتُ هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه». ثم بكى محمد، فقال له أبو طالب «يا ابن أخي، إمضِ على أمرك وافعل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا».[128]
الهجرة إلى الحبشة
لما اشتد البلاء على المسلمين، أذن لهم محمد بالهجرة إلى الحبشة عند الملك أصحمة النجاشي، قائلاً لهم «إنّ بأرض الحبشة ملكًا لا يُظلَم أحدٌ عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه»، فخرج 11 رجلاً و4 نسوة،[129] على رأسهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت محمد،[130] في شهر رجب من سنة خمس من البعثة (8 ق هـ)،[131] وكان رحيل هؤلاء تسللًا في الليل، خرجوا إلى البحر وقصدوا «ميناء شعيبة»، وكانت هناك سفينتان تجاريتان أبحرتا بهم إلى الحبشة،[132] فكانت أول هجرة في الإسلام.
وفي أعقاب الهجرة إلى الحبشة، وتحديدًا في شهر رمضان، خرج النبي محمد إلى الحرم، وفيه جمع كبير من قريش، فقام فيهم، وفاجأهم بتلاوة سورة النجم، ولم يكن أولئك قد سمعوا القرآن من قبل، لأنهم كانوا مستمرين على ما تواصوا به من قولهم ﴿لَا تَسۡمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡاْ فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ﴾ [فصلت:26]،[132] حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة آية ﴿فَٱسۡجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعۡبُدُواْ۩ ٦٢﴾ [النجم:62] ثم سجد، فسجد معه كل من كان حاضرًا من قريش،[133] إلا شيخًا أخذ كفًا من حصى فرفعه إلى جبهته وقال: «يكفيني هذا»،[134] فشاع أن قريشًا قد أسلمت.[131]
ولما بلغ المسلمين في الحبشة أن أهل مكة قد أسلموا، رجع ناس منهم إلى مكة، فلم يجدوا ما أُخبروا به صحيحًا، فلم يدخل أحد مكة إلا مستخفيًا، أو في جوار رجل من قريش،[132] ثم رجعوا وسار معهم جماعة إلى الحبشة، وهي الهجرة الثانية،[131] فكان جميع من لحق بأرض الحبشة وهاجر إليها من المسلمين، سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم صغارًا أو ولدوا بها، 83 رجلاً.[130] ولما رأت قريش أنّ أصحاب محمد قد أمنوا في الحبشة، بعثوا عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص محمّلين بالهدايا للنجاشي وبطارقته علّه يخرج المسلمين من دياره، فدعى النجاشي المسلمين، وقام جعفر بن أبي طالب مدافعًا عن المسلمين، فقرأ على النجاشي بعضًا من سورة مريم، فبكى النجاشي، وبكت أساقفته حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال لهم النجاشي «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يُكادون - يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه».[135] وقد هاجر معظم الذين هاجروا إلى الحبشة إلى المدينة المنورة، بعد أن استقر الإسلام فيها، وتأخر جعفر ومن معه إلى فتح خيبر سنة 7 هـ.[131]
حصار بني هاشم
جزء من سلسلة مقالات حول |
الإسلام |
---|
بوابة الإسلام |
لما بلغ قريشًا فعل النجاشي بالمسلمين، وأن عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب قد أسلما، وعندما رأوا الإسلام يفشو في القبائل،[136] كبُر ذلك عليهم، وأجمعوا على قتل محمد، فكلّموا بني هاشم في ذلك فرفضوا تسليمه إليهم، وأجمع بنو هاشم أمرهم على أن يُدخلوا محمدًا شِعبَهم ويمنعوه ممن أراد قتله،[137] فانحازت بنو المطلب بن عبد مناف إلى أبي طالب في شعبه مع بني هاشم مسلمهم وغير مسلمهم،[138] إلا أبو لهب فإنه فارقهم وكان مع قريش.[136] ولمّا عرفت قريش ذلك، أجمعوا على حصار بني هاشم، بألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم ولا يجالسوهم، حتى يسلموا محمدًا للقتل، وكتبوا بذلك كتابًا وعلّقوه في جوف الكعبة وحالفوا بني كنانة على هذا الأمر ودخلت كنانة معهم فيه.[136] وكان الذي كتب الصحيفة «منصور بن عكرمة العبدري»، الذي قد رُوي أن النبي محمد قد دعى عليه فشُلّت يده.[139]
حُصر بنو هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة (6 ق هـ)،[137] وقُطعت عنهم الميرة والمادة، فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم حتى اشتد عليهم الحصار وباتوا يأكلون أوراق الشجر، وسُمع أصوات صبيانهم من وراء الشعب،[140] فأقاموا في الشعب ثلاث سنين، وقيل سنتين.[138]
سعى خمسة من رؤساء قريش في نقض الصحيفة وإنهاء الحصار، فكان أول من بدأ في ذلك الأمر هشام بن عمرو الذي كان يأتي بني هاشم وبني المطلب بالطعام إلى الشعب ليلاً، وآزره زهير بن أمية (أمه عاتكة بنت عبد المطلب)، والمطعم بن عدي، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود. ثم قد علم محمد أمر صحيفتهم وأن الأرضة قد أكلت ما كان فيها إلا ذكر الله، وهي كلمة «باسمك اللهم»،[141] فذكر ذلك لأبي طالب، ليخرج أبو طالب قائلاً لقريش «إنّ ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني قطّ أنّ الله قد سلّط على صحيفتكم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم، وبقي فيها كل ما ذكر به الله، فإن كان ابن أخي صادقًا نزعتم عن سوء رأيكم، وان كان كاذبًا دفعته إليكم فقتلتموه أو استحييتموه»، قالوا «قد أنصفتنا»، فأرسلوا إلى الصحيفة، ففتحوها فإذا هي كما قال النبي محمد. فقال أبو طالب: «علام نحبس ونحصر وقد بان الأمر؟ ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة والكعبة فقال: "اللهم انصرنا ممن ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل ما يحرم عليه منا"».[139] وعند ذلك قام المطعم بن عدي إلى الصحيفة فمزقها، ثم مشى مع من أجمعوا على نقض الصحيفة، فلبسوا السلاح ثم خرجوا إلى بني هاشم وبني المطلب فأمروهم بالخروج إلى مساكنهم ففعلوا.[142] وكان خروجهم من الشعب في السنة العاشرة للبعثة (3 ق هـ).[139]
ولم يلبث أبو طالب حتى توفي في رمضان أو شوال من السنة العاشرة للبعثة (3 ق هـ)، وهو يومئذٍ ابن بضع وثمانين سنة،[139] وقيل: كانت وفاته في رجب بعد ستة أشهر من خروجهم من الشعب، وذلك قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بثلاث سنين.[143] وقد أجمع الشيعة على أنّه تُوفي مسلمًا مؤمنًا،[144] وقد جاء ذلك أيضًا في رواية عند ابن إسحاق ما يفيد أنه أسلم عند موته،[143] ولكن أهل السنة يثبتون الرواية الأصحّ عندهم بأنه تُوفي ولم يُسلم.[142] ولم تكن قريش تستطيع النيل من محمد أو أذيته حتى توفي أبو طالب، فرُوي عنه أنه قال: «ما نالت مني قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب».[143] وبعد وفاة أبي طالب بشهر وخمسة أيام،[138] وقيل بشهرين، وقيل بثلاثة أيام،[140] توفيت زوجته خديجة بنت خويلد في رمضان من السنة العاشرة للبعثة، ودفنت في مكة ولها من العمر 65 سنة، وقيل 50، والنبي محمد إذ ذاك في الخمسين من عمره،[145] فحزن النبي محمد على فقدان عمه وزوجته حتى سمّى ذلك العام بـ عام الحزن، وبعد أيام من وفاتها، تزوج محمد من سودة بنت زمعة[137] في رمضان وقيل في شوال.[142]
الخروج إلى الطائف
بعدما اشتد الأذى من قريش على محمد وأصحابه بعد موت أبي طالب، قرر محمد الخروج إلى الطائف حيث تسكن قبيلة ثقيف يلتمس النصرة والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يسلموا،[146] فخرج مشيًا على الأقدام[147] ومعه زيد بن حارثة، وقيل بل خرج وحده،[148] وذلك في ثلاث ليال بَقَيْن من شوال سنة عشر من البعثة (3 ق هـ)،[149] الموافق أواخر مايو سنة 619م،[147] فأقام بالطائف عشرة أيام[137] لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فلم يجيبوه، وردّوا عليه ردًا شديدًا،[150] وأغروا به سفهاءهم فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى أن رجلي محمد لتدميان وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى جُرح في رأسه.[149] وألجؤوه إلى حائط[ج] لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، على ثلاثة أميال من الطائف،[147] ورجع عنه سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فلما اطمأن محمد قال:[146]
اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني (يلقاني بالغلظة)، أم إلى عدوّ ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك. لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك |
فلما رآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة وما لقي، بعثوا له بعنب مع غلام لهما نصرانيّ يقال له عداس،[137] ففعل عداس، فلما سمع محمد يقول «باسم الله» ثم أكل، فنظر عداس في وجهه ثم قال «والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد» فقال له محمد «ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟» قال «نصراني، وأنا رجل من أهل نينوى» فقال «من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟» فقال له عداس «وما يدريك ما يونس بن متى؟» فقال «ذاك أخي كان نبيًا وأنا نبي»، فأسلم عداس،[151] وأكبّ على محمد يقبل رأسه ويديه وقدميه.[146] وقد أنكر الشيعة قصة عداس في كتبهم.[152]
فانصرف محمد من الطائف راجعًا إلى مكة وهو محزون لم يستجب له أحد من أهل البلد،[153] فلما بلغ «قرن الثعالب» بعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة، وهما الأخشبين، وهما جبلا مكة يحيطان بها، فرفض ذلك قائلاً: «بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيءًا».[154] ثم تقدم في طريق مكة حتى بلغ «وادي نخلة»، وأقام فيه أيامًا،[147] وخلال إقامته هناك استمع نفر من الجن إليه وهو يقرأ القرآن وهو يصلي بالليل،[146] فنزلت ﴿وَإِذۡ صَرَفۡنَاۤ إِلَيۡكَ نَفَرࣰا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ﴾ [الأحقاف:29] ثم تابع مسيره، فدخل مكةَ في جوار المطعم بن عدي، وهو ينادي «يا معشر قريش إني قد أجرت محمدًا، فلا يهجه أحد منكم»، حتى وصل محمد للكعبة وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته والمطعم بن عدي وولده محيطون به.[149]
الإسراء والمعراج
حدثت للنبي محمد رحلة الإسراء والمعراج بحسب التراث الإسلامي، بعد رحلة الطائف،[155] وقد اختُلف في تحديدها على عشرة أقوال،[156] فقيل أنها كانت ليلة 27 رجب بعد البعثة بعشر سنين (3 ق هـ)، وقيل بل كانت ليلة السبت 17 رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا (2 ق هـ)،[157] وقيل في 17 ربيع الأول قبل الهجرة بسنة (1 ق هـ)،[158] وقيل غير ذلك. وجمهور المسلمين من أهل السنة والشيعة يؤمنون بأن هذه الرحلة كانت بالروح والجسد معًا يقظةً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى،[158] وكانت قد حدثت له حادثة شق الصدر مرة ثالثة[159] قبل أن يركب البراق،[د] بصحبة جبريل. فنزل في المسجد الأقصى وربط البراق بحلقة باب المسجد، وصلّى بجميع الأنبياء إمامًا،[161] ثم عُرج به إلى فوق سبع سماوات مارًا بالأنبياء آدم، ويحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، ويوسف، وإدريس، وهارون وموسى وإبراهيم.[156] وانتهى إلى سدرة المنتهى ورأى الجنة والنار.[157] وفُرضت عليه الصلوات الخمس.[161] يقول البوصيري في قصيدة البردة:
ثم انصرف في ليلته عائدًا راكبًا البراق بصحبة جبريل، فوصل مكة قبل الصبح،[162] فلما أصبح أخبر قومه برحلته فاشتد تكذيبهم له وأذاهم، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس، فتمثّل له بيت المقدس حتى عاينه، فبدأ يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئًا، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، وأخبرهم عن البعير الذي يقدمها، وكان الأمر كما قال. وصدّقه بكل ما قاله أبو بكر فسُمي يومئذ بالصّدّيق.[163]
بيعة العقبة الأولى والثانية
بدأ محمد يعرض نفسه في مواسم الحج على قبائل العرب يدعوهم إلى الله ويسألهم أن ينصروه ويمنعوه حتى يبلغ الإسلام للناس.[164] وفي السنة الحادية عشرة من النبوة (2 ق هـ)، وبينما هو عند «العقبة» في منى، لقي ستة أشخاص «أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث ورافع بن مالك وقُطبَة بن عامر بن حديدة وعُقبة بن عامر بن نابي وجابر بن عبد الله».[165] من الخزرج من يثرب، فدعاهم إلى الإسلام، فقال بعضهم لبعض «يا قوم، تعلموا والله إنه للنبي توعدكم به يهود، فلا تسبقنّكم إليه» وقد كان اليهود يتوعدون الخزرج بقتلهم بنبي آخر الزمان. فأسلم أولئك النفر، ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم.[166] فلما قدموا يثرب ذكروا لقومهم خبر النبي محمد، ودعوهم إلى الإسلام، حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكرٌ من النبي محمد.[164] حتى إذا كان العام التالي، وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوه بالعقبة في منى، فبايعوا[ه] محمدًا على «بيعة النساء»،[و] فكانت بيعة العقبة الأولى.[164]
ولما انصرف القوم، بعث معهم مصعب بن عمير يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام، فكان يُسمّى بالمقرئ، فأقام في بيت أسعد بن زرارة يدعو الناس إلى الإسلام، ويصلي بهم، فأسلم على يديه سعد بن عبادة وأسيد بن حضير وهما يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل، فأسلم جميع قومهما بإسلامهما،[166] ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخَطْمَة ووائل، كان فيهم قيس بن الأسلت (وكان قائدًا لهم يطيعونه) فوقف بهم عن الإسلام حتى كان سنة 5 هـ.[167] وقبل حلول موسم الحج التالي عاد مصعب بن عمير إلى مكة.
