فلسفة يونانية: الفرق بين النسختين

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
[مراجعة غير مفحوصة][مراجعة غير مفحوصة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
سطر 1: سطر 1:
تركز الفلسفة الإغريقية على السبب والتحقق. ويقول [[فيلسوف|الفلاسفة]] المعاصرون أنها تعتبر أساسا للفلسفة الغربية منذ إنشائها.
نشأت وتأسست الفلسفة اليونانية في القرن السادس قبل الميلاد واستمرت خلال الفترة [[هلنستية|الهلنستية]]، وتناولت مجموعة واسعة من المواضيع، بما في ذلك الفلسفة السياسية، والأخلاق، [[ميتافيزيقيا|والميتافيزيقيا]]، علم الوجود، [[منطق|والمنطق]]، وعلم الأحينتهتءخت اء والبلاغة، وعلم الجمال.
العديد من الفلاسفة اليوم اعترفوا بأن "الفلسفة الغربية ليست سوى سلسلة من حواشي [[أفلاطون]]."


لذا كان تفكير الإنسان القديم أسطوريا ينبني على الميتوس في تفسير الظواهر الكونية و[[الوجودية]]، وتفكيرا شاعريا يعتمد على الخيال والمجاز الإحيائي، فإن تفسير الإنسان اليوناني كان تفكيرا عقلانيا يعتمد على البرهان الذهني والمنطق الاستدلالي واللوغوس في فهم الوجود وتفسيره. وإذا كان فيتاغورس هو أول من أطلق كلمة فيلسوف على المشتغل بالحكمة، فإن سقراط هو أول من اظهر الفسلفة . وقد ظهرت الفلسفة كما هو معلوم في [[اليونان]] ونضجت بالخصوص في عاصمتها [[أثينا]] ما بين القرنين: السادس والرابع قبل الميلاد مكتوبة ب[[اللغة الإغريقية]] مستهدفة فهم الكون والطبيعة والإنسان وتشخيص سلوكه الأخلاقي والمجتمعي والسياسي وإرساء مقومات المنهج العلمي والبحث الفلسفي والمنطقي
تمثل الفلسفة اليونانية، في تاريخ الفلسفة الغربية، اللحظة الأولى في تطور الفكر الفلسفي. ومن وجهة نظر كرونولوجية، تم تعريف هذه المرحلة بالفترة التي تبدأ من القرن السابع قبل الميلاد حتى انتهاء [[أكاديمية أثينا]] في ال [[529]] وفقا لمرسوم [[جستنيان]].


== مسائل الفلسفة اليونانية ==
== نشأة الفلسفة الإغريقية ==
=== العوامل التاريخية ===
كجزء من الفلسفة اليونانية تم مناقشة وفحص، بنتائج مختلفة، ثلاث قضايا مختلفة:
ظهرت [[الحضارة الإغريقية]] في بلاد اليونان الكبرى مكتملة الوجود ما بين القرنين الخامس والتاسع قبل الميلاد، وتوحدت كثير من القبائل والمدن داخل كيان الأمة اليونانية بعد أن كانت متفرقة في جزر[[بحر إيجه]] و[[آسيا الصغرى]] ومنطقة [[البلقان]] وشبه جزيرة المورة وجنوب [[إيطاليا]] و[[صقلية]]. وقد أطلق على اليونانيين تسمية [[الإغريق]] من قبل [[الرومان]] ؛لأنهم كانوا يتكلمون الإغريقية، أما هم فقد كانوا يسمون أنفسهم الآخيين ثم الهلينيين.
# [[علم الوجود]] ، أي تعريف المبادئ الأولية حيث يمكن إعادة أصل واستمرارية كل واقع؛
# [[نظرية المعرفة]] أي تعريف معايير صلاحية وحدود المعرفة، وخاصة فيما يتعلق بمشكلة الحقيقة؛
# [[أخلاقيات|الأخلاقيات]] أي دراسة نقدية للسلوك البشري تهدف إلى التعريف بالسلوك الأفضل والأحكم الذي يجب أو يجوز للإنسان اتباعه.


وقد مرت [[الحضارة الإغريقية]] بثلاث مراجل كبرى: العصر الهلنستي ابتداء من 300 ق.م مرورا بالعصر الكلاسيكي الذي يعد أزهى العصور اليونانية في عهد الحاكم الديمقراطي بركليس ،ويمتد هذا العصر من القرن 350 إلى 500 ق.م ليعقبه العصر الأرخي وهو عصر الطغاة والمستبدين الذين حكموا أثينا بالاستبداد ناهيك عن الحكم الإسبرطي العسكري الذي سن سياسة التوسع والهيمنة على جميع مناطق اليونان، كما مد سلطة نفوذه المطلق على أثينا.
بطبيعة الحال، هذه القضايا ليست الوحيدة التي شغلت فكر اليونانيون، في الواقع، بعض المفكرين حولوا انتباههم إلى [[علم الكون]]، [[رياضيات|والرياضيات]]... الخ، ولكن يمكن الافتراض بشكل معقول أن النقاط المركزية للتفكير اليوناني هي الثلاثة المذكورة أعلاه. وتجدر الإشارة إلى أنه تم تعريف هذه المفاهيم: نظرية المعرفة، علم الوجود والأخلاق، في مراحل لاحقة من [[تاريخ الفلسفة]]، لا سيما في [[عصور وسطى|العصور الوسطى]] [[عصور حديثة|والحديثة]].


وإذا كانت إسبرطة دولة عسكرية منغلقة على نفسها تهتم بتطوير قدرات جيشها على القتال والاستعداد الدائم لخوض المعارك والحروب، فإن أثينا كانت هي المعجزة الإغريقية تهتم بالجوانب الفكرية والثقافية والاقتصادية. وستعرف أثينا في عهد بريكليس نظاما ديمقراطيا مهما أساسه احترام الدستور وحقوق المواطن اليوناني. وإليكم نصا خطابيا لبركليس يشرح فيه سياسته في الحكم:” إن دستورنا مثال يحتذى، ذلك أن إدارة دولتنا توجد في خدمة الجمهور وليست في صالح الأقلية كما هو الحال لدى جيراننا، لقد اختار نظامنا الديمقراطية.
== تاريخ الفلسفة اليونانية ==
في هذا القسم سوف نذكر، بالنسبة للاتجاهات الفلسفية والتاريخية، التطورات الرئيسية للفلسفة اليونانية. لمزيد من التفاصيل من الممكن الاطلاع على مناصري المدارس الفكرية في مقال [[فلسفة قديمة|الفلسفة القديمة]].


فبخصوص الخلافات التي تنشأ بين الأفراد فإن العدالة مضمونة بالنسبة للجميع، ويضمنها القانون، وفيما يخص المساهمة في تسيير الشأن العام، فلكل مواطن الاعتبار الذي يناله حسب الاستحقاق، ولانتمائه الطبقي أهمية أقل من قيمته الشخصية، ولايمكن أن يضايق أحد بسبب فقره أو غموض وضعيته الاجتماعية”.
== الفكر اليوناني القديم ==
{{طالع أيضاً|فلسفة ما قبل سقراط}}


وتتميز المدن اليونانية بأنها دول مستقلة لها أنظمتها السياسية والاقتصادية وقوانينها الخاصة في التدبير والتسيير والتنظيم، ومن أهم هذه المدن/ الدول أثينا وإسبرطة.
[[ملف:Anaximander.jpg|تصغير|يمين|[[أناكسيماندر]]، تفصيل من لوحة مدرسة أثينة لـرافاييل]]
تقليديا، يرجع أصل الفلسفة الغربية إلى الفكر اليوناني القديم، وعلى وجه الخصوص إلى سلسلة من التعديلات التاريخية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي كما وضح جان بييرفيرنانت في تفسيره لأصول الفكر اليوناني، التي تبدأ حول القرن السابع قبل الميلاد في عملية علمنة تدريجية ل[[نشأة الكون]] و[[علم الأساطير]] من [[هوميروس]] و[[هسيود]]. في نفس الوقت، ومع ذلك، فإنه لا يزال من الصعب الفصل بين الفكر المعرفي ونوع من التدين المخفي الذي يتم التعبير عنه من خلال [[الأورفكريون]] وأسرار ال .<ref>Cfr.: Ugo Bianchi, A. Motte e AA.VV., ''Trattato di antropologia del sacro'', Jaca Book, Milano 1992, ISBN 978-88-16-40298-0.</ref>


=== العوامل الاقتصادية ===
من ناحية نشأت الحاجة إلى تفكير أكثر استقلالا للمبادئ التي تكمن وراء الظواهر الطبيعية. هذه الحاجة تدفع المفكرين الأوائل، ولا سيما من [[المدرسة الميلسية]] (Milesian School)، ابتدأ من [[طاليس]] لوضع محورية في مسألة السفينة (Arche): باعتبارها العنصر البدائي الذي منه أتى كل شيء ؟. وما هي القوانين التي تحكم العلاقة بين العناصر البدائية؟. [[طاليس]] حدد هذا المبدأ الأول في الماء، [[أناكسيماندر]] في '''اللامتعين''' [[ابيرون|الابيرون]] (Apeiron)، [[أناكسيمينس من ميليتوس|أناكسيمينس]] (Anaximenes) في الهواء، وغيرهم من المفكرين، في وقت لاحق، اقترحوا افتراضات أخرى في هذا الصدد. وتجدر الإشارة هنا إلى ان الاهمية ليست في الاستنتاجات، التي توصلوا إليها هؤلاء المفكرين الأولين، ولكن في الجهود المبذولة للإجابة على الأسئلة حول الأصل ومعنى الواقع دون اللجوء إلى تفسيرات مبنية على الأساطير أو التقاليد. لأول مرة الملاحظة المباشرة للطبيعة وقدرة الإنسان الرشيدة تؤخذ في الاعتبار لما لها من استقلالية وتفوق.
عرفت اليونان نهضة كبرى في المجال الاقتصادي لكونها حلقة وصل بين الشرق والغرب، وكان لأثينا أسطول تجاري بحري يساعدها على الانفتاح والتبادل التجاري بين شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط. وقد ساهم اكتشاف المعادن في تطوير دواليب الاقتصاد اليوناني وخاصة الحديد الذي كان يصهر ويحول إلى أداة للتصنيع. كما نشطت صناعة النسيج والتعدين، وازدهرت الفلاحة كثيرا، وكان العبيد يسهرون على تفليح الأراضي وزرعها وسقيها وحصد المنتوج الزراعي، وأغلبهم من الأجانب يعيشون داخل المدن اليونانية في وضعية الرق والعبودية. وقد ساعد هذا الاقتصاد المتنامي على ظهور طبقات اجتماعية جديدة إلى جانب طبقة النبلاء كالتجار وأصحاب الصناعات وأرباب الحرف والملاحين الكبار. ونتج عن هذا الازدهار الاقتصادي رخاء مالي واجتماعي وسياسي وفكري، وتبلورت طبقة الأغنياء التي ستتنافس على مراتب الحكم والسلطة وتسيير مؤسسات الدولة التمثيلية لتسيير شؤون البلاد.


=== العوامل السياسية ===
من ناحية أخرى بشكل متزامن مع تأمل المفكرين الأوائل، نشأت الحاجة لإعادة النظر في العلاقة مع الألوهية ومعالجة قضايا الأخلاقيات المتعلقة بالطريقة التي يؤدي بها الإنسان وجوده والعلاقات مع ال"بوليس" (polis)، المدينة الدولة حيث النظام الملكي استبدل نظام المساواة لقوانين صممت لتكون الانعكاس الطبيعي للنظام الكوني. هذا الحاجة وجدت أول رد من ال[[حكماء الإغريق السبعة]]. في تأملات [[سفسطة|سفسطانية]] و[[سقراط]]ية وبعد سقراطية، لتصبح واحدة من فروع الفلسفة اليونانية الرئيسية.
لم تصل اليونان إلى حضارتها المزدهرة إلا في جو سياسي ملائم لانبثاق مقومات هذه الحضارة. فقد تخلصت الدولة المدينة وخاصة أثينا من النظام السياسي الأوليگاركي القائم على حكم الأقلية من نبلاء ورؤساء وشيوخ القبائل والعشائر الذين كانوا يملكون الإقطاعيات والأراضي الواسعة التي كان يشتغل فيها العبيد الأجانب. وثار الأغنياء اليونانيون الجدد على الأنظمة السياسية المستبدة كالنظام الوراثي والحكم القائم على الحق الإلهي أو الحق الأسري.


