مستخدم:Ahmed Alhaf/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة


أحمد رضوان الحاف - الواقعة القانونية كمصدر من مصادر الحق

فهـرس المـحتويـات

الموضوع م
فهرس المحتويات 1
المقدمة 2
أولاً – ماهيّة الحق ومصادره 3
1ـ المعنى اللغوي للحق 4
2ـ المعنى الاصطلاحي للحق 5
3- الحق الشخصي والحق العيني 6
4- مصادر الحق 7
ثانياً- ماهيّة الواقعة القانونية

التعريف القانوني للواقعة القانونية

التعريف الاصطلاحي للواقعة القانونية

8
ثالثاً- أنواع الوقائع القانونية

الوقائع الطبيعية

الوقائع الاختيارية                                                                       

9
الخاتمة 10
قائمة المصادر 11

المقدمة:

    مما لا شك فيه أنّ نظرية الالتزام تمثلُ واحدةً من الركائز الأساسية التي تقوم عليها القوانين المدنية الحديثة، ويعّد موضوع مصادر الالتزام واحداً من الموضوعات الرئيسية في نظرية الالتزام؛ حيث كانت مصادر الالتزام ولازالت حتى وقتنا الحالي محل دراسة ونقاش وجدل فقهي كبير من قبل عدد لا يستهان به من فقهاء القانون المدني.

    كذلك انعكس هذا الخلاف ليمتد إلى نصوص القوانين المدنية حيث نجد أن ترتيب مصادر الالتزام فيها قد شهد أيضاً تطوراً وتغيّراً مستمراً لعل أبرزها هو الذي حصل في القانون المدني الفرنسي عام 2016 الذي تبنى تقسيماً جديداً لمصادر الالتزام يستند إلى ثلاثة مصادر؛ هي التصرف القانوني والواقعة القانونية والقانون. (1) ومصادر الالتزام وفقاً لقانون المعاملات المدنية العُماني 29/2013هي خمسة مصادر: 1- العقد (66-173) 2- الإرادة المنفردة (التصرف الانفرادي م174-175) 3- الفعل الضار (176-200) 4- الفعل النافع (201-2018) 5- القانون (م219).

    وقد أيدّ جانبٌ من فقهاء وشُرّاح القانون المدني حقيقة أنّ التصرف القانوني والواقعة القانونية هما مصدرا الحقوق جميعها؛ سواءٌ كانت شخصيّة ً أم عينيّةً أم ذهنيةً، وهما سببُ انقضائها أيضاً (2)، حيث قدم الفقيه الدكتور السنهوري تقسيماً ثنائياً يقوم على أساس إرجاع جميع مصادر الالتزام الى مصدرين أثنين، هما: التصرف القانوني والواقعة القانونية، والقانون من وراء كل ذلك محيط، فهو الذي يُحدّد الآثار القانونية التي تترتب على الوقائع والتصرفات (3).ويصف العلاّمة السنهوري تقسيمه الثنائي القائم على أساس إرجاع جميع الحقوق الشخصية والعينية الى مصدرين اثنين فقط، هما التصرف القانوني والواقعة القانونية، بأنه:" التأصيل المنطقي لمصادر الحق بوجه عام"(4).

   ويُوضح الفقيه السنهوري حقيقية وطبيعة مصادر الالتزام بقوله:" المراد بالمصدر هو السبب القانوني الذي يُوجِد الالتزام، والأسباب القانونية التي تخلق الالتزامات ليست مقصورة على دائرة الحقوق الشخصية بل هي تتناول أيضاً الحقوق العينية، بل تجاوز قانون الأموال الى قانون الأسرة، بل هي تُحلّق في سماء القانون" (5).

   بناءً على ما تقدم وتحقيقاً للغاية التي يسعى إليها الطالب من راء إعداد هذا التقرير سيتم التركيز على دراسة الواقعة القانونية كونها مصدراً من مصادر الحق؛ على أنّ نبدأ أولاً ببيان المقصود بالحق، وعلى التفصيل الآتي بيانه:

أولاً – ماهيّة الحق ومصادره

  1ـ المعنى اللغوي للحق:

     الحق نقيض الباطل وجمعه حقوق وحِقاق، وهو مصدرٌ مؤكد لغيره (6). والحق في اللغة له معانٍ متعددة (7)، فقد يُقصد به الثبوت، يقول تعالى في كتابه الحكيم:" قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً " (8)، وقوله سبحانه:" لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون " (9). وقد يقصد بالحق الوجوب، يقول جل جلاله في كتابه العزيز:" وكان حقاً علينا نصر المؤمنين " (10). والحق اسم من أسماء الله الحسنى، يقول سبحانه:" ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن " (11).

