افحص التغييرات الفردية

تسمح لك هذه الصفحة بفحص المتغيرات التي تم إنشاؤها بواسطة عامل تصفية إساءة الاستخدام لإجراء تغيير فردي.

المتغيرات المولدة لهذا التغيير

متغيرقيمة
عدد التعديلات للمستخدم (user_editcount)
39
اسم حساب المستخدم (user_name)
'Fraihat'
عمر حساب المستخدم (user_age)
77642428
المجموعات (متضمنة غير المباشرة) التي المستخدم فيها (user_groups)
[ 0 => '*', 1 => 'user' ]
ما إذا كان المستخدم يعدل عبر واجهة المحمول (user_mobile)
false
هوية الصفحة (page_id)
1935974
نطاق الصفحة (page_namespace)
0
عنوان الصفحة (بدون نطاق) (page_title)
'فريحات'
عنوان الصفحة الكامل (page_prefixedtitle)
'فريحات'
آخر عشرة مساهمين في الصفحة (page_recent_contributors)
[ 0 => 'Fraihat', 1 => 'ZkBot', 2 => '194.126.10.35', 3 => 'Dz.bedaya', 4 => 'Fraihat123', 5 => 'Meno25' ]
فعل (action)
'edit'
ملخص التعديل/السبب (summary)
''
ما إذا كان التعديل معلم عليه كطفيف (لا مزيد من الاستخدام) (minor_edit)
false
نص الويكي القديم للصفحة، قبل التعديل (old_wikitext)
'== أصل قبيلة الفريحات == تشير الدلائل المحكية واستقراء اللهجة والعادات والتقاليد ولون السحنة لمنتسبي القبيلة الى أن جذورهم القديمة من [[اليمن]]، وأن أسلافهم قد هاجروا (لأسباب تكاد تكون مجهولة) الى [[جزيرة العرب]] و[[العراق]] و[[الشام]] ضمن الهجرات المتتابعة التي حصلت على مدار الألفي عام الماضية. وفيما يلي سرد لبعض هذه الدلائل والمؤشرات. === بلاد اليمن السعيد === [[اليمن]] جنة الدنيا وعلى اسمها ورد اسم [[جنات عدن]]، وفيها [[سد مأرب]] والجنتين المذكورتين في [[القرآن الكريم]]، منها تفرق [[العرب]] في الأرض بعد انهيار السَّد، وإليها دخل [[الإسلام]] سلماً في عهد النبي محمد ـ صلى الله عيه وسلّم ـ، وكان معلمهم وقاضيهم الصحابي الجليل [[معاذ بن جبل]] ـ رضي الله عنه ـ، وفيهم قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ" الأيمانُ يمانٍ والحكمةُ يمانيه" فاليمن معدن العرب الأول منها خرج عرب الجزيرة العربية والعراق والشام و[[مصر]] و[[السودان]] بعد أن تطبعوا بالكرم والشجاعة والنخوة، ثم من الله عليهم بالإسلام فأكرمهم الله بالتقوى” إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. ثم كانوا بعد ذلك حاملين راية الإسلام للعالمين، فكانت رسالة الإسلام لهم تاجاً وعزاً وبركةً، فإن يفخر العربي ففخره الإسلام ولا انفكاك بين العروبة والإسلام ”إنا أنزلنه قرآناً عربياً"<ref>القرآن الكريم: سورة يوسف 2</ref>، وإذا ذلَّ العرب ذلَّ الإسلام وهذا ما نقرأه من التاريخ. أما اليمن فمن انتسب إليها فقد انتسب إلى أصل العرب الذي لا يشوبهُ شائبةٌ، أما باقي العرب وإن كانوا من أصلٍ يمني إلا أنهم اختلطوا بالأمم شأن أمم الأرض فنادراً ما كان هناك عرقاً نقياً. فأهل اليمن هم الأصل والمنبع ومعدن العرب وإلى اليمن يعود نسب عشيرة الفريحات. === قبيلة كنده === كنده قبيلة عريقة من أمهات القبائل العربية، ورد ذكرها في كتب التاريخ والأدب. انتشرت بطون كنده من سبأ إلى [[حضرموت]] ثم إلى نجد ثم انتشرت في موجات الفتح الإسلامي إلى ما شاء الله أن تصل، وكان لكنده مملكة في نجد وشمال الجزيرة العربية، ومن ملوكها عمرو المنصور بن حجر والحارث طلبان بن عمرو وذلك في القرن الخامس الميلادي. ومن أعظم شعراءها [[امرؤ القيس]] صاحب المعلقة المشهورة التي هي من روائع ما قالت العرب وقد كان لكنده نصيب ودور في الدعوة الإسلامية حيث كان منها نفر من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ، ومنهم الأشعث بن قيس ـ رضي الله عنه ـ الذي أرسله الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى [[حضرموت]] داعياً إلى الإسلام حيث قدم مسلما في وفد كنده بين يدي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. كما كان لكنده نصيب من أهل الشعر والفكر حيث ورد ذكر أحمد بن الحسين الكندي [[ابو الطيب المتنبي]] والشاعر الأموي [[المقنع الكندي]] والوزير المعروف عند الدولة الأموية [[رجاء بن حيوه]] وزير [[سليمان بن عبد الملك]] وخلفاء بني أميه. ولعل أهم ما يربطنا بهذه القبيلة العريقة هو أنها أنجبت فيما وردني الفارس المقدام الصحابي الجليل ([[المقداد بن الأسود الكندي]]). ===المقداد بن عمرو بن ثعلبة=== هو المقداد بن عمر بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة، وهو مخضرم (عاش في فترة الجاهلية والإسلام) واشتهر بالمقداد بن الأسود الكندي وذلك لتحالفه مع الأسود وتبنيه له، ولما حرم الإسلام الدعوة لغير الآباء وإبطال التبني ترك شهرته وعاد لاسمه المقداد بن عمرو رضي الله عنه كان من كبار الصحابة هاجر في السنة الأولى للهجرة وكان فارسا مقداماً، حتى عدّوهُ بألف فارسٍ. وذلك لتأثيره المعنوي الكبير في الجند، وكان مما ورد في السيرة النبوية أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة بدر قال (أشيروا علي أيها الناس، فسكتوا، فقام المقداد وقال: يا رسول الله والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، بل اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، والله لو سرت بنا إلى برك الغماد (موضع في الحبشة) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه) فدبّ الحماس بالصحابة حتى قام (سعد) فقال قولا جميلاً ينوب به عن الأنصار منه (والله يا رسول الله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد) فكبّر المسلمون وساروا إلى (بدر) وكان يوم الفرقان، فكان المقداد ـ رضي الله عنه ـ بدرياً من كبار الصحابة وقد سمي بفارس الرسول(ص)، وسمي بحارس الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان على رأس فتح مصر مع عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ وكان ملازماً طائعاً لأوامر الخلفاء الراشدين ومحباً لعلي ـ كرَم الله وجهه ـ. ومن طرائق المقداد أنه انضم يوماً إلى أهل الصفة فلم يكن له أهل في المدينة المنورة، وكذلك كان أهل الصفة من فقراء المسلمين يأوون إلى المسجد يرعاهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا لا هم لهم إلا الإسلام ينامون وأيديهم على مقابض سيوفهم لا يشغلهم شاغل من أهل أو مال أو ولد. وكان الأنصار يكرمون الرسول الكريم باللبن والطعام وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجالسهم ويقدمهم على نفسه بالطعام وكان يشرب آخرهم.وفي ليلةٍ تأخر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند بعض الأنصار لشأنٍ بينهم، وكان قد أُهدي إلى رسول الله قدح من اللبن وتأخر ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يكن لأهل الصفة أن يشربوا اللبن بغياب نبيهم تأدباً واحتراما فناموا بعد أن طال انتظارهم ولكن المقداد لم يستطع النوم لشدة الجوع وطال انتظاره، فقال في نفسه:الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند انصاره ولابد أن يناله شيء من الطعام عندهم فاشتد جوع المقداد فشرب قدح اللبن. وعاد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكشف غطاء القدح فوجده فارغاً فدعا لمن أطعمه وسقاهُ لعلمهِ أن أحداً أهدى إليه ذلك اللبن. كان المقداد مستلقياً وخاف أن يدعو عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيهلك ولكنه بدلاً من ذلك سمع دعاء الرسول لمن اطعمه وسقاه وعلم أن رسول الله جائعٌ وأحب أن يفوز بدعوته فأخذ مديَته وقصد بُهيمةً كانت لآل محمدـ صلى الله عليه وسلم أراد ذبحها وإطعام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإذا بها حافلة باللبن فترك ذبحها ووجد إناءً لآل محمدٍ ما كانوا يطمعوا أن يحتلبوا بهِ يوماً فحلب الشاة حتى امتلأ الإناء بالبركة حتى أنه لا يتسع اللبن، وعاد الى رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ باللبن، أيقظ الرسول أهل الصفة ولم يكن ليشرب من دونهم، شربوا جميعاً حتى ارتووا وشرب المقداد ثم رفع رسول الله القدح إلى فيه وسمى الله وشرب حتى ارتوى. فدهش المقداد مما رأى من البركة في القدح المملوء من شاةٍ لا تحلب، فسر وضحك حتى مال على جنبه من الضحك.فقال له صلى الله عليه وسلم إنها لإحدى سؤاتك يا مقداد، فذكر له أمر البركة ودعاء الرسول لمن أطعمهُ، وكيف أنه طمع بدعاء الرسول له والحمد والثناء لله أولاً وأخرا. في هذا الحديث الطريف ما يدل على حب المقداد للمبادرةِ وسرعة التصرف، كما كان ذلك في رده على الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قبل معركة بدر وهو شخص واحد بعيد عن عشيرتهِ، وكيف أنه قام وتكلم باسم أصحابهِ دون أن يقدموه فكان منه أن حمسهم للجهاد فكان رأيهم هو رأيهُ. ولذلك لا عجب أن نرى في انتسابنا للكندي الأسود المقداد بن عمرو ما يشرف عشيرة الفريحات فنعم الجد هو، وهذا الانتساب إلى الأسود الكندي أو الكندي الأسود هو كلام جدي عبد الحميد رحمه الله. === الهِيــــب === قبيلة عربية متفرعة من كنده ولا يزال لها وجود في الجزيرة العربية، وقد ورد في بعض المصادر أن" فريح” وهو جدُ الفريحات كان من الهيب لكنني لم أسمع ما يؤكد ذلك في مجالس الفريحات القديمةِ، وإن صار هذا الأمر متداولاً في هذه الأيام، وقد شاهدت في مكة المكرمة والمدينة المنورة من ينتسبون للهيب على يافطاتهم التجارية. == فريح في جبل عجلون == قبل قرابة أربعمائة عام، وصل فريح إلى نهر الزرقاء بعد طول سفر وعناء إخوة ثلاثةٌ هم فريح وفرح ومقداد شربوا من عذب الماء واستظلوا بوارف الظلال وحطوا الرحال تاركين خلفهم بلادهم إلى غير رجعة، حيث أُجلوا عن بلادهم مرغمين ولحكم العادات خاضعين، لا أمل لهم بالعودة إلى اليمن موطن الأهل ومرابع الصبا، فهناك دمهم مهدور لِدمٍ طوق أعناقهم وفرض عليهم الجلاء مدى الحياة وكانت هذه العادة حكماً صارماً يطبق على من سفك دم قريبٍ له، ولم يكن العرف يكتفِ بجلاء الجاني ولكن إخوتهُ يجلون معه وهذا هو العرف السائد آنذاك في اليمن، وهذا ما نقلهم من بلاد اليمن إلى بلاد الشام. وقد قيل في المثل ”الشام شامك لو الزمن ضامك" وقد كان سبب جلاءهم من اليمن قتل أحد بني عمومتهم، لذلك تركوا الأهل والمال نزولاً على العرف السائد، وجلوا إلى بلد لا يسمع لهم فيها ذكر، ولا يصل إليهم منها خبر. كانوا في حزن شديد لِما تركوا وراءهم من بلادٍ عزيزةٍ وأهلٍ كرام. وبعد هذا السفر والتعب وبعد أن وصلوا إلى مأمنهم واطمأنت نفوسهم، انتابتهم الحيرة إلى أين يذهبون؟ أيتفرقون خوفاً من طالبي الثأر؟ أيقطعون الشريعة غرباً؟ أيسيرون إلى دمشق حاضرةُ الشام؟؟ هناك عند ملتقى النهرين (نهر الزرقاء بنهر الأردن) وعلى تقاطع طرق القوافل التجاريةِ بسطوا أمرهم وتضاربت آراؤهم، فمنهم من تعب من المسير وأراد الاستقرار وأعجبته البلاد ورأى أنها وطن جديد بديلٌ عن وطنهِ، ذلك هو رأي فريح الذي أعجب بنهر الأردن وغور الأردن فالبلاد خضراء، والماء عذب وافرٌ، والدولة غائبة، البلاد تسكنها قبائلٌ رحّل فيهم كرم العربِ ومن الممكن أن يلتطوا (أي يلتجئوا) إلى قبيلةٍ من قبائل الأردن المتحاربة التي أتعبتها الثارات. جلس الثلاثة اللذين ورثوا حكمة أهل اليمن وفكروا ملياً، ورأوا في بقائهم مجتمعين مخاطر باستئصالهم وانقطاع نسلهم فقد كانوا ثلاثةٌ غرباء ومن الصعب أن يلجأ ثلاثةٌ إلى قبيلةٍ واحدةٍ بوقتٍ واحدٍ خاصةً وأن طالبي الثأر يتسقطون أخبارهم ومن الصعب تظليلهم عن الثلاثة. فقرروا التفرق في بلاد الله لعل في ذلك نجاةٌ لبعضهم أو لكلَهم من طالبي الثأر اللذين يقتفون آثارهم.كما أن ذلك أفضل حيث أن كل واحدٍ منهم أمير نفسهِ وخطيئتهُ برقبتهِ. تصافحوا، تعانقوا، توادعوا وتفرقوا هناك على ملتقى النهرين عند الشريعة في غور الأردن، حيث قصد كل واحدٍ الطريق الذي هداهُ الله إليه ليكوّن كل واحدٍ منهم عشيرة. قطع فرح النهر إلى فلسطين، وتابع مقداد المسير قاصداً بصرى الشام. وبحسب معطيات الحال الأمني في ذلك الوقت، أخذ فريح يبحث عن ملجأٍ منيع. ودع فريح أخويهِ عند مصب نهر الزرقاء بالشريعةِ واتجه شمالاً يرود وطنه الجديد. وفي سياحته التقى الرعاة على عيون الماء وفتح أذنيه لما يتردد من الأخبار، وسار من مكان إلى مكان وجالس الرعاة، فأكل من خبزهم وشرب من لبنهم، وكان حريصاً على إخفاء أصلهِ وفصلهِ وتفاصيل الأحداث التي مرت بهِ. وقاده ترحاله إلى جبل عجلون الذي ذكرهُ بلادهُ في علوِّ جبالها وصعوبة مسالكها، وقد أعجبه منعة جبل عجلون، حيث رأى فيهِ جبلاً عصياً على طلاب الثأر، هذا بالإضافة إلى ما حبا الله به جبال عجلون من الغابات الكثيفة والماء والخضرة، فاطمأنت إليه نفسه، ووجد ضالته وقصد عيون الماء من جديد ليشرب الماء الزلال ويتبين أحوال البلاد وسكانها وأخبار شيوخها وأحوالهم من طيب وكرم وحسب ونسب، وكان يبحث عن شيخ كريم يلجأ إليه، وكانت أخبار الشيخ حمد الخطابي يتداولها الناس، كان معروفاً كنار على علم. فحل عليهِ ضيفاً وقصده دون مشايخ البلاد لما وصله من حسن سيرتهِ وكرمهِ، وفعلاً وجد ما قيل عنه من أخبار صحيح فهو كريم وحكيم ذو فراسة فارتاحت نفس فريح وقرر أن يعمل لدى الشيخ ولو على (مؤنتهِ). === فريح قهوجي ثم شوير === حل فريح ضيفاً على الشيخ حمد الذي عرف من حال هذا الشاب وهيئته ولهجته أنه غريب من بلادٍ بعيدةٍ وأن له شأنٌ وقصه، ولكن لم تكن المروءةُ تسمح لهُ أن يستجوب ضيفهُ أو يسألهُ حتى انقضت مدة الضيافةِ ثلاث أيام وثلث بحسب العادات السائدة. كان الشيخ ذو فراسة وخبرة بالرجال وكانت الحال أفصح من المقال وخلال أيام الضيافةِ لفت انتباه الشيخ لباقة فريح وفصاحتهُ فعلم من حديثه وأخباره أن هذا ليس راعياً ولا صانعاً بل هو من أبناء الشيوخ وعليةَ القوم. وبعد مرور ثلاث أيام توجه فريح إلى الشيخ وشكا له الحال وغربة الديار وقال: يا شيخ أريد أن أكون منكم والتطي بكم وأنعم بجيرتكم وأبحث عن عمل أعتاش منه بينكم فرحب به الشيخ ووكله بأمر القهوة والترحيب بالضيوف والقيام على خدمتهم. في ديوان الشيخ كان عمل فريح ”قهوجي" يعد القهوة ويدور بها على الجالسين ويجلس بقربهم ويسمع كل شاردة ووارده فتعلم بوقتٍ غير طويل عن أحوال البلاد وأخبارها وتحالفاتها ورجالها ما كان يحتاجُ سنين ليعرفه خارج مجلس الشيخ حمد. كان فريح في مجلس الشيخ قهوجي، ولكنه كان يشاركُ في الحديث ويبدي رأيه في بعض المسائل المطروحة من أحوال العرب. ورويداً رويداً أحبه الشيخ حمد ورأى فيه صاحب عقلٍ وخبرةٌ وفصاحةٌ ونباهةٌ وسرعةُ بديهة، وكان معجباً بأحاديثهِ الغير مألوفةِ في هذه البلاد، وصار يستشيرهُ في بعض الأمور، فوجد فيه صاحب نظرٌ ثاقب، وصاحب رأيٍ صائب، فصار مستشاراً لهُ أمين على أسرارهِ لا يقطع بأمرٍ ذو شأنٍ إلا بعد مشاورتهِ وقرّبهُ إليهِ حتى صارَ قريباً منهُ كأحد أفراد عائلتهِ وصار موضع ثقتهِ. وخلال سنوات قليله ارتفعت مكانةُ الشيخ حمد وطار صيتهُ بين القبائل وسارت بمدائحهِ الركبانُ شعراً ونثراً وعلا شأنهُ وأكل الغيض قلوب حساده الذين رأوا في مدحهِ ذماً لهم وفي علوِّ شأنهِ لهم هبوطاً، وذلك كلهُ بفضل ”الشويّر" فريح الذي يعد قهوة الشيخ ويسمع ما يدور من الألفِ إلى الياء ثم يقدم مشورتهُ إذا طلبها الشيخ، وكان الشيخ حمد من اللذين يشاورون في أمرهم ”وأمرهم شورى بينهم" وبذلك علا حمد على أقرانهِ وشيوخ زمانه ِ إلى أن كادهُ حسادهُ ومكروا بهِ ووضعوهُ في ورطةٍ عظيمةٍ لم يجد لها مخرجاً فلجأ إلى فريح لما علم عنهُ من حسن تدبيره. ===قصة الشيخ سعيفان=== على أطراف غور الأردن كان الشيخ” سعيفان” شيخ” المشالخة" في عزةٍ وأنفةٍ وكبرياء، وكان هو الآمر الناهي في قومهِ اللذين اتسموا بالقسوةِ والجهل والطاعة العمياء لشيخهم. وقد طغى أمر هذه العشيرةِ فتكبروا وتجبروا واعتدوا، لم يقيموا للجوارِ حساباً ولا للدينِ باباً، همهم إخضاع القبائل لزعامتهم ينهبون البلاد ويذلون العباد، يفرضون الخاوة على من طاوعهم ويحاربون من مانعهم. كان مما درج عليه ”سعيفان ”أن يذلَّ من ساماهُ من الشيوخ وتجرأ عليهِ وقد عرفَ بطريقةٍ فريدةٍ لفعلِ ذلك لعلها كانت من ابتكاراتهِ اللئيمةِ، وغني عن البيان أهمية العرض عند العربان، وقد كان من أمرهِ إذا أحس بتململ أحد الشيوخِ وشك في خروجهِ عن طاعتهِ أن يرسل إليهِ مرسالاً يأمره بتجهيز ابنته عروساً للشيخِ سعيفان ويرسلها إليهِ في مدة شهر و إنّ على من يرد طلبهُ للمصاهرة أن يتحمل عواقب أمرهِ ولا يلوم إلاّ نفسه ولذلك كان الشيوخ حريصونَ على إرضاءهِ خوفاً من بطشهِ بهم أو أن يذلهم في عرضهم فالعربي لا يزوجُ ابنته رغماً عنها و عنه والموتُ عليهِ أهونْ. بمساعدة فريح علا شأن الشيخ حمد وسمعت بكرمهِ ورجاحةِ عقله وحسن تدبيره باقي العشائر وبمدحهِ نطقَ الشعراء وجروا الربابات وصار حديثُ السمر. كل ذلك كان يتناهى إلى مسامع سعيفان من الشعراءِ والخطار والدواجين فخاف أن تفلت الأمور من بين يديهِ وأن يعلو شأن حمدٍ عليهِ وقررَ معالجةِ الأمر على طريقتهِ المعهودةِ بإذلالِ الشيوخِ بالمصاهرةِ القسريةِ، فانتدبَ أشد رجالهِ ليكونَ مراسلاً لهُ إلى الشيخِ حمد وأمره أن يحذرهُ سوءَ الرد والأمرُ على محمل الجد وطلبَ سعيفان أن لا يردُ كلُ ذلكَ كانَ بدونِ علم من الشيخ حمد الذيكانَ رجلاً لا يحبُ سفك الدماءُ ولا الاعتداء، كانَ عزيزاً في دياره أمنا في سربه مع سعةٍ في الرزق وطراوةٍ في العيش في أمنٍ وسلام بين أهلهِ وربعه. في يوم عادي وبدون أية مقدمات، عكر صفو الشيخ حمد وصول ثلاثة فرسان حاملين السلاح لم يترجلوا عن خيولهم، تقدم أحدهم برسالةٍ شفويةٍ من الشيخ سعيفان للشيخ حمد” جهِّز بنتك عروس للشيخ سعيفان وطلب الشيخ ما بنرد، ونعود بعد ثلاثة أيام نأخذ الرد". هكذا وبكل وقاحة حتى أنهم لم يترجلوا ويشربوا القهوة كعادة العرب التي هي دليل على المودة وعدم شربها ينطوي على شر عظيم وأمر خطير. الشيخ سعيفان لم يقم لرأي الشيخ حمد وابنته وعشيرته أية قيمة، إنه الخضوع المذل أو الحرب الغير متكافئة. كان حمد مبهوتاً، كانت عدته ورجالهُ لا تؤهله لمحاربة المشالخة اللذين هم أضعاف أضعاف جماعته، وكانت إجابة طلب سعيفان أمرُّ من الموت. هذا ما أراد سعيفان، أن يذل حمد كما أذل غيرهُ من الشيوخ ويخضعهُ وقومهُ لسلطتهِ أو أن يجعل ذلك سبباً يشتت بهِ عرب الشيخ حمد وربما يقتلهُ ويأخذ ابنتهُ سبيه لكي تسمع باقي البلاد بما جرى فلا يرفعون رؤوسهم أبداً. وقع نبأ طلب سعيفان على حمد وعربه وقع الصاعقةِ ووضعهم بين أمرين” أحلاهما مرٌ"، وما هي إلا دقائق حتى توافد عرب الشيخ حمد إلى” شقهِ" مشدوهين مما سمعوا، فَعَلت أصواتهم واحتاروا بأمرهم وبدا نقاشهم فوضوياً، كلٌ يكلم الآخر فمنهم من يهدد ويتوعد، ومنهم الذي يثبطُ، وكان حمد أكثرهم حيرةً لأنهُ صاحبُ الكلمةِ الأخيرةِ التي يعتمدُ عليها في حياةِ قومهِ ومصيرهم، وكانت النساءُ في شق الحريم يسمعن ما يدور من حديثٍ. وبعدَ نقاشٍ طويلٍ في عرب الشيخ حمد، رجحت كفة اللذين يرون الاستجابة لطلب الشيخ سعيفان كما هو شأن غيرهم من عربان البلاد اللذين دفنوا رؤوسهم ذلاً بالتراب، وأبقوا على حياةِ قومهم وعللوا القبول بأنهُ قبول نسبٍ ومصاهرةٍ من شيخٍ معروف لا يقف له ولقومهِ أحد. وكانت بنتُ حمد تسمع ما يدور في مجلس أبيها لا تصدِّق ما تسمع، كانت فتاةً حرةً فخورةً بربعها وأهلها، تموت ولا تقبلُ الذلَّ لقومها فكيف إذا كانت هي السبب !، لسان حالها يقولُ” المنية ولا الدنية". وكانت بنت الشيخ حمد فتاةً جريئةً ذكيةً لم تكتفِ بلطم وجهها داخل شق الحريم بل خرجت حاسرة الرأس بجمالها الموصوف ووقفت أمام شقِّ أبيها المزدحم برجال قومها شبابهم وشيوخهم فنظرت إليهم شزراً كأنما كانت تخاطبهم عيناها ثم كشفت عن ساقيها وجلست القرفصاء جلسةَ من تقضي حاجتها، وكان ذلك تمثيلاً وذكاءً منها فنهض الرجالُ ينتهرونها وينعتونها بقلةِ الحياءِ والجنون فوقفت تخاطبهم بصوتٍ واضحٍ:" أنا لستُ بقليلة الحياء فالمرأةُ لا تخجل من النساء وأنا لا أخجل ولا أستحي من نساءٍ مثلي ولو كنتم رجالا ما صنعتُ ذلك أمامكم، ولو كنتم رجالاً ما هان عليكم عرضكم وما وهنت عليكم". سمع الناس هذه الكلمات فصاحوا” ألمينة ولا الدنية". "طاب الموت....طاب الموت". هكذا كان موقفُ بنت استطاعت بتصرف عفوي وبسيط أن تجعل من ربعها على رأيٍ واحدٍ، وهو أن طلب سعيفان مرفوضٌ،،،، مرفوض، كائناً بعد ذلك ما كان. أما حمد فطلب من قومهِ الهدوء ووعدهم بتدبير الأمر بأحسن تدبير، وكانوا يحترمونهُ ويطيعونهُ طاعةً عمياءً وعلى هذا انفض المجلس وعاد القومُ إلى بيوتهم. حمد يستشير فريح غادر رجال العشيرةِ يلهبهم الحماس مساءً إلى مساكنهم وخلا المكان إلا من حمد و فريح، وكما هي عادة الشيخ حمد استشار فريح بالأمر الجلل الذي دهمهم، فكان أن أخبرهُ فريح أنهُ واحِدٌ منهم يسوءهُ ما ساءهم ويسره ما سرَّهم... قال فريح: ”يا شيخ ولا تهتم الدبار عندي، الدبار عندي" ولكن لي شرط أن تطيعوا أمري ولا تسألوا عن سري فإن السِّر إذا تجاوزَ الاثنين ذاعَ وشاع". قبل الشيخ حمد بتدبيرِ فريح وأمرَ بطاعتهِ دون نقاش ودون الرجوع إليهِ وذلكَ لثقتهِ بإخلاصِهِ ورجاحةِ عقلهِ وحسنِ تدبيرهِ. قد علم حمد أن فريح من أبناء الأمراء أو كبار الشيوخِ لرؤيته الثاقبة ورجاحة رأيه، وأن الأيام عركتهُ وعلمتهُ أن فراستهُ لا تخطئه، وأن فريح لن يخذُلهُ وبعدَ ثلاثةِ أيام عاد الفرسان الثلاثةُ يريدون الرد فاستقبلهم حمد ورجالُهُ بالترحاب ( كما أمرهم فريح) وقالوا لهم: نسب الشيخ سعيفان شرف وطلبه مجاب وبعدَ شهرٍ من الآن سنأتيكم بالعروس” محفله مزفلة" مجهزه بجهاز يليق بعروس الشيخ سعيفان الذي سنأتي به من الشام وسنوافيكم بها بأنفسنا ونحتفل بزواج الشيخ معكم، فهذا نسبٌ يرفع الرأس وعاد المرسالُ مسروراً مفتخراً بما يحمل من أخبار يفرح لها سعيفان. تولى فريح أمر شراء السلاح ـ البواريد والرداني والسيوف، فكان كل من خط شاربه لديه بارودة وردنيه وسيف، وظبية ملح بارود اشتروها من الشام واشتروا جهاز العروس كتغطيه على سفرهم إلى الشام حتى لا يشك أحدٌ بزواج بنت حمد من الشيخ سعيفان. جمع فريح رجال العشيرة وغلمانها (كلُّ من خط شاربهُ) ورجالهُ كافةً، وشيوخها اللذين تثبتون على سرج الفرس، وكان ذلك تعبئه عامه وعلمهم مستعيناً بمن اختار منهم استعمال البارود وتعبئته والتسديد به وكانوا يتظاهرون بأنهم سيطلقون النار للاحتفال بالزواج المشهود. كان فريح على رأس هذا الاستعداد لا يضيعُ وقتاً فالوقت ثمين، أما حمد فكان يراقب عن كثب ما يقوم به فريح، ولم يخفى عليه أن فريح إنما يعدّهم ليوم حرب، لكنه وعده ألا يسأله عن سرّه. اطمأن على ما رأى وحمد الله أن يسّر له فريح وإلا لدخلوا حرباً بدون تنظيم ولا استعداد مع عدوٍّ جبّار ظالم، خاصةً أنه كبيراً بالسن ويحتاج إلى من يعتمد عليه مثل هذا الشاب ”فريح". ===تجهيز العروس=== جاء الميعاد المضروب، فتجهّزت العروس بأحسن زينة، وأعلن بين القبائل أنهم سعداء لمصاهرة الشيخ سعيفان، وأنهم لفرط سرورهم سيزفون إليه العروس ويحتفلون بالعرس. وما أن أشرقت الشمس حتى كانت العروس تتهادى في هودجها محاطة بفرسان عشيرتها يتقدَّمهم فريح قاصدين ديار المشالخة وفي الطريق انعطفوا إلى عين ماء كان فريح قد عرفه في طريق هجرته فشربوا وشربت خيولهم واستراحوا، وقبل أن يمتطوا خيولهم دعاهم فريح وأخبرهم بخطته المحكمة، قال لهم:" اليوم له ما بعده اليوم يومكم فإما أن تغيب شمسه وأنتم سادة البلاد وإما أن تكونوا مع الأموات" فحمسهم وأطلعهم على نيّته المبيتة وقال لهم:” ظهورها يا رجال، المنية ولا الدنية". في ذلك الزمان كانت البنادق بدائية، وكان يستعمل المدك لحشو البندقية بالبارود والرصاص فلكل بندقية طلقة واحدة ولكل ردنيّه ( بندقية قصيرة) طلقةٌ واحدةٌ ولابد من وقتٍ بعد إطلاقها ليعاد حشوها بالبارود من جديد وهذا الوقت غير متاحٍ في ظروف المواجهة المباشرة، بل العمل يكون للسيوف والرماح ولذلك كانوا حريصين أن لا تضيع طلقة سدى وهذا ما طلبه فريح منهم على عين الماء. خرج المشالخة مبتهجين بعرس شيخهم، بنادقهم تطلق النار وخيولهم تصافف خيول عرب الشيخ حمد في مهرجان احتفالي محتفلين بعرس شيخهم الذي وضعهم على رقاب الناس، أما الجموع التي يقودها فريح فلم تطلق رصاصة واحده فقد كانوا بانتظار الرصاصة الأولى من فريح ليفرغ كل واحدٍ رصاصته بمن جنبه بحيث لا تخيب رصاصة واحده. كانت عيونهم متسمرة على”فريح" الذي بدأ بالطلقة الأولى على من كان بجانبه، وتبعه الجميع كلٌ أطلق النار على من بجانبهِ في حين أن المشالخة كانوا قد أطلقوا نارهم في حفل الاستقبال، وليس لديهم الوقت ليعبِّئوا بنادقهم من جديد. وهكذا دارت عليهم الدوائر وقُتِلوا شر قتله، أما من فر فلحقوه بالسيوف والرماح ولم ينجوا من ذلك إلا طويلي الأعمار. لقد كانت العروس في هودجها طعماً أراده فريح يجتثُّ به سعيفان وربعه من البلاد، وبسرعة الرياح كان الفرسان يتسابقون إلى بيت سعيفان سيوفهم مشرّعةٌ متعطشةٌ إلى دمه. === نهاية المتجبر === شاهد سعيفان عاقبة ظلمهِ وتجبرهِ وما حلَّ برجالهِ، كما شاهد السيوف مصلته، والخيول مسرعةً تسابق الريح إليهِ، فأخذ رقبة الجمل ”كيس مملوء ذهباً مصنوع من جلد رقبة الجمل” وقفز إلى حصانه ِ واضعاً الكيسَ أمامهُ، وأخذ يعدوا بحصانهِ يطلب النجاة ويسابق الريح، ولكن إلى أين و فريح يصيح” وراه....وراه"، وأخذ الفرسان يعدون بالخيل خلفهُ لا يتركون له مجالاً للهرب، أما هو فكان في سباقٍ مع الموت، فقادهُ حصانهُ إلى حتفهِ حيث لم يجد خلاصاً من السيوف التي تطلبهُ إلا بالقفز عن طورٍ شاهقٍ على صهوة جوادهِ، وسريعاً ما وصل فريح ورجالهِ إلى" منط الحصان" هذا صار اسم المكان هو منط الحصان، وجدوا أن الحصان سقط عن مرتفعٍ شاهقٍ فدقَّ عنقَ سعيفان ووجدوا سعيفان ميّتاً تحت حصانهِ، فاستولى فريح على رقبة الجمل” كيس الذهب" وعاد إلى دياره الجديدة سعيداً هو وقومهُ” الجدد" يسوقون العروس في هودجها بالحداء والغناء حتى وصلوا ديار حمد، فاستقبلهم بالترحاب واستقبلتهم النساء بالزغاريد وعادوا منصورين غير مخذولين. == زواج فريح == ===(الرواية الأولى) بنت حمد=== عاد فريح بالغنائم التي غنموها والعروس في هودجها لم يمسها سوءٌ، وأمر الشيخ حمد أن تزفَّ ابنتهُ إلى فريح منقذها ومنقذ شرف عشيرته كان الشيخ حمد لا أولاد له وحضرهُ مرض الموت فأوصى بالشيخة من بعدهِ لزوج أبنته فريح وبذلك صارت الشيخة له عن حبٍّ ومودةٍ واشتهر باسم ”ابن فريح" انتساباً لأحد أجدادهِ في اليمن. ===(الرواية الثانية) زواج فريح زوجة حمد=== وعادَ فريح بالغنائم وأحتفل الشيخ حمد بالنصر على سعيفان، وكرّم فريح بأن أوصى لهُ بالشيخة من بعدهِ حيث كان الشيخ حمد قد أدركهُ الكبر وجاءه مرض الموت وبعد موتهِ آلت الشيخة إلى فريح حسب وصية حمد، وتزوّج فريح من زوجة الشيخ حمد التي كانت شابةً آنذاك على سنه الله ورسولهِ، وكان لحمد عدّة زوجاتٍ لم ينجبن لهُ أولاداً ذكور. وعلى أية حال فقد آلت شيخة عربان حمد إلى فريح الذي تجري بدمهِ الزعامةُ وحب الرياسة التي ربما كانت هي سبب خروجهِ إلى اليمن. وهيهات أن يعود إلى اليمن فقد قرر الاستيطان في عجلون وعاش في خربة الوهادنه بقيّة حياتهِ. ==زعامة ابن فريح== انتسب فريح إلى أحد أجداده في اليمن وكان سميُّه وأصبح معروف باسم ابن فريح. شاعَ صيتهُ في الأغوار الشمالية وشمال الأردن وجبال عجلون وصار من الأسماء اللامعةِ في جبل عجلون، وكان يتدخّل في حلِّ الخلافات التي تنشأ بين العشائر، وفي تلك الفترة كانت الدولة العثمانيَّةُ في أو ج مجدها وريعها وشبابها، ووجد والي الشام في فريح رجلٌ جدير بالاعتماد عليهِ، فدعاهُ وقرّبه إليه وأسند إليه مهمّة جمع الضرائب من جبل عجلون الذي كان يضم شمال سيل الزرقاء بما في ذلك قرى جرش وعجلون والكورة وإربد. كانت الضرائب عبارةً عن حبوب من القمح والشعير تورّد إلى مركز في درعا تجمع فيهِ الحبوب التي كانت مئونة للجيش العثماني الجرار الذي كان أقوى وأكبر جيش على الكرة الأرضيّة آنذاك. وهكذا استطاع فريح المهاجر الطريد بحنكتهِ وذكائهِ وخبرتهِ السياسيةِ السابقة في اليمن التي ورثها عن أباهُ أن يجد له مكاناً في جبل عجلون وأن يستفيد من الدولة العثمانية ويعتمد عليها في تقوية مكانتهِ بين مشايخ البلاد عامةً وجبل عجلون خاصةً. ===سنجق جبل عجلون ـ ابن فريح ـ=== كان فريح يجمع ضرائب الدولة العثمانيّة من عشائر عجلون والكورة وجنوب حوران من سيل الزرقاء إلى درعا، وكان هناك سندات تسليم لمخازن الحبوب وكان يكتب اسمهُ كدافعٍ للضرائب وهكذا دوِّن اسمهُ في سجلات الضرائب كأكبر دافع ضرائب في هذه المنطقة ـ وكانت هذه لعبة سياسية ذكيَّة ـ وفي الحقيقة كان عملهُ هو جمع الضرائب وإحضارها إلى درعا ولم تكن من ماله هو. أما الدولة العثمانية السنيّة في ديوان الباب العالي فقد رأت تكريم أكبر دافعي الضرائب لاعتماد جيشها على هذه الحبوب بجهادهِ الصليبيين في البلقان وشرق أوروبا وشمال أفريقيا، والصفويين في إيران، ومن المعلوم أن الجيوش تزحف على بطونها، وهكذا نُقش اسم" ابن فريح سنجق جبل عجلون" على اللوح النحاسي في ديوان الباب العالي في الأستانة مركز الخلافة والحكم، وقد جرت العادة عند العثمانيين توريث هذا المنصب في أبناء فريح من جيل إلى جيل مما جعلهم فيما بعد في الواجهة وفي مركز الأحداث المؤثّرة في المنطقة. وهكذا كان فريح يدير شؤون المنطقة بالنيابة عن الدولة وقد عقد تحالفات مع العشائر من حولهِ وحوّل العداوات التي بينها إلى صداقات ولم يعادي أي عشيرة في هذه البلاد. ولكن مع اتساع نفوذه وعلوِّ شأنهِ والتفاف العشائر حولهُ خافَ” الصخور" على مكانتهم فخرجوا عليهِ وقتلوهُ غدراً عام 1600م (1009هـ) دفن فريح في ”خربة الوهادنه" بعد أن وطّد الأمر لأولاده من بعدهِ وترك من الآثار والأخبار ما يسمر به الناس إلى يومنا هذا. وقد ورد ذكر فريح في سجلات الدولة العثمانيّة، ومن تلك السجلات سجل محمد خان سنه 1005هـ. == أبناء فريح == بعد فترة من وفاة فريح سكن أبناؤه قلعة صلاح الدين وأصبحت مقراً لزعامتهم ومنزلاً لشيخهم ومضافةً ومنتدىً لهم ومن القلعة تمّت إدارة منطقتهم بالتحالف مع عشائر البلاد الموجودة في ذلك الزمان. كان ديوان القلعة مفتوح الأبواب للخاصة والعامة يقصده الرعاة كما يقصده الباشاوات، وكان الحكم عثمانياً إلا أنه في جبل عجلون كان مبنياً على المودَّة والرّحمة والعدل للجميع. بعدَ أن كثرَ أحفاد فريح وذريّتهُ تطلّعوا إلى كفرنجه فسكنوها، ويقال أنهم أخذوها من أهل عنجرة فقد كانت من أراضي [[عنجرة]] على أن الأرض كانت أرضاً خراجيه ملك للدولة تعطيها لمن تشاء وتسلبها ممن تشاء حسب تغير الأحوال وعملوا كسائر السكان بزراعة الزيتون والكروم وتربية الأغنام والأبقار وتنافسوا في اقتناء الخيول الأصيلة، وأتقنوا الرماية وركوب الخيل وحافظوا على مكانتهم التي ورثوها عن آبائهم. ==تقسيم أفخاذ عشيرة الفريحات: الدار الشرقية والدار الغربية:== يبلغ عديد عشيرة الفريحات في الأردن لوحدها حوالي <ref>الرقم تقديري ومستقى من سجلات الانتخابات البرلمانية الاردنية للعام 2012</ref>نسمة. وقد تفرّع الفريحات جميعهم من” سليم ابن فريح" وكان له أربعة من الأبناء هم سلامه، عثمان، محمد، بركات، وكان منهم من سكن الدار الشرقية (في كفرنجه) ومنهم من سكن الدار الغربية، وقد تفرّعت الدار الغربية من” بركات” وأما الشرقية من ”سلامة". وعليه تقسم الفريحات الى فريحات الدار الشرقية وفريحات الدار الغربية. لم تكن الدار الغربية والشرقية في الأصل تعبيراً عن تسلسل في الدم بل كان البعد المكاني هو العامل المؤثر ولذلك نجد الآن من يقول بوجود الدار الوسط وهم بعض عائلات الفريحات التي كانت تسكن بين الشرقية والغربية. زعامات عشيرة الفريحات: مدفوعين بالقحط في سنين القحط كان أهل البادية يتجهون غرباً بحثاً عن الماء والكلأ وكانت حياة البادية قد طبعتهم على الخشونة والجفاء فكيف إذا زيدوا على ذلك الجوع. كانوا يندفعون إلى حوران فارين من الهلاك بمواشيهم التي هي حياتهم وكانت حوران خضراء خصبة مزروعة. والحبوب، وكانت حياة الفلاحين على الزراعة وكانت قطعان المواشي مؤذيةً لمزارع الفلاحين، بسبب ذلك كانت تنشب الحروب فكل طرفٍ لا يفكر إلا برزقهِ وقوتهِ، وكانت الغلبة للبدو حيث وصل الأمرُ أن البدوي يمرُّ على الحرّاث وهو يحرث فيقول أنا شريكك ويشاركهُ مجهوده بدون جهد سوى حمايتهُ من باقي البدو وكثيراً ما لجأ أهل حوران إلى جبل عجلون فارّين بمؤنهم وأرواحهم. أما البدو فكانوا يتسمرون أمام عظمة الجبال المغطاة بالغابات الكثيفة ووحشتها، وكانوا يخشون الرصد خلف الصخور والأشجار. كما كان جبل عجلون مليء بالوحوش والذئاب والضباع، وكانوا يخشون ذلك على قطعانهم، كانوا يأكلون الأخضر واليابس ثم يعودوا إلى بلادهم ويعاودون الكرّة عند كلِّ سنه قحط والجوع كافر، وكانوا يسمون جبل عجلون ”خشم النمر" فلا أحد يضع كفّه عليه. وبنفس الوقت كانت سلطة الدولة العثمانية ضعيفة على منطقة بلاد الشام وغالبا ما كانت تقتصر الى جباية الضرائب وأخذ الشباب العرب للتجنيد. لذا كان لا بد من وجود زعيم لرعاية أمور العشيرة والمنطقة. وقد تزعم عشيرة الفريحات على مدار القرنين الماضيين عدداً من الأشخاص الذي أداروا أمور العشيرة أو كانوا الوجهاء سواء تجاه قبائل المنطقة أو تجاه الدولة العثمانية التي كانت تحكم المنطقة. وفيما يلي نسرد بعض هذه الزعامات. ولا يعني أنها الزعامات الوحيدة الا أنها زعامات واضحة وثقها التاريخ: ==زعامة مصطفى الفريحات: زعيم جبل عجلون (وسيد القلعة)== كان مصطفى من أبرز رجالات الفريحات، فاق إخوته عقلاً وحلماً وشجاعةً وكرماً، سكن قلعة صلاح الدّين وتقلّد زعامة البلاد من شمال نهر الزرقاء إلى سهول حوران. وكان علماً من أعلام البلاد، عنه يصدر الأمر والنهي، أما منافسوه فقد أكل الحسد والحقدُ قلوبهم وثارت ضغائنهم فرموهُ بكيدهم وبيتوا له نيّة الشر. أما مصطفى فقد كان منشغلاً بأهالي جبل عجلون اللذين كانوا في غدوٍّ ورواح، منهم من جاء يطلب الإنصاف من غريمٍ ظالمٍ، ومنهم من جاءت به الفاقة والفقر، ومنهم من جاء للتقاضي مع خصوم. تناهى إلى سمع مصطفى أخبار الحروب الطاحنة التي تنشب نارها بين العدوان من جهة والصخور والعبابيد من جهة أخرى، تلك الحروب التي عادت بشرق الأردن إلى عصور الجاهليّة الأولى، وكم آلمه عندما سمع أن الدائرة تدور على العدوان، وأنهم في ضيقٍ، وأن أعدائهم أكثر منهم بكثير. كان هناك صلات تربط العدوان بجبل عجلون وبالفريحات على وجه الخصوص، وكانت هذه الأحداث مقلقة لمصطفى الذي رأى أن الأمور لن تقف عند هذا الحد. عبرت نهر الزرقاء، وقرى بني حسن، وقرى المعراض، ناقةٌ في رقبتها ”شقة بيت شعر" يقودها رجل. انتقلت من قرية إلى قرية ومن عربٍ إلى عرب دون أن يعترضها أحد. كان ذلك يعني حسب العادات أن العدوان أصحاب النّاقة يطلبون العون من العشائر في حربهم ضدّ بني صخر، وقد مرّت الناقة ببلاد "الفزعة" تطلب العون على بني صخر، ولم يتجرأ أحدٌ على تحرير النّاقة وقص الشِّقة في هذه البلاد التي كانت تُعدّ فزعة واحدة ـ أي البلاد التي اعتاد أهلها التكاتف على الأعداء ـ، كان السبب بسيطاً أن أحداً لم يجرؤ على تحرير الناقة لأنه سيكون ملزماً بمحاربة بني صخر جنباً إلى جنب مع العدوان. وبعد أن قطعت النّاقة البلاد وتجمعات البدو والفلاحين كانت متعبه لأنها كانت تطأ على الشقة في سيرها مما أتعبها، وكان هذا رمزاً للمعاناة التي يعانيها العدوان من تحالف بني صخر والعبابيد عليهم. وأخيراً وصلت النّاقة إلى كفرنجه، إلى بلاد ابن فريح صاحب الصيت والشهرة، كانت النّاقة متعبه وعندما سأل الشباب كبارهم وفهموا المقصود ثارت حميّتهم وأوقفوا النّاقة. وقف أحد شباب الفريحات بدون تفكير ولا رويّة ولا استشارة أحد وقال:" منهم بنو صخر حتى نخاف منهم ؟ نحن لا نخاف إلا من ربنا ـ ألا تقولون أنا فزعتهم وهم فزعتنا" حاول أحد العقلاء تدارك الشاب ولكنّه سحب شبريّتهُ وقصّ رباط الشق وقال:" اللي بدو يصير يصير" فليكن ما هو كائن. حضر الناس وتجمّعوا فمنهم من أيّده ومنهم من أنكر عليه التسرع وعدم الرجوع لأصحاب الحل والعقد، ولكن الجميع كانوا على رأي واحد ”نحن ملتزمون مع العدوان لا عوده عن ذلك ولو كان الموت الزؤام". أما صاحب الحل والعقد الشيخ مصطفى إبن فريح فقد قال:" سبق السيف العذل" وجهّز نفسه وخرج على رأس عدد من الفرسان اختارهم بعناية ودراية من أمهر الرماة وقال: الأمر ليس بالعدد ولو كان بالعدد فلا قدرة لنا على أعدائنا، وتوجهوا إلى مضارب العدوان اللذين كانوا بانتظار النصرة من ابن فريح. كان الاعتقاد السائد عند الفريحات أن” حظ الفريحات ولد" وهذا معناه أنهم كانوا يتفاءلون بالشباب، وكانوا كلما رجعوا لماضيهم رأوا أنهم يفلحون على أيدي صغار الشباب، ولهذا كان اختيار مصطفى لصغار الشباب. كان من بين الشباب شاب أبيض رقيق وجميل وقيل أنّه كان يلبس البرقع من شدّة افتتان النساء به ومع جماله ورقّته كان له قلب أسد شجاع لا يخاف وكان ما يميّز" سليمان أخو درّه" أن رميته لا تخطئ هدفها، وكان معروفاً بذلك بين أقرانه سواءً في القنص حيث كانت طيور الحجل والغزلان والأرانب ميدان التدريب الذي تدرّب فيه أو في مباريات إصابة الهدف التي كانت تتم في الأعراس حيث كانوا ينصبون رؤوس الذبائح في الأعراس كهدف ونقطة التسديد هي ”الصباح وبين العينين" كان سليمان ابن أخت مصطفى أو هكذا كان يدعوه ”سليمان يا إبن أختي". ==وقعة أم السماق== علم الصخور وحلفاءهم بمناصرة مصطفى بن فريح فجمعوا جموعهم ليوم كريه يكون له ما بعده. أما العدوان فارتفعت معنوياتهم وجمعوا جموعهم للمعركة الفاصلة بمناصرة ابن فريح. وأخيراً وصل فرسان ابن فريح وكانت خيبة أمل العدوان كبيرة لقلّة عدد الفريحات، وكأنهم جاؤوا فقط رفع عتب من هذه الورطة التي ورطهم بها أحد جهلائهم. بكى أحد كبار السن من العدوان لخيبة أمله مما آلت إليه الأمور، ومن كثرة جموع الصخور اللذين تحشّدوا لعلمهم بمناصرة ابن فريح للعدوان. ولمّا رأى الشيخ يبكي قال سائلاً:”ليش تبكي؟ "فأجابه” أبكي عليك اليوم يومنا وانتهى أمرنا" وذرف دمعه وأطرق برأسه وكظم غيظه وتساءل ”أهذه هي فزعة ابن فريح"؟ وجادت قريحته بالشعر. سمع ذلك مصطفى بن فريح فشبّ قائما وقال: "لا تبكِ يا ختيار الأمر ما هو بالكثرة، جئتك برجال رضعوا الفروسيّة وفنون الحرب مع حليب أمهاتهم، ماهي بالكثرة، اليوم يومهم...أبشروا اليوم يومهم...أبشروا اليوم يومهم". كان ذلك درس في رفع المعنويات، وكان هناك قصيدتان واحدة للشيخ الذي بكى وواحدة رد عليه. تواجهت الجموع، الفرسان في المقدّمة وعلى رأسهم مصطفى بن فريح في فرسانه، متميّزون في اللباس والهيئة يتوسطون العدوان. وفي المقابل صف من الفرسان الصخور يتقدّمهم” عوّاد" أما الرجليّة فكانوا من خلف الفرسان. تقدّم عوّاد قاهر الفرسان، وكان فارساً متمرّساً، كثيراً ما أطاح بالرّقاب في ميادين المبارزة، وكثيراً ما أذلّ خصومهُ ببراعتهِ وذكائهِ، كان مجرّد ذكره يخلع قلوب مبارزيه ويسقطون صيداً سهلاً له، كان يعتمد الخديعة والحربُ خدعة. كان عوّاد على ظهر حصانه الأسود كسواد الليل، حتى أن حصانه صار أسطورة، فقالوا إذا صهل حصانه ”تحيل" فرس خصمه وتقف وتخذل صاحبها، سمع بذلك مصطفى فاحتاط للأمر فكان يركب هو وفرسانه الأحصنة الأصيلة ولم يركبوا إناث الخيل. ومن بين الجموع همز مصطفى حصانه وتقدّم باتجاه عوّاد الذي ردّ على ذلك بالمثل، كان عوّاد شاعراً يبتدئ مبارزته بالشّعر الذي يوهن العزم، مضمونها" ما علمكم بالمبارزة، اسلموا بأرواحكم، ما جاء بكم إلا حضكم العاثر". ولعلّي أجد هذه القصيدة. ردّ مصطفى بأبيات من الشّعر تناسب الحال مضمونه:" اللي ما يعرف الصقر يشويه، واليوم تعرفنا، واليوم يومك، ما تشوف أقشر من اليوم". وبدأت المبارزة بالسيف، أبدى كل واحد منهم مهارة وخفّة ورشاقة حيّرت المشاهدين. وبعد فترة طويلة من المبارزة أدار عواد رأس جواده وراح يعدو به متظاهراً بأنه فارٌ من المبارزة، أما مصطفى فعلم أن الأمر به خدعة ولكنّه غدا وراءه بحذر وأخذ بندقيّته حتى إذا أحكم تسديدها بين كتفي عواد أطلق النار ورأى لمعة الحديد بين كتفيه حيث أصابته الرصاصة وعرف بسرعة بديهته أن الفارس ”مدرّع" وأن فراره كان خديعة وفوراً استدار مصطفى إلى الوراء عائداً إلى الصفوف مسرعاً، وكان عوّاد فور إصابة درعه قد استدار مشهراً بندقيّته يجري خلف مصطفى ولكن مصطفى عاجله إلى صف الفرسان وقال: "ابن اختي يا سليمان، الفارس مدرّع ومخبي درعه تحت العباءة وإذا ما صبته بعينه قتلك". كان عواد قد ارتدى بيضة الحرب على رأسه لا تبين إلا عيونه، وبسرعة قال سليمان: "لعيناك...لعيناك"، وخرج يعدو حتى لاقى عواد فلما اقترب من عواد عادَ لنفس الأسلوب الذي اتبعه مع مصطفى ولم يكن يعلم بانكشاف سرّه بالفوز في مبارزات الموت. ===سليمان أخو درّه=== تواجه سليمان وعوّاد وتفرّس أحدهم الآخر، ونظر عواد فإذا هو ولد ليس له بندٍّ فقال: يا ولد ويش اللي جابك لمصرعك يا ولد مانت بندٍ لي ولا أنا بطمعك يا ولد روح لأمك ترضــــــــعك يا ولد لا تبكّي أمك على مصرعك قال عواد: "يا ولد أنا لا أريد أن أقتلك وأفجع بك أمك التي ما كادت تكمل رضاعك، ولكن عُد فأنت لست كفؤاً لي فليخرج لي أكبر فرسانكم فأنا عواد...أنا عواد"، أما سليمان فقد قال: "اليوم يومك لا تصغرني ولكن شوف فعلي وأنا أخو درّه” وأثار غضبه حين قال: "نحن لا نخافك ولذلك أرسلوني أنا أصغر الفرسان لأن أمرك هيّن وسترى مني اليوم ما ترى”. غضب عوّاد وكرّ على سليمان بالسيف لعلّه يغلبه بالسيف فوجده ماهراً صعباً ليس بهيّن ودارت بينهم مبارزة عنيفة، وبعد أن تعبوا أدار عواد فرسه وتصنع أنه خائف وراح سليمان يعدو خلفه مسدداً بالبندقيةِ بيدٍ واحدةٍ، وطال عدو سليمان خلف عواد وكان عواد ينتظر أن يطلق سليمان رصاصة فيلتف على الفور ويقتله كما هي عادته في قتل الفرسان والتي كانت سرّه الكبير ولكن سليمان لم يطلق النار وطال الطراد ولم يطلق سليمان النار حتى ابتعدوا عن الصفوف، شك عواد بما يدور وقال: ربما عاد الفارس الذي يطرده من الوراء وهو لا يشعر لأنه أمكنه من نفسه ليطلق النار ولم يفعل. وأخيراً إلتوح (إي نظر يمينا ويساراً بسرعه" عواد الى الوراء ليتبين أمر ما وراءه، ولكن سليمان كالبرق وضعها في أحد عينيه فسقط صريعاً، وعلى الفور التحمت الصفوف ودار القتال وانهارت معنويات الصخور وفروا هاربين مطرودين من العدوان وعلى رأسهم الفريحات. كانت وقعة عظيمة ثأر بها العدوان من الصخور ولم تقف هزيمتهم إلا عند ”الموقّر"، وقد سجّل تاريخ القبائل هذه الوقائع شعراً وعادوا منصورين واحتفل المنتصرون، وقد فرشت نساء العدوان دوامرهنَّ لتطأها خيول الفريحات وعلى رأسهم سليمان أخو درّه و مصطفى تكريما لهم وجلسوا في بيت الشَّعر، وقالوا أن النساء تزاحمن على البيت يردن رؤية سليمان قاتل عوّاد حتى أنهنَّ مزقنَ بيت الشعر من خلفه ليكحلن عيونهن بالذي شفا صدورهنّ وأخذ بثأرهن من عواد قاتل رجالهنّ، وعادوا الى القلعة منصورين وسط استقبال رائع لم يُقتل منهم فارسٌ واحد. بعد فصول من حياة مصطفى المليئة بالأحداث التي جعلت الفريحات قبيلة مميزة ذات شأن، ليس فقط لصلتها بالدولة العثمانيّة بل لتوطد صلتها بعشائر جبل عجلون وجنوب حوران وجبل الدروز ومرج ابن عامر شمالاً وبعشائر البلقاء جنوباً، ومن خلال هذه العلاقات الحسنه كانت ترتفع مكانة العشيرة وتتألق، ولكن على أساسٍ من المحبّة والمودّة والاحترام الذي طبع هذه العلاقات، ولذلك لا يستطيع المنصف المتأمل في تاريخ الفريحات إلا ان يعتبر مصطفى هو المؤسس الثاني للعشيرة الذي حوّلها من عشيرة تعتمد في وجودها وزعامتها على العلاقات العامّة بين العشائر والدولة العثمانيّة إلى عشيرة تحتاجها الدولة العثمانيّة ولها كيان بارز وواقعي تحتاج إليه باقي العشائر التي ارتبطت بالفريحات. قديماً كان الحسد والغيرة سلاح خطير سلّه الشيطان بين الإخوة قابيل وهابيل كما ورد في الكتب السماوية كذلك كان الحسد والغيرة السلاح الذي دخل به الشيطان بين الفريحات. بعد أن تعاقدوا على الغدر والخيانة تسلل الخونة تحت جنح الظلام وبمساعدة أمه من عبيد القلعة رتبت أمر ترك باب القلعة مردوداً بدون إغلاق بالمفتاح كما تركت الحبل الذي يتحكم بالجسر المتحرّك بالبكرات مرمي خارج القلعة. أنزل الخونة جسر القلعة بواسطة الحبل دون أن يحدثوا جلبه، ودخلوا الباب الذي كان مردوداً بدون إقفال بالمفتاح. أحس مصطفى بحركة وما أن رفع رأسه حتى كانت السيوف مصلته على رأسهِ، قال:" إن دمي ليس رخيصاً ويلكم...يا ويلكم من أبو شويربين "وكان هذا لقب أخيه لأمّه، قالوا: لا يضربك أحدٌ بالسيف قبلهُ وبالفعل بدأ أبو شويربين وانهالوا عليه بالسيف حتى أجهزوا عليه، ثم تحولوا إلى ابن رضيع في ”اللفاع" اسمه” شريده" يريدون قتله خوفاً من ثأره في المستقبل، ولكن عاطفة الأم دعتها للدفاع عن ابنها فرمتهُ لما حاصروها وكان القدرُ أن سقط في بئر القلعة وكان فيه ماء ضحل، ظنَّ الغادرون أن الطفل يستحيل نجاتهُ، وبعد أن نفّذوا فعلتهم الشنيعة غادروا المكان. فزع سكان القلعة من عبيد وخدم فوجدوا سيّدهم مقتولاً والغريب أن الطفل الرضيع كان حياً معافى عندما أخرجوه ـوالحيُّ لا قاتل له ـ. بعد أن عادت زوجة مصطفى لأهلها بفترة بان حملها ووضعت مولودا وأسمته على اسم أبيه” مصطفى" وعاشت مهددة بقتل أولادها إذا أفشت لهم سرّ قتل زوجها، والسرُّ إذا تجاوز الإثنين فاع. ===مصطفى بن مصطفى:=== شب ّمصطفى (الابن) دون أن يعلم عن قاتل أبيه (مصطفى الأب) حيث تواصى أقاربه بكتم السّر خوفاً من أن يثأر لأبيه. ومنهم من كتم السر خوفاً عليه أن يلاقي مصير أبيه، أما أمه فكانت بين نارين. حدث أن تشاجر مصطفى مع أحد أقرانه فتغلّب مصطفى عليه وطرحه أرضاً ”بطحهُ"، عندها احترّ الشاب وقال لمصطفى: "لا تتشاطر عليّ روح على ذبّاح أبوك، يروح ويغدو أمام عينك”، ترك مصطفى الشاب وعلم أن هناك سراً عظيماً تخفيه أمّه عنهُ، وعاد ثائراً قد استبدّ به الغضب ودخل على أمه وسألها عن وفاة أبيه. قالت وهي تبكي: "يا بني هذا شأن قديم كفى ما عانيت من الثكل وتربية الأيتام وظلم الأقارب، أنا خائفة عليك لا تفتح ابواب الشيطان”، فقدَ مصطفى صوابهُ وتيقّن من كلام الشاب، فسلَّ شبريَّتهُ وقال لأمه: ستموتين الآن إن لم تقولي الحقيقة الكاملة”، انهارت الأم بالبكاء وأخبرته الحقيقة كامله وقالت: "يا بني تلك كانت ساعة شيطان. إنهم أهلك الذين ربّوك ولو علموا بأنك تريد الثأر لقتلوك.. يا بنيّ ارحمني. لا تذهب، لا تذهب". كان الشررُّ يتطاير من عينيه، أقرب الناس إليه قاتل أبيه!!!! كما ربى جساس ابن كليب !!!ولا بدّ هنا ممن قام بدور البسوس التي فتنت العرب. سمع بعض الناس صياح المرأة على ابنها وفهموا الحكاية وأسرعوا إلى ...... محذرين، أخذ هذا حذره وانتشر الحرس وأصبح في مأمنٍ وكان مصطفى على وشك أن يقتل أو يقبض عليه من جماعة ..... نادى مصطفى أحد عبيد أبيه وقال: ”اخفِ هذه الدرنية في كم ثوبك فهي مجهّزه واذهب الى بركات وتظاهر بأني كسرتُ يدكَ وضربتك فإذا قرّبك إليه فضع الرصاصة بقلبه ثم أسرع اليّ قبل أن يمسكوا بك وإلا قتلتك بنفسي”. رأى .... العبد متأملاً متظاهرا بأن يده قد كسرها مصطفى، قال: "ارني يدك"، فاقترب منه حتى وضع السلاح في صدره وأطلق النار فخرَّ صريعاً وفرَّ العبد الى مصطفى الذي تمركز على ظهر العليَّة مصوباً فوهة بندقيّته الى من يقترب من جثمان .....، وتجمع أنصار مصطفى اللذين كانوا مغلوبين على أمرهم إليه وجرَّدوا أسلحتهم واستحكموا على ظهر العليَّة المقابلة لمسجد كفرجه القديم، ومنعوا دفن الجثة ثلاثة أيام. سمع أهالي عجلون بما حدث في كفرنجه وتوجّه وجهاء منهم إلى كفرنجه ليسمح بدفن الجثة وعقد صلح فيما بعد، ولكنّ مصطفى رفض، فذهبوا الى المومنيه (عشيرة المومني التي تسكن شمال شرق كفرنجه) وكانوا أصحاب طريقة صوفية ينظر لهم الناس باحترام وتقدير من منطلقٍ ديني، فجاءوا يحملون أعلامهم ويضربون طبولهم ويتغنون بذكر الله حتى وصلوا كفرنجه، فسمح لهم مصطفى بدفنه، فأرادوا حمله ولكن جسمه كان متغيراً فلم يستطيعوا ذلك فحفروا له قبره حيث كان ودفنوه فيه وذلك في مكان مسجد كفرنجه القديم وبذلك يكون مصطفى قد أخذ بثأر أبيه حسب الأعراف السائدة. غادر مصطفى وجماعه من أنصاره كفرنجه وسكنوا الغور ووقعت عدّة مناوشات بينه وبين أقاربه في كفرنجه. أرسلوا له من كفرنجه يعلِموه أنهم استولوا على البيوت والكروم على شكل أبيات من الشعر وردّ عليهم شعراً...إن كانوا رجال فليسكنوا هذه الكروم. مادام حنّا نركب الخيل ونسير ماحنا بحال الفقر ولا الغناة. ===زواج مصطفى=== تزوج مصطفى المصطفى من عشيرة العدوان، وكانت من أكرم العشائر نسباً، وكانوا يتواجدون في غور الأردن، وكان اسم زوجته "شلحة"، وكان له صداقات مع الشيخ نمر العدوان الفارس والشاعر المعروف، وضل معتبراً بنظر عشائر البلاد زعيماً للفريحات وريثاً لأبية مصطفى الذي قُتلَ غدراً في القلعة وإن بقيت بينة وبين عمومته الخلافات. ذاع صيت مصطفى” ابن فريح" وكان مصادقاُ لمشايخ العدوان حمود، وذياب، ونمر العدوان، وكانوا حلفاء للفريحات. وهذه القصيدة أرسلها نمر بن عدوان الشاعر الفارس المعروف إلى صديقه ”ابن فريح": سلام للــــــــــــــي بالقبــايل تنقــــّل نفسه عند أطفاس المعاني طموح يا شمعة الصبيان يا نقــوة الصـــفي اليث بكل الوصايـــــــــف تلوح ارزم ردع قلبي أو جسمي تزلـــزل إنهل دمع العين سحب او برد هل على وديـــــــد فيه قلبــــي تعلــــعل حبه سكن في... سقف روحي أكثر وصايف نور عيني من الصيد خمريّة الوجنات ورديّـــــــة الفــــم امن فراقها عـــــدي منيعاً او بالقـيد ريمّيـه واستنكرت حس موحـي يـا وجعتـــي يـا فجعتــي يـا غثــــايــا يا بلشتــــــي يا نشبتــي يا شقايــــــا والله لولا الخوف وأكثر حكـــــــايا يا ناس أنا في ملك ربــي لســــوح يا بلشتي فـــي قلب حايــــــــر دليله يا بلوتي فــي عين دمعه يســــــوح شاع الخبر يا مصطفى والحيا ضاع والكل يطعنّي يفتح جروحـــــــــي ملقوع أنا مفجوع هايم ورعــــراع من وجد قاتل في ضميري يلــــوح يا لايمينّي بالنبـــــي لا تلومـــــوني عاذلنّي فاهم اللــــي تقولــــــون قلبي هبيل وتابعه قلب مجنــــــون يا مصطفى عزيت روحي لروحي والمتفحص في هذه الأبيات يرى المكانة التي كانت لمصطفى بين الناس حيث وصفه بأنه" شمعة الصبيان" وأنه ”نقوة الصّف" وأنه ”ليث". كما يرى المتفحّص بهذه الأبيات الصداقة التي تربط مصطفى بنمر، حيث كان يشكو له ألمه وما ألمَّ به من فراق ”وضحا زوجته. أما كلمة ”عزِّيت روحي لروحي" فتدل على المودة والمحبة والصداقة، فإنه يعد مصطفى بمثابة نفسه وهو إذ يشكو همَّه إليه فكأنما يشكو همَّه لنفسه. كان مصطفى" نسيب العدوان" وعلى صلة كاملة بما دار من أحداث آنذاك، ولا عجب فزوجته عدوانيَّه. ==زعامة آل بركات الفريحات== هذا الجزء تحت الاعداد ==زعامة راشد الخزاعي الفريحات== هذا الجزء تحت الاعداد ==نخوة الفريحات: شيره== شيره هي بنت مصطفى، وأخت مصطفى الفريحات، ذاع صيتها لذكائها، وجمالها، وحسبها، وحكمتها وشعرها إذ كانت شاعره مفوهة تفتخر شعراً بأهلها، وعشيرتها، فأحبها ”الفريحات" وافتخروا بها، وتفاخر الشبان بأنها أُختهم، وكانوا يذكرونها في الأوقات العصيبة حتى درج القول بهم ”إخوة شيره" وكانت بنت عشيره بكاملها ويقولون في المبارزات ”لحّد وانا أخو شيره ”ومعناها: إن لم أرفع رأس شيره بفعلي فاللحدُ لي (أي الموت لي). تسامع بها الشيوخ وكان ممن سمع بها نمر العدوان الشاعر الفارس المعروف. فأرسل لها قصيدة” زينيَّه” مليئة بالرمزية حيث لم يشأ أن يعلم أحدٌ أنَ امرأة ترفضهُ، وكان يخشى ذلك، فأرسل لها رسالةً مع عبدٍ لهُ، فردت عليهِ الجواب على نفس القافية: زور زرزور بالزوازي... توزوز زوزي زهر زي بـــهزازي من بعدها ياراكب الي تقــــــــول وازي اسرع من الخاطوف وحزفة البازي... من منطقي خذ سلامــــــي مهندز من الدّري من الزمرّد والزبرجد مع الخز ذهب سيلانــــــي والفيروز والجوهر إلنــــازي تشتكي لنا من هوى اخضــــــرانيّه من نسمة الريح تهتز وتقول..... صوره لها طارق الريـــــح هزّازي عمّك لو شاف مهندز صابُه رواعد مع رواجيف هزازي عمّك لو شاف ميّت من ساعتـــــــه فزّ زار النعيم بجنة الخلد فازي.......... جزنا من الرعراع يا صاحبـــــي جز واللي ملكته شـــــي قبل اليوم كن فازي وازكى صلاة الله ما هزهزه الوزي على النبي ما ساح سايح واعتزازي أغاني نبطيَّه ورد فيها ذكر شيره أخت الفريحات: علّمني طلوع التينه بالله يا طير والشيخة لخوة شيره ع ظهور الخيل علّمني طلوع التينة والله وبس والشيخة للفريحــات والله بــتخص علّمني طلوع التينة والله وابان والشيخة للفريحـات ولـــــــــها زمان ==قرى الفريحات: == يقطن الفريحات في خمسة قرى: ثلاثة منها في محافظة جرش واثنتان في محافظة عجلون بالإضافة الى عدداً كبيرا منهم يقطن الان في مراكز المدن مثل العاصمة عمان وجرش والزرقاء. وفيما يلي قصص حول تأريخ سكن الفريحات في هذه القرى والمدن. الجزازة: هذا الجزء يحتاج الى اضافه [[الحسينيات]] [[نجده]]: [[كفرنجه]]: راجـــب: هذا الجزء يحتاج الى اضافه كان الفريحات أصدقاء وأصهار للعدوان وقيل إن العدوان اعطوا راجب للفريحات "نقوط". وكان لتحالف الفريحات مع العدوان نتيجة صنعت تاريخ المنطقة الحديث حيث أغار الفريحات والعدوان على بني صخر عام ( 1825م/ 1241هـ) وأخرجوهم من جبل عجلون. ==يوسف البركات: شيخ مشايخ السبع نواحي ”شيخ مشايخ جبل عجلون"== =كان هذا أرفع منصب في شرق الأردن من الشوبك إلى حوران وقد تقلد هذا المنصب ”يوسف البركات" حيث كان مسؤول عن جمع الضرائب وحاكماً إدارياً، ولم يرق ذلك ”لشريده الرباع” زعيم الكورة حيث كان منافساً على الزعامة، ومما نغص عليه عيشه أن ”يوسف البركات" حل عليه ضيفاً ومطالباً بالضرائب، وكان ضيفاً غير مرغوب به، وكانوا مجبرين على الاحتفال به وإكرامه غير أن شريده أسرَ إلى الخادم أن يقول عند الطعام ”يا معزّب روح تعال"، وعند تقديم الطعام صار الخادم يكرّر العبارة "يا معزب روح تعال"، فغضب يوسف ونفض يده من الطعام وعلم المقصود. عاد يوسف بعد أيام ونصب بيت شعر على ظهر بيت شريده في (تبنه) رغماً عنه وفي ذلك تحدي وإهانة له ولكن شريده، رجاه أن يرحل ووعده بإحضار المال المطلوب إلى سرايا إربد. وفي مساء اليوم المحدد، أحضر شريده معه المال وعند الاستئذان طلب ”يوسف البركات” من الخادم أن يتأكد أن ”شريده" لوحده، وذلك لتوجسه منه ولكن شريده تظاهر بأنه لوحده. وعند فتح الباب هجم على الخادم وقتله، ثم دخلت معه مجموعه من الرجال كانوا مختفين ورائه بجانب الجدار إلى مكان ”يوسف”، حيث سفكوا دمه ليغسلوا الإهانة التي لحقت بهم منه وهكذا مات يوسف البركات في عام (1761م\1175هـ)، بعد أن تم الاستيلاء على كفرنجه التي كانت ملك لأهل عنجرة، وبعد ذلك نهض فياض ابنه ليثأر له ولكن لم يتم له الأمر، حيث قتلَ كذلك، وبذلك خرجت الكورة عن سيطرة الفريحات، وصارت تحت سيطرة ”الشريدة" بلا منازع وكان نتيجة هذه الأحداث أن سادت الفوضى والاضطرابات في جبل عجلون للصراع بين ”الفريحات" و”الرباع"، مما اضطر والي الشام أن يتدخل فأرسل جنداً قبضوا على ”كايد" الذي كان متمرداً مع جماعه من الفريحات على سلطة الدول العثمانية بسبب ما جرى في الكورة حيث أُعدمَ شنقاً في بلدة ”سوف". ==العلاقة مع آل عبد الهــــادي== نشبت حرب بين آل عبد الهادي وآل جرّار في فلسطين وقد تحزّب أهل شمال فلسطين مع الفريقين، كان ذلك في سهل ”شنعار" وكانت هذه الأحداث تدور غرب النهر، ولم يكن للفريحات شأن بها، إلا أنهم وجدوا أنفسهم يلبون دعوة آل عبد الهادي اللذين طلبوا النجدة والنصرة من الفريحات وجبل عجلون وقطع ”الشريعة" جمع ابن فريح مكون من الفريحات وأنصارهم وتوجهوا الى سهل شنعار ثم إلى حيث كانت تدور معركه مشهوره شاركوا فيها وناصروا آل عبد الهادي، فانتصر آل عبد الهادي بمساعدة الفريحات وجمعهم وردوا اعتبارهم بعد أن كانوا مغلوبين على أمرهم في تلك الفترة، وكانت المعركة هي” واقعه صانور "تلك المعركة التي ردت اعتبار آل عبد الهادي وعاد بها بركات (الثاني) زعيماً للفريحات بالغنائم وعادوا مرفوعي الرؤوس بين أهالي البلاد. ===ربع العباب والطبار=== حدث أن زار شيخ آل عبد الهادي كفرنجه ودار الحديث بين الشيوخ وافتخر كل واحدٍ برجاله، وأفتخر ابن فريح برجاله بفروسيتهم وشجاعتهم فقال ابن عبد الهادي مستهيناً بهم: "رجالك هؤلاء ربع العباب والطبار" وكان الفريحات ذلك الوقت يحتزمون على ثيابهم ويضعون الاطبار (وهي أداة تقطيع الحطب) في احزمتهم كسلاح وعصا. أجاب ابن فريح هؤلاء رجالي ربع العباب والطبار لا بد أن ترى أفعالهم يوماً من الأيام ”الرجال مش بالشوفات" (أي بالمنظر)، غادر –ابن عبد الهادي- بعد أن نال واجب الضيافة والإكرام، وعاد إلى بلاده، جلس ابن فريح مع مجموعه من الشباب الذين ساءهم ما قاله الضيف، وقال لهممن يأتني بفرسه لنريه من أصحاب العباب والطبار فقام شاب نشأ يتيماً لا أب له يلقب ”بالقاروط" فقال أنا لها، ”أنا أخو شيره ”فُـسـر الشيخ وأثنى عليه. ===قصة القــــاروط=== وصل القاروط إلى دار ابن عبد الهادي في جنوب غرب بحيرة طبريا، وكان يسير راجلاً، وتحت جنح الظلام تسلل إلى الإسطبل ورأى الفرس المطلوبة، وفجأةً حصلت مفاجأة غير محسوبة إذ دخل شابٌ إلى الإسطبل ومعه أدوات للحفر وأخذ يحفر الأرض حتى حفر قبراً. خشي القاروط أن يكون هذا الشّاب قد رآه وأن هذا القبر له، ولكن الظلام كان دامساً وكان متخفياً بين أكياس الشّعير والتبن. أكمل الشاب الحفر وخرج ولكنّه ما لبث أن عاد ومعه أخته الشابة الصغيرة، وهي تقسم الأيمان المغلظة أنها لم ترتكب فاحشه، وأنها شريفة نظيفة لم يمسّها رجل، أما أخوها فكان يقول:” أنت حامل بالحرام، هذا حملك بائنا”. ودار حوارٌ بين الشاب وأخته أمام القاروط الذي اقتنع ببراءة البنت من الفاحشة وأن أخوها يريد قتلها ووضعها في هذه الحفرة، أقترب الشاب من أخته يريد قتلها وهي صارخه باكيه ولكن القاروط عاجلهُ بضربة طبر على رقبتهِ فخرَّ وسقط بالحفرة التي حفرها، فركب الفرس وأردف البنت خلفهُ وسار مسرعاً تحت جنح الظلام بعد أن ترك الشاب في الحفرة حياً أو ميتاً. قالت الفتاة:" من أين جاء بك الله إلى” قال:” من كفرنجه” وروى لها حكايته وأنَه ليس لصّاً ولكنّه أراد أن يعلِّم على الشيخ. أما البنت فأخبرته أن بطنها صار كبطن الحامل، وأنها شريفة وعفيفة ولم ترتكب إثماً وأن هذا مرضٌ أصابها وأنها سمعت أن بالشَام أطباء لا بدَّ أن تعرض نفسها عليهم وتردَّ عن شرفها وعرضها، وهكذا بدلاً من أن يعود إلى كفرنجه اتّجه شمالاً قاصداً الشام، وسأل عن ”الأسبيطار” (الطبيب باللغة التركية) في الشّام وأخيراً عثر عليه بعد رحلةٍ استمرّت أسبوعاً على الأقل. كان الطبيب جرّاحاً خبيراً وأخبر القاروط أن الفتاة صادقه وأن هذا ورمٌ يستطيع إزالته، فدفع له القاروط الأجرة وأجرى لها عمليَّه واستأصل الورم ووضعه في صندوق حديد مغلق ومحكم الإقفال وعاد بها بعد أن شفيت إلى بيتهه في كفرنجه، ووضعها أمانه عند أمِّه وذهب إلى ديوان شيخه وأسرَّ له بالأمر. أرسل ابن فريح لابن عبد الهادي يقول له:" تعال خذ فرسك فهي عندي". وفعلاً حضر ابن عبد الهادي مع رفقه من رجاله إلى كفرنجه على عجل وبعد القهوة سأل عن فرسهِ وكيف جاءت لكفرنجه وهناك دعا الشيخ القاروط وطلب منه أن يروي حكايته أمام الجميع. روى القاروط حكايته بكل صدق ثم قال:" البنت عند أمي وهي تقيّة نقيّة بكرٌ لم يقربها أحد، والصندوق موجود وشاهد على براءتها فهو روم يشبه شكل الضفدع”، ثم استأذنهم فأحضر الصندوق والفتاة وقال: "هذه بنتك، وعرضك أبيض"، سرَّ عبد الهادي لبياض عرضه من الدَّنس وقال القاروط:" بنتي أجتك هديّه ما من وراها جزيّه والفرس لك وكثّر خيرك حيث بيَّضت عرضي وجميلك على الراس والعين” وقال:" صحيح الرجال مش بالشوفات، رجالك بنشد فيهم الظهر". وأقيم فرح كبير ودبكة ووليمة لزفاف القاروط على الفتاة البريئة التي جاء بها النَّصيب لتكون حكايةً يروى ربّما لقرون من الزّمن. ==بني موسى== ===موسى ابن مصطفى المصطفى=== ولد لمصطفى بن مصطفى من زوجته" شلحه العدوان” ولد اسمه” موسى” فاق أقرانه بالشجاعة والفروسيّة حيث تعهَّده أبوه بنشأةٍ درَّب فيها على فنون القتال وذلك أن مصطفى قاسى الأمرين من ظلم أقاربه ومقارعتهم له وثأره لأبيه فأراد أن يشبَّ ابنه رجلاً لا مطمع لأحدٍ بالنيل منه. وكان بيت موسى معروفاً في كفرنجه وله مكانة كبيره بين أهله وربعه. كان لموسى أرض مرويَّه يقال لها البحر لكثرة المياه فيها، موجودة بواد كفرنجه وكان له قطيع من الأبقار يعيش في ذلك الوادي الخصيب الغني بالماء والخيرات وكانت له أرض قريبه من طواحين الحبوب في الوادي المشهور بخيراته وكان له طاحونه خاصه به تسمى طاحونة ام السوّد، وكانت أحوال موسى مستقرَّة في كفرنجه وكان ميسور الحال وتزوّج من” خزنه الفياض" وكان كثيراً ما يتنقّل في مسكنه بين راجب وكفرنجه، حيث كان ميَّالاً لبيت الشّعر وحياة البداوة لأن فيها حريَّة يعرفها من سكن بيوت الشَّعر، فساكن بيت الشَّعر لا ينام على ضيمٍ حيث يرحل من البلاد إذا أمحلت، ويرحل عن الجيران إذا أساءوا الجيرة. كان موسى مولعاً بالخيل حيث كان له حصان يسمى ”الأشقر” قريباً إلى نفسه كأحد أفراد عائلته، كما كان موسى رامياً لا يخطئ رميته.. كان ضرغام إبن عمّه عباس أخيه لأمه، حيث أن عباس خلف أخاه مصطفى على زوجتهِ” شلحه العدوان" بعد وفاتهِ. ===موسى وأخيه لأمِّه ضرغام=== ==حكاية أرض الجزازة== هناك سبب جلل جعل ضرغام يرحل مع عائلته إلى المصطبة حيث جاور” القرعان” من عشائر المصطبة جنوب جرش. أما السَّبب الذي دفعه إلى ذلك فهو غلبة أقاربه من الدّار الغربية على أمر كفرنجه، حيث استطاعوا أن يستميلوا الدولة إلى جانبهم. وكان رجلاً مرموقاً في المعراض وعجلون، وصعب عليه أن تخرج الزّعامة من يديه، فرحل إلى المصطبة، وقد أكرم القرعان (قصيرهم)، مما جعل علاقتهم قويَّة مع الفريحات فيما بعد، خاصَّة أن ضرغام قد رضي بصلحٍ مع أقاربه وعادت المياه إلى مجاريها، وقد كان لمرور ضرغام بأراضي الجزازة في مجيئه وذهابه إلى المصطبة تعلُّقاً بها حيث عشق الجزازة وسعى لوضع يده عليها، حيث كانت الأراضي تملك بوضع اليد، ولكنّه لم يستطع أن يحقق هذا الهدف، ولكنّه تعرَّف إلى” البيكوات، علي بيك وحسين بيك" اللذان شاركاه الرّغبة بامتلاك ـ مجدل الجزازة ـ واتفقا سوياً على امتلاك المجدل والجزازة وترتب على الشراكة أن يرفع دعوى لدى والي الشَّام لملكيَّة الأرض وأن يساعداه لدى الدولة حيث كانوا أصحاب نفوذٍ في الدولة على أن يكون المجدل لهم والجزازة لضرغام إذا كسبوا الدعوى ومن المعلوم أن الأرض كانت آنذاك تؤخذ غلاباً. عاد ضرغام وقد عقد العزم على امتلاك الجزازة مهما كلّف ذلك من مصاريف وتكاليف. وهكذا ذهب ضرغام إلى الشَّام مع” البيكوات" ولكنّه وجد أن لابدَّ له من مبالغ كبيرة لتحقيق حلمه في الجزازة أما البيكوات فلم يشاركوا في المال بل بنفوذهم فقط. عاد ضرغام وطلب من موسى أن يدفع له مبلغاً من المال لتغطية ما يسمّى بمصاريف المداعاة (أي التقاضي) على أن يكون له مشرَك في الجزارة عند كسب الدّعوى. طال أمر الدعوى وكثرت مصاريفها حتى اضطرَّ موسى لبيع أرضه في البحر لسداد ما عليه من مصاريف. وبعد سنوات من المداعاة والنفقات الماليّة ربح ضرغام الدّعوى، حيث آلت الجزارة له والمجدل للبيكوات، أما موسى فقد كان له حصة في الجزازة هي الربع، أعطاه إياها ضرغام كما تم الاتفاق مسبقاً عليه، ولم تكن آنذاك حاجة لسندات الملكية، وكان هذا يعدّ إنجازاً عظيماً حققه ضرغام بصلاته بالدولة وبما قدَّم موسى من حرِّ ماله الذي تمكن به ضرغام من تحقيق هذا الأمر، وهكذا صار لموسى ربع وقيل خمس الجزارة أما باقي الجزارة فصارت لضرغام وعبّاس وملاوي، وكانوا قد قسموها فدادين يزرعونها بالتناوب سنه بعد سنه، وهكذا استمرَّ أمر التناوب في زراعة الأرض المقسومة إلى فدادين طيلة حياة موسى ثم ابنه أحمد من بعده، وكان هذا سائداً في تلك الفترة حيث كانت الفلاحة موجهه إلى زراعة الحبوب بشكل خاص. لم تصل إلينا أيَّة أخبار تدل على أن هناك خلاف بين ضرغام وموسى بخصوص شراكتهم بأراضي الجزازة. ولكن ما وصلنا هو أن ضرغام كان يعتمد على موسى اعتماداً كبيراً، حيث قدَّمه ليكون عقيداً لرجال الفريحات في الحرابة التي دارت بين الدولة والفلاحين من جهة وبين البدو والدروز من جهةٍ أخرى. ومن المعروف أن موسى كان ملاكاً في كفرنجه، حيث كان له طاحونة ”أم السود" وأرض اسمها" الجحتريَّة" وأرض اسمها” أم البعر" وأرض اسمها” ظهر الجمل" وقيل أنَّه باعها ليكون شريكاً في الجزازة. أما بيت موسى في كفرنجه فيوجد الآن "كوشان" (أي سند تسجيل أرض رسمي) عثماني باسم أحمد الموسى ولم يملكه أحد بعده. ==لحرب ومقتل موسى عقيد القوم== لسببٍ غير معروف تكاتف البدو والدروز القادمين من بادية الشام ضد الدولة ولم يكن بمقدور الدولة المحلية السيطرة عليهم، وعمت البلاد الفوضى والسَّلب والنَّهب، فاستعان الحاكم الإداري العثماني بحلفاء الدولة التقليديين" الفريحات". جمع الفريحات جمعاً من رجالهم ومن رجال العشائر المتحالفة معهم واختاروا أن يكون موسى” عقيد القوم" وذلك لشهرته بالفروسيَّة والرِّماية ولرجولته المشهود لها، وانحاز موسى بجمعه إلى رجال من الحكومة "الجندرما" وجيش، وجرت مناوشات يوميَّه بينهم وبين الدروز والبدو المتمرِّدين على سلطان الدولة، وكانت المناوشات تتم بالنَّهار وتخمد بالليل. ولأن خزنه زوجة موسى كانت تنتظر مولوداً فقد كان يذهب موسى بالليل إلى بيته ليكون قرب زوجته ويعود مع الفجر إلى رجاله. وفي إحدى الأمسيات وبعد معارك حاسمه عاد إلى بيته وقبل الفجر وضعت زوجته ولداً سمّاه ”أحمد" وبسبب أوضاع ولادة زوجته تردد في الذهاب إلى المعركة، وحدّثته نفسه أن لا يعود تلك الليلة إلى خشيبه، ولكن مركزه ومكانته لا تسمح له بالتخلّي عن قيادة جماعته في تلك المناوشات، فنهض متثاقلاً وركب حصانه الأشقر الذي امتنع عن المسير وأخذ يحفر الأرض بقدميه، فتشائم موسى من فعل الحصان، فعاد لزوجته ووليدها ينظر إليه وإلى ابنه مصطفى، وكأن حدسه أخبره أنّه اللقاء الأخير مع عائلته، وخطر بباله أن يبقى ذلك اليوم بقربهم، ولكن ضرغام كان ينتظر خروج موسى من بيته، وطال انتظاره، وذهب الى موسى موبخًاً قائلاً: " أتترك القوم يقتلون هناك وأنت هنا يا عقيد القوم؟؟ أتتركهم يُذبحون وأنت قاعد تحت قدمي خزنه؟!! هناك نهض موسى وودع أهله وداع من لا يعود، وركب الأشقر فعاد الأشقر لحفر الأرض بقدميه والامتناع عن المسير غير أن موسى همزه بالمهماز وقسا عليه فسار الحصان إلى خشيبه حيث التقت الجموع في يومٍ كريه وتقاتلوا في معركة تشيب لها الرؤوس وأسفرت عن فرار البدو باتجاه دبين ورفع موسى رأسه وشرَّف عشيرته وأهله، وكان لذلك أهل وغابت الشمس على نصر مؤزَّر له ولجمعه، وما أن حلَّ الظلام حتى أسرع موسى عائداً كعادته ولكن هذه المرة ليرى وليده” أحمد" مع زوجته وابنه مصطفى وباقي عائلته. وصل موسى إلى الهونه تحت جنح الظلام ولكن كان هناك” رصد" متربص به بجانب الطريق ألرجلي، أطلق عليه النار غدراً وعلى الأرجح أنه لم يكن لهذا الغادر علاقة بالحرب ولكنَّه خطط لجريمته وأخذ بندقيَّة موسى وبعض حاجياته وفرّ دون أن يره أحد ( وما زال مكان مقتل موسى معروفاً لأهل المنطقة وبعض الفريحات). وقيل أنه بعد مقتل موسى وجده رجلٌ أبتر اليد واسمه” ذياب” حمله على فرسه، ولكن قوماً من العربان لحقوا به يريدون أن يمثِّلوا بجثة موسى حيث كان قد فعل الأفاعيل بهم في المعركة ولكنّه سبقهم وخبّأ الجثَّة عند البلاونه ثم نقلت فيما بعد إلى كفرنجه حيث دفن هناك. ===قصة ”بنات نعش"... ذات نعش=== ...كانت ليلة مقتل موسى ليلةً مزهرة بالنجوم، وكان الناس في الصيف ينامون على سطح البيوت وخارجها، حيث كانت البيوت ضيقه يلجؤون إليها في فصل الشتاء، أما في الصيف فكان اغلب الناس يتخذون لهم ”مصيفاً"، ينامون ويسهرون فيه، والغريب أن نسوه من الفريحات ومن قريبات موسى على وجه الخصوص كنَّ نائمات، فاستيقظن على صوتٍ كأنه صادر من نجوم (بنات النعش) أو هكذا خُيِّل لهنَ كان الصوت يقول: يا نايمات الضاحي.....شيخكن..كن..راحِ راعي الحصان الأشقر... مربوط بالمراح............ي ففزعنَ من ذلك، وفي الصباح التالي وُجد موسى مقتولاً على قارعة الطريق وعليه ناحت النوائح وعظمت المصيبة وجلل السواد أهل بيته، وترك أرملة وأيتاماً عانوا اليتمَ والجور من أقاربهم أما خزنه زوجة موسى فبعد مرور فترةٍ طويلةٍ من الحزن تزوجت من مصلح كما جرت العادة آنذاك حيث لا بدَّ للمرأة من الزواج وإلا صارت حديث الناس، وولدت لمصلح ولد يقال له” ذياب" والله أعلمُ بالصواب. ===ثور يا دم عيسوه=== كانت الصلة بين الفريحات وربضية عجلون صلة الجيرة والمودة رغم اختلاف الدين، وكانت مجالسهم مشتركه خاصةً في الصيف بجوار القلعة، وكان مقتل الشاب”عيسوه"، قد عز على الجميع فسعوا في أخذ ثأره وكانوا في ذلك يرفعون شعاراً (ثور يا دم عيسوه)، ومضوا في ذلك حتى ثأروا له. ===قطف العنب=== وصل رجل إلى كفرنجه من برما (قرية جنوب غرب محافظة جرش) ضيفاً عند وجه الفريحات في ذلك الوقت، وتصادف وجود عدد كبير من وجهاء جبل عجلون ضيوفاً عنده، وبعد تناول الطعام قدم ”العبد" العنب كفاكهة، وكان يناول العنب قطفاً قطفاً للحاضرين، ولما جاء دور البرماوي لم يأخذ القطف بل صار يأكل منهُ حبةً حبه حتى انتهى منهُ. كان ابن فريح صبوراً ولكنه فهم المرادَ بهذا التصرف، حيث وصل ذلك الرجل إلى مستوى من التكبر تجاوز الحد ”شافت نفسه" فخاف ”ابن فريح" من أن يكون له شأنٌ ومنافسه في المستقبل، فأرسلَ له سبعةً من رجال الليل كل واحدٍ منهم ”رابط له" (أي كمن له) في الطريق حتى لا يفلت منهم وفعلاً قتلهُ أحدهم وقيل أن أقاربه قد سرهم قتلهُ لأنه كان قد استقوى عليهم وأكل حقوقهم. والأغلب أنه لم يكن من برما بل كان عابر سبيل أقام بها إقامة مؤقتة. ==قصة ثأر أحمد الموسى لأبيه:== ولد أحمد فجر اليوم الذي أمسى فيه أبيه موسى مقتولاً مغدوراً في الهونه حيث كان موسى في طريق العودة إلى بيته، في الجزازة. كبر أحمد وتخلق بأخلاق أبيه الذي لم يراه بعد أن عاش حياة اليتم ومرارته وكان شجاعا وما أن خط شاربه حتى صار مشغولاً بثأر أبيه حيث مرَّت السنون دون أن يتبين من هو ذلك الغدار الذي غدر موسى في ظلمة الليل وبمرور الأيام وصل خبر إلى الجزازة أن أحد الناس عرف بندقيَّة موسى عند ناس من الشوحة في العالوك وما أن سمع أحمد بذلك تصرَّف بسرعه حيث ظن أنه وجد خيطاً يقوده إلى لغز مقتل أبيه فأخبر أكابر أقاربه وعقلائهم بأنه عازم على الثأر لأبيه، فما كان منهم إلا أن سخروا منه ووصفوه بصغر السن وقلَّة الخبرة وأن هذا الأمر جلل وهو أصغر من أن يكون له قدرة عليه ولكنَّه لم يعبأ بقولهم وحمل بارودته وتوجَّه ماشياً على رجليه قاصداً” العالوك". سمع الناس بخبر أحمد وعزمه على الثأر وهكذا سار الخبر بالناس من واحدٍ إلى الآخر حتى وصل إلى الشوحة فوضعوا لهم عيوناً على معابر سيل الزرقاء ينقلون لهم الأخبار ليتدابروا أمرهم حيث كانوا في غنى عن الدخول في حرابه مع الفريحات. وصل أحمد متقلداً سلاحه إلى سيل الزرقاء وهناك التقى برجل تدل هيئته ولباسه على وجاهته ويدل كلامه على حنكته، فتبادلا الحديث فسأل أحمد عن وجهته فقال مجيباً: أن له غرض لا بدَّ أن يقضيه في تلك المناطق القريبة وأن له طلباً يطلبه، سأل الرجل:" بالله ألست أحمد الموسى ؟" ألست قادماً لتثأر لأبيك؟". قال أحمد:" ما دمت سألتني بالله فالأمر كما تقول". قال الرجل:" يا بني ثأر أبيك ليس عندنا، صحيح أن بارودته عندنا ولكنها وصلتنا بالبيع والشراء والتداول من يد إلى يد”. قال أحمد:" آخذ حقي ودون ذلك الموت". قال الرجل:" يا بني تأخذ حقَك عند قاضي العرب حسب عادات العرب ـ عيناك والحق ـ مثل هذا اليوم بعد أسبوعين عند القاضي ابن غدير ونحن خاضعين للحق وميعادنا يوم القضوه (أي التقاضي على الطريقة القبلية). عاد أحمد إلى الجزازة وأخبر عمومته بما جرى، فتعجبوا كيف أن هذا الفتى أخضع عشيره معروفه وصعبة المراس للجلوس للحق مع أنَّ هذا يتطلب في العادة مناوشات وتهديد وتدخل عشائر أخرى لحل الخلاف فلم يصدقوا قوله، وضحكوا وتغامزوا عليه وسخروا منه، ولكنه أصر على صدق قوله وقال لهم:" الأيام جايه" وفعلاً جاء مرسال من ابن غدير يبلِّغهم ميعاد القضوه عند القاضي. عند ابن غدير في مجلس قضاء معتمد حضره وجوه البلاد، كما حضر الخصوم الفريحات والشوحة، طلب ابن غدير المدعون” الفريحات" أن يمدوا حجتهم فقالوا: "قُتل عقيدنا غدراً بليل وأعيانا معرفة قاتله، وبعد هذه السنين تبين أن سلاحه موجود عند الشوحة وهذا هو دليلنا. وطلب ابن غدير من الشوحة أن يمدوا حجتهم فقال قائلهم:" يا قاضي يا قاضينا يلّي بالحق ترضينا، جيتك هدي قدي وافلح من ذكر الله وصلى على النبي، نحن بريئون من دمّه براءة الذئب من دم ابن يعقوب، أما السلاح فوصل علينا من يد إلى يد وأنت تذكر الله: "بدو ودروز ودوله وفلاحين وحرب مر عليها سنين” وبعد مناوشات ومداولات ومجادلات ساد صمت بانتظار حكم القاضي، وبعد ذلك تكلم ابن غدير وأعلن أن حق الفريحات هو اليمين على الشوحة أناسٌ يحلفون أنهم لا علم لهم ولا يد لهم بقتله، وأناس يزكونهم يحلفون أنهم صادقون ولم يجربوا عليهم الكذب والجرأة على يمين الزور، فأجاب الفريحات بقبول حكم القاضي وأجاب الشوحة بقبول حكمه كذلك. كان الناس يرهبون من وضع أيديهم على المصحف الشريف وحلف الأيمان ويخافون من عواقب ذلك، ولذلك طلب الشوَحة شراء يمينهم” بخرجين" من المال دراهم فضه وقبل الفريحات بذلك أمام القاضي. أعلن القاضي فض النزاع وأخذ الفريحات المال وتصافح الجميع وشربوا القهوة، وبعد واجب إكرام الضيف خرج الجميع متصالحين وترافقوا في درب العودة ومن المؤسف أنه لم ينل أبناء موسى من هذا المال الذي هو في الأصل حق لهم أي شيء، فقد تقاسمه قومٌ جبلوا على الطمع وأكل حقوق الناس، وخجل أحمد ومصطفى أن يتطاولوا على أعمامهم ويحرجونهم، فقد كان أحمد حدثاً، وكان أخيه مصطفى عاشقاً فهان عليه المال في سبيل معشوقته ابنة عمَّه" مشايخ الضرغام"، وهكذا سلبا ديّة والدهما ولم ينبسا ببنت شفه، فلم يكن المال والديّه هو مطلب أحمد ولكنه فعل ما فعل لأخذ حقّه ولكي لا يوصف بالجبن والتهاون في ثأر أبيه، ولا يزال قاتل موسى مجهولاً الى يومنا هذا. عاش أحمد في الجزازة ببيته مكان مسجد الجزازة الحالي، وكان لديه أغنام وأبقار ومارسَ زراعة الحبوب في حصَّته التي ورثها عن أبيه موسى، ومن المؤكد أن ضرغام لم يتنكر لحقه في الأرض بل كان يزرعها مناوبة في الأرباع التي كانت قد قسمت الأرض على أساسها. تزوج أحمد من" فضه الأحمد الراشد" أحد وجهاء الكته (بلدة في وسط محافظة جرش) المعدودين، وعاش في الجزازة في الزراعة وولدت فضه له – محمد وفندي وعوض وحميد – ولكنّه لم يعمر فمات شاباً تاركا أولادا أيتاما وزوجه أصيله حبست نفسها على تنشئة أولادها. ===أولاد أحمد الموسى الفريحات=== كان أبناء أحمد أيتام، وكان أكبرهم محمد الذي بالكاد تجاوز سن الطفولة وبلغ مبلغ الرجال ولعلَّه كان في الخامسة عشره من عمره، كانوا يسكنون في بيتهم في الجزازة – مكان مسجد الجزازة حالياً-وقد ورثوا عن أبيهم غنماً وبقراً كانوا يعتاشون منها، كما كانوا يزرعون أرضهم في الجزازة حيث آل لهم حق أبيهم في الأرض التي لم تكن خضعت للتسوية (عمليات تسجيل الأرض في شرق الأردن تحت حكم الانتداب البريطاني 1922-1946)، ولا يوجد أوراق ملكيَّه حيث تملك الأرض بوضع اليد وتباع بالحجة – نوع من السندات-. ولعل شيطان الطمع هو الذي حمل بعض أقاربهم على التفكير بأكل حقهم في الأرض حيث كانوا أيتاماً ضعفاء، ومن المعلوم أن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم – قد عدَّ أكل مال اليتيم من الكبائر، وقد ورد الترهيب من ذلك في كتاب الله” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" صدق الله العظيم، ولهذا أقول أن الشيطان سوَّل لبعض أقاربهم أكل مالهم ليدخلهم إلى السعير، وقد استغلَّ بعضهم حدوث سرقة ”جداي" في الجزازة فاتهموهم بها وعلى هذه الخلفية كان من شأن أحد الغاضبين أن ألقى أثاثهم وأغراضهم خارج بيتهم وقال: "ليس لكم عندنا بيت ولا أرض” أما باقي الأقارب فقد أعماهم الطمع فآزروه ووقفوا لجانبه وتنكروا لحق الأيتام بأرض أبيهم وجدهم وتواطئوا على ذلك معهم وأكلوا مال الأيتام وقهروهم-وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهنَّد-، وهكذا رحلت فضه مفطورة الفؤاد مع القليل من المتاع مع أبناءها يسوقون أغنامهم وأبقارهم إلى” الزبليَّه" (منطقة زراعية بين الجزازة وجرش) حيث لجأت إلى أهلها وكانوا نعم الأهل. ==وقعة بصة الأكراد (قرب الفاخرة)== ==قصة مصلح الفريحات وأحمد باشا الجزَّار== في أطراف الغور أدرك مصلح المساء فحلَّ ضيفاً على رجلٍ شهم ومعروف وكان بيته فرداوي (بعيد عن الناس) فأكرمه صاحب البيت وأحسن ضيافته وكان للبيت- حوش-فناء واسع له بوابه كبيره، كانت فرس مصلح مربوطة بداخله، وبعد مضي جزء بسيط من الليل سمعوا جلبة الخيل والرِّجال، فنهض المعزِّب يستقبل ضيوفاً جدداً. كان الرجال مجموعة كبيرة من الفرسان والبغالّه، حيث البغال محمَّلة كما كانت ملابسهم تدل على صفتهم الرَّسميَّة وتبعيتهم للدولة العثمانيَّة، وكانوا مسلحين وكان الجيش التركي يستعمل البغال لنقل المؤن والعتاد وجرِّ المدافع. كانوا أكرادا وأتراكاً حلّوا في ذلك المساء ضيوفاً على ذلك الغورانيّ. دخلوا الحوش (اسم المساحة الفارغة أمام البيت) بغير استئذان ولكنَّ المعزِّب رحَّب بهم وأكرمهم وأدَّى واجب الضيافة، ولكنَّهم قابلوا ذلك الخلق الكريم بسوء الأدب والتَّكبُّر، وكانوا يتآمرون على مضيفهم كأنَّه خادمٌ لهم وكانوا مسلَّحين، والأشد من ذلك أنهم تغامزوا على زوجتهِ وظهر الغدرُ في عيونهم فثارت حميّة مصلح فهبَّ لحماية المعزِّب من هؤلاء اللئام ولو لزم الأمر الموت، كان الفرسان قد وضعوا بنادقهم عند المدخل ولم يدُر بخلدهم أن أحداً يتجرَّأ عليهم مهما فعلوا ولكنَّ مصلح قفزَ وأخذ السلاح وجرى مسرعا ًإلى باب الحوش حيث تحصَّن بالجدار وما أن شعروا بالأمر حتى لحقوا به ولكنَّه فاجأهم بإطلاق النار الصائب وقتلهم الواحد تلو الآخر حتى فرغ منهم ولم ينجو منهم إلا طويل العمر حيث فرَّ بعضهم من البوَّابة ونجو دون أن يصيبهم أذى. كان هذا حدثاً عظيماً هزَّ الولاية بأكملها ورآه الوالي إهانةً للدولةِ وحطّاً من هيبتها فأمر بإحضاره إلى عكا حياً، وقد سمِّيت بحادثة (بصَّة الأكراد) قرب الفاخرة. اختار مصلح الفرار في الغابات ومرَّت الأيام والشُّهور والجنود يبحثون عنه، ما تذهب مجموعة حتى تأتي أخرى ونصبوا له كمائن إذ لابدَّ له من الماء والطعام، وأخيراً وقع بأيديهم في إحدى الكمائن وما منعهم قتله أنَّ الوالي أراده حيَّاً ليجعله عبرةً لمن اعتبر. بعد معاناةٍ كبيرةٍ في السِّجن وجد مصلح نفسهُ في مجلس مهيب محاط بالعساكر أمام الوالي المشهور أحمد باشا الجزَّار الذي لقِّب بالجزَّار لشدَّته وبطشه، علم مصلح أن الموت لا بدَّ منه فجريمته كبيره وهو أمام الجزَّار في قلعة عكَّا بجانب البحر. تأمَّله الوالي بنظراتٍ حادَّةٍ ورأى أمامه رجلاً لا يخاف ولا يستجدي. - أأنت مصلح؟ قال: نعم أنا هو. - أأنت الذي تجرَّأت على الدولة وقتلت رجالها؟ قال: نعم أنا هو أنا فعلت ذلك. - ما الذي حملك على ذلك؟ قال: كنت بضيافة رجلٍ لا تربطني به صلة وجاء رجالكم فأكرمهم ولكنَّهم قابلوا ذلك بإهانته والسخريَّة منه وتشاوروا على النيل من شرفه وتغامزوا على زوجته، وكان واجبي أن أفزع له ولو على رقبتي. كان الوالي ذكياً وكان كلام مصلح صادقاً ومتحدِّياً تفرَّس به الوالي وكان شديد الفراسة. ألذلك قتلتهم؟ قال: نعم. ألا تخاف الموت؟ قال: لستُ بخائف. ألا تخافني؟ قال: - لا أخاف منك ولا من غيرك. أكنت قاتلي لو كنتُ معهم؟ قال: كنت سأبدأ بك. ضحك الباشا وأمر بفكِّ قيوده ونزل عن كرسيَّه وطبطب على ظهره وقال له: عفارم...عفارم ( كلمة تركيَّة للمديح) شيخ مصلح أي أحسنت يا شيخ مصلح فأعطاه لقب شيخ وعاد من عكَّا معززاً مكرَّماً بعد أن عفا عنه وأحسن إليه بأن نوَّله ما تمنَّى وأكرمه بأن جعل الحسينيَّات ملكاً خالصاً له بناءً على طلب مصلح، فعاد مصلح وباع أجزاءً منها لأقاربه، وكان هذا هو سبب نزوح عائلات من الفريحات إلى الحسينيَّات حيث كانت مناسبة لتربية الأغنام وزراعة الحبوب. ===قصة العمل في حسبان:=== أصاب الجزازة محلٌ (أي قحط) شديد، فذهب عيسى المصطفى الموسى إلى حسبان في سهول مادبا، حيث اخذ قطعة ارض (مرابعه) حيث يكون للمرابعي ربع الناتج مقابل عمل يده في الأرض من الزراعة إلى الدراس ثم التذرية، وكان يأخذ حقَّه ربع (صبَّة) القمح وهي صبَّار القمح الذي ينتج عن دراسة البيدر ثم تذريته لفصل التبن عن القمح. وفي حسبان سكن هو وزوجته وأولاده في مغاره كان لهم فيها قصص مرعبه حيث قالوا أنها كانت مسكونه، اقترب موعد الحصاد لكنَّ عيسى أصابه مرض أدى به إلى الوفاه. ويقال أن والدته مشايخ الضرغام قد رأت رؤيا في المنام أنه في همٍّ وضيق فطلبت من زوجها مصطفى أن يذهب إلى حسبان فهناك أمرٌ قد حصل وكان قلبها يعتصر ألماً وعيونها تذرف الدموع فرقَّ لحالها وركب إلى حسبان. وفي مقبره حسبان كادوا أن يتمُّوا دفن جثمان عيسى عندما لاح لهم في السَّهل زوال راكب من بعيد، وصل موسى والقوم على المقبرة وعلم منهم أن المتوفى هو ابنه فجلس حزيناً بجوار القبر حزن الوالد على ولده ولم يفارق القبر حزناً وكمداً ولكن عبد الرحمن جاء وأخذه معه إلى المغارة وكان غرائب الاقدار أن مات تلك الليلة ودفن بجوار ولده في حسبان. أما شيره الملاوي فقد وجدت نفسها وأولادها حزينة كئيبة. كانت مشايخ الضرغام بانتظار زوجها وابنها وأحفادها أو بانتظار خبر منهم، ولما طال انتظارها أرسلت ابنها عبد القادر الذي وجدهم بحالة بائسه فحملهم على الدواب وتعاون على ذلك مع يعقوب ابن عيسى المصطفى، أما أخوه عبد الرحمن فقد سار بالغنم من حسبان متوجهاً إلى الشمال وقد انفرد عنهم بسبب حركة الغنم ورعيها في الطريق وفي منطقة (البقعة) اعتدى عليه جماعة من البدو، فأخذوا غنمه وكادوا أن يقتلوه ولكنَّه فرَّ منهم. وصل عبد القادر فلمَّا رأته مشايخ مع الدواب والظعن (أي الظعينة) عند شجرة (الشيخ يوسف) جنوب الجزازة علمت أن الرؤيا قد صدقت وأنهم ماتوا. وصل عبد الرحمن إلى الجزازة فأخبر أهله بما جرى للغنم فركب رجال من الجزازة إلى البقعة حيث كان العربان يضربون مضاربهم وكان لهم شيخ معروف طلب من عبد الرحمن إخباره بما جرى فأخبره وتعرَّف على اللصوص ولكنهم لم يعترفوا وقالوا: "ما هذه إلا أغنامنا” هناك استأذن عبد الرحمن الشيخ بأن ينادي على غنمه فأذن له الشيخ بذلك، فنادى على غنمه بأسمائها فتجمَّعت حوله فصدَّقه الشيخ وكذَّبهم ووبخهم وعاد بأغنامه إلى الجزازة، كبُر أولاد شيره وورثوا عن أمهم حصتها في الجزازة حيث يسكنون الآن. ===قصة صبيحه=== كانت "صبيحه" امرأة ذات سطوه وجبروت وكانت تأمر حتى بقطع الرؤوس، كانت تمارس التعذيب لا يجرؤ أحد على مخالفتها ولا يعصون لها أمراً، كانت مهابة الجانب صارمه وذكيَّه تهزأ بالرجال وتسخر منهم ولا تحسب لأحد حساباً وهناك من قال إنها كانت قائدة جنود ولها حرَّاس. نزلت مع ربعها بين ساكب وريمون وتصادف أن مرَّ قرب منازلها مجموعة من الرجال من وجوه البلاد بحدود الثمانية أو أكثر، فاقتادهم رجالها بالسلاح إليها فأمرت بوضعهم في” زخبة" (أي مغارة صغيرة) مدخلها ضيِّق وأغلقت باب (الزخبة) ( بقرصه) كبيره كان هذا بين ساكب وريمون، قالت لهم من باب التعجيز والسخرية: "مقسوم لا تأكلوا وصامد لا تأكلوا وكلوا حتى تشبعوا" وتوعدتهم بالموت إن عصوها، وسجنتهم وبلغ منهم الجوع مبلغاً، ولكن فرائصهم كانت ترتعد من الخوف لعلمهم ببطشها، فخافوا وفضلوا الجوع على الموت. أما الفريحي الذي كان معهم فصار يأكل من وسطها يوماً بعد يوم حتى صارت كالحلقة فخرج من تلك الحلقة فساقه الحراس إلى صبيحه، أعجبت بذكائه وفطنته أما رفاقه الخائفين فقد قالت لهم: "أنتم مخنثين... ما فيكم رجل إلا ابن فريح" وقيل أنها عرضت عليه الزواج فتزوجها، وقيل أنها رغبت بالزواج منه ولكنَّه تخلَّص منها بالحيلة. ==عرب الشعلان== كانت الشعلان عشيرة قويَّةً بعيدةً يسكنون البوادي الشاميَّة ويتنقَّلون في هذه الباديه التي تم تجزئتها بين العراق وسوريا والأردن حيث قطّع المستعمر الخبيث أوصال البلاد العربيّة وتركها كالجرَّة المهشَّمة إلى قطعٍ صغيرةٍ وذلك لتنفيذ أهداف الصهيونيَّة وأعداء المسلمين. كانوا بعيدين كلَّ البعد عن ما يدور في جبل عجلون وكانوا كثيري العدد لا يحسبون حساباً لغيرهم من القبائل. كان هناك شاعر هو” محمد بن غدير” قد هجا شيخهم، فترصَّدوه حتى قبضوا عليه ووضعوه في حفرةٍ مربوط اليدين والقدمين، كانوا يطعمونه مع الكلاب ويشرب من جرن الكلاب. كان عذاباً نفسياً وجسدياً حتى كاد أن يموت، ولولا أن أشفقت عليه ابنة الشيخ التي رأت مكابدته العذاب وكانت رقيقة القلب على عكس أبيها ورجاله ففكت قيده ففرَّ هارباً حاقداً تتوقَّد في قلبه نار لا يطفئها إلا الانتقام، وكان انتقامه شعراً، كان شاعراً معروفاً يتناقل الناس شعره، فنظم قصيدةً اشتهرت بين الناس فيها هجاء وتهديد وهذه الابيات من قصيدة الشاعر محمد ابن غدير الموجّهة إلى ابن شعلان: نبـــدي بذكر الله على كل ما بـــــــــــــان مــــــــولاي خلاق القمر والنجومي يقـــول ابن غدير حنا أهل المكـــــــــــان والنفس عن بعض المشاحين شومي أشوف محمد صبـح اليــوم غضبـــــــان يا ويل من كثرت عليـــــــه الهمومي يوم وعيد الله علينـــــــــــا جـــرى وكان أمره على المخاليـــــــــق حق لزوم نمنــا وقمنــا من مشامــيـل عوجـــــــان والصبح جب القصر جينــاك نومي جينــــا على قصر طويـــــــل وديـوان خلوٍ ظلالــــه عن وهيــج النســــومي جينـــا على ريــف الخطاطير حمـــدان عباس فوق الراس ريتـــــــــه يدومي كن صب فنجـــان من البــن واسقـــانيا مر على عذارة للمــــــــــــير قومي واني بمــرسال من الشيـــــخ عجـلان عبداً لفـــانـــا فوق قبـــــة قحـــــــومي قال قم دعاك الشيخ قواد الضعــــــان سطام اخو صيتــــــه بعيــــد العلــــوم قمنـــا علينـا ظهـورهن تقول عقبــان اقفــن همايــــم عدهــــــــن النســـــوم اقــفـن همــايم تقول صـف بالأقــران تقول المها لا طــالع لزوم يومــــــــي جينـــا عـ ابن منـصـور يوم الذي كـان سطـام يا شيــخ العـــرب والحكــومـــي شكـــــله بيـن المخـــاليـــق رحمـــان ثريـه جن مــلبّــس هـــدومـــــــــــــــي يقول ان كان تبغي صحبنا مثــــل ما كان ضـــم البواسـل وانتـى بيومــــــي قلت يا شيخ يا فوق من يا مر لنا عقب الأديان النفس عن بعــــض المشاحـــي تشوم لو قد تلي شعث النواصي بالأرسان والا تكـوم لـــــي من المــــال كومــــي خايف يقولوا اسود الوجه بوقـان عـــدا بنا عقب العهــــود الحســـومـــي جرد علينا كنوز من كل الأركان ابــن مجـــيــــد ولابـــتــه الغشـــــومي الله يسود وجه مجــول ابن فلان ســواد ما يـجلى عـن الوجـه دومــــــي أسود من الحره على ريش غربان ولا ظــــلام يتلنــــــــّه غيـــــــــــــــــــوم فطت علي سربة تقـــول زيغـــان صفر العيــــون مصلفحيــــن الخــشـــوم صروا علي صرة تخلف انســــان لما غــدى طـــيـــر القـنـــص فـرخ بــوم ظليت أباري بالمظاهــير حــيــفان لما تـجــارن طــايـــلات الحــزومـــــــي الله يكسر فزعتك يا ابـن شــعــلان بجــاه حـــدّار المــطـــــر مـن غــيــومي أطلب لكم رب الملا يخلف الشــان بالظهــور وعزّكــــــم ما يـــــــــــدومي صيور ما تردوا على راس عمـان ولا على الزرقـاء مســح الغرومــــــــي حريب ربعي طول الأيام سهــران حلفــن عيونــــه مــا تهـنـــا بنــــــــومي ابن حديد ولابتهه ابـــن عـــدوان وابو الغنــــم ظنـــي وراهـــم يقـــــــوم ليا عرضوا عن الضحى جمع ربدان يجـول صبـيـــان الصـباح القــــــروم بـ ملكـا دم يشــبــه أبـو سرحـــــــان والضـــبع لا بخــــر دارع يـــا اللمـــــوم أما الخليل كبارنا عضبن وحسان كبــار النجــوم بـيوتهم بالـخــــــــدوم عجيل وهد وشهاب القرم عيطـان عيــال عــــود بالمـجــــــالـس تــعـــــوم أخو ارشيده بالسخا شيخ لنــــا بان مثل السهـيــــل اللــــــي يقـــود النجـــوم ابن فريح جاك من الجبل زمقــان والمومنـــي والراشــــدي والعتـــــــــوم وكان الرفاقا يا علي من حظّهم فان نتحامل العرف كبـــار الختـــــــوم جمع الدروز ومقابلة جمع حوران وأهل الجبل طلابه للدمــــــــــــــــــوم استشاط شيخ الشعلان غضباً وقال: "من هو ابن فريح؟؟؟حتى يهددني به؟؟من هو؟ من هو؟ لا بدَّ من غزو جبل عجلون وغزو زعيمه ابن فريح الذي هددني به” وهكذا أخذته العزَّة بالإثم، وأمر عربانه بالتغريب قاصداً ابن فريح. تسامع الناس بمسير الشعلان وكثرة رجاله ووصل الخبر إلى ابن فريح حيث أرسل العيون لتراقب الشعلان دون أن يدروا بهم وأخيراً وصل الشعلان إلى طواحين العدوان عند سيل الزرقاء وهناك نزلوا عند الماء حتى يستعدُّوا للمرحلة التالية وهي غزو جبل عجلون. انتدب ابن فريح مجموعه من الرجال” قطاعين الضرم" المعتمد عليهم وأخبرهم بمراده فساروا إلى قرب الطواحين (طواحين العدوان) وتسللوا تحت جنح الظلام وكان لكل واحد منهم دور يقوم به فأتقنوا أدوارهم حيث كانوا أبناء ليل” دوَّاسين الظلماء" دخل أحدهم شقَّ الشيخ وكان نائماً دون حراسه حيث لم يدرِ بخلده أن أحداً يتجرأ عليه، فغرس شبريَّته بالفروة التي كان يتغطى بها ودقَّها بالأرض مع رسالة مكتوبه. أما الآخرون فقد تسلل بعضهم إلى المحرم (شقُّ النساء)، فأخذوا بنت الشيخ بعد أن كمَّموها لكي لا تصدر صوتاً بعد أن طمئنوها أنهم لا يريدون بها شراً وأنَّ ذلك رساله لأبيها، كانت ذكيَّه غير راضيه عن جبروت أبيها فسكتت واستسلمت لهم، أما الآخر فقد جاء بالفرس وسرجها، فأسرجها وانسلّوا تحت جنح الظلام جميعاً ومعهم البنت والفرس، كان البدو متعبين من السَّفر ولم يشعروا بما حصل إلا بعد الفجر. استيقظ الشيخ ورأى الشبريَّه والرسالة وعلم أنهم لم يريدوا قتله ولو شاءوا لفعلوا، ولم يجد فرسه في مربطها، دخل المحرَم فلم يجد ابنته، طار صوابه، ما هؤلاء؟ شياطين؟ عفاريت؟ وجد الرسالة ملطَّخه بالسواد، فهم فحوى الرسالة ووجد أنَّه مجبرٌ رغم أنفه أن يتصرَّف بحكمه، فكيف يغزوا قوماً عرضُه وشرفه بيدهم، ورأى أن لا بدَّ من الرحيل، فنادى: "الرحيل...الرحيل" عائداً من حيث جاء، خائفاً على عرضه وشرفه وسمعته، راقبت عيون ابن فريح عودة الشعلان يوماً بعد يوم حتى وصل إلى دياره. أما البنت فقد أسكنوها مع بناتهم وأكرموها وحافظوا عليها، وبعد أيامٍ من عودة الشعلان أركبوها فرس أبيها وزوَّدوها بالهدايا القيِّمة وأرسلوها مع عبدٍ يقود فرسها وكانوا متابعين لهم في الطريق حيث أعلموها أن هذا العبد هو عبدٌ لها. وصلت البنت وبلَّغت والدها أن ابن فريح يهديه السلام وقال العبد: "أنا هدية ابن فريح الذي يبلِّغك السلام ويقول لك أن عرضك مصونٌ أبيض” سرَّ الشيخ سروراً عظيماً لبياض عرضه وندم على فعلته ولم يُسمع أن الشعلان غزوا جبل عجلون بعد ذلك. بين النعيمة والرمثا. كثيرا ما كان يشب الخلاف بين العشائر بسبب الأرض حيث لم يكن هناك دوائر حكومية أو مخططات تبين حدود الملكيات، وقد نشب خلاف كبير بين" النعيمة" و” الرمثا" وحصل بينهم مشاجرات حيث اختلفوا على الحد الفاصل بينهما، كانت الأراضي سهول يصعب تحديدها بمعالم طبيعية بعكس الجبال والأودية والهضاب حيث توجد معالم طبيعية واضحة لا تتغير، تسامعت عشائر الشمال بما جرى وحاولوا التوفيق فيما بينهم فلم يفلحوا وذلك بسبب أن الأمر وصل إلى سفك الدماء مما جعلهم يائسين من إصلاح ذات بينهم. كان هناك مثل في شمال الأردن تناقله الناس” دبروها يا فريحات" فعلم بعض العقلاء أن عليهم اللجوء لابن فريح ليدبر هذا الأمر وقد وقع اختيارهم على” سليم الشريدة" أحد أكبر مشايخ الفريحات فطلبوا منه العون فلم يتوانى عن ذلك وفي مجلس ضمَّ وجهاء الشمال اقترح عليهم التحكيم فقبلوا ذلك على أن يقوم هو بالحكم بهذا الشأن. توارد الخصوم وكلٌ اجتهد في حجَّته وكلٌ أكَّد صحَّة الحدود التي يقول بها، وبعد السماع طلب سليم أن يأتوه في اليوم التالي بأكبر مسنه من الرمثا والنعيمة ولا يهم من أيهما كانت، وفي اليوم التالي جاءوه بأكبر معمِّره في البلاد وكانت عجوز حملوها حملاً لا تستطيع الوقوف على قدميها. امتحنها سليم فوجدها امرأة عاقله واعيه رغم سنِّها وهرمها فأراد امتحان صدقها أمام الجميع. أقسم عليها وسألها بالله أن كان يطرأ على بالها معاشرة زوجها وكان ذلك محرجاً لها أشدًّ الإحراج ولكنَّه عاد بالسؤال وعظم به عليها فقالت:" يا بنيَّ سألتني بالله وأنا على حافة قبري وأمام الناس، فوالله لأصدقنَّك القول: كل ما هبَّ الهوى بشليلي يطرأ على بالي حليلي". دُهش الجميع للسؤال والجواب فاطمأن إلى صدق العجوز سألها إن كانت شاركت بحصاد ”وغمارة" هذه الأرض في شبابها، قالت:" يا بنيّ كلُّ حياتي شقاء في هذه الأرض فقد أكلت منها وأكلت مني”، فسألها عن مكان بيوت الشعر لكل من الطرفين في وقت الحصاد، فقالت:" كيف لا أعرف ؟!، احملوني حتى أدلكم على مكان البيوت"، فحملوها على حمار، فأخبرتهم حيث كانت تسكن بيت الشعر ومكان موقد النار فحفروه فوجدوا الرماد فسألها عن "القعره" (أي علامة حد الأرض) التي كانت تحد زرع الرمثا عن زرع النعيمة، فأخذتهم العجوز إلى مكان القعره فحفروه فوجدوا الحجارة والرماد فتأكد للجميع أن الحد هو ما أخبرتهم به العجوز، وبذلك حكم بينهم” بالحفار والدفار" أي لا يطلب أحدٌ أحدأً، وبنى رجماً (أي كوم حجارة) بيِّن الحد بين الزعبيَّه أهل الرمثا وأهل النعيمة، فقالوا:" دبرَها ابن فريح". وقد نشأ عن ذلك صداقه ومصاهره حيث تزوج شيخ الخصاونة من” نزهه السليم الشريدة" وأنجبت له أبناء هم من شيوخ النعيمه قديماً وحديثاً. ==أبناء احمد الموسى الفريحات== استوطن أبناء احمد الموسى الحسينيات بدعوه من حسين السليم، وزرعوا بها الكروم وكانوا له عزوه كما أراد، كان كبيرهم محمد هو قيم أمرهم، كان قوي البنيه سليم البدن، يُضرب بقوّته وعافيته المثل ولعلّ هذه الحادثة تدلّ على ذلك، كان محمد في ساكب وكانوا يوسمون البقر (تعليمه بالحديد المتوهج)، وكان هناك ثور عجز الرجال مجتمعين عن تثبيته للوسم فقام محمد بذلك لوحده مما أدهش الناس. ===وفاة محمد الاحمد الموسى الفريحات=== هناك رواية طريفة وعجيبة بخصوص محمد حيث كان مع أغنامه وأبقاره قرب سيل الزرقاء، فشاهد كبّة غزل تتدحرج على سطح الماء، نزل الماء وحاول الإمساك بها ولكنّها كانت تتفلت منه كلّما كاد أن يمسكها حتى طال عليه الأمر فتعب وخرج إلى ظل شجرة مجاوره فنام، أو كان بين النائم واليقظان، فرأى امرأةً شابّه هي في الواقع تحوّلت من كبّة الغزل إلى شابّة جميله فعرضت عليه الزواج منها فأبى وبعد محاوره طويله لم تجدِ معه ضربته بيدها على أذنه فدخل في غيبوبة، ثم جاءه رجال قالوا أنه مات وبعد قليل جاء رجل مسرع من بعيد وقال لهم: توقفوا، حتى وصل إليهم فمسك بيده قطعة من الخشب اليابس فكسرها فوجد أنها ما تزال خضراء من اللب، فقال:" هذا ما مات، ارجعوه هذا سيموت بعد كذا من السنين بشهر كذا بيوم كذا على الحساب القمري" وكان محمد مصدقاً لهذه الرؤيا العجيبة وكان يحسب أيام حياته، وفي أحد الأيام كان أخوه عوض ذاهباً إلى الطاحونة المائية يطحن القمح في واد الحدادة، فقال له محمد:" يا عوض لا تتأخر جاء موعد وفاتي ”وقام بتحضير البيت للعزاء، فضحك عوض ملء فيه وقال له:" صحتك مثل الحديد شو هالحكي” وفعلاً عاد عوض من الطاحونة فوجد محمد قد مات كما قالوا، ومن المعروف ان أذن محمد قد صمّت منذ حادثة كبّة الغزل في سيل الزرقاء. وبعد وفاة محمد بفتره تزوج عوض زوجة محمد التي بقيت ضمن الأسرة مع أولادها كما هي عادة الناس ذلك الزمان، حيث نشأ حسن وحسين في كنف عوض وحميد. === في"العسكرية" والسفر برلك=== أعلنت الدولة السنيّه التعبئة العامة على مراحل وذلك في الحروب التي شنت على الدولة العثمانية ابتداءً من حرب القرم وحتى آخر الحرب العالميّة الأولى، هذه الحروب التي تعدّ امتداداً للحروب الصليبيّة التي شنّت على المسلمين. كان السلطان عبد الحميد مخلصاً مسلماً واعيا وقف أمام تلك الحروب الصليبية وأمام الخون عملاء اليهود في الداخل لآخر أيام حياته، وقد أعلن السلطان التعبئة العامة على مراحل حسب الحاجة، وكان أول من طُلب للحرب الشبان العزابيّة ما عدا وحيد والديه، ثم أخذوا المتزوجين ما عدا من تزوج بغريبه ولذلك تزوج عوض بغريبه ليسلم من العسكريّة ولكنهم ما لبثوا ان أخذوا كل من هو دون الستين، أخذوهم راغمين لم يكن عندهم ولاء للدولة التي طالما ظلمتهم وسلبتهم أرزاقهم بكثرة ضرائبها. كانت الحرب مستعرة والدولة تلفظ أنفاسها، وقد بلغ الجوع حتى صار الناس ينبشون روث الخيل لاستخراج حبات الشعير وطحنوا البلوط واقتاتوا على الخروب والنباتات البريّه وصارت الحسينيات خاليه من الرجال وكانت النساء فقيرات معدمات يلهثن وراء لقمه تسدّ جوع صغارهن. ====الفرار==== فرّ عبدون السليم من القطار من حلب واستطاع العودة سالماً وكان حكم الفرّار رهيباً حيث كانوا” يخوزقوه" وذلك بوضع عصاً في دبره تخرج من ترقوته أمام الجنود حيث يبقى معلقاً أياماً مشكوكاً بهذا القضيب يتعذّب حتى الموت، فكان الفرارات يفضلون الموت على القبض عليهم لقسوة الحكم الذي لا رحمه فيه. أما حميد فقد طال بقاؤه وتعلّم التركيّة وكان معسكره في أزمير غرب تركيا، وكان العرب يفرّون من الجيش مما وضعهم تحت الرقابة، وعندما أراد الفرار استأذن من قائده بأنه ذاهب ليشرب الماء فسمح له وعاد حميد، فكان في كل يوم يستأذن ليحضر الماء لخيمته ويعود حتى أمنوا فراره ولم يشكّوا فيه، وأخيراً ذهب مساءً ليحضر الماء بعد أن استأذن ففرّ من الجيش وكان يسير في الليل ويختفي في النهار حيث كانت صورة الخازوق ماثلة أمام عينيه مما جعله أكثر سرعة في الليل وحيطة بالنهار، وبعد أن قطع آلاف الأميال خائفاً جائعاً تعباً واستغرقه ذلك أكثر من شهرين كان يقتات على كل شيء يجده في طريقه، وصل أخيراً إلى الشام حيث سمع الأطفال يغنّون: "قولوا للشريف يركب الحمارة ويشنّ الغارة" فعلم أن الدولة ضعفت سلطتها عن الشام وواصل طريقه قاطعاً سهل حوران إلى درعا حذراً فلول الدولة وعيونها وبقايا جنودها. وأخيراً وصل الى الحسينيات محتزماً على معطف ثخين بالي ذو هيئة مخيفه طويل الشعر حافي القدمين، طرق الباب ليلاً بعصاه فخرجت والدته العجوز، كان الدخان يحجب ضوء السراج، خافتهُ، لم تعرفهُ، تبادلا النظرات، اقترب إلى أمه ضمها، شمّت رائحته وضمّته وهي باكيه تذرف دمعها وتقول اخوانك لم يعودوا يا حميد. كانت الحسينيات خاليه من الرجال وما لبث أن وصل الخبر إلى البيوت الكئيبة حتى تجمّعت النسوة عنده لعلّ عنده خبر عن ذويهنّ. ====عودة عوض الاحمد الموسى الفريحات==== لم ينجح عوض من الإفلات من السفربرلك بزواجه من غريبه، فقد جاءت الجندرما وأخذوه مع باقي أقرانه إلى المفرق حيث حملوهم بالقطار إلى دمشق، قام بمحاولة فرار فاشله أعادوه بعدها إلى القطار حيث توجّه بهم شمالاً إلى بلادٍ لم يسبق له أن سمع باسمها، ومن المرجّح أن هدف الرحلة كان الجبهة الروسيّة في شمال شرق تركيا، تحيّن عوض فرص الفرار طوال الوقت، وأخيراً دخل القطار في منطقة وعره مقفرة بين جبال كثيرة الانحناءات فكانت تلك هي الفرصة التي انتظرها، قفز من القطار وطار مسرعاً تحت وابلٍ من الرصاص حتى غاب عن أنظارهم، كان القطار مسرعاً لم يتمكّن من الوقوف، راح عوض يركض مسرعاً هارباً نحو الجنوب وبعد أيامٍ من الهروب صادف وجود هاربين مثله فانظمّ إليهم وساروا حتى بلغ الجوع بهم مبلغاً حتى أنهم فرحوا عندما وجدوا جيفة حمار فتنافسوا على أكلها من شدّة الجوع. وفي سيرهم نحو الجنوب مروا بديار قبيلة تركمانيّه مواليةً للدولة كانوا قد وضعوا عجوزاً على قمّة عالية سمّاها الفرارات” عجوز السوء "فأشعلت العجوز نار المدخنة كعلامة على اكتشافها وجود الفرارات، حيث كانت العجوز مرصداً لهم. تجمّع التركمان عند رؤية دخنة العجوز وراحوا يطاردون عوض وجماعته وكادوا أن يمسكوا عوض لولا مهارته القديمة بالمحاجرة الأمر الذي تدرّب عليه طوال حياته في رعي الغنم. كان عوض ماهراً بإصابتهم كان قد مدّ يده ليتناول حجراً فإذا بيده تمتد إلى قطعة زجاج من قنينةٍ مكسورةٍ فرمى بها زعيمهم "ابو الجدايل" فقصّ جديلته مع جزء من جلدة رأسه فصاح:" الأشقر...