ومع انفتاح اليونان على شعوب البحر الأبيض المتوسط وازدهار التجارة البحرية ونمو الفلاحة والصناعة والحرف ظهرت طبقات جديدة كأرباب الصناعات والتجار الكبار والحرفيين وساهموا في ظهور النظام الديمقراطي وخاصة في عهد بريكليس وكليستين، ذلك النظام الحر الذي يستند إلى الدستور وحرية التعبير والتمثيل والمشاركة في الانتخابات على أساس المساواة الاجتماعية، بل كانت تخصص أجرة عمومية لكل من يتولى شؤون البلاد ويسهر على حل مشاكل المجتمع.
في المرحلة الأولى التفضيل كان متجهة نحو الجانب الكوني والوجودي؛ تأمل [[فيثاغورس]] في هذا الاتجاه، مثّل تطورا هاما، حيث أن أول محاولة لوصف الواقع وفقا لمعيار الحاجة، أو بالأحرى من خلال قوانين رياضية. الأمر يتعلق اتباع نهج يسعى إلى التحقق من علاقات الانسجام الغير مرئي باعتباره أساسا للكون، وهو نهج يقتصر على عدد قليل من الطقوس (Initiation) ذو الطابع المقدس لهذا المذهب. الذي يعتبر ان الأرقام هي مصدر المعرفة، وان الوحدة القياسية التي يُلمح لها ليست مجرد رقم ولكنها تشمل أيضا الكثير من الأشياء: رمزية وعليا. وهي العنصر الأساسي الذي ينحدر منها كل واقع آخر، وربما تستنج وفقا لسلسلة هندسية رياضية صارمة، حيث العنصر النوعي والتأملي يفوق العنصر الكمي. بعض جوانب فلسفة فيثاغورس وخاصة في علم الكونيات، لقت تطورات لاحقة في فكر [[أفلاطون]].


=== العوامل الجغرافية ===
مع محاولة التحقق من الجهة الروحانية كان هناك جهد بعض الفلاسفة في تحرير البحث الوجودي عن العناصر البدائية من تقاليد التفكير الديني. من هذه المحاولات النقدية، المتجهة بالتحديد نحو [[مذهب التأنيس]] (Anthropomorphism)، مثلا تفكير الفيلسوف [[كزينوفانيس]] أعطي المقدمة لاهم التطورات في [[انثروبولوجيا|الانثروبولوجيا]] اليونانية. المتمثلة في تفكير [[المدرسة الإيلية]] (Eleatics) و[[بارمنيدس]] (Parmenides)، الذي يعارض تفكير الفلاسفة الأوائل. الذين وضعوا المسلمات لعناصر بدائية مختلفة كتفسير لمفهوم المتغير (Becoming). ويعارض أيضا [[هرقليطس]]، الذي عرف الواقع كمنتج الزامي ومستمر للقوانين المتضادة، متقبلا بهذا التعددية والتناقضية كمعطى للوضع الموجود وليس كأخطاء في التفكير.
كانت اليونان في القديم من أهم دول البحر الأبيض المتوسط لكونها مهد المدنية والحضارة والحكمة ومرتع العقل والمنطق الإنساني. وإذا استعدنا جغرافيا اليونان إبان ازدهارها فهي تطل جنوبا على جزيرة كريت العظيمة، ويحيطها شرقا بحر إيجة وآسيا الوسطى التي كانت تمد اليونان بمعالمها الحضارية وثقافات الشرق، وفي الغرب عبر أيونيا تقع إيطاليا وصقلية وإسبانيا، وفي الشمال تقع مقدونيا وهي عبارة عن شعوب غير متحضرة.


وتتشكل اليونان على مستوى التضاريس من جبال شاهقة وهضاب مرتفعة وسواحل متقطعة ووديان متقعرة. وقد قسمت هذه التضاريس بلاد اليونان إلى أجزاء منعزلة وقطع مستقلة ساهمت في تبلور المدن التي كانت لها أنظمة خاصة في الحكم وأساليب معينة في التدبير الإداري والتسيير السياسي. وتحولت المدينة اليونانية إلى مدينة الدولة في إطار مجتمع متجانس وموحد ومتعاون. وتحيط بكل مدينة سفوح الجبال والأراضي الزراعية، وكانت من أشهر المدن اليونانية أثينا وإسبارطة.
[[ملف:Heraclitus, Johannes Moreelse.jpg|تصغير|[[هرقليطس]] لـ Johannes Moreelse]]


وكانت أثينا مهد الفلسفة اليونانية وتقع في شرق إسبارطة، وموقعها متميز واستراتيجي؛ لأنها الباب الذي يخرج منه اليونانيون إلى مدن آسيا الصغرى، وعبر هذه المدن كانت تنقل حضارة الشرق إلى بلاد اليونان. ومن أهم ركائز أثينا اعتمادها على مينائها وأسطولها البحري. وبين عامي470-490 قبل المسيح ستترك أثينا وإسبرطة صراعيهما وتتوحدان عسكريا لمحاربة الفرس تحت حكم داريوس الذي كان يستهدف استعمار اليونان وتحويلها إلى مملكة تابعة للإمبراطورية الفارسية. ولكن اليونان المتحدة والفتية استطاعت أن تلحق الهزيمة بالجيش الفارسي. وقد شاركت أثينا في هذه الحرب الضروس بأسطولها البحري، بينما قدمت إسبارطة جيشها القوي، وبعد انتهاء الحرب سرحت إسبارطة جيوشها وحولت أثينا أسطولها العسكري إلى أسطول تجاري، ومن ثم أصبحت [[أثينا]] من أهم المدن التجارية في حوض [[البحر الأبيض المتوسط]].
أما فلاسفة اليا فاعتبروا ان الإنسان مميز وان إحساسه لا يمكن ان يقوده إلى المعرفة. وفقط من خلال التفكير يمكنه التحرر من الخبرة الحسية والوصول إلى حقيقة الوجود، بطريقة منفصلة عن أراء متطرفة عن الظواهر الكونية.


هذا، وقد عرفت أثينا نشاطا فكريا وفلسفيا كبيرا بفضل الموقع الجغرافي والنشاط التجاري ونظامها السياسي الديمقراطي وتمتع الأثيني بالحريات الخاصة والعامة وإحساسه بالمساواة والعدالة الاجتماعية في ظل هذا الحكم الجديد. وفي هذا يقول ول ديورانت:” كانت أثينا الباب الذي يخرج منه اليونانيون إلى مدن آسيا الصغرى، فأصبحت أثينا إحدى المدن التجارية العظيمة في العالم القديم، وتحولت إلى سوق كبيرة وميناء ومكان اجتماع الرجال من مختلف الأجناس والعادات والمذاهب وحملت خلافاتهم واتصالاتهم ومنافساتهم إلى أثينا التحليل والتفكير… وبالتدريج تطور التجار بالعلم، وتطور الحساب بتعقيد التبادل التجاري، وتطور الفلك بزيادة مخاطر الملاحة، وقدمت الثروة المتزايدة والفراغ والراحة والأمن الشروط اللازمة في البحث والتأمل والفكر”.<ref>[44] ^ ''بداية الفيزياء وعلم الفلك''، ص. 55-6</ref>
موقف [[بارمنيدس]]، المتأثر من فكر فيثاغورس، أصبح ذو أهمية كبيرة في تطوير الفلسفة. بالفعل [[إيمبيدوكليس]] (Empedocles) شكك بأطروحة أحاديه الكينونة، واقترح أطروحة تعددية، بتحديد أربعة عناصر أساسية مثل جذور لكل تطور (becoming)، من خلال اثنين من الدوافع الأساسية: الحب والكراهية. ولاحقا [[أناكساغوراس]] (Anaxagoras) تطرف في أطروحة إيمبيدوكليس، بحجة أن الذكاء الكوني، الذي عرفّه بالمصطلح نوس (Nùs)، يديره تطور مستمر ابتدأ من عدد لانهائي من العناصر البسيطة المسمية omeomerie (ما يسمى بذور أنكساغوراس، وهذا أي الجزيئات التي تشكل الكون وكل شيء).


=== العوامل الفكرية ===
فقط بعمل الذريين: [[ديموقريطس]] و[[ليوكيبوس]]، التعددية المادية وصلت إلى تبعية وتطرف أكبر. مع ديموقريطس، الكينونة التي افترضها بارمنيدس، واحدة وبسيطة، تفككت إلى تعدد عدد لانهائي من الذرات، والتي تحتفظ فقط بخاصية واحدة: عدم القسمة، ولكن هذه الذرات هي عناصر بسيطة من الكون المدرك ماديا، حيث تم استبعاد أية نهاية.
ومع ازدهار الاقتصاد ودمقراطية الحكم السياسي وانفتاح الدولة على شعوب البحر الأبيض المتوسط وانصهار الثقافات انتعشت اليونان ثقافيا وفكريا وتطورت الآداب والفنون والعلوم. ففي مجال الأدب نستحضر الشاعر هوميروس الذي كتب ملحمتين خالدتين: الإلياذة والأوديسة، ونذكر كذلك أرسطو الذي نظر لفن الشعر والبلاغة والدراما التراجيدية في كتابيه: ” فن الشعر” و” فن الخطابة”. وتطور المسرح مع سوفكلوس ويوربيديس وأسخيلوس وأريستوفان، وانتعش التاريخ مع هيرودوت و[[توسيديد]] والتشريع مع الحكيم سولون، وتطور الطب مع أبقراط أب الأطباء، والرياضيات مع طاليس والمدرسة الفتاغورية، دون أن ننسى ظهور [[الألعاب الأولمبية]] مع البطل الأسطوري [[هرقل]]، وتطور الفلسفة مع الحكماء السبعة والفلاسفة الكبار كسقراط وأفلاطون وأرسطو.<ref>[http://www.doroob.com/?p=15781 الدروب]</ref>


== ظهور الفلسفة اليونانية ==
في جدل كامل مع هيكل الفلسفة الوجودية ما قبل سقراط، سواء أحادية أو تعددية، السفسطائيون وجهوا تفكيرهم نحو إلى قضايا أخلاقية، ولا سيما إلى استحالة تحديد قيم مشتركة لجميع الرجال. وفي هذا الخلاف مع السفسطة وجد سقراط وما بعده من الفلاسفة اليونان، أسس للقيم الإنسانية والمعرفة.
لم تظهر الفلسفة اليونانية في البداية إلا في مدينة ملطية الواقعة على ضفاف آسيا الصغرى حيث أقام الأيونيون مستعمرات غنية مزدهرة. وفي هذه المدينة ظهر كل من [[طاليس]] وأنكسمندرس وأنكسمانس. وشكلوا مدرسة واحدة في الفلسفة وهي المدرسة الطبيعية أوالمدرسة الكسمولوجية. وتتسم هذه الفلسفة بكونها ذات طابع مادي ترجع أصل العالم إلى مبدإ حسي ملموس، ولا تعترف بوجود الإله الرباني كما سنجد ذلك عند فلاسفة الإسلام الذين اعتبروا أن العالم مخلوق من عدم وأن الله هو الذي خلق هذا الكون لاستخلاف الإنسان فيه. وبعد ذلك انتقلت الفلسفة اليونانية إلى المناطق الأخرى كأثينا وإيطاليا وصقلية أو ما سيشكل اليونان الكبرى.


و مرت الفلسفة اليونانية في مسارها الفكري بثلاث مراحل أساسية:
[[ملف:Being Parmenides.png|تصغير|الكينونة وفقا ل [[بارمنيدس]] : خالية من الشوائب ومتماثلة في كل أجزائها كم هي الكرة]]


1- طور النشأة أو مايسمى بفلسفة ماقبل سقراط،؛
== العصر الكلاسيكي: سقراط، أفلاطون، أرسطو ==
[[ملف:Gloeden, Wilhelm von (1856-1931) - n. 0027 r - Socrate alla fonte.jpg|تصغير|سقراط عند المنبع (صورة ل ويلهيلم فون Gloeden، 1902)]]
مع الأثيني سقراط (469-399 ق.م) الفلسفة اليونانية حققت نقلة نوعية لتصبح بحث يركز على الإنسان وعلى الحاجة إلى حقيقة كونية


2- طور النضج والازدهار ويمتد هذا الطور من سقراط حتى أرسطو؛
بحث سقراط، الذي في بعض النواحي يرتبط [[سفسطة|بالسفسطة]]، يتحرك في اتجاه يربط بين حب [[معرفة|المعرفة]] ومسالة الأخلاق (Ethics)، وذلك بهدف إنشاء أخلاقية عالمية.


3- طور الجمود والانحطاط وقد ظهر هذا الطور بعد أرسطو وأفلاطون وامتد حتى بداية العصور الوسطى.
في معارضة السفسطائيون رفض سقراط النسبوية (Relativism) [[عدمية|والعدمية]] (Gorgias)، سواء في الأخلاق أو في نظرية المعرفة (Epistemology)،
الحكيم الحقيقي، هو من يبدأ بضرورة القبول بجهله، وهو الذي يجعل نفسه موضوع المسالة الخاصة به، ويكون منفتح للمقارنة والمناقشة.
والحكيم هو الذي يسعى ويدري كيفية طرح الأسئلة وإثارتها في الآخرين. الشك السقراطي يهدف إلي الحقيقة بطريقة نزيه (أو بدون مغرض).
ولا يسعى للبحث عنها خارج نفسه، بل في جوهر كينونته، التي وصفها بانها "دايمون" (أي الشيطان، والتي تعني أيضا مزاج أو طابع).
الفلسفة بالنسبة له كعمل القبالة تماما، أو بالأحرى الفن الذي يضع الناس في موضع يمكنهم من توليد الحقيقة من الروح.