وفي موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من البعثة (يونيو سنة 622م) اتفق عدد من المسلمين من أهل يثرب أن يأتوا مكة مع قومهم للحج قائلين «حتى متى نذر رسول الله ﷺ يطرد في جبال مكة ويخاف؟»،[168] فقدم مكة منهم سبعون رجلاً وامرأتان،[169] جرت بينهم وبين محمد اتصالات سرية أدت إلى اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا ليلاً في أوسط أيام التشريق في الشعب الذي عند العقبة حيث الجمرة الأولى من منى،[167] فلما التقوا به وكان بصحبة عمّه العباس، قالوا له «يا رسول الله نبايعك؟» فقال لهم: «تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة»،[168] فبايعوه رجلاً رجلاً بدءًا من أسعد بن زرارة وهو أصغرهم سنًا.[169] وعُرف ذلك الاتفاق ببيعة العقبة الثانية وقد كانت في شهر ذي الحجة قبل الهجرة إلى المدينة بثلاثة أشهر.[170] وبعد أن تمت البيعة طلب محمد أن يختاروا اثني عشر زعيمًا يكونون نقباء على قومهم، يكفلون المسؤولية عنهم في تنفيذ بنود هذه البيعة، فتم اختيارهم في الحال، ثم عاد المبايعون إلى قومهم في مكة، وقد فشا في قريش أمر البيعة عندما صاح شيطان اسمه «أزب العقبة» بذلك، فلم يتأكدوا من الأمر حتى غادر الأوس والخزرج عائدين إلى ديارهم، فلحقت بهم قريش فلم يدركوا إلا سعد بن عبادة، فمسكوه وضربوه فجاء المطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية فخلصاه من أيديهم.[166]
الهجرة إلى المدينة
«لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله ﷺ المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء»[171] |
—أنس بن مالك |
لما اشتد البلاء على المسلمين بعد بيعة العقبة الثانية، أذن محمد لأصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، فجعلوا يخرجون ويخفون ذلك، فكان أول من قدم المدينة المنورة أبو سلمة بن عبد الأسد، ثم قدم المسلمون أرسالاً فنزلوا على الأنصار في دورهم فآووهم ونصروهم. ولم يبقَ بمكة منهم إلا النبي محمد وأبو بكر وعلي بن أبي طالب أو مفتون محبوس أو ضعيف عن الخروج.[172]
ولما رأت قريش خروج المسلمين، خافوا خروج محمد، فاجتمعوا في دار الندوة، واتفقوا أن يأخذوا من كل قبيلة من قريش شابًا فيقتلون محمدًا فيتفرّق دمه في القبائل.[172] فأخبر جبريل محمدًا بالخبر وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة، فأمر محمد عليًا أن ينام مكانه ليؤدي الأَمانات التي عنده ثم يلحق به. واجتمع أولئك النفر عِند بابه، لكنه خرج من بين أيديهم لم يره منهم أحد، وهو يحثو على رؤوسهم التراب تاليًا آيات من سورة يس.[174] فجاء إلى أبي بكر، وكان أبو بكر قد جهز راحلتين للسفر، فأعطاها محمد لعبد الله بن أرَيْقِط، على أن يوافيهما في غار ثور بعد ثلاث ليالٍ، ويكون دليلاً لهما، فخرجا ليلة 27 صفر سنة 14 من النبوة، الموافق 12 سبتمبر سنة 622م،[175] وحمل أبو بكر ماله كلّه ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف،[176] فمضيا إلى غار ثور فدخلاه وضربت العنكبوت على بابه بعش، وجعلت قريش فيه حين فقدوه 100 ناقة لمن يردّه عليهم،[177] فخرجت قريش في طلبه حتى وصلوا باب الغار، فقال بعضهم «إن عليه العنكبوت قبل ميلاد محمد» فانصرفوا. ومكث محمد وأبو بكر في الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، حتى خرجا من الغار 1 ربيع الأول،[175] أو 4 ربيع الأول.[172] وبينما هما في الطريق، إذ عرض لهما سراقة بن مالك وهو على فرس له فدعا عليه محمد فرسخت قوائم فرسه، فقال «يا محمد أدع الله أن يطلق فرسي وأرجع عنك وأرد من ورائي»، ففعل فأطلق ورجع فوجد الناس يلتمسون محمدًا فقال «ارجعوا فقد استبرأت لكم ما ههنا» فرجعوا عنه.[177]
وصل محمد قباء يوم الإثنين 8 ربيع الأول،[175] أو 12 ربيع الأول،[174] فنزل على كلثوم بن الهدم، وجاءه المسلمون يسلمون عليه، ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف.[177] وأقام علي بن أبي طالب بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدّى الودائع التي كانت عند محمد للناس، حتى إذا فرغ منها لحق بمحمد فنزل معه على كلثوم بن هدم.[177] وبقي محمد وأصحابه في قباء عند بني عمرو بن عوف 4 أيام، وقد أسس مسجد قباء لهم، ثم انتقل إلى المدينة المنورة فدخلها يوم الجمعة 12 ربيع الأول،[178] سنة 1 هـ الموافق 27 سبتمبر سنة 622م،[174] وعمره يومئذ 53 سنة. ومن ذلك اليوم سُميت بمدينة الرسول ﷺ، بعدما كانت يثرب، ويعبّر عنها بالمدينة مختصرًا أو المدينة المنورة.[175]
واعترضه الأنصار يكلمونه بالنزول عليهم، فيقول لهم «إنّها مأمورة فخلّوا سبيلها»، حتى انتهت فبركت في مربد[ز] لغلامين يتيمين من بني النجار، فأمر ببناء مسجد عليه، وهو المسجد النبوي الآن، ثم جاء أبو أيوب الأنصاري فحطّ رحله فأدخله منزله فقال محمد «المرء مع رحله»، وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته، فكانت عنده،[172] وخرجت جواري من بني النجّار فرحات بقدومه وهنّ يضربن بالدف ينشدن: «نحن جوار من بني النجار، يا حبّذا محمد من جار».[180] وكان أول شيء يتكلم به في المدينة أن قال «يا أيّها الناس، أفشوا السّلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام».[172] وبعد أيام وصلت إليه زوجته سودة بنت زمعة، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم وأسامة بن زيد وأم أيمن وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر، ومنهم عائشة، وبقيت زينب عند أبي العاص، لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد غزوة بدر،[175] بعد أن وقع زوجها أسيرًا لدى المسلمين، ثم أُطلق سراحه شرط أن يترك زينب تهاجر للمدينة.[181]
وقد اتّخذ عمر بن الخطاب من مناسبة الهجرة بداية التاريخ الإسلامي، لكنهم أخّروا ذلك من ربيع الأول إلى محرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في محرم، إذ كانت بيعة العقبة الثانية في أثناء ذي الحجة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال محرم، فكان بداية التاريخ الإسلامي والمسمى بالتقويم الهجري.[21] بينما يرى الشيعة أن التاريخ الهجري قد وُضع في زمن محمد، وقد أرّخ به محمد نفسه أكثر من مرة.[182]
حياته في المدينة
تأسيس الدولة الإسلامية
كان أول أمر بدأ به النبي محمد بناء المسجد، فاختار له المكان الذي بركت فيه ناقته، فاشتراه من غلامين كانا يملكانه بعشرة دنانير أدّاها من مال أبي بكر بحسب أهل السنة،[184] فبُني المسجد وسُقف بجريد النخل، وجُعلت أعمدته خشب النخل، وفرشت أرضه بالرمال والحصباء،[185] وكان محمد ينقل معهم اللبن في بناءه، وجُعل له ثلاثة أبواب، وجُعل طوله من القبلة للمؤخرة 100 ذراع، وفي الجانبين مثل ذلك أو دونه، وجُعلت قبلته للمسجد الأقصى حتى نزل الأمر بتحويل القبلة إلى الكعبة بعد ستة عشر شهرًا من الهجرة (2 هـ)، برغبة من محمد.[186] وقد بنى بيوتًا إلى جانبه، وهي حجرات أزواجه، حيث انتقل إليها بعد تكامل البناء من بيت أبي أيوب الأنصاري بعد أن مكث عنده من شهر ربيع الأول إلى شهر صفر 2 هـ.[187] وبعدما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر نزل فرض شهر رمضان في شعبان على رأس ثمانية عشر شهًرا من الهجرة، وأمر محمد في هذه السنة بزكاة الفطر وذلك قبل أن تفرض الزكاة في الأموال.[186]
وبعد قدومه بخمسة أشهر،[184] آخى بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا 90 رجلًا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، حتى لم يبقَ من المهاجرين أحد إلا آخي بينه وبين أنصاري.[188] قال محمد لهم «تآخوا في الله أخوين أخوين»، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب وقال «هذا أخي»،[189] فكان الأنصار يقتسمون أموالهم وبيوتهم مع المهاجرين، وكانوا يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين غزوة بدر، فرد التوارث إلى ذوي الرحم وبقيت الأخوّة.[185] وذكر البلاذري أن محمدًا قد آخى بين المهاجرين أنفسهم في مكة قبل الهجرة، وأيّد حدوثها الشيعة،[190] بينما رجح ابن القيم وابن كثير من أهل السنة عدم وقوعها.[191]
ثم نظّم محمد العلاقات بين سكان المدينة المنورة، وكتب في ذلك كتابًا اصطلح عليه باسم دستور المدينة أو الصحيفة، واستهدف هذا الكتاب توضيح التزامات جميع الأطراف داخل المدينة من مهاجرين وأنصار ويهود، وتحديد الحقوق والواجبات،[191] كما نص على تحالف القبائل المختلفة في حال حدوث هجوم على المدينة. وعاهد فيها اليهود ووادعهم وأقرّهم على دينهم وأموالهم.[189] وقد احتوت الوثيقة 52 بندًا، 25 منها خاصة بأمور المسلمين و27 مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولا سيما اليهود وعبدة الأوثان، لذلك رجح بعض المؤرخين أن تكون في الأصل وثيقتان وليست وثيقة واحدة، كُتبت الأولى (معاهدة اليهود) في سنة 1 هـ قبل غزوة بدر، والثانية (بين المهاجرين والأنصار خاصة) بعد بدر سنة 2 هـ.[191]
بدء الغزوات والقتال العسكري
منذ بداية وجود المسلمين في المدينة المنورة نصبت أحبار اليهود من بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير لمحمد العداوة، وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ممن كانوا يُظهرون إسلامهم ويُخفون عكس ذلك، فسُمّوا بالمنافقين،[187] كان على رأسهم عبد الله بن أبي ابن سلول. وبعد أن استقر المقام بالمسلمين في المدينة المنورة، أُذن لمحمد بالقتال لأول مرة، فكانت آية ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ ٣٩﴾ [الحج:39] أول ما نزل في الإذن بالقتال.[192] فبدأ محمد بإرسال البُعوث والسرايا، وغزا وقاتل هو وأصحابه، فكان عدد مغازيه التي خرج فيها بنفسه 27 غزوة، قاتل في 9 منها بنفسه،[193] وعدد سراياه 47 سريّة،[194][ح] وفي تلك الغزوات كلّها لم يقتل محمدٌ بيده قطّ أحدًا إلا أبي بن خلف.[196]
«اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليدًا»[197] |
—محمد بن عبد الله |
كانت أوّل السّرايا، سرية حمزة بن عبد المطلب، في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة، في 30 رجلاً من المهاجرين، خرجوا يعترضون عيرًا لقريش فلم تقع حرب،[198] ثم سرية عبيدة بن الحارث، ثم سرية سعد بن أبي وقاص.[194] ثم في صفر سنة 2 هـ وعلى رأس اثني عشر شهرًا من الهجرة، خرج النبي محمد في أول غزوة يغزوها بنفسه[194] وهي غزوة الأبواء أو غزوة ودّان، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة.[193] تلتها غزوة بواط، وغزوة العشيرة وغزوة بدر الأولى.
وفي 17 رمضان سنة 2 هـ الموافق مارس عام 624م، حدثت غزوة بدر الكبرى، إذ عزم المسلمون بقيادة محمد، على اعتراض قافلة تجارية قوامها 1000 بعير لقريش يقودها أبو سفيان بعد أن أفلتت منهم في طريق ذهابها إلى الشام.[199] ففي 8 رمضان أو 12 رمضان خرج محمد ومعه 305 رجال،[200] بالإضافة إلى 8 رجال تخلفوا لعذر، فحُسبوا ضمن المشاركين، فكان مجموعهم 313 رجلاً.[201] وقد خرجوا غير مستعدين لحرب، فلم يكن معهم إلا فرس أو فرسان، وسبعون من الإبل.[200] فلمَّا علم بهم أبو سفيان غَيّرَ طريقه إلى الساحل وأرسل إلى أهل مكة يستنفرهم، فخرج 1000 مقاتل ومعهم 100 فرس وجمال كثيرة بقيادة أبي جهل.[199] والتقى الجمعان عند ماء بدر يوم الجمعة صبيحة 17 رمضان سنة 2 هـ،[201] وكان محمد يحضّ المسلمين على القتال قائلاً «والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقتَل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة، ومن قتَل قتيلًا فله سَلَبُهُ»،[202] وقد ورد في القرآن ما يؤكّد مشاركة الملائكة في المعركة لصالح المسلمين في الآية التاسعة من سورة الأنفال ولم يمض وقت طويل حتى انتصر جيش المسلمين، وكانت حصيلة المعركة أن قُتل من المسلمين 14 شخصًا، وقُتل من المشركين 70 منهم أبو جهل وأمية بن خلف، وأُسِر 70 شخصًا،[202] وأسلم من الأسرى 16، وكان يُفادي بهم على قدر أموالهم، ومن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم جزاء حرّيته.[200] لاحقًا طرد محمد يهود بني قينقاع في غزوة بني قينقاع، إثر قيام أحدهم بكشف عورة إحدى المسلمات في أحد الأسواق، فقام أحد المسلمين فقتله، فتكالب عليه يهود بني قينقاع حتى قتلوه وتحصنوا في حصنهم، فحاصرهم المسلمون يوم السبت 15 شوال سنة 2 هـ، مدة 15 ليلة،[203] ثم تركهم محمد بدون أن يقتلهم وأمر بهم أن يخرجوا من المدينة.[204]
سعت قريش للانتقام إثر هزيمتها في غزوة بدر، فخرجت مع عدد من القبائل في 3000 مقاتل و200 فرس و3000 بعير،[205] وقائدهم يومئذٍ أبو سفيان بن حرب. ولما بلغ خبرهم لمحمد اجتمع بأتباعه واقترح عليهم أن يبقوا بالمدينة ويتحصنوا بها، لكنه سرعان ما قرر الخروج للقتال نزولاً على رأي الشباب. فخرج في 1000 من أصحابه، ثم في الطريق انسحب عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الجيش (وهم ممن يُسمَّون بـ «المنافقين»).[206] ثم تابع المسلمون سيرهم ونزلوا في موقع بين جبل أحد وجبل عينين، وجعل على جبل عينين (وهو جبل الرماة) 50 من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير موصيًا لهم أن «قوموا على مصافّكم هذه فاحموا ظهورنا، فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا، وإن رأيتمونا نُقتَل فلا تنصرونا».[205] وبدأت غزوة أحد يوم السبت 7 شوال سنة 3 هـ،[205] واقتتل الفريقان حتى بدت المعركة لصالح المسلمين بهروب قريش، فظنّ الرماة انتهاء المعركة فترك معظمهم مواقعهم مخالفين أمر محمد، واستغل خالد بن الوليد هذه الحال، فالتف على الجيش، وتغيّرت موازين المعركة لصالح قريش، وأوجعوا في المسلمين قتلاً شديدًا، وولّى من وّلى منهم يومئذ، وثبت مع محمد 14 رجلاً من أصحابه فيهم أبو بكر،[205] بينما يرى الشيعة أنه لم يثبت معه أحد إلا عليّ.[207] وقد أصيب محمد وقتئذٍ، فكُسرت رباعيته اليمنى السفلى وجُرحت شفته السفلى، وجرح في وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه، وجعل يمسح الدم وهو يقول «كيف يُفلح قومٌ خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربّهم»،[208] ودخلت حلقتان من حِلَق المغفر في وجنته ووقع في حفرة، وضربه «ابن قمئة» بالسيف على عاتقه الأيمن، فأُشيع أن محمدًا قد قتل، فلما عرف المسلمون أنه ما زال حيًا نهضوا به نحو شِقّ في جبل أحد للاحتماء فيه، وحاول أعداؤهم الوصول إليه ففشلوا فأوقفوا القتال مكتفين بانتصارهم هذا. كان من نتيجة المعركة أن قُتل حمزة بن عبد المطلب على يد وحشي بن حرب، ومثّلت به هند بنت عتبة فشقت بطنه عن كبده وجدعت أنفه وأذناه، فسُمي حينها بأسد الله وأسد رسوله.[206]
ولما كان يوم غد الأحد 8 شوال، أمر محمد أصحابه ممن شارك في غزوة أحد بالخروج في طلب قريش في غزوة حمراء الأسد، مرهبًا قريش ليظنّوا به قوة،[209] فخرجوا حتى عسكروا في منطقة «حمراء الأسد» وأوقدوا فيها 500 نارًا، وكان أبو سفيان يوم الأحد أراد الرجوع إلى المدينة ليستأصل بقية المسلمين، فنصحهم صفوان بن أمية بن خلف بالرجوع إلى مكة عندما سمع نبأ خروج محمد وأصحابه، فرجعوا، فعاد محمد وأصحابه إلى المدينة يوم الأربعاء بلا قتال.[206] وفي وقت لاحق في شهر ربيع الأول سنة 4 هـ،[210] حدثت غزوة بني النضير بعد أن همّ يهود بني النضير بالغدر وقتل محمد، فنقضوا بذلك صحيفة المدينة، فأمهلهم محمد 10 أيام ليغادروا المدينة،[210] فرفضوا وتحصنوا بحصن لهم، فحاصرهم محمد 15 يومًا،[210] وقيل 6 ليال،[211] ثم أجلاهم عن المدينة وحملوا النساء والصبيان وتحملوا على 600 بعير، فلحقوا بخيبر، وغنم من أموالهم ما تركوه وراءهم.[212]
حصار المدينة
«اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم»[213] |
—محمد بن عبد الله |
لما أُجلي بنو النضير وساروا إلى خيبر خرج نفر من وجهائهم فحرّضوا قريشا وغطفان ودعوهم إلى حرب محمد وعاهدوهم على قتاله، فوافقوهم،[214] وتجهزت قريش فجمعوا 4000 شخص و300 فرس وانضم إليهم أعداد من بني سليم وبني أسد وفزارة وغطفان وبني مرة، فكان جميعهم 10,000 سُمّوا بالأحزاب وكان قائدهم أبو سفيان فكانت ما عُرف بغزوة الخندق أو غزوة الأحزاب،[215] وكانت في شوال سنة 5 هـ[216] وقيل في ذي القعدة.[217] فلما سمع بهم محمد عسكر بثلاثة آلاف من المسلمين إلى سفح جبل سلع وكان شعارهم «حَم، لَا يُنْصَرُونَ»،[218] وجعل النساء والأطفال في آطام (حصون)، ثم حفر الخندق على المدينة بمشورة سلمان الفارسي وكان يعمل فيه بيده فانتهوا منه بعد 6 أيام.[217]