الأشقر.. أمسكوا الأشقر" فتركوا الفرارات وركضوا وراء عوض حيث صار لهم عنده ثأر. كان عوض يضرب ويهرب فاراً بأقصى سرعه زوّده بها الخوف على الحياه، وأخيراً دخل بيت شعر لبدويه من ديار بكر فلجأ إليه ولم يكن به إلا امرأةٍ استجار بها فراحت تجادلهم وتحذرهم من الاعتداء على البيت وأجيره وأشارت له إلى خلف البيت ففر مسرعاً وهي تناقشهم فلما رأوه كان قد قطع مسافه أعطته نوعاً من الأمان، ولكنهم ركضوا خلفه يطلبونه وأخيراً وصل إلى نهرٍ عظيم لم يرَ مثله في حياته وكان عند النهر ثيران يؤجرونها لمن أراد العبور ولكن لم يكن لديه الوقت ولا المال حيث أحاط به مطاردوه فقفز إلى ثورٍ عظيم أمسك بذنبه وصاح به فسبح الثور وعوض متعلًق بذنبه حتى وصل الضفة الأخرى فسار مسرعاً إلى الجنوب يقطع البلاد في الليل والنهار وكان يخرج من مأزق ليدخل في مأزقٍ آخر وأخيراً وجد نفسه قد قطع بادية الشام بدون علم منه حتى وصل إلى جنوب الأردن وأخيراً صحح مساره متّجها ًإلى الحسينيات حيث وصلها ليقصّ على أهلها ما صادفه من أهوال. أما فندي فلم يعد من تركيا وقد حلّ مكانه ابنه علي الذي تربى على يد عمّه حميد وعمّه عوض مع أخته" عاشه الفندي” حتى كبر علي وعاشه وأخذ علي حصّة أبيه كامله. وبعدها تزوّج علي من ساكب" حفيظه" بنت الحاج مفضي وتزوجت عاشه من" محمد الحاج مفضي”فكان ذلك زواج بدايل (أي يتزوج رجل من امرأة ويزوج أخته أو ابنته لأبو أو أخو زوجته في اتفاق واحد)، وكذلك لم يعد من تركيا محمد الأسعد ولا سعيد السليم ولم تصل أيّة أخبار عنهم. ==فخذ شريده الفريحات== كان شريده مناصراً لأخيه مصطفى في أخذ ثأر أبيهما أما أخوهما عباس فكان في عرجان عند أخواله. كان شريده سديد الرأي حسن المشورة، ففي أحد الحروب التي نشبت بين عباد وبني صخر من جهة وجبل عجلون من جهةٍ اخرى، وفي غارةٍ غنموا فيها أغناماً كثيره أشار على ربعهِ بان تُحذى الخيل بالمقلوب وذلك لتظليل قصاصي الأثر فكان أتجاه الخيل معاكس لاتجاه الغنم مما أعجز القصاصين عن معرفه اتجاههم حتى وصلوا الى بر الامان ولذلك قيل (شريده إحذى الخيل مشقلب) أي وضع حذوة لأرجل الخيول بالمقلوب لتمويه الأثر على مقتفيه. "قصة العلوّه" حضر الوالي العثماني من الشام واجتمع برجالات الشمال وذلك في إطار حملة تجريها الدولة بخصوص التنظيمات الإدارية المرتكزة على أسس عشائرية، فأغدق عليهم الألقاب التي تعكس أهمية الشيخ ومكانته آنذاك، ووصل الأمر إلى سليم الشريدة حيث كان عالي الطموح لم يطلب أرضاً كغيره من شيوخ البلاد فقال مجيباً الوالي عن سؤاله: “ما طلبك يا سليم يا ابن فريح ؟" قال: "أنا اريد منصب العلوّه يا باشا”، والعلوة منصب تشريفي يعطى لشيخ مشايخ البلاد ولواحد فقط من الشيوخ في كل سنجق من سناجق الدولة العثمانية. فقال الشيخ: "يا شيخ سليم العلوّه لا تدوم فخذ دبين ومجدل دبين خير لك من العلوّه” ولكن سليم لم يكن يهوى الأرض بل عشق الزعامة، فقام ووضع ابناً له طفل في حِجر الوالي راجياً أن يكرمه بلقب” العلوّه” ذلك المنصب الرفيع. فقال الوالي: "يا سليم أنت علوّه وسيكون لك راتب العلوّه ”وهو راتب سنوي عباره عن كيس صغير مملوء بالدنانير الذهبية من الدولة السنيه. يقال أن هذا الراتب لم يصله إلا مره واحده حيث تغيرت أحوال الدولة وأنظمتها وصار الناس يتندرون بسوء اختياره حيث ترك دبين والمجدل إلى لقب لم يدم "عبدون السليم” هو أبو رسميه زوجة عبد الحميد بن احمد الموسى. ورث عبدون أرض واسعه عن أبيه منها "ميسر الفشّ". وكان له سمعه بين أقرانه بالشدّه والجرأة حتى انه ذهب إلى وادٍ بعمّان يقال أنه سمي باسمه (وادي عبدون) حيث كان الوادي موحشاً تسكنه الضباع في طريق تجار المواشي القاصدين سوق ”رأس العين" وكان يأخذ منهم ”خاوه" (أي إتاوه) مقابل السماح لهم بالمرور سالمين مع مواشيهم وبعد سنين القيَ القبض عليه لفرضه الخاوة على التجار واودع سجن الشام وطال به الأمد في السجن فكتب هذه القصيدة الى راشد باشا الخزاعي الفريحات طالباً منه السعي في إطلاقه وتحريره من السجن "قصيده من رواية عيد عبدالحميد فريحات" يا ديرتي يا البعيده بالصياح تدعي المداعي بالمراكب ونيه يا طير ياللي بالجو فوق سوّاح بالله يا طــــير تفــــهم علــــيه خذلي سلامي بالورق خط وضاح وارميه على اليّ يحوزه بالفخور العذيه تلفِ (ع) كفرنجه أو من بعد مصباح يا حايم بالدنيا أطرافٍ فضــيه ابو فوزه يا شوق من لبس ٍمطواح زبن ٍ عياله ما يساوون الرديه رموني بحبس ٍ كبير ٍوجحجاح ٍ أخ من بق ٍ وبرد ٍ و وحواح يا حصيرتي ما نمت نومه هنيه صرت أرفع من العود وأدق من الماح ملوي على الدولاب طيه على طيه وأدق من صفره على البندقية رجعت أنا طفل ٍ صغير بمرجاح فاقد حليب الديد عند العشية أواه أنا من ديرة السجن انزاح وأبعد عن ديرة الشاويش والظابطيه والأرجح أن راشد باشا تدخل وأخرجه من السجن حيث كان من رجاله الذين يشّد بهم الظهر. قصة صقر الفريحات كان أحد شباب الفريحات قد ربى صقراً ليصطاد به كما هي عادة شيوخ ذلك الزمان في الصيد، ولكن الصقر بدلا من أن يصطاد الأرانب، والطيور البريه كان يعود لصاحبه، وقد اصطاد دجاجاته، وبذلك ضرب المثل ”مثل صقر الفريحات بودوه (أي يرسلوه) على الصيد برجع على الجاجات” ( أي الدجاجات) قصة واوي زياده كان زياده قد وجد واوي رضيع ماتت أُمه فحمله إلى بيته وارضعه حليب أغنامه حتى كبر، ولكنه عند ما كبر فرّ إلى البوادي وكان يعود بين الحين والآخر إلى بيت زياده ليسرق الدجاج أو يقرض ”الشكوه" فيشرب لبنها وينسكب محتواها على الأرض، أو يفري (ظبية) اللبن، حتى ضرب به المثل ”واوي زياده ”وذلك يُضرب لناكر المعروف. "لواء عجلون" ناحية بني علوان كان لواء عجلون يضم معظم ما يعرف الآن شرق الأردن وخاصة المناطق المأهولة من شرق الأردن حيث كان ”إبن فريح سنجق جبل عجلون” هو المسؤول عن جمع الضرائب وكان اللواء مقسم الى نواحي هي: 1. ناحية عجلون وتظم ستاً وثلاثين قريه حيث كانت عجلون مركز اللواء والناحيه. 2. ناحية بني علوان وتظم ستاً وثلاثين قريه زراعيه دافعه للضرائب وهذه القرى هي: عليمون، نقيته السفلى، دبين، برمه، مرج شيخ، نحله، نجده، دير بني قبيس، منصور، جرش، ساكب، عيصره، بعنه الفوقا، راغه، مصلى، بصا، حنوق (وادي سوف )، كفر فطره، رمان، ريمون، عين نجده، عين جنة القاضي، همتا، عين جملا، قاميه، جبه، دير تليل، شجريه، الجزازة، عنبا، جبا، عتك، دير زقريط، كوره، جرش. 3. ناحية كوره. 4. ناحية الصلت. 5. ناحية غور. 6. ناحية علان. 7. ناحية كرك، وتظم الكرك والشوبك والطفيلة وكانت هذه التقسيمات سائدة في بداية الدولة العثمانية وبداية ظهور أمر الفريحات في جبل عجلون، حيث كانت الاسرة الغزاوية مسيطرة على المنطقة لمدة ثمانية وسبعين عاماً ابتداء من عام ألف وخمسمائة وستة عشر ميلاديه ثم خلفهم الفريحات. وقد ورد في سجلات الضرائب لناحيه بني علوان ذكر نجده وعين نجده ومزرعة فريح، ومزرعة الحسنيه وذلك باللغة التركي واللكنة التركية. كما وردت ”قرية المرح نجده” ومزرعة الحسنيه (قرب نجده) كما وردت قرية ”عين نجده”، كما ورد ذكر كفرنجه ( مركز ناحية كفرنجه من لواء عجلون "في سجلات المستشرق ”سيلاه مرل "الذي مر بها عام 1875م ووصفها بأنها قريه مزدهرة مغطاه بالأشجار المثمرة والزيتون والخضراوات والحبوب. كما ورد ذكر "راجب ريان "ووادي راجب، وينابيعها، ومحاصيلها الزراعية من الزيتون والأشجار المثمرة. كان يحد لواء عجلون من الشمال بني الأعسر، وبني جهمه، وبني كنانه من نواحي حوران ومن الغرب ”شريعة الأردن "والبحيرة الميته" ووادي عربه ومن الجنوب تجاوزت حدوده وادي موسى، أما من الشرق تجاوزت حدوده طريق الحاج الشامي حيث انشئت سكة الحديد فيما بعد. وقد وجد في النصوص المملوكية سنه 1328م\728هـ ان سيلا ً دمر عجلون وسُجلت الأضرار ويظهر من الوثائق ان عجلون احتوت ثلاثة وكالات للتجار (مطاعم مع فندق) وخمسة عشر سوقا ً، ومصبغة ومسلخات وحمامات وعدد كبير من الطواحين. "الحسينيات": أصل التسمية لعل في الاسم ما يدل على المسمى ولكل اسم عند العرب ما يبرره أو يرمز اليه، ولعلَّ الاسم يعود إلى الفترة التي تلت موقعة كربلاء الشهيرة التي استشهد فيها الحسين سبط الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وجيء بالحسينيات (بنات الحسين وأخته زينب)إلى دمشق حيث ديوان الفاسق يزيد، وبعد ذلك خرجن مضعنات قاصدات مصر ولعلَّهن أقمن بالمكان الذي سمِّي باسمهنَّ ريثما تيسَّرت لهنَّ أسباب السفر لمصر حيث خرج والي مصر وأهلها لاستقبالهنَّ، هذا ما ورد في التاريخ والله أعلم. ولكل اسم عند العرب ما يبرره ومن المعلوم أن الطبيعة الحصينه للحسينيات بين الجبال كانت سبباً للجوء كثير من المضطهدين والخائفين على أنفسهم إليها حتى شبهها بعضهم بقلعة رودس التي تقع في البحر الأبيض المتوسط، والتي كانت مركزاً للفرسان الصليبيين اللذين غزوا بلادنا في القرون الوسطى. قصة مقتل العبد ووفاة سالم في السجن كان سالم وعبد ”شريده" في طريقهم ليلاً الى راجب أو إلى منطقه بالقرب من راجب وبسبب خلاف لم أقف على سببه.... قام سالم بإطلاق النار على العبد فسقط ارضاً ولكنه تمسك بثياب سالم فما كان من سالم إلا أن قطع ثوبه بالشبريه وفرَّ مغادراً المكان، ... وصل أُناس فوجدوا العبد في الرمق الاخير بيده جزء من ثياب قاتله...... فأخبرهم ان سالم قتلهُ ومات... أسرع الناس يبحثون عن سالم فوجدوه وقبضوا عليه قبل أن يبدل ثوبه، وكان الدليل دامغاً حيث كان الثوب وهو الدليل الواضح... وصل الامر إلى الدولة وقُبِضَ على سالم ونُقِلَ إلى سجن الشام وحُكِمَ هناك... وبعد فترة من سجنهِ توفي في السجن... كان هذا الحدث مثار خلاف في ما بعد بين ابناء سليم شريده وحمود... وقد جرت أحداث على تلك الخلفية... ثم كان حرق بيدر حسين السليم” والله اعلم بالفاعل... ولعل ذلك يوضح لجوء حسين السليم لأبناء احمد الموسى وعرضه عليهم ”مشد فدان” في الحسينيات”. أهل الحسينيات كان سكان الحسينيات الأوائل هم: حسين السليم، حمود، عبد الرحمن العلي، حسن الأسعد مختلفين في سلوكهم رغم القرابة الشديدة بينهم في الدم والنسب، كان حسن الأسعد رجلاً عابداً نقياً متواضعاً له كروم عنب واسعه أنشأها بكدّ يده وعرق جبينه، وكان كريماً مطعماً للطعام كثير الضيوف، أما زوجته هيفا الخزاعي كانت امرأه شيخه تجيد الرماية وركوب الخيل ولها شخصيّه قويّه تتفوَّق على الرجال. كان حسين السليم كبير الحسينيات وشيخها وكانت هناك منافسه بينه وبين حمود وكان بيت حمود ملجأ للفارين من الدولة وكانوا يأتمرون بأمره وقد حصل نزاع بينه وبين حسين السليم، فخاف حسين على نفسه وفكَّر بالعزوة، فأرسل إلى أبناء أحمد الموسى، محمد وفندي وعوض وحميد وطلب منهم أن يفزعوا له وقال لهم:” هذا مشدّ فدّان لكم إن جاورتموني بالحسينيات” وهكذا ترك الشبان الأربعة وأمهم" الزبليَّه” قرب الكته وجاوروه بالحسينيات وأعطاهم الأرض التي جعلوا منها كروماً للعنب ولا يزال اسمها الكروم وكانوا له نعم العزوة. من الأحداث المهمة بالحسينيات أن يد الخيانة امتدَّت الى بيدر حسين السليم، حتى أن ناره شوهدت من جبال فلسطين وقد أُتهم بذلك” أبو محمود زوج زكيّه الحسن” وقيل أنه ثأر لوشاية أدت لتسليمه للدولة حيث كان مطلوباً لجريمه ارتكبها في فلسطين على أن هذا لم يثبت، كما أن علي الحسين أنكر وشايته بالفلسطيني حيث كان راغباً بالزواج من زكيّه ولكنّه أنكر أنه وشى به. من أحداث الحسينيات ( عبدون وحمود) كان عبدون غائباً عن منزله، فجاء حمود ورمى أثاثه من البيت وخرجت زوجته” صبحا المصطفى" وبناتها وسكنوا تحت التينة وعندما عاد عبدون انتقم من حمود بأن أخبر عنه الدولة بما كان يجري في بيت حمود، وجاءت" الجندرما" ورحل حمود فاراً الى القبو في الجزازة، كاد الجنود أن يهدموا بيته لولا تدخُّل امرأه رأتهم بدئوا بهدم البيت فعلا نحيبها وصياحها فأشفقوا عليها وتركوا المنزل بعد أن هدموا بعض الحجارة، وهذه المرأة هي صبحا المصطفى التي رغم ما ذاقت من الهوان مما فعله حمود إلا أنه لم يهن عليها أن يهدم ”أبو ضلع" بيته وجاءت بنفسها في هذا الموقف، أما أبو ضلع فقد ترك عسكر الفيصلية وصار بعدها لصٌّ معروف وقُتل من قبل رفيقه في أحد( صير) الماعز في حادثة سطو، ومن المعروف أن حمود لم يرجع إلى الحسينيات بل توفي شاهده على العصر: رسميه العبدون الفريحات كانت رسميه حكيمه ذكيّه قويّة الشخصيّة تركب الفرس الأصيلة وتقوم بشراء حاجيات المنزل من جرش على ظهر فرسها الحمراء، كانت عابده وحاجه وكثيراً ما كنت رديفها على ظهر الفرس. كانت تبذل الخير والمعروف ولا تنتظر جزاءً إلا من الله، حياتها مليئة بالعطاء وتربية الأيتام والشقاء في أعمال الزراعة وحلب الأغنام ولها أكبر الفضل عليّ حيث ربتني يتيماً وكانت لي أماً وأباً ومهما كتبت عنها لا أستطيع أن أفيها حقها. قالت رسميه:" أتذكر الجيش التركي يلبسون البناطيل والستر والأحزمة العريضة والخوذ ويحملون مطرات الماء بأيديهم والكرابيج والبواريد. كانوا يرهقوننا بالكيلات - والكيل هو ضريبة القمح التي نؤديها للدولة رغماً عنا -. عندما عاد حميد من العسكرية قالت أمي هذا طليبك وكنت صغيره وصار هذا دون علم مني، فرّت تركيا حيث مرّ الجنود من كفرنجه قادمين من الغور وفي طريقهم مروا من عين جنّا، فتناول جنديٌّ قطف عنب من دالية فأطلق قائده عليه النار وقتله على الفور، الدولة لم ترخص لجنودها النهب ولكنهم كانوا جائعين. وفي الليل شاهدنا نيران القنابل المتفجرة بالغور وصار نهب لمخازن الأسلحة، وشاهدت النساء يحملن البنادق على الحمير بالحمالات كما ينقلن الحطب قادمات من الغور. وفي تلك الفترة لجأ لكفرنجه أناس كثيرون لا يتكلّمون العربية لعلّهم من الأرمن. وفي فترتها أرسلتني أمي مع زهر بنت محمد العبد إلى كفرنجه حيث طلبت من الباشا راشد أن يتوسّط لإخراج أبي من السجن وأطعمته” بُريد" كان معي قطفته من الطريق، ضحك الباشا وذهب إلى عجلون وأخرجه من دون أن ينزل عن فرسه بنفس اليوم حيث أشار للجنود بيده" روحوا عبدون على أهله" وبعدها زالت الفيصلية وسمعنا عن قدوم الأمير عبد الله. تزوّجت حميد وكنّا ثلاث عائلات ببيت واحد وكان مهري خمسة معزى وثور وبقي عند حميد سخله واحده هي أم غنمنا التي صارت كثيره حتى ضاق بها المكان، وربينا البقر وزرعنا وحصدنا وكان حميد جادّاً بعكس جيله اللذين لم يكونوا يعملون إلا للضرورة. ولدت عيسى بالشتاء وبعدها ولدت موسى حيث عاش سبعة أيام فقط ثمّ ولدت باقي أبنائي حيث ساعدونا في الزراعة والرعي ولم يكونوا عبئاً علينا، كنّا عائله عامله منذ الصغر. كان عيسى شجاعاً من صغره وكان هناك عداء بيننا وبين العياصرة بسبب الأرض، كان عيسى يأخذ البقر إلى جحدب (نبع ماء بين نجدة والحسينيات) بعد المغرب ليسقيها الماء على وجه التحدّي وكانوا ساكنين عند العين، ومع ذلك كان لنا أصدقاء من ساكب هم دار محمد الرشيد، ومحمد المفضي، ومحمد الفارس، والعمور، وأولاد أحمد العلي، وكان العداء مستحكم وفي كلِّ سنه شجار حيث كانوا طامعين بأرضنا حتى مقتل عبد الحميد. عبد الحميد الرجا لم يكن صاحب المشكلة ولم يكن عدوٌّ لنا كانت أمه عاشه الحمود من الفريحات ولكن صاحب المشكلة” رزق الله" هو الذي تسبب لنا ولهم بما صار. كان حوش وبوش حميد للجميع حيث كنا عائله واحده ملكيتها مشتركه. كبرت هاجر وخطبها على الحسين وكان مهرها خمسةً وسبعين ديناراً أخذنا ثلاثين عنزة بثلاثين ديناراً أما الباقي فقد باع علي المشماس (إسم أرض بين جده والسحينيات) لمحمد الرشيد بأربعين ديناراً فأعطاه حميد خمسة دنانير زيادة على سعر محمد الرشيد وأخذ المشماس كما هي عادة الناس آنذاك، وكانت كلفة العروس وجهازها على أهلها مع أثاثها. تعلّم عيسى عند الخطيب ثلاثة أشهر وكان الخطيب هو الشيخ حسن وكانت زريفه الحسن من جيل عيسى. مرض ابني محمد خمسة سنوات في طفولته حتى يئسنا منه ولكن الله عاد به بعد أن فتحت نفسه على دبس العنب فكان يلحس الدبس حتى تحسنت صحّته، كانت القهوة السادة هي كيفنا ومشروبنا، أما السكّر فكان على شكل المدحلة زمن تركيا (اسطواني) ثمّ جاء فيما بعد على شكل مخروط سكر ملوّن قالوا أنه من سكر الخروب وذلك زمن الأمير عبد الله. حجّ جدّي مصطفى الموسى (أبو أمي صبحا) مع عبد الرحمن العلي على الجمال وكانوا يغيبون ستة أشهر وجاؤوا بهدايا ومسابح وحنّا". كانت النساء يلبسن البيارم، أما البنات فيلبسن الدلوق، وكانت الملابس تصبغ بالجاز وقشر الرمان. كانت العملة تركيّه هي الليره الحميديه من ذهب وكانت المجيديه من فضه، أما الفراطة فقد كانت القرطه، والزري، والبشالي، والمتليك. كان ثمن العنز خمسة مجيديات فضه. كان ثمن شوال القمح (خط أحمر) ثلاثة مجيديات وكان ثمن الفرس مئة مجيدي. العُرضي في صباح أحد الأيام ذعر أهل كفرنجه لوجود جيش كبير كثير العدد ”العرضي" تمركز فوق البلدة ونصب مدافعه ورشاشاته ”مترولوز "وسددها باتجاه البلدة وذلك لأن الجيش كان بحالة حرب وقد نفذت مؤنته وصار مضطراً لتأمين الطعام ولو بالقوة. تنبه راشد الخزاعي آنذاك وعزم على حماية البلدة. نادى ”يا نسوان كفرنجه اعجنن واخبزن ".وركب قاصداً قائد ”العرضي "ودعاه على طعام ووليمة تكريماً للجيش فسر القائد بذلك وحول مدافعه عن البلدة وفعلاًً وصلهم الخبز كأنه البيدر حيث عملت النساء بجدّ واجتهاد ونجت البلدة من شر ذلك الجيش الذي كان مضطرا للقتل في سبيل الخبز وزاد ذلك محبّة راشد ومكانته عند الدولة والناس. راجــب كانت راجب نقوط من العدوان حلفاء الفريحات إلى حسن البركات عند مولده وذلك لشعورهم بالجميل لوقوف الفريحات لجانب العدوان في حربهم مع الصخور وعبّاد حيث لجأ العدوان لجبل عجلون الذي كان حصناً منيعاً بالمكان والرجال. قامت الزراعة في راجب على الري الذي يحتاج للأيدي العاملة والفعلة، وهكذا جاء الصماديه يعملون في الأرض على مشرك، وكثر الصماديه وعظم شأنهم وطمعوا في تملّك راجب ولم يستطع حسن البركات الوقوف لهم لتفرّق كلمة الفريحات، وتمادوا حيث تعدوا على الفريحات حتى أنهم كسروا أفران الخبز وجهروا بأن راجب لهم. حاول حسن أن يصلحهم بجزءٍ من راجب لكنهم قالوا إما نأخذها كلها أو نتركها كلّها، وزاد شرّهم وشغبهم وغلبوا الفريحات على أمرهم. علم حسن أن العزوة في الأقارب وليست في الأغراب وأن الاتحاد قوّه، وبحسن تدبيره عقد صلحاً مع أقاربه من الدار الشرقية وأنهى الخلاف بين الدار الغربية والشرقية وتوج ذلك بأن زوج ابنته رفقه المشهورة بالجمال والكمال والعقل وحسن التدبير لراشد الخزاعي على أن يكون مهرها طرد الصماديه من راجب فسرّ راشد، هكذا جُمعت الفريحات بعد فرقه طويله وعلى الفور سعى راشد في تأدية المهر المطلوب”مهر رفقه الحسن". وقيل أن رفقه هي التي طلبت مهرها (إخراج الصماديه من راجب)، حيث قالت له: "مهري غالي.....تقدر عليه ؟" فقال: "كيف لا أقدر على مهرك" فقالت:" مهري إخراج الصماديه". جمع راشد رجاله وحذرهم من التعرض للنساء وركب أمامهم إلى بيوت الصماديه فطردهم من راجب واتجه في طريقه فوراً إلى الحاكم العثماني في إربد وبقي تلك الليلة في مضافة الحاكم العثماني، حيث رتب هذا الأمر في غيابه بدون إراقة قطرة دم. وصل الصماديه إلى الحاكم العثماني يشتكون راشد والفريحات ويخبرونه أن راشد هو الذي كان على رأس الفريحات يدير الأمر وأنهم خرجوا من راجب بقوة السلاح وانهم شاهدوا راشد يأمر وينهى ويحرض وهو مشهرٌ سلاحه، ولكن الحاكم العثماني قال لهم: "هذا راشد عندي من الأمس ولم يغادر السرايا وأنتم كذابين فكيف أكذب عيني وأصدقكم". قال راشد: "راجب لنا، هؤلاء مرابعيه انتهت مرابعتهم ورحلوا، والأرض لنا، وأما كذبهم فقد رأيته بعينك”. غضب الحاكم عليهم وطردهم من السرايا وحذرهم من الوصول لراجب ومن وصلها فلا يلومنّ إلا نفسه، وخرجوا خاسرين وخسروها كلها كما قالوا، وبعد ذلك توطد الصلح بين الفريحات وصار راشد زعيم الفريحات بلا منازع بعد سنوات طويله من الفرقة والاختلاف. راشــد والمنــدوب السامي وعودة عبد المهدي عاد الفارون من العسكريّة الواحد تلو الآخر، وكان لكلّ واحدٍ منهم قصّه مثيره يرويها للناس. لم يعد محمد الأسعد ولا سعيد السليم، كما أن فضه الأحمد طال انتظارها لابنها فندي، فلم يعد وبقيت زوجة فندي” رشده" وابنها علي وبنتها عاشه ينتظرون عودة فندي وطال الانتظار بدون جدوى حيث لم تتزوج رشده من أحد اخوان فندي كما جرت العادة فيمن يموت زوجها بل رجعت إلى الكته حيث تزوجت وأنجبت. مضت سبع سنوات على الحرب حيث صارت البلاد بيد الانجليز وكان راشد الخزاعي هو الزعيم الفعلي لجبل عجلون وكان محلّ احترام الجميع، كان رجلاً محبوباً له خصال القائد الشعبي كان رجلاً أمياً لكنّه كان يجمع الناس ويحلّ مشاكلهم ويرضيهم. كان المندوب السامي البريطاني في فلسطين يستعين بعدد من المستشرقين الذين قدّموا له معلومات عن البلاد وتاريخها ورجالاتها مما سهّل له شأن إدارتها بما يلبي مصالح الصهيونيّة واليهود حيث كان يهودياً صهيونياً هو"هربرت صموئيل". راشد الخزاعي الفريحات درس المندوب السامي ملف راشد الخزاعي وعلم عن نفوذه في جبل عجلون فأراد أن يستقطبه لصالح الدولة المستعمرة والحركة الصهيونية وأراد أن يشتريه بالمنصب والمال شأن كثير من الباشاوات الذين استغلّ نفوذهم في اغتصاب البلاد المقدّسة ”فلسطين". تلقى راشد باشا الدعوة من القدس وركب فرسه برفقة غلامٍ حدث يخدمه في الطريق هو" علي العبدون"، وفي القدس خرج البطاركة والحاخامات وكبار الضباط بصحبة المندوب السامي لاستقبال راشد استقبالاً يليق بالملوك، عرف راشد أن من وراء ذلك أمر خطير. وفي مجلس حاخامات اليهود والمندوب السامي وبعد الترحيب براشد واستضافته في فندق الملك داوود قال المندوب السامي:" يا باشا نريد أن نجعل منك الرجل الأول في هذه البلاد وعلمنا أن الناس يطيعونك في جبل عجلون ويحترمونك، وهذه الشنطة مليئة بالدنانير الإنجليزية الذهبيّة هي هديّة لك من الملك جورج وهناك يهود مساكين مضطهدين في أوروبا يريدون أن يلجأوا إلى جوارك ويكونوا طوع أمرك. قال راشد هناك أبناء لنا لم يعودوا بعد من الحرب ولعلّ بعضهم أسرى لديكم فخذ أسماءهم لعلّك تساعدنا في عودتهم لأهلهم فقال المندوب السامي: "بكل سرور". وفي اليوم التالي حضر راشد فأعلمه المندوب السامي أن عبد المهدي أسير في الهند حيث كانت مستعمره بريطانيّة وأنه سيصل يوم كذا إلى حيفا” هديه وإكرام للباشا". أعاد عليه المندوب السامي موضوع اليهود وشنطة الذهب فقال راشد:" عندنا ذهب كثير وأحوالنا ميسوره، أما اليهود فاعلم بأني لا أملك جبل عجلون بل هو ملكٌ لأهله"، سلّم راشد وانصرف ولم يأخذ شيءً وفهم ما يرمي إليه” هربرت صموئيل". قال علي:" يا باشا لماذا لم تأخذ المال "فأجابه: "يا بني يريدون قتلنا وأخذ بلادنا بهذا المال... بكلّ دينار يقتل واحد من جبل عجلون". استعمل المندوب السامي كلّ اتصالاته لإعادة عبد المهدي ليبدأ بذلك أحد الاعيب الإنجليز على راشد ولكنّ راشد أبطل خطّتهم ولم يعطهم شيئاً. أما عبد المهدي فقد عاد بعد سبع سنوات من الغربة حيث يئس أهله منه وأقاموا له العزاء وتزوّجت زوجته، بينما كانت أمه تخبز بالطابون رأته واقفاً أمامها ملابسه رثّه مثقّبه من الرصاص حتى أن لغته تغيّرت، كان فرحاً كبيراً أدخلها في غيبوبة. جلس عبد المهدي يحدّث الناس عن أهوال الحرب والأسر وغرائب الهند وحرقهم الأموات والاستعباد والبواخر وقصص لم تنتهي طوال حياته، وقد كانت عودته وساماً لراشد الذي لم يدّخر أية فرصه لخدمة أقاربه مما زاد حب الناس له. راشد الخزاعي وسعد الخلف كانت العداوة بين عبّاد وجبل عجلون بين مدّ وجزر من صلح إلى خصام، وكان سعد الخلف شيخ معروف وقد بدر منه ما أغضب راشد ووجهاء جبل عجلون، فأرسل إليه راشد اثنين من الدهاة، فوصلوا قبل العشاء وكمنوا قرب بيت الشيخ وسمعوه وهو يرسل الرّصد ليرابطوا في الأماكن السالكة من سيل الزرقاء، فعرفوا الأماكن التي أرسلهم إليها ليتجنّبوها عند عودتهم، وبعد سهره في شق الشيخ عرفوا ما دار من حديث، ذهب الناس للنوم وكان النعاس قد ألمّ بالشيخ، فقالت له زوجته وكانت عاقله :"يا سعد اللي يعادي جبل عجلون لزوم ما ينام" فقال لها:" وينهم و وينّا" وأخلد للنوم العميق، تسلل الرجلان فأخذوا بندقيّته ودخلوا المحرم، فأراد أحدهم طعنه بشبريَّته ولكن زوجته رفعت يدها وتلقّت بها ولم تنطق بحرف، حاول الرجل مرةً أخرى ولكن المرأة حالت دون ذلك، فوضع الرجل شبريّته في فروة الشيخ، ونظر إلى المرأة ففهمت مراده وأنه ترك زوجها إكراماً لها لأنها لم تصرخ، وفرّ تحت جنح الظلام ولم تصرخ الزوجة إلا بعد أن علمت أنهم ابتعدوا عن المراح وأنهم في أمان. عاد الرجال وتجنّبوا الرصد وأخبروا راشد بما فعلت المرأة فأثنى عليها. أما المرأة فقالت لزوجها:" لو أرادوا قتلك لقتلوك، وهذه الشبريّه قد شكّت فروتك بالأرض وإني أشير عليك بمصالحتهم. اقتنع سعد الخلف بما قالت المرأة وسعى للصلح مع راشد الخزاعي وفعلاً تمّ الصلح وصاروا أصدقاء يحترم بعضهم بعضاً، ومن المؤكّد أنهم أعادوا له بندقيّته وأعاد لهم شبريّتهم في مجلس الصلح. الحكومة الفيصليّة كان جيش الثورة العربيّة الكبرى، جيش الشريف حسين، مزيج من العرب الشاميين والحجازيين والعراقيين والدروز، وكان لأهل بادية الشام وخاصّه شرق الأردن نصيب كبير منه، وكان الشريف فيصل أول من دخل من الأمراء ووصل إلى الشام مع العربان الذين ناصروه، ولكنّه بعد فترةٍ وجيزة ـ سنتين أو أكثر بقليل ـ تعرّض إلى غدر الإنجليز والفرنسيين الذين استعملوا الشريف والعرب وسيلةً لتحقيق مأربهم حيث كانوا يخفون الغدر، ومعلوم أن العرب لا يعرفون الاعيب السياسة، تفاجأ العرب وملكهم فيصل بمقلب الحلفاء الذين قسموا البلاد بينهم وجعلوا فلسطين حصه لليهود كما جاء في وعد بلفور وعلى أثر ذلك قامت الثورات في سوريا بعد إقصاء الشريف فيصل وقامت في الأردن بشكل مؤقت حكومات محليه في الكرك والسلط وعجلون ولم تستقر الأوضاع إلا بعد وصول الأمير الشريف عبدالله الذي أسس إمارة شرق الأردن. وقد كان لجبل عجلون وقائده راشد الخزاعي شرف دعم ثورة سلطان الأطرش في سوريا ودعم الثورة في جبل لبنان وذلك بأرسال متطوعين من جبل عجلون قيل أن عددهم كان أربعمائة رجل مسلح وقد كان راشد على صلة بما يدور في بلاد الشام حيث كان عضواً في حزب الاستقلال وقد تواجد في دمشق لفتره من الزمن كما ورد في مذكرات (علي الشرايره ) الثلجة الكبيرة بدأ تساقط الثلج فخاف حميد على الغنم من البرد وقصد مغاره دافئة في نجده ”عراق دار عوض" حيث وضع الغنم في المغارة وكان برفقته حسين ابن أخيه، تساقط الثلج طوال الليل وفي الصباح كانت الثلوج قد غطت المكان واغلقت باب المغارة إلا من جحر صغير بقي بسبب نفس الغنم وكان حميد قد احتاط للأمر فأدخل الحطب إلى المغارة في اليوم الأول وكان يوقد النار داخل المغارة طلبا للدفء والاستئناس بالنار، تواصل سقوط الثلج لمدة سبعة أيام لم يكن لهم طعام إلا ما يذبحون من (الجديان) وكان مما نغص عليهم طعامهم انه لم يكن لديهم ملح فكان الشواء ناقص لا طعم له، خرج حميد من ذلك الجحر في الثلج فشاهد الدنيا ”طاسه بيضا" فقام بقطع بعض الأغصان بطبره حيث التهمت الاغنام أوراقها بسرعه حيث بلغ الجوع بالأغنام أن أكلت شعر بعضها وقد كان في عمل مستمر لإطعام أغنامه من ”القصف" حيث كانت ”نجده” غابه من السنديان والملول و البطم. كان حميد بانتظار اخيه عوض الذي اعتاد أن يلحقه بالسمن وخبز الشراك ولكن الانتظار طال فكانت كما قال المثل "لا طير طاير ولا وحش غاير". كان عوض على أحر من الجمر ولكن السير في تلك العاصفة كان مستحيلاً وفي اليوم السابع خف سقوط الثلج وحزم عوض أمره للذهاب إلى نجده. كان المشي على الثلج غير ممكن ولكن عوض ربط حذاءه ”بغربالين" كي لا تغوص أقدامه في الثلج واخذ الزاد الوفير وأكثر من السمن وخبز الشراك ”وقطع (المرح والمشماس وتلعة جحدب) ”كأنه يسير في بحر من الثلج وكان يظن أن حميد وحسين قد ماتوا مع أغنامهم من هذا البرد الشديد وبعد عناء شديد وصل المغارة ففرحوا بلقاء بعض وقد كانوا بأمس الحاجه إلى الزاد وبعد أن أكلوا وشبعوا فتحوا جزء من باب المغارة حيث صارت الغنم تتسلل إلى غرب نجده حيث كان الثلج أقل والغابة كثيفه فتأكل الغنم وتعود إلى المغارة لوحدها من خلال مسرب صغير تمر من خلاله. عاد عوض إلى الحسينيات تاركا عندهم الطحين ولوازم صنع القرصة والسمن البلدي فطاب لهم المقام في المغارة حتى هدأت حدّة العاصفة وذاب الثلج بعد أسابيع حيث عادوا إلى الحسينيات يسوقون أغنامهم. كانت هذه الثلجة والمعاناة التي كابدها حميد في الحفاظ على أغنام دار أحمد الموسى دافعا له للتفكير بنجده وامتلاك هذه المغارات الأثرية القيمة لمربي الأغنام. قصة موت جمل حميد كان لحميد جملين، يستعملهما عيسى ابنه بتجارة الحطب والفحم حيث كان عيسى يحمّل الجمال بخشب البيوت إلى حوران ويقايض الخشب بالقمح كما كان يقايض الفحم بالقمح، وكان حمل فحم أو خشب أو حطب مساوياً لحمل قمح في القيمة خاصّة في فصل الشتاء، لذلك كان للجمال أهمية وقيمه. توجّه حميد بجمليه المحمّلين بالعصي إلى عمّان مع رفقة من البدو الذين كانوا قد سكنوا في الماصية بجوار حميد، باع حميد العصي في عمّان، وفي صباح ذلك اليوم رأى عيسى رؤيا قصّها على أمّه رسميه العبدون، قال:" ياأمي رأيت جملنا يتدحرج من الرمان إلى سيل الزرقاء، وأنا خائف على أبي أن يكون قد جرى له مكروه" فقالت:” توكّل على الله”، وكان لعيسى شأن يقضيه في جرش فتابع طريقه. وفي طريق العودة في منطقة الرمّان تغيّر حال الجمل وكان حميد يقوده ولما وصل سيل الزرقاء سقط الجمل على الأرض وخاف حميد عليه الموت فنحر الجمل وسلخه وأرسل حمارته مع البدو، فلما وصلوا إلى نجده خافت رسميّه من قدوم الحمارة بدون حميد والجمال ولكنّ البدو أخبروها بأن حميد ذبح جمله وأنهم تركوه على سيل الزرقاء فلامتهم على سوء الرفقة. وضع حميد لحم جمله على الجمل الآخر كما استغلّ فرصة وجوده على الماء فنظّف الطراف، كان هذا العمل شاق على رجل واحد ولكن حميد ما لبث أن وصل إلى نجده حيث كان يسكن ببيت شعر في الماصيه، فقام بتوزيع جزء كبير من اللحم على الأقارب وجيرانه البدو. وأخيراً طبخت رسميّه الطراف فجائوا وقد تفتّحت شهيتهم عليه فمازالوا في جيئة وذهاب حتى فرغت القدور بعد أن كانوا يقولون من يأكل اطراف الجمل ؟! كان الجمل عزيزاً على عيسى فحزن عليه فقال له والده حميد:" ولا يهمّك لابدّ أن اتيك بجمل مثله أو أحسن منه". كان الجمل له قيمة عالية كقيمة قلاب أو شاحنة في هذه الأيام. قصة عين قدرا كما في موارد الماء اجتمع الرعاة على عين قدرا فوق الجزازة، وبعد أن ارتوت أغنامهم جلسوا بقرب النبع يتمازحون وكان بيد ابن ثلجي” النصراني" بارودة يلهو بها ويشير بها إلى حسن الحسين السليم "أطخك؟ أطخك؟"