== الفلسفة الهلينيية ==
وصل إلى نتيجة انه لا يمكن فصل الخير عن المعرفة: لا يمكنك اتباع الخير ان لم تعرفه، إذا كنت تعرف ذلك. بينما سقراط ترك بحثه الفلسفي غير محدد ويكتنفه الغموض، تلميذه أفلاطون (427-347 ق.م) وصل إلى درجة أعلى من التأمل وعرّف الفكرة بالموضوع الحقيقي للمعرفة الإنسانية. هذه الفكرة كان يجب أن تحل ليس فقط مسألة "ماذا" نعرف التي أثارها سقراط، ولكن أيضا مواضيع الانقسام والاختلاف التي نشأت بين [[بارمنيدس]] و[[هيراكليتس]].
=== سقراط وافلاطون وأرسطو ===


== المدارس الفلسفية الإغريقية ==
في الواقع كان هناك حالات من السكون والاستقامة لبارمنيدس من ناحية، ولكنها كانت تشمل ال Being ل هيراكليتس: وهكذا، على سبيل المثال الأبيض والأسود تبقى مصطلحات متناقضة ومتعددة على مستوى حسي (جمالي وأخلاقي)، مع ذلك يمكن فهم الاختلاف عن طريق الوصول إلى القاسم المشترك بينهما، ألا وهو فكرة اللون. الفكرة هي الأصل (والهدف النهائي) للوصول سواء للحقيقة أو المعرفة لأنها النمط والنموذج الذي عملت منه الأشياء الواقعية ومن خلاله يمكن معرفتها. العملية العقلية التي تبدأ من الحساسية المتعددة إلى وضوح واحد، سماها أفلاطون الجدلية. التي هي الفلسفة نفسها، وشبهها بالحب، وفسرها بالتأمل الاجتماعي، واستخدمها في الحوار مع الشخصيات الأخرى. وظيفة هذا الحوار هي ظاهرية أكثر من أن تكون حقيقية، تسمح للفيلسوف بتوجيه بحثه بعيدا عن الأخطاء الناجمة عن المظهرية، مدفوع من الرغبة "الشهوانية" للوصول للمعرفه. الفكرة تتوج هذه العملية وتتجاوز التفاصيل الانتقالية للكيانات المحسوسة، على الرغم من أنها الأساس.
=== المدرسة الكوسمولوجية/ الطبيعة ===
ظهرت الفلسفة اليونانية أول ما ظهرت مع الحكماء الطبيعيين الذين بحثوا عن العلة الحقيقية للوجود الذي أرجعوه إلى أصل مادي، وكان ذلك في القرن السابع والسادس قبل الميلاد. وكانت فلسفتهم خارجية وكونية أساسها مادي أنطولوجي تهتم بفهم الكون وتفسيره تفسيرا طبيعيا وكوسمولوجيا باحثين عن أصل الوجود بما هو موجود.<ref>http://www.maktbtna2211.com/book/5419|الفلسفة اليونانية حتى أفلاطون</ref>


ويعد [[طاليس]] (560-548 ق.م) أول فيلسوف يوناني مارس الاشتغال الفلسفي، وهو من الحكماء السبعة ومن رواد المدرسة الملطية. وقد جمع بين النظر العلمي والرؤية الفلسفية، وقد وضع طريقة لقياس الزمن وتبنى دراسة الأشكال المتشابهة في الهندسة وخاصة دراسته للمثلثات المتشابهة، ولقد اكتشف البرهان الرياضي في التعامل مع الظواهر الهندسية والجبرية أو مايسمى بالكم المتصل والكم المنفصل. وإذا كان هناك من ينسب ظهور الرياضيات إلى فيتاغواس، فإن كانط يعد طاليس أول رياضي في كتابه” نقد العقل النظري”.
حاول أفلاطون حل المشكلة التي نشأت مع [[بارمنيدس]]، عن طبيعة [[كينونة|الكينونة]]. بارمنيدس قال ان الموجود يكون، والغير موجود لا يكون، ولكن بعيدا عن حشو الكلام لم يحدد ماذا هي هذه الكينونة. وبهذه الطريقة أصبح من المستحيل معرفتها، فهمها، أو التحدث إليها. أما أفلاطون باللجوء إلى عالم الفكار سعى إلى [[تشييء]] الكينونة، من اجل تحديد الأفكار وتنظيمها بشكل هرمي، من الكينونة الأدنى إلى الأقصى حتى الوصول إلى فكرة الخير العليا.


وعليه، ف[[طاليس]] يرجع أصل العالم في كتابه “عن الطبيعة” إلى الماء باعتباره العلة المادية الأولى التي كانت وراء خلق العالم. يؤكد طاليس أن” الماء هو قوام الموجودات بأسرها، فلا فرق بين هذا الإنسان وتلك الشجرة وذلك الحجر إلا الاختلاف في كمية الماء الذي يتركب منها هذا الشيء أو ذاك”.
هذا التسلسل الهرمي يسمح بالحصول على المعرفة، لأن المقارنة الجدلية بين حقائق مختلفة، بين ما هو أعلى (الكينونة) وما هو أدنى اللاكينونة) تجعل المعرفة ممكنة. مقارنة ببارمنيدس، الذي تصور ان الوجود والغير وجود منفصلان، متعارضان وغير متواصلين، أفلاطون اعترف بوجود انتقال تدريجي من الوجود تلى اللاوجود.


أما أنكسمندريس (610-545ق.م) تلميذ طاليس وأستاذ المدرسة المالطية فهو يرى أن أصل العالم مادي يكمن في اللامحدود أو اللامتناهي APEIRON، ويعني هذا أن العالم ينشأ عن اللامحدود ويتطور عن اللامتناهي. وقد تصور امتداد هذا اللامتناهي حتى ظهور [[الكائنات الحية]]. وقد آمن انكسمندريس بالصراع الجدلي وبنظرية التطور، وقد قال في هذا الصدد عبارته المشهورة:” إن العوالم يعاقب بعضها بعضا على الظلم الذي يحتويه كل منها”. ومن أهم كتبه الفلسفية ” عن الطبيعة”.
عند هذه النقطة ظهرت ازدواجية عالم الأفكار (Iperuranio) والعالم الدنيوي: مفهوم العالم المثالي، بالنسبة للبشر غير واع ونائم) يستيقظ من خلال التجربة الحسية. المعرفة هي تذكر ما كنا نعرف سابقا، ولكننا نسيناه. وقد عاشت هذه الازدواجية في نفس افلاطون أحيانا بتفاؤل وأحيانا بتشاؤم، لانها كانت تشمل ليس فقط المعرفة ولكن أيضا جوهر الأخلاق الإنسانية، وقد تجلت من خلال أساطير مثل المغارة والعربة، والإيروس الخ. التي تقدم الصعود أو العودة إلى الحقيقية والخير.


وفي المقابل ذهب إنكسمانس في كتابه “عن الطبيعة” يذهب إلى أن الهواء هو أصل الكون وعلة الوجود الأولى.
حتى في السياسة وضع أفلاطون هدف الكمال: الدولة يجب أن تنظم على أساس التقسيم إلى طبقات اجتماعية، متطابقة مع عناصر النفس البشرية (الرشد والفكر والشهوانية) واعترف أيضا بالمساواة بين الرجال والنساء.
فنان في التعبير الشعري، كان يهدف إلى خفض قيمة الفن الفلسفية، بسبب إنتاجها المقلد للطبيعة، والتي بدورها تقليد للفكرة.


وإذا انتقلنا إلى هرقليطس، فهو من مواليد 545ق.م ومؤلف كتاب”عن الطبيعة”، ولد في مدينة إفسوس ب[[آسيا الصغرى]] تبعد قليلا عن [[ملطية]]. وتنبني فلسفته على التغير والتحول، أي إن الكون أساسه التغير والصيرورة والتحول المستمر، فنحن حسب هرقليطس لانسبح في النهر مرتين، كما أثبت أن النار هي أساس الكون وعلة الوجود.
الفصل الصارم بين العالم المثالي والحقيقي، لأفلاطون، لم يعجب تلميذه [[أرسطو]] (384-322 قبل الميلاد)، والذي في معارضته للنظرية الافلاطونية، ساند حضورية الشمول. واعتبر الواقع ملخص للمادة والشكل، وهو في تطور مستمر ويحدث في المرور الازلي للكائنات الحية من القدرة إلى الفعل. الله وحده، المحرك الأساسي أو السبب الأول، والفعل الخالص ويحدد كيف تصبح جميع الهيئات الأخرى، ولهذا فهو ثابت. وفقا لأرسطو، كل واقع يملك في نفسة أسباب وجودة بطريقة ما وليس بطريقة أخرى. وهنا أرسطو يقدم مفهوم الجوهر، أي الركيزة التي هي دائما مطابقة لنفسها مستقلة عن المظهر الخارجي.


أما بارمندس (من مواليد سنة 540 ق.م) فقد نشأ في مدينة [[إيليا]] بمنطقة جنوب [[إيطاليا]] وصقلية، وترتكز نظريته الفلسفية على الثبات والسكون كما هو موضح في كتابه “عن الطبيعة”، أي إن الوجود هو ثابت وساكن ومناقض للصائر والمتغير، ومن ثم فبارميندس فيلسوف الوجود الثابت وقد كتب فلسفته في قصيدة شعرية وقد قال : الوجود كائن واللاوجود غير كائن”. ومن هنا نستنتج أن أصل الكون الحقيقي عند بارمندس هو الوجود.
وبالمثل، الأشكال الثلاثة الممكنة للحياة السياسية للدولة (النظام الملكي، الأرستقراطية، والديمقراطية) يجب ان تبتعد عن التطرف وانحطاطاته : الطغيان، والأوليغارشية (حكومة الاقلية) وحكومة الدهماء.


أما أمبادوقليس فقد ولد في مدينة أجريجينتا بجزيرة [[صقلية]]، وعاش في النصف الثاني من [[القرن الخامس]] قبل الميلاد، وتوفي تقريبا في عام 435 ق.م، وكانت ولادته على وجه التقريب في 490 ق.م، ومن مؤلفاته كتاب “التطهيرات” وهو أقرب إلى كتاب الأساطير والمعاني الدينية منها إلى الفكر العلمي، وألف قصيدة فلسفية في قالب شعري “حول الطبيعة” على غرار قصيدة بارمنديس.
الاختلافات مع أفلاطون، على الرغم من أهميتها، لم تؤد إلى معارضة راديكالية، لأن أرسطو أيضا أعطى أهمية كبيرة للتفكير المنهجي وأشكال الكونية، ويدرك ديناميكية الكائن)كممر من القدرة إلى العمل) وليس ثابت ومعارض للغير كائن. اقترح أرسطو في نهاية المطاف حل مختلف لنفس المشكلة المتعلقة في كيفية التوفيق بين اختلافات بارمنيدس وهيراكليتس، بين البقاء والتحول (essere e divenire). وأيضا تصور أرسطو لل[[أخلاقيات]] كان مشابه لسقراط وأفلاطون، أي السعي وراء الفضيلة، والمواقف التي يجب أن يتبعها الإنسان ليعيش سعيدا. وكان يجعل القيمة متزامنة مع الكينونة: كلما الواقع حقق سبب وجوده كلما استحق فيمة أكبر. كان ينصح الرجال "بالتوسط": فقط باستخدام التوازن والاعتدال، يمكن للشخص أن يصبح متناغم وسعيدا. وبالمثل، الأشكال الثلاثة المحتملة للدولة (النظام الملكي، الأرستقراطية، والديمقراطية) يجب أن يبتعدوا عن التطرف لتجنب الطغيان، الأوليغارشية، والدهامة ز


ويثبت أنبادوقليس أن الكون أصله الأسطقسات الأربعة: (النار والهواء والماء والأرض والتراب). وقد أضاف العنصر الخامس وهو أميل إلى اللطف والسرعة وهو الأثير. وكل عنصر من هذه العناصر تعبر عن [[آلهة أسطورية]] خاصة.
== انظر ايضاً ==
*[[أفلاطونية]]
*[[أفلاطونية محدثة]]
*[[اخلاقيات]]
*[[حسنات وسيئات|مفهوم الخير والشر]]


ويذهب أكزينوفانوس المتوفى سنة 480ق.م إلى أن أصل الكون هو التراب أو الأرض.
== مصادر ==
{{مراجع}}


وقد ذهب أنكساجوراس إلى أن أصل الكون هو عدد لا نهاية له من العناصر أو البذور يحركها عقل رشيد بصير.
== وصلات خارجية ==
* [http://archifia.blogspot.com/ عمارة وفلسفة]


أما المذهب الذري الذي يمثله كل من ديمقريطيس ولوقيبوس فيرى أن أصل العالم هو الذرات.