ولما انتهوا من الخندق جاءت قريش ومن معهم من الأحزاب وحاصروا المدينة حصارًا شديدًا،[218] وفي أثناء ذلك وافق يهود بني قريظة على أن يسمحوا للأحزاب بدخول المدينة من الجزء الخاص بهم بعد أن فاوضهم حيي بن أخطب القادم مع الأحزاب، لكن ذلك لم يكن بسبب حيلة استخدمها الصحابي «نعيم بن مسعود الغطفاني» للإيقاء من بني قريظة والأحزاب.[215] واشتد الحصار على المسلمين ودبّ فيهم الخوف والرعب، فنزلت آيات من سورة الأحزاب تصف ما حدث ﴿يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَاۤءَتۡكُمۡ جُنُودࣱ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحࣰا وَجُنُودࣰا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا ٩ إِذۡ جَاۤءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ ١٠﴾ [الأحزاب:9–10]. وأقام المسلمون والأحزاب 24 ليلة لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار.[217] حتى جاءت ريح شديدة لمعسكر الأحزاب، فارتحلوا على إثرها. كان من نتيجة هذا الحصار أن قُتل 8 من المسلمين، و4 من الأحزاب.[216] ولما انصرف الأحزاب عن المدينة، قال محمد لأصحابه: «لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنكم تغزونهم»،[219] فلم تغزهم قريش بعد ذلك وكان هو الذي يغزوها حتى فتح مكة.[214]
بعد انتهاء المعركة، رجع بنو قريظة فتحصنوا بحصونهم، ووضع محمد السلاح. فجاءه جبريل في صورة دحية الكلبي فقال: «أوقد وضعت السلاح يا رسول الله؟» قال «نعم» فقال جبريل «فما وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت الآن إلا من طلب القوم. إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فإنّي عامد إليهم فمزلزل بهم» فأمر محمد أصحابه بالرحيل إليهم 7 ذو القعدة 5 هـ،[220] فكانت غزوة بني قريظة، فحاصرهم المسلمون وهم يومئذ 3000،[221] 25 ليلة حتى أتعبهم الحصار. فأعلن بنو قريظة استسلامهم، فحَكَّمَ محمد سعد بن معاذ فيهم فحكم بقتلهم وتفريق نسائهم وأبنائهم عبيدًا بين المسلمين، فقال محمد «لقد حكمتَ فيهم بحكم الله».[222] فأمر محمد بتنفيذ الحكم وفِي الراجح أُعدِم ما بين 40 إلى 400 شخص، بينما أعدم حسب مرسل ابن إسحاق ما بين 700 إلى 900 شخص.[223]
صلح الحديبية
لما كتبوا الكتاب (الصلح)، كتبوا: «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله»، فقال سهيل: «لا نقرّ لك بهذا، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئًا، ولكن أنت محمد بن عبد الله». فقال: «أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله». ثم قال لعلي بن أبي طالب: «امحُ رسول الله». قال علي: «لا والله لا أمحوك أبدًا»، فأخذ رسول الله ﷺ الكتاب، وليس يحسن يكتب، فكتب: «هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله».[224] وقد استنبط علماء الشافعية والحنفية وبعض المالكية من قول علي أنّ الأدب مقدّم على الاتباع، قال الشوكاني «فتقريره ﷺ له على الامتناع من امتثال الأمر تأدبًا مُشعِر بأولويته». |
—نيل الأوطار[225] |
أمر محمد أتباعه باتخاذ الاستعدادات لأداء مناسك العمرة في شهر ذي القعدة سنة 6 هـ الموافق 628م، بعد أن رأى في منامه أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام وطافوا واعتمروا، واستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي ليخرجوا معه، فخرج منها يوم الإثنين غرّة ذي القعدة سنة 6 هـ في 1400 أو 1500،[226] ولم يخرج بسلاح إلا سلاح المسافر (السيوف في القُرُب)، وساق معه الهدي 70 بَدَنَة.[227] ولمّا علمت قريش بذلك قررت منعه عن الكعبة، فأرسلوا 200 فارس بقيادة خالد بن الوليد للطريق الرئيسي إلى مكة. لكن محمدًا اتخذ طريقًا أكثر صعوبة لتفادي مواجهتهم،[228] حتى وصل إلى الحديبية على بعد 9 أميال من مكة،[226] فجاءه نفر من خزاعة ناصحين له، فقال لهم محمد «إنّا لم نجيء لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشًا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم، ويخلّوا بيني وبين الناس، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جَمُّوا، وإن هم أبَوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذنّ الله أمره».[229] فعادوا إلى قريش موصلين تلك الرسالة، فبعثت قريش الحليس بن علقمة الكناني سيد الأحابيش بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة وحلفاء قريش فلما رآه الرسول محمد قال: «إن هذا من قومٍ يتألّهون، فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه»، فلما رأى الحليس بن علقمة الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله، رجع إلى قريش ولم يصل إلى الرسولِ محمدٍ إعظامًا لما رأى، فقال لهم ذلك، فقالوا له: «اجلس، فإنَّما أنت أعرابيٌّ لا علمَ لك»، فغضب عند ذلك الحليس وقال: «يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم، أيُصَدُّ عن بيت الله من جاء معظِّمًا له؟ والذي نفس الحليس بيده، لَتَخلنَّ بين محمد وبين ما جاء له، أو لأنفرنَّ بالأحابيش نفرة رجلٍ واحد»، فقالوا له: «مه، كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به».[230]
ثم بعثت قريش عروة بن مسعود الثقفي، ليفاوض المسلمين، فأعاد محمد عليه العرض نفسه، فعاد لمكة قائلاً:[229]
ثم أرسل محمد عثمان بن عفان إلى قريش ليفاوضهم، فتأخر في مكة حتى أُشيعَ أنه قُتل.[228] فقرر محمد أخذ البيعة من المسلمين على أن لا يفرّوا، فيما عرف ببيعة الرضوان، فلم يتخلّف عن هذه البيعة أحد إلا جد بن قيس،[227] ونزلت آيات من القرآن ﴿لَّقَدۡ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَـٰبَهُمۡ فَتۡحࣰا قَرِيبࣰا ١٨﴾ [الفتح:18]. خلال هذا وصلت أنباء عن سلامة عثمان، وأرسلت قريش سهيل بن عمرو لتوقيع اتفاق مصالحة عرف بصلح الحديبية، ونصّت بنوده على عدم أداء المسلمين للعمرة ذلك العام على أن يعودوا لأدائها العام التالي، كما نصّت على أن يرد المسلمون أي شخص يذهب إليهم من مكة بغير إذن، في حين لا ترد قريش من يذهب إليهم من المدينة. واتفقوا أن تسري هذه المعاهدة مدة 10 سنوات، وبإمكان أي قبيلة أخرى الدخول في حلف أحد الطرفين لتسري عليهم المعاهدة.[226] فلما فرغوا من الكتاب انطلق سهيل وأصحابه، عمّ المسلمين الحزن الشديد بسبب بنود الصلح، وعدم تمكنهم من أداء العمرة، فقال لهم محمد «قوموا فانحروا» ثلاثًا فما قام منهم أحد، ثم قام محمد ولم يكلّم أحدًا منهم حتى نحر بُدْنَه، ودعا خراش بن أمية فحلق له رأسه،[228] فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًا.[229] وأقاموا بالحديبية بضعة عشر يومًا ويقال عشرين يومًا، ثم انصرفوا.
كان من نتائج الصلح أن بعث محمد رسائل إلى العديد من الملوك في العالم يدعوهم إلى اعتناق الإسلام، واختار من أصحابه رسلاً لهم معرفة وخبرة، وأرسلهم إلى الملوك في شهر ذي الحجة سنة 6 هـ،[231] وقيل بل في بداية شهر المحرم سنة 7 هـ قبل غزوة خيبر بأيام.[232] فكان أول رسول أرسله محمد هو عمرو بن أمية الضمري الكناني إلى النجاشي ملك الحبشة، فلما وصله الكتاب وضعه على عينيه ونزل من سريره فجلس على الأرض تواضعًا، فأسلم على يد جعفر بن أبي طالب وقال «لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته».[233] وأرسل دحية الكلبي إلى قيصر (هرقل) ملك الروم، وعبد الله بن حذافة إلى كسرى ملك فارس، فلما وصله الكتاب مزّقه فقال محمد في ذلك «اللهم مزّق مُلكَه». وأرسل حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك مصر، فلما وصله الكتاب بعث لمحمد هدية جاريتين هما مارية القبطية (أخذها لنفسه فولدت له إبراهيم)، وأختها سيرين بنت شمعون (أعطاها لحسان بن ثابت) وبغلة (دُلدُل)، ولكن المقوقس لم يُسلِم. وأرسل شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني، وأرسل سليط بن عمرو العامري إلى هوذة الحنفي ملك اليمامة. وبعث آخرين إلى ملوك عدة غيرهم.[231]
غزوتا خيبر ومؤتة
بعدما أمن محمد قريشًا بعد الحديبية، أراد أن يحاسب اليهود لتحريضهم القبائل في غزوة الأحزاب،[235] فخرج في شهر محرم 7 هـ[236] في غزوة خيبر، بشكل سريّ مباغتةً لليهود، وكان معه 1500 مقاتل هم أصحاب بيعة الرضوان، وأعطى الراية إلى علي بن أبي طالب،[237] وشعارهم يومئذ «يا منصُور أمِت أمِت».[238] فلما علم أهل خيبر، أرسلوا إلى غطفان يستمدونهم مقابل نصف ثمار خيبر إن هم غلبوا المسلمين.[235] فلما وصل المسلمون قريبًا من خيبر ليلاً باتوا ليلتهم ولا تشعر بهم اليهود، حتى إذا أصبحوا وركبوا رأوهم عمال خيبر، فهربوا وتحصنوا بحصون لهم، فقال محمد «الله أكبر، خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم، فسَاء صباح المنذَرين».[239]
وبدأ المسلمون يفتحون حصونهم حصنًا حصنًا، يأخذون منهم سبايا، فكان منهنّ صفية بنت حيي بن أخطب التي أسلمت وتزوجها محمد فيما بعد.[238] وكان آخر الحصون فتحًا «الوطيح» و«السلالم»، فحاصرها المسلمون بضع عشرة ليلة حتى انتصروا. وكان محمد يريد أن يجلي اليهود من خيبر، لكن محمد اتفق معهم على أن يعطوه نصف محصولهم كل عام على أن يبقيهم في أراضيهم.[235]
ولما رجع محمد من خيبر قدم جعفر بن أبي طالب ومن معه من أرض الحبشة وهم آخر من كانوا هناك فتلقّاه محمد فرحًا وقال «ما أدري أنا بفتح خيبر أفرح أم بقدوم جعفر».[240] بعد ذلك أقام محمد بالمدينة 8 أشهر، ثم خرج في ذي القعدة 7 هـ للعمرة، فكانت «عمرة القضاء»، على ما اتفق عليه مع قريش في صلح الحديبية. فأتم عمرته، وتزوج هنالك ميمونة بنت الحارث، خالة ابن عباس وخالد بن الوليد.[241] ثم في جمادي الأولى سنة 8 هـ، كانت غزوة مؤتة في جنوب الأردن، كان سببها قتل الغساسنة لرسول النبي محمد الحارث بن عمير الأزدي الذي أرسله بكتاب إلى ملك بصرى يدعوه إلى الإسلام،[242] فأرسل محمد جيشًا قوامه 3000 مقاتل قائلاً بقيادة زيد بن حارثة يليه جعفر بن أبي طالب إن قُتل، ثم عبد الله بن رواحة إن قُتل الأوّلان،[243] وكان في مقابلهم جيش الروم بقيادة هرقل قوامه 100,000 مقاتل. فالتقى الجيشان، فقُتل قادة المسلمين الثلاثة، ثم استلم القيادة خالد بن الوليد، واستطاع بحيلة منه أن ينسحب بجيش المسلمين عائدًا إلى المدينة المنورة، فلما سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين جعلوا يحثون في وجوههم التراب ويقولون «يا فُرّار، أفَرَرتم في سبيل الله؟» فيقول محمد «ليسوا بُفرّار، ولكنهم كُرّار إن شاء الله».[244]
فتح مكة
«إنّ مكة حرّمها الله ولم يحرّمها الناس، لا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يعضد بها شجرًا، فإن أحد ترخّص لقتال رسول الله فيها، فقولوا له: إنّ الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب»[245] |
—محمد بن عبد الله |
كان من نتائج صلح الحديبية أن دخلت قبيلة خزاعة في حلف محمد، وبنو بكر بن عبد مناة بن كنانة[246] في حلف قريش،[226] وكان بين بني الدئل بن بكر وخزاعة حروب وقتلى في الجاهلية، فتشاغلوا عن ذلك لما ظهر الإسلام،[247] فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهرًا،[248] ثم أغارت بنو الدئل بن بكر على خزاعة على ماء لهم يقال له «الوتير» ليلاً، فقتلوا منهم أناس، وأمدت قريش بني الديل بن بكر بالسّلاح وقاتل بعضهم معهم.[248] فلما انقضت الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على محمد وهو جالس في المسجد فقال:[247]
فقال له محمد «نُصِرتَ يا عمرو»،[247] ثم جاء أبو سفيان بن حرب قادمًا من مكة يريد تجديد الصلح، فُقوبل بالرفض. ثم أمر محمد بتجهيز الجيش والتحرك نحو مكة وهو يكتم ذلك حتى يبغت قريشًا،[250] واستنفر الأعراب والقبائل المسلمة، فخرج في 10,000 مقاتل يوم 10 رمضان 9 هـ،[251] والناس يومئذ صائمون. ولما كان بالجحفة لقيه عمه العباس بن عبد المطلب، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلمًا مهاجرًا، ثم لما كان بالأبواء لقيه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث وابن عمته عبد الله بن أبي أمية فأسلما، ثم عسكر بالجيش في مر الظهران وأُوقدت 10,000 نار، فجاء أبو سفيان يتحسس، فلقيه العباس بن عبد المطلب وجاء به إلى محمد فأسلم أبو سفيان.[250] وفي يوم الثلاثاء 17 رمضان سنة 8 هـ،[251] تابع الجيش مسيره إلى مكة. في أثناء ذلك مرّ سعد بن عبادة بأبي سفيان قائلاً: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تُسْتَحَلُّ الكعبة» فلما بلغ ذلك القول محمدًا قال «كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، يوم تُكسَى فيه الكعبة».[252]
ثم رجع أبو سفيان إلى مكة وجعل ينادي بكلمات أعطاها له محمد «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن! ومن أغلق عليه بابه فهو آمن! ومن دخل المسجد فهو آمن».[253] ثم دخل الجيش مكة موزعين، فدخلها خالد بن الوليد ومن معه من أسفلها، ودخلها الزبير بن العوام ومن معه من أعلاها، ودخلها أبو عبيدة بن الجراح من بطن الوادي.[251] وأمرهم أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم،[254] وأهدر يومئذ دماء تسعة نفر، وأمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة،[255] فلم يحصل قتال إلا ما كان من خالد بن الوليد ومن معه فقد قتلوا 12 رجلاً.[251] ثم وصل الجيش الكعبة، فدخلوا المسجد، فأقبل محمد إلى الحجر الأسود، فاستلمه، ثم طاف بالبيت، وفي يده قوس، وحول البيت 360 صنما، فجعل يطعنها بالقوس ويقول ﴿جَاۤءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَـٰطِلُۚ إِنَّ ٱلۡبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقࣰا ٨١﴾ [الإسراء:81][256] والأصنام تتساقط على وجوهها.[248] ثم خاطب قريشًا فقال « يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟» قالوا «خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم»، فقال «فإني أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطُلَقَاء».[257] ثم أتى جبل الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه، والأنصار تحته يقول بعضهم لبعض «أمّا الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته». فجاءه الوحي بما يقولون، فقال «يا معشر الأنصار، قلتم "أمّا الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته"؟» قالوا: «قلنا ذلك يا رسول الله» قال «فما اسمى إذن، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم والممات مماتكم» فأقبل إليه الأنصار يبكون.[254]
ردود فعل القبائل العربية على فتح مكة
«كُنّا إذا حمي البَأس، ولقي القوم القوم، اتّقينا برسول الله ﷺ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه»[258] |
—علي بن أبي طالب |
بعد وقت قصير من فتح مكة تحالفت قبائل هوزان وثقيف وبعض من بني هلال،[259] وعزموا أمرهم على حرب المسلمين، فخرجوا ومعهم أموالهم وعيالهم ونساؤهم، ما يجعلهم يقاتلون حتى الموت.[260] فلما سمع بهم محمد وهو في مكة خرج في غزوة حنين يوم السبت 6 شوال سنة 8 هـ،[259] وكان ذلك اليوم التاسع عشر من يوم دخوله مكة، وخرج معه 12,000 مقاتل،[261] فأصاب بعضهم العُجب لكثرة الجيش فقالوا «لن نُغلَب اليوم من قِلّة».[262] ولما وصل المسلمون «وادي حُنين» بغتتهم هوزان وهاجموهم بفخّ كانوا قد نصبوه لهم،[260] فهرب المسلمون وثبت محمد ونفر من المهاجرين وأهل بيته،[261] فجعل محمد ينادي «أنا النَّبيُّ لا كذب، أنا ابنُ عبدِ المُطَّلب»،[263] فعطف المسلمون عليه راجعين بسيوفهم ورماحهم، ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه هوزان، ثم قال «انهزموا وربَّ مُحمّد!»،[264] ثم انهزمت هوزان وثقيف وهرب معظمهم إلى الطائف وأُنزل من القرآن ﴿لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِی مَوَاطِنَ كَثِيرَةࣲ وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡـࣰٔا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ ٢٥ ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودࣰا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَ ٰلِكَ جَزَاۤءُ ٱلۡكَـٰفِرِينَ ٢٦﴾ [التوبة:25–26].