2ـ المعنى الاصطلاحي للحق:

   عرّف فقهاء القانون الوضعي الحق تعريفات مختلفة، تتلاءم مع المذهب الذي تبنّاه كل منهم. من هذه التعريفات قول بعضهم أن الحق هو:" سلطة يقررها القانون لشخص يستطيع بمقتضاها أن يجرى عملاً معيناً، أو أن يُلزم آخر بأدائه له تحقيقاً لمصلحة مشروعة". (12)

   وقد تعرّض هذا الاتجاه الشخصي القائم على الإرادة لانتقادات عديدة منها: أن الإرادة قد تكون غائبة ومع ذلك يمكن لصاحبها أن يكتسب حقوقاً؛ كالصغير غير المميّز والمجنون، بالإضافة إلى وجود أشخاص اعتباريين تثبت لهم بعض الحقوق كالأشخاص الطبيعيين. بينما يستند أنصار المذهب الموضوعي في تعريفهم للحق إلى عنصرين؛ الأول: المصلحة. والثاني: الحماية القانونية. ويُعرّف أحد الفقهاء المؤيدين لهذا الاتجاه الحق بأنه:" الصلة التي تقوم بين طرفين وتنطوي على مصلحة يحميها المُشرّع"(13).

3- الحق الشخصي والحق العيني:

   الحق الشخصي والحق العيني من الحقوق المالية، وهما مُصطلحان نشأ في إطار الفكر الغربي، ولهما مدلولهما في هذا الفقه، والتمييز بينهما هو العمود الفقري في القوانين الغربية التي اُشتقّت من القانون الروماني.

يُوضح القانونيون هذين الحقين بالقول بأنّ الحق العيني هو:" السلطة القانونية المُباشرة المُقررة لشخص على شيء معين بالذات؛ كحق الملكية، أو حق الانتفاع، أو حق الرهن الرسمي". أي أنّه حق يتمثل في سلطة لشخص تنصبّ مُباشرة على شيء مادي معين كحق الملكية. ومن ثم يستطيع صاحبه أن يُباشره دون وساطة أحدّ، فهو يتضمن عنصرين بارزين، هما: صاحب الحق، ومحل الحق (14).

أما الحق الشخصي أو الالتزام فهو:" سلطة مُقررة لشخص قِبل آخر، وبمقتضاها يكون للأول أنّ يُطالب الثاني بعمل مُعين"(15). أي أنّ هذا الحق يتمثل في رابطة قانونية بين شخصين، يقوم أحدهما - بمقتضى هذه الرابطة – وهو المدين قِبل الآخر وهو الدائن، بأداء مالي مُعين. وفيه تجتمع ثلاثة عناصر، هي: صاحب الحق وهو الدائن، ومن عليه الحق وهو المدين، ومحل الحق وهو الأداء الواجب على المدين. أي لا يُمكن للدائن في الحق الشخصي أنّ يحصل على حقه إلا بتدخل شخص آخر هو المدين (16). على سبيل المثال رب العمل دائن للعامل بعمل معين، حيث لا يستطيع رب العمل أن يقتضي حقه إلا بتدخل العامل المدين. وكذلك من تعاقد مع رساّم على رسم لوحة معينة فهو لا يستطيع أن يحصل على اللوحة إلا بتدخل الرسام.

ويُسمى الحق الشخصي بالالتزام؛ لأنّ رابطة الدائنية (الالتزام) التي تقوم بين الدائن والمدين إذا نظرنا إليها من ناحية الدائن كانت حقاً، وإذا نظرنا إليها من ناحية المدين كانت التزاماً (17). فالدين في الفقه الإسلامي هو صورة من صور الحق الشخصي او الالتزام.