ويلاحظ على المدرسة الطبيعة أنها مدرسة مادية تهتم بالطبيعة من منظار كوني، ويتميز المنهج التحليلي عندهم بالخلط بين العقل والأسطورة والشعر والتحليل الميتافيزيقي.
{{تصنيف كومنز|Philosophers from Greece}}
* [[إمبادوقليس والعناصر الأربعة الأولى]] :
{{مواضيع اليونان القديمة}}
* نشأ [[إمبادوقليس]] أو [[أمبيدوكل]] في اغرفينتا من صقلية، عاش بين 483-442 قبل الميلاد، وكان من [[فلاسفة الطبيعة]]. عُرف بأنه شاعر وخطيب وسياسي ونبيّ مرشد، وهو من أشهر الفلاسفة السابقين لسقراط. أحاط نفسه بهالةٍ من الأساطير تشبه ما اكتنف حياة [[فيثاغورس]] وكان يدّعي القيام بالمعجزات كإيقافه انتشار الطاعون. من الجدير بالذكر أنَّ هذه الهالة تسببت بوجود العديد من الروايات حول حياته الموسومة بطابع من الألوهيّة أو السحر. يبدو هذا الأمر جلياً في القصص التي أحاطت بموته على وجه التحديد من خلال أطوار درامية مُختلفة. لعلَّ أشهرها هو رميه لنفسه بفوهة بُركان إتنا.
{{فلسفة أوروبا}}
أن تكون من [[فلاسفة الطبيعة]] فهذا يعني أن تهتم بأصل المواد وطبيعتها. فبين نظريات الـ شيء والـ لا شيء تنضوي أعمال فلاسفة الطبيعة.
{{مواضيع الفلسفة}}
ماذا قدم امبادوقليس للفلسفة؟
{{شريط بوابات|فلسفة|اليونان القديم}}
عاصر امبادوقليس نظريات [[بارميندس]] و[[هيراقليطس]] المُتناقضة. فمن جهة رأى بارميندس أن لا شيء يتغير، وأن لا شيء يُخلق من لا شيء، وما ليس موجوداً لا يمكن قط أن يُصبح موجوداً. الشيء الذي جعله لا يؤمن بحواسه ورأى أن العقل مصدر كل شيء، أما الحواس التي تعاين تغير الأشياء من حولها فهي خادعة.
{{ضبط استنادي}}
على الجهة الأخرى كانت أفكار هيراقليطس تؤمن بالحواس التي تشعر بالمتغيرات. كما أنه كان واثقاً من أنَّ كل شيء يتغير باستمرار، وكل ما يحيط بنا يتحرك، وما من شيء خالد.
أثار هذا التناقض أزمة فلسفية حادة، إلى أن جاء دور امبادوقليس ليحرر الفلسفة من هذا المأزق، حيث قال بأنَّ كلاً من بارميندس وهيراقليطس على حقّ في بعض آرائهم، وعلى باطل في بعضها الآخر.
حيث يرى امبيدوقليس أن المشكلة كلها تصب في الفكرة القائمة على أن جوهراً واحداً كان في الأصل كل شيء. ففي هذه الحالة، تتسع الهوّة بين ما يقوله لنا العقل من جهة، وبين ما تراه أعيننا وتشعر به حواسنا من جهة أخرى. فالطيور لا يمكن أن تتحول إلى هواء على سبيل المثال. والماء العذب في الأنهار يبقى عذباً رغم اتصاله المباشر بالمياه المالحة للبحار. هكذ نراه يتفق مع مبدأ بارميندس الذي يقول بأن ما من شيء يتحوّل. لكن امبيدوقليس آمن برأي هيراقليطس الذي يدعو من خلاله بضرورة الثقة في الحواس، وبأن نؤمن بما تراه أعيننا التي دوماً تُعاين تغيرات الطبيعة.
اعتبر امبادوقليس في فلسفته أنّ ثمة عدداً من الجواهر الثابتة الخالدة وكل شيء في العالم يفسّر بانضمام هذه الجواهر بعضها إلى بعض وانفصال بعضها عن بعض، فلا حدوث ولا فناء بل كل شيء يرجع إلى اتحاد الجواهر وافتراقها، حيث قال:
"لا يولد الفانون ولا يموت واحدهم موتاً مشؤوماً، ذلك أنّه لا يوجد سوى امتزاج الأشياء الممتزجة وافتراقها وهذا ما يسميه الناس ولادةً وموتاً."
لا شكّ أنّ [[الجواهر]] ([[أصول الأشياء]]) الّتي اقترحها امبادوقليس هي التراب والماء والهواء والنار وهذه [[الجواهر]] ثابتة في ذاتها ومتساوية فيما بينها. تنشأ الأشياء والأشكال من انضمام هذه الجواهر أو افتراقها بمقادير مختلفة (نسبة كل مادة من هذه المواد إلى بعضها داخل كل شيء)، وعندما يموت كائنٌ حي ما، فإن [[العناصر الأربعة]] الموجودة ضمنه تبدأ بالانفصال عنه دون أن يطرأ عليها أي تحول. فالعناصر الأساسية تبقى أبداً كما هي.

مالذي يجعل أعيننا ترى الاختلاف في الطبيعة؟
تبعاً لامبادوقليس فإن عيوننا مؤلفّة من [[العناصر الجوهرية الأربعة]] ككل شيء آخر في الطبيعة. وكل عنصر في العين يدرك مثيله في الطبيعة... فالتراب الذي في العين يُبصر التراب الذي في الطبيعة والماء الذي في العين يُبصر الماء الذي الطبيعة... وهكذا..
مالذي يجعل شيئاً ما جميلاً وآخر قبيحاً؟ سؤال يبدو للوهلة الأولى سهلاً! ولكن دائماً ما تكون أكثر الأسئلة بساطة أشدها صعوبة في الواقع.
يرى امبادوقليس أن هناك قوّتان كبيرتان هما قوة المحبة وقوة الكراهية؛ هاتان القوتان تعملان على جمع العناصر المتشابهة وعلى تفريقها، وهذه العناصر (الجواهر) ينجم عنها ما في العالم من نظام وخير وجمال. تفرّق الكراهية شملها فينشأ عنها الاضطراب والشرّ والقبح.
أكّد امبادوقليس أنّ خصومة المحبة والكراهية تتبع نظاماً رياضيّاً حيث أنّ علاقتهما تتوزّع بين أربعة أدوار، في الدّور الأول تكون السيادة مطلقة لمبدأ المحبة وفي الدور الثاني (دور الانتقال)، تنتقل السيادة من المحبة إلى الكراهية، وفي الدور الثالث يسود مبدأ الكراهية سيادة مطلقة. وفي الدور الرابع يعود الانتقال من الكراهية إلى المحبة.
لم يغفل امبادوقليس عن التأكيد على أنّ قوّة المحبة هي الّتي ستفوز في النهاية وعندئذٍ يجتمع الضدان في كلٍّ واحد.
امبادوقليس هو حكيمٌ بالاعتبار الأول. يحيط فكره بمعرفة عصره من جميع جوانبه ويقرّب عناصر هذه المعرفة بعضها من بعض ويمزجها مزجاً فيقوم بينها اتساقٌ وتناغمٌ وانسجام فتنجم عن هذه الموسيقى الروحية تقاليد فكرٍ فلسفيّ تكاملت عبر العقول والعصور.
تميّز الفلاسفة بتمييزهم ما يجب أن يتعلق به الإنسان وهذا ما حمل الطمأنينة إلى نفوسهم وجعلهم يفوزون بالفهم، فهم الواقع بأسره، ليقوموا فيما بعد بتعميق هذا الفهم لإنتاج [[الفلسفة]].

=== المدرسة الفيثاغورية/ العقل والمنهج العلمي ===
{{مفصلة|فيثاغورية}}
تنسب المدرسة الفيتاغورية إلى العالم الرياضي اليوناني الكبير [[فيثاغورس]] الذي يعد أول من استعمل كلمة فيلسوف، وكانت بمعنى حب الحكمة، أما الحكمة فكانت لاتنسب سوى للآلهة. ويذهب فيتاغورس إلى أن العالم عبارة عن أعداد رياضية، كما أن الموجودات عبارة عن أعداد، وبالتالي فالعالم الأنطولوجي عنده عدد ونغم. وتتسم الفيتاغورية بأنها مذهب ديني عميق الرؤية والشعور، كما أنها مدرسة علمية تعنى بالرياضيات والطب والموسيقا والفلك.<ref name="garrison9293">{{Harvnb|Garrison|1966|p=92–93}}</ref><ref name="nuland5">{{Harvnb|Nuland|1988|p=5}}</ref> وقد طرحت الفيتاغورية كثيرا من القضايا الحسابية والهندسية موضع نقاش وتحليل. كما أن الفيتاغورية هيئة سياسية تستهدف تنظيم المدينة /الدولة على أيدي الفلاسفة الذين يحتكمون إلى العقل والمنهج العلمي.

=== المدرسة السفسطائية /القائمة على الشك ===
ظهرت المدرسة السفسطائية في القرن الخامس قبل الميلاد بعدما أن انتقل المجتمع الأثيني من طابع زراعي إقطاعي مرتبط بالقبيلة إلى مجتمع تجاري يهتم بتطوير الصناعات وتنمية الحرف والاعتماد على الكفاءة الفردية والمبادرة الحرة. وأصبح المجتمع في ظل صعود هذه الطبقة الاجتماعية الجديدة (رجال التجارة وأرباب الصناعات) مجتمعا ديمقراطيا يستند إلى حرية التعبير والاحتكام إلى المجالس الانتخابية والتصويت بالأغلبية. ولم يعد هناك ما يسمى بالحكم الوراثي أو التفويض الإلهي، بل كل مواطن حر له الحق في الوصول إلى أعلى مراتب السلطة. لذلك سارع أبناء الأغنياء لتعلم فن الخطابة والجدل السياسي لإفحام خصومهم السياسيين. وهنا ظهر السفسطائيون ليزودوا هؤلاء بأسلحة الجدل والخطابة واستعمال بلاغة الكلمة في المرافعات والمناظرات الحجاجية والخطابية. وقد تحولت الفلسفة إلى وسيلة لكسب الأرباح المادية ولاسيما أن أغلب المتعلمين من طبقة الأغنياء.

ومن أهم الفلاسفة السفسطائيين نذكر جورجياس وكاليكيس و[[بروتاغوراس]]. وقد سبب هذا التيار الفلسفي القائم على الشك والتلاعب اللفظي وتضييع الحقيقة وعدم الاعتراف بها في ظهور الفيلسوف [[سقراط]] الذي كان يرى أن الحقيقة يتم الوصول إليها ليس بالظن والشك والفكر السفسطائي المغالطي، بل بالعقل والحوار الجدلي التوليدي واستخدام اللوجوس والمنطق.

=== المدرسة السقراطية/ادراك الحقيقة ===
[[ملف:socrates.png|thumb|150px|يسار|[[سقراط]] فيلسوف أثينا (470 ق.م- 399 ق.م)]]
يعد [[سقراط]] (486-399 م) أب الفلاسفة اليونانيين، وقد أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض. ويعني هذا أن الحكماء الطبيعيين ناقشوا كثيرا من القضايا التي تتعلق بالكون وأصل الوجود وعلته الحقيقية التي كانت وراء انبثاق هذا العالم وهذا الوجود الكوني. وعندما ظهر سقراط غير مجرى الفلسفة فحصرها في أمور الأرض وقضايا الإنسان والذات البشرية فاهتم بالأخلاق والسياسة. وقد ثار على السفسطائيين الذين زرعوا الشك والظن ودافع عن الفلسفة باعتبارها المسلك العلمي الصحيح للوصول إلى الحقيقة وذلك بالاعتماد على العقل والجدل التوليدي والبرهان المنطقي. والهدف من الفلسفة لدى سقراط هو تحقيق الحكمة وخدمة الحقيقة لذاتها، وليس الهدف وسيلة أو معيارا خارجيا كما عند السفسطائيين الذين ربطوا الفلسفة بالمكاسب المادية والمنافع الذاتية والعملية. وكان [[سقراط]] ينظر إلى الحقيقة في ذات الإنسان وليس في العالم الخارجي، وما على الإنسان إلا أن يتأمل ذاته ليدرك الحقيقة ،لذالك قال قولته المأثورة :” أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك”.

=== المدرسة المثالية الأفلاطونية ===
جاء [[أفلاطون]] بعد سقراط ليقدم تصورا فلسفيا عقلانيا مجردا ولكنه تصور مثالي ؛ لأنه أعطى الأولوية للفكر والعقل والمثال بينما المحسوس لا وجود له في فلسفته المفارقة لكل ماهو نسبي وغير حقيقي. ولأفلاطون نسق فلسفي متكامل يضم تصورات متماسكة حول الوجود والمعرفة والقيم.