بعد أن فرغ محمد من غزوة حنين توجّه إلى الطائف مطاردًا هوزان وثقيف بعد أن تحصنوا فيها، فكانت غزوة الطائف، فحاصرتهم الجيوش الإسلامية 40 يومًا،[268] فاستعصوا وتمنعوا، وقتلوا جماعة من المسلمين بالنبل وغيره. فلما طال الحصار قال محمد «لم يُؤذَن لنا حتى الآن فيهم، وما أظن أن نفتحها الآن»،[269] وأمر الناس بالرجوع وفكّ الحصار،[270] حتى وصلوا «الجعرانة»، فأتاه وفد هوازن هنالك مسلمين.[271]
في رجب سنة 9 هـ،[272] حدثت غزوة تبوك آخر غزوات محمد،[273] بعد أن وصلت أخبار من بلاد الروم تفيد أنَّ ملك الروم وحلفاءه من العرب من لخم وجذام وغسان وعاملة،[274] قد هيؤوا جيشًا لمهاجمة الدولة الإسلامية[265]، فحثّ الناس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا بسبب الحرّ الشديد والسفر البعيد،[272] وأرسل إلى القبائل العربية يستنفرهم على قتال الروم، فخرج في 30,000 مقاتل،[275] تصحبهم 10,000 فرس، واستخلف محمد بن مسلمة على المدينة المنورة،[274] وتخلف عدد من المسلمين بلا عذر منهم كعب بن مالك وهلال بن ربيع ومرارة بن الربيع وأبو خيثمة السالمي وأبو ذر الغفاري (وقد لحق به أبو ذر وأبو خيثمة لاحقًا)،[274] وقطعوا آلاف الأميال عانوا خلالها العطش والجوع والحرّ وقلّة وسائل الركوب،[276] فسُميت لذلك «غزوة العُسرة»، والجيش بـ «جيش العُسرة».[265] فلما وصل تبوك، أقام فيها بضعة عشر ليلةً،[277] فلما سمع الروم وحلفاؤهم بزحف الجيوش الإسلامية أخذهم الرعب، وتفرقوا في البلاد في داخل حدودهم،[266] ثم انصرف جيش المسلمين من تبوك بلا قتال، وقدم المدينة المنورة في شهر رمضان سنة 9 هـ،[272] وجعل المسلمون يبيعون أسلحتهم ويقولون «قد انقطع الجهاد»، فبلغ ذلك محمد فنهاهم وقال «لا تزال عصابةٌ من أمّتي يجاهدون على الحقّ حتى يخرج الدجال».[274] وقد نزلت آيات كثيرة من سورة التوبة حول تلك الغزوة وظروفها.[266]
وفي شهر رمضان نفسه، قدم وفد من ثقيف المدينة المنورة مسلمين.[278] ثم في ذي القعدة أو ذي الحجة من سنة 9 هـ بعث محمد أبا بكر أميرًا على الحج، ليقيم بالمسلمين المناسك. فخرج في 300 رجل من المدينة وبعث معه محمد 20 بَدَنة.[279] وفي تلك الفترة بدأت مختلف قبائل العرب بالوفود على محمد في المدينة وإعلان إسلامها،[266] والتي كان لغزوة تبوك وإسلام ثقيف ومن قبل فتح مكة السبب الأكبر في تلك الوفود.[280] فجاء ما يقارب السبعين وفدًا بين عامي 9 هـ و10 هـ للمدينة لإعلان إسلامهم،[281] حتى سُمّي عام 9 هـ بعام الوفود.[280] فكان ممن جاءوا وفد قبيلة عبد القيس ووفد كنانة (منهم وفد بني عبد بن عدي ووفد بني ليث) ووفد دوس ووفد همدان ووفد بني الحارث بن كعب وغيرهم.[281]
حجة الوداع
في شهر ذي القعدة سنة 10 هـ عزم محمد على أداء مناسك الحج، بعد أن مكث في المدينة المنورة 9 سنوات لم يحج فيها أبدًا. فأذّن في الناس أنه خارج، فقدم المدينة بشر كثير كلّهم يلتمس أن يأتم بمحمد.[283] فكانت حجة الوداع أو حجّة البلاغ أو حجة الإسلام،[284] لأنه ودّع الناس فيها ولم يحجّ بعدها، ولأنه ذكر لهم ما يحلّ وما يحرم وقال لهم «هل بلغت؟»،[285] ولأنه لم يحج من المدينة غيرها، ولكن حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة وبعدها.[286] وفي يوم السبت 25 ذو القعدة[287] سنة 10 هـ خرج محمد على ناقته «القصواء» إلى مكة للحج،[288] وخرج معه قرابة 100,000 من المسلمين من الرجال والنساء، واستعمل على المدينة أبا دُجانة.[284] فلما وصل ذا الحليفة أحرم هناك وصلى العصر ثم أكمل مسيره ملبيًا «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك».[285]
دخل محمد مكة ضحى يوم الأحد 4 ذو الحجة،[287] من الثنية العليا، ودخل المسجد الحرام صبحًا من «باب عبد مناف» المعروف الآن بـ «باب السلام»،[289] ولما أبصر الكعبة قال «اللهم زِد هذا البيتَ تشريفًا وتعظيمًا ومهابةً وبرًا، وزِد مَن شَرَّفه وكرَّمه ممن حجّه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًا».[290] ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر الأسود فاستلمه وبكى، ثم طاف بالبيت سبعًا، ثم صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم،[291] ثم دخل زمزم فنزع له دلو فشرب منه ثم مجّ فيه ثم أفرغها في زمزم.[285] ثم سعى بين الصفا والمروة سبعًا.[291] وفي 8 ذو الحجة توجه إلى منى فبات فيها.[291] وفي 9 ذو الحجة توجه إلى عرفة فصلى فيها الظهر والعصر جمع تقديم، ثم خطب فيهم «خُطبة الوداع»، جاء فيها:[288]
وفي ذلك الموقف على جبل عرفة،[292] نزلت الآية القرآنية ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِی وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِينࣰاۚ﴾ [المائدة:3]،[286] بينما يؤمن الشيعة أنّ هذه الآية نزلت في يوم غدير خم في معرض الحديث عن فضائل علي بن أبي طالب.
وفاته
كان أوّل ما أُعلم به النبي محمد باقتراب أجله ما أُنزل عليه في فتح مكة،[293] من سورة النصر: ﴿إِذَا جَاۤءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ ١﴾ [النصر:1].[294] وفقًا لتفسير ابن عباس حين سأله عمر بن الخطاب عن سورة النصر ما تقولُ يا ابنَ عباسٍ؟ فقال ابن عباس أخبرَ [اللهُ] نبيَّه بحضورِ أجلِه، فقال : {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فتح مكة {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} فذلك علامةُ موتِك، فقال له عمر ما أعْلَمُ منها إلَّا ما تَقُولُ.[295] وكان ابتداءُ مرضه الذي تُوفي فيه أواخر شهر صفر سنة 11 هـ بعد أن أمر أسامة بن زيد بالمسير إلى أرض فلسطين لمحاربة الروم،[296] فاستبطأ الناس في الخروج لوجع محمد. وكان أول ما ابتدئ به من وجعه أنه خرج إلى البقيع ليلاً فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله فلما أصبح ابتدئ وجعه وكان صداع الرأس مع حمّى،[293] ويُروى أنّ سبب مرضه كان السمّ الذي دُسّ له في طعام وهو في خيبر،[297] وكان من شدّة وجعه أن كان يُغمى عليه في اليوم الواحد مرات عديدة.[298] حتى دعا نساءه يستأذنهن في أن يُمرّض في بيت عائشة بنت أبي بكر، فانتقل إلى بيتها يمشي بين الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب.[296]
وفي أحد الأيام خرج محمد على أصحابه عاصبًا رأسه حتى جلس على المنبر فقال «عبدٌ خيّره الله بين أن يؤتيَه زهرةَ الدنيا وبين ما عنده، فاختارَ ما عنده»، ففهم أبو بكر وبكى وقال «فديناك بآبائنا وأمّهاتنا»، فقال محمد «إنّ أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً، لاتخذتُ أبا بكرٍ خليلاً، ولكن إخوة الإسلام. لا تبقينَّ في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر»،[299][ي] ثم خطب فيهم مرات عديدة دعا فيها إلى إنفاذ جيش أسامة بن زيد وأوصى المسلمين بالأنصار خيرًا.[301] ولما ثقُل عليه المرض أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، وعاد جيش أسامة بن زيد إلى المدينة بعد أن عسكر خارجها منتظرًا ماذا يحلّ بمحمد.[301] وقبل وفاته بستة أيام تجمع عنده عدد من الصحابة فقال لهم وهو يبكي «مرحبًا بكم وحيّاكم الله، حفظكم الله، آواكم الله، نصركم الله، رفعكم الله، هداكم الله، رزقكم الله، وفقكم الله، سلمكم الله، قبلكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأوصي الله بكم، وأستخلفه عليكم».[302] وكانت عامة وصيته حين حضره الموت «الصلاة، وما ملكت أيمانكم».[303]
«لما قُبض رسول الله ﷺ أظلمت المدينة حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبسط يده فلا يراها أو لا يبصرها وما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا»[304] |
—أنس بن مالك |
ولما كان يوم الإثنين الذي توفي فيه، بعد 13 يومًا على مرضه،[293] خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح ففرحوا به، ثم رجع فاضطجع في حجر عائشة بنت أبي بكر، فتُوفي وهو يقول «بل الرفيق الأعلى من الجنة»، وكان ذلك ضحى يوم الإثنين ربيع الأول سنة 11 هـ،[301] الموافق 8 يونيو سنة 632م وقد تّم له 63 سنة.[305] فلما توفي قام عمر بن الخطاب، فقال «والله ما مات رسول الله ﷺ، وليبعثنه الله فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم»، وجاء أبو بكر مسرعًا فكشف عن وجهه وقبّله، وقال «بأبي أنت وأمّي، طبتَ حيًا وميّتًا»، ثم خرج وخطب بالنّاس قائلاً «ألا من كان يعبد محمدًا ﷺ، فإنّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت»، وقرأ ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن يَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيۡـࣰٔاۚ وَسَيَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ ١٤٤﴾ [آل عمران:144].[306] قيل «فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ».[296] وقالت ابنته فاطمة الزهراء «يا أبتاه، أجاب ربا دعاه. يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه. يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه».[307]
ثم أقبل الناس يوم الثلاثاء على تجهيز محمد، فقام علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وشقران مولى النبي محمد، بتغسيله وعليه ثيابه.[308] ثم رفع الصحابة فراش محمد الذي توفي عليه في بيت عائشة، فحفر أبو طلحة الأنصاري له قبرا تحته. ثم دخل الناس يصلون عليه أرسالاً، دخل الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان، ولم يؤم الناس أحد. ثم أنزله القبرَ علي والعباس وولداه الفضل وقُثَم، ورشّ قبره بلال بالماء، ورُفع قبره عن الأرض قدر شبر،[309] وكان ذلك في جوف الليل من ليلة الأربعاء.[296]
بعد وفاته
بعد وفاة محمد اختلف أتباعه على هوية الشخص الذي سيخلفه في الحكم،[311] إذ اجتمع جماعة من المسلمين في سقيفة بني ساعدة فرشح سعد بن عبادة نفسه وأيده في ذلك الأنصار،[312] بينما رشح عمر بن الخطاب أبا بكر مؤكدًا على أحقية المهاجرين في الخلافة. ولقي هذا الترشيح تأييد المسلمين ممن كانوا في السقيفة.[313] في حين تأخرت بيعة من كان من الصحابة بصحبة علي بن أبي طالب الذين كانوا منشغلين بتجهيز جثمان محمد ودفنه فتأخرت بيعتهم يومًا واحدًا[314] عتبًا على أبي بكر لعدم أخذ المشورة منهم،[314] بينما يرى الشيعة أن عليًا ومن معه قد بايعوا أبا بكر مجبَرين لما يرونه أن عليًا كان أحق من أبي بكر بالخلافة.[315] نشأ من تلك الحادثة الخلاف التاريخي بين طائفتي السنة والشيعة.
بعد استقرار الأمر لأبي بكر في المدينة، عمل على حماية المدينة ومحاربة بعض القبائل التي ارتدت عن الإسلام ومنعت الزكاة،[316] وبعض ممن اعتبرهم المسلمون مدعي النبوة فيما عرف تاريخيًا بحروب الردّة، مثل معركة اليمامة لقتال بني حنيفة الذي ادّعى فيهم مسيلمة الكذاب النبوة.[317] كما أرسل أبو بكر جيش أسامة بن زيد لمحاربة الروم رغم اعتراض البعض لصغر سن قائدها ولانتشار الردة في بعض الصفوف.[316] ثم سار أسامة فكان لا يمرّ بقبيلة انتشر فيها الارتداد إلا أرجعها إلى الإسلام. ولما وصل أسامة إلى بلاد الروم قاتلوهم وانتصر المسلمون.[316] كما عمل أبو بكر على توسيع نفوذ الدولة بإرسال قوات عسكرية إلى مختلف المناطق.[318]
معجزاته
يؤمن المسلمون جميعًا بأن المعجزة الكبرى للنبي محمد والتي تحدّى بها الناس هي القرآن. بجانب معجزات حسيّة كثيرة ثابتة في القرآن والأحاديث الصحيحة المتواترة، وهناك مؤلفات أهتمت بجمع معجزات النبي محمد ﷺ كـ"دلائل النبوة للبيهقي"، والبداية والنهاية" لابن كثير و"الصحيح المسند من دلائل النبوة" للشيخ مقبل بن هادي الوادعي.[وب 4]
انشقاق القمر
أجمع المسلمون على وقوع معجزة انشقاق القمر لأجل النبي محمد لما كذّبه كفار قريش ولم يصدّقوه وطلبوا منه آيةً تدلّ على صدقه فأعطاه الله هذه الآية،[319] مِن المعجزات الباهرات،[320] وكان ذلك قبل الهجرة إلى المدينة المنورة.[320] قال عبد الله بن مسعود «انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ فرقتين؛ فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله ﷺ: «اشهدوا». وقال المشركون: هذا سحرٌ سحركم ابن أبي كبشة، ولكن انظروا إلى من يقدم من السفّار فسلوهم، فقدِموا فسَألوهم فقالوا: رأيناه قد انشق».[321] وفي ذلك نزلت الآيات التالية من القرآن ﴿ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ ١ وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةࣰ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرࣱ مُّسۡتَمِرࣱّ ٢ وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهۡوَاۤءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرࣲ مُّسۡتَقِرࣱّ ٣﴾ [القمر:1–3].[320]
الإسراء والمعراج
يؤمن المسلمون أنه في عام 621م، حدث الإسراء والمعراج، وهي رحلة ليلية معجزة يقال إنها حدثت مع الملك جبريل. في بداية الرحلة، سافر من مكة على البراق إلى "المسجد الأقصى". في وقت لاحق، أثناء المعراج، طاف محمد ﷺ في الجنة والنار، كما رأى جبريل على هيئته الحقيقية عند سدرة المنتهى،[وب 6] وتحدث مع الأنبياء السابقين، آدم وإبراهيم ويوسف وإدريس وموسى وهارون وعيسى.[وب 7]
إخباره عن الغيب
من ذلك إخباره يوم غزوة بدر بمصارع قريش، فلم يحد أحد منهم مصرعه الذي عيّنه،[322] وإخباره عن الحسن بن علي بن أبي طالب أن الله سيُصلح به بين فئتين من المسلمين.[323] وإخباره أن ابنته فاطمة أول أهله لحوقًا به بعد موته،[324] وإخباره بشأن كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بنية المسلمين بفتح مكة،[325] ومن ذلك إخباره عن فتح القسطنطينية، ومن ذلك ما قاله حذيفة بن اليمان «قام فينا رسول الله ﷺ مقامًا فما ترك شيئًا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه.. والله ما ترك رسول الله ﷺ من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمئة فصاعدًا إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه وقبيلته».[325]
نبوع الماء من بين أصابعه
تروي كتب الحديث والسيرة وقوع معجزة نبوع الماء من بين أصابع النبي محمد ولم تكن لأحد قبله، والتي قد تكررت في عدة مواطن،[326] حتى عدّ فقهاء المسلمين أن ذلك الماء أشرف أنواع المياه.[327] يروي أنس بن مالك أحد تلك الحوادث قائلاً «رأيت رسول الله ﷺ وحانت صلاة العصر، فالتمس الوضوء فلم يجدوه، فأتي رسول الله ﷺ بوضوء، فوضع رسول الله ﷺ يده في ذلك الإناء، فأمر الناس أن يتوضؤوا منه، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس من عند آخرهم، أي: حتَّى تَوَضَّأَ الناسُ جميعًا».[328]
حديثه مع الحيوانات والجمادات
من ذلك سماع صوت تسبيح الحصى في كفه،[329] وتكليم الذراع من الشاة التي سُمَّت بأنها مسمومة،[322] وتسليم الشجر والحجر عليه قبل أن يُبعث،[330] ومشي الشجر له، إذ يروي عمر بن الخطاب فيقول «أَمَر النبي ﷺ فنادى شجرة من قِبل عَقبة أهل المدينة، فأقبلت تخدّ الأرض (تمشي مسرعة) حتى انتهت إليه فسلّمت عليه، ثم أمرها فرجعت إلى موضعها».[331] ومنها حنين الجذع الذي كان يخطب عليه حين اتخذ المنبر، فاحتضنه وكلّمه، وقال «لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة».[332] أما معجزاته مع الحيوانات، فمن ذلك قصة البعير الذي اشتكى لمحمد كثرة العمل وقلة العلف،[333] والجمل الذي بكى حين رأى محمدًا وشكا إليه أن صاحبه يجيعه،[334] وجمل آخر يُقبِل على محمد ويخرّ ساجدًا بين يديه بعد أن استصعب على صاحبه.[335]
إبراءه المرضى وذوي العاهات
من ذلك ما رُوي يوم أحد من ردّه عين الصحابي قتادة بن النعمان إلى مكانها بعد أن سالت حدقته على وجنته حتى عادت إلى حالها فكانت أحسن عينيه،[336] ونفثه في عين علي بن أبي طالب وقت غزوة خيبر عندما كان أرمد لا يكاد يبصر.[337] وخبر عثمان بن حنيف أنّ رجلاً ضريرًا جاء محمدًا يريد كشف بصره، فعلّمه أن يقول «اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد ﷺ نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضيها لي، اللهم شفعه في وشفعني في نفسي»،[338] فأصبح ذلك الرجل بصيرًا.