4- مصادر الحق:

    مصدر الحق هو الواقعة المُنشئة له. والمراد بالواقعة كمصدر مُباشر للحقوق والالتزامات الحادث الذي يقع فيرتب عليه القانون أثراً؛ وهو إما التزام أو حق من الحقوق. أي أنّ القانون هو الذي يُرتب الالتزام أو الحق، لكنه لا يتدخل مُباشرة لترتيبه إلا من خلال وجود واقعة معينة تكون سبباً لذلك. فالقانون هو المصدر غير المُباشر للحقوق والالتزامات عكس الواقعة (18).

   وتُعدّ الواقعة قانونية لأن كل واقعة لا بد أن يُرتب عليها القانون أثراً معيناً. لكن هذا الأثر الذي يُرتبه القانون على حدوث الواقعة قد يكون تقرير حق جديد، أو انتقاله، أو انقضائه (19).

ثانياً- ماهيّة الواقعة القانونية

التعريف القانوني للواقعة القانونية:

   عرّفت المادة /1100/2 من القانون الفرنسي الجديد الوقائع القانونية بأنها:" أفعال أو أحداث يرتب عليها القانون آثاراً قانونيةً" (20).

  وقد تبنى مشروع القانون المدني العراقي الجديد عام 1984 التقسيم الثلاثي لمصادر الالتزام، من خلال اعتبار القانون المصدر الأول للالتزام فيه، وفي توزيع المصادر الأربعة على قسمين؛ هما: التصرف القانوني، ويشمل العقد والارادة المنفردة. والواقعة القانونية التي تشمل الفعل الضار والكسب دون سبب (21). حيث عرّفت المادة 405 من المشروع العراقي الواقعة القانونية بأنها:" حدث مادي يقع دون اختيار الشخص، أو باختياره، تترتب عليه آثارٌ قانونيةٌ لا يكون للإرادة دخل في ترتيبها".

   نلاحظ على التعريفات القانونية للواقعة القانونية أنّها تدور في فلك واحد وهو أنّ دور الإرادة يقتصر على مجرد إتيان الأفعال المادية المكونة لها، أمّا الآثار القانونية فالقانون هو الذي يتولى ترتيبها؛ سواءٌ اتجهت الإرادة إليها أم لم تتجه، فلا يكون لوجودها أي اعتبار في ترتيب القانون لهذه الآثار (22).

2- التعريف الاصطلاحي للواقعة القانونية:

   عرّف الفقيه السنهوري الواقعة القانونية بأنها:" عمل مادي، يقع باختيار الإنسان أم بغير اختياره، ويُرتب القانون عليه أثراً قانونياً معيّناً. مثل العمل غير المشروع والحيازة للدلالة على الواقعة الاختيارية، والميلاد والموت كمثال للواقعة غير الاختيارية"(23).

والفرق بين التصرف القانوني والواقعة القانونية أن الإرادة في التصرف القانوني تتجه للفعل والأثر القانوني، أما في الواقعة القانونية فالإرادة لا تتجه بالضرورة للفعل، فقد تتجه للفعل وقد لا تتجه إليه، ولكنها لا تتجه لإحداث الأثر القانوني أبداً. مثال: في العقد تتجه إرادة المتعاقدين لإبرام العقد وكذلك للأثر المترتب على ذلك كما في نقل الملكية في عقد البيع، فنقل الملكية هو الأثر في عقد البيع، وفي الوعد بجائزة إرادة الواعد تتجه للوعد، وكذلك للأثر المترتب على ذلك كما في الالتزام بالجائزة هو الأثر المترتب على الوعد. أما في الفعل الضار (عمل غير مشروع) فالإرادة تتجه للفعل إذا وقع قصداً، ولكنها لا تتجه للفعل إذا وقع خطأً، وهي في جميع الأحوال لا تتجه للأثر القانوني (التعويض) سواءً وقع الفعل قصداً أو خطأً. فإذا أراد الشخص الأثر القانوني نكون أمام تصرف قانوني، وإذا رتّبَ القانون الأثر القانوني نكون أمام واقعة قانونية.

أما الفقيه (جيز) فبيّن أن:" الواقعة القانونية ليست إلا شرطاً لتطبيق حالة قانونية أو لاستعمال سلطة قانونية، فليست الواقعة القانونية هي التي تنشئ المركز القانوني" (24).