وقد قسم أفلاطون العالم الأنطولوجي إلى قسمين: العالم المثالي والعالم المادي، فالعالم المادي هو عالم متغير ونسبي ومحسوس. وقد استشهد أفلاطون بأسطورة الكهف ليبين بأن العالم الذي يعيش فيه الإنسان هو عالم غير حقيقي، وأن العالم الحقيقي هو عالم المثل الذي يوجد فوقه الخير الأسمى والذي يمكن إدراكه عن طريق التأمل العقلي والتفلسف. فالطاولة التي نعرفها في عالمنا المحسوس غير حقيقية، أما الطاولة الحقيقية فتوجد في العالم المثالي. وتوجد المعرفة الحقيقية في عالم المثل الذي يحتوي على حقائق مطلقة ويقينية وكلية، أما معرفة العالم المادي فهي نسبية تقريبية وجزئية وسطحية، كما تدرك المعرفة في عالم المثل عن طريق التفلسف العقلاني، ومن هنا، فالمعرفة حسب أفلاطون تذكر والجهل نسيان. ويعني هذا أننا كلما ابتعدنا عن العالم المثالي إلا وأصابنا الجهل، لذا فالمعرفة الحقيقية أساسها إدراك عالم المثل وتمثل مبادئه المطلقة الكونية التي تتعالى عن الزمان والمكان. ومن ثم، فأصل المعرفة هو العقل وليس التجربة أو الواقع المادي الحسي الذي يحاكي عالم المثال محاكاة مشوهة.

وعلى مستوى الأكسيولوجيا، فجميع القيم الأخلاقية من خير وجمال وعدالة نسبية في عالمنا المادي، ومطلقة حقيقية في عالم المثل المطلق والأزلي.

ويؤسس أفلاطون في ”الجمهورية الفاضلة” مجتمعا متفاوتا وطبقيا، إذ وضع في الطبقة الأولى الفلاسفة والملوك واعتبرهم من طبقة الذهب، بينما في الطبقة الثانية وضع الجنود وجعلهم من طبقة الفضة، أما الطبقة السفلى فقد خصصها للعبيد وجعلهم من طبقة الحديد؛ لأنهم أدوات الإنتاج والممارسة الميدانية. ويعني هذا أن أفلاطون كان يأنف من ممارسة الشغل والعمل اليدوي والممارسة النفعية، وكان يفضل إنتاج النظريات وممارسة الفكر المجرد. كما طرد أفلاطون الشعراء من جمهوريته الفاضلة؛ لأنهم يحاكون العالم النسبي محاكاة مشوهة، وكان عليهم أن يحاكوا عالم المثل بطريقة مباشرة دون وساطة نسبية أو خادعة تتمثل في محاكاة العالم الوهمي بدل محاكاة العالم الحقيقي.

وهكذا يتبين لنا أن فلسفة أفلاطون فلسفة مثالية مفارقة للمادة والحس، تعتبر عالم المثل العالم الأصل بينما العالم المادي هو عالم زائف ومشوه وغير حقيقي. كما تجاوز أفلاطون المعطى النظري الفلسفي المجرد ليقدم لنا تصورات فلسفية واجتماعية وسياسية في كتابه” جمهورية افلاطون”. ويلاحظ أيضا أن التصور الأفلاطوني يقوم على عدة ثنائيات: العالم المادي في مقابل العالم المثالي، وانشطار الإنسان إلى روح من أصل سماوي وجسد من جوهر مادي، وانقسام المعرفة إلى معرفة ظنية محسوسة في مقابل معرفة يقينية مطلقة. وعلى المستوى الاجتماعي، أثبت أفلاطون أن هناك عامة الناس وهم سجناء الحواس الظنية والفلاسفة الذين ينتمون إلى العالم المثالي لكونهم يتجردون من كل قيود الحس والظن وعالم الممارسة.

=== مدرسة أرسطو المادية ===
يعد أرسطو فيلسوفا موسوعيا شاملا، وكانت فلسفته تنفتح على كل ضروب المعرفة والبحث العلمي، إذ يبحث في الطبيعة والميتافيزيقا والنفس وعلم الحياة والسياسة والشعر وفن الخطابة والمسرح. وقد وضع المنطق الصوري الذي كان له تأثير كبير على كثير من الفلاسفة إلى أن حل محله المنطق الرمزي مع برتراند راسل ووايتهاد.

يذهب [[أرسطو]] إلى أن العالم الحقيقي هو العالم الواقعي المادي، أما العالم المثالي فهو غير موجود. وأن الحقيقة لا توجد سوى في العالم الذي نعيش فيه وخاصة في الجواهر التي تدرك عقلانيا. ولا توجد الحقيقة في الأعراض التي تتغير بتغير الأشكال. أي إن الحقيقي هو الثابت المادي، أما غير الحقيقي فهو المتغير المتبدل. ولقد أعطى أرسطو الأولوية لما هو واقعي ومادي على ماهو عقلي وفكري. ومن هنا عد أرسطو فيلسوفا ماديا اكتشف العلل الأربع: العلة الفاعلة والعلة الغائية والعلة الصورية الشكلية والعلة المادية. فإذا أخذنا الطاولة مثالا لهذه العلل الأربع، فالنجار يحيل على العلة الفاعلة والصانعة، أما الخشب فيشكل ماهية الطاولة وعلتها المادية، أما صورة الطاولة فهي العلة الصورية الشكلية، في حين تتمظهر العلة الغائية في الهدف من استعمال الطاولة التي تسعفنا في الأكل والشرب.

=== المدرسة الرواقيةالاخلاقية ===
تعتمد المدرسة الرواقية التي ظهرت بعد فلسفة أرسطو على إرساء فن الفضيلة ومحاولة اصطناعها في الحياة العملية، ولم تعد الفلسفة تبحث عن الحقيقة في ذاتها، بل أصبحت معيارا خارجيا تتجه إلى ربط الفلسفة بالمقوم الأخلاقي، وركز الكثيرون دراساتهم الفلسفية على خاصية الأخلاق كما فعل سنيكا الذي قال:” إن الفلسفة هي البحث عن الفضيلة نفسها، وبهذا تتحقق السعادة التي تمثلت في الزهد في اللذات ومزاولة التقشف والحرمان”. وقد تبلور هذا الاتجاه الفلسفي الأخلاقي بعد موت أرسطو وتغير الظروف الاجتماعية والسياسية حيث انصرف التفكير في الوجود إلى البحث في السلوك الأخلاقي للإنسان.

هذا، وقد ارتبطت المدرسة الرواقية بالفيلسوف [[زينون]] (336-264ق.م) الذي اقترنت الفلسفة عنده بالفضيلة واستعمال العقل من أجل الوصول إلى السعادة الحقيقية. وتعد الفلسفة عند الرواقيين مدخلا أساسيا للدخول إلى المنطق والأخلاق والطبيعة. وقد كان المنطق الرواقي مختلفا عن المنطق الأرسطي الصوري، وقد أثر منطقهم على الكثير من الفلاسفة والعلماء.

=== المدرسة الإپيقورية الاخلاقية العملية ===
تنسب الفلسفة الأبيقورية إلى [[إبيقور]] (341-270 ق.م)، وتتميز فلسفته بصبغة أخلاقية عملية، وترتبط هذه الفلسفة باللذة والسعادة الحسية. وتسعى الفلسفة في منظور هذه المدرسة إلى الحصول على السعادة باستعمال العقل التي هي غاية الفلسفة يخدمها المنطق وعلم الطبيعة. أي إن المنطق هو الذي يسلم الإنسان إلى اليقين الذي به يطمئن العقل والذي بدوره يؤدي إلى تحقيق السعادة. ويهدف علم الطبيعة إلى تحرير الإنسان من مخاوفه وأحاسيسه التي تثير فيه الرعب. ويعني هذا أن الفلسفة لابد أن تحرر الإنسان من مخاوفه وقلقه والرعب الذي يعيشه في الطبيعة بسبب الظواهر الجوية والموت وغير ذلك.

=== المدرسة الإسكندرية ===
انتقلت الفلسفة إلى مدينة الإسكندرية التي بناها [[الإسكندر المقدوني]] إبان العصر الهيليني، وكانت مشهورة بمكتبتها العامرة التي تعج بالكتب النفيسة في مختلف العلوم والفنون والآداب. ومن أشهر علماء هذه المدرسة أقليديس وأرخميديس واللغوي الفيلولوجي إيراتوستن. وقد انتعشت هذه المدرسة في القرون الميلادية الأولى وامتزجت بالحضارة الشرقية مع امتداد الفكر الديني والوثني وانتشار الأفكار الأسطورية والخرافية والنزعات الصوفية.

ومن مميزات هذه المدرسة التوفيق بين آراء أفلاطون المثالية وأرسطو المادية، والتشبع بالمعتقدات الدينية المسيحية واليهودية والأفكار الوثنية من زرادشتية ومانوية وبوذية، والفصل بين العلم والفلسفة بعد ظهور فكرة التخصص المعرفي.، والاهتمام بالتصوف والتجليات العرفانية والغنوصية والانشغال بالسحر والتنجيم والغيبيات والإيمان بالخوارق.

وقد تشبعت الفلسفة الأفلاطونية بهذا المزيج الفكري الذي يتجسد في المعتقدات الدينية والمنازع [[الصوفية]] وآراء [[الوثنية]]، فنتج عنها فلسفة غربية امتزجت بالطابع الروحاني الشرقي، وذلك من أجل التوفيق بين الدين والفلسفة. بيد أن الذين كانوا يمارسون عملية التوفيق كانوا يعتقدون أنهم يوفقون بين أرسطو وأفلاطون، ولكنهم كانوا في الحقيقة يوفقون بين أفلاطون وأفلوطين؛ مما أعطى هجينا فكريا يعرف بالأفلوطينية الجديدة. ومن أشهر فلاسفة المدرسة الإسكندرية نستحضر كلا من فيلون وأفلوطين الذين كانت تغلب عليهما النزعة الدينية والتصور المثالي في عملية التوفيق. وتتميز فلسفة أفلوطين بكونها عبارة عن” مزيج رائع فيه قوة وأصالة بين آراء أفلاطون والرواقيين وبين الأفكار الهندية والنسك الشرقي والديانات الشعبية المنتشرة آنذاك.

والطابع العام لفلسفته هو غلبة الناحية الذاتية فيها على الناحية الموضوعية، فهي فلسفة تمتاز بعمق الشعور الصوفي والمثالية الأفلاطونية ووحدة الوجود الرواقية، وكلها عناصر يقوي بعضها بعضا ويشد بعضها بأزر بعض، حتى لتخال وأنت تقراها كأنك أمام شخص لا خبرة له بالعالم الموضوعي أو يكاد. فالمعرفة عنده وعند شيعته تبدأ من الذات وتنتهي إلى الله دون أن تمر بالعالم المحسوس؛ هذه المعرفة الذاتية الباطنية هي كل شيء عندهم”.

== المصادر ==
{{مراجع}}

== وصلات خارجية ==
* [http://www.adath-shalom.ca/greek_influence.htm تأثير الثقافة اليونانية على اليهودية المعيارية في الفترة الهلنستية ]
{{شريط بوابات|فلسفة}}


[[تصنيف:تاريخ الأفكار]]
[[تصنيف:ثقافة غربية]]
[[تصنيف:فلسفة إغريقية]]
[[تصنيف:فلسفة إغريقية]]
[[تصنيف:فلسفة حسب المنطقة]]
[[تصنيف:فلسفة حسب المنطقة]]
[[تصنيف:فلسفة غربية حسب البلد]]
[[تصنيف:ثقافة غربية]]
[[تصنيف:فلسفة قديمة]]
[[تصنيف:تاريخ الأفكار]]
[[تصنيف:فلاسفة إغريق]]

نسخة 14:42، 22 أكتوبر 2017

تركز الفلسفة الإغريقية على السبب والتحقق. ويقول الفلاسفة المعاصرون أنها تعتبر أساسا للفلسفة الغربية منذ إنشائها.

لذا كان تفكير الإنسان القديم أسطوريا ينبني على الميتوس في تفسير الظواهر الكونية والوجودية، وتفكيرا شاعريا يعتمد على الخيال والمجاز الإحيائي، فإن تفسير الإنسان اليوناني كان تفكيرا عقلانيا يعتمد على البرهان الذهني والمنطق الاستدلالي واللوغوس في فهم الوجود وتفسيره. وإذا كان فيتاغورس هو أول من أطلق كلمة فيلسوف على المشتغل بالحكمة، فإن سقراط هو أول من اظهر الفسلفة . وقد ظهرت الفلسفة كما هو معلوم في اليونان ونضجت بالخصوص في عاصمتها أثينا ما بين القرنين: السادس والرابع قبل الميلاد مكتوبة باللغة الإغريقية مستهدفة فهم الكون والطبيعة والإنسان وتشخيص سلوكه الأخلاقي والمجتمعي والسياسي وإرساء مقومات المنهج العلمي والبحث الفلسفي والمنطقي

نشأة الفلسفة الإغريقية

العوامل التاريخية

ظهرت الحضارة الإغريقية في بلاد اليونان الكبرى مكتملة الوجود ما بين القرنين الخامس والتاسع قبل الميلاد، وتوحدت كثير من القبائل والمدن داخل كيان الأمة اليونانية بعد أن كانت متفرقة في جزربحر إيجه وآسيا الصغرى ومنطقة البلقان وشبه جزيرة المورة وجنوب إيطاليا وصقلية. وقد أطلق على اليونانيين تسمية الإغريق من قبل الرومان ؛لأنهم كانوا يتكلمون الإغريقية، أما هم فقد كانوا يسمون أنفسهم الآخيين ثم الهلينيين.