حماية الملائكة له
عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد ﷺ وجهه بين أظهركم؟ (أي هل يصلي جهارةً أمامكم)، فقيل: نعم. فقال: واللات والعزى لئِن رأيته يفعل ذلك لأطَأنَّ على رقبته أو لأعَفِرَنَّ وجهه في التراب. فأتى الرسول محمد ﷺ وهو يصلي لِيَطأ على رقبته، فما فاجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، وأخذ يقي وجهه بيديه، فقيل له: ما لك؟ قال: إن بيني وبينهُ خندقاً من نار وهَولاً وأجنحة !!!. فقال الرسول ﷺ: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضوا. (ومعنى عضوا عضوا أي الملائكة تأخذه عظمة عظمة) وأنزل الله في القرآن: .﴿كَلَّاۤ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَيَطۡغَىٰۤ ٦ أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰۤ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجۡعَىٰۤ ٨ أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِی يَنۡهَىٰ ٩ عَبۡدًا إِذَا صَلَّىٰۤ ١٠ أَرَءَيۡتَ إِن كَانَ عَلَى ٱلۡهُدَىٰۤ ١١ أَوۡ أَمَرَ بِٱلتَّقۡوَىٰۤ ١٢ أَرَءَيۡتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰۤ ١٣ أَلَمۡ يَعۡلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمۡ يَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةࣲ كَـٰذِبَةٍ خَاطِئَةࣲ ١٦ فَلۡيَدۡعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡ وَٱقۡتَرِب۩ ١٩﴾ [العلق:6–19]
نزول المطر وحبسه
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قيل لعمر بن الخطاب، حدثنا عن شأن ساعة العسرة، فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد (أي قلة نزول المطر)، فزلنا منزلاً وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى أن كان أحدنا ليذهب فيلتمس الرجل فلا يجده حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه (أي روثه وفضلاته) فيشربه، ثم يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيرًا، فادع الله لنا فقال صلى الله عليه وسلم: أو تحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثم سكبت فملأوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.[339]
الفرس الضعيف يسبق ويدر الأموال الطائلة
عن جعيل الأشجعي رضي الله عنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، وأنا على فرس لي عجفاء ضعيفة، قال: فكنت في أُخريات الناس، فلحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: سر يا صاحب الفرس. فقلت: يا رسول الله، عجفاء ضعيفة قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مخفقة معه فضربها بها وقال: اللهم بارك له قال: فلقد رأيتني أمسك برأسها أن تقدم الناس، ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفًا رواه البخاري في التاريخ، والنسائي في السنن الكبرى، والبيهقي في الدلائل.[340]
القرآن
بحسب اعتقاد المسلمين، فإنَّ القرآن هو معجزة النبي محمد الخالدة التي لم يستطع أحد على مر العصور أن يأتي بمثله بالرغم من تحدّيه بذلك،[341] حيث ورد في القرآن ﴿قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰۤ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضࣲ ظَهِيرࣰا ٨٨﴾ [الإسراء:88]. ويتمثل إعجاز القرآن بشكل أساسي في بلاغته وفصاحته، فكان الإعجاز اللغوي هو أول وأهم أسباب إعجاز القرآن، والذي يشمل عدة أوجه، منها حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته، ومنها صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته وانتهت إليه فواصل كلماته ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له.[341] ومن وجوه الإعجاز الأخرى ما انطوى عليه من الأخبار بالمغيبات وما لم يكن فوجد كما ورد، وما أنبأ به من أخبار القرون الماضية والشرائع السالفة.[341] وحديثًا ظهر تيار يعتقد بوجود إعجاز علمي في القرآن، حيث تفسر بعض الآيات على أنها تثبت نظريات علمية لم يكتشفها العالم إلا بعد فترة طويلة جدًا من ظهور القرآن.[وب 8]
السنة
تُعَدُّ الإشارات العلمية الواردة في السنة النبوية من أبرز الدلائل على أن محمدًا رسول الله ﷺ هو خاتم الأنبياء والمرسلين؛ لأن سبقه العلمي من قبل ألف وأربعمئة سنة، وفي بيئة بدائية لا تملك مفاتيح العلم والمعرفة، بالإضافة إلى أميّته يقطع الطريق أمام القائلين بأن محمدًا رسول الله ﷺ قد تلقَّى هذا العلم من بحيرا، أو ورقة بن نوفل، أو من غيرهم، كما أنه يُثبت بما لا يدع مجالاً للشكِّ أن المصدر الوحيد الذي اصطفى منه محمد رسول الله ﷺ تعاليمه هو الله جلَّ في علاه. وللتعامل مع قضية الإعجاز العلمي في السنة النبوية ضوابط يجب أن تراعى؛ منها: اختيار الأحاديث المحتوية على إشارات إلى الكون ومكوناته وظواهره، والتثبُّت من معرفة درجة الحديث، واستبعاد كل الأحاديث الموضوعة، وكذلك جمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد؛ لأن بعضها يفسر بعض، وفهم النص أو النصوص النبوية وفق دلالات الألفاظ في اللغة العربية، ووفق قواعدها، وفهم النص النبوي في ضوء سياقه وملابساته، وفهمه في نور القرآن الكريم؛ لأن أحاديث رسول الله ﷺ شارحة لكتاب الله، ومبيِّنة لدلالات آياته.. كما أنه ينبغي ألاَّ يُؤَوَّل حديث لرسول الله ﷺ لإثبات نظرية علمية تحتمل الشكَّ والصواب، ولكن يجب التعامل فقط مع الحقائق العلمية الثابتة.[وب 9]
حياته الشخصية
زوجاته
زوجات محمد يُعرفن في الإسلام بأمهات المؤمنين، وقد اختُلف في عدد زوجات النبي اللاتي دَخَل بهنّ على قولين؛ أنهنّ إثنتا عشر أو إحدى عشر،[342] وسبب الاختلاف هو في مارية القبطية، هل هي زوجة له أم ملك يمين. فالمتَّفق عليه من زوجاته إحدى عشرة. القرشيات منهنّ ست، هن: خديجة بنت خويلد، وسودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم سلمة، وأم حبيبة. والعربيات من غير قريش أربع، هن: زينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، وزينب بنت خزيمة، وميمونة بنت الحارث. وواحدة من غير العرب وهي صفية بنت حيي من بني إسرائيل. وتبقى مارية القبطية وهي من مصر. وتوفِّيت اثنتان من زوجات النبي محمد حال حياته، وهما خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة، وتُوفي هو عن تسع نسوة.[342]
أسباب تعدد زوجات النبي
اعترض بعض المسيحيين الذين يكتبون سيرة النبي بتعدد زوجاته وزعموا بأنه كان شهوانياً ولكن كما ورد في سيرة الرسول، كان له مقاصد أخرى كتقوية الصلة مع أصحابه وكبار قومه بواسطة المصاهرة لأن ذلك كان مما يساعده للدفاع ونشر الدعوة إلى الإسلام، كما أنقذ بعض النساء من تعذيب عائلتهن عن طريق الزواج.[343]
أولاده
كان لمحمد من الأولاد ثلاثة بنين وأربع بنات، جميعهم من زوجته خديجة إلا إبراهيم فهو من مارية، وكل أولاده ماتوا في حياته إلا فاطمة فإنها توفيت بعده.[وب 10] وأولاده البنين هم: القاسم وبه يُكنّى توفي وعمره عامان،[38] وعبد الله الذي سُمِّيَ الطّيّب الطاهر، وإبراهيم عاش في المدينة سنة ونصف،[38] وأما البنات فهنّ: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة. أما زينب فقد تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع قبل الهجرة، وأما رقية وأم كلثوم فقد تزوجهما عثمان بن عفان الواحدة بعد الأخرى، وأما فاطمة فتزوجها علي بن أبي طالب بين بدر وأحد،[344] وليس في بناته من كانت لها ذرية إلا ما كان من ذرية فاطمة،[38] فكان لها الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.
مواليه وخدامه
امتلك محمد عددًا من الموالي، منهم: زيد بن حارثة الكلبي (وكان قد تبنّاه قبل الإسلام قبل إلغاء التبني) وابنه أسامة، وثوبان بن بجدد وأبو هند، وأبو لبابة، وأبو رافع.[38] ومن الإماء امتلك مارية القبطية (على خلاف في أنه هل أعتقها فتزوجها أم لا)، وريحانة بنت زيد (إحدى سبايا بني قريظة).[344] وأما خدامه، فكان ألزمهم خدمة للنبي محمد أنس بن مالك الخزرجي، وكان يخدمه أيضًا بلال بن رباح الحبشي، وعبد الله بن مسعود الهذلي، وأبو ذر الغفاري الكناني، وغيرهم.[38]
أسماؤه
ورد في التراث الإسلامي أنه كان لمحمد عدّة أسماء، فكان يقول عن نفسه «إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب»،[345] وقال أيضًا «أنا نبي الرحمة، ونبي التوبة، ونبي الملحمة».[346] وقد اختلف علماء الدين الإسلامي في أسماء كثيرة أخرى، فجعلها بعضهم كعدد أسماء الله الحسنى تسعة وتسعين اسمًا، وعدّ منها الجزولي في «دلائل الخيرات» 200 اسم، وأوصلها ابن دحية إلى 300 اسم. وقد كان من أهم أسباب الخلاف أن بعضهم رأى كل وصف وُصف به النبي في القرآن من أسمائه. في حين قال آخرون إن هذه أوصاف وليست أسماء أعلام. قال النووي: «بعض هذه المذكورات صفات، فإطلاق الأسماء عليها إنما هو مجاز».[347]
صفته الشكلية
جمع المسلمون ما توارثوه عن الصحابة من وصف خلقة نبيّهم في كتب كثيرة عرفت بكتب الشمائل، وأشهر هذه الكتب هو «الشمائل المحمدية»، للترمذي. حيث ذكر فيه أحاديث كثيرة في وصفه، وكان مما جاء فيه مفرقًا:[348]
- جسمه: كان فخمًا مفخمًا،[349] مربوعًا ليس بالطويل ولا بالقصير، وكان إلى الطول أقرب،[350] ولم يكن يماشي أحدًا إلا طاله. وقد كان أزهر اللون،[349] ليس بالأبيض الأمهق، ولا بالأسمر.[351]
- رأسه وشعره: كان ضخم الرأس، عظيم الهامة، شديد سواد الشعر،[350] ولم يكن شعره شديد الجعودة ولا مرسل.[350] وقد كان كثّ اللحية، تُوفي وليس في رأسه ولحيته 20 شعرة بيضاء،[351]
- ذراعاه ويداه: كان طويل الذراعين كثيرا الشعر، رحب الراحة غليظ الكفين والقدمين،[350] طويل الأطراف، ضخم المفاصل.
- إبطاه: كان أبيض الإبطين، وهي من علامات نبوته بحسب المسلمين.
- منكباه وصدره وبطنه: كان منكباه واسعين، كثيري الشعر، وكذا أعالي الصدر. وكان عاري الثديين والبطن، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، طويل المسربة موصول ما بين اللبة (النقرة التي فوق الصدر) والسرة بشعر يجري كالخيط.
- خاتم النبوة: هي غُدّة حمراء مثل بيضة الحمامة،[352] أو مثل الهلال، فيها شعرات مجتمعات كانت بين كتفيه. وهي من علامات نبوته بحسب المسلمين.
- وجهه وجبينه: كان مستوي الوجه سهل الخدين،[350] ولم يكن مستديرًا غاية التدوير، وكان واسع الجبين[349] مستويًا.
- عيناه وحاجباه: كان طويل شِق العينين،[353] شديد سواد العينين، في بياضها حمرة، وكانت عيناه واسعتين ذات أهداب طويلة كثيرة. وكان حاجباه قويين مقوَّسين، متّصلين اتصالاً خفيفًا، بينهما عرق يدرّه الغضب.
- أنفه: كان أنفه مستقيمًا، أقنى (طويلاً في وسطه بعض ارتفاع)، مع دقة في أرنبته (طرف الأنف).
- فمه وأسنانه: كان واسع الفم،[353] في أسنانه رقة وتحدد، يقول واصفه «إذا تكلّم رؤي كالنور يخرج من بين ثناياه».
- قدماه: كان ضخم القدمين، يطأ الأرض بقدمه كلها ليس لها أخمص (الجزء المرتفع عن الأرض من القدم)،[350] وكان منهوس العقبين (قليل لحم العَقِب).[353]
مقتنياته وآثاره
كان من عادة النبي محمد تسمية دوابّه وسلاحه ومتاعه،[354] فكان اسم رايته «العقاب»، واسم سيفه الذي يشهد به الحروب «ذو الفقار»، وكان له سيوف غيره مثل «الرسوب» و«القضيب»، وكانت قبضة سيفه محلاة بالفضة، وكان اسم قوسه «الكتوم». واسم ناقته «القصواء»، واسم بغلته «دُلدُل»، واسم حماره «يعفور»، واسم شاته التي يشرب لبنها «عينة». وكان له مطهرة من فخار يتوضأ فيها ويشرب منها، فيرسل الناس أولادهم الصغار فيدخلون عليه فإذا وجدوا في المطهرة ماء شربوا منه ومسحوا على وجوههم وأجسادهم يبتغون بذلك البركة.[354] وقد احتفظ المسلمون ببعض هذه المقتنيات عبر التاريخ، فكانت في مصر في مسجد أثر النبي في جنوب القاهرة. وقد ظلّت هناك حتى وقت الفتح العثماني عام 1517م حين دخل القاهرة السلطان العثماني سليم الأول فأخذ معه كل أثر النبي إلى إسطنبول، وبقيت هناك محفوظة إلى الآن في متحف الباب العالي.
جانب من حياته
يروي صحابته عنه أنه كان أحلم الناس وأشجع الناس وأعدل الناس وأعف الناس وأسخى الناس، لا يبيت عنده دينار ولا درهم، وكان يخصف النعل ويرقع الثوب،[355] وما عاب مضجعًا، إن فرشوا له اضطجع وإن لم يُفرَش له اضطجع على الأرض، يمزح ولا يقول إلا حقًا، يضحك من غير قهقهة. وكان لا يثبت بصره في وجه أحد، وكان يقبل الهدية ويكافيء عليها، ولا يأكل الصدقة، يجيب الوليمة، ويعود مرضى مساكين المسلمين وضعفائهم، ويجالسهم ويؤاكلهم، ويتبع جنائزهم، ولا يصلي عليهم أحد غيره،[356]
وكان يمشي وحده بين أعدائه بلا حارس، يقبل معذرة المعتذر إليه. وما شَتَم أحدًا من المؤمنين، وكان لا يصارح أحدًا بما يكرهه، وما ضرب شيئًا قط بيده، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله،[357] وما انتقم من شيء صُنع إليه قط إلا أن تُنتَهك حرمة الله، وما خُيّر بين أمرين قطّ إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم.
«خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين، فما قال لي لشيء فعلتُه، "لم فعلتَه؟"، ولا لشيء لم أفعله، "ألا فعلته؟"، وكان بعض أهله إذا عتبني على شيء يقول "دعوه فلو قُضي شيء لكان"»[358] |
— أنس بن مالك |
وكان أبعد الناس غضبًا وأسرعهم رضًا. وكان يبدأ من لقيه بالسلام، وكان يمرّ على الصبيان فيسلم عليهم، وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله، وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعًا ويمسك بيديه عليهما شبه الحبوة، وما رُؤي قطّ مادًا رجليه بين أصحابه إلا أن يكون المكان واسعاً لا ضيق فيه، وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة، ولم تكن تُرفَع في مجلسه الأصوات، وكان لا يدعوه أحد من أصحابه وغيرهم إلا قال «لبيك»، ولا يُسأل شيئًا إلا أعطاه، وكان يجلس بين أصحابه مختلطًا بهم كأنه أحدهم، وكان أصحابه لا يقومون له لما عرفوا من كراهته لذلك، وكان أكثر الناس تبسمًا وضحكًا في وجوه أصحابه.[359] وكان يأكل مما يليه ويأكل بأصابعه الثلاث وربما استعان بالرابعة، وكان أحب الفواكه إليه البطيخ والعنب، وكان أكثر طعامه الماء والتمر، وكان أحب الطعام إليه اللحم، وكان يحب من الشاة الذراع، وكان لا يأكل الثوم ولا البصل، وما عاب طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه.[360]
وكان يلعق أصابعه من الطعام حتى تحمرّ، وكان يشرب في ثلاث دفعات وله فيها ثلاث تسميات وفي أواخرها ثلاث تحميدات، وكان في بيته لا يسألهم طعامًا ولا يتشهاه عليهم إن أطعموه أكل وما أعطوه قبل وما سقوه شرب.[359] وكان يعصب الحجر على بطنه مرة من الجوع. كان يتكلم بجوامع الكلم لا فضول ولا تقصير، وكان جهير الصوت، لا يتكلم في غير حاجة ولا يقول المنكر، ولا يقول في الرضا والغضب إلا الحق، ويكنّي عما اضطره الكلام إليه مما يكره.[359]
وجهات النظر حول محمد
وجهة نظر المسلمين
«ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حِلَق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر»[361] |
—محمد بن عبد الله |
محمد هو أشرف المخلوقات وسيّد البشر جميعًا عند المسلمين،[3] وهو آخر الأنبياء والمرسلين، والإيمان به وتصديق نبوّته واجب على المسلمين لا يتم إيمانٌ إلا به ولا يصحّ إسلامٌ إلا معه،[362] وطاعته وامتثال أمره واجب عليهم، باعتبارها من طاعة الله، وهو مجمع الآداب كلّها،[363] والأسوة الحسنة التي ينبغي على كل إنسان التأسي بها،[364] وهو باب الله الأعظم ووسيلته الكبرى التي لا يصل بدونه أحد إلى الله، يقول الجنيد البغدادي «الطرق كلها مسدودة على الخلق، إلا على مَن اقتفى أثر الرسول ﷺ واتَّبع سُنَّته ولزمَ طريقته؛ فإن طُرُقَ الخيرات كلها مفتوحة عليه».[365] وقد توعّد الإسلام المسلمين بالخذلان والعذاب على من خالف أمره وبدّل سنّته.[366] ويعتبر الإسلام الاحتكام إليه والرضى بحكمه شرطًا للإيمان.[367] وقد أجمع المسلمون على حرمة أذيّته، وقتل منتقصيه وسابّيه من المسلمين تصريحًا كان أو تعريضًا.[368] وكذلك أجمعوا على عصمته من الشيطان وكفايته منه في كل أحواله،[368] وأنه إنسان كامل من كلِّ النواحي، منزَّه عن كلِّ عيبٍ أو نقصٍ، وأنه أُعطي الحسن والجمال كلّه.[369] قال البوصيري في قصيدة البردة:
وقد وردت نصوص في كتب الحديث تفيد بأنه كان يَرى من خلفه كما يرى من أمامه،[370] وأنه يرى في الليل كما يرى بالنهار،[371] وأنه لم يكن له ظلّ، وأنه أُعطي مفاتيح خزائن الأرض، وأن كل سبب ونسب مقطوع يوم القيامة إلا سببه ونسبه،[372] وأنه يشفع للمسلمين يوم القيامة في إدخالهم الجنة،[373] وأنه حيّ في قبره،[374] يردّ السّلام على من يسلّم عليه،[375] وأن أعمال المسلمين تُعرض عليه فيستغفر لسيئها ويستحسن حسنها،[302] وأن الصلاة في مسجده تعدل 1000 صلاة،[376] وقد اعتبر عدد من علماء أهل السنة زيارةَ قبره من أقرب القُرُبات إلى الله،[377][378] وأن قبره هو أفضل بقعة على الأرض بالإجماع كما نقله القاضي عياض،[379] ويعتقد بعض المسلمين بأن الله قد خلق العالم كله من أجله بينما يرفض بعضهم الآخر هذا الاعتقاد، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: «ومحمد سيد ولد آدم، وأفضل الخلق وأكرمهم عليه، ومن هنا قال من قال: إن الله خلق من أجله العالم أو أنه لولا هو لما خلق عرشًا ولا كرسيًا ولا سماءً ولا أرضًا ولا شمسًا ولا قمرًا»[380] وكذلك انتشر بين المسلمين التوسل به في دعائهم، معتقدين أن ذلك أرجى لاستجابة دعائهم من الله لما لمحمد من جاه ومكانة عند الله،[381] وبعض هذه الأقوال رفضها علماء السلفية، حيث ينكر ابن تيمية وابن عبد البر الإجماع الذي حكاه القاضي عياض في فضل قبر النبي على سائر البقاع وينحصر اعتقادهم في أن القبر قد شرف بمقام النبي،[382][383] كما لا يرون جواز تخصيص قبر النبي بالزيارة مستندين لأقوال للإمام مالك وعدد من علماء المالكية والشافعية والحنابلة على حرمة السفر لزيارة القبور.[وب 11] فيما يرى ابن باز القول بأن الله خلق الخليقة لأجل النبي من أقوال العامة وهو كلام باطل فاسد لا أساس له، وأن الله ما خلق الخليقة إلا لأجل عبادته.[وب 12]
ويعتبر الإسلام محبّةَ محمدٍ أصلاً من أصول الإسلام، وأحدَ شروط صحة الإيمان، وأن المسلمَ لا يبلغُ كمالَ الإيمانِ حتى يحبّ محمدًا أكثر من أي شيء آخر، يقول عن نفسه «لا يؤمن أحدكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والده وولده والنَّاس أجمعين».[384] لذلك أحبه أصحابه والمسلمون حبًا شديدًا، حتى سُئل علي بن أبي طالب يومًا عن حبّهم لمحمد فقال «كان والله أحبَّ إلينا من أموالنا وأولادنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظَّمأ»،[385] ولما احتضر بلال بن رباح أخذ يقول وهو يموت «واطرباه، غدًا ألقى الأحبّة، محمدًا وحزبه»، وكان أصحابه بعد موته لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودهم وبكوا، حبًا وشوقًا له.[385] وكان يقول محمد عن محبة أتباعه له من بعده «من أشدّ أمّتي لي حُبًا، ناس يكونون بعدي، يودّ أحدهم لو رآني بأهله وماله».[386]
ثم إن المسلمين قد دأبوا على تعظيم محمد وإجلاله وإكرامه وتوقيره اتباعًا لأوامر الإسلام،[387] فكانوا في حياته لا ينادونه باسمه مجردًا،[368] ولا يرفعون أصواتهم فوق صوته،[388] وكانوا في مجلسه كأنما على رؤوسهم الطير من الهيبة.[389] وكان من مظاهر تعظيمهم له أن كانوا يتبركون به وبآثاره، فكانوا يتبركون بفضل ماء وضوءه، وبعرقه، وبثيابه، وآنيته، وبمسّ جسده، وبموضع قدمه[390][391] وكان خالد بن الوليد يحتفظ بشعرات للنبي محمد في مقدمة قلنسوته،[392] وكانت أسماء بنت أبي بكر تحتفظ بجبّته بعد موته وتقول «كان النبي ﷺ يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يُستشفى بها».[393] وكان عبد الله بن عمر يتتبع الأماكن التي كان يصلي بها النبي محمد، فيصلي فيها.[394]
ويُكثر المسلمون من تسمية أبناءهم باسم «محمد»، إذ تشير الإحصائيات بأن اسم «محمد» هو الاسم الأكثر شيوعًا في العالم،[وب-إنج 3] وأكثر الأسماء للمواليد الجدد في بريطانيا سنة 2009.[وب-إنج 4] وقد اعتاد معظم المسلمين في كل البلاد الإسلامية منذ القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، على الاحتفال بمولد محمد،[395] فيقيمون مجالسَ لسماع سيرته، والصلاة والسلام عليه، وسماع المدائح في حقه، وذلك في كل أوقات العام وعند كل فرصة يقع فيها فرح أو سرور، ويزداد ذلك في شهر مولده ربيع الأول، وفي يوم مولده وهو الإثنين، فيما ينكر أتباع السلفية مثل هذه الاحتفالات باعتبارها بدعة دخيلة على الإسلام. وكذلك انتشر بين المسلمين لون من ألوان الشعر العربي الخاص بمدح محمد وذكر خصائصه وفضائله ونظم سيرته، ما عُرف بالمديح النبوي، حيث يُرجع الباحثون نشأته في حياة محمد، إذ كان يمدحه أصحابه مثل حسان بن ثابت وكعب بن زهير،[وب 13] وازدهر مع الشعراء المتأخرين وخاصة مع البوصيري في القرن السابع الهجري بقصيدته البردة، والتي تُعد من أهم قصائد المديح، وأكثرها انتشارًا،[وب 13] ويعمل المسلمون على تمييز اسم محمد عند حديثهم عنه، فعادة ما يُشار إليه «رسول الله» أو «سيّدنا محمد» أو «النبي»، ويتبعون اسمه بالصلاة والسلام عليه بقولهم «عليه الصلاة والسلام» أو «صلّى الله عليه وسلّم» أو «صلى الله عليه وآله وسلم» وغيرها من الصلوات الأخرى، اتباعًا لأمر قرآني بالصلاة عليه فضلاً عن وجود أحاديث تحثّ على ذلك وتحذّر من تركها،[5] قال «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة».[396]
يؤمن المسلمون أن محمدًا هو خاتم الأنبياء؛ لذلك يعتقدون بورود اسمه بشكل صريح أو بالإشارة إليه في عدة مواضع في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، يعتقد علماء المسلمين أن اسمه قد ذُكر في سفر نشيد الأنشاد الإصحاح الخامس عدد 16 حيث ورد في النسخة الأصلية النص التالي: (بالعبرية: חִכּוֹ, מַמְתַקִּים, וְכֻלּוֹ, מַחֲמַדִּים; זֶה דוֹדִי וְזֶה רֵעִי, בְּנוֹת יְרוּשָׁלִָם)،[وب-عبر 1] وحسب علماء اللغويات فإن كلمة מַחֲמַדִּ بالعبرية تعني حلاوة أو مسرّات،[إنج 4] بينما يعتبر علماء المسلمين أن الكلمة تعني محمد، كما يرى علماء المسلمين أنه صفاته ذُكرت في سفر إشعيا الإصحاح 21 عدد 13: «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بِلاَدِ الْعَرَبِ: فِي الْوَعْرِ فِي بِلاَدِ الْعَرَبِ تَبِيتِينَ، يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ». كما يفسر علماء المسلمين أن سفر إشعيا الأصحاح 29 عدد 12 قد ذكر أن النبي محمد كان أُمياً لا يعرف القراءة: (بالعبرية: וְנִתַּן הַסֵּפֶר, עַל אֲשֶׁר לֹא-יָדַע סֵפֶר לֵאמֹר—קְרָא נָא-זֶה; וְאָמַר, לֹא יָדַעְתִּי סֵפֶר)[وب-عبر 2] والترجمة: «ثمَ تُناوِلونَهُ لِمَنْ لا يَعرِفُ القِراءةَ وتقولونَ لَه: «اقرأْ هذا». فيُجيبُ: «لا أعرِفُ القِراءةَ».»
وجهة نظر الوثنيين العرب
اختلفت آراء الوثنيين العرب في محمد فكانوا يمدحونه قبل إعلان النبوة بسبب صدقه وأمانته كما مدح بعضهم القرآن مثل الوليد بن المغيرة فقال في وصفه «لا هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وما يقول هذا بشر.» بينما اتهمه آخرون بأنه ساحر وكاهن ومجنون وكذاب وشاعر وغير ذلك من الاتهامات.[397]
وقد اتهموا القرآن بأنه أساطير الأولين «وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ» أو أنه قول شيطان «وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ».[398]
وجهة نظر اليهودية
يوجد تقليد في اليهودية يعترف بوجود أنبياء غير يهود أرسلهم الله من أجل هداية شعوبهم للتوحيد، ومنهم مثلاً بلعام وأيوب الذين لم يكونا من العبرانيين. وقد اختلفت وجهات نظر كبار علماء الدين اليهود في محمد بدرجة كبيرة، فرأى الحبر اليهودي اليمني نثنائيل بن الفيومي في كتابه «بستان العقول» أن الله قد يرسل أنبياء لا تتفق رسالتهم مع المعتقدات التي أتى بها الأنبياء اليهود ويعتبر الفيومي محمدًا نبيًا صادقًا ووصفه ب"الصالح"،[399] غير أن رسالته موجهة إلى العرب خصوصًا وليست لليهود وذلك لتعارضها مع التوراة.[400] غير أنه من الملاحظ أن نظرة الفيومي لم تلق قبولاً واسعاً بين اليهود في عصره؛ لكون محمد أعلن عمومية رسالته لجميع البشر بما فيها اليهود أنفسهم.[إنج 5]
ويرى موسى بن ميمون أهم اللاهوتيين اليهود في العصور الوسطى أن محمدا قد انتقى بعض التعاليم اليهودية في رسالته وأضاف إليها عبادات أخرى. ويرى ميمون أن محمداً كان نبياً كاذباً ويعتبر ادعاءه النبوة غير ذي مصداقية لأنه يخالف التقليد التوراتي اليهودي.[وب-إنج 5] كما يرى أن كون الرسول أمياً يمنعه من الوصول لمرتبة الأنبياء.[وب-إنج 6]
وجهة نظر المسيحية
يعد يوحنا الدمشقي (676-749م) أول من أعطى رأيًا مسيحيًا عنه، ففي كتابه «ينبوع الحكمة» اعتبره نبيًا كاذبًا تأثر بالهرطقة الآريوسية بعد لقائه بالراهب بحيرى واستعمل القرآن لتغطية آثامه، واعتبر أن الراهب النسطوري "بحيرى" ساعد محمد على كتابة القرآن وكذلك حال ورقة بن نوفل، نافيًا مصدره الإلهي وقدسيته، واعتبر أن المشابهة بينه وبين نصوص الكتاب المقدس إنما هي مشابهة ضحلة بما قلَّتْ قيمته من أسفار العهدين القديم والجديد، وفي كتابه "الهراطقة" أعتبر الإسلام فرقة من المسيحية المهرطقة تحت اسم "هرطقة الإسماعيليين"،[وب 14] وسرد الدمشقي قائمة مائة هرطقة ظهرت بين القرن الأول والقرن السابع، ونال الإسلام الترتيب مئة في تصنيف الدمشقي. دعم الدمشقي أطروحة حول الآثار المسيحية والكتابية في القرآن.[وب-إنج 7]
غير أن النظرة المشرقية لمحمد اتسمت بانفتاح أكبر، فعندما سأل الخليفة العباسي محمد المهدي بطريرك كنيسة المشرق طيماثيوس الأول عن رأيه في محمد، أجاب: «كان يمشي على خُطى الأنبياء».[إنج 6] كما أثنى طيماثيوس على محمد لكونه «أعدل شعبه عن عبادة الأوثان إلى معرفة الله الواحد».[إنج 7] غير أن الصدامات اللاحقة مع المسلمين في الأندلس وفلسطين أدت إلى ظهور تيار مغالٍ في انتقاد الإسلام واشتد هذا التيار بعد حروب الأوروبيين مع العثمانيين خاصة لدى المصلحين البروتستانت؛ فقارن مارتن لوثر محمدًا ببابا روما من حيث السوء ووصفه «بالابن البكر للشيطان».[وب-إنج 8]
وصف الدفاعيون الكاثوليك محمدًا في مطلع القرن العشرين بأنه مصلح اجتماعي، غير أن رسالته انطلقت من فهم خاطئ لليهودية والمسيحية. وأشاد «هيلير بيلوك» أحد أبرز الدفاعيين الكاثوليك في مطلع القرن العشرين برسالة الرسول التي وضعت مكانة خاصة للمسيح وأمه مريم، غير أنه اعتبر أنه لم يأت بديانة جديدة بل رأى أن الإسلام هرطقة يهودية/مسيحية دمجت بها بعض من ديانات العرب.[وب-إنج 9] ومنذ انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني ظهرت أصوات داخل الكنيسة الكاثوليكية تدعو للاعتراف بنبوة محمد في ظل التقاليد المسيحية وذلك لخلق فرصة أكبر للحوار مع الإسلام. ويشبه مونتغمري وات محمدًا بأنبياء العبرانيين في كتابه «حقيقة دينية لعصرنا»:[إنج 8]
وجهة نظر الغرب
تقول الناقدة والباحثة السورية «رنا قباني» أنه خلال القرون الوسطى لم تكن الحرب بين أوروبا والإسلام عسكرية منحصرة في تركيا أو إسبانيا، بل كانت حربًا ثقافية أيضًا، فالغرب دأب منذ القرن الثاني عشر على اختبار الإسلام ليس كحضارة بل كقوة غازية،[401] فأدّى ذلك بالإضافة إلى انتشار الجهل وغياب الدقة في الترجمة واختلاق الأساطير والميل نحو المثير - كما تبرر قباني - إلى إنتاج موروث أدبي معاد للإسلام كان أحد أوجهه الاعتقاد بكون النبي محمد «عدو للمسيح»،[402] وتصويره بطريقة مُسفة تحمل في ثناياها مقدارًا كبيرًا من الإمعان في الأسطورة، وتعزيز لنظرية العداوة.[401] حتى أنّ «جيرالد الويلزي» أحد أوائل الإنكليز الذين كتبوا حول الإسلام، قال بأنه ثمّة خطة إسلامية للقضاء على المسيحية.[401]
مع عصر التنوير في القرن السابع عشر وظهور العلاقات التجارية المميزة بين أوروبا والدولة العثمانية، وما رافقها من زيارات لأوروبيين أو تجار إلى مدن الشرق أخذت الصورة عن الإسلام والنبي تتغير، وأخذت أوروبا تنتج موروثًا جديدًا، قال «فكتور هوغو» عام 1829 «إنّ الدراسات عن الشرق تمضي قدمًا، وبينما كنا في السابق إغريقيي الهوى أصبحنا استشراقيين»،[403] وهذه «الدراسات عن الشرق» التي عاصرت ميلاد الحركة العلمية والنقدية في أوروبا أنصفت النبي محمد، فقد قال عنه الشاعر الفرنسي ألفونس دي لامارتين «أترون أن محمدًا كان صاحب خداع وتدليس، وصاحب باطل وكذب؟! كلا. بعدما وعينا تاريخه، ودرسنا حياته، فإنَّ الخداع والتدليس والباطل والإفك، كل تلك الصفات هي ألصق بمن وصف محمدًا بها».[وب 15] وقال عنه المؤرّخ الإسكتلندي وليم موير «امتاز محمد بوضوح كلامه، ويسر دينه، وأنه أتم من الأعمال ما أدهش الألباب، لم يشهد التاريخ مصلحًا أيقظ النفوس، وأحيا الأخلاق الحسنة، ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير كما فعل محمد».[وب 15] اعتبره الكاتب اليهودي مايكل هارت أعظم الشخصيّات أثرًا في تاريخ الإنسانية كلّها باعتباره «الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي».[404] وهذا لا ينفي أن بضعًا من البحّاثة الأوروبيين ظل محتفظًا وبنسب متفاوتة بصورة القرون الوسطى التقليدية، غير أن أهميتها وتأثيرها على الشارع العام أخذ بالانحسار.[403] واستمرّ ذلك خلال القرن العشرين، إلا أنه وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر تصاعدت موجة خوف من الإسلام بسبب الخلط بين تصرفات المتطرفين الإسلاميين ورسالة الإسلام عمومًا.[وب 16] فظهر فئات من الغرب يُرجعون سبب العنف الموجود في العالم الإسلامي إلى تعاليم محمد، فأنتجوا أعمالاً ينتقدون فيها محمدًا مثل كتاب نبي الخراب، وفيلم فتنة، والرسوم الكاريكاتورية في صحيفة يولاندس بوستن.