... وربّما قال حسين ”لا.. يعمّرها الشيطان"... ضغط الزند... سقط حسين صريعاً في الماء، صاح الرعاة” ذبحه” وسرى الخبر سير النار في الهشيم، ووصل إلى ثلجي بنجده فلم يحسن التصرف مع أن عوض وحميد نصحوه بأن يستجير كعادات الناس فجمع أغنامه وتوجّه سريعاً إلى عنجره، وفي الطريق عدا عليه الطامعون ونهبوا غنمه بإسم الفريحات قبل أن يستجير بأحد فدفع ثمن ذلك غاليأ علماً بأن الفريحات لم يتعرّضوا له ولحلاله بسوء عملاً بحسن الجوار وحفاضاً على الصداقة والعيش والملح. أما بناته وزوجته وأهل بيته قد احتموا بعوض وحميد حيث حموهم وأوصلوهم سالمين إلى عنجره. كانت هذه الحادثة نهاية سكن النصارى لنجده، وبقيت أرضهم بيد أبناء أحمد الموسى يزرعونها على مشرك، ثم عرضوا أرضهم للبيع فاشترى حميد أرض عيد المرشود له ولأخيه عوض مما أثار حفيظة عوض فأقام الدنيا وأقعدها لأنه لم يكن راغبا بشراء الأرض حيث كان يحب الاغنام وبعد ذلك اشترى حميد قطعتي أرض في خنيزير كل قطعة بعشرة دنانير، الأمر الذي أغضب عوض ولكنه عاد إلى رشده بعد أن ربح في مفحمةٍ واحدة أربعين ديناراً، وتابعوا العمل حتى عملوا عشرات المفاحم حيث كانت أشجار الملول المعمّرة تغطّي المكان. أما ثلجي فقد باع أرضه للعياصرة ووضع ثمنها في الديّة التي تحمل وزرها. حماية الشوام من بني حسن كان تجّار جرش من أهل دمشق ”شوام" سكنوا جرش وكانوا معدمين، حيث بدأوا بدايات متواضعة فمنهم من كان يعمل "سقّى" يحمل دلوين من الماء بواسطة عصىً على كتفيه يسقي الشراكسة ومنهم من كان له دكّان بسيط يقتصر على التمر والحلاوة والسكر والقهوة، ومنهم من عمل حذّاء للخيل أو أجيراً في خان أو يحمل بقجة على ظهره، وبفترة بسيطة توسعت تجارتهم وتملّكوا جزء كبير من أراضي بني حسن، وقد استغلوا طيبة وبساطة وكرم البدو ومنهم من لجأ إلى الغش والخديعة، فتجمّع رجالات بني حسن وتوجّهوا يريدون نهب جرش، فاستجار الشوام بالفريحات، فحضر خيّالة من الفريحات منهم راشد وعبد القادر وصدّوا بني حسن عن عزمهم وقالوا لهم أن هذا سوق للجميع وهو في حماية الفريحات، فغادر رجال بني حسن وقد متّن الشوام علاقتهم بالفريحات حيث زوجوا راشد احدى نسائهم وهي من دار الملقي وكان معها ابن اسمه حسني أعطاه راشد اسمه وورث جزءاً كبيراً من أموال راشد بعد موته واستتب أمر الشوام بعد ذلك. الحراميّة كانت بيوت أبناء أحمد الموسى المصنوعة من الشَّعر منصوبةً بتلعة المغارة كعادتهم بعد انتهاء موسم الأمطار، علا نباح الكلاب وتوجّس أهل المراح من نباحها فأطلقوا النار في الهواء ففرّ اللصوص بذعرٍ شديد، وبعد قليل دخلت ”عنزه" إلى بيت الشعر تقطر دماً فرمت نفسها أمام البيت فذبحوها بعد أن وجدوها مطعونةً حيث أن الحرامي لم يستطع أخذها فطعنها تعبيراً عن نفس خبيثة حاقده. أسرع الرجال خلفهم تحت جنح الظلام ولكن حميد تناول منكوشاً صغيراً وجده في متناول يده، فأسرع إلى (المرح) مسابقاً الريح فسبقهم ورابط لهم فجاءوا بعد قليل وهناك قرب حاكورة دار علي الفندي (بالحسينيات) فاجأهم من خلف شتّولة فضرب أحدهم برأسه وفرّ الباقون فعدا عليه وأشبعه ضرباً، سمع أهل الفزعة الجلبة فقصدوها وصاروا يضربون الحجارة باتجاه الجلبه، تمترّس حميد بجسم اللص حيث كانت الحجارة تهوي عليه حتى صاح :"أنا حميد، لا تقتلوا الرّجل” ولكنهم كما يقال ”فشّوا غلّهم" بالحراميّة حتى طابت أنفسهم ثمّ حملوه إلى دار نوري حيث لم يكن في الحسينيات إلا هم لأن الناس في العزب، خافوا عليه الموت وخافوا أن يبتلوا بدمه فحاولوا إسعافه وبعثوا في اليوم التالي من يبلّغ الدولة فجاء عسكر الفرسان وأخذوه إلى المستشفى للمعالجة ثمّ سجنوه عاماً كاملاً، كان اللص من (المعاط). قطع الطريق تعمّقت الخلافات بين الفريحات والحكومة، ذلك أن الحكومة لم تعرف للفريحات قدرهم في جبل عجلون، وقد وصل لراشد الخزاعي خبر مفاده أن سيارة محمّلة بالمال ستمرّ من طريق جرش - الرمّان - عمان، فأرسل حسن الحمد ونوري الحمود وآخرين لاعتراض السيّارة ونهبها ولكن لسوء حظّهم مرّت سيارة أخرى هي سيارة عبّاس بيك فظنّوها سيارة المال فأوقفوها، وقال لهم عبّاس بيك: "أنتم واهمون، أنا لست من تطلبون، أنا صديق الفريحات” ولكنهم لم يصدّقوه، فأنزلوه وقشّطوه" (أي سلبوه ماله) وكانت زوجته معه وكان معها مصاغ ذهبيّ ذو قيمة عالية، ولكنّ شهامتهم منعتهم من التعرض للمرأة، رغم أنها قالت لهم ”خذوا صيغتي ولا تؤذونا" و على أثر ذلك حبست الدولة العديد من شباب الفريحات منهم عوض الأحمد حيث كان بينه وبين حسن الحمد وجه شبه. قال المحامي مشيراً لعوض هذا هو الذي قال لموكلي ”انزل يا كلب”، احترّ عوض وسبّ دين المحامي وقال له: "أنت ليس لك دين، أنت ما حضرت ولا شفت ولا سمعت” وهناك وقفت المرأة المحترمة زوجة عباس بيك ”زهرة خانم "فقالت:" اني أخاف الله، هذا الرجل يشبهه ولكن ليس هو فلا يمكن أن تكون لحيته قد نمت إلى هذا الطول في يومين” فالجاني كانت حليق اللحية وكانت لحية عوض طويله، برّأ القاضي عوض من تهمة قطع الطريق ولكن حاكمه على سبّ دين المحامي الدرزي أمام المحكمة وكان الحكم سنة سجن واحده، كان عوض متحدّياً فقال للقاضي:": أمضيها على رجلٍ واحده أم على رجلين؟ المهم إني فشيت غلّي” وفعلاً أمضى عوض معظم المحكوميّة وخرج وكأن شيئاً لم يكن. عبد القادر المصطفى كان رجلاً جليلاً مثقفاً، عمل موظفاً عثمانياً ولعلّه كان ضمن القائمين على تحصيل الضرائب حيث كانوا يركبون الخيل ويجمعون المال ويُسمون" التحصل دار" كانت أخته صبحا أم رسميّه العبدون (زوجة عبدون) تزوّج فتاة كرديّة هي أم عبد الحليم وسلطانه، كما تزوّج شركسيّة من الشام اسمها” ناجيّه" أنجبت توفيق الذي مات في ريعان الشباب وصبحيّة التي زوجها من الشراكسة، وأخيراً تزوّج عائشه الحسين السليم أم شفيق ومحمد ووفقه وهاجر ودوله وآخرون. كان صديقاً حميماً لأبناء عمّه أحمد الموسى وكثيراً ما كان يزور نجده ويمكث بها أسابيع على الرحب والسعه في دار عوض وحميد، كما أنه زوّج ابنته وفقه من محمود العوض، وكانت نبتة خير لم يُسمع أن أحداً كرهها بل كانت أخت الجميع. كثيراً ما عانا عبد القادر من نزوات أقاربه وكان دائم السّعي في إصلاح ما أفسدوا، أما عوض وحميد فكانوا لا يقطعون أمراً دون الرّجوع إليه واستشارته في الملمّات. الصماديه وعبد القادر وابنه عبد الحليم كان الصماديّه يتحرّقون غيظاً بسبب ما حصل براجب، وكانوا يرون أن الفريحات غمطوهم حقّهم، وكان للفريحات وجهة نظر مختلفة، حيث كانوا يرون أنهم استعادوا حقّهم بعد أن كاد الصماديّه أن يغلبوهم عليه. كان هناك رعاة أغنام صماديّه في منطقة الجزازة تشاجروا مع ”المخضّر" حامد الكردي لأعتدائهم على المزروعات، وانتهى الشّجار بأن ضرب حامد الكردي أحد الرعاة الصمادية على رأسه فخرّ صريعاً، تجمّع الصماديّه فوجدوا أن الكردي قد فرّ وليس له عشيره فقد كان" مقطّع موصّل لا يُعرف له عشيره" ولا يمكن مطالبته إذ لا عشيرة يطالبونها بحقّ العرب. وهناك رأوا أن الفرصة قد حانت للانتقام من الفريحات سكّان الجزازة، فاتهموا عبد الحليم العبد القادر بقتله وطالبوا الفريحات بدمه، فأمر الحاكم وكان مقرّه في إربد باحظار عبد الحليم وأقاربه، فأمر بإدخال المتهم عبد الحليم العبد القادر، فدهش لرؤيته فقد كان ولداً عمر تسع سنوات فقط، فاستجوبه الحاكم وأقرّ عبد الحليم بأنه كان يرعى أغنامه وشاهد المشاجرة، وأنه رأى الكردي ضرب أحد الرعاة وفرّ هارباً، قال لهم القاضي:" ما هذه المهزله، هذا الطفل تدّعون عليه بقتل الراعي؟” فأمر بإطلاق سراحه وسلّمه إلى ”محمود الأسمر" ليوصله إلى أهله بالجزازة. تشاور الصماديه وأجمعوا على الادعاء بأن عبد القادر هو الذي قتل الصمادي علماً بأن عبد القادر لم يكن موجوداً في المكان، ولم يجد الحاكم بُدّاً من تحويل الأمر إلى المحكمة. مثل أمام القاضي ثلاثون شاهداً كلّهم أقسم بأنه شاهد عبد القادر يضربه بعصاه حتّى قتله، وهناك سألهم القاضي كيف حصل أن كنتم ثلاثون رجلاً ولم تفزعوا لصاحبكم وكان عبد القادر رجلاً واحد ومعه عصا فقط؟ فلم يجدوا جواباً، ناقش المحامي الشهود فاختلفت شهاداتهم، كما أنهم لم يتعرّفوا على عبد القادر بين الحضور ولم يبيّنوا سبب تواجدهم هناك حيث كانوا من عجلون وعنجره ولم يسبق لهم رؤيته. وبعد فترة طويلة من سجن عبد القادر صدرت براءته وأُفرج عنه، والطريف أن الكردي عاد إلى المنطقة وأخبر أقارب القتيل بأنه هو القاتل ولكنهم لم يرجعوا عن غيّهم. لجأ الصماديّه إلى القضاء العشائري بعد أن حصلت بعض المناوشات بينهم وبين الفريحات، اجتمعوا في قضوه عشائرية أمام قاضي العشائر فحكم عل الفريحات باليمين حيث يقسم الظنين ويزكّيه عدد من الرجال فعرض الفريحات شراء يمينهم بأربعين ديناراً وكان هذا مبلغ كبير ذلك الزمان، فقبل الصماديه بذلك وقبضوا الدنانير الأربعين مع أنهم كانوا يعرفون الفاعل حقّ المعرفة. "عزيمة" الأمير عبد الله بن الحسين كان لمكانة الفريحات في جبل عجلون وصلتهم بالدولة العثمانيّة أن تأخروا بالانضمام للأمير عبد الله الذي بدأ بتأسيس الإمارة، واشتركوا في معارضة قادها بعض زعماء الأردن القدماء حيث انتقصت من زعامتهم، فاجتمعوا في عمان وقرروا الوقوف أمام العهد الجديد الذي لم تظهر لهم ملامحه، وقد وشى أحدهم للأمير لينال عنده الحضوة وكان الواشي هو” علي باشا الكايد". تصرّف الأمير بسرعه حيث دعاهم إلى ثم أمر عساكره بالقبض عليهم وإرسالهم إلى قلعة العقبة سجناء، وقيل أنه صدر بحقّهم حكم الإعدام ولكن مدير السجن كان متعاطفاً معهم فهم شيوخ البلاد ووجهائها، فسهّل لهم الفرار وفرّ معهم إلى الحجاز حيث دولة ابن سعود، وبعد مشقّة من السير في الصحراء وصلوا إلى خيمة للجيش السعودي، فدخلوا الخيمة وأعلنوا للجنود أنهم من وجهاء الأردن وأنهم مستجيرين بابن سعود ( أخو نوره) فقيل لهم” وصلتوا"، وكان في أثرهم فرسان من الأردن وصلوا الخيمه وطلبوا إعادتهم لأنهم مطلوبين، وكان قائدهم يقال له" الجمل" فقال لهم” تهبّوا" هؤلاء ضيوف أخو نوره وفعلاً تمّ إكرامهم، وفي اليوم التالي جاءت قافلة من الجمال تولت ترحيلهم إلى مكّة المكرمة حيث أسكنوهم في بيت الشريف حسين الذي استولى عليه ابن سعود وكانوا محلّ إكرام ورعاية الملك عبد العزيز بن سعود حتى أنه قال لراشد:" نريد أن نزوّجك يا أبو فوزي" فقال له:" زوجتي غالية لا أتزوج عليها" فقال الملك:" سأحضرها إلى عندك” وفعلاً كان للملك رجالات في شرق الأردن حملوها معززةً مكرّمة حتى وصلت مكة إلى زوجها، وعاشوا بمكّة بضع سنوات في ضيافة الملك عبد العزيز بدار الشريف حسين. لم يكن الأمير حاقداً على راشد ولكنّها السياسة، فلما استتبت الأوضاع وتوطّدت أركان الأمارة صدر عفو أميري عاد على أثره راشد بالطائرة، وكان الناس لم يسمعوا بالطائرة من قبل فاجتمع أهالي جبل عجلون لاستقباله كما استقبله الأمير عبد الله فرأى الحشود فقال: "هذا راشد الأمير ما هو أنا” ودعا الأمير راشد(لضيافته) فأجابه أنه لا يستطيع ترك عزوته الذين جاؤوا لاستقباله من جبل عجلون ولا بدّ أن يعود معهم. بعد عودة راشد أراد علي الكايد أن يوثق علاقته بالأمير ويحافظ على مركزه المرموق، فدعا الأمير عبد الله حيث نصبت بيوت الشّعر في مرج ساكب، وحضر خلق كثير لم يكن المكان يتسع لهم حتى أن الطعام كان لا يكفي فالأمر كان خارج الحساب مما جعل أهل المعراض لا يتقدّمون إلى الطعام في الطورة الأولى وكان في ذلك إحراج لعلي باشا، ثمّ جرى سباق على شرف الأمير عبد الله وكان محباً للفروسيّة والخيول الأصيلة في مرج ساكب. قال الأمير:" هذي ماهي خياله" فلم تكن الخيول ولا الفرسان بالمستوى الذي يعجب الأمير، وقف ”فندي البرهم" من برما وقال:" ترى أهل الخيل غايبين يا أمير” تنبه الأمير أن المقصود الفريحات حيث كان قد صدر مرسوم أن لا يستضاف الفريحي تحت طائلة الغرامة والعقوبة وذلك لوقوفهم ضد الأمير ( وذلك لجهلهم بالسياسة ومجمل الظروف التي تتعرض لها البلاد)، حيث سجن شباب الفريحات ومنهم عوض وحميد ونوري وغيرهم كثير، وكان عبد المحسن الخزاعي قد خرج من السجن لاستنكاره أعمال راشد وعرض على الباقين أن يستنكروا أعمال راشد ولو بلسانهم ليخرجوا من السجن، فقالوا نبقى بالسجن ولا نستنكر وهددوه بالانتقام منه إذا خرجوا لخيانته لهم ولراشد. كان الرجال أميّون لم يكونوا مدركين للأمور المحيطة بهم. كان الأمير حكيماً لم يتردد بقبول دعوه راشد الخزاعي باسم جبل عجلون عامه والفريحات خاصّه، وكانت وليمة كبيرة من أكبر ولائم ذلك العصر، حيث تمّ استقبال الأمير وحاشيته بإطلاق النار وقام بعض أبناء راشد بالوقوف خلف الأمير يحرسونه بالسلاح، فسرّ الأمير لذلك، كما جرى سباق للأصايل أثنى عليه الأمير وقال: "هذه الخيالة". أما الذبائح فكانت أكثر من مئة وخمسين ذبيحة شارك فيها عوض وحميد (بقطّة غنم) مع لوازمها من سمن وجميد، كانت الوليمة على أثر مجاعة مما جعل الفقراء ينهبون اللحم والطعام ليطعموا أولادهم، حتى قيل أن” ريموني" حمل طنجرة لحم كاملة وجرى بها سريعاً مما أضحك الناس وقالوا:" دعوه يطعم عياله، ما أجبره على ذلك إلا شدّة الفقر" وبعد هذه الدعوة تغيرت أحوال الفريحات وعاد لهم عزّهم بعد أن ساءت الأحوال بزوال الدولة العثمانية، فكان منهم فيما بعد نوّاباً ووزراء ومناصب رفيعة في الجيش والحكومة وحتى يومنا هذا. الأرض وصل أبناء أحمد الموسى إلى الحسينيات بناءً على طلب حسين السليم حيث وفى بوعده وأعطاهم ”مشدّ فدّان"، وفيما بعد قام حميد بكسر الغابة المحاذية للأرض وحولّها إلى أرض صالحة للزراعة زرعوها كروم، كان حميد محباً للأرض بعكس أخيه عوض الذي كان محباً للأغنام، ولكن حميد كان يجبره بطريقة أو بأخرى على المشاركة في شراء الأرض، حيث كان حميد يشتري له ولأبناء إخوته وأخيه عوض ويدفع الثمن من الأغنام. اشترى حميد "أرض خنيزير" وأجبر عوض على شراء مارس (قطعة أرض) بعشرة دنانير، وكان نصيب عوض من مفحمة واحدة من عشرات المفاحم أربعين ديناراً أي أن عوض حقق ربحاً كبيراً رغماً عنه. ثم اشترى حميد أرض واسعة من عيد المرشود بسعرٍ مغرٍ، ولكن عوض أبى المشاركة مما اضطرّه أن يشارك محمد المفضّي ومحمد الفارس (من ساكب) وذلك في (الماصية وخنيزير) حيث لم يكن قادراً على شراءها وحده. توجّه حميد إلى سيل الزرقاء حيث وجد أرض واسعة شاسعة مئات الدونمات أخذها مزارعه على الثلث وتكفّل بالعناية بها حتى يصل الزيتون مرحلة الأثمار وكانت الأرض غابة من الزيتون البرّي فعاد حميد ليأخذ عائلته ويرحل إليها، ولكن أخاه عوض منعه من أخذ الأولاد خوفاً عليهم من السخونة التي تصيب سكان منطقة السيل مما جعل حميد يترك الأرض ويتخلّى عن تعبه حيث كان قد عمل في تقليم وتطعيم الأشجار، وكذلك كان لحميد محاولة أخرى مماثلة حيث أخذ أراضي مماثلة بـ"أم جوزه "ولكنّه تخلّي عنها لنفس السبب. عاد حميد إلى البرامه ونصارى عنجره فاشترى منهم أرضاً له ولأخيه وأبناء إخوته مما أغضبهم وطلبوا القسمة للتخلص من تصرفات حميد وشراؤه الأرض حيث لم يكونوا راغبين بذلك، وفعلاً تمّت القسمة وأخذ كل واحد حقّه حيث صارت:" تلعة المغارة" من نصيب عوض وحسن وحسين، و"جورة البطمه" لعلي، و"راس الوحاه" لحميد، أما ”الماصية والكسارة" فقد كانت لعوض وحميد وعلي، و"خنيزير" لحميد وعوض. ومن المؤسف أنه بعد القسمة وفصل الأغنام والمواشي عن بعضها تعرّضت مواشي حسين وحسن وعلي للنهب من قبل الصماديّه وردّ عليهم الفريحات بنهب بقر” النورسي". تابع بعدها حميد شراء أرض خنيزير ثم اشترى أرض سقي على عين حامد ببرما وزرعها بالزيتون، ولكن أهل برما طمعوا بهذه الأرض وكثر أذاهم فاضطرّ لبيعها لهم بثمن بخس وذلك تحت ضغط من أبناءه وهي الآن في وسط برما. أما” راس الوحاه" الذي كان حصّة لحميد فقد استملكته الدولة بثمن بخس وذلك رغماً عن حميد، كما أن أرض حميد بكرم التينة استملكتها الدولة وحرّجتها وذلك لخلاف حصل بين المسؤول عن التسوية هناك” علي الكايد" وبين عوض وذلك على خلفيّة شراء علي الكايد بعض الذبائح (الجداي) من عوض. كان حميد يحب أرض” كرم التينة" لدرجة أنه لم يقبل أن يأخذ تعويضاً عنها، وبقي المبلغ في صندوق المحكمة، أما" المقاطر” فقد اشتراه من عيد المرشود وكان مزروعاً بالزيتون والعنب وكذلك” كرم نجده" ثمّ أضاف إليه حميد” الكساره” حيث كانت غابة كسرها وحوّلها إلى أرض زراعية تمتدّ إلى بيته في نجده. كما اشترى حميد أرض خشيبه وخاف أن لا يمتد به العمر حتى يكبر أبناؤه يونس ومصطفى حتى يزوجهم فكتبها باسمهم بدل الزواج ولكنه عاش بعد ذلك وزوّجهم في حياته. كما قام عيسى بكسر جزء من الأرض سمّوه” روض عيسى". ومن الطريف أن جماعة من التركمان جاءوا للمقاطر أرض حميد ليستخرجوا القطران من خشب اللزاب واحتاجوا للماء وببساطة حددوا مكانين حفروهما واستخرجوا الماء، وما زلنا نستعمل هذه البصاص في سنين الخير والمطر، كما كان هناك بصّة في كرم نجده أشبه بعين ماء طمرها علي الفندي بالحجارة لكثرة أذى الرعاة الذين يردون الماء. قصة كنز خنيزير في أرض حميد ركبت المرأة العنجراويه” فضه الشوملي" إلى نابلس حيث كانت ذاهبة لتبيع السمن وتشتري مؤن لها ولأولادها اللذين تركتهم في خيمتها في خنيزير، وكانت نابلس هي حاضرة البلاد وفيها السوق الذي يقصده أهالي جبل عجلون. عرضت السّمن على تاجر يهودي فأخذ يشمّ السمن، فقالت له:" إنه سمن أصلي من جبل عجلون” فقال لها: إنه من سمن خنيزير وأنه يوجد رجم كبير فيه كنز ثمين في جبل خنيزير ووصف لها المكان فعادت مسرعة حيث كانت تعرف الرجم على وصفه، فلما وصلت وجدت” مصطفى الغدير" قد بنا خيمته بجانب الرجم حتى أنه قد دقّ أوتاده فيه، وبعد أيام عندما كان مصطفى يأخذ الحجارة ليحيط بها بيت الشّعر وجد الكنز فأصبح راحلاً إلى بيته ببرما، وذهبت فضه فلم تجد إلا بعض القطع الذهبية التي سقطت منه بين الحجارة كما وجدت قطع الفخار، فعرفت أنه الكنز وأنه كان من نصيبه وقد كان كريماً حيث نادى” العيش يا جوعان" في تلك السنه مما دعم قصتها، واشترى حميد هذه الأرض وما زال رجم الكنز واضح المعالم. أهل برما بعد أن تملك عوض وحميد أجزاء من أرض البرامه في نجده حصلت مناوشات بسبب الأذى الواقع على المزروعات، وفي إحدى السنوات بينما كان حميد في الجانب الجنوبي الشرقي من جبل خنيزير إذا بنوري الحمود يركض ويصيح” عوض يا حميد... عوض يا حميد" وكان نوري يحصد مع عوض وحميد في ذلك العام، وفوراً طار حميد إلى الجهة الغربية من جبل خنيزير فرأى رجلين تمكنا من عوض فثبّتوه وكانوا يريدون أخذه معهم، وكان مع حميد” سوّاقة القادم" وهي عصا تستعمل لشدّ الحبل في تحميل القش فسار بخفّةٍ دون إحداث صوت حتى تمكّن من ضرب أحدهم على رأسه فأسقطه وفرّ الآخر مذعوراً وفكّ حميد عوض. كما أن عوض كثيراً ما كان يتشاجر مع رجال ونساء برما حيث كانوا يتعمّدون أذى الفريحات، ولكن بعد فترةٍ استقرّ الأمر وعادوا يعاملونهم معاملة الأصدقاء والجيران. سخاء عوض وتدبير رسميّه كان عوض مضرب المثل في السخاء والكرم، وقد ورد في الأثر أن السخاء يغطي كلّ عيب فكيف إذا كان ما يغطيه السخاء هو الشجاعة والشهامة التي اجتمعت فيه، كانت تمرّ سنوات من القحط والجوع والقلّة كان خلالها بيت عوض مقصداً للجائعين من الفريحات وأهل برما وأهل ساكب حيث كانوا يعودون باللبن حتى أن الناس كانوا يتهافتون على أخذ الألبان مجاناً، وقد بارك الله في غنمه لدرجة أنه كان يمنح الناس منائح حتى أنهم لم يعيدوها بعد انتهاء فترة المنوحة ولم يطالب بها وقيل أنه ذبح للضيوف في الشهر أكثر من أيامه أي تجاوز الثلاثين ذبيحه. ومن الطرائف أن زوجته أميره الحسن أرادت أن تخصه بالطعام فقال: لا دعيه حتى يأكل الأولاد قاصداً بذلك أولاد حسين بعد وفاة زوجته مريم، أما الصغار عيشه وسليمان فكانوا قد انضموا إلى عائلة حميد ولم يرضَ أن يخصّ نفسه بشيءٍ دون أبناء أخوته. وكان لكثرة الضيوف يتصادف عدم وجود طحين أو رز يكرم به ضيفه فيلجأ إلى رسميّه متضرعاً أن تدبّر أمره حيث كان يعد التقصير مع الضيوف فضيحه، وكان يحصل أن يكون محرجاً أشدّ الحرج خاصة إذا كان ضيوفه من الضيوف الكرام اللذين لا بدّ من إكرامهم، وكانت رسميّه تفك ضيقته حيث كانت تخفي عن العيون كميّة من الطحين أو الرز على الرف للحاجة. هذه هي الثقافة التي كانت سائدة في أبناء أحمد الموسى حيث كانوا يرعون أيتامهم ويكرمون من قصدهم، وكانوا يتعاونون على إكرام الضيف وكانوا يغفرون زلات بعضهم كأنها لم تكن، وكانوا يداً واحدة في الملمّات، وقد خاوا حميد أميره بعهد الله وعلى كتاب الله وضعا أيديهما بأنهما أخوين بعهد الله، وقد حجّ حميد بزوجته رسميّه وأخته في الله أميره زوجة عوض عندما كانت الطريق للحجاز غير معبّده، وكانت السيارات بدائية وكانت رحلةً شاقه، وقد ضاعوا في الطريق وتعطلت سيارتهم عدّة مرات كما تصادف أن كانت رفقتهم رفقة سيئة، ولكن الله تعالى أعانهم فوصلوا إلى جبل عرفات في الوقت المناسب وكثيراً ما كانت رحلتهم حديث المجالس. في نجده كثرت أرض حميد وعوض وابن أخيهم على في نجده، وكان حميد ينتقل في موسم الحراثة حيث كان يسكن مع شريكه عيد المرشود في” خشّة عيد المرشود" حيث كانت ”رسميّه" زوجة حميد و"فلاحه" أخت عيد المرشود يعددن لهم الطعام، يعجنّ ويخبزنّ، وكانت الجريشة ومرقة العدس على القائمة الرئيسة للطعام وكنّ يحضرن الماء والحطب ويطعمن عمّالات البقر الكرسنة المجروشة والتبن. وكثيراً ما سمعن أصوات دقّ العدّة في مسكنهنّ لدرجة أنهنّ لا يجرؤن على الدخول لتحضير الطعام، ولكنهن عند قدوم الحرّاثين يستأنسن بهم ويحضّرن الطعام رغم تواجد الأصوات طوال الليل حتى أنهم ألفوا ذلك الصوت وقالوا أن هذا صوت فقير لا يضرّنا. وفي حادثة أخرى مثيرة للدهشة بنى عبد القادر بيت الشعر عند المغارة شمال نجده، وفي ليلة شديدة الأمطار سمع أبناء أحمد الموسى وهم يتعللون أصوات المجارف والفؤوس تصدر من بيت عبد القادر فضنّوا أن الماء أجبرهم على عمل قناة تبعد الماء عن بيت الشعر، وكانوا يلومونه إذ كان عليه أن يحسب حساب الماء ويعمل اللازم قبل نزول المطر، وفي الصباح ذهبوا ليطمئنوا على دار عبد القادر فلم يجدوا أثراً للحفر، أما عبد القادر فلم يسمع شيئاً ولم يتأثر بالمطر، فعزوا الأمر إلى الفقير أبو نجده. كما حدث أن سمع الناس صوت تكسّر كؤوس الزجاج في الليلة التي توفي فيها علي الحسين المحمد، ونسبوا ذلك” للفقراء” اللذين هم أرواح تسكن نجده. ولعلّ ذلك لجهل الناس وعدم قدرتهم على تعليل الظواهر الطبيعية كحركة الأبواب بفعل الرياح وحركة الأغصان والأواني التي ربما صدر منها صوت بفعل الرياح، فربما كانت دقات قلب المرء في الليل مسموعة ناهيك عن أصوات الطيور والحيوانات وحركاتها. هناك عدّة نظريات في اسم نجده، فقيل أنه اسم فتاة عدوانيّة ماتت ودفنت في نجده عند ”الهُبجه "وقيل أنها على اسم أبو نجده الفقير، وقيل أن الصحابة-رضوان الله عليهم - كانوا في ضيق، فجاءتهم نَجده أرسل بها الخليفة الراشد عمر- رضي الله عنه-، وقد سكن نجده جماعة من السلط فلمّا عادوا بعد سنين طويلة سموهم ”النجداويّه" نسبةً إلى نجده. كما سكن نجده الفواخيريّه وهم نصارى كانوا يمتهنون مهنة الفخار، وكان آخر من سكنها من قبل الفريحات هم نصارى من عنجره تركوها بسبب حادثة قتل حسن الحسين السليم في عين" قدرا". نبذة عن بعض أحفاد أحمد الموسى بلغ علي الفندي سنّ الزواج، فحاز أغنامه واستقلّ مالياً عن أعمامه وتزوّج حفيظه بنت الحاج مفضّي الذي كان وجيه ساكب، كما كان من القلّة اللذين حجوا على جمل في زمانه، فكان صاحب دين وخلق، وكان دار الحج مفضّي قريبين لدار أحمد الموسى، وكذلك تزوجت عاشه الفندي من محمد الحاج مفضّي الذي خلف أبوه في المكانة وكان صديقاً حميماً حتى في أحلك الظروف، وعاش علي في بيت أبيه فندي الذي كان هو البيت الأول الذي آوى عائلة أحمد الموسى عند قدومهم إلى الحسينيات. أما حسين المحمد فقد تعرّض لمصيبة وفاة زوجته الأولى” مريم" تاركتاً أيتاماً، ولكنّه تزوج” تمام" من ريمون، أما الأيتام فقد تقاسمهم أعمامهم عوض وحميد فكان الكبار عند عوض والصغار عند حميد، وكان محمد وأحمد قد شبّوا وكان لهم أغنام وبيت، أما عيشه وسليمان وعلي فكانوا تحت رعاية حميد، وكبرت عيشه عند دار عوض وتزوجت من ساكب أما علي” علوله” فتوفي وهو فتى يافع، وانتقل حسين مع زوجته الثانية إلى الجزازة واستقرّ فيها وأنجبت له البنات ثمّ البنين، أما حسن فقد تزوّج”رشده" من الدلابيح حيث تعرّف إليها عندما سكنوا نجده طلباً للمرعى ولم يرزق منها بأبناءٍ ذكور فسعت في تزويجه بزوجة أخرى تنجب لبناتها إخواناً وقد حققت هدفها. وكانت امرأةً صالحةً عفيفة لم تقبل عوناً من أحد حيث كانت مجاهدة بتربية بناتها حيث نذرت نفسها لذلك. عيسى وهاجر وأبناء حميد كان عيسى عوناً لأبيه منذ نعومة أظفاره يعمل في الزراعة والرعي ثمّ في أعمال الحطب والتفحيم، كما فُتح له باب التجارة على الجمال حيث كان يقايض أحمال جماله من الفحم والحطب والخشب بالقمح من حوران، وكثيراً ما وصل إلى درعا محمّلاً جماله بالأخشاب الصالحة لسقف البيوت ويعود محمّلاً بالقمح الذي هو قوام الحياه، وبذلك تحسنت أحوال حميد الماديّة، وأراد أن يزوّج ابنه عيسى من ابنة أخيه" صوره" التي تسمّت على اسمه منذ صغرها، ولكنّ عيسى لم يلبّ رغبة أبيه ورغب بالزواج من شريفة بنت حسن الأسعد، وقبل حميد بتلبية رغبته حيث كان حسن الأسعد من أهل التقوى والصلاح، كما كان من أهل الجدّ والعمل حيث أنشأ كروماً واسعة في ”مقعد مراد" وكان كريماً مطعماً للطعام، كما كانت أمها ”هيفا الخزاعي” شيخة يحسب لها حساب ولها شخصيّة مميزة عن نساء عصرها حيث كانت تجيد الفروسيّة وحمل البارود ولا تخطئ رمي الرّصاص، وكانت تمزح مع اخوتها راشد وعبد المحسن حيث تطلق الرّصاص بين أقدامهم واثقةً من رمايتها. مات حسن الأسعد في الحسينيات فخطبها حميد لابنه من أخيها حسين الحسن الذي اشترط مهراً غالياً لها هو” خمسمائة دينار" فاختار ستين رأساً من الماعز بستين ديناراً وكانت أحوال حميد وعيسى الماديّة جيّدة بسبب التجارة المذكورة آنفاً فلم يتوانوا عن دفع المهر وإتمام الزواج. لم تتغير علاقة عوض بحميد بسبب صورة حيث كانت صغيره، وعقد حميد العزم على تزويجها ابنه عيد، كذلك خُطِبت هاجر لعلي الحسين السليم وكان فارق السن بينهما كبير، فباع علي أرض المشماس لمحمد الرشيد من ساكب بخمسين ديناراً ليسدد مهر هاجر، ولكن حميد تدخل واسترجع المشماس وزاد علي خمسة دنانير على ثمنه حيث كانت الأرض رخيصة في تلك الأزمان، وبالمقارنة مع مهر شريفة كان مهر هاجر أقل من قليل. تمّ زواج عيسى بشريفة وهاجر بِعلي في الحسينيات، وكان عوض وحميد يتطلّعون إلى الانتقال للسكن في نجده حيث أملاكهم التي اشتروها من البرامة والنصارى، وحيث توجد مغارات كبيرة تصلح مشتىً لأغنامهم، وكان مما غنّته صوره تلك الفترة: هد وارحل يا عوض على نجده العذيّه او ديرتك يا عبدون غبرا ما فيها ميّه كانت صوره العوض آية في الجمال، وكان إذا خطبها أحد قال له عوض: "اخطبها من أخي حميد"، ولم تمضِ مدّة طويلة حتى قام عوض ببناء أول بيت في نجده، ثم بنى حميد بيتاً قريباً منه فرحل عوض أولاً ثمّ تلاه حميد، وكان في ذلك تحدٍّ للطامعين في خربة نجده من العياصره حيث كانت الأرض تملك بمجرّد وضع اليد. الرحيــل إلى نجده تجنباً لمشقّة التنقّل من الحسينيات إلى نجده بسبب وجود غالبيّة أراضي عوض وحميد في نجده الأمر الذي يتطلّب تواجدهم للحراثة والزراعة والتعشيب والتذرية والحصاد والدراس، كما كان من الضروري حراسة المزروعات من الأذى، انتقل عوض وحميد إلى نجده حيث اطمأنوا على مواشيهم، كذلك بسبب وجود مشتى مناسب هو مغارة ”عراق دار عوض "فبنوا بيوت لهم، ثم لحق بهم حسن و حسين وكان البناؤون من فلسطين. كانت أرض نجده مشاع تمتلك بوضع اليد، ولذلك وضع حميد وعوض أيديهم على ”الخربة القديمة" وتملّكوها مما أثار حسد الحاسدين وطمع الطامعين، وكان الماء أحد المعضلات التي يجب حلّها لذلك نشط عوض وحميد في إصلاح الآبار الروميّة القديمة، وذلك ليشربوا ويرووا أغنامهم مما تجود به السماء في موسم الأمطار، وكان لهم جار من ساكب اسمه محمد الفارس عمل مثل عملهم ولم ينكر عليه أحد. بئر النّبقة بنى حميد بيتا مكوناً من غرفتين واسعتين، كما بنى حول هذا البيت مرافق” صيرة أغنام، وحوش للأبقار، وخشاش لتخزين التبن والحطب وأعد كل متطلبات الفلاح"، وكان عليه أن يفكّر في الماء حيث أن جلب الماء من عين” جحدب" أو عين ”المغارة" يتطلّب تعباً وعناء، وكان البديل عن ذلك هو آبار الجمع، وكانت خربة نجده أثرية مليئة بالآبار التي تحتاج إلى صيانة بسيطة مثل سمل الأتربة وتجهيز ساحة لجمع المطر وحفر بعض القنوات وصنع باب للبئر، وكان بجانب دار حميد نبقة عند أصلها بئر، فشيّده حميد ووضع له باب ولذلك سمي بئر النّبقة، وجاء رجل من ساكب مشهور بالشؤم وكثرة الفتن فادّعى أن هذا البئر له وأنه سبق له أن سمله، فكان حميد حاضراً فاتفق مع ذلك الرجل المدعو رزق الله على أن يأخذ من حميد” بطيحة" قمح مقابل ما قام به من سمل في الماضي، وهكذا تمّ الاتفاق مع رزق الله مع أن رزق الله لم يكن محقاً ولكن حميد قبل بذلك كفاً للشرّ، فوفقاً للقانون السائد تملّك البئر لمجرّد وضع اليد عليه وتشييده والبناء بقربه، وهكذا غادر رزق الله وكان راضياً عن اتفاقه مع حميد. قصة عيسى الحميد الفريحات كان لتملّك عوض وحميد أراضي من أهل برما ونصارى عنجره بعض الحسّاد والطامعين، حيث كان ذلك يعبّر من جهةٍ عن مكانةٍ ووجاهةٍ حازوا عليها بكدّهم، ومن جهةٍ أخرى كان هناك منافسين يرغبون بتملّك أجزاء من هذه الأراضي، وكان عيسى أكبر الشّبان ولذلك وقع على عاتقه الدّفاع عن ممتلكات العائلة وكرامتها ومن المعلوم أن الرعاة كانوا يتنافسون على عين جحدب وتنشب بينهم المشاجرات، وكان هناك لصوص لا يؤتمن جانبهم مما جعله في حالة استنفار دائم، وكان أمرهم يدور بين الفعل وردّ الفعل، فمن صادقهم صادقوه وحافظوا على ماله ومن أساء إليهم بادلوه الإساءة بأكثر منها حتى لا يعود لمثلها. كان عيسى يغيب في تجارته على الجمال إلى حوران ودرعا ويعود محمّلاً بالقمح الذي كان سببا في شراء حميد مزيداً للأرض. وكان أبناء أحمد الموسى ”لا تضيع لهم طلابه" ولا يفرّطون في حقّهم، واشتهر عيسى بذلك حتى صار معروفاً بمنزلته الخاصّة حيث رفع رأس أعمامه فصاروا على قلّتهم كأنهم كثره، حتى أن عيسى كان يأخذ البقر ليرد ماء جحدب بعد الغروب وذلك في تحدٍّ واضح للعياصره اللذين كانوا ساكنين بجوار عين الماء، ومع ذلك كان له أصدقاء من ساكب هم دار الحاج عبد الرحمن النهار وابنه محمود ودار مفضّي. التحريض كان لاستقرار عوض وحميد في نجده وتملّكهم الأراضي وعزمهم على مواصلة تملّك الأراضي من أهالي برما وأهالي عنجره وعلوّ شأنهم وتميّزهم وخاصة بوجود عيسى الذي كان دائماً على أهبة الاستعداد ليرد لمن كاد كيده إلى نحره، كان لذلك حسّاد طامعين في الأرض وكان هناك حسّاداً رأوا في علوّ شأن أقاربهم انتقاصاً من شأنهم، وقد تصادف أن التقى بعضهم في ريمون متوجهين إلى جرش فأنكروا على” رزق الله" الصفقة التي عقدها مع حميد حيث اتفق على أن يدفع حميد لرزق الله بطيحة قمح مقابل سمل البئر، وقالوا أبناء أحمد الموسى مثل الضباع” إن هاولت لهم فلّوا وإن تركتهم أكلوك" وما زال أولئك النّفر يحرّضون بعضهم على أبناء أحمد الموسى وعلى حميد بشكلٍ خاص حتى تركوا مشوار جرش وعادوا إلى نجده فحضر عيسى وهم يكسرون القفل ويريدون وضع قفل آخر أحضروه معهم، فقال لهم:" مالكم والبئر لا تفتحوه فقد شيّدناه وإذا تعرّض للهواء تشقق الشيد. كانت تلك المجموعة من العياصره قد عزموا على الأمر واستعدّوا له فأجاب رزق الله:" بدنا نكسره ونمعط لحية أبوك"، كان عيسى سريعاً في استعمال ما وقع تحت يده وهو كريك كان بجوار البئر فضرب رزق برأسه ففلغ رأسه وثار دمه يغطّي ملابسه ووجهه وعلا الصياح:" وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله، وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله، وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله". كان موسم الحراثة وكان الحرّاثون على الغالب من العياصره، وقد سمعوا الصياح فأخذتهم الحميّة والعصبيّه، فجاؤوا مسرعين من المشماس وتلعة جحدب وأم عبهره ملبّين نداء الشيطان الذي جرّهم لذلك المكان المشئوم. كانوا يحملون الطبار والعصي وقد غرّتهم كثرتهم فأرادوا كسر شوكة الفريحات عامّةً وعيسى وعمّه وأبيه بشكلٍ خاص، وهكذا وصلوا البئر وكان رزق الله يحرِّضهم ويقول:" ما واحد لازم يتجوّز بنت العيصراني بقرش، هذا الولد ما بطوق عليكوا بالعلك، اذبحوه ..