قياس نفسي

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

القياس النفسي هو مجال دراسة في علم النفس يهتم بنظرية وتقنية القياس. يغطي علم القياس النفسي عمومًا مجالات متخصصة في علم النفس والتربية مكرسة للاختبار والقياس والتقييم والأنشطة ذات الصلة[1] .يهتم القياس النفسي بالقياس الموضوعي للبنيات الكامنة (المفاهيم) التي لا يمكن ملاحظتها مباشرة. ومن الأمثلة على البُنى الكامنة الذكاء والانطواء والاضطرابات النفسية والتحصيل العلمي.[2] يتم استنتاج مستويات الأفراد في المتغيرات الكامنة غير ملاحظة من خلال النمذجة الرياضية بناءً على ما يتم ملاحظته من استجابات الأفراد على البنود في الاختبارات والمقاييس.

يوصف الممارسون في هذا المجال بأنهم مختصون في القياس النفسي، على الرغم من أن هذا اللقب لا ينطبق على جميع من يشاركون في أبحاث القياس النفسي. عادةً ما يمتلك أخصائيو القياس النفسي مؤهلات محددة، مثل الدرجات العلمية أو الشهادات، ومعظمهم من العاملين في مجال علم النفس الذين حصلوا على تدريب متقدم في القياس النفسي ونظرية القياس.

يعمل الممارسون بالإضافة إلى المؤسسات الأكاديمية التقليدية، في مراكز مثل خدمات الاختبارات التربوية ومراكز الخدمات النفسية. يركز بعض الباحثين في مجال القياس النفسي على بناء أدوات التقييم والتحقق من صلاحيتها، بما في ذلك الاستبيانات والمقاييس. ويركز آخرون على الأبحاث المتعلقة بنظرية القياس (على سبيل المثال، نظرية الاستجابة للمفردة، ونظرية القياس الكلاسيكية) أو يتخصصون في التعليم والتطوير.

المنشأ التاريخي[عدل]

جاءت الاختبارات النفسية من اثنين من التيارات الفكرية:

  • التيار الأول: من قبل داروين وغالتون وكاتل حول قياس الفروقات الفردية.
  • التيار الثاني: من قبل هربارت وفيبر وفخنر وفونت وقياساتهم في الفيزياء النفسية. هذه المجموعة الاخيرة من العلماء وأبحاثهم هي ما أدت إلى تطوير علم النفس التجريبي والاختبارات المقننة.[3]

التيار الفيكتوري: (بريطانيا)[عدل]

كان تشارلز داروين مصدر إلهام للسير فرانسيس غالتون الذي أسهمت انجازاته في نشأة القياس النفسي. في عام 1859، نشر داروين كتابه «أصل الأنواع». ناقش هذا الكتاب كيفية اختلاف الأفراد في أنواعهم وكيفية امتلاكهم خصائص وميزات تجعلهم أكثر أو أقل تأقلمًا ونجاحًا. فالأفراد القادرون على التأقلم والنجاح هم الذين سيبقون على قيد الحياة، وسيفسحون المجال للجيل القادم الذي سيكون على نفس القدر من التأقلم والنجاح أو حتى أكثر. أدت هذه الفكرة التي دُرست سابقًا في الحيوانات إلى دراسة غالتون للبشر واهتمامه حول كيفية اختلافهم عن بعضهم البعض، والأهم من ذلك كيفية قياس تلك الاختلافات (الفروق).

كتب غالتون كتابًا بعنوان «العبقرية الوراثية Hereditary Genius»، يصف الكتاب الميزات والخصائص المختلفة التي يمتلكها الأفراد، والتي تجعلهم ملائمين (مناسبين fit) أكثر من غيرهم. هذه الاختلافات اليوم، مثل الوظائف الحسية والحركية (زمن الارتكاس، وحدة الرؤية، والقوة البدنية) هي مجالات مهمة في علم النفس. وقد أُجريت الكثير من الأعمال النظرية والتطبيقية المبكرة في القياس النفسي في محاولة لقياس الذكاء.