وجهات نظر أخرى
- البابية والبهائية والأحمدية تعتبر محمدًا أحد الأنبياء والرسل، لكنه ليس آخرهم، فهناك من بعده حسب رأيهم الباب والبهاء وغلام أحمد القادياني.[وب 17]
- في ديانة الثيليما يعد محمد أحد قديسي «الكنيسة المعرفية الكاثوليكية».
- يعده ناناك مؤسس الديانة السيخية أحد رسل البراهما (إله الخلق في الهندوسية).
- كما تعتبره كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة من الإصلاحيين، مثله مثل كونفوشيوس، وكذلك الفلاسفة مثل سقراط وأفلاطون وغيرهم، وسيأخذون الجزاء عند الله على ضوء القيم الأخلاقية التي أعطيت لهم، ولدعوتهم للتنوير وتحقيق مستوى أعلى من التفاهم بين الناس.
مقالات ذات صلة
الملاحظات
- ^ الشِّعب (بكسر الشين): ما انفرج بين جبلين، وقيل: هو الطريق في الجبل».[47]
- ^ في فتح الباري، «وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الإسراء وقال إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد، ولا إنكار في ذلك، فقد تواردت الروايات به وثبت شق الصدر أيضًا عند البعثة كما أخرجه أبو نعيم في الدلائل، وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء».[105]
- ^ في معجم النهاية في غريب الأثر، ج1، ص462: «الحائط هنا: البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار».
- ^ «البراق: هو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه».[160]
- ^ في مقدمة ابن خلدون، ص108: «البيعة: هي العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازغه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره».
- ^ في خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى، للسمهودي، ج1، ص84: «بيعة النساء: أي على وفق بيعة النساء التي نزلت بعد الفتح ﴿عَلَىٰۤ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡـࣰٔا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَـٰدَهُنَّ وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَـٰنࣲ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِی مَعۡرُوفࣲ﴾ [الممتحنة:12] ولم يكن أمرٌ بالقتال».
- ^ «المربد: المحل الذي يجفف فيه التمر»[179]
- ^ في السيرة الحلبية: «ما كان فيه رسول الله ﷺ يُقال له غزوة، وما خلا عنه ﷺ يُقال له سريّة، وربما سمّوا بعض السرايا "غزوة" كما في مؤتة حيث قالوا غزوة مؤتة. وظاهر كلامهم أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون إرسال ذلك لقتال أو لغير قتال كتجسس الأخبار أو لتعليمهم الشرائع أو للتجارة».[195]
- ^ في الروض الأنف: «يريد أن بني عبد مناف بن قصي أمّهم من خزاعة، وكذلك قصي بن كلاب أمّه "فاطمة بنت سعد الخزاعية" و"الوُلْد" بمعنى الوَلَد».[249]
- ^ «الخَوْخة: مُخْتَرَقُ مَا بَيْنَ كُلِّ دَارَيْنِ لَمْ يُنْصَبْ عَلَيْهَا بَابٌ».[300]
المراجع
فهرس المراجع
- منشورات
- بالعربية
- ^ ابن تيمية (2004)، ج. 11، ص. 303.
- ^ الطبري (2001)، ج. 20، ص. 405.
- ^ ا ب الهيتمي (2020)، ص. 346-349.
- ^ القاضي (2002)، ج. 2، ص. 117.
- ^ ا ب ابن كثير (1998)، ج. 6، ص. 404.
- ^ العمري (1994)، ج. 1، ص. 96-98.
- ^ ا ب العمري (1994)، ج. 1، ص. 104.
- ^ العمري (1994)، ج. 1، ص. 11.
- ^ البكري، ص. 21.
- ^ السباعي (1985)، ص. 22-29.
- ^ ا ب ج البكري، ص. 21-26.
- ^ البكري، ص. 42-43.
- ^ البقاعي (1987)، ج. 2، ص. 370-371.
- ^ ا ب ج د أبو شهبة (1992)، ج. 1، ص. 27-28.
- ^ ا ب ج د البوطي (1991)، ص. 27.
- ^ ا ب ج حمادة (2004)، ص. 36-45.
- ^ البخاري (2002)، ص. 970.
- ^ ا ب البوطي (1991)، ص. 26.
- ^ ابن خلكان (1978)، ج. 1، ص. 290.
- ^ البكري، ص. 31-39.
- ^ ا ب ج العمري (1994)، ج. 1، ص. 21-52.
- ^ البكري، ص. 35.
- ^ البيهقي (1988)، ج. 1، ص. 7.
- ^ المباركفوري (2007)، ص. 19.
- ^ ا ب العمري (1994)، ج. 1، ص. 77-82.
- ^ ا ب المباركفوري (2007)، ص. 20-25.
- ^ جواد علي (1968)، ج. 11، ص. 253.
- ^ العراقي (2005)، ص. 32-34.
- ^ البخاري (2002)، ص. 1215.
- ^ ا ب ج د البوطي (1991)، ص. 69.
- ^ الهيثمي (2001)، ج. 8، ص. 280.
- ^ ا ب مسلم (1955)، ج. 4، ص. 1782.
- ^ ابن ماجه (2003)، ص. 604.
- ^ السيوطي (2004)، ص. 108.
- ^ السهيلي (1992)، ج. 1، ص. 22-34.
- ^ ا ب ج د ه و المباركفوري (2007)، ص. 1-53.
- ^ ابن هشام (1990)، ج. 1، ص. 110.
- ^ ا ب ج د ه و العراقي (2005)، ص. 130-139.
- ^ ابن حبان (1973)، ج. 1، ص. 32-36.
- ^ النبهاني (1997)، ص. 104.
- ^ ا ب ابن حبان (1973)، ج. 1، ص. 26.
- ^ الترمذي (2016)، ج. 4، ص. 510.
- ^ الزايد (1995)، ج. 1، ص. 103.
- ^ ا ب ج د البغدادي (2001)، ج. 1، ص. 75-83.
- ^ الماوردي (1986)، ص. 209.
- ^ ابن كثير (1990)، ج. 2، ص. 323.
- ^ ابن منظور (1993)، ج. 1، ص. 499.
- ^ ا ب الطبري (1967)، ج. 1، ص. 327-328.
- ^ ا ب ج د ه الخضري (2004)، ص. 7-21.
- ^ ا ب ابن كثير (1990)، ج. 2، ص. 262.
- ^ المباركفوري (2007)، ص. 54.
- ^ ا ب ج د بحرق (2015)، ص. 105-122.
- ^ العاملي (2007)، ج. 2، ص. 142.
- ^ ا ب ابن كثير (1990)، ج. 2، ص. 319-332.
- ^ ابن عبد البر (1992)، ج. 1، ص. 10-17.
- ^ ا ب ج السهيلي (1992)، ج. 1، ص. 278-296.
- ^ القاضي (2002)، ج. 1، ص. 167-168.
- ^ البيهقي (1988)، ج. 1، ص. 136.
- ^ ا ب ابن هشام (1990)، ج. 2، ص. 295-298.
- ^ ا ب ج العراقي (2005)، ص. 35-39.
- ^ البخاري (2002)، ص. 1301.
- ^ ا ب ج الصلابي (2008)، ص. 14-96.
- ^ ا ب البغدادي (2001)، ج. 10، ص. 212.
- ^ ا ب ج د ه السباعي (1985)، ص. 13-29.
- ^ ا ب العاملي (2007)، ج. 2، ص. 83-98.
- ^ مسلم (1955)، ج. 1، ص. 148.
- ^ العراقي (2005)، ص. 37-39.
- ^ البخاري (2002)، ص. 539.
- ^ ابن كثير (2013)، ص. 17.
- ^ البغدادي (2001)، ج. 1، ص. 129.
- ^ الحلبي (2006)، ج. 1، ص. 127-129.
- ^ البغدادي (2001)، ج. 1، ص. 106.
- ^ ابن كثير (1990)، ج. 2، ص. 289.
- ^ الأصفهاني (2008)، ج. 22، ص. 78.
- ^ ابن الملقن (2004)، ج. 7، ص. 325.
- ^ ابن كثير (2013)، ص. 18.
- ^ ا ب ج الجزري (1994)، ج. 7، ص. 80.
- ^ ا ب ابن سيد الناس (1993)، ج. 1، ص. 63.
- ^ ابن حبان (1973)، ج. 1، ص. 47.
- ^ ا ب ابن كثير (1990)، ج. 2، ص. 358-274.
- ^ ابن كثير (1990)، ج. 2، ص. 361.
- ^ الطبرسي (2004)، ص. 152.
- ^ البغدادي (2001)، ج. 1، ص. 109.
- ^ البيهقي (1988)، ج. 2، ص. 71.
- ^ النيسابوري (1990)، ج. 11، ص. 157.
- ^ العاملي (2007)، ج. 2، ص. 105-125.
- ^ ا ب العسقلاني (1995)، ج. 8، ص. 78.
- ^ ابن القيم (2019)، ج. 1، ص. 82.
- ^ مسلم (1955)، ج. 3، ص. 1391.
- ^ ابن كثير (1998)، ج. 2، ص. 58.
- ^ ا ب السيوطي (2004)، ص. 161.
- ^ ا ب ج ابن كثير (1990)، ج. 2، ص. 374-386.
- ^ السيوطي، ص. 40.
- ^ ا ب الطبري (1967)، ج. 1، ص. 526-535.
- ^ ا ب ابن كثير (1990)، ج. 3، ص. 5-33.
- ^ ابن سيد الناس (1993)، ج. 1، ص. 102-104.
- ^ مسلم (1955)، ج. 2، ص. 819.
- ^ البغدادي (2001)، ج. 1، ص. 190-198.
- ^ ابن حنبل (2001)، ج. 4، ص. 107.
- ^ المباركفوري (2007)، ص. 66.
- ^ العاملي (2007)، ج. 2، ص. 243-252.
- ^ العاملي (2007)، ج. 2، ص. 296.
- ^ العسقلاني (1986)، ج. 1، ص. 31.
- ^ ابن حنبل (2001)، ج. 43، ص. 268.
- ^ العسقلاني (1986)، ج. 7، ص. 204-205.
- ^ ا ب ج ابن سيد الناس (1993)، ج. 1، ص. 113-120.
- ^ المباركفوري (2007)، ص. 71-73.
- ^ ابن سيد الناس (1993)، ج. 1، ص. 110.
- ^ العسقلاني (1908)، ج. 7، ص. 195.
- ^ الأميني (1994)، ج. 3، ص. 95.
- ^ ا ب العمري (1994)، ج. 1، ص. 132-141.
- ^ العسقلاني (1986)، ج. 7، ص. 174.
- ^ العراقي (2005)، ص. 4-11.
- ^ ا ب ابن كثير (2013).
- ^ ابن كثير (1990)، ج. 3، ص. 39.
- ^ الذهبي (2003)، ج. 1، ص. 136.
- ^ ا ب السهيلي (1992)، ج. 1، ص. 414-437.
- ^ ا ب ج د البوطي (1991)، ص. 105.
- ^ الجزري (1994)، ج. 2، ص. 452.
- ^ الحلبي (2006)، ج. 1، ص. 457.
- ^ البغدادي (2001)، ج. 1، ص. 199.
- ^ ابن حنبل (2001)، ج. 2، ص. 165.
- ^ ا ب ج البغدادي (2001)، ج. 1، ص. 199-206.
- ^ ا ب ابن هشام (1990)، ج. 2، ص. 92-163.
- ^ العسقلاني (1995)، ج. 4، ص. 335.
- ^ البخاري (2002)، ص. 1212.
- ^ البخاري (2002)، ص. 136.
- ^ البيهقي (1988)، ج. 2، ص. 63.
- ^ العسقلاني (1986)، ج. 7، ص. 188-189.
- ^ ا ب ابن هشام (1990)، ج. 1، ص. 321-340.
- ^ ا ب ج د العمري (1994)، ج. 1، ص. 168-181.
- ^ ا ب ج المباركفوري (2007)، ص. 93-96.
- ^ البخاري (2002)، ص. 261.
- ^ ابن حنبل (2001)، ج. 5، ص. 307.
- ^ الذهبي (2003)، ج. 1، ص. 193.
- ^ ا ب ج ابن هشام (1990)، ج. 2، ص. 195-199.
- ^ ا ب ج د ه النبهاني (1997)، ص. 31-33.
- ^ ا ب ج البوطي (1991)، ص. 130.
- ^ ا ب ج د البغدادي (2001)، ج. 1، ص. 208-210.
- ^ ا ب العراقي (2005)، ص. 60-63.
- ^ السهيلي (1992)، ج. 2، ص. 159-167.
- ^ ا ب ج الزايد (1995)، ج. 1، ص. 195-208.
- ^ ا ب ج ابن هشام (1990)، ج. 2، ص. 263-266.
- ^ الأميني (1994)، ج. 7، ص. 384.
- ^ المباركفوري (2007)، ص. 116.
- ^ ا ب ج د ابن هشام (1990)، ج. 2، ص. 266-269.
- ^ ا ب ج د المباركفوري (2007)، ص. 125-126.
- ^ الزايد (1995)، ج. 1، ص. 209.
- ^ ا ب ج البغدادي (2001)، ج. 1، ص. 210-212.
- ^ البوطي (1991)، ص. 150.
- ^ العمري (1994)، ج. 1، ص. 185-187.
- ^ العاملي (2007)، ج. 4، ص. 35.
- ^ ابن حنبل (2001)، ج. 4، ص. 235.
- ^ البخاري (2002)، ص. 799.
- ^ البوطي (1991)، ص. 160.
- ^ ا ب العسقلاني (1986)، ج. 7، ص. 196-218.
- ^ ا ب البغدادي (2001)، ج. 1، ص. 213-215.