وقد مرت الحضارة الإغريقية بثلاث مراجل كبرى: العصر الهلنستي ابتداء من 300 ق.م مرورا بالعصر الكلاسيكي الذي يعد أزهى العصور اليونانية في عهد الحاكم الديمقراطي بركليس ،ويمتد هذا العصر من القرن 350 إلى 500 ق.م ليعقبه العصر الأرخي وهو عصر الطغاة والمستبدين الذين حكموا أثينا بالاستبداد ناهيك عن الحكم الإسبرطي العسكري الذي سن سياسة التوسع والهيمنة على جميع مناطق اليونان، كما مد سلطة نفوذه المطلق على أثينا.

وإذا كانت إسبرطة دولة عسكرية منغلقة على نفسها تهتم بتطوير قدرات جيشها على القتال والاستعداد الدائم لخوض المعارك والحروب، فإن أثينا كانت هي المعجزة الإغريقية تهتم بالجوانب الفكرية والثقافية والاقتصادية. وستعرف أثينا في عهد بريكليس نظاما ديمقراطيا مهما أساسه احترام الدستور وحقوق المواطن اليوناني. وإليكم نصا خطابيا لبركليس يشرح فيه سياسته في الحكم:” إن دستورنا مثال يحتذى، ذلك أن إدارة دولتنا توجد في خدمة الجمهور وليست في صالح الأقلية كما هو الحال لدى جيراننا، لقد اختار نظامنا الديمقراطية.

فبخصوص الخلافات التي تنشأ بين الأفراد فإن العدالة مضمونة بالنسبة للجميع، ويضمنها القانون، وفيما يخص المساهمة في تسيير الشأن العام، فلكل مواطن الاعتبار الذي يناله حسب الاستحقاق، ولانتمائه الطبقي أهمية أقل من قيمته الشخصية، ولايمكن أن يضايق أحد بسبب فقره أو غموض وضعيته الاجتماعية”.

وتتميز المدن اليونانية بأنها دول مستقلة لها أنظمتها السياسية والاقتصادية وقوانينها الخاصة في التدبير والتسيير والتنظيم، ومن أهم هذه المدن/ الدول أثينا وإسبرطة.

العوامل الاقتصادية

عرفت اليونان نهضة كبرى في المجال الاقتصادي لكونها حلقة وصل بين الشرق والغرب، وكان لأثينا أسطول تجاري بحري يساعدها على الانفتاح والتبادل التجاري بين شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط. وقد ساهم اكتشاف المعادن في تطوير دواليب الاقتصاد اليوناني وخاصة الحديد الذي كان يصهر ويحول إلى أداة للتصنيع. كما نشطت صناعة النسيج والتعدين، وازدهرت الفلاحة كثيرا، وكان العبيد يسهرون على تفليح الأراضي وزرعها وسقيها وحصد المنتوج الزراعي، وأغلبهم من الأجانب يعيشون داخل المدن اليونانية في وضعية الرق والعبودية. وقد ساعد هذا الاقتصاد المتنامي على ظهور طبقات اجتماعية جديدة إلى جانب طبقة النبلاء كالتجار وأصحاب الصناعات وأرباب الحرف والملاحين الكبار. ونتج عن هذا الازدهار الاقتصادي رخاء مالي واجتماعي وسياسي وفكري، وتبلورت طبقة الأغنياء التي ستتنافس على مراتب الحكم والسلطة وتسيير مؤسسات الدولة التمثيلية لتسيير شؤون البلاد.

العوامل السياسية

لم تصل اليونان إلى حضارتها المزدهرة إلا في جو سياسي ملائم لانبثاق مقومات هذه الحضارة. فقد تخلصت الدولة المدينة وخاصة أثينا من النظام السياسي الأوليگاركي القائم على حكم الأقلية من نبلاء ورؤساء وشيوخ القبائل والعشائر الذين كانوا يملكون الإقطاعيات والأراضي الواسعة التي كان يشتغل فيها العبيد الأجانب. وثار الأغنياء اليونانيون الجدد على الأنظمة السياسية المستبدة كالنظام الوراثي والحكم القائم على الحق الإلهي أو الحق الأسري.

ومع انفتاح اليونان على شعوب البحر الأبيض المتوسط وازدهار التجارة البحرية ونمو الفلاحة والصناعة والحرف ظهرت طبقات جديدة كأرباب الصناعات والتجار الكبار والحرفيين وساهموا في ظهور النظام الديمقراطي وخاصة في عهد بريكليس وكليستين، ذلك النظام الحر الذي يستند إلى الدستور وحرية التعبير والتمثيل والمشاركة في الانتخابات على أساس المساواة الاجتماعية، بل كانت تخصص أجرة عمومية لكل من يتولى شؤون البلاد ويسهر على حل مشاكل المجتمع.

العوامل الجغرافية

كانت اليونان في القديم من أهم دول البحر الأبيض المتوسط لكونها مهد المدنية والحضارة والحكمة ومرتع العقل والمنطق الإنساني. وإذا استعدنا جغرافيا اليونان إبان ازدهارها فهي تطل جنوبا على جزيرة كريت العظيمة، ويحيطها شرقا بحر إيجة وآسيا الوسطى التي كانت تمد اليونان بمعالمها الحضارية وثقافات الشرق، وفي الغرب عبر أيونيا تقع إيطاليا وصقلية وإسبانيا، وفي الشمال تقع مقدونيا وهي عبارة عن شعوب غير متحضرة.

وتتشكل اليونان على مستوى التضاريس من جبال شاهقة وهضاب مرتفعة وسواحل متقطعة ووديان متقعرة. وقد قسمت هذه التضاريس بلاد اليونان إلى أجزاء منعزلة وقطع مستقلة ساهمت في تبلور المدن التي كانت لها أنظمة خاصة في الحكم وأساليب معينة في التدبير الإداري والتسيير السياسي. وتحولت المدينة اليونانية إلى مدينة الدولة في إطار مجتمع متجانس وموحد ومتعاون. وتحيط بكل مدينة سفوح الجبال والأراضي الزراعية، وكانت من أشهر المدن اليونانية أثينا وإسبارطة.

وكانت أثينا مهد الفلسفة اليونانية وتقع في شرق إسبارطة، وموقعها متميز واستراتيجي؛ لأنها الباب الذي يخرج منه اليونانيون إلى مدن آسيا الصغرى، وعبر هذه المدن كانت تنقل حضارة الشرق إلى بلاد اليونان. ومن أهم ركائز أثينا اعتمادها على مينائها وأسطولها البحري. وبين عامي470-490 قبل المسيح ستترك أثينا وإسبرطة صراعيهما وتتوحدان عسكريا لمحاربة الفرس تحت حكم داريوس الذي كان يستهدف استعمار اليونان وتحويلها إلى مملكة تابعة للإمبراطورية الفارسية. ولكن اليونان المتحدة والفتية استطاعت أن تلحق الهزيمة بالجيش الفارسي. وقد شاركت أثينا في هذه الحرب الضروس بأسطولها البحري، بينما قدمت إسبارطة جيشها القوي، وبعد انتهاء الحرب سرحت إسبارطة جيوشها وحولت أثينا أسطولها العسكري إلى أسطول تجاري، ومن ثم أصبحت أثينا من أهم المدن التجارية في حوض البحر الأبيض المتوسط.

هذا، وقد عرفت أثينا نشاطا فكريا وفلسفيا كبيرا بفضل الموقع الجغرافي والنشاط التجاري ونظامها السياسي الديمقراطي وتمتع الأثيني بالحريات الخاصة والعامة وإحساسه بالمساواة والعدالة الاجتماعية في ظل هذا الحكم الجديد. وفي هذا يقول ول ديورانت:” كانت أثينا الباب الذي يخرج منه اليونانيون إلى مدن آسيا الصغرى، فأصبحت أثينا إحدى المدن التجارية العظيمة في العالم القديم، وتحولت إلى سوق كبيرة وميناء ومكان اجتماع الرجال من مختلف الأجناس والعادات والمذاهب وحملت خلافاتهم واتصالاتهم ومنافساتهم إلى أثينا التحليل والتفكير… وبالتدريج تطور التجار بالعلم، وتطور الحساب بتعقيد التبادل التجاري، وتطور الفلك بزيادة مخاطر الملاحة، وقدمت الثروة المتزايدة والفراغ والراحة والأمن الشروط اللازمة في البحث والتأمل والفكر”.[1]

العوامل الفكرية

ومع ازدهار الاقتصاد ودمقراطية الحكم السياسي وانفتاح الدولة على شعوب البحر الأبيض المتوسط وانصهار الثقافات انتعشت اليونان ثقافيا وفكريا وتطورت الآداب والفنون والعلوم. ففي مجال الأدب نستحضر الشاعر هوميروس الذي كتب ملحمتين خالدتين: الإلياذة والأوديسة، ونذكر كذلك أرسطو الذي نظر لفن الشعر والبلاغة والدراما التراجيدية في كتابيه: ” فن الشعر” و” فن الخطابة”. وتطور المسرح مع سوفكلوس ويوربيديس وأسخيلوس وأريستوفان، وانتعش التاريخ مع هيرودوت وتوسيديد والتشريع مع الحكيم سولون، وتطور الطب مع أبقراط أب الأطباء، والرياضيات مع طاليس والمدرسة الفتاغورية، دون أن ننسى ظهور الألعاب الأولمبية مع البطل الأسطوري هرقل، وتطور الفلسفة مع الحكماء السبعة والفلاسفة الكبار كسقراط وأفلاطون وأرسطو.[2]

ظهور الفلسفة اليونانية

لم تظهر الفلسفة اليونانية في البداية إلا في مدينة ملطية الواقعة على ضفاف آسيا الصغرى حيث أقام الأيونيون مستعمرات غنية مزدهرة. وفي هذه المدينة ظهر كل من طاليس وأنكسمندرس وأنكسمانس. وشكلوا مدرسة واحدة في الفلسفة وهي المدرسة الطبيعية أوالمدرسة الكسمولوجية. وتتسم هذه الفلسفة بكونها ذات طابع مادي ترجع أصل العالم إلى مبدإ حسي ملموس، ولا تعترف بوجود الإله الرباني كما سنجد ذلك عند فلاسفة الإسلام الذين اعتبروا أن العالم مخلوق من عدم وأن الله هو الذي خلق هذا الكون لاستخلاف الإنسان فيه. وبعد ذلك انتقلت الفلسفة اليونانية إلى المناطق الأخرى كأثينا وإيطاليا وصقلية أو ما سيشكل اليونان الكبرى.

و مرت الفلسفة اليونانية في مسارها الفكري بثلاث مراحل أساسية:

1- طور النشأة أو مايسمى بفلسفة ماقبل سقراط،؛

2- طور النضج والازدهار ويمتد هذا الطور من سقراط حتى أرسطو؛

3- طور الجمود والانحطاط وقد ظهر هذا الطور بعد أرسطو وأفلاطون وامتد حتى بداية العصور الوسطى.

الفلسفة الهلينيية

سقراط وافلاطون وأرسطو

المدارس الفلسفية الإغريقية

المدرسة الكوسمولوجية/ الطبيعة

ظهرت الفلسفة اليونانية أول ما ظهرت مع الحكماء الطبيعيين الذين بحثوا عن العلة الحقيقية للوجود الذي أرجعوه إلى أصل مادي، وكان ذلك في القرن السابع والسادس قبل الميلاد. وكانت فلسفتهم خارجية وكونية أساسها مادي أنطولوجي تهتم بفهم الكون وتفسيره تفسيرا طبيعيا وكوسمولوجيا باحثين عن أصل الوجود بما هو موجود.[3]

ويعد طاليس (560-548 ق.م) أول فيلسوف يوناني مارس الاشتغال الفلسفي، وهو من الحكماء السبعة ومن رواد المدرسة الملطية. وقد جمع بين النظر العلمي والرؤية الفلسفية، وقد وضع طريقة لقياس الزمن وتبنى دراسة الأشكال المتشابهة في الهندسة وخاصة دراسته للمثلثات المتشابهة، ولقد اكتشف البرهان الرياضي في التعامل مع الظواهر الهندسية والجبرية أو مايسمى بالكم المتصل والكم المنفصل. وإذا كان هناك من ينسب ظهور الرياضيات إلى فيتاغواس، فإن كانط يعد طاليس أول رياضي في كتابه” نقد العقل النظري”.

وعليه، فطاليس يرجع أصل العالم في كتابه “عن الطبيعة” إلى الماء باعتباره العلة المادية الأولى التي كانت وراء خلق العالم. يؤكد طاليس أن” الماء هو قوام الموجودات بأسرها، فلا فرق بين هذا الإنسان وتلك الشجرة وذلك الحجر إلا الاختلاف في كمية الماء الذي يتركب منها هذا الشيء أو ذاك”.