ثالثاً- أنواع الوقائع القانونية

   يعتدّ القانون بأحداث معينة يُرتب على تحقيقها وجود الحق. وقد تكون هذه الوقائع أو الأحداث من فعل الطبيعة، وقد تكون من صنع الإنسان. والوقائع التي يتدخل الإنسان في وقوعها قد تكون وقائع مادية يترتب عليها آثار قانونية كما سبق الحديث عنها، حتى ولو لم تتجه الإرادة إلى إحداثها. وقد يُرتب القانون الآثار على مجرد اتجاه إرادة الشخص إلى احداثها. معنى ذلك أن الوقائع القانونية على نوعين؛ الوقائع الطبيعية والوقائع الاختيارية، وهو ما سأتعرّض له على التفصيل الآتي:

الوقائع الطبيعية:

تحدث هذ الوقائع بفعل الطبيعة دون تدخل من الإنسان؛ كالبراكين، والأعاصير، والزلازل، ودوران الأرض وما يعقبه من ليل ونهار، وواقعة الميلاد والوفاة والقرابة. هذه الوقائع يترتب عليها آثار قانونية، فتكون سبباً في اكتساب الحقوق أو انقضائها (25).

على سبيل المثال يترتب على واقعة الميلاد آثار قانونية كثبوت نسب الطفل لأبيه، وحقه في التركة.

الوقائع الاختيارية:

تنقسم الوقائع الاختيارية إلى قسمين: الأعمال المادية والأعمال القانونية.

أ- الوقائع المادية (الأعمال المادية):

وهي الأعمال التي تقع من فعل الانسان سواء كانت بإرادته أم بدونها، حيث يكون للإنسان دورٌ في وقوعها، ويرتب على ذلك أثراً قانونياً بغض النظر عن إرادة صاحبها سواءٌ اتجهت الى إحداثه أم لا، وذلك لأن القانون لا يعتد بالإرادة في ترتيب هذا الأثر، وذلك لأنّ الواقعة القانونية تعتبر عملاً مادياً لا بد فيها من فعل مادي لترتب الأثر القانوني عليها (26). وتنقسم الاعمال المادية الى نوعين:

النوع الأول- أعمال مادية لا ارادية: وهي الاعمال التي تقوم دون أن تنصرف ارادة الشخص فيها لإحداث أثرها القانوني، وتتمثل هذه الأعمال في:

الفعل الضار:

    وهو كل عمل مادي يقوم به الشخص بغض النظر عن ارادته، ويتسبب هذا العمل في أن يلحق ضرراً بالآخرين، ويترتب على وقوع هذا الضرر حقاً شخصياً للشخص المضرور في أن يطالب مرتكب الضرر بتعويض عما أصابه نتيجة الفعل الذي ارتكبه، سواء كان هذا الضرر قد وقع عمداً عن قصد بإرادة الفاعل ام نتيجة اهمال وتقصير منه، وهذا ما أشار إليه المشرع العماني في المادة (176) من قانون المعاملات المدنية في فقرتها الأولى بالنص على أنه: " كل اضرار بالغير يلزم فاعله ولو كان غير مميز بالتعويض". وقد فرق القانون العماني – تأثر بالشريعة الإسلامية – في المادة 176 بين الإضرار بالمباشرة، والإضرار بالتسبب.

الإضرار بالمباشرة:

   أقر القانون العماني القاعدة الشرعية التي تقضي بأن (المباشر ضامن وإن لم يتعد) (وأن المتسبب لا يلتزم بالتعويض إلا إذا تعدى). ويقصد بالإضرار بالمباشرة هو ترتب الضرر مباشرة على الفعل دون أن يتخلل بين فعل المباشر والضرر فعل آخر. كمن يضرب إنساناً، أو يتلف مال غيره كهدم جدار او إحراق كتاب إلى غير ذلك من الأفعال التي تضر بالغير مباشرة، وتترتب مسؤولية الفاعل في الإضرار بالمباشرة حتى وإن لم يكن متعدياً في فعله وفقاً لمسلك الشخص المعتاد، وترجع التفرقة بين المباشرة والتسبب إلى أن (المباشرة علة مستقلة وسبب للإضرار بذاته فلا يجوز إسقاطها بداعي التعمد أو عدم التعدي، أما التسبب فليس بالعلة فلزم أن يقترن العمل فيه بصفة التعمد أو التعدي ليكون موجباً للضمان).