اذبحوه". وهكذا تواردوا من مارس الرمان، من خنيزير، من ام عبهره، من المشماس، من تلعة جحدب، من المرح، من تلعة يوسف” الواحد بإثر الثاني حتى تجمعوا بنجده وما أنشاهد عيسى ذالك حتى ركض إلى بيته فأحضر”فرده و بارودته" وظنوا انه فرَّ فضربوا الباب بالحجارة وقالوا: "سنذبحك بحضن مرتك" ولكنّه خرج اليهم مشهراً سلاحه محذّرهم فتراجعوا خوفاً، وببطءٍ شديد كان يتقدّم اليهم ويتراجعوا و رزق الله يحرّضهم حتى وصلوا إلى باب" خشة عيد المرشود”، فكأن القومَ ظنوا انه لن يجرؤ على إطلاق النار، فأحاطوا به فحذّرهم الموت ولكن أحدهم تجرأ على التقدّم، فقال له عيسى: "يا خالي خلّيها بغيركَ تراها لزمت”. "تراها لزمت" وكما قيل في المثل ”اطلق على القوم ابن بنتها"، ولكن عبد الحميد الرجا قال:" ما تشوف أقشر من اليوم" وتقدّم بإتجاه عيسى، فاطلق عيسى عليه النار فأصاب فخذهُ حيث لم يقصد قتله، ثم سحب جرار بندقيته عياراً نارياً قصَّ عقال احدهم عن رأسه، ثمّ سحب الجرار فعلق الظرف الفارغ بالبندقيةِ ولولا ذلك لقتل منهم آخرين، وحمل مسدسه فخافوا وكفّوا فصاحوا وقالوا” الزلمة إحرج.. الزلمة إحرج" كنايةً أنه لم يعد يبالي بقتلهم، وخرج إلى ظهر الخشّة فأخرج الظرف الفارغ من البندقيّة وأطلق عليهم فخافوا وابتعدوا عن المكان، وتقدّم أناسٌ من ”أميره" زوجة عوض يطلبون مفرشاً يحملون جرحاهم عليه وبعد رجاء من أميره سمح لهم عيسى بأخذ مفرش ولم يكن في ذلك اليوم في نجده إلا عيسى وأميره زوجة عوض حيث كان الناس غائبين ولم يشهدوا ذلك الحادث وكذلك عاد المعتدون يحملون عبد الحميد ورزق الله جرحى ولم تكن الطبابة متوفرة تلك الأيام وفي الطريق كان ابن عبد الحميد يقول:" يابا .. يابا.." فقال له عبد الحميد:" أبوك اليوم رزق الله ولست أنا - كنايةً عن ندمه لمؤازرة رزق الله كما قال في طريقة للمستشفى – لن نجيت غير أصلح عيسى العبد الحميد وألبسه عبائه، هجمنا على الزلمه بداره شو بدو يساوي غير يذبحنا". وهكذا مات عبد الحميد بعد يومين نادماً على فعلته وعلى مناصرة رزق الله. أما رزق الله فقد شفي ولكنّه صار مكروهاً من جميع العياصره والفريحات سواء، ولم يطالب بشيءٍ بعدها، وهكذا استقرّ أمر الفريحات بنجده وتخلّى عنها العياصره. عاد حميد وعوض فأثنوا على عيسى البطل الذي حفظ كرامتهم، ولم يلوموه بل قالوا:" لو ذبحتهم كلّهم ما لمناك" وقد عقدوا العزم على الوقوف أمام تلك المحنه وقد بذلوا الغالي والنفيس. تحضّر الفريحات خوفاً من ردّة فعل العياصره وحملوا السلاح ولكنّهم كانوا يتابعون أخبار الجريح” عبد الحميد” في المستشفى ويدعون الله أن لا يموت كي لا يبتلوا به، ولكن أخبار وفاته متأثراً بجرحه كانت مخيّبةً للآمال حيث كان الطّب بدائياً فلم يستطع الأطباء وقف النّزيف. وكان الأمر من وجهة نظر الفريحات هو دفاع مشروع عن النّفس ضدّ مجموعة من الرعاع قادهم الشيطان رزق الله، ولكن لم يكن بدٌّ من اتباع الأعراف العشائريّة. أهازيج نبطيّة في ذلك: يا عيسى ما همّنـــــــــا الفزعـــــــــة والبزر رشـــــــــق المزاريـــــب يا عيسى يا حامــــــــي التـــلعـــــــــة حاميهــــــا من الشّمس للمغيــــب ها يا بيّ محمود وعيسى لا تفـرّط فيــه عيسى جبّة حرير دقّ الزّغل ما فيه يا ريت كل من قعد بالمقـعد يحكي فيــه شيخ ربعة كل الناس تحكــــــي فيه يا شب عيسى يا كمشة قرنفل يا عود النّد يا جسر الحديد لا يبلــى ولا ينـــهد راوي آخر يؤيّد الرواية الأولى بنى حميد بيتاً في نجده مكوناً من غرفتين واسعتين كما بنى صيرةً للأغنام وحوش للأبقار وخشاش لتخزين التّبن وأعد كل متطلّبات الفلاح، وكان عليه أن يفكّر بالماء حيث أرهقه جلب الماء من عين جحدب وكان البديل هو آبار الجمع. كانت آبار نجده الأثرية بحاجة إلى صيانةٍ بسيطة مثل سمل الأتربة وتجهيز ساحة لجمع ماء المطر وحفر القنوات، وكان تحت مزراب دار حميد بئر بجانب نبقة كبيرة شيّده حميد وجهّزه ببابٍ مقفل، وكان هناك رجلٌ مشؤوم من العياصره ادعى أن هذا البئر له لأنه سمله من قبل فاتّفق مع حميد أن يعطيه بطيحة قمح مقابل سمله علماً أنه كان هناك آبار كثيرة في نجده غير مملوكة لأحد. وحصل أن كان له أقارب حرّضوه على المطالبة بالبئر وإلغاء الصفقة مع حميد خوفاً من أن يتملّك عوض وحميد خربة نجده كامله. وبينما كان عوض وحميد بعيدان عن نجده منهكمين في الحراثة ولا يوجد إلا ”أميره" زوجة عوض عاد عيسى لنجدة فتفاجأ بالرجال يكسرون قفل البئر وقد أحظروا قفلاً جديداً ليضموه مكانه كعلامة لوضع اليد وتملك البئر. كان عيسى جريئاً فصاح بهم ونهاهم ولكنهم هددوا وتوعدوا فقال رزق الله ”غير نكسره ونمعط لحية أبوك ”وفوراً تناول عيسى ”كريك" كان قريباً منه فضرب عيسى ”رزق الله” برأسه ففلغ رأسه وثار دمه على ملابسه ووجهه ففر من مع ”رزق الله" وأمطرهم عيسى بوابل من الحجارة وصاروا يصيحون ”وين راحوا النشامى ”عيسى ذبح رزق الله فجاءت فزعة كبيرة من الحراثين من المشماس وتلعة جحدب وام عبهره ومارس الرمان وتلعة يوسف جاءوا حاملين أطبارهم وعصيهم الواحد في إثر الآخر وذلك لأنه كانت تنشب شجارات بين الفريحات والعياصره وكانوا يتحرّقون غيظاً على عيسى لأنه كان أشد الناس إغاظة لهم وتحدي في سالف الأيام ولذلك جاءوا مدفوعين بحقدٍ دفين فتبادل عيسى معهم رمي الحجارة وكانوا كثره”فقال رزق الله" ما حدا يتجوز بنت العيصراني بقرشين إذا ما ذبحتوه تراه ما بطوق عليكوا بالعلكة ” وكان يصيح ويحرض، ولما كثروا وأصبح عيسى غير قادر على ردهم بالحجارة ركض إلى بيته ليحضر السلاح فدخل ورد الباب خلفه فضربوا الباب بالحجارة وقالوا ”إكسروا الباب واذبحوه لو قدام مرته" ولكن عيسى خرج مسرعاً فشاهدا بندقيته ومسدسه فتراجعوا وكان إصبعاه على الزنادين وقال من خطى خطوه قتلته فخافوا وتراجعوا حتى وصلوا إلى امام ”خشة عيد المرشود” ولكن عبد الحميد الرجا ”ابن عاشه الحمود الفريحات” تجرّأ ولم يكن له علاقة بالبئر غير أنه فزع حميه لأهل بلده، تقدم عبد الحميد الرجا فقال عيسى ”خالوه خليها تيجي بغيرك تراها لزمت” (وقديماً قال المثل أطلق على القوم ابن بنتها ) قال عبد الحميد ”والله ما تشوف أقشر من هذا اليوم” وتقدم فأطلق عليه عيسى النار من بندقيته فأصابه في فخذه ولو أراد أن يجعلها بين عينيه لفعل ولكن لم تكن لديه نية قتل بل كانت دفاعاً عن النفس و الكرامة، سحب جرار بندقيته فجهزها بطلقة اخرى ويده لا تزال على زند مسدسه الموجّه إليهم ففروا جميعاً، قفز عيسى على ظهر خشة" عيد المرشود ”واستحكم وقال ”بعد إلي صار ما انا سائل عنكم قد ما تكونوا” فأطلق رصاصة أخذت عقال أحدهم عن رأسه، رأوا أن الأمر جدّ ففروا مذعورين خائفين على أرواحهم. وكان من بعض الحضور أصدقاء الفريحات الذين لم يكونوا راضين عمّا حصل فرجوا أميره وعيسى أن يسمح لهم بمفرش وسلّم يحملون الجريح عليه وبعد تردد سمحا لهم بذلك ومنذ ذلك الوقت تأصلت عداوة بقيت لسنين طويله. عادات العشائر كان لا بد للفريحات من احترام عادات العشائر كيف لا وهم أشد الناس معرفةً وتعلقاً بها وهم العشيرة التي تلجأ لها العشائر عند المطالبة ”بحق العرب"، ولذلك أسرع علي الحسين إلى برما مستجيراً كما أسرع حسين الحسن إلى عنجره دون علم منه عن ذهاب علي إلى برما. كان أول من وصل نجده أصدقاء الفريحات القدامى الذين أرادوا أن يردوا للفريحات بعض أياديهم فيما مرّ بهم من أحداث قتل وخطف وكسر عظم حيث كانت تلك المسائل تحل بواسطة الفريحات على فنجان قهوه. وكان أول من وصل من برما” الغدايره والسلامات (العظامات)" منهم علي الإبراهيم و عبد الله السلامه ومحمود السعد، ثم وصل أهل عنجره (الزغول) أصدقاء الفريحات على مرّ الزمن ومن عشائر عنجره كذلك كان من الحضور، محمد الأحمد العبد الرحيم، خليل الأحمد ومحمود الأحمد الناصر كانوا راغبين في أن يكونوا ”أصحاب الوجه" فقالوا للبرامه:"أتعلمون ما وراء إجارة الفريحات؟!وراء ذلك أن تحموهم وتحرسوا أغنامهم وأبقارهم وتحصدوا محاصيلهم وتحموا بيوتهم ودواجنهم سواءً ما وجد في نجده أو أي مكانٍ يذهبوا إليه". وقف أحد وجوه برما وقالو:" نحن لا نقدر على هذا الحمل فاحملوه أنتم”، وقف أحدهم وقال:" يا فلان حك....بالحيط إذا لم تكن قد جيرة الفريحات"، فنهض وحك... بالحيط كنايةً عن التنصّل من الجيرة حيث كان ذلك عاراً بعرف العشائر. الجلوه فزع أهل عنجره عامةً لأن الجيرة كانت لعشائر عنجره، فزعوا بخيولهم وجمالهم وحميرهم ينقلون كل ما يتعلق بأبناء احمد الموسى، عوائِلهم و أغراضهم صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأُنثاهم إلى ”الساخنه" وذلك أن من لوازم الجلوة أن يقطعوا وادياً، وفي الساخنه كانوا على الرحب والسعة ومحلّ عناية اهل الساخنه اللذين بذلوا كل ما يمكن بذلة للمحافظة على أموال أبناء أحمد الموسى وكانوا عندهم محل ترحيب وتكريم. ومنهم أصحاب الذّكر الطّيب: خليل الأحمد، ومحمد السعيد، ومحمد أحمد عبد الرحيم، كانوا أهل همةٍ ونخوةٍ وعون ”نشامى" بكل معنى الكلمة، حتى أن نسائهم ساعدن نساء الفريحات بالأعمال المنزليةِ والحليب والخضيض، وكانت لهم أيادي بيضاء على الفريحات لا تنسى حيث كان هناك مغارة كبيره" عراق” مشتى لأغنامهم و لأبقارهم وذلك عند” قبر النوريه ” قرب عين الحايك، كان الرجال قد أودعوا السجن ”عوض وحميد وعلي و حسن وحسين"، وكان حسين الحسن وعلي الحسين قد رافقوهم إلى الساخنة وجلوا معهم رغم أنهم لم يكونوا ملزمين بذلك، ولكن كان يجمعهم القرابه والنسب والصداقة والمحبه. رغم ما قّدمه أهل عنجره كان الألم ملازماً لنساء بيت أحمد الموسى، وكان الأولاد قد سدّوا مسدّ أبيهم في الحفاظ على الأغنام والأبقار، ومنهم من كان يعدّ من الرجال مثل ”عيد ومحمود العوض وأحمد الحميد"، وكانت عيونهم مفتوحةً على ما يدور حولهم ولم يجرؤ أحدٌ على التّعرض لهم. ويؤثر عن" صوره العوض" أنها كانت تغني وتندب حالهم ومما يؤثر عنها: يا ويلي يا عزوتي بعراق بأوسط صفر واللهاليب وبني عمّي في سجن عمـان صكّت عليهـم الكلاليب كانت أغنام علي الحسين زوج هاجر الحميد مخلوطة في الأصل مع غنم عمّه، ولذلك جلا معهم إلى الساخنة، ولكونه من أكبر الذكور اللذين لم يسجنوا فقد حلّ محلّ عمّة حميد في تولي أمر العائلة والاهتمام بالمواشي، أما حسين الحسن فقد كان صديقاً وصهراً لحميد فجلا معهم مع عياله كافّه، ولم يقبل بتخلّي بعض أقارب حميد عنه بحجّة الخروج من الجدّ الخامس وكان لهم نصيراً ومعيناً، وتولى حسين الحسن الاتصال مع الفريحات بخصوص” العاقلة" وكان من رأيه أن يشارك الفريحات جميعهم في الدّيه، وذهب إلى راجب حيث كان محمود الحسن البركات الذي رأى أن الفريحات لابد أن يكونوا لحمه واحدة في ”الدم والهدم" وكان موقف أهل راجب مشرّفاً كما انهم علموا من حسين الحسن أن المواشي بحاجة للتبن فوضعوا ”حواصل التبن” تحت تصرفه حيث نقل على الجمال والحمير من التبن من راجب إلى الساخنة ما سد به حاجةَ المواشي ذلك العام. الخذلان كان بنو شريده وبنو خزاعي أقرب الناس إلى بني موسى فبالإضافة لقرابة الدّم كانت قرابة المصاهرة والجيرة. وكانت أغنام عوض وحميد تساق للذبح عند كل مكرمه يكرمها راشد الخزاعي الذي كان يرفع رأسه بهم، وبهم يضرب عدوّه وينال منه، وكان بنو موسى جميعاً على محبّة ووفاق مع راشد ولا أدلّ على ذلك من أنهم لم يقبلوا أن يخرجوا من السجن مقابل استنكار أعمال راشد ولو باللسان وكذلك كانت الألفة بين بني موسى وبني ضرغام على وجه العموم (دار عباس ودار ملاوي) ولعلنا نلتمس العذر لبني مصلح حيث كان القتيل عبد الحميد إبن عاشه الحمود أُخت نوري ومن المؤَكد أن ذلك أثّر على موقف نوري ولعله كان معذوراً. كان أبناء أحمد الموسى مسجونين لا حول لهم وكان عشمهم بعشيرتهم كبير وذلك قبل أن يصلهم نبأُ الإجتماع في نحله ببيت عقله الخليل الزعبي الذي ضمّ عن الزعبيةِ بالإضافةِ لعقله الخليل محمد العلي الأطرم، وعن أهل ساكب يوسف الشبلي، وعن بني مصلح نوري الحمود، وعن دار خزاعي فوزي الراشد، أحمد الفارس عن دار عباس، وعلي العبدون وسعد الحسين عن دار شريده. تجمع الرجال وعدوا أجدادهم فخرجوا عن العصبةُ الملتزمة مع أبناء أحمد الموسى، وكان هذا الاجتماع بما دار فيه محرجاً لأُولئك اللذين تنصلوا من أقاربهم حيث سألهم يوسف الشبلي يا..... إذا لقيتنا نضرب إبن اختك... فيقول وهو يستغيث بك يا خالي فما تفعل؟ فقال: أعمل كأني لا سمعت ولا رأيت ثم أعاد السؤال على فوزي الراشد وآخرين بنفس المضمون ولكن كان يختار أقرب الناس من أبناء موسى إلى المخاطَب وكان الجواب مشابه ”كأني لا سمعت ولا رأيت” وهكذا خرجوا مسرورين وبظنهم أنهم قد سلموا وأن لا شأن لهم بما يجري ولكن علي العبدون وسعد الحسين تعرضوا للضرب والإهانة عند عودتهم عند عين”ام جوزه" مما سر ذلك بني موسى. كما أن مصاهرة نوري للعياصره لم تمنعهم من التعرض لبيته وأمواله بالنهب والسرقة وأن تعدوا الجد الخامس. ولذلك نرى مواقف متعاونه حيث كان علي الحسين وحسين الحسن متضامنين مع أقاربهم بني موسى وكان عبد القادر ملتزماً مع أقاربه على عكس غيره. وقد وصلت لعبد القادر رسالة من يوسف شلبي تطالبهم أن يَجلَوا من الجزازة وكان عبد القادر قد رد بذكاء على تلك الرسالة حيث كتب فيها يعقوب وعلي وعبد الرحمن وخالد يجلون كما تريد ولكن إن جلوا فإلى إين تجلو أنتم ؟؟؟ فهم يوسف الشلبي مضمون الرسالة حيث لم يعيها الحاضرون. وقالوا ما هذا الجواب؟ يجب أن يجلوا فقال لهم هذا كلام ”العقال" فإن هؤلاء لا مال لهم وأن جلوا فستكون معيشتهم من سَلبِنا ونَهبِ أَموالنا أتركوهم في أرضهم فيكفونا شرهم. ما بين السجن والساخنة بعد ما جرى مع عيسى بنجده اقتنع بضرورة تسليم نفسه للدولة، وكان يتوقّع أن يكون ذلك سبباً في تخفيف الحكم عليه خاصّةً وأنه كان مدافعاً عن نفسه وبيته وأهله وماله. ذهب عيسى إلى عليمون حيث وضع بندقيّته أمانةً عند عبد القادر الأسعد من برما، ثمّ ذهب إلى دار عبد القادر المصطفى في الجزازة حيث تناول بعض الطعام وودّع النساء الباكيات وشجّعهن قائلاً ”السجن للرجال ولن يغلق السجن على من فيه" ثمّ توجّه إلى المجدل حيث ركب الباص إلى عمان” الطريق القديمة "كان عوض وحميد في السجن أيضاً أما أبناء حميد فقد أفرج عنهم لصغر سنهم والتحقوا بأهلهم في الساخنه عند ”قبر النوريه" مر الشتاء على أبناء أحمد الموسى في الساخنه ولكنه ترك ألماً و حزناً مضافاً إلى ألمهم حيث أخذ السيل يتيماً ”يتيم الأم" كان يسير خلف أُخته متأخراً عنها فحسبته رجع ولكن السيل أودى بحياته غرقاً حيث وجدوهُ بعد بحثٍ طويل كان ذلك الغلام هو مصطفى إبن حسين المحمد ثم دارت عجلة الحياه وجاءَ ربيع منقطع النظير حيث فاق السنين السابقة وكانت سنة ”غلال” بركة وفاتني أن أذكر هنا أن عيسى أخذ معه مسدسه وسلمه للأمن على أنه السلاح المستعمل في دفاعه عن نفسه وكان الأمر لا يعدوا على أنه أقل قيمةً ومكانه في نفسه من البندقية حيث وضعها عند رجل أمين بحق هو ”عبد القادر الأسعد" من "برما" وبعد خمسة أشهر تم الإفراج عن المسجونين عوض وحميد وعلي الفندي فالتحقوا بالساخنه وصار شغل حميد الشاغل هو إبنه عيسى فصار يبذل كل ما في وسعه ليخفف عنه الحكم وكان قد إختار محامياً مشهوراً له هو ”علي مسمار” وكان يزوره مع زوجته رسميه العبدون كما كانوا يصطحبون "شريفه الحسن" زوجة عيسى لزيارة زوجها وكان السجناء مع عيسى ينتظرون زيارة أهل عيسى حيث كان يكرمهم بأطيب الطعام كما أن الجنود كان يصيبهم خير كثير من زيارة ”أم عيسى" مما خفف عنه وجعلهم يحسنون معاملته. أما العناجره ”أهل الوجه" فقد كفّوا ووفوا حيث كانوا في حراسة بيوت الفريحات في نجده وبحراسة زرعهم فلم يستطع أحد التعرّض لأموالهم، أما العياصره فقد اختاروا محامياً لهم هو” فايز سبع العيش" الذي كان محامياً مشهوراً ذلك الوقت حيث لم يكن هناك إلا قلّه من المتعلمين يعدّون على الأصابع. الحكم والرشوة ليس لأمرٍ يسير لعن الله الراشي والمرتشي والرائش فهم يستحقون اللعن، كيف لا وفيه تضييع حقوق العباد وأكل أموالهم وسفك دمائهم بغير حق، وما كان ليصدر حكم ضدّ عيسى الذي كان يدافع عن نفسه وأهله وماله لولا الرّشوة التي تلقاها المحامي فبدل أن يكون مدافعاً عن موكله كما يقتضي عرف المحاماة صار متعاوناً مع خصومه لإيقاع أقصى عقوبة به، وقد أعماه المال الذي دفُعَ من قبل العياصره واشتروا به ذمّته وربما اشتروا ذمماً أخرى رخيصة، باعوا الآخرة بالدنيا. رغم أن عيسى كان مدافعاً عن نفسه وأهله وماله وكان الوحيد الموجود في نجده ولم يكن مسلّحاً باديَ الأمر ولكنه سعى للسلاح وأحضره بعد أن حاصروه في بيته، ورغم أنه حذّرهم وطلب كفّ شرّهم ورغم أنه تودد إلى القتيل” عبد الحميد الرجا" بالذّات وقال له: "يا خال خلّيها تجي بغيرك تراها لزمت"، ورغم العدد الكبير المجتمع في مكان لا يخصّه بشيْ ضدّ شابٍ أمام منزله، ورغم أن الإصابة لم يقصد منها القتل حيث لم تكن في مقتل، رغم ذلك كلّه أصدرت المحكمة حكماً بالسّجن خمسة عشر عاماً على عيسى، وكان القضاة يأتون من أربد إلى جرش حيث يعقدون محاكمهم الخاصّة في جرش، ولم يكن هناك اعتراض على الحكم حيث كان الجهاز القضائي بدائياً لا محكمة تمييز فيه بالمعنى المعاصر، وقد سرّ العياصره ومحاميهم” فايز سبع العيش” بما حققوه بالرشوة. وبعد الحكم نقل عيسى إلى سجن المحطّة في عمان حيث لم يدع حميد باباً إلا طرقه للتخفيف عن ابنه، وبسبب ما كان يقدّمه حميد من هدايا كان عيسى مسجوناً بلباسه العادي وكانوا يزورونه ويجلس مع زوّاره في غرفة مدير السّجن بدون مضايقه وكان له وضعٌ خاص ليس كباقي السجناء وذلك بسبب مجهود حميد، ومع ذلك ذاق عيسى ألم السّجن ومرارة الظلم الذي وقع عليه. أما حميد وزوجته رسميّه فلم ييأسا من طرق أبواب الدولة وبذل الغالي والرخيص في سعيهم لإخراج ابنهم من السجن حيث قدّموا عرائض والتِماسات كثيرة وسعوا في الواسطات، وقال حميد:" لو حطّيت كل مالي وطلع عيسى مش خسران"، وكانوا يزورونه في الشّهر أكثر من مرّه وكانوا يحضرون معهم زوجته شريفه وأخته هاجر في بعض الأحيان، وقد زاره أقاربه مراراً وكان ممن زاره راشد الخزاعي حيث زاره أكثر من مرّه. وفي السجن تعلم عيسى الطباعة في مطبعة للجيش العربي وتحوّل إلى رجل متعلّم وفق مقاييس ذلك العصر، وقد كتب مذكراته ومنها يُعلم أنه تديّن بعد ذلك وواظب على الصلاة وابتعد عن الحرام. الصلح كما هي عادة العشائر وبعد عامٍ كامل من مغادرتهم نجده إلى الساخنه، سعى الفريحات إلى الصلح وفعلاً توافد الناس إلى المكان المحدد حيث كانوا ينصبون بيوت شعر لهذا الغرض، وبحضور وجهاء جبل عجلون جلس حميد في الوسط واضعاً عقاله في رقبته وقال:" أنا جمل... حمّلوني" وكان هذا مما يقتضيه العرف العشائري، ولكنّ” نايل" من عنجره وقف محتجّاً وقال:" هذا ابن فريح ما بجدي، تلحق الألف ودحرج" أي فليكن ما يكون، وفعلاً اعتدل حميد وعاد للجلوس في المجلس خلافاً للعادات السائدة وذلك لمكانة الفريحات، وكان لهذا أثرٌ كبير حيث تشددوا في مقدار الدّيه. تمّ الصلح على أن تكون الدّيه ثمانمائة دينار وهو مبلغ كبير جداً في ذلك الزمان حيث كانت أجرة العامل قرشين أو ثلاثة وكان ثمن رأس الماعز خمسة وثلاثون قرشاً، ولم يكن للصلح أثر على وضع عيسى في السجن من الناحية القانونيّة وذلك لأنها عقدت بعد صدور الحكم. وبعد ذلك عادوا من الساخنه إلى نجده وهابتهم الناس فلم يجرؤ بعدها أحدٌ على الادعاء أن له حقٌ في نجده وانقطعت منها أطماعهم. أما المدّى فقد شحّت أيدي الفريحات عن المشاركة مع حميد متذرّعين بمقولة:" اللي بالخمس ما بنلمس"، علماً بأن عاده الفريحات لا تنطبق على هذه القاعدة العشائريّة بل كانوا يتعاونون على المدّى، وقد ذهب حميد آنذاك إلى” محمود الحسن البركات” وجه الدار ألغربية وكان رأي محمود بذلك أن ”القرش عدّاد بين الفريحات”. ثم ذهب حميد إلى راشد الخزاعي ”حيث أثر عليه الهرم" فوجده مؤيّدا لمن يرى أن لا ديّة لمن تجاوز الجدّ الخامس ومما قاله لحميد:" أنت بدّك مدى من الميت فوزه (فوزي) ؟" وهكذا عاد حميد بعد أن تنصّل أقاربه من الدّيه واتّخذوا مما حصل مع (أحمد المنصور) ذريعة إذ لم يشاركوا في المدّى معه، مع أن ما حصل مع أحمد المنصور من عدم مشاركتهم كان من تقصيرهم ولم تكن عادة الفريحات المستقرّة من مئات السنين، وهكذا عاد حميد من جولته على أقاربه “بخفيّ حنين “ ولكنّه كان صامداً في الأزمات لا يظهر عليه ما يدل على الضيق. وكان الأولى بأولئك الذين كانت تقاد لهم الذبائح وتساق الدّواب المحمّلة بالسّمن والجميد إلى بيوتهم، وأولئك الذين كانوا يكرَمون ويدعون أضيافهم إلى نجده على الرحب والسعة أن يقفوا بجانب حميد وعوض اصحاب البيوت التي تستر الفريحات وترفع رؤوسهم، ومع كلّ ما حصل فإن عوض وحميد لم يتطرّقوا إلى ذكر ذلك بل بقوا على مودّة ومحبّة مع أقاربهم، وكانوا في طليعة من يشاركون في مكرمات الفريحات وولائمهم ومآتمهم (بقطّاتٍ) من غنمهم وكثيراً ما شوهدوا متوجّهين بها إلى كفرنجه. كان المدّى ثمانمائة دينار دفع منها حميد أربعمائة دينار حيث باع قطعتين من الأرض “ بتلعة جحدب” أحدهما اثنتا عشرة دونماً والأخرى إحدى عشرة دونماً، ومما فاد حميد في ذلك الشأن أن الثيران كانت غالية الثمن نسبياً فباع منها ما أكمل به المدّى كما دفع عوض مع أخيه مبلغاً كبيراً حيث لم يتبقّى من المدّى إلا القليل شارك به أبناء موسى جميعاً، حيث دفع أبناء أحمد الموسى كلّهم أما أبناء مصطفى الموسى فقد شاركوا بالدّفع ومن لم يدفع ما عليه فقد كان ذلك بسبب الفقر المدقع وأما من تنكّر لأقاربه فلم يؤاخذه أحد. مع كلوب باشا ( أبو حنيك) لم ييأس حميد من طرق أبواب الدولة وبذل الغالي والرخيص في سعيه لأخراج ابنه من السجن فقدّم كثيراً من العرائض والالتماسات ولكنها لم تسفر عن شيء، سمع حميد ورسميّه من بعض الضباط أنه لا أحد يستطيع الأفراج عنه إلا أبو حنيك، وكان هذا مستشرقاً انجليزياً وضابطاً كبيراً أتقن العربيّة وأحب البداوة وكان هو حاكم الأردن الفعلي نيابة عن الدولة المستعمرة بريطانيا كما كان قائداً للجيش الأردني الناشئ. كان حنكه مصاب بعيار ناري ترك فيه أثر واضح وهذا هو سرّ تسميته، وكان يكنّى بأبي فارس وكان صاحب نفوذٍ وأمرٍ ونهي. استطاعت رسميّه بتوجيه من أحد الحراس بسجن المحطّة أن تعرف ميعاد حضور أبو حنيك، فذهبت راكبةً دابّة لها إلى ياجوز حيث باتت تلك الليلة عند صديقتها “ أمل العبد الرحمن" زوجة “ عبد الرزاق الداوود” الوجيه والغني المعروف ذائع الصيت، وكثيراً ما كانت تبيت عندها في زياراتها لعيسى حيث يتطلب ذلك وجودها في عمان صباحاً. وفي الصباح الباكر كانت أمام مقرّ أبو حنيك في المحطّه، وعندما حضر عرفته بالوصف من شكل حنكة وهناك تقدّمت ورمت نفسها على قدميه والتمست منه إخراج ولدها من السّجن فرقّ لحالها وخاطب بخصوصها معاونيه مما أعطاها الأمل وبعد يومين كانت الاحتفالات قد اقيمتبنجده والجزازة احتفالاً بخروج عيسى بعد ما يقارب أربع سنوات من السّجن وتلقّاه الناس في المجدل بإطلاق البارود عندما خرج من الباص (الوحيد بين جرش وعمان). وفي طريقة مرّ على أقاربه في الجزازة يرافقه الحدّائون، وبعد زيارة “ دار عبد القادر" ذهب لزيارة “ دار خالد العيسى” لتعزيتهم بخالد الذي وافاه الأجل قبل فترة وجيزه من خروجه حيث كان موته مفاجئاً، ومما زاد الحضور حزناً أن زوجة خالد قالت أنها تفقد صوت زوجها المعروف بين الحدائين، وبعد ذلك توجّه مزفوفا إلى نجده بالزغاريد وأصوات البارود حتى وصلوا إلى نجده في إحتفال لم تشهده تلك البقاع من قبل، وأقيمت الولائم وارتاحت الأنفس حيث عاد لزوجته وابنته “ آمنه” وعاد لأبيه وأمه وأقاربه وكان الناس في غاية السرور، ومرّت الأيام والناس يتوافدون من كفرنجه وعنجره وبرما وباقي القرى يهنّئون بعودة عيسى، ولكن بعد هذا الفرح الكبير كان للأقدار شأنٌ آخر. الفريحات وحرب فلسطين كان هناك عدد من شباب الفريحات اعتادوا الذهاب إلى حيفا للعمل في الميناء، وقد حصل أن سقط أحد (البراميل) فانفتح بابه فإذا هو مملوءاً بالسلاح، وتنبّه أهل فلسطين لتسلّح اليهود سرّاً فنتج عن ذلك اضطرابات واحتجاجات قمعها الأنجليز بقوّه، وقد كان محضوراً على العرب اقتناء أي نوع من السلاح ولو كان ظرفٌ فارغ بينما كان اليهود يعملون في صمت ويُدخلون من ميناء حيفا أحدث ما توصّل له الأنسان من اسلحه، ولم تكن أهداف الصهيونيّة واضحة للعرب آنذاك إلا لقلّة منهم تجمعوا في (أحراش يعبد) ودافعوا عن بلاد المسلمين من منطلق جهادي وكان قائدهم الشيخ (عزّالدين القسّام) أحد علماء الدين من أهل الشام. وكان للفريحات حصّة في ضريبة الدّم في فلسطين في حرب عام 1948م حيث استشهد بعضهم منهم (عبد المجيد الحمود الذي استشهد بانجار لغم يهودي كما استشهد أحمد النوري وأحمد العبد المهدي)، وقد تعاطف الفريحات مع نوري وعبد المهدي لدرجة أن نوري الذي كان يعاني من قطيعة أقاربه (بني موسى) قال: “ لقد خفف عني حضور أقاربي... فقدان أحمد وأحمد وأنا اليوم مسرور بما حصل، كما نجا آخرون بأعجوبة وهم فارين من فلسطين المحتلّه. وفاة عيسى ما كادت النفوس تستقرّ حتى تكدّرت بمرض عيسى ولم يكن هناك عنايه طبيّة بل لجئوا إلى الطب الشعبي و"الفقرا" وكان يشعر بألم في رأسه ولكنّه لم يستسلم لفراش المرض إلا في آخر شهر من حياته وكانت زوجته تعرض عليه طفله الوليد “ جاسر” لتؤنسه فيقول: “ هو لك ليس لي" وانتقل إلى رحمة الله تعالى تاركاً زوجةً وأيتاماً هما “آمنه وجاسر" وبعد أقل من سنه من وفاته تمّ تزويج زوجتة شريفه إلى أخيه يوسف الذي كان أصغر منها سناً وكان العرف والعادة يقضيان بذلك ولم يكن لهما خيار، وقد عُرض على (أحمد) أن يتزوج شريفه ولكنّه رفض رفضاً باتاً ولذلك اضطرّوا إلى تزويجها من يوسف وذلك كما زعموا للحفاظ على الأيتام. وقد دفع حميد لها مهراً جديداً وبذلك يكون حميد قد دفع مهرين وكان يسمّيها “ أم المهرين". قصة الثور عادت الأحوال في نجده إلى طبيعتها، وصار أهل نجده مرهوبي الجانب، وكانت السرقه قد تفشّت بالبلاد حتى صارت عاده، ولكن عوض وحميد كانوا لا يغفلون عن ممتلكاتهم ومواشيهم ولذلك تحاشاهم “ الحراميّه" السرّاق وقالوا فيما بينهم: “هظول ما بروح لهم طلبه"، وكانوا يرتّبون من أبنائهم حراسةً ليليه، وفي إحدى الليالي مرّ نفرٌ متّجهين إلى الغرب ليلاً حتى تجاوزوا نجده فقال احدهم: “ هذه أول مرّه نمرّ دون أن يعترضونا”. ولكن كان هناك شابان من نجده يسمعانهم فأطلقوا النار بقربهم فولّوا هاربين، وكانوا يرون أنه من العيب أن لا يكون حماك منيعاً. ولذلك أشير هنا إلى قصة ثور حميد كنموذج على ما كان يجري ذلك الزمان، كان الثلج دامساً عندما وصل ضيفٌ إلى دار عوض، فأحسنوا ضيافته وكرموه بالدفءوالطعام بعد أن كان يرتعد من البرد ولو لم يبت عندهم لتجمد من البرد ومات، وفي اليوم التالي تحسّن الجو وطلعت الشمس، وفي آخر النهار غادر ذلك الضيف بعد أن نال واجب الضيافة. في اليوم الثاني افتقد “أحمد الحميد" الثور فراحوا يبحثون عنه دون جدوى ولكنهم وجدوا أثره مرافقاً لأثر رجل وكانوا يقصّون الأثر المتوجه جنوباً، كانت الأرض طيناً مما ساعد على وضوح الأثر فتتبعوا أثره إلى “المجدل” ثم” الرمان" ثم ”السليحي"، فعرف حميد وجهة الثور فأسرع متوجهاً إلى موقف عمان في “رأس العين" فصار يدخل من حوش إلى حوش فوجد الثور، ولما رآه الثور علا خواره “ صار يجعر" وكأن الثور يدعو صاحبه إلى نجدته، فسأل صاحب الخان عمّن جاء به، فقال صاحب الخان: هذا جاء به شخصٌ وباعه ولكن طُلب منه ورقه من الشرطه وقد ذهب للمخفر، وفوراً ذهب حميد إلى المخفر فرأى الضيف الخائن يحضر شهود زور ليثبتوا أن الثور له، اقترب منه حميد وقال له “ هو أنت يا خاين الملحه!" ففرّ الرجل مسرعاً وترك الثور، ثم وصل من تخلّف عن حميد فشهدوا بملكيّة حميد للثور وأن ذلك الرجل خائنٌ وسارق وتسلّموا الثور وعادوا حيث باتوا في مخفر “الرمان" في طريق العودة ومنهم من بات عند “عبد الله اللوزي" حيث كان له صله بالفريحات وكان يسكن الجبيهة وكانوا يتبادلون الدّعوات “العزائم"، وفي اليوم التالي من عودتهم وصلوا نجده وكانوا مسرورين لتأكيدهم مقولة “ما بروح لهم طلبه". الشيخ حسن العبد الرحمن العلم والصبر كان حسن قد أُصيب بحادثٍ في صباه أبقاه مرافقاً للعصا طوال حياته، وكان ذلك بسبب سقوطه عن الجواد حيث جرّه الجواد ورجله في الرّكاب فتركه بعاهةٍ دائمه، وكان هذا قد فتح عليه باب العلم والتعلّم لعدم قدرته على أعمال الفلاحه، فذهب إلى الشام طالباً للعلم في مدرسةٍ داخليّةٍ مشهورةٍ آنذاك وكان القيم عليها عالم مشهور اسمه (علي الدقر)، ثم عاد ليمضي بقيّة حياته إماماً ومعلّماً وخطيباً، وكان صبوراً على حكم الله ومما يدلّ على ذلك أنه توفي ابناه بمرض الحصبة بأمسيةٍ واحدةٍ عندما كان إماماً لمسجد ياجوز، وكان عنده ضيوف فلم يشعرهم بما جرى، وفي الصباح رأوه يحفر في المقبرة فعلموا عن وفاة ابنيه وكيف صبر وكتم كي لا يكدّر ضيوفه، وقد تتلمذ على يديه أبناء جيلٍ كاملٍ في عصر الجهل، وكان لعصاه مفعولاً كبيراً في تلقين القراءة والكتابة والقرآن الكريم، وكان له بيتٌ في ريمون يزوره الناس طالبين الدّعاء أو كتابة كلماتٍ من الذّكر يكون فيها رحمةٌ وشفاء. وممن تتلمذ على يديه من أبناء أحمد الموسى “ محمد الحميد" حيث كان يحضى بمعاملةٍ خاصّة بسبب الصلة التي تربطه بدار حميد. وكان محمد ابن الشيخ حسن أول من حصل على الدكتوراة من عشيرة الفريحات ولكنّه لم يلبث أن انتقل إلى رحمه الله في ريعان الشباب، وكان الشيخ حسن في ذلك مثال للصبر على قضاء الله نسأل الله العفو والعافية. التهمه الباطله وصلت مجموعة من الرجال (فزعه) يقتفون أثر قطيع من البقر تمّت سرقته من منطقة السلط وقد قادهم الأثر إلى القرب من مغارة خنيزير ولم يكن لأهل نجده أدنى علمبهذا الأمر حيث فوجئوا بالناس والجنود حيث قادوا الناس إلى السجن ولم يبق بنجده إلا حميد وذلك لأنه كان طريح الفراش لإصابته بجرحٍ بليغٍ من سكّة الحراثه، وعاد “علي الحسين" حيث كان غائباً فلم يقبض عليه، تسامع الحراميّه فطمعوا بغنم عوض وحميد وضنّوا أنها صارت لقمةً سائغة لهم، فكانوا (يحوفون) نجده ليلاً، ولكن علي الحسين فوّت عليهم الفرصة حيث كان يقضاً طوال الليل وكان يخشى على نفسه أن تأخذه غفوة عميقة لذلك كان ينام على (السنسله) الحجريّة حتى لا يستغرق في النوم، ومضت على ذلك مدّة طويلة حيث صدر حكم ببراءة الغائبين وعادوا لمزاولة حياتهم المعتاده. حسين الحسن كان كريماً متواضعاً ذو مواقف جريئة تتطلّب الشجاعة ومن ذلك وقوفه إلى جانب حميد وجلاؤه إلى الساخنة حيث تدبّر أمر مواشي عوض وحميد، وذهب إلى راجب فأحضر التبن الذي جاد به محمود الحسن وأقاربه وذلك لوجود أبناء أحمد الموسى في السجن آنذاك. كان متزوجاً من فتاة نابلسيه اسمها (عربيّه) وكثيراً ما كان يذهب لنابلس لزيارة أصهاره ويتسوق، وأكسبه ذلك ميّزة على أقرانه حيث اطّلع على أحوال المدينهوفلسطين، وكان قد ورث عن أبيه حسن الأسعد أرضاً واسعةً مزروعة بالكروم مليئةً بالخيرات جعلت له مكانةً بين أفراد عشيرته. أحب حسين الأرض والماء والخضرة ولذلك عشق (العقبه)، فباع أرضه في “مقعد مراد” و “المشماس" واشترى أرضاً واسعة تروى من “عين الصفار" في الجزازة، ولكن الأمر لم يتم بسهولة إذ رفع بعض أغنياء عمان المجاورون للعقبة دعوى الأولويّه، وقد أنفق حسين في ذلك مالاً كثيراً واستطاع أن يحرز العقبه ثم اشترى “جورة الحمرا" وكثر الخير عنده حتى صارت داره مقصداً للجائعين والضيوف، وكانت العقبة نعم العون له على كرمه، ثم بنى بيتاً آخر في” جورة الحمرا" وكان مغبوطاً من أصدقاءه محسوداً من كثير من أقاربه وقد نغّص عيشه وفاة زوجته التي احبها حباً شديداً لمزاياها العالية التي يندر أن توجد في النساء، وكانت وفاتها على أثر النفاس حيث أنجبت (علي) وماتت، ولم يستطع حسين أن يفارقها فدفنها بجوار البيت وأوصى أن يدفن بجانبها، ولم يتزوج فقد عاش على ذكراها وكان لأولاده أماً وأباً وضرب بذلك مثلاً في الإخلاص حيث لحق بها ودفن بجوارها بعد أكثر من ثلاثة عقود ولم تغيّره الأيام. كان أبو سليمان كريماً شجاعاً وفياً عابداً لله وصولاً للرحم عطوفاً على الأيتام وما تزال بركته موجودة في ذريّتة حتى يومنا هذا. الشهيد “زهير العلي الفندي" كان الشهيد مرابطاً في وحدته العسكريّة في فلسطين عندما نشبت تلك الحرب التي كان لها نتائج وخيمة وكانت نكسة بل نكبة كبيرة هُزمت فيها الجيوش العربيّة النظاميّة وذلك في الخامس من حزيران من عام 1967 “حرب الأيام الستّه". انجلت الحرب ولم يعد زهير، تتبع علي الفندي أخباره وتعددت الروايات فمنهم من قال أنه كان يقلّ سيارةً عسكريّه احترقت ومات فيها مع رفاقه بعد تعرّضها لهجوم جوّي، ولكن الأمل بقي لسنين طويله يراود أهله بعودته وهل للأموات من عوده؟ ولم يعثر أحد على جثّته ومن المؤكّد أنه قتل والله أعلم كيف كان ذلك وهذه أعلى درجات الشهاده التي أرجو الله أن يكون قد نالها. وكان زهير حديث العهد بالزواج ولكن مشيئة الله تمت ولعله نال ما هو خير من هذه الدنيا الفانيه، وبذلك يكون لأبناء أحمد الموسى نصيب من الجهاد والاستشهاد من حول المسجد الأقصى. وفاة الأخوين عوض وحميد كان لعوض وحميد مكانة كبيرة بين أقاربهم وبين العشائر المجاورة بعد أن استتب لهم الأمر بنجده ولم يعد هناك من ينازعهم على قريتهم التي أسسوها بعد أن كانت خالية من الناس. وكان لهم دور كبير في فظّ النزاعات التي كانت تحدث بين الحين والآخر في برما وقرى العناجره، وكثيراً ما استجار بهم الناس لحل مشاكل الزواج والطلاق والخطف والمشاجرات بين الرعاة والمزارعين، وكانوا محل احترام وتقدير أهل المعراض كما كانوا عوناً للناس في أيام القحط وسنين المحل حيث بارك الله لهم في أغنامهم وأرضهم فلم يبخلوا على المحتاجين ولم يستغلّوا حاجتهم كما كان يفعل الأغنياء من المرابين في ذلك الزمان. في عام 1965 توفي عوض بشكل مفاجئ حيث استجاب الله لدعواه حيث كان يدعو أن يموت وغبار الطريق على قدميه، وبعد حولٍ من ذلك في عام 1966 في تشرين أول توفي حميد بعد مرض قصير (بضعة أيام) وطويت بذلك حقبة مهمّه من حياة أبناء أحمد الموسى مليئة بالحركة والأحداث، وقد تركوا وراءهم فراغاً أدركه كل من عاصرهم فتغيرت نجده فلم تعد عائله واحدة وأسرة واحدة وتلك هي سنه الحياة والبقاء لله وحده. الروابط بين الفريحات كانت قديماً وما تزال الروابط قائمة بين قرى الفريحات، فنجده والحسينيات والجزازة تكاد تكون قريه واحده لقرابة الدم والمصاهرة والعلاقات الاجتماعيه، ولم يكن فريحات راجب و كفرنجه بعيدون عن ذلك كثيراً فكثيراً ما يجمع الفريحات المناسبات الحزينة والسعيده. ومع زوال الدولة العثمانيّة ومرور الزمن وتولي الهاشميّون الحكم لم يتغير شيء سوى أسلوب الحياة الذي طاله التغيير حيث كان للأنتساب للجنديّة وظهور التعليم أثر كبير على حياة الناس وللأسف فإن الفريحات كانوا متأخرين في مجال التعليم وصدق فيهم قول الشاعر العلم يبني بيوتاً لا عماد لهاوالجهل يهدم بيت العزّ والكرم ففي حين أرسل المشايخ أبناءهم إلى مدرسة السلط الثانويّة ( أول مدرسة في الأردن) فكان منهم الوزراء والقادة والحكام تقاعس الفريحات عن ذلك مما أخرهم عن نظرائهم من أبناء عشائر الأردن المرموقه، ومع ذلك فلا تزال لهم مكانة لا تنكر يؤكّدها فوزهم بالمقاعد البرلمانيّة في دوراتٍ برلمانيّة عديدة وحضورهم الذي لا ينكر في المحافل العشائريّه، وقد استدرك الفريحات ما فاتهم من التعليم أخيراً وهم ماضون في ذلك بلا هواده. قصص من الخمسينيات، من يوميــات الشتـــاء انتظر أهل نجده “الوسم" سقوط المطر وعلامة الري أن لا تصل سكّة المحراث إلى باطن الأرض الجاف، وبعد سقوط المطر قالوا “ إروت" ففرح الجميع بهذه البشاره بموسم خيرٍ وبركه، وهرع المزارعون لأعداد محاريثهم الخشبيّة و “حذوا فدادينهم" حيث جاء الحداد من جرش وركّب الحذو للثيران “العمّالات" وهيّئوا البذار. ثم قالوا” اوفرت” أي أصبحت الأرض جاهزةً للحراثة، فقامت النسوة بطحن الكرسنه لتكون سحور الفدّان الذي سيعمل طوال النهار بدون طعام، وقبل طلوع الشمس كان الفدان يشق الأرض بعد أن بذرها الفلاح بيديه، وكان الصوت المسموع هو صوت الحرّاثين يخاطبون ثيرانهم وكأن الثيران عرفت اللغة لكثرة التكرار ”هو هه دير جاي، ارمي، اربع، الوي" وما هي إلا أيام حتى احمرّت الأرض وفُتحت لبركة السماء، فمنهم من زرع القمح ومنهم من زرع الكرسنه والشعير والعدس. أما الرعيان فسروا لسقوط الأمطار الذي يبشّر بالكلأ والمرعى، ولكن كان عليهم الحذر من” الوحاش" التي تزداد ضراوة في فصل الشتاء خاصّةً وأنها تستفيد من” الغطيطه" وذلك أعطى قيمةً للكلاب المدرّبة المخلصة للراعي والغنم. أما النساء فقد حضّرن الحبوب وطحنّها لصنع ”الجريشة ومرقة العدس والمفتول" أكلات الشتاء، كما كان عليهن تجفيف الزبل ووضعه داخل “قطع الفرن" ليحصلن على الخبز الشّهي حيث كنّ يخبزن ويعجنّ صباح مساء، وكان عليهنّ إحضار الماء على الحمير من (جحدب) وكانت حياتهنّ شاقّة خاصّة وقد بدأ موسم حلب الأغنام وكنس “الصيره". أما الأولاد فكانوا يساعدون في إحضار (القصف) للغنم ”العاقبه" التي لا ترعى بسبب المرض والكسر، كما كانوا يساعدون في” زرب البهم” قبل عودة القطيع كي لا يرضع أمه، وعند عودة الرعاة تتعالى أصوات الغنم وأبناءها كأنها موسيقى رائعة خلقها الخالق بدون آلة موسيقيّة فتلاقيها النساء بأواني الحلب، وما هي إلا ساعة من الزمن حتى يكون الحليب في أواني الفخار معدّاً للطعام والتصنيع، وفي الليل يجتمع الحضور حول الصوبة المتوهجة من الحرارة حيث امتلأت حطباً تمّ اعداده طوال أيام الصيف. وكان ”لقليّة القمح" دور في ليالي الشتاء، كما كان البلّوط (يفقع) على الصوبة كذلك كان يشوى الفطر البري اللذيذ. ويتتابع سقوط الأمطار وتبين عيوب بيوت الحجر والطين، وكانت (الدّلفة) أمر مألوف حتى في أحسن البيوت. ويتتابع الأمطار ويفرّ الرعاة بأغنامهم إلى ”مغر المياسر" يحتمون من الثلج والبرد وكان على البعض تزويدهم بالخبز والسّمن طعام الشتاء، وكانوا يحافظون على أغنامهم كأرواحهم. كانت سنوات خيرٍ وأمطارٍ وثلوج، وكان عليهم أن يصلحوا قنوات الآبار لجمع ماء الشتاء وكانوا يتفقّدون الآبار حتى في منتصف الليالي الماطره. رغم ذلك كان سقوط الثلج عيداً يحتفلون به حيث يزيلون الثلج عن الأبواب ويطبخون المفتول وطبيخ الحليب المغطى بالسمن البلدي، و"اللزاقيّات" المفتوتة بالسمن والسّكر، والمطابق بالسمن والسّكر، أما الرعاة المتواجدون في المغر فعندهم طحين لصنع (القرصه) ولديهم السّمن. كان للشتاء نكهةٌ خاصّه حيث كان يفرض نفسه بقوةٍ تؤثّر على كل مناحي الحياة. من يوميات الربيع دخل شهر آذار” ساعه شميسة وساعة أمطار وساعة مقاقاة الشنّار"، حلّة قشيبة خضراء مطرّزة بألوان الأزهار وتساوى الليل والنهار. تبدّلت الأحوال وعادت للوجوه ألوانها وشبعت الأغنام وكثر الحليب وبرطع البهم أمام البيوت، تابع الناس العناية بالزرع وعانوا أشدّ المعاناة من أذى قطعان الماشية التي تحبّذ الزرع الأخضر الطري. كانت رعاية الزرع والماشية هي الشغل الشاغل، ولكن كان ذلك مسلّياً حيث اعتادوا العوده ” باللوف والحليّان والجعدة والحميض واللسينّة والسوكران” وبقول أخرى كثيره، كان ذلك هو موسم اشتغال النساء بالخضيض والحليب وصناعة السمن والجميد. وكثيراً ما كان البدو منجذبين إلى مراعي نجده في فصل الربيع وكانت قطعانهم شرهه بسبب الجوع لا تبقي على شيء، وكان الفلاحون يقفون على قدمٍ وساق لرد الأذى عن مزروعاتهم ومع ذلك فقد تبادلوا الدعوات وأقاموا صداقات مع عشائر البدو، كان الأطفال منتشرين في الربيع في سعادةٍ ومرح يجمعون البقول البريّة ويلعبون ويلهون، ويمر آذار ثم نيسان فيكثر” البريد، الطقش، الجلتون، كريشة البقرة، كريشة الجدي، خبز الراعي، لفة الخوري وبقول أخرى كثيره" وكثيراً ما كانت الوجبة خبيزة أو فطائر حميض أو ملفوف رتشف أو فتة لوف بعد أن سئم الناس مرقة العدس في الشتاء. كان الماء متوفراً في الينابيع حيث طلع النبع وكانت الآبار ممتلئة بالماء. شاهد الناس الحجل قريباً من بيوت نجده حيث فقس البيض وسُمع صوت” القرقّه" تدعو صغارها، كما أن الدجاج كان مصدر دخلٍ أساسي حيث فقست الصيصان وكثر الدجاج رغم وجود الثعالب المتربّصة به ورغم وجود طير الشوحة الذي يحب مذاق الدجاج. في المساء كان الناس يتحدّثون في سهراتهم عن ممارساتهم في المراعي والبراري وأحاديث الوحش والحيّه والضبع وأحاديث صيد الأرانب والحجل وأحياناً الغزلان والعكاكس والنياص، وكان للخيول جزء من أحاديث الناس عن ترويضها وأنسابها وصفاتها. قاربت الشمس على المغيب وغطّت الأغنام كل الطرق المؤدّية إلى نجده، وتعالى صوت البهم والماعز، وأسرعت النساء فمنهن من تحمل”البكسه" وأخرى تحمل ”طوس" حيث تواجدن في الصيرة لتبدأ عمليّة الحلب ومن ثم صنع الرايب، وفي الصباح بعد مغادرة الحرّاثين والرعاة يتممن عمل الخض وصنع الزبدة والسمن، وكان الصغار يكافئون ”بزحلاقه" وهي خبز مع زبدة وعليها قليل من السكّر. من يوميات الصيف رويداً رويداً تحوّلت الحقول إلى بحر من السنابل المتموجة مع النسيم كما تحولت حقول العدس إلى سجادةٍ خضراء مصفرّة تؤذن بقرب النضج. بشوقٍ إلى الفريكة الخضراء أُشعلت النيران ووضعت السنابل فوقها، ومما زاد في متعة تذوق الفريكة اسوداد اليدين جرّاء فرك السنابل المحروقه. استبدلت الحقول ثوبها الأخضر بثوبٍ أصفر ذهبي وأسرع الفلاحون لحسم المناجل وإعداد ”قادم القشّ" وتهيئة مكان البيدر، أشرقت الشمس وخرج الناس لموسم الحصاد كالنمل، فمنهم من يقلع العدس والكرسنة حتى إذا أكملوا ذلك توجّهوا إلى القمح فمنهم الحصّاد و الرّجاد و الغماره، خرجوا لجني المحصول الذي انتظروه شهوراً فقد قربت المؤنة على النفاد، كما أن عليهم التزامات لتجّار جرش من الشوام. مع الضحى حمل الأولاد الخبز واللبن والزيت والبصل مع ابريق الشاي لإطعام الحصّادين، فرح الحصادون بوصول الطعام وموعد الاستراحه. الرجّادون ينقلون القش على الحمير إلى البيادر، الرعاة يرعون أغنامهم على بقايا الحقل، اللقاطه تأخذ السنابل المتساقطة لتحصيل مؤنة عائلتها الفقيره، النساء ما زلن مشغولات بعملهن الخضيض والحليب وفوق ذلك إطعام الحصادين والرعاة والطبخ والعجن والخبز. وهكذا عمل الجميع شهراً من الزمان لم يمنعهم الحر ولا التعب، وانتهى الأمر بموسم الحصاد وأكل الحصّادون” ذبيحة الجورعه" حيث عاون الحصّادون زملاءهم المتخلفين عن الأنجاز، وذبح آخر واحدٍ من الحصّادين الذي استحقّ ”العونه" ذبيحةً بعد أن أكملوا له العمل وإن كان يسيراً، كل ذلك مرّ بالمزاح والتحدّي مما سهّل مشقّة العمل. ركّب الأولاد لوح الدراس الذي أعدّه أجدادهم وسحبهم الفدان طوال النهار على دائرة لا تنتهي يوماً بعد يوم حتى سحقت السنابل والقش، وبدأوا ينتظرون الريح المناسبة ”للتذريه" وبعد التذرية جُمع القمح في" صبّه "مباركة وكانوا يبدأون الكيل بكلمة” الله واحد" بعد أن أخرجوا" صاع الفتاحه" حيث أخذه أول الأطفال الحاضرين ليشتري الحلوى ”الكعكبان، الحلاوه، الراحه" ويطعم أترابه. تم نقل التبن الى التبان والقمح إلى الرف والكواير. انتهى موسم الحصاد والبيدر وارتاح الناس قليلاً حيث جاء موسم الزواج والضيفات الطويلة والسهر والسمر. وجاء موسم العنب والتين بعد أن تذوق الناس طعم المشمش الذي يحضره البائعون على الحمير من ريمون ”الدّوارون" كما أن الأرض المعدّة للخضره "المقثاه" جاءت بالبطيخ والشمام والفقوس والبندورة والكوسا. سئم الأولاد قلاية البندورة وحوسة الكوسا ولكنهم أحبوا البندورة مع لحم الحجل حيث نشط الصيّادون لصيد الحجل والأرانب حتى جاروا في الصيد أيما جور بعد أن انقرضت الغزلان من وادي الشام بجهل الصيادين. اشتاق الناس إلى الرمان فتوجهوا إلى راجب لمقايضة القمح بالرمان ومن النساء من ادّخرت بعض حبّات الرمان لموسم الشتاء. راحت النسوة كالمعتاد إلى ”المحافير" فأحضرن البياض وبيّضن بيوتهنّ وخلطن بعض النيله للزخرفة فصارت جميلة بعد أن كانت سوداء من الدخان. كان عملهن تعاونيّاً في البياض وعند تطيين البيوت استعداداً للشتاء القادم حيث كن يجتمعن كل يوم عند إحداهنّ وبعد العمل يتناولن طعام الطّيانات وهو مصنوعٌ من القمح واللبن، كان الله في عونهن لم يتذمّرن أبداً، كان الرجل والمرأة يتصرّفون ضمن برنامج جبلوا عليه لم يفكّر أحدٌ في تغييره كالنحل والنمل. وصف الأعراس "أعبر الفلاحون الحبوب" وضعوا الحبوب في مكان مناسب داخل البيوت، وجاء الوقت الذي انتظروه طويلاً، موسم الخطبة والزواج، وتبدأ بالطلبة حيث تتوجّه الجاهة وعلى رأسها وجوه الفريحات من نجده والحسينيات والجزازة يرافقهم أهل العريس ذكوراً وإناثاً ومعهم الذّبائح، يأتي ساقِ القهوة فيتعازم الوجوه على الفنجان وأخيراً يستقرّ بيد أحدهم ولعلّه أكبرهم سناً أو قدراً أو يكون غريب جدير بالإكرام فيضعه أمامه ممتنعاً عن شربه إلا بعد نوال مطلبه. يطلب البنت المصونة فلانه بنت فلان على سنة الله ورسوله وعادات الناس وهنا غالباً ما يوافق ولي العروس على شروطٍ معينه، تبدأ الجاهة بتخفيف الإلتزام المادي على العريس إكراماً للجاهه، وقد يكون المأذون حاضراً فيذهب لتوكيل من ينوب عن العروس في العقد فيقال:" وكّلت” وتتعالى الزغاريد ويعقد العقد وترمى الحلوى للصغار وتُقدم للحضور فيذبح أهل العريس الذبائح فيطبخوها فتقدّم طعاماً للغداء ويعود الجميع جذلين مسرورين. قد تطول الخطبة لسنوات وقد تقصر لأسابيع حيث يحدد موعد الزواج، ويقوم أهل العروس بشراء” الكلفة" لابنتهم من ذهب ولباس وأثاث من المهر الذي تم قبضه سواء كان نقداً أو ارضاً أو ماعز. وقبل الزواج بأسبوعين تقام الدّبكة حيث يجتمع أهل القرى للمشاركة في الأفراح، ويحضر الشباب الدبكة سيراً على الأقدام من القرى الثلاث، وفي آخر الليل يتناولون طعام العشاء ثم يعودون في اليوم التالي، وذلك في كل يوم حيث يضاء ”اللوكس" وتشعل النار وترش الأرض بالماء حتى لا يكون غبار، وفي اليوم الموعود تنطلق ”الفارده" على الدواب تتقدّمها الخيل إلى بيت العروس، يسوقون الذبائح بعد أن أرسلوا النساء في الليلة السابقة لإجراء مراسم الحنا. يصنع أهل العريس الطعام وبعد الطعام يطلبون العروس بأدبٍ جم وكثيراً ما كان هناك مطالب مثل” عنزة الشباب” و” عباءة الخال” وأخيراً يذهب ولي أمر العروس وخالها إلى مصمد العروس فيدثرونها بعباءة وتختلط أصوات الزغاريد بأصوات البكاء ”فتطلع العروس" وتسلم إلى والد الزوج، فتطلق الأعيرة النارية وتركب العروس الفرس تتوسط الفاردة يقود الفرس ”عبد" ثم تسير حتى تصل الى مقربة من بيت العريس فيعترضها أحد الكرماء ويستضيفها إلى اليوم التالي، وفي اليوم التالي وبعد وليمة كبيرة يزف العريس إلى الحمام ”أحد الآبار أو الينابيع" فيستحم عارياً بين أقرانه أشارةً لكمال رجولته التي لا تخفى ويصب عليه الطيب، ثم يعودون به وسط الأهازيج إلى أحد البيوت المجاورة حيث تتم عمليّة النقوط على رؤوس الأشهاد، تحضر العروس قبل الغروب إلى بيت الزوجيّة ثمّ يزف الزوج وسط الزغاريد والأهازيج وإطلاق النار إلى بيت الزوجيّة حيث يفاجئه أقرانه قرب الباب بالعصي” المطارق" فيضربوه بها فيجري راكضاً إلى الباب وسريعاً يدخل بين النساء ويقف على مكان مرفوع بجانب العروس فيرجع الشباب عن الباب ويستمر غناء النساء وسبب ذلك الضرب هو جعل العريس يتغلّب على حياءه حيث لم يقترب من أنثى في حياته، وبعد أن تؤدي النساء الغناء تعلن والدة العريس أن الوقت قد حان لترك العريسين وحيدين فيخرج الناس ويغلق الباب ويكون اللقاء الذي أحلّه الله. وفي اليوم التالي يعود الناس لتقديم التهاني وأكل ”فطيرة البخت" التي تصنعها أم العروس ويشتركون ببعض الألعاب المسليّة كالرماية والسباق، وما هي إلا أسابيع أو أيام حتى تكون العروس مشاركة مع العائلة في إحضار الحطب وتطيين البيوت استعداداً لموسم الشتاء. من هنا قديم، من هنا قديم، من هنا قديم، من هنا قديم، من هنا قديم، من هنا قديم، من هنا قديم، من هنا قديم، == تاريخ قبيلة [[الفريحات]] الحديث <ref>آثار أقدام، جاسر فريحات 2010</ref> == يبدأ التأريخ الحديث لقبيلة الفريحات من تاريخ وصول جدهم فريح الى جنوب بلاد الشام، حيث وصل [[فريح]] إلى نهر [[الزرقاء]] بعد طول سفر وعناء ضمن إخوة ثلاثةٌ هم فريح وفرح ومقداد شربوا من عذب الماء واستظلوا بوارف الظلال وحطوا الرحال تاركين خلفهم بلادهم إلى غير رجعة؛حيث أُجلوا عن بلادهم مرغمين ولحكم العادات خاضعين ، لا أمل لهم بالعودة إلى [[اليمن]] موطن الأهل ومرابع الصبا؛فهناك دمهم مهدور لِدمٍ طوق أعناقهم وفرض عليهم الجلاء مدى الحياة وكانت هذه العادة حكماً صارماً يطبق على من سفك دم قريبٍ له ، ولم يكن العرف يكتفِ بجلاء الجاني ولكن إخوتهُ يجلون معه وهذا هو العرف السائد آنذاك في اليمن ،وهذا ما أخرجهم من بلاد اليمن إلى بلاد الشام . وقد قيل في المثل "[[الشام]] شامك لو الزمن ضامك" وقد كان جلاءهم من [[اليمن]] لقتل أحد بني عمومتهم ،لذلك تركوا الأهل والمال نزولاً على العرف السائد ، وجلوا إلى بلد لا يسمع لهم فيها ذكر ، ولا يصل إليهم منها خبر. كانوا في حزن شديد لِما تركوا وراءهم من بلادٍ عزيزةٍ وأهلٍ كرام. وبعد هذا السفر والتعب وبعد أن وصلوا إلى مأمنهم واطمأنت نفوسهم ؛انتابتهم الحيرة إلى أين يذهبون؟ أيتفرقون خوفاً من طالبي الثأر؟أيقطعون الشريعة غرباً؟ أيسيرون إلى دمشق حاضرةُ الشام؟؟ === لقاء عند مصب النهرين === هناك عند ملتقى النهرين، نهر [[الزرقاء]] ونهر [[الاردن،]] وعلى تقاطع طرق القوافل التجاريةِ بسطوا أمرهم وتضاربت آراؤهم ، فمنهم من تعب من المسير وأراد الاستقرار وأعجبته البلاد ورأى أنها وطن جديد بديلٌ عن وطنهِ؛ذلك هو رأي فريح الذي أعجب بنهر [[الأردن]] و[[غور الأردن]] فالبلاد خضراء، والماء عذب وافرٌ،والدولة غائبة،البلاد تسكنها قبائلٌ رحّل فيهم كرم العربِ ومن الممكن أن يلتطوا إلى قبيلةٍ من قبائل [[الأردن]] المتحاربة التي أتعبتها الثارات. تصافحوا ، تعانقوا ، توادعوا وتفرقوا هناك على ملتقى النهرين عندالشريعة في غور الأردن ، حيث قصد كل واحدٍ الطريق الذي هداهُ الله إليه ليكوّن كل واحدٍ منهم عشيره.قطع فرح النهر إلى [[فلسطين]] ، وتابع مقداد المسير قاصداً [[بصرى الشام]]. === فريح يبحث عن ملجأٍ منيع === ودع فريح أخويهِ عند مصب نهر [[الزرقاء]] بالشريعةِ واتجه شمالاً يرود وطنه الجديد.وفي سياحته التقى الرعاة على عيون الماء وفتح أذنيه لما يتردد من الأخبار، وسار من مكان إلى مكان وجالس الرعاة،فأكل من خبزهم وشرب من لبنهم ،وكان حريصاً على إخفاء أصلهِ و فصلهِ وتفاصيل الأحداث التي مرت بهِ. وقاده ترحاله إلى جبل [[عجلون]] الذي ذكرهُ بلادهُ في علوِّ جبالها وصعوبة مسالكها ،وقد أعجبه منعة جبل عجلون ؛حيث رأى فيهِ جبلاً عصياً على طلاب الثأر،هذا بالإضافة إلى ما حبا الله به جبال [[عجلون]] من الغابات الكثيفة والماء والخضرة،فاطمأنت إليه نفسه، ووجد ضالته وقصد عيون الماء من جديد ليشرب الماء الزلال ويتبين أحوال البلاد وسكانها وأخبار شيوخها وأحوالهم من طيب وكرم وحسب ونسب، وكان يبحث عن شيخ كريم يلجأ إليه،وكانت أخبار الشيخ حمد الخطابي يتداولها الناس، كان معروفاً كنار على علم .فحل عليهِ ضيفاً وقصده دون مشايخ البلاد لما وصله من حسن سيرتهِ وكرمهِ،وفعلاً وجد ما قيل عنه من أخبار صحيح فهو كريم وحكيم ذو فراسة فارتاحت نفس فريح وقرر أن يعمل لدى الشيخ ولو على (مؤنتهِ). ==== فريح قهوجي ==== ==== فريح"شويّر" ==== === الشيخ سعيفان === على أطراف [[غور الأردن]] === علوِّ شأنِ الشيخ حمد === ==== المرسال ==== ==== عرب الشيخ حمد ==== ==== بنت الشيخ==== ==== حمد يستشير فريح ==== ===== الاستعداد ===== المقال تحت الاعداد، هناك إضافات قادمة .......... == مراجع == {{مراجع}} [[تصنيف:قبائل عربية قديمة]] [[تصنيف:قبائل يمنية]]'
نص الويكي الجديد للصفحة، بعد التعديل (new_wikitext)
'== أصل قبيلة الفريحات == تشير الدلائل المحكية واستقراء اللهجة والعادات والتقاليد ولون السحنة لمنتسبي القبيلة الى أن جذورهم القديمة من [[اليمن]]، وأن أسلافهم قد هاجروا (لأسباب تكاد تكون مجهولة) الى [[جزيرة العرب]] و[[العراق]] و[[الشام]] ضمن الهجرات المتتابعة التي حصلت على مدار الألفي عام الماضية. وفيما يلي سرد لبعض هذه الدلائل والمؤشرات. === بلاد اليمن السعيد === [[اليمن]] جنة الدنيا وعلى اسمها ورد اسم [[جنات عدن]]، وفيها [[سد مأرب]] والجنتين المذكورتين في [[القرآن الكريم]]، منها تفرق [[العرب]] في الأرض بعد انهيار السَّد، وإليها دخل [[الإسلام]] سلماً في عهد النبي محمد ـ صلى الله عيه وسلّم ـ، وكان معلمهم وقاضيهم الصحابي الجليل [[معاذ بن جبل]] ـ رضي الله عنه ـ، وفيهم قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ" الأيمانُ يمانٍ والحكمةُ يمانيه" فاليمن معدن العرب الأول منها خرج عرب الجزيرة العربية والعراق والشام و[[مصر]] و[[السودان]] بعد أن تطبعوا بالكرم والشجاعة والنخوة، ثم من الله عليهم بالإسلام فأكرمهم الله بالتقوى” إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. ثم كانوا بعد ذلك حاملين راية الإسلام للعالمين، فكانت رسالة الإسلام لهم تاجاً وعزاً وبركةً، فإن يفخر العربي ففخره الإسلام ولا انفكاك بين العروبة والإسلام ”إنا أنزلنه قرآناً عربياً"<ref>القرآن الكريم: سورة يوسف 2</ref>، وإذا ذلَّ العرب ذلَّ الإسلام وهذا ما نقرأه من التاريخ. أما اليمن فمن انتسب إليها فقد انتسب إلى أصل العرب الذي لا يشوبهُ شائبةٌ، أما باقي العرب وإن كانوا من أصلٍ يمني إلا أنهم اختلطوا بالأمم شأن أمم الأرض فنادراً ما كان هناك عرقاً نقياً. فأهل اليمن هم الأصل والمنبع ومعدن العرب وإلى اليمن يعود نسب عشيرة الفريحات. === قبيلة كنده === كنده قبيلة عريقة من أمهات القبائل العربية، ورد ذكرها في كتب التاريخ والأدب. انتشرت بطون كنده من سبأ إلى [[حضرموت]] ثم إلى نجد ثم انتشرت في موجات الفتح الإسلامي إلى ما شاء الله أن تصل، وكان لكنده مملكة في نجد وشمال الجزيرة العربية، ومن ملوكها عمرو المنصور بن حجر والحارث طلبان بن عمرو وذلك في القرن الخامس الميلادي. ومن أعظم شعراءها [[امرؤ القيس]] صاحب المعلقة المشهورة التي هي من روائع ما قالت العرب وقد كان لكنده نصيب ودور في الدعوة الإسلامية حيث كان منها نفر من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ، ومنهم الأشعث بن قيس ـ رضي الله عنه ـ الذي أرسله الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى [[حضرموت]] داعياً إلى الإسلام حيث قدم مسلما في وفد كنده بين يدي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. كما كان لكنده نصيب من أهل الشعر والفكر حيث ورد ذكر أحمد بن الحسين الكندي [[ابو الطيب المتنبي]] والشاعر الأموي [[المقنع الكندي]] والوزير المعروف عند الدولة الأموية [[رجاء بن حيوه]] وزير [[سليمان بن عبد الملك]] وخلفاء بني أميه. ولعل أهم ما يربطنا بهذه القبيلة العريقة هو أنها أنجبت فيما وردني الفارس المقدام الصحابي الجليل ([[المقداد بن الأسود الكندي]]). ===المقداد بن عمرو بن ثعلبة=== هو المقداد بن عمر بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة، وهو مخضرم (عاش في فترة الجاهلية والإسلام) واشتهر بالمقداد بن الأسود الكندي وذلك لتحالفه مع الأسود وتبنيه له، ولما حرم الإسلام الدعوة لغير الآباء وإبطال التبني ترك شهرته وعاد لاسمه المقداد بن عمرو رضي الله عنه كان من كبار الصحابة هاجر في السنة الأولى للهجرة وكان فارسا مقداماً، حتى عدّوهُ بألف فارسٍ. وذلك لتأثيره المعنوي الكبير في الجند، وكان مما ورد في السيرة النبوية أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة بدر قال (أشيروا علي أيها الناس، فسكتوا، فقام المقداد وقال: يا رسول الله والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، بل اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، والله لو سرت بنا إلى برك الغماد (موضع في الحبشة) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه) فدبّ الحماس بالصحابة حتى قام (سعد) فقال قولا جميلاً ينوب به عن الأنصار منه (والله يا رسول الله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد) فكبّر المسلمون وساروا إلى (بدر) وكان يوم الفرقان، فكان المقداد ـ رضي الله عنه ـ بدرياً من كبار الصحابة وقد سمي بفارس الرسول(ص)، وسمي بحارس الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان على رأس فتح مصر مع عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ وكان ملازماً طائعاً لأوامر الخلفاء الراشدين ومحباً لعلي ـ كرَم الله وجهه ـ. ومن طرائق المقداد أنه انضم يوماً إلى أهل الصفة فلم يكن له أهل في المدينة المنورة، وكذلك كان أهل الصفة من فقراء المسلمين يأوون إلى المسجد يرعاهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا لا هم لهم إلا الإسلام ينامون وأيديهم على مقابض سيوفهم لا يشغلهم شاغل من أهل أو مال أو ولد. وكان الأنصار يكرمون الرسول الكريم باللبن والطعام وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجالسهم ويقدمهم على نفسه بالطعام وكان يشرب آخرهم.وفي ليلةٍ تأخر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند بعض الأنصار لشأنٍ بينهم، وكان قد أُهدي إلى رسول الله قدح من اللبن وتأخر ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يكن لأهل الصفة أن يشربوا اللبن بغياب نبيهم تأدباً واحتراما فناموا بعد أن طال انتظارهم ولكن المقداد لم يستطع النوم لشدة الجوع وطال انتظاره، فقال في نفسه:الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند انصاره ولابد أن يناله شيء من الطعام عندهم فاشتد جوع المقداد فشرب قدح اللبن. وعاد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكشف غطاء القدح فوجده فارغاً فدعا لمن أطعمه وسقاهُ لعلمهِ أن أحداً أهدى إليه ذلك اللبن. كان المقداد مستلقياً وخاف أن يدعو عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيهلك ولكنه بدلاً من ذلك سمع دعاء الرسول لمن اطعمه وسقاه وعلم أن رسول الله جائعٌ وأحب أن يفوز بدعوته فأخذ مديَته وقصد بُهيمةً كانت لآل محمدـ صلى الله عليه وسلم أراد ذبحها وإطعام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإذا بها حافلة باللبن فترك ذبحها ووجد إناءً لآل محمدٍ ما كانوا يطمعوا أن يحتلبوا بهِ يوماً فحلب الشاة حتى امتلأ الإناء بالبركة حتى أنه لا يتسع اللبن، وعاد الى رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ باللبن، أيقظ الرسول أهل الصفة ولم يكن ليشرب من دونهم، شربوا جميعاً حتى ارتووا وشرب المقداد ثم رفع رسول الله القدح إلى فيه وسمى الله وشرب حتى ارتوى. فدهش المقداد مما رأى من البركة في القدح المملوء من شاةٍ لا تحلب، فسر وضحك حتى مال على جنبه من الضحك.فقال له صلى الله عليه وسلم إنها لإحدى سؤاتك يا مقداد، فذكر له أمر البركة ودعاء الرسول لمن أطعمهُ، وكيف أنه طمع بدعاء الرسول له والحمد والثناء لله أولاً وأخرا. في هذا الحديث الطريف ما يدل على حب المقداد للمبادرةِ وسرعة التصرف، كما كان ذلك في رده على الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قبل معركة بدر وهو شخص واحد بعيد عن عشيرتهِ، وكيف أنه قام وتكلم باسم أصحابهِ دون أن يقدموه فكان منه أن حمسهم للجهاد فكان رأيهم هو رأيهُ. ولذلك لا عجب أن نرى في انتسابنا للكندي الأسود المقداد بن عمرو ما يشرف عشيرة الفريحات فنعم الجد هو، وهذا الانتساب إلى الأسود الكندي أو الكندي الأسود هو كلام جدي عبد الحميد رحمه الله. === الهِيــــب === قبيلة عربية متفرعة من كنده ولا يزال لها وجود في الجزيرة العربية، وقد ورد في بعض المصادر أن" فريح” وهو جدُ الفريحات كان من الهيب لكنني لم أسمع ما يؤكد ذلك في مجالس الفريحات القديمةِ، وإن صار هذا الأمر متداولاً في هذه الأيام، وقد شاهدت في مكة المكرمة والمدينة المنورة من ينتسبون للهيب على يافطاتهم التجارية. == فريح في جبل عجلون == قبل قرابة أربعمائة عام، وصل فريح إلى نهر الزرقاء بعد طول سفر وعناء إخوة ثلاثةٌ هم فريح وفرح ومقداد شربوا من عذب الماء واستظلوا بوارف الظلال وحطوا الرحال تاركين خلفهم بلادهم إلى غير رجعة، حيث أُجلوا عن بلادهم مرغمين ولحكم العادات خاضعين، لا أمل لهم بالعودة إلى اليمن موطن الأهل ومرابع الصبا، فهناك دمهم مهدور لِدمٍ طوق أعناقهم وفرض عليهم الجلاء مدى الحياة وكانت هذه العادة حكماً صارماً يطبق على من سفك دم قريبٍ له، ولم يكن العرف يكتفِ بجلاء الجاني ولكن إخوتهُ يجلون معه وهذا هو العرف السائد آنذاك في اليمن، وهذا ما نقلهم من بلاد اليمن إلى بلاد الشام. وقد قيل في المثل ”الشام شامك لو الزمن ضامك" وقد كان سبب جلاءهم من اليمن قتل أحد بني عمومتهم، لذلك تركوا الأهل والمال نزولاً على العرف السائد، وجلوا إلى بلد لا يسمع لهم فيها ذكر، ولا يصل إليهم منها خبر. كانوا في حزن شديد لِما تركوا وراءهم من بلادٍ عزيزةٍ وأهلٍ كرام. وبعد هذا السفر والتعب وبعد أن وصلوا إلى مأمنهم واطمأنت نفوسهم، انتابتهم الحيرة إلى أين يذهبون؟ أيتفرقون خوفاً من طالبي الثأر؟ أيقطعون الشريعة غرباً؟ أيسيرون إلى دمشق حاضرةُ الشام؟؟ هناك عند ملتقى النهرين (نهر الزرقاء بنهر الأردن) وعلى تقاطع طرق القوافل التجاريةِ بسطوا أمرهم وتضاربت آراؤهم، فمنهم من تعب من المسير وأراد الاستقرار وأعجبته البلاد ورأى أنها وطن جديد بديلٌ عن وطنهِ، ذلك هو رأي فريح الذي أعجب بنهر الأردن وغور الأردن فالبلاد خضراء، والماء عذب وافرٌ، والدولة غائبة، البلاد تسكنها قبائلٌ رحّل فيهم كرم العربِ ومن الممكن أن يلتطوا (أي يلتجئوا) إلى قبيلةٍ من قبائل الأردن المتحاربة التي أتعبتها الثارات. جلس الثلاثة اللذين ورثوا حكمة أهل اليمن وفكروا ملياً، ورأوا في بقائهم مجتمعين مخاطر باستئصالهم وانقطاع نسلهم فقد كانوا ثلاثةٌ غرباء ومن الصعب أن يلجأ ثلاثةٌ إلى قبيلةٍ واحدةٍ بوقتٍ واحدٍ خاصةً وأن طالبي الثأر يتسقطون أخبارهم ومن الصعب تظليلهم عن الثلاثة. فقرروا التفرق في بلاد الله لعل في ذلك نجاةٌ لبعضهم أو لكلَهم من طالبي الثأر اللذين يقتفون آثارهم.كما أن ذلك أفضل حيث أن كل واحدٍ منهم أمير نفسهِ وخطيئتهُ برقبتهِ. تصافحوا، تعانقوا، توادعوا وتفرقوا هناك على ملتقى النهرين عند الشريعة في غور الأردن، حيث قصد كل واحدٍ الطريق الذي هداهُ الله إليه ليكوّن كل واحدٍ منهم عشيرة. قطع فرح النهر إلى فلسطين، وتابع مقداد المسير قاصداً بصرى الشام. وبحسب معطيات الحال الأمني في ذلك الوقت، أخذ فريح يبحث عن ملجأٍ منيع. ودع فريح أخويهِ عند مصب نهر الزرقاء بالشريعةِ واتجه شمالاً يرود وطنه الجديد. وفي سياحته التقى الرعاة على عيون الماء وفتح أذنيه لما يتردد من الأخبار، وسار من مكان إلى مكان وجالس الرعاة، فأكل من خبزهم وشرب من لبنهم، وكان حريصاً على إخفاء أصلهِ وفصلهِ وتفاصيل الأحداث التي مرت بهِ. وقاده ترحاله إلى جبل عجلون الذي ذكرهُ بلادهُ في علوِّ جبالها وصعوبة مسالكها، وقد أعجبه منعة جبل عجلون، حيث رأى فيهِ جبلاً عصياً على طلاب الثأر، هذا بالإضافة إلى ما حبا الله به جبال عجلون من الغابات الكثيفة والماء والخضرة، فاطمأنت إليه نفسه، ووجد ضالته وقصد عيون الماء من جديد ليشرب الماء الزلال ويتبين أحوال البلاد وسكانها وأخبار شيوخها وأحوالهم من طيب وكرم وحسب ونسب، وكان يبحث عن شيخ كريم يلجأ إليه، وكانت أخبار الشيخ حمد الخطابي يتداولها الناس، كان معروفاً كنار على علم. فحل عليهِ ضيفاً وقصده دون مشايخ البلاد لما وصله من حسن سيرتهِ وكرمهِ، وفعلاً وجد ما قيل عنه من أخبار صحيح فهو كريم وحكيم ذو فراسة فارتاحت نفس فريح وقرر أن يعمل لدى الشيخ ولو على (مؤنتهِ). === فريح قهوجي ثم شوير === حل فريح ضيفاً على الشيخ حمد الذي عرف من حال هذا الشاب وهيئته ولهجته أنه غريب من بلادٍ بعيدةٍ وأن له شأنٌ وقصه، ولكن لم تكن المروءةُ تسمح لهُ أن يستجوب ضيفهُ أو يسألهُ حتى انقضت مدة الضيافةِ ثلاث أيام وثلث بحسب العادات السائدة. كان الشيخ ذو فراسة وخبرة بالرجال وكانت الحال أفصح من المقال وخلال أيام الضيافةِ لفت انتباه الشيخ لباقة فريح وفصاحتهُ فعلم من حديثه وأخباره أن هذا ليس راعياً ولا صانعاً بل هو من أبناء الشيوخ وعليةَ القوم. وبعد مرور ثلاث أيام توجه فريح إلى الشيخ وشكا له الحال وغربة الديار وقال: يا شيخ أريد أن أكون منكم والتطي بكم وأنعم بجيرتكم وأبحث عن عمل أعتاش منه بينكم فرحب به الشيخ ووكله بأمر القهوة والترحيب بالضيوف والقيام على خدمتهم. في ديوان الشيخ كان عمل فريح ”قهوجي" يعد القهوة ويدور بها على الجالسين ويجلس بقربهم ويسمع كل شاردة ووارده فتعلم بوقتٍ غير طويل عن أحوال البلاد وأخبارها وتحالفاتها ورجالها ما كان يحتاجُ سنين ليعرفه خارج مجلس الشيخ حمد. كان فريح في مجلس الشيخ قهوجي، ولكنه كان يشاركُ في الحديث ويبدي رأيه في بعض المسائل المطروحة من أحوال العرب. ورويداً رويداً أحبه الشيخ حمد ورأى فيه صاحب عقلٍ وخبرةٌ وفصاحةٌ ونباهةٌ وسرعةُ بديهة، وكان معجباً بأحاديثهِ الغير مألوفةِ في هذه البلاد، وصار يستشيرهُ في بعض الأمور، فوجد فيه صاحب نظرٌ ثاقب، وصاحب رأيٍ صائب، فصار مستشاراً لهُ أمين على أسرارهِ لا يقطع بأمرٍ ذو شأنٍ إلا بعد مشاورتهِ وقرّبهُ إليهِ حتى صارَ قريباً منهُ كأحد أفراد عائلتهِ وصار موضع ثقتهِ. وخلال سنوات قليله ارتفعت مكانةُ الشيخ حمد وطار صيتهُ بين القبائل وسارت بمدائحهِ الركبانُ شعراً ونثراً وعلا شأنهُ وأكل الغيض قلوب حساده الذين رأوا في مدحهِ ذماً لهم وفي علوِّ شأنهِ لهم هبوطاً، وذلك كلهُ بفضل ”الشويّر" فريح الذي يعد قهوة الشيخ ويسمع ما يدور من الألفِ إلى الياء ثم يقدم مشورتهُ إذا طلبها الشيخ، وكان الشيخ حمد من اللذين يشاورون في أمرهم ”وأمرهم شورى بينهم" وبذلك علا حمد على أقرانهِ وشيوخ زمانه ِ إلى أن كادهُ حسادهُ ومكروا بهِ ووضعوهُ في ورطةٍ عظيمةٍ لم يجد لها مخرجاً فلجأ إلى فريح لما علم عنهُ من حسن تدبيره. ===قصة الشيخ سعيفان=== على أطراف غور الأردن كان الشيخ” سعيفان” شيخ” المشالخة" في عزةٍ وأنفةٍ وكبرياء، وكان هو الآمر الناهي في قومهِ اللذين اتسموا بالقسوةِ والجهل والطاعة العمياء لشيخهم. وقد طغى أمر هذه العشيرةِ فتكبروا وتجبروا واعتدوا، لم يقيموا للجوارِ حساباً ولا للدينِ باباً، همهم إخضاع القبائل لزعامتهم ينهبون البلاد ويذلون العباد، يفرضون الخاوة على من طاوعهم ويحاربون من مانعهم. كان مما درج عليه ”سعيفان ”أن يذلَّ من ساماهُ من الشيوخ وتجرأ عليهِ وقد عرفَ بطريقةٍ فريدةٍ لفعلِ ذلك لعلها كانت من ابتكاراتهِ اللئيمةِ، وغني عن البيان أهمية العرض عند العربان، وقد كان من أمرهِ إذا أحس بتململ أحد الشيوخِ وشك في خروجهِ عن طاعتهِ أن يرسل إليهِ مرسالاً يأمره بتجهيز ابنته عروساً للشيخِ سعيفان ويرسلها إليهِ في مدة شهر و إنّ على من يرد طلبهُ للمصاهرة أن يتحمل عواقب أمرهِ ولا يلوم إلاّ نفسه ولذلك كان الشيوخ حريصونَ على إرضاءهِ خوفاً من بطشهِ بهم أو أن يذلهم في عرضهم فالعربي لا يزوجُ ابنته رغماً عنها و عنه والموتُ عليهِ أهونْ. بمساعدة فريح علا شأن الشيخ حمد وسمعت بكرمهِ ورجاحةِ عقله وحسن تدبيره باقي العشائر وبمدحهِ نطقَ الشعراء وجروا الربابات وصار حديثُ السمر. كل ذلك كان يتناهى إلى مسامع سعيفان من الشعراءِ والخطار والدواجين فخاف أن تفلت الأمور من بين يديهِ وأن يعلو شأن حمدٍ عليهِ وقررَ معالجةِ الأمر على طريقتهِ المعهودةِ بإذلالِ الشيوخِ بالمصاهرةِ القسريةِ، فانتدبَ أشد رجالهِ ليكونَ مراسلاً لهُ إلى الشيخِ حمد وأمره أن يحذرهُ سوءَ الرد والأمرُ على محمل الجد وطلبَ سعيفان أن لا يردُ كلُ ذلكَ كانَ بدونِ علم من الشيخ حمد الذيكانَ رجلاً لا يحبُ سفك الدماءُ ولا الاعتداء، كانَ عزيزاً في دياره أمنا في سربه مع سعةٍ في الرزق وطراوةٍ في العيش في أمنٍ وسلام بين أهلهِ وربعه. في يوم عادي وبدون أية مقدمات، عكر صفو الشيخ حمد وصول ثلاثة فرسان حاملين السلاح لم يترجلوا عن خيولهم، تقدم أحدهم برسالةٍ شفويةٍ من الشيخ سعيفان للشيخ حمد” جهِّز بنتك عروس للشيخ سعيفان وطلب الشيخ ما بنرد، ونعود بعد ثلاثة أيام نأخذ الرد". هكذا وبكل وقاحة حتى أنهم لم يترجلوا ويشربوا القهوة كعادة العرب التي هي دليل على المودة وعدم شربها ينطوي على شر عظيم وأمر خطير. الشيخ سعيفان لم يقم لرأي الشيخ حمد وابنته وعشيرته أية قيمة، إنه الخضوع المذل أو الحرب الغير متكافئة. كان حمد مبهوتاً، كانت عدته ورجالهُ لا تؤهله لمحاربة المشالخة اللذين هم أضعاف أضعاف جماعته، وكانت إجابة طلب سعيفان أمرُّ من الموت. هذا ما أراد سعيفان، أن يذل حمد كما أذل غيرهُ من الشيوخ ويخضعهُ وقومهُ لسلطتهِ أو أن يجعل ذلك سبباً يشتت بهِ عرب الشيخ حمد وربما يقتلهُ ويأخذ ابنتهُ سبيه لكي تسمع باقي البلاد بما جرى فلا يرفعون رؤوسهم أبداً. وقع نبأ طلب سعيفان على حمد وعربه وقع الصاعقةِ ووضعهم بين أمرين” أحلاهما مرٌ"، وما هي إلا دقائق حتى توافد عرب الشيخ حمد إلى” شقهِ" مشدوهين مما سمعوا، فَعَلت أصواتهم واحتاروا بأمرهم وبدا نقاشهم فوضوياً، كلٌ يكلم الآخر فمنهم من يهدد ويتوعد، ومنهم الذي يثبطُ، وكان حمد أكثرهم حيرةً لأنهُ صاحبُ الكلمةِ الأخيرةِ التي يعتمدُ عليها في حياةِ قومهِ ومصيرهم، وكانت النساءُ في شق الحريم يسمعن ما يدور من حديثٍ. وبعدَ نقاشٍ طويلٍ في عرب الشيخ حمد، رجحت كفة اللذين يرون الاستجابة لطلب الشيخ سعيفان كما هو شأن غيرهم من عربان البلاد اللذين دفنوا رؤوسهم ذلاً بالتراب، وأبقوا على حياةِ قومهم وعللوا القبول بأنهُ قبول نسبٍ ومصاهرةٍ من شيخٍ معروف لا يقف له ولقومهِ أحد. وكانت بنتُ حمد تسمع ما يدور في مجلس أبيها لا تصدِّق ما تسمع، كانت فتاةً حرةً فخورةً بربعها وأهلها، تموت ولا تقبلُ الذلَّ لقومها فكيف إذا كانت هي السبب !