أما أنكسمندريس (610-545ق.م) تلميذ طاليس وأستاذ المدرسة المالطية فهو يرى أن أصل العالم مادي يكمن في اللامحدود أو اللامتناهي APEIRON، ويعني هذا أن العالم ينشأ عن اللامحدود ويتطور عن اللامتناهي. وقد تصور امتداد هذا اللامتناهي حتى ظهور الكائنات الحية. وقد آمن انكسمندريس بالصراع الجدلي وبنظرية التطور، وقد قال في هذا الصدد عبارته المشهورة:” إن العوالم يعاقب بعضها بعضا على الظلم الذي يحتويه كل منها”. ومن أهم كتبه الفلسفية ” عن الطبيعة”.

وفي المقابل ذهب إنكسمانس في كتابه “عن الطبيعة” يذهب إلى أن الهواء هو أصل الكون وعلة الوجود الأولى.

وإذا انتقلنا إلى هرقليطس، فهو من مواليد 545ق.م ومؤلف كتاب”عن الطبيعة”، ولد في مدينة إفسوس بآسيا الصغرى تبعد قليلا عن ملطية. وتنبني فلسفته على التغير والتحول، أي إن الكون أساسه التغير والصيرورة والتحول المستمر، فنحن حسب هرقليطس لانسبح في النهر مرتين، كما أثبت أن النار هي أساس الكون وعلة الوجود.

أما بارمندس (من مواليد سنة 540 ق.م) فقد نشأ في مدينة إيليا بمنطقة جنوب إيطاليا وصقلية، وترتكز نظريته الفلسفية على الثبات والسكون كما هو موضح في كتابه “عن الطبيعة”، أي إن الوجود هو ثابت وساكن ومناقض للصائر والمتغير، ومن ثم فبارميندس فيلسوف الوجود الثابت وقد كتب فلسفته في قصيدة شعرية وقد قال : الوجود كائن واللاوجود غير كائن”. ومن هنا نستنتج أن أصل الكون الحقيقي عند بارمندس هو الوجود.

أما أمبادوقليس فقد ولد في مدينة أجريجينتا بجزيرة صقلية، وعاش في النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد، وتوفي تقريبا في عام 435 ق.م، وكانت ولادته على وجه التقريب في 490 ق.م، ومن مؤلفاته كتاب “التطهيرات” وهو أقرب إلى كتاب الأساطير والمعاني الدينية منها إلى الفكر العلمي، وألف قصيدة فلسفية في قالب شعري “حول الطبيعة” على غرار قصيدة بارمنديس.

ويثبت أنبادوقليس أن الكون أصله الأسطقسات الأربعة: (النار والهواء والماء والأرض والتراب). وقد أضاف العنصر الخامس وهو أميل إلى اللطف والسرعة وهو الأثير. وكل عنصر من هذه العناصر تعبر عن آلهة أسطورية خاصة.

ويذهب أكزينوفانوس المتوفى سنة 480ق.م إلى أن أصل الكون هو التراب أو الأرض.

وقد ذهب أنكساجوراس إلى أن أصل الكون هو عدد لا نهاية له من العناصر أو البذور يحركها عقل رشيد بصير.

أما المذهب الذري الذي يمثله كل من ديمقريطيس ولوقيبوس فيرى أن أصل العالم هو الذرات.

ويلاحظ على المدرسة الطبيعة أنها مدرسة مادية تهتم بالطبيعة من منظار كوني، ويتميز المنهج التحليلي عندهم بالخلط بين العقل والأسطورة والشعر والتحليل الميتافيزيقي.

  • إمبادوقليس والعناصر الأربعة الأولى :
  • نشأ إمبادوقليس أو أمبيدوكل في اغرفينتا من صقلية، عاش بين 483-442 قبل الميلاد، وكان من فلاسفة الطبيعة. عُرف بأنه شاعر وخطيب وسياسي ونبيّ مرشد، وهو من أشهر الفلاسفة السابقين لسقراط. أحاط نفسه بهالةٍ من الأساطير تشبه ما اكتنف حياة فيثاغورس وكان يدّعي القيام بالمعجزات كإيقافه انتشار الطاعون. من الجدير بالذكر أنَّ هذه الهالة تسببت بوجود العديد من الروايات حول حياته الموسومة بطابع من الألوهيّة أو السحر. يبدو هذا الأمر جلياً في القصص التي أحاطت بموته على وجه التحديد من خلال أطوار درامية مُختلفة. لعلَّ أشهرها هو رميه لنفسه بفوهة بُركان إتنا.

أن تكون من فلاسفة الطبيعة فهذا يعني أن تهتم بأصل المواد وطبيعتها. فبين نظريات الـ شيء والـ لا شيء تنضوي أعمال فلاسفة الطبيعة. ماذا قدم امبادوقليس للفلسفة؟ عاصر امبادوقليس نظريات بارميندس وهيراقليطس المُتناقضة. فمن جهة رأى بارميندس أن لا شيء يتغير، وأن لا شيء يُخلق من لا شيء، وما ليس موجوداً لا يمكن قط أن يُصبح موجوداً. الشيء الذي جعله لا يؤمن بحواسه ورأى أن العقل مصدر كل شيء، أما الحواس التي تعاين تغير الأشياء من حولها فهي خادعة. على الجهة الأخرى كانت أفكار هيراقليطس تؤمن بالحواس التي تشعر بالمتغيرات. كما أنه كان واثقاً من أنَّ كل شيء يتغير باستمرار، وكل ما يحيط بنا يتحرك، وما من شيء خالد. أثار هذا التناقض أزمة فلسفية حادة، إلى أن جاء دور امبادوقليس ليحرر الفلسفة من هذا المأزق، حيث قال بأنَّ كلاً من بارميندس وهيراقليطس على حقّ في بعض آرائهم، وعلى باطل في بعضها الآخر. حيث يرى امبيدوقليس أن المشكلة كلها تصب في الفكرة القائمة على أن جوهراً واحداً كان في الأصل كل شيء. ففي هذه الحالة، تتسع الهوّة بين ما يقوله لنا العقل من جهة، وبين ما تراه أعيننا وتشعر به حواسنا من جهة أخرى. فالطيور لا يمكن أن تتحول إلى هواء على سبيل المثال. والماء العذب في الأنهار يبقى عذباً رغم اتصاله المباشر بالمياه المالحة للبحار. هكذ نراه يتفق مع مبدأ بارميندس الذي يقول بأن ما من شيء يتحوّل. لكن امبيدوقليس آمن برأي هيراقليطس الذي يدعو من خلاله بضرورة الثقة في الحواس، وبأن نؤمن بما تراه أعيننا التي دوماً تُعاين تغيرات الطبيعة. اعتبر امبادوقليس في فلسفته أنّ ثمة عدداً من الجواهر الثابتة الخالدة وكل شيء في العالم يفسّر بانضمام هذه الجواهر بعضها إلى بعض وانفصال بعضها عن بعض، فلا حدوث ولا فناء بل كل شيء يرجع إلى اتحاد الجواهر وافتراقها، حيث قال: "لا يولد الفانون ولا يموت واحدهم موتاً مشؤوماً، ذلك أنّه لا يوجد سوى امتزاج الأشياء الممتزجة وافتراقها وهذا ما يسميه الناس ولادةً وموتاً." لا شكّ أنّ الجواهر (أصول الأشياء) الّتي اقترحها امبادوقليس هي التراب والماء والهواء والنار وهذه الجواهر ثابتة في ذاتها ومتساوية فيما بينها. تنشأ الأشياء والأشكال من انضمام هذه الجواهر أو افتراقها بمقادير مختلفة (نسبة كل مادة من هذه المواد إلى بعضها داخل كل شيء)، وعندما يموت كائنٌ حي ما، فإن العناصر الأربعة الموجودة ضمنه تبدأ بالانفصال عنه دون أن يطرأ عليها أي تحول. فالعناصر الأساسية تبقى أبداً كما هي.

مالذي يجعل أعيننا ترى الاختلاف في الطبيعة؟ تبعاً لامبادوقليس فإن عيوننا مؤلفّة من العناصر الجوهرية الأربعة ككل شيء آخر في الطبيعة. وكل عنصر في العين يدرك مثيله في الطبيعة... فالتراب الذي في العين يُبصر التراب الذي في الطبيعة والماء الذي في العين يُبصر الماء الذي الطبيعة... وهكذا.. مالذي يجعل شيئاً ما جميلاً وآخر قبيحاً؟ سؤال يبدو للوهلة الأولى سهلاً! ولكن دائماً ما تكون أكثر الأسئلة بساطة أشدها صعوبة في الواقع. يرى امبادوقليس أن هناك قوّتان كبيرتان هما قوة المحبة وقوة الكراهية؛ هاتان القوتان تعملان على جمع العناصر المتشابهة وعلى تفريقها، وهذه العناصر (الجواهر) ينجم عنها ما في العالم من نظام وخير وجمال. تفرّق الكراهية شملها فينشأ عنها الاضطراب والشرّ والقبح. أكّد امبادوقليس أنّ خصومة المحبة والكراهية تتبع نظاماً رياضيّاً حيث أنّ علاقتهما تتوزّع بين أربعة أدوار، في الدّور الأول تكون السيادة مطلقة لمبدأ المحبة وفي الدور الثاني (دور الانتقال)، تنتقل السيادة من المحبة إلى الكراهية، وفي الدور الثالث يسود مبدأ الكراهية سيادة مطلقة. وفي الدور الرابع يعود الانتقال من الكراهية إلى المحبة. لم يغفل امبادوقليس عن التأكيد على أنّ قوّة المحبة هي الّتي ستفوز في النهاية وعندئذٍ يجتمع الضدان في كلٍّ واحد. امبادوقليس هو حكيمٌ بالاعتبار الأول. يحيط فكره بمعرفة عصره من جميع جوانبه ويقرّب عناصر هذه المعرفة بعضها من بعض ويمزجها مزجاً فيقوم بينها اتساقٌ وتناغمٌ وانسجام فتنجم عن هذه الموسيقى الروحية تقاليد فكرٍ فلسفيّ تكاملت عبر العقول والعصور. تميّز الفلاسفة بتمييزهم ما يجب أن يتعلق به الإنسان وهذا ما حمل الطمأنينة إلى نفوسهم وجعلهم يفوزون بالفهم، فهم الواقع بأسره، ليقوموا فيما بعد بتعميق هذا الفهم لإنتاج الفلسفة.

المدرسة الفيثاغورية/ العقل والمنهج العلمي

تنسب المدرسة الفيتاغورية إلى العالم الرياضي اليوناني الكبير فيثاغورس الذي يعد أول من استعمل كلمة فيلسوف، وكانت بمعنى حب الحكمة، أما الحكمة فكانت لاتنسب سوى للآلهة. ويذهب فيتاغورس إلى أن العالم عبارة عن أعداد رياضية، كما أن الموجودات عبارة عن أعداد، وبالتالي فالعالم الأنطولوجي عنده عدد ونغم. وتتسم الفيتاغورية بأنها مذهب ديني عميق الرؤية والشعور، كما أنها مدرسة علمية تعنى بالرياضيات والطب والموسيقا والفلك.[4][5] وقد طرحت الفيتاغورية كثيرا من القضايا الحسابية والهندسية موضع نقاش وتحليل. كما أن الفيتاغورية هيئة سياسية تستهدف تنظيم المدينة /الدولة على أيدي الفلاسفة الذين يحتكمون إلى العقل والمنهج العلمي.

المدرسة السفسطائية /القائمة على الشك

ظهرت المدرسة السفسطائية في القرن الخامس قبل الميلاد بعدما أن انتقل المجتمع الأثيني من طابع زراعي إقطاعي مرتبط بالقبيلة إلى مجتمع تجاري يهتم بتطوير الصناعات وتنمية الحرف والاعتماد على الكفاءة الفردية والمبادرة الحرة. وأصبح المجتمع في ظل صعود هذه الطبقة الاجتماعية الجديدة (رجال التجارة وأرباب الصناعات) مجتمعا ديمقراطيا يستند إلى حرية التعبير والاحتكام إلى المجالس الانتخابية والتصويت بالأغلبية. ولم يعد هناك ما يسمى بالحكم الوراثي أو التفويض الإلهي، بل كل مواطن حر له الحق في الوصول إلى أعلى مراتب السلطة. لذلك سارع أبناء الأغنياء لتعلم فن الخطابة والجدل السياسي لإفحام خصومهم السياسيين. وهنا ظهر السفسطائيون ليزودوا هؤلاء بأسلحة الجدل والخطابة واستعمال بلاغة الكلمة في المرافعات والمناظرات الحجاجية والخطابية. وقد تحولت الفلسفة إلى وسيلة لكسب الأرباح المادية ولاسيما أن أغلب المتعلمين من طبقة الأغنياء.

ومن أهم الفلاسفة السفسطائيين نذكر جورجياس وكاليكيس وبروتاغوراس. وقد سبب هذا التيار الفلسفي القائم على الشك والتلاعب اللفظي وتضييع الحقيقة وعدم الاعتراف بها في ظهور الفيلسوف سقراط الذي كان يرى أن الحقيقة يتم الوصول إليها ليس بالظن والشك والفكر السفسطائي المغالطي، بل بالعقل والحوار الجدلي التوليدي واستخدام اللوجوس والمنطق.