الإضرار بالتسبب:

   أقر القانون العماني القاعدة الشرعية التي تقضي بأن (المتسبب لا يضمن إلا إذا تعمد أو تعدى) ويقصد بالإضرار بالتسبب (إحداث أمر في شيء يفضي إلى تلف شيء آخر)) مثال على ذلك هو: من يقطع حبل قنديل معلق فيسقط القنديل على الأرض وينكسر، فيكون هذا الشخص مسؤولاً عن قطع الحبل على سبيل المباشرة وكسر القنديل على سبيل التسبب. ومثاله الشائع الآن قيام وزارة ما بحفر الشارع لتوصيل بعض المرافق فيسقط شخص في الحفرة فيُجرح أو يُقتل، فيكون الضرر قد وقع بالتسبب من الجهة الحافرة.

   تقوم مسؤولية الفاعل في حالة الإضرار بالتسبب في فرضين: إذا كان قد تعمد إحداث الضرر، او كان متعدياً في فعله ، ومثال الفرض الأول: من يحفر بئراً في أرضه بقصد الإضرار بدواب الغير بوقوعها في هذه البئر، ولذا إذا وقعت دابة في البئر يكون الحافر مسؤولاً عن تعويض صاحب الدابة، ومثال الفرض الثاني: أن يكون الفاعل متعدياً في فعله أي يقوم بعمل بغير حق، كمن يحفر حفرة في طريق عام فتسقط فيها دابة مملوكة لغيره، فتقوم مسؤولية الحافر قبل صاحب الداية، لأنه متعدياً في فعل الحفر الذي سبب الضرر لغيره، وذلك بخلاف ما إذا حفر هذه الحفرة في ملكه فلا تقوم مسؤوليته إلا إذا كان قد تعمدّ بحفره الإضرار بغيره (27) .  ولقيام المسؤولية عن الفعل الضار لابد من تحقق الشروط التالية:

التعدي على حق أو مصلحة مشروعة، وهذا التعدي يكون إما على حق من الحقوق العينية أو الحقوق الشخصية.

أن يتحقق الضرر ويكون قد وقع فعلاً، وبانت معالمه بشكل تام.

وجود علاقة سببية بين فعل الإضرار والضرر الذي أصاب الشخص المضرور.

وإذا ما توافرت هذه الشروط قامت المسؤولية عن الضرر ووجب على فاعل الضرر تعويض المتضرر عما أصابه من ضرر.

الفعل النافع:

   الإثراء بلا سبب هو واقعة أو عمل نافع يترتب عليه إثراء شخص هو المُثري أو المدين، وافتقار شخص هو المفتقر أو الدائن، دون سبب مشروع، وبمقتضاه يلتزم المدين (المُثري) بتعويض الدائن (المفتقر) بأقل القيمتين قيمة الإثراء وقيمة الافتقار. مثال: كما لو دفع باسل لمجد مبلغاً غير ملزم به، فإن مجد يثري على حساب باسل، في حين أن باسل يفتقر، ويكون افتقاره بمقدار ما دفع. أي كل فعل صدر من شخص بقصد دون أي سبب قانوني فيؤدي إلى إثراء ذمة الغير، وافتقار ذمة الفاعل، أو إثراء ذمته مع نقصان فيها لكنه يبقى أقل من المنفعة. حيث يقوم الإنسان بفعل نافع لشخص غيره، فيصبح هذا الأخير مديناً للأول بما قام به، وهذا ما يطلق عليه الفقهاء الاثراء بلا سبب. مثال لو سدد المدين دينه للدائن وذلك بعد سقوط حق الدائن بالمطالبة بسداد الدين لمرور مدة التقادم، ولانتفاء عنصر المسؤولية فيتحول من التزام مدني شامل لعنصري المسؤولية والمديونية إلى التزام طبيعي يشمل فقط عنصر المديونية، فيكون المدين قد قام بتسديد دين غير مستحق، وبهذا فهو قام بفعل نافع حيث أضاف لذمة الدائن المالية مال غير مستحق. ولتحقق الفعل النافع لابد من توافر ركنين:

أولاً- الركن المادي؛ ويشتمل على ثلاثة عناصر:

أ- عنصر الإثراء: وهو كل منفعة مادية كانت أو معنوية تحدث أثراً أو تغييراً في الذمة المالية.