ابتكر غالتون، الذي يُعرف باسم أب القياس النفسي، العديد من الاختبارات العقلية وأدرجها ضمن قياساته البشرية. واستمر جايمس ماكين كاتل، الذي يُعد رائدًا في مجال القياس النفسي، في نشر أعمال غالتون وتوسيعها. وصاغ كاتل أيضا أيضًا مصطلح الاختبار العقلي، وهو الرائد في الأبحاث والمعارف التي أدت في نهاية المطاف إلى تطوير الاختبارات الحديثة.[3]

التيار الألماني[عدل]

ترتبط نشأة القياس النفسي أيضًا بالمجال المتعلق بالفيزياء-النفسية psychophysics. ففي الوقت الذي توصل فيه كل من داروين وغالتون وكاتل إلى اكتشافاتهم في حقل الفروق الفردية، كان هربارت مهتمًا أيضًا بكشف أسرار الوعي البشري من خلال الأسلوب العلمي. كان هربارت مسؤولًا عن إنشاء نماذج رياضية للذهن، والتي كانت مؤثرة في الممارسات التعليمية في السنوات التالية.

اعتمد إرنست هينريخ فيبر على عمل هربارت وحاول إثبات وجود العتبة النفسية، قائلًا إن الحد الأدنى من المنبهات كان ضروريًا لتنشيط الجهاز الحسي.

بعد فيبر، توسع غوستاف فخنر اعتمادا على المعرفة التي جمعها من هربارت وفيبر ليبتكر القانون الذي وفقه تزداد قوة الإحساس بشكل مشابه لِلوغاريتم شدة التنبيه.

كان لفيلهلم فونت، وهو أحد أتباع فيبر وفخنر، الفضل في تأسيس علم النفس الحديث. وأدت تأثيراته إلى تمهيد الطريق للآخرين لتطوير الاختبارات النفسية.[3]

القرن العشرون[عدل]

طور لويس ثورستون L. L. Thurstone، المتخصص بالقياس النفسي ومؤسس جمعية القياس النفسي وأول رئيس لها في عام 1936، مقاربة نظرية وطبقها للقياس تعرف باسم قانون الحكم المقارن، وهو أسلوب يرتبط ارتباطًا وثيقًا بنظرية الفيزياء النفسية لإرنست هينريخ فيبر وغوستاف فخنر. بالإضافة إلى ذلك، قدم كل من سبيرمان وثورستون مساهمات مهمة في التحليل العاملي (مجموعة من الأساليب الاحصائية المتقدمة) وتطبيقاته.

والتحليل العاملي طريقة إحصائية طُورت ضمن مجال القياس النفسي واستُخدمت على نطاق واسع ومكثف في ميدان القياس النفسي.

في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، قدم ليوبولد سزوندي Leopold Szondi تقييمًا تاريخيًا وابستيمولوجيا لتأثير التفكير الإحصائي في علم النفس خلال العقود القليلة الماضية، إذ قال: «خلال العقود الأخيرة، حُظر التفكير النفسي على وجه الخصوص وأُزيل بشكل كامل تقريبًا واستُعيض عنه بالتفكير الإحصائي. هنا تمامًا، نرى اليوم الانتشار الكبير لعلم الاختبار وهوس الاختبارات».[4]

في الآونة الأخيرة، طُبقت نظرية القياس النفسي في مجال قياس الشخصية والتصرفات والمعتقدات والتحصيل الدراسي. هذه المفاهيم الكامنة التي لا يمكن ملاحظتها من الصعب قياسها، لذلك طُورت العديد من الأبحاث والعلوم المتراكمة في هذا الاختصاص في محاولة لقياس هذه المفاهيم بشكل يقترب للدرجة الحقيقية (القدرة الحقيقية للفرد) بأكبر شكل ممكن.

تشمل الشخصيات التي قدمت مساهمات كبيرة في القياس النفسي كلًا من كارل بيرسون، وهنري ف. كايسر، وكارل بريغهام، ولويس ليون ثورستون، وإدوارد لي ثورندايك، وجورج راش، ويوغين غالانتر، وجونسون أوكونور، وفريتز م. لورد، وليدارد ر. تاكر، وجاي. لوفينغر ويسمان.