- ^ ا ب النبهاني (1997)، ص. 34.
- ^ العمري (1994)، ج. 1، ص. 188-192.
- ^ البخاري (2002)، ص. 951.
- ^ ا ب السيوطي (1931).
- ^ البيهقي (1988)، ج. 2، ص. 356.
- ^ السيوطي، ج. 1، ص. 303-306.
- ^ ا ب ج ابن هشام (1990)، ج. 2، ص. 270-313.
- ^ ابن هشام (1990)، ج. 2، ص. 277-278.
- ^ ا ب ج ابن كثير (1990)، ج. 3، ص. 179-206.
- ^ ا ب المباركفوري (2007)، ص. 106-123.
- ^ ا ب الوادعي (2007)، ج. 1، ص. 178.
- ^ ا ب الذهبي (2003)، ج. 1، ص. 297-309.
- ^ ابن حبان (1973)، ج. 1، ص. 113.
- ^ الترمذي (2016)، ج. 4، ص. 444.
- ^ ا ب ج د ه البغدادي (2001)، ج. 1، ص. 224-238.
- ^ الحلبي (2006)، ج. 2، ص. 237.
- ^ ا ب ج السهيلي (1992)، ج. 2، ص. 312-332.
- ^ ا ب ج د ه المباركفوري (2007)، ص. 127-136.
- ^ ابن كثير (1990)، ج. 3، ص. 179.
- ^ ا ب ج د ابن هشام (1990)، ج. 3، ص. 5-24.
- ^ البغدادي (2001)، ج. 2، ص. 6.
- ^ الحلبي (2006)، ج. 2، ص. 236.
- ^ الهيثمي (2001)، ج. 9، ص. 583.
- ^ الخضري (2004)، ص. 91.
- ^ العاملي (2007)، ج. 4، ص. 178.
- ^ الحلبي (2006)، ج. 2، ص. 353-354.
- ^ ا ب النبهاني (1997)، ص. 40.
- ^ ا ب المباركفوري (2007)، ص. 184.
- ^ ا ب البغدادي (2001)، ج. 1، ص. 238-257.
- ^ ا ب السهيلي (1992)، ج. 2، ص. 338-369.
- ^ البلاذري (1996)، ج. 1، ص. 270.
- ^ ا ب ابن هشام (1990)، ج. 3، ص. 31-39.
- ^ العاملي (2007)، ج. 3، ص. 345.
- ^ ا ب ج العمري (1994)، ج. 1، ص. 240-298.
- ^ ابن حنبل (2001)، ج. 3، ص. 262.
- ^ ا ب البغدادي (2001)، ج. 2، ص. 5-10.
- ^ ا ب ج النبهاني (1997)، ص. 41.
- ^ الحلبي (2006)، ج. 3، ص. 134.
- ^ الحلبي (2006)، ج. 2، ص. 413.
- ^ مسلم (1955)، ج. 3، ص. 1357.
- ^ أبو شهبة (1992)، ج. 2، ص. 67.
- ^ ا ب المباركفوري (2007)، ص. 207-208.
- ^ ا ب ج ابن سيد الناس (1993)، ج. 1، ص. 283-333.
- ^ ا ب الواقدي (1989)، ج. 1، ص. 19-172.
- ^ ا ب الخضري (2004)، ص. 82-94.
- ^ ابن هشام (1990)، ج. 2، ص. 48.
- ^ الواقدي (1989)، ج. 1، ص. 176-180.
- ^ ا ب ج د البغدادي (2001)، ج. 2، ص. 36-49.
- ^ ا ب ج ابن هشام (1990)، ج. 4، ص. 5-120.
- ^ المظفر (2017)، ج. 2، ص. 357.
- ^ ابن ماجه (2003)، ص. 913.
- ^ الذهبي (2003)، ج. 2، ص. 223-228.
- ^ ا ب ج الواقدي (1989)، ج. 1، ص. 363-380.
- ^ المباركفوري (2007)، ص. 296.
- ^ البغدادي (2001)، ج. 2، ص. 57-58.
- ^ البخاري (2002)، ص. 723.
- ^ ا ب السهيلي (1992)، ج. 3، ص. 415-458.
- ^ ا ب الذهبي (2003)، ج. 2، ص. 283-305.
- ^ ا ب العمري (1994)، ج. 2، ص. 418-433.
- ^ ا ب ج البغدادي (2001)، ج. 2، ص. 65-77.
- ^ ا ب ابن هشام (1990)، ج. 4، ص. 170-215.
- ^ ابن كثير (1998)، ج. 6، ص. 369.
- ^ الواقدي (1989)، ج. 2، ص. 496-521.
- ^ المباركفوري (2007)، ص. 314.
- ^ العسقلاني (1986)، ج. 7، ص. 476.
- ^ الترمذي (2016)، ج. 2، ص. 592.
- ^ البخاري (2002)، ص. 1042.
- ^ الشوكاني (2006)، ج. 4، ص. 380.
- ^ ا ب ج د البغدادي (2001)، ج. 2، ص. 95-105.
- ^ ا ب ابن هشام (1990)، ج. 4، ص. 275-296.
- ^ ا ب ج ابن حزم (1955)، ص. 207-211.
- ^ ا ب ج البخاري (2002)، ص. 669.
- ^ ابن هشام (1990)، ج. 4، ص. 313.
- ^ ا ب ج البغدادي (2001)، ج. 1، ص. 258-290.
- ^ المباركفوري (2007)، ص. 350-364.
- ^ ابن عساكر (1995)، ج. 45، ص. 45.
- ^ ابن كثير (1990)، ج. 4، ص. 244.
- ^ ا ب ج المباركفوري (2007)، ص. 350-380.
- ^ ابن حبان (1973)، ج. 2، ص. 10.
- ^ ابن حزم (1955)، ص. 211-218.
- ^ ا ب ابن هشام (1990)، ج. 4، ص. 297-331.
- ^ البخاري (2002)، ص. 104.
- ^ العسقلاني (2001)، ج. 4، ص. 331.
- ^ ابن حزم (1955)، ص. 219.
- ^ ابن سيد الناس (1993)، ج. 2، ص. 196.
- ^ الهيثمي (2001)، ج. 6، ص. 167.
- ^ البغدادي (2001)، ج. 2، ص. 128-130.
- ^ البخاري (2002)، ص. 1051.
- ^ ابن هشام (1990)، ج. 2، ص. 390.
- ^ ا ب ج العسقلاني (1986)، ج. 7، ص. 592.
- ^ ا ب ج السيوطي، ج. 1، ص. 439-447.
- ^ السهيلي (1992)، ج. 4، ص. 146.
- ^ ا ب السهيلي (1992)، ج. 4، ص. 140-203.
- ^ ا ب ج د المباركفوري (2007)، ص. 394-428.
- ^ البخاري (2002)، ص. 1047-1048.
- ^ ابن حبان (1973)، ج. 2، ص. 48.
- ^ ا ب ابن سيد الناس (1993)، ج. 2، ص. 224.
- ^ ابن القيم (2019)، ج. 3، ص. 361.
- ^ البخاري (2002)، ص. 1172.
- ^ الحلبي (2006)، ج. 3، ص. 49.
- ^ الغزالي، ج. 4، ص. 476.
- ^ ا ب الواقدي (1989)، ج. 3، ص. 885-921.
- ^ ا ب ابن سيد الناس (1993)، ج. 2، ص. 187-202.
- ^ ا ب ابن هشام (1990)، ج. 5، ص. 104-129.
- ^ الطبري (2001)، ج. 11، ص. 386.
- ^ البخاري (2002)، ص. 710.
- ^ ابن القيم (2019)، ج. 3، ص. 584.
- ^ ا ب ج ابن هشام (1990)، ج. 5، ص. 195-221.
- ^ ا ب ج د المباركفوري (2007)، ص. 417-430.
- ^ السهيلي (1992)، ج. 7، ص. 307.
- ^ مسلم (1955)، ج. 2، ص. 736.
- ^ السيوطي، ص. 453-454.
- ^ ابن كثير (2013)، ص. 84-85.
- ^ السهيلي (1992)، ج. 4، ص. 248-276.
- ^ ا ب ج الواقدي (1989)، ج. 3، ص. 989-1075.
- ^ البيهقي (1988)، ج. 5، ص. 362.
- ^ ا ب ج د البغدادي (2001)، ج. 2، ص. 165-167.
- ^ السيوطي (1931)، ص. 46.
- ^ عبد الواحد (2007)، ج. 1، ص. 524.
- ^ عبد الواحد (2007)، ج. 1، ص. 534.
- ^ ابن هشام (1990)، ج. 5، ص. 222-228.
- ^ البغدادي (2001)، ج. 2، ص. 168.
- ^ ا ب ابن هشام (1990)، ج. 5، ص. 248.
- ^ ا ب المباركفوري (2007)، ص. 436-452.
- ^ ابن حنبل (2001)، ج. 2، ص. 199.
- ^ ابن حبان (1973)، ج. 2، ص. 124.
- ^ ا ب ابن هشام (1990)، ج. 6، ص. 5-12.
- ^ ا ب ج الحلبي (2006)، ج. 3، ص. 307-340.
- ^ ا ب ابن كثير (1990)، ج. 5، ص. 109.
- ^ ا ب العسقلاني (1986)، ج. 8، ص. 104.
- ^ ا ب مسلم (1955)، ج. 2، ص. 886.
- ^ الحلبي (2006)، ج. 3، ص. 366.
- ^ ابن كثير (1990)، ج. 5، ص. 152.
- ^ ا ب ج الخضري (2004)، ص. 190-192.
- ^ مسلم (1955)، ج. 4، ص. 2312.
- ^ ا ب ج النبهاني (1997)، ص. 381-383.
- ^ ابن حنبل (2001)، ج. 5، ص. 72.
- ^ الطبري (2001)، ج. 24، ص. 669.
- ^ ا ب ج د ابن هشام (1990)، ج. 6، ص. 55-93.
- ^ البخاري (2002)، ص. 1086.
- ^ الصلابي (2008)، ج. 4، ص. 281.
- ^ مسلم (1955)، ج. 4، ص. 1854.
- ^ ابن منظور (1993)، ج. 3، ص. 14.
- ^ ا ب ج السهيلي (1992)، ج. 4، ص. 432-447.
- ^ ا ب الهيثمي (2001)، ج. 8، ص. 427.
- ^ ابن حنبل (2001)، ج. 19، ص. 209.
- ^ ابن كثير (1990)، ج. 5، ص. 240.
- ^ البغدادي (2001)، ج. 2، ص. 308.
- ^ البخاري (2002)، ص. 901.
- ^ البخاري (2002)، ص. 1092.
- ^ أبو داود (2009)، ج. 5، ص. 60.
- ^ الخضري (2004)، ص. 205.
- ^ ابن كثير (1990)، ج. 6، ص. 357.
- ^ المباركفوري (2007)، ص. 457-470.
- ^ ابن هشام (1990)، ج. 6، ص. 77-83.
- ^ السهيلي (1992)، ج. 4، ص. 448-461.
- ^ ا ب ابن كثير (1990)، ج. 6، ص. 270.
- ^ الكوراني (2002)، ص. 78.
- ^ ا ب ج البوطي (1991)، ص. 511-513.
- ^ الحلبي (2006)، ج. 2، ص. 509.
- ^ ابن كثير (1990)، ج. 6، ص. 315.
- ^ النبهاني (1997)، ص. 175.
- ^ ا ب ج ابن كثير (1998)، ج. 7، ص. 437.
- ^ البخاري (2002)، ص. 1228.
- ^ ا ب الطبري (1997)، ص. 107-107.
- ^ ابن عساكر (1995)، ج. 13، ص. 243.
- ^ مسلم (1955)، ج. 4، ص. 1905.
- ^ ا ب القاضي (2002)، ج. 1، ص. 249-258.
- ^ السيوطي، ج. 1، ص. 412.
- ^ الحطاب (1995)، ج. 1، ص. 64.
- ^ البخاري (2002)، ص. 880.
- ^ ابن كثير (1998)، ج. 5، ص. 76.
- ^ الترمذي (2016)، ج. 4، ص. 449.
- ^ البيهقي (1988)، ج. 6، ص. 138.
- ^ ابن حنبل (2001)، ج. 4، ص. 128.
- ^ العسقلاني (2001)، ج. 5، ص. 346.
- ^ أبو داود (2009)، ج. 4، ص. 200.
- ^ البيهقي (1988)، ج. 6، ص. 19.
- ^ البيهقي (1988)، ج. 3، ص. 276.
- ^ ابن حنبل (2001)، ج. 5، ص. 25.
- ^ البيهقي (1988)، ج. 6، ص. 325.
- ^ القرطبي (1935)، ج. 8، ص. 279.
- ^ البيهقي (1988)، ج. 6، ص. 153.
- ^ ا ب ج السيوطي، ج. 1، ص. 192-195.
- ^ ا ب العراقي (2005)، ص. 132.
- ^ الصواف (1979)، ص. 14-16.
- ^ ا ب المباركفوري (2007)، ص. 471-472.
- ^ البخاري (2002)، ص. 1238.
- ^ ابن تيمية (2004)، ج. 13، ص. 382.
- ^ النووي (1977)، ج. 1، ص. 49.
- ^ الترمذي (1996)، ص. 2-14.
- ^ ا ب ج السيوطي (2004)، ص. 404.
- ^ ا ب ج د ه و ابن كثير (1990)، ج. 6، ص. 21-29.
- ^ ا ب البخاري (2002)، ص. 875.
- ^ الهيثمي (2001)، ج. 9، ص. 420.
- ^ ا ب ج مسلم (1955)، ج. 4، ص. 820.
- ^ ا ب الغزالي، ج. 2، ص. 376.
- ^ العسقلاني (2001).
- ^ الوادعي (2007)، ج. 2، ص. 425.
- ^ مسلم (1955)، ج. 4، ص. 1814.
- ^ ابن تيمية (1991)، ج. 8، ص. 420.
- ^ ا ب ج الغزالي، ج. 2، ص. 488-519.
- ^ البخاري (2002)، ص. 1378.
- ^ الترمذي (2016)، ج. 4، ص. 443.
- ^ القاضي (2002)، ج. 2، ص. 3.
- ^ أبو حامد الغزالي، ص. 107.
- ^ الطبري (2001)، ج. 20، ص. 235.
- ^ الأصبهاني (1974)، ج. 10، ص. 257.
- ^ الطبري (2001)، ج. 19، ص. 229.
- ^ ابن كثير (1998)، ج. 2، ص. 306.
- ^ ا ب ج أبو حامد الغزالي، ص. 145-146.
- ^ المالكي (2007)، ص. 18.
- ^ البخاري (2002)، ص. 113.
- ^ النبهاني (1997)، ص. 200.
- ^ ابن حنبل (2001)، ج. 31، ص. 107.
- ^ النبهاني (1997)، ص. 208.
- ^ العسقلاني (1986)، ج. 6، ص. 487.
- ^ النووي (1925)، ج. 8، ص. 272.
- ^ البخاري (2002)، ص. 287.
- ^ النووي (1925)، ج. 8، ص. 204.
- ^ ابن قدامة (1969)، ج. 3، ص. 599.
- ^ القاضي (2002)، ج. 2، ص. 58.
- ^ ابن تيمية (2004)، ج. 11، ص. 96.
- ^ المالكي (2009)، ص. 123-133.
- ^ ابن تيمية (2004)، ج. 27، ص. 37.
- ^ الشوكاني (2006)، ج. 9، ص. 236.
- ^ البخاري (2002)، ص. 14.
- ^ ا ب القاضي (2002)، ج. 2، ص. 15-17.
- ^ مسلم (1955)، ج. 4، ص. 2178.
- ^ الطبري (2001)، ج. 22، ص. 207.
- ^ الطبري (2001)، ج. 22، ص. 227.
- ^ القاضي (2002)، ج. 2، ص. 25.
- ^ المالكي (2009)، ص. 232-257.
- ^ البخاري (2002)، ص. 1487.
- ^ الذهبي (1985)، ج. 2، ص. 402-410.
- ^ رمسلم (1955)، ج. 3، ص. 1641.
- ^ البخاري (2002)، ص. 128.
- ^ السيوطي (1985)، ص. 43-45.
- ^ الترمذي (2016)، ج. 1، ص. 561.
- ^ الطبري (2001)، ج. 23، ص. 591.
- ^ الطبري (2001)، ج. 19، ص. 238.
- ^ نثنائيل (2014)، ص. 57.
- ^ نثنائيل (2014)، ص. 186.
- ^ ا ب ج قباني (1993)، ص. 35-39.
- ^ قباني (1993)، ص. 19.
- ^ ا ب قباني (1993)، ص. 107.
- ^ هارت، ص. 13.
- بالإنجليزية
- ^ ا ب Nigosian (2004), p. 6.
- ^ Watt (1953), p. xv.
- ^ Hitti (1970), p. 112.
- ^ Hess (1998), p. 139.
- ^ Harries (2006), p. 137.
- ^ Aydin (2002), p. 169.
- ^ Jenkins (2008), p. 185.
- ^ Aydin (2002), p. 173.
- وب
- بالعربية