ب- عنصر الافتقار: نقص في الذمة المالية للمفتقر، أو زيادة للعناصر السلبية.

ت- العلاقة السببية: وجود رابطة بين الافتقار والاثراء، بمعنى أن الشخص الذي أثرى كان سبب اثرائه هو افتقار المفتقر.

ثانياً- الركن القانوني (الشرعي):

لا يجب أن يكون الاثراء قد حصل لسبب قانوني.

الاثراء المفروض بحكم النصوص التشريعية لا يقتضي فيها التعويض.

الاثراء الحاصل بالتصرف المكسب لا يوجب التعويض (28).

النوع الثاني- أعمال مادية ارادية:

    تقوم هذه الأعمال على أنه تتوجه إرادة الشخص إلى إحداث أثر قانوني معين.  ومن هذه الأعمال:

الاستيلاء:

يقصد به وضع شخص يده على شيء بقصد تملكه شرط ألا يكون ملكاً لشخص آخر، حيث يعتبر الاستيلاء سبباً من أسباب كسب الملكية، ويرد الاستيلاء على المنقول فقط لأن العقارات أو الأراضي الموات التي لا مالك لها تعتبر مملوكة للدولة، وقد يكون المنقول بلا مالك منذ البداية فمثلاً أن يكون شيئاً مباحاً كالسمك في الماء أو الطير في الهواء، كما أنه قد يكون للمال المنقول مالك ولكنه تخلى عنه بمحض ارادته وذلك بأن يلقي به ويتنازل عنه.

وقد نص المشرع السوري على ذلك في المادة (828) من القانون المدني والتي جاء فيها: " من وضع يده على منقول لا مالك له بنية تملكه، ملكه". كذلك المشرع العماني نص عليه في المادة (851) من قانون المعاملات المدنية. على أنه ليتحقق كسب الملكية عن طريق الاستيلاء لابد من توافر ركنين اثنين:

الركن المادي: ويتحقق بقيام الشخص بوضع يده على هذا المنقول، أي حيازته والاستحواذ عليه وحده دون سائر الناس.

الركن المعنوي: وهو أن تتجه نية الشخص بتملك هذا المنقول عند وضع يده عليه، أي أن تنصرف نية الحائز إلى اكتساب ملكية المنقول.

الحيازة:

   يقصد بالحيازة كما عرفها المشرع العماني في المادة (921) على أنها: " سيطرة فعلية. من الشخص بنفسه أو بواسطة غيره على شيء أو حق يجوز التعامل فيه".

   وقد نص المشرع المصري في الفقرة الأولى من المادة (976) من القانون المدني على أنه: " من حاز بسبب صحيح منقولا أو حقا عينيا على منقول أو سندا لحامله فإنه يصبح مالكا له إذا كان حسن النية وقت حيازته". وللحيازة ركنان؛ ركن مادي يتمثل في وضع اليد بشكل فعلي والسيطرة المادية على الشيء محل الحيازة، ومُباشرة الأعمال المادية التي يقوم بها المالك عادةً في ملكه، كالزراعة في الأرض والسُكنة في المنزل. وركن معنوي يتمثل في انصراف نية الحائز إلى الحيازة وتملك الشيء لنفسه، وظهوره بمظهر المالك على الشيء المُحاز. وإذا ما توافرت هذه الأركان كنا بصدد كسب ملكية المنقول في الحال متى اقترنت بحسن النية واستندت لسبب صحيح (29).

التقادم المكسب:

    يقصد به اكتساب ملكية حق عيني عند مرور فترة من الزمن حددها القانون وفيها يصبح واضع اليد على الشيء مالكاً له.