تعريف القياس في العلوم الاجتماعية[عدل]

تعريف القياس في العلوم الاجتماعية له تاريخ طويل. وهناك تعريف واسع الانتشار حاليًا اقترحه ستانلي سميث ستيفنز في عام 1946، وهو أن القياس هو «إسناد الأعداد إلى الأشياء أو الأحداث وفقًا لقاعدة ما». أُدرج هذا التعريف في الورقة التي اقترح فيها ستيفنز أربعة مستويات للقياس (المستوى الاسمي، المستوى الرتبي، المستوى الفتري أو المسافات المتساوية، المستوى النسبي).

على الرغم من اعتماده على نطاق واسع، يختلف هذا التعريف في جوانب مهمة عن التعريف الأكثر كلاسيكية للقياس والمعتمد في العلوم الفيزيائية، الذي يشير إلى أن القياس العلمي يتطلب تقدير أو اكتشاف نسبة مقدار ما من الصفة الكمية إلى وحدة من نفس الصفة.[5]

في الواقع، قُدم تعريف ستيفنز للقياس ردًا على لجنة فيرغسون البريطانية التي كان رئيسها الفيزيائي فيرغسون. عُينت اللجنة في عام 1932 من قبل الجمعية البريطانية لتقدم العلوم للتحقيق في إمكانية إجراء تقدير كمي للأحداث الحسية. على الرغم من أن رئيسها وأعضاءها الآخرين كانوا متخصصين في الفيزياء، شملت اللجنة أيضًا العديد من علماء النفس. سلط تقرير اللجنة الضوء على أهمية تعريف القياس. في حين كان رد ستيفنز اقتراح تعريف جديد، والذي كان له أثر كبير في هذا المجال، ولم يكن هذا على الإطلاق الرد الوحيد على التقرير. من الردود الأخرى، التي تختلف اختلافًا ملحوظًا، قبول التعريف الكلاسيكي على النحو المبين في البيان التالي:

لا يختلف القياس في علم النفس والفيزياء بأي حال من الأحوال. يستطيع الفيزيائيون القياس عندما يتمكنون من العثور على العمليات التي يمكنهم من خلالها تلبية المعايير اللازمة، ويجب على علماء النفس القيام بذات الشيء، فلا حاجة للقلق حول الاختلافات الغامضة بين معاني القياس في العِلمين[6].

المراجع[عدل]

  1. ^ "Waller, Gary Peter Anthony, (24 June 1945–22 July 2017)". Who Was Who. Oxford University Press. 1 ديسمبر 2007. مؤرشف من الأصل في 2024-05-03.
  2. ^ Tabachnick، Barbara G.؛ Fidell، Linda S. (2005). Using multivariate statistics (ط. 4. ed., [Nachdr.]). Boston, Mass.: Allyn and Bacon. ISBN:978-0-321-05677-1.
  3. ^ أ ب ت Kaplan, R.M., & Saccuzzo, D.P. (2010). Psychological Testing: Principles, Applications, and Issues. (8th ed.). Belmont, CA: Wadsworth, Cengage Learning.
  4. ^ Leopold Szondi (1960) Das zweite Buch: Lehrbuch der Experimentellen Triebdiagnostik. Huber, Bern und Stuttgart, 2nd edition. Ch.27, From the Spanish translation, B)II Las condiciones estadisticas, p.396. Quotation:

    el pensamiento psicologico especifico, en las ultima decadas, fue suprimido y eliminado casi totalmente, siendo sustituido por un pensamiento estadistico. Precisamente aqui vemos el cáncer de la testología y testomania de hoy.

  5. ^ Michell، Joel (أغسطس 1997). "Quantitative science and the definition of measurement in psychology". British Journal of Psychology. ج. 88 ع. 3: 355–383. DOI:10.1111/j.2044-8295.1997.tb02641.x.
  6. ^ Hanes, R. M. (1949). "A scale of subjective brightness". Journal of Experimental Psychology (بالإنجليزية). 39 (4): 438–452. DOI:10.1037/h0061367. ISSN:0022-1015.