المدرسة السقراطية/ادراك الحقيقة

سقراط فيلسوف أثينا (470 ق.م- 399 ق.م)

يعد سقراط (486-399 م) أب الفلاسفة اليونانيين، وقد أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض. ويعني هذا أن الحكماء الطبيعيين ناقشوا كثيرا من القضايا التي تتعلق بالكون وأصل الوجود وعلته الحقيقية التي كانت وراء انبثاق هذا العالم وهذا الوجود الكوني. وعندما ظهر سقراط غير مجرى الفلسفة فحصرها في أمور الأرض وقضايا الإنسان والذات البشرية فاهتم بالأخلاق والسياسة. وقد ثار على السفسطائيين الذين زرعوا الشك والظن ودافع عن الفلسفة باعتبارها المسلك العلمي الصحيح للوصول إلى الحقيقة وذلك بالاعتماد على العقل والجدل التوليدي والبرهان المنطقي. والهدف من الفلسفة لدى سقراط هو تحقيق الحكمة وخدمة الحقيقة لذاتها، وليس الهدف وسيلة أو معيارا خارجيا كما عند السفسطائيين الذين ربطوا الفلسفة بالمكاسب المادية والمنافع الذاتية والعملية. وكان سقراط ينظر إلى الحقيقة في ذات الإنسان وليس في العالم الخارجي، وما على الإنسان إلا أن يتأمل ذاته ليدرك الحقيقة ،لذالك قال قولته المأثورة :” أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك”.

المدرسة المثالية الأفلاطونية

جاء أفلاطون بعد سقراط ليقدم تصورا فلسفيا عقلانيا مجردا ولكنه تصور مثالي ؛ لأنه أعطى الأولوية للفكر والعقل والمثال بينما المحسوس لا وجود له في فلسفته المفارقة لكل ماهو نسبي وغير حقيقي. ولأفلاطون نسق فلسفي متكامل يضم تصورات متماسكة حول الوجود والمعرفة والقيم.

وقد قسم أفلاطون العالم الأنطولوجي إلى قسمين: العالم المثالي والعالم المادي، فالعالم المادي هو عالم متغير ونسبي ومحسوس. وقد استشهد أفلاطون بأسطورة الكهف ليبين بأن العالم الذي يعيش فيه الإنسان هو عالم غير حقيقي، وأن العالم الحقيقي هو عالم المثل الذي يوجد فوقه الخير الأسمى والذي يمكن إدراكه عن طريق التأمل العقلي والتفلسف. فالطاولة التي نعرفها في عالمنا المحسوس غير حقيقية، أما الطاولة الحقيقية فتوجد في العالم المثالي. وتوجد المعرفة الحقيقية في عالم المثل الذي يحتوي على حقائق مطلقة ويقينية وكلية، أما معرفة العالم المادي فهي نسبية تقريبية وجزئية وسطحية، كما تدرك المعرفة في عالم المثل عن طريق التفلسف العقلاني، ومن هنا، فالمعرفة حسب أفلاطون تذكر والجهل نسيان. ويعني هذا أننا كلما ابتعدنا عن العالم المثالي إلا وأصابنا الجهل، لذا فالمعرفة الحقيقية أساسها إدراك عالم المثل وتمثل مبادئه المطلقة الكونية التي تتعالى عن الزمان والمكان. ومن ثم، فأصل المعرفة هو العقل وليس التجربة أو الواقع المادي الحسي الذي يحاكي عالم المثال محاكاة مشوهة.

وعلى مستوى الأكسيولوجيا، فجميع القيم الأخلاقية من خير وجمال وعدالة نسبية في عالمنا المادي، ومطلقة حقيقية في عالم المثل المطلق والأزلي.

ويؤسس أفلاطون في ”الجمهورية الفاضلة” مجتمعا متفاوتا وطبقيا، إذ وضع في الطبقة الأولى الفلاسفة والملوك واعتبرهم من طبقة الذهب، بينما في الطبقة الثانية وضع الجنود وجعلهم من طبقة الفضة، أما الطبقة السفلى فقد خصصها للعبيد وجعلهم من طبقة الحديد؛ لأنهم أدوات الإنتاج والممارسة الميدانية. ويعني هذا أن أفلاطون كان يأنف من ممارسة الشغل والعمل اليدوي والممارسة النفعية، وكان يفضل إنتاج النظريات وممارسة الفكر المجرد. كما طرد أفلاطون الشعراء من جمهوريته الفاضلة؛ لأنهم يحاكون العالم النسبي محاكاة مشوهة، وكان عليهم أن يحاكوا عالم المثل بطريقة مباشرة دون وساطة نسبية أو خادعة تتمثل في محاكاة العالم الوهمي بدل محاكاة العالم الحقيقي.

وهكذا يتبين لنا أن فلسفة أفلاطون فلسفة مثالية مفارقة للمادة والحس، تعتبر عالم المثل العالم الأصل بينما العالم المادي هو عالم زائف ومشوه وغير حقيقي. كما تجاوز أفلاطون المعطى النظري الفلسفي المجرد ليقدم لنا تصورات فلسفية واجتماعية وسياسية في كتابه” جمهورية افلاطون”. ويلاحظ أيضا أن التصور الأفلاطوني يقوم على عدة ثنائيات: العالم المادي في مقابل العالم المثالي، وانشطار الإنسان إلى روح من أصل سماوي وجسد من جوهر مادي، وانقسام المعرفة إلى معرفة ظنية محسوسة في مقابل معرفة يقينية مطلقة. وعلى المستوى الاجتماعي، أثبت أفلاطون أن هناك عامة الناس وهم سجناء الحواس الظنية والفلاسفة الذين ينتمون إلى العالم المثالي لكونهم يتجردون من كل قيود الحس والظن وعالم الممارسة.

مدرسة أرسطو المادية

يعد أرسطو فيلسوفا موسوعيا شاملا، وكانت فلسفته تنفتح على كل ضروب المعرفة والبحث العلمي، إذ يبحث في الطبيعة والميتافيزيقا والنفس وعلم الحياة والسياسة والشعر وفن الخطابة والمسرح. وقد وضع المنطق الصوري الذي كان له تأثير كبير على كثير من الفلاسفة إلى أن حل محله المنطق الرمزي مع برتراند راسل ووايتهاد.

يذهب أرسطو إلى أن العالم الحقيقي هو العالم الواقعي المادي، أما العالم المثالي فهو غير موجود. وأن الحقيقة لا توجد سوى في العالم الذي نعيش فيه وخاصة في الجواهر التي تدرك عقلانيا. ولا توجد الحقيقة في الأعراض التي تتغير بتغير الأشكال. أي إن الحقيقي هو الثابت المادي، أما غير الحقيقي فهو المتغير المتبدل. ولقد أعطى أرسطو الأولوية لما هو واقعي ومادي على ماهو عقلي وفكري. ومن هنا عد أرسطو فيلسوفا ماديا اكتشف العلل الأربع: العلة الفاعلة والعلة الغائية والعلة الصورية الشكلية والعلة المادية. فإذا أخذنا الطاولة مثالا لهذه العلل الأربع، فالنجار يحيل على العلة الفاعلة والصانعة، أما الخشب فيشكل ماهية الطاولة وعلتها المادية، أما صورة الطاولة فهي العلة الصورية الشكلية، في حين تتمظهر العلة الغائية في الهدف من استعمال الطاولة التي تسعفنا في الأكل والشرب.

المدرسة الرواقيةالاخلاقية

تعتمد المدرسة الرواقية التي ظهرت بعد فلسفة أرسطو على إرساء فن الفضيلة ومحاولة اصطناعها في الحياة العملية، ولم تعد الفلسفة تبحث عن الحقيقة في ذاتها، بل أصبحت معيارا خارجيا تتجه إلى ربط الفلسفة بالمقوم الأخلاقي، وركز الكثيرون دراساتهم الفلسفية على خاصية الأخلاق كما فعل سنيكا الذي قال:” إن الفلسفة هي البحث عن الفضيلة نفسها، وبهذا تتحقق السعادة التي تمثلت في الزهد في اللذات ومزاولة التقشف والحرمان”. وقد تبلور هذا الاتجاه الفلسفي الأخلاقي بعد موت أرسطو وتغير الظروف الاجتماعية والسياسية حيث انصرف التفكير في الوجود إلى البحث في السلوك الأخلاقي للإنسان.

هذا، وقد ارتبطت المدرسة الرواقية بالفيلسوف زينون (336-264ق.م) الذي اقترنت الفلسفة عنده بالفضيلة واستعمال العقل من أجل الوصول إلى السعادة الحقيقية. وتعد الفلسفة عند الرواقيين مدخلا أساسيا للدخول إلى المنطق والأخلاق والطبيعة. وقد كان المنطق الرواقي مختلفا عن المنطق الأرسطي الصوري، وقد أثر منطقهم على الكثير من الفلاسفة والعلماء.

المدرسة الإپيقورية الاخلاقية العملية

تنسب الفلسفة الأبيقورية إلى إبيقور (341-270 ق.م)، وتتميز فلسفته بصبغة أخلاقية عملية، وترتبط هذه الفلسفة باللذة والسعادة الحسية. وتسعى الفلسفة في منظور هذه المدرسة إلى الحصول على السعادة باستعمال العقل التي هي غاية الفلسفة يخدمها المنطق وعلم الطبيعة. أي إن المنطق هو الذي يسلم الإنسان إلى اليقين الذي به يطمئن العقل والذي بدوره يؤدي إلى تحقيق السعادة. ويهدف علم الطبيعة إلى تحرير الإنسان من مخاوفه وأحاسيسه التي تثير فيه الرعب. ويعني هذا أن الفلسفة لابد أن تحرر الإنسان من مخاوفه وقلقه والرعب الذي يعيشه في الطبيعة بسبب الظواهر الجوية والموت وغير ذلك.

المدرسة الإسكندرية

انتقلت الفلسفة إلى مدينة الإسكندرية التي بناها الإسكندر المقدوني إبان العصر الهيليني، وكانت مشهورة بمكتبتها العامرة التي تعج بالكتب النفيسة في مختلف العلوم والفنون والآداب. ومن أشهر علماء هذه المدرسة أقليديس وأرخميديس واللغوي الفيلولوجي إيراتوستن. وقد انتعشت هذه المدرسة في القرون الميلادية الأولى وامتزجت بالحضارة الشرقية مع امتداد الفكر الديني والوثني وانتشار الأفكار الأسطورية والخرافية والنزعات الصوفية.

ومن مميزات هذه المدرسة التوفيق بين آراء أفلاطون المثالية وأرسطو المادية، والتشبع بالمعتقدات الدينية المسيحية واليهودية والأفكار الوثنية من زرادشتية ومانوية وبوذية، والفصل بين العلم والفلسفة بعد ظهور فكرة التخصص المعرفي.، والاهتمام بالتصوف والتجليات العرفانية والغنوصية والانشغال بالسحر والتنجيم والغيبيات والإيمان بالخوارق.

وقد تشبعت الفلسفة الأفلاطونية بهذا المزيج الفكري الذي يتجسد في المعتقدات الدينية والمنازع الصوفية وآراء الوثنية، فنتج عنها فلسفة غربية امتزجت بالطابع الروحاني الشرقي، وذلك من أجل التوفيق بين الدين والفلسفة. بيد أن الذين كانوا يمارسون عملية التوفيق كانوا يعتقدون أنهم يوفقون بين أرسطو وأفلاطون، ولكنهم كانوا في الحقيقة يوفقون بين أفلاطون وأفلوطين؛ مما أعطى هجينا فكريا يعرف بالأفلوطينية الجديدة. ومن أشهر فلاسفة المدرسة الإسكندرية نستحضر كلا من فيلون وأفلوطين الذين كانت تغلب عليهما النزعة الدينية والتصور المثالي في عملية التوفيق. وتتميز فلسفة أفلوطين بكونها عبارة عن” مزيج رائع فيه قوة وأصالة بين آراء أفلاطون والرواقيين وبين الأفكار الهندية والنسك الشرقي والديانات الشعبية المنتشرة آنذاك.

والطابع العام لفلسفته هو غلبة الناحية الذاتية فيها على الناحية الموضوعية، فهي فلسفة تمتاز بعمق الشعور الصوفي والمثالية الأفلاطونية ووحدة الوجود الرواقية، وكلها عناصر يقوي بعضها بعضا ويشد بعضها بأزر بعض، حتى لتخال وأنت تقراها كأنك أمام شخص لا خبرة له بالعالم الموضوعي أو يكاد. فالمعرفة عنده وعند شيعته تبدأ من الذات وتنتهي إلى الله دون أن تمر بالعالم المحسوس؛ هذه المعرفة الذاتية الباطنية هي كل شيء عندهم”.

المصادر

  1. ^ [44] ^ بداية الفيزياء وعلم الفلك، ص. 55-6
  2. ^ الدروب
  3. ^ http://www.maktbtna2211.com/book/5419%7Cالفلسفة اليونانية حتى أفلاطون
  4. ^ Garrison 1966، صفحة 92–93
  5. ^ Nuland 1988، صفحة 5

وصلات خارجية