والتقادم المكسب يصنف كسبب من أسباب اكتساب الحقوق العينية، وذلك على عكس التقادم المسقط الذي يعتبر سبب من أسباب انقضاء الالتزام. حيث أنه تكتسب ملكية العقارة بموجبه عن طريق وضع اليد على الشيء وحيازته حيازة قانونية مدة زمنية يحددها القانون. وقد حددها المشرع السوري في تعريفه للتقادم المكسب وذلك في نص المادة (917) بخمسة عشر سنة:" من حاز منقولاً أو عقاراً غير مسجل في السجل العقاري دون أن يكون مالكاً له، أو حاز حقاً عيناً على منقول أو حقاً عينياً على عقار غير مسجل في السجل العقاري دون أن يكون هذا الحق خاصاً به كان له أن يكسب ملكية الشيء أو الحق العيني إذا استمرت حيازته دون انقطاع خمس عشرة سنة."

   وإذا كان الحائز للعقار أو للحق العيني الوارد على العقار حسن النية ومستند في حيازته إلى سبب صحيح فإن المدة اللازمة لكسب الحق تكون عشر سنوات، وذلك ما ذكره المشرع العماني في المادة (932) التي نصت على أنه: " إذا وقعت الحيازة على عقار أو على حق عيني عقاري وكان غير مسجل بالسجل العقاري واقترنت الحيازة بحسن النية، واستندت في الوقت ذاته إلى سبب صحيح فإن المدة التي تمنع سماع الدعوى تكون عشر سنين".

ب – الأعمال القانونية:

  العمل القانوني هو إفصاح للإرادة بقصد إحداث أثر قانوني، أي بقصد ادخال تعديل على التنظيم القانوني القائم، من خلال إنشاء مراكز قانونية جديدة أو تعديلها أو إنهائها (30). ويمكن تقسيم الأعمال القانونية من حيث الشكل إلى أعمال صادرة من طرف واحد، وأعمال متعددة الأطراف.

النوع الأول- الأعمال الصادرة من طرف واحد:

تنشأ هذه الأعمال عن إرادة منفردة صادرة من جانب واحد وتتجه لإحداث نتائج قانونية معينة، ومثالها الوصية والوقف وتطهير العقار (31).

النوع الثاني- الأعمال الصادرة من جانبين:

هذه الأعمال تكون نتيجة إرادة صادرة من جانبين أو أكثر؛ وقد تكون أعمال اتفاقية كعقد البيع والايجار في القانون المدني. والعمل الاتفاقي أعمّ من العقد. أي يشمل العقد، كما يشمل غيره من الأعمال التي يتوافر فيها توافق إرادتين أو أكثر ولكنها لا تعتبر عقوداً مع ذلك، مثل الأعمال الاتفاقية الشرطية؛ كالزواج والطلاق، فالموافقة على الزواج أو الطلاق هو إفصاح عن إرادة الشخص في قبول مركز تنظيمي هو مركز الزوجية طبقاً لما يحدده القانون (32).

الخاتمة:

انتهى هذا التقرير إلى حقيقة أنّ التصرف القانوني والواقعة القانونية هما مصدرا الحقوق جميعها؛ سواءٌ كانت شخصيّة ً أم عينيّةً أم ذهنيةً، وهما سببُ انقضائها أيضاً. وأنّ الواقعة القانونية واقعة مادية، ونشوء الالتزام وانتقاله وانقضائه ليست سوى آثار قانونية تترتب على وقائع أو تصرفات قانونية.

نحن بحاجة لبناء نظرية عامة للالتزام يكون مصدرا الالتزام فيها كما أشار الفقيه السنهوري هما التصرف القانوني والواقعة القانونية.

الاقتباسات:

1- د. محمد حنون جعفر، نحو تبني التقسيم الثلاثي لمصادر الالتزام في القانون المدني العراقي (دراسة مقارنة)، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، المجلد 10، العدد 38، العام 2021، ص 496.

2- د. منذر الفضل، الوسيط في شرح القانون المدني، مصادر الالتزامات وأحكامها، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2012، ص 20.

3- د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الأول، المجلد الأول، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، 2011، ص 140.

4- المرجع السابق، ص 124.

5- المرجع السابق، ص 122.

6- لسان العرب، لللإمام العللاّمة جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور اللأنصاري، المجلد العاشر، دار صادر ـ دار بيروت، بيروت،1995، ص 49.

7- د. بلحاج العربي، معالم نظرية الحق في الفقه اللإسللامي، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية اللاقتصادية السياسية، الجزء 32، رقم 22، 1995، ص 436 – 438.

8- سورة اللأعراف، اللآية 44.

9- سورة يس، اللآية 7.

10- سورة الروم، اللآية 47.

11- سورة المؤمنون، اللآية 71.

12- د. عبد الفتاح عبد الباقي، نظرية الحق، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، 1965، ص 8.

13- د. شفيق شحاته، محاضرات في النظرية العامة للحق، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة، 1949، ص9.

14- د. أحمد محمود الخولي، نظرية الحق بين الفقه اللإسللامي والقانون الوضعي، دار السللام، القاهرة، الطبعة اللأولى، 2003، ص 109-110.

15- المرجع السابق، ص110.

16- د. رمضان أبو السعود، النظرية العامة للحق، دار الجامعة الجديدة للنشر، اللإسكندرية، 2005، ص 406.

17 د. أحمد محمود الخولي، مرجع سابق، ص 110-111.

18- د. رمضان أبو السعود، مرجع سابق، ص 459.

19- المرجع السابق، ص 459.

20- د. محمد حنون جعفر، مرجع سابق، ص 512.

21- المرجع السابق، ص 530.

22- د. نبيل سعد، المدخل إلى القانون، نظرية الحق، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ط1، 2010، ص 255.

23- د. عبد الرزاق السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، الأجزاء 1-2-3، مؤسسة التاريخ العربي ودار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، ط1، 1997، ص 52.

24 د. عبد الرزاق السنهوري، التصرف القانوني والواقعة القانونية، دروس لقسم الدكتوراه سنة 1953-1954، مطبعة البرلمان، مصر، ص 56.

25 د. نبيل سعد، مرجع سابق، ص 256.

26- د. رمضان أبو السعود، مرجع سابق، ص 460.

27- د. محمد إبراهيم بنداري، الوجيز في مصادر اللالتزام في قانون المعامللات المدنية العماني، اللأجيال،2020، ص 286-290.

28- المرجع السابق، ص 364-367.

29- د. غالب علي الداوودي، المدخل إلى علم القانون، دار وائل للنشر، اللأردن، الطبعة السابعة، 2007، ص 297.

30- د. رمضان أبو السعود، مرجع سابق، ص 461.

31- د. عبد الرزاق السنهوري، التصرف القانوني والواقعة القانونية، مرجع سابق، ص 123. 32- د. رمضان أبو السعود، مرجع سابق، ص 462- 464.

قائمة المصادر

أولاً - المعاجم:

لسان العرب، للإمام العلاّمة جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأنصاري، المجلد العاشر، دار صادر ـ دار بيروت، بيروت،1995.

ثانياً – الكتب القانونية المتخصصة:

د. أحمد محمود الخولي، نظرية الحق بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، دار السلام، القاهرة، الطبعة الأولى، 2003.

د. بلحاج العربي، معالم نظرية الحق في الفقه الإسلامي، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية الاقتصادية السياسية، الجزء 32، رقم 22، 1995.

د. رمضان أبو السعود، النظرية العامة للحق، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2005.

د. شفيق شحاته، محاضرات في النظرية العامة للحق، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة، 1949.

د. عبد الرزاق السنهوري، التصرف القانوني والواقعة القانونية، دروس لقسم الدكتوراه سنة 1953-1954، مطبعة البرلمان، مصر.

د. عبد الرزاق السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، الأجزاء 1-2-3، مؤسسة التاريخ العربي ودار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، ط1، 1997.

د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الأول، المجلد الأول، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، 2011.

د. عبد الفتاح عبد الباقي، نظرية الحق، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، 1965.

د. غالب علي الداوودي، المدخل إلى علم القانون، دار وائل للنشر، الأردن، الطبعة السابعة، 2007.

د. محمد إبراهيم بنداري، الوجيز في مصادر الالتزام في قانون المعاملات المدنية العماني، الأجيال،2020.

د. منذر الفضل، الوسيط في شرح القانون المدني، مصادر الالتزامات وأحكامها، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2012.

د. نبيل سعد، المدخل إلى القانون، نظرية الحق، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ط1، 2010.

ثالثاً – الدوريات العلميّة:

د. محمد حنون جعفر، نحو تبني التقسيم الثلاثي لمصادر الالتزام في القانون المدني العراقي (دراسة مقارنة)، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، المجلد 10، العدد 38، العام 2021.