، لسان حالها يقولُ” المنية ولا الدنية". وكانت بنت الشيخ حمد فتاةً جريئةً ذكيةً لم تكتفِ بلطم وجهها داخل شق الحريم بل خرجت حاسرة الرأس بجمالها الموصوف ووقفت أمام شقِّ أبيها المزدحم برجال قومها شبابهم وشيوخهم فنظرت إليهم شزراً كأنما كانت تخاطبهم عيناها ثم كشفت عن ساقيها وجلست القرفصاء جلسةَ من تقضي حاجتها، وكان ذلك تمثيلاً وذكاءً منها فنهض الرجالُ ينتهرونها وينعتونها بقلةِ الحياءِ والجنون فوقفت تخاطبهم بصوتٍ واضحٍ:" أنا لستُ بقليلة الحياء فالمرأةُ لا تخجل من النساء وأنا لا أخجل ولا أستحي من نساءٍ مثلي ولو كنتم رجالا ما صنعتُ ذلك أمامكم، ولو كنتم رجالاً ما هان عليكم عرضكم وما وهنت عليكم". سمع الناس هذه الكلمات فصاحوا” ألمينة ولا الدنية". "طاب الموت....طاب الموت". هكذا كان موقفُ بنت استطاعت بتصرف عفوي وبسيط أن تجعل من ربعها على رأيٍ واحدٍ، وهو أن طلب سعيفان مرفوضٌ،،،، مرفوض، كائناً بعد ذلك ما كان. أما حمد فطلب من قومهِ الهدوء ووعدهم بتدبير الأمر بأحسن تدبير، وكانوا يحترمونهُ ويطيعونهُ طاعةً عمياءً وعلى هذا انفض المجلس وعاد القومُ إلى بيوتهم. حمد يستشير فريح غادر رجال العشيرةِ يلهبهم الحماس مساءً إلى مساكنهم وخلا المكان إلا من حمد و فريح، وكما هي عادة الشيخ حمد استشار فريح بالأمر الجلل الذي دهمهم، فكان أن أخبرهُ فريح أنهُ واحِدٌ منهم يسوءهُ ما ساءهم ويسره ما سرَّهم... قال فريح: ”يا شيخ ولا تهتم الدبار عندي، الدبار عندي" ولكن لي شرط أن تطيعوا أمري ولا تسألوا عن سري فإن السِّر إذا تجاوزَ الاثنين ذاعَ وشاع". قبل الشيخ حمد بتدبيرِ فريح وأمرَ بطاعتهِ دون نقاش ودون الرجوع إليهِ وذلكَ لثقتهِ بإخلاصِهِ ورجاحةِ عقلهِ وحسنِ تدبيرهِ. قد علم حمد أن فريح من أبناء الأمراء أو كبار الشيوخِ لرؤيته الثاقبة ورجاحة رأيه، وأن الأيام عركتهُ وعلمتهُ أن فراستهُ لا تخطئه، وأن فريح لن يخذُلهُ وبعدَ ثلاثةِ أيام عاد الفرسان الثلاثةُ يريدون الرد فاستقبلهم حمد ورجالُهُ بالترحاب ( كما أمرهم فريح) وقالوا لهم: نسب الشيخ سعيفان شرف وطلبه مجاب وبعدَ شهرٍ من الآن سنأتيكم بالعروس” محفله مزفلة" مجهزه بجهاز يليق بعروس الشيخ سعيفان الذي سنأتي به من الشام وسنوافيكم بها بأنفسنا ونحتفل بزواج الشيخ معكم، فهذا نسبٌ يرفع الرأس وعاد المرسالُ مسروراً مفتخراً بما يحمل من أخبار يفرح لها سعيفان. تولى فريح أمر شراء السلاح ـ البواريد والرداني والسيوف، فكان كل من خط شاربه لديه بارودة وردنيه وسيف، وظبية ملح بارود اشتروها من الشام واشتروا جهاز العروس كتغطيه على سفرهم إلى الشام حتى لا يشك أحدٌ بزواج بنت حمد من الشيخ سعيفان. جمع فريح رجال العشيرة وغلمانها (كلُّ من خط شاربهُ) ورجالهُ كافةً، وشيوخها اللذين تثبتون على سرج الفرس، وكان ذلك تعبئه عامه وعلمهم مستعيناً بمن اختار منهم استعمال البارود وتعبئته والتسديد به وكانوا يتظاهرون بأنهم سيطلقون النار للاحتفال بالزواج المشهود. كان فريح على رأس هذا الاستعداد لا يضيعُ وقتاً فالوقت ثمين، أما حمد فكان يراقب عن كثب ما يقوم به فريح، ولم يخفى عليه أن فريح إنما يعدّهم ليوم حرب، لكنه وعده ألا يسأله عن سرّه. اطمأن على ما رأى وحمد الله أن يسّر له فريح وإلا لدخلوا حرباً بدون تنظيم ولا استعداد مع عدوٍّ جبّار ظالم، خاصةً أنه كبيراً بالسن ويحتاج إلى من يعتمد عليه مثل هذا الشاب ”فريح". ===تجهيز العروس=== جاء الميعاد المضروب، فتجهّزت العروس بأحسن زينة، وأعلن بين القبائل أنهم سعداء لمصاهرة الشيخ سعيفان، وأنهم لفرط سرورهم سيزفون إليه العروس ويحتفلون بالعرس. وما أن أشرقت الشمس حتى كانت العروس تتهادى في هودجها محاطة بفرسان عشيرتها يتقدَّمهم فريح قاصدين ديار المشالخة وفي الطريق انعطفوا إلى عين ماء كان فريح قد عرفه في طريق هجرته فشربوا وشربت خيولهم واستراحوا، وقبل أن يمتطوا خيولهم دعاهم فريح وأخبرهم بخطته المحكمة، قال لهم:" اليوم له ما بعده اليوم يومكم فإما أن تغيب شمسه وأنتم سادة البلاد وإما أن تكونوا مع الأموات" فحمسهم وأطلعهم على نيّته المبيتة وقال لهم:” ظهورها يا رجال، المنية ولا الدنية". في ذلك الزمان كانت البنادق بدائية، وكان يستعمل المدك لحشو البندقية بالبارود والرصاص فلكل بندقية طلقة واحدة ولكل ردنيّه ( بندقية قصيرة) طلقةٌ واحدةٌ ولابد من وقتٍ بعد إطلاقها ليعاد حشوها بالبارود من جديد وهذا الوقت غير متاحٍ في ظروف المواجهة المباشرة، بل العمل يكون للسيوف والرماح ولذلك كانوا حريصين أن لا تضيع طلقة سدى وهذا ما طلبه فريح منهم على عين الماء. خرج المشالخة مبتهجين بعرس شيخهم، بنادقهم تطلق النار وخيولهم تصافف خيول عرب الشيخ حمد في مهرجان احتفالي محتفلين بعرس شيخهم الذي وضعهم على رقاب الناس، أما الجموع التي يقودها فريح فلم تطلق رصاصة واحده فقد كانوا بانتظار الرصاصة الأولى من فريح ليفرغ كل واحدٍ رصاصته بمن جنبه بحيث لا تخيب رصاصة واحده. كانت عيونهم متسمرة على”فريح" الذي بدأ بالطلقة الأولى على من كان بجانبه، وتبعه الجميع كلٌ أطلق النار على من بجانبهِ في حين أن المشالخة كانوا قد أطلقوا نارهم في حفل الاستقبال، وليس لديهم الوقت ليعبِّئوا بنادقهم من جديد. وهكذا دارت عليهم الدوائر وقُتِلوا شر قتله، أما من فر فلحقوه بالسيوف والرماح ولم ينجوا من ذلك إلا طويلي الأعمار. لقد كانت العروس في هودجها طعماً أراده فريح يجتثُّ به سعيفان وربعه من البلاد، وبسرعة الرياح كان الفرسان يتسابقون إلى بيت سعيفان سيوفهم مشرّعةٌ متعطشةٌ إلى دمه. === نهاية المتجبر === شاهد سعيفان عاقبة ظلمهِ وتجبرهِ وما حلَّ برجالهِ، كما شاهد السيوف مصلته، والخيول مسرعةً تسابق الريح إليهِ، فأخذ رقبة الجمل ”كيس مملوء ذهباً مصنوع من جلد رقبة الجمل” وقفز إلى حصانه ِ واضعاً الكيسَ أمامهُ، وأخذ يعدوا بحصانهِ يطلب النجاة ويسابق الريح، ولكن إلى أين و فريح يصيح” وراه....وراه"، وأخذ الفرسان يعدون بالخيل خلفهُ لا يتركون له مجالاً للهرب، أما هو فكان في سباقٍ مع الموت، فقادهُ حصانهُ إلى حتفهِ حيث لم يجد خلاصاً من السيوف التي تطلبهُ إلا بالقفز عن طورٍ شاهقٍ على صهوة جوادهِ، وسريعاً ما وصل فريح ورجالهِ إلى" منط الحصان" هذا صار اسم المكان هو منط الحصان، وجدوا أن الحصان سقط عن مرتفعٍ شاهقٍ فدقَّ عنقَ سعيفان ووجدوا سعيفان ميّتاً تحت حصانهِ، فاستولى فريح على رقبة الجمل” كيس الذهب" وعاد إلى دياره الجديدة سعيداً هو وقومهُ” الجدد" يسوقون العروس في هودجها بالحداء والغناء حتى وصلوا ديار حمد، فاستقبلهم بالترحاب واستقبلتهم النساء بالزغاريد وعادوا منصورين غير مخذولين. == زواج فريح == ===(الرواية الأولى) بنت حمد=== عاد فريح بالغنائم التي غنموها والعروس في هودجها لم يمسها سوءٌ، وأمر الشيخ حمد أن تزفَّ ابنتهُ إلى فريح منقذها ومنقذ شرف عشيرته كان الشيخ حمد لا أولاد له وحضرهُ مرض الموت فأوصى بالشيخة من بعدهِ لزوج أبنته فريح وبذلك صارت الشيخة له عن حبٍّ ومودةٍ واشتهر باسم ”ابن فريح" انتساباً لأحد أجدادهِ في اليمن. ===(الرواية الثانية) زواج فريح زوجة حمد=== وعادَ فريح بالغنائم وأحتفل الشيخ حمد بالنصر على سعيفان، وكرّم فريح بأن أوصى لهُ بالشيخة من بعدهِ حيث كان الشيخ حمد قد أدركهُ الكبر وجاءه مرض الموت وبعد موتهِ آلت الشيخة إلى فريح حسب وصية حمد، وتزوّج فريح من زوجة الشيخ حمد التي كانت شابةً آنذاك على سنه الله ورسولهِ، وكان لحمد عدّة زوجاتٍ لم ينجبن لهُ أولاداً ذكور. وعلى أية حال فقد آلت شيخة عربان حمد إلى فريح الذي تجري بدمهِ الزعامةُ وحب الرياسة التي ربما كانت هي سبب خروجهِ إلى اليمن. وهيهات أن يعود إلى اليمن فقد قرر الاستيطان في عجلون وعاش في خربة الوهادنه بقيّة حياتهِ. ==زعامة ابن فريح== انتسب فريح إلى أحد أجداده في اليمن وكان سميُّه وأصبح معروف باسم ابن فريح. شاعَ صيتهُ في الأغوار الشمالية وشمال الأردن وجبال عجلون وصار من الأسماء اللامعةِ في جبل عجلون، وكان يتدخّل في حلِّ الخلافات التي تنشأ بين العشائر، وفي تلك الفترة كانت الدولة العثمانيَّةُ في أو ج مجدها وريعها وشبابها، ووجد والي الشام في فريح رجلٌ جدير بالاعتماد عليهِ، فدعاهُ وقرّبه إليه وأسند إليه مهمّة جمع الضرائب من جبل عجلون الذي كان يضم شمال سيل الزرقاء بما في ذلك قرى جرش وعجلون والكورة وإربد. كانت الضرائب عبارةً عن حبوب من القمح والشعير تورّد إلى مركز في درعا تجمع فيهِ الحبوب التي كانت مئونة للجيش العثماني الجرار الذي كان أقوى وأكبر جيش على الكرة الأرضيّة آنذاك. وهكذا استطاع فريح المهاجر الطريد بحنكتهِ وذكائهِ وخبرتهِ السياسيةِ السابقة في اليمن التي ورثها عن أباهُ أن يجد له مكاناً في جبل عجلون وأن يستفيد من الدولة العثمانية ويعتمد عليها في تقوية مكانتهِ بين مشايخ البلاد عامةً وجبل عجلون خاصةً. ===سنجق جبل عجلون ـ ابن فريح ـ=== كان فريح يجمع ضرائب الدولة العثمانيّة من عشائر عجلون والكورة وجنوب حوران من سيل الزرقاء إلى درعا، وكان هناك سندات تسليم لمخازن الحبوب وكان يكتب اسمهُ كدافعٍ للضرائب وهكذا دوِّن اسمهُ في سجلات الضرائب كأكبر دافع ضرائب في هذه المنطقة ـ وكانت هذه لعبة سياسية ذكيَّة ـ وفي الحقيقة كان عملهُ هو جمع الضرائب وإحضارها إلى درعا ولم تكن من ماله هو. أما الدولة العثمانية السنيّة في ديوان الباب العالي فقد رأت تكريم أكبر دافعي الضرائب لاعتماد جيشها على هذه الحبوب بجهادهِ الصليبيين في البلقان وشرق أوروبا وشمال أفريقيا، والصفويين في إيران، ومن المعلوم أن الجيوش تزحف على بطونها، وهكذا نُقش اسم" ابن فريح سنجق جبل عجلون" على اللوح النحاسي في ديوان الباب العالي في الأستانة مركز الخلافة والحكم، وقد جرت العادة عند العثمانيين توريث هذا المنصب في أبناء فريح من جيل إلى جيل مما جعلهم فيما بعد في الواجهة وفي مركز الأحداث المؤثّرة في المنطقة. وهكذا كان فريح يدير شؤون المنطقة بالنيابة عن الدولة وقد عقد تحالفات مع العشائر من حولهِ وحوّل العداوات التي بينها إلى صداقات ولم يعادي أي عشيرة في هذه البلاد. ولكن مع اتساع نفوذه وعلوِّ شأنهِ والتفاف العشائر حولهُ خافَ” الصخور" على مكانتهم فخرجوا عليهِ وقتلوهُ غدراً عام 1600م (1009هـ) دفن فريح في ”خربة الوهادنه" بعد أن وطّد الأمر لأولاده من بعدهِ وترك من الآثار والأخبار ما يسمر به الناس إلى يومنا هذا. وقد ورد ذكر فريح في سجلات الدولة العثمانيّة، ومن تلك السجلات سجل محمد خان سنه 1005هـ. == أبناء فريح == بعد فترة من وفاة فريح سكن أبناؤه قلعة صلاح الدين وأصبحت مقراً لزعامتهم ومنزلاً لشيخهم ومضافةً ومنتدىً لهم ومن القلعة تمّت إدارة منطقتهم بالتحالف مع عشائر البلاد الموجودة في ذلك الزمان. كان ديوان القلعة مفتوح الأبواب للخاصة والعامة يقصده الرعاة كما يقصده الباشاوات، وكان الحكم عثمانياً إلا أنه في جبل عجلون كان مبنياً على المودَّة والرّحمة والعدل للجميع. بعدَ أن كثرَ أحفاد فريح وذريّتهُ تطلّعوا إلى كفرنجه فسكنوها، ويقال أنهم أخذوها من أهل عنجرة فقد كانت من أراضي [[عنجرة]] على أن الأرض كانت أرضاً خراجيه ملك للدولة تعطيها لمن تشاء وتسلبها ممن تشاء حسب تغير الأحوال وعملوا كسائر السكان بزراعة الزيتون والكروم وتربية الأغنام والأبقار وتنافسوا في اقتناء الخيول الأصيلة، وأتقنوا الرماية وركوب الخيل وحافظوا على مكانتهم التي ورثوها عن آبائهم. ==تقسيم أفخاذ عشيرة الفريحات: الدار الشرقية والدار الغربية:== يبلغ عديد عشيرة الفريحات في الأردن لوحدها حوالي <ref>الرقم تقديري ومستقى من سجلات الانتخابات البرلمانية الاردنية للعام 2012 حوالي 12000 نسمة<ref>حسب تقديرات سجلات الانتخابات البرلمانية الاردنية لعام 2012</ref>. وقد تفرّع الفريحات جميعهم من” سليم ابن فريح" وكان له أربعة من الأبناء هم سلامه، عثمان، محمد، بركات، وكان منهم من سكن الدار الشرقية (في كفرنجه) ومنهم من سكن الدار الغربية، وقد تفرّعت الدار الغربية من” بركات” وأما الشرقية من ”سلامة". وعليه تقسم الفريحات الى فريحات الدار الشرقية وفريحات الدار الغربية. لم تكن الدار الغربية والشرقية في الأصل تعبيراً عن تسلسل في الدم بل كان البعد المكاني هو العامل المؤثر ولذلك نجد الآن من يقول بوجود الدار الوسط وهم بعض عائلات الفريحات التي كانت تسكن بين الشرقية والغربية. زعامات عشيرة الفريحات: مدفوعين بالقحط في سنين القحط كان أهل البادية يتجهون غرباً بحثاً عن الماء والكلأ وكانت حياة البادية قد طبعتهم على الخشونة والجفاء فكيف إذا زيدوا على ذلك الجوع. كانوا يندفعون إلى حوران فارين من الهلاك بمواشيهم التي هي حياتهم وكانت حوران خضراء خصبة مزروعة. والحبوب، وكانت حياة الفلاحين على الزراعة وكانت قطعان المواشي مؤذيةً لمزارع الفلاحين، بسبب ذلك كانت تنشب الحروب فكل طرفٍ لا يفكر إلا برزقهِ وقوتهِ، وكانت الغلبة للبدو حيث وصل الأمرُ أن البدوي يمرُّ على الحرّاث وهو يحرث فيقول أنا شريكك ويشاركهُ مجهوده بدون جهد سوى حمايتهُ من باقي البدو وكثيراً ما لجأ أهل حوران إلى جبل عجلون فارّين بمؤنهم وأرواحهم. أما البدو فكانوا يتسمرون أمام عظمة الجبال المغطاة بالغابات الكثيفة ووحشتها، وكانوا يخشون الرصد خلف الصخور والأشجار. كما كان جبل عجلون مليء بالوحوش والذئاب والضباع، وكانوا يخشون ذلك على قطعانهم، كانوا يأكلون الأخضر واليابس ثم يعودوا إلى بلادهم ويعاودون الكرّة عند كلِّ سنه قحط والجوع كافر، وكانوا يسمون جبل عجلون ”خشم النمر" فلا أحد يضع كفّه عليه. وبنفس الوقت كانت سلطة الدولة العثمانية ضعيفة على منطقة بلاد الشام وغالبا ما كانت تقتصر الى جباية الضرائب وأخذ الشباب العرب للتجنيد. لذا كان لا بد من وجود زعيم لرعاية أمور العشيرة والمنطقة. وقد تزعم عشيرة الفريحات على مدار القرنين الماضيين عدداً من الأشخاص الذي أداروا أمور العشيرة أو كانوا الوجهاء سواء تجاه قبائل المنطقة أو تجاه الدولة العثمانية التي كانت تحكم المنطقة. وفيما يلي نسرد بعض هذه الزعامات. ولا يعني أنها الزعامات الوحيدة الا أنها زعامات واضحة وثقها التاريخ: ==زعامة مصطفى الفريحات: زعيم جبل عجلون (وسيد القلعة)== كان مصطفى من أبرز رجالات الفريحات، فاق إخوته عقلاً وحلماً وشجاعةً وكرماً، سكن قلعة صلاح الدّين وتقلّد زعامة البلاد من شمال نهر الزرقاء إلى سهول حوران. وكان علماً من أعلام البلاد، عنه يصدر الأمر والنهي، أما منافسوه فقد أكل الحسد والحقدُ قلوبهم وثارت ضغائنهم فرموهُ بكيدهم وبيتوا له نيّة الشر. أما مصطفى فقد كان منشغلاً بأهالي جبل عجلون اللذين كانوا في غدوٍّ ورواح، منهم من جاء يطلب الإنصاف من غريمٍ ظالمٍ، ومنهم من جاءت به الفاقة والفقر، ومنهم من جاء للتقاضي مع خصوم. تناهى إلى سمع مصطفى أخبار الحروب الطاحنة التي تنشب نارها بين العدوان من جهة والصخور والعبابيد من جهة أخرى، تلك الحروب التي عادت بشرق الأردن إلى عصور الجاهليّة الأولى، وكم آلمه عندما سمع أن الدائرة تدور على العدوان، وأنهم في ضيقٍ، وأن أعدائهم أكثر منهم بكثير. كان هناك صلات تربط العدوان بجبل عجلون وبالفريحات على وجه الخصوص، وكانت هذه الأحداث مقلقة لمصطفى الذي رأى أن الأمور لن تقف عند هذا الحد. عبرت نهر الزرقاء، وقرى بني حسن، وقرى المعراض، ناقةٌ في رقبتها ”شقة بيت شعر" يقودها رجل. انتقلت من قرية إلى قرية ومن عربٍ إلى عرب دون أن يعترضها أحد. كان ذلك يعني حسب العادات أن العدوان أصحاب النّاقة يطلبون العون من العشائر في حربهم ضدّ بني صخر، وقد مرّت الناقة ببلاد "الفزعة" تطلب العون على بني صخر، ولم يتجرأ أحدٌ على تحرير النّاقة وقص الشِّقة في هذه البلاد التي كانت تُعدّ فزعة واحدة ـ أي البلاد التي اعتاد أهلها التكاتف على الأعداء ـ، كان السبب بسيطاً أن أحداً لم يجرؤ على تحرير الناقة لأنه سيكون ملزماً بمحاربة بني صخر جنباً إلى جنب مع العدوان. وبعد أن قطعت النّاقة البلاد وتجمعات البدو والفلاحين كانت متعبه لأنها كانت تطأ على الشقة في سيرها مما أتعبها، وكان هذا رمزاً للمعاناة التي يعانيها العدوان من تحالف بني صخر والعبابيد عليهم. وأخيراً وصلت النّاقة إلى كفرنجه، إلى بلاد ابن فريح صاحب الصيت والشهرة، كانت النّاقة متعبه وعندما سأل الشباب كبارهم وفهموا المقصود ثارت حميّتهم وأوقفوا النّاقة. وقف أحد شباب الفريحات بدون تفكير ولا رويّة ولا استشارة أحد وقال:" منهم بنو صخر حتى نخاف منهم ؟ نحن لا نخاف إلا من ربنا ـ ألا تقولون أنا فزعتهم وهم فزعتنا" حاول أحد العقلاء تدارك الشاب ولكنّه سحب شبريّتهُ وقصّ رباط الشق وقال:" اللي بدو يصير يصير" فليكن ما هو كائن. حضر الناس وتجمّعوا فمنهم من أيّده ومنهم من أنكر عليه التسرع وعدم الرجوع لأصحاب الحل والعقد، ولكن الجميع كانوا على رأي واحد ”نحن ملتزمون مع العدوان لا عوده عن ذلك ولو كان الموت الزؤام". أما صاحب الحل والعقد الشيخ مصطفى إبن فريح فقد قال:" سبق السيف العذل" وجهّز نفسه وخرج على رأس عدد من الفرسان اختارهم بعناية ودراية من أمهر الرماة وقال: الأمر ليس بالعدد ولو كان بالعدد فلا قدرة لنا على أعدائنا، وتوجهوا إلى مضارب العدوان اللذين كانوا بانتظار النصرة من ابن فريح. كان الاعتقاد السائد عند الفريحات أن” حظ الفريحات ولد" وهذا معناه أنهم كانوا يتفاءلون بالشباب، وكانوا كلما رجعوا لماضيهم رأوا أنهم يفلحون على أيدي صغار الشباب، ولهذا كان اختيار مصطفى لصغار الشباب. كان من بين الشباب شاب أبيض رقيق وجميل وقيل أنّه كان يلبس البرقع من شدّة افتتان النساء به ومع جماله ورقّته كان له قلب أسد شجاع لا يخاف وكان ما يميّز" سليمان أخو درّه" أن رميته لا تخطئ هدفها، وكان معروفاً بذلك بين أقرانه سواءً في القنص حيث كانت طيور الحجل والغزلان والأرانب ميدان التدريب الذي تدرّب فيه أو في مباريات إصابة الهدف التي كانت تتم في الأعراس حيث كانوا ينصبون رؤوس الذبائح في الأعراس كهدف ونقطة التسديد هي ”الصباح وبين العينين" كان سليمان ابن أخت مصطفى أو هكذا كان يدعوه ”سليمان يا إبن أختي". ==وقعة أم السماق== علم الصخور وحلفاءهم بمناصرة مصطفى بن فريح فجمعوا جموعهم ليوم كريه يكون له ما بعده. أما العدوان فارتفعت معنوياتهم وجمعوا جموعهم للمعركة الفاصلة بمناصرة ابن فريح. وأخيراً وصل فرسان ابن فريح وكانت خيبة أمل العدوان كبيرة لقلّة عدد الفريحات، وكأنهم جاؤوا فقط رفع عتب من هذه الورطة التي ورطهم بها أحد جهلائهم. بكى أحد كبار السن من العدوان لخيبة أمله مما آلت إليه الأمور، ومن كثرة جموع الصخور اللذين تحشّدوا لعلمهم بمناصرة ابن فريح للعدوان. ولمّا رأى الشيخ يبكي قال سائلاً:”ليش تبكي؟ "فأجابه” أبكي عليك اليوم يومنا وانتهى أمرنا" وذرف دمعه وأطرق برأسه وكظم غيظه وتساءل ”أهذه هي فزعة ابن فريح"؟ وجادت قريحته بالشعر. سمع ذلك مصطفى بن فريح فشبّ قائما وقال: "لا تبكِ يا ختيار الأمر ما هو بالكثرة، جئتك برجال رضعوا الفروسيّة وفنون الحرب مع حليب أمهاتهم، ماهي بالكثرة، اليوم يومهم...أبشروا اليوم يومهم...أبشروا اليوم يومهم". كان ذلك درس في رفع المعنويات، وكان هناك قصيدتان واحدة للشيخ الذي بكى وواحدة رد عليه. تواجهت الجموع، الفرسان في المقدّمة وعلى رأسهم مصطفى بن فريح في فرسانه، متميّزون في اللباس والهيئة يتوسطون العدوان. وفي المقابل صف من الفرسان الصخور يتقدّمهم” عوّاد" أما الرجليّة فكانوا من خلف الفرسان. تقدّم عوّاد قاهر الفرسان، وكان فارساً متمرّساً، كثيراً ما أطاح بالرّقاب في ميادين المبارزة، وكثيراً ما أذلّ خصومهُ ببراعتهِ وذكائهِ، كان مجرّد ذكره يخلع قلوب مبارزيه ويسقطون صيداً سهلاً له، كان يعتمد الخديعة والحربُ خدعة. كان عوّاد على ظهر حصانه الأسود كسواد الليل، حتى أن حصانه صار أسطورة، فقالوا إذا صهل حصانه ”تحيل" فرس خصمه وتقف وتخذل صاحبها، سمع بذلك مصطفى فاحتاط للأمر فكان يركب هو وفرسانه الأحصنة الأصيلة ولم يركبوا إناث الخيل. ومن بين الجموع همز مصطفى حصانه وتقدّم باتجاه عوّاد الذي ردّ على ذلك بالمثل، كان عوّاد شاعراً يبتدئ مبارزته بالشّعر الذي يوهن العزم، مضمونها" ما علمكم بالمبارزة، اسلموا بأرواحكم، ما جاء بكم إلا حضكم العاثر". ولعلّي أجد هذه القصيدة. ردّ مصطفى بأبيات من الشّعر تناسب الحال مضمونه:" اللي ما يعرف الصقر يشويه، واليوم تعرفنا، واليوم يومك، ما تشوف أقشر من اليوم". وبدأت المبارزة بالسيف، أبدى كل واحد منهم مهارة وخفّة ورشاقة حيّرت المشاهدين. وبعد فترة طويلة من المبارزة أدار عواد رأس جواده وراح يعدو به متظاهراً بأنه فارٌ من المبارزة، أما مصطفى فعلم أن الأمر به خدعة ولكنّه غدا وراءه بحذر وأخذ بندقيّته حتى إذا أحكم تسديدها بين كتفي عواد أطلق النار ورأى لمعة الحديد بين كتفيه حيث أصابته الرصاصة وعرف بسرعة بديهته أن الفارس ”مدرّع" وأن فراره كان خديعة وفوراً استدار مصطفى إلى الوراء عائداً إلى الصفوف مسرعاً، وكان عوّاد فور إصابة درعه قد استدار مشهراً بندقيّته يجري خلف مصطفى ولكن مصطفى عاجله إلى صف الفرسان وقال: "ابن اختي يا سليمان، الفارس مدرّع ومخبي درعه تحت العباءة وإذا ما صبته بعينه قتلك". كان عواد قد ارتدى بيضة الحرب على رأسه لا تبين إلا عيونه، وبسرعة قال سليمان: "لعيناك...لعيناك"، وخرج يعدو حتى لاقى عواد فلما اقترب من عواد عادَ لنفس الأسلوب الذي اتبعه مع مصطفى ولم يكن يعلم بانكشاف سرّه بالفوز في مبارزات الموت. ===سليمان أخو درّه=== تواجه سليمان وعوّاد وتفرّس أحدهم الآخر، ونظر عواد فإذا هو ولد ليس له بندٍّ فقال: يا ولد ويش اللي جابك لمصرعك يا ولد مانت بندٍ لي ولا أنا بطمعك يا ولد روح لأمك ترضــــــــعك يا ولد لا تبكّي أمك على مصرعك قال عواد: "يا ولد أنا لا أريد أن أقتلك وأفجع بك أمك التي ما كادت تكمل رضاعك، ولكن عُد فأنت لست كفؤاً لي فليخرج لي أكبر فرسانكم فأنا عواد...أنا عواد"، أما سليمان فقد قال: "اليوم يومك لا تصغرني ولكن شوف فعلي وأنا أخو درّه” وأثار غضبه حين قال: "نحن لا نخافك ولذلك أرسلوني أنا أصغر الفرسان لأن أمرك هيّن وسترى مني اليوم ما ترى”. غضب عوّاد وكرّ على سليمان بالسيف لعلّه يغلبه بالسيف فوجده ماهراً صعباً ليس بهيّن ودارت بينهم مبارزة عنيفة، وبعد أن تعبوا أدار عواد فرسه وتصنع أنه خائف وراح سليمان يعدو خلفه مسدداً بالبندقيةِ بيدٍ واحدةٍ، وطال عدو سليمان خلف عواد وكان عواد ينتظر أن يطلق سليمان رصاصة فيلتف على الفور ويقتله كما هي عادته في قتل الفرسان والتي كانت سرّه الكبير ولكن سليمان لم يطلق النار وطال الطراد ولم يطلق سليمان النار حتى ابتعدوا عن الصفوف، شك عواد بما يدور وقال: ربما عاد الفارس الذي يطرده من الوراء وهو لا يشعر لأنه أمكنه من نفسه ليطلق النار ولم يفعل. وأخيراً إلتوح (إي نظر يمينا ويساراً بسرعه" عواد الى الوراء ليتبين أمر ما وراءه، ولكن سليمان كالبرق وضعها في أحد عينيه فسقط صريعاً، وعلى الفور التحمت الصفوف ودار القتال وانهارت معنويات الصخور وفروا هاربين مطرودين من العدوان وعلى رأسهم الفريحات. كانت وقعة عظيمة ثأر بها العدوان من الصخور ولم تقف هزيمتهم إلا عند ”الموقّر"، وقد سجّل تاريخ القبائل هذه الوقائع شعراً وعادوا منصورين واحتفل المنتصرون، وقد فرشت نساء العدوان دوامرهنَّ لتطأها خيول الفريحات وعلى رأسهم سليمان أخو درّه و مصطفى تكريما لهم وجلسوا في بيت الشَّعر، وقالوا أن النساء تزاحمن على البيت يردن رؤية سليمان قاتل عوّاد حتى أنهنَّ مزقنَ بيت الشعر من خلفه ليكحلن عيونهن بالذي شفا صدورهنّ وأخذ بثأرهن من عواد قاتل رجالهنّ، وعادوا الى القلعة منصورين وسط استقبال رائع لم يُقتل منهم فارسٌ واحد. بعد فصول من حياة مصطفى المليئة بالأحداث التي جعلت الفريحات قبيلة مميزة ذات شأن، ليس فقط لصلتها بالدولة العثمانيّة بل لتوطد صلتها بعشائر جبل عجلون وجنوب حوران وجبل الدروز ومرج ابن عامر شمالاً وبعشائر البلقاء جنوباً، ومن خلال هذه العلاقات الحسنه كانت ترتفع مكانة العشيرة وتتألق، ولكن على أساسٍ من المحبّة والمودّة والاحترام الذي طبع هذه العلاقات، ولذلك لا يستطيع المنصف المتأمل في تاريخ الفريحات إلا ان يعتبر مصطفى هو المؤسس الثاني للعشيرة الذي حوّلها من عشيرة تعتمد في وجودها وزعامتها على العلاقات العامّة بين العشائر والدولة العثمانيّة إلى عشيرة تحتاجها الدولة العثمانيّة ولها كيان بارز وواقعي تحتاج إليه باقي العشائر التي ارتبطت بالفريحات. قديماً كان الحسد والغيرة سلاح خطير سلّه الشيطان بين الإخوة قابيل وهابيل كما ورد في الكتب السماوية كذلك كان الحسد والغيرة السلاح الذي دخل به الشيطان بين الفريحات. بعد أن تعاقدوا على الغدر والخيانة تسلل الخونة تحت جنح الظلام وبمساعدة أمه من عبيد القلعة رتبت أمر ترك باب القلعة مردوداً بدون إغلاق بالمفتاح كما تركت الحبل الذي يتحكم بالجسر المتحرّك بالبكرات مرمي خارج القلعة. أنزل الخونة جسر القلعة بواسطة الحبل دون أن يحدثوا جلبه، ودخلوا الباب الذي كان مردوداً بدون إقفال بالمفتاح. أحس مصطفى بحركة وما أن رفع رأسه حتى كانت السيوف مصلته على رأسهِ، قال:" إن دمي ليس رخيصاً ويلكم...يا ويلكم من أبو شويربين "وكان هذا لقب أخيه لأمّه، قالوا: لا يضربك أحدٌ بالسيف قبلهُ وبالفعل بدأ أبو شويربين وانهالوا عليه بالسيف حتى أجهزوا عليه، ثم تحولوا إلى ابن رضيع في ”اللفاع" اسمه” شريده" يريدون قتله خوفاً من ثأره في المستقبل، ولكن عاطفة الأم دعتها للدفاع عن ابنها فرمتهُ لما حاصروها وكان القدرُ أن سقط في بئر القلعة وكان فيه ماء ضحل، ظنَّ الغادرون أن الطفل يستحيل نجاتهُ، وبعد أن نفّذوا فعلتهم الشنيعة غادروا المكان. فزع سكان القلعة من عبيد وخدم فوجدوا سيّدهم مقتولاً والغريب أن الطفل الرضيع كان حياً معافى عندما أخرجوه ـوالحيُّ لا قاتل له ـ. بعد أن عادت زوجة مصطفى لأهلها بفترة بان حملها ووضعت مولودا وأسمته على اسم أبيه” مصطفى" وعاشت مهددة بقتل أولادها إذا أفشت لهم سرّ قتل زوجها، والسرُّ إذا تجاوز الإثنين فاع. ===مصطفى بن مصطفى:=== شب ّمصطفى (الابن) دون أن يعلم عن قاتل أبيه (مصطفى الأب) حيث تواصى أقاربه بكتم السّر خوفاً من أن يثأر لأبيه. ومنهم من كتم السر خوفاً عليه أن يلاقي مصير أبيه، أما أمه فكانت بين نارين. حدث أن تشاجر مصطفى مع أحد أقرانه فتغلّب مصطفى عليه وطرحه أرضاً ”بطحهُ"، عندها احترّ الشاب وقال لمصطفى: "لا تتشاطر عليّ روح على ذبّاح أبوك، يروح ويغدو أمام عينك”، ترك مصطفى الشاب وعلم أن هناك سراً عظيماً تخفيه أمّه عنهُ، وعاد ثائراً قد استبدّ به الغضب ودخل على أمه وسألها عن وفاة أبيه. قالت وهي تبكي: "يا بني هذا شأن قديم كفى ما عانيت من الثكل وتربية الأيتام وظلم الأقارب، أنا خائفة عليك لا تفتح ابواب الشيطان”، فقدَ مصطفى صوابهُ وتيقّن من كلام الشاب، فسلَّ شبريَّتهُ وقال لأمه: ستموتين الآن إن لم تقولي الحقيقة الكاملة”، انهارت الأم بالبكاء وأخبرته الحقيقة كامله وقالت: "يا بني تلك كانت ساعة شيطان. إنهم أهلك الذين ربّوك ولو علموا بأنك تريد الثأر لقتلوك.. يا بنيّ ارحمني. لا تذهب، لا تذهب". كان الشررُّ يتطاير من عينيه، أقرب الناس إليه قاتل أبيه!!!! كما ربى جساس ابن كليب !!!ولا بدّ هنا ممن قام بدور البسوس التي فتنت العرب. سمع بعض الناس صياح المرأة على ابنها وفهموا الحكاية وأسرعوا إلى ...... محذرين، أخذ هذا حذره وانتشر الحرس وأصبح في مأمنٍ وكان مصطفى على وشك أن يقتل أو يقبض عليه من جماعة ..... نادى مصطفى أحد عبيد أبيه وقال: ”اخفِ هذه الدرنية في كم ثوبك فهي مجهّزه واذهب الى بركات وتظاهر بأني كسرتُ يدكَ وضربتك فإذا قرّبك إليه فضع الرصاصة بقلبه ثم أسرع اليّ قبل أن يمسكوا بك وإلا قتلتك بنفسي”. رأى .... العبد متأملاً متظاهرا بأن يده قد كسرها مصطفى، قال: "ارني يدك"، فاقترب منه حتى وضع السلاح في صدره وأطلق النار فخرَّ صريعاً وفرَّ العبد الى مصطفى الذي تمركز على ظهر العليَّة مصوباً فوهة بندقيّته الى من يقترب من جثمان .....، وتجمع أنصار مصطفى اللذين كانوا مغلوبين على أمرهم إليه وجرَّدوا أسلحتهم واستحكموا على ظهر العليَّة المقابلة لمسجد كفرجه القديم، ومنعوا دفن الجثة ثلاثة أيام. سمع أهالي عجلون بما حدث في كفرنجه وتوجّه وجهاء منهم إلى كفرنجه ليسمح بدفن الجثة وعقد صلح فيما بعد، ولكنّ مصطفى رفض، فذهبوا الى المومنيه (عشيرة المومني التي تسكن شمال شرق كفرنجه) وكانوا أصحاب طريقة صوفية ينظر لهم الناس باحترام وتقدير من منطلقٍ ديني، فجاءوا يحملون أعلامهم ويضربون طبولهم ويتغنون بذكر الله حتى وصلوا كفرنجه، فسمح لهم مصطفى بدفنه، فأرادوا حمله ولكن جسمه كان متغيراً فلم يستطيعوا ذلك فحفروا له قبره حيث كان ودفنوه فيه وذلك في مكان مسجد كفرنجه القديم وبذلك يكون مصطفى قد أخذ بثأر أبيه حسب الأعراف السائدة. غادر مصطفى وجماعه من أنصاره كفرنجه وسكنوا الغور ووقعت عدّة مناوشات بينه وبين أقاربه في كفرنجه. أرسلوا له من كفرنجه يعلِموه أنهم استولوا على البيوت والكروم على شكل أبيات من الشعر وردّ عليهم شعراً...إن كانوا رجال فليسكنوا هذه الكروم. مادام حنّا نركب الخيل ونسير ماحنا بحال الفقر ولا الغناة. ===زواج مصطفى=== تزوج مصطفى المصطفى من عشيرة العدوان، وكانت من أكرم العشائر نسباً، وكانوا يتواجدون في غور الأردن، وكان اسم زوجته "شلحة"، وكان له صداقات مع الشيخ نمر العدوان الفارس والشاعر المعروف، وضل معتبراً بنظر عشائر البلاد زعيماً للفريحات وريثاً لأبية مصطفى الذي قُتلَ غدراً في القلعة وإن بقيت بينة وبين عمومته الخلافات. ذاع صيت مصطفى” ابن فريح" وكان مصادقاُ لمشايخ العدوان حمود، وذياب، ونمر العدوان، وكانوا حلفاء للفريحات. وهذه القصيدة أرسلها نمر بن عدوان الشاعر الفارس المعروف إلى صديقه ”ابن فريح": سلام للــــــــــــــي بالقبــايل تنقــــّل نفسه عند أطفاس المعاني طموح يا شمعة الصبيان يا نقــوة الصـــفي اليث بكل الوصايـــــــــف تلوح ارزم ردع قلبي أو جسمي تزلـــزل إنهل دمع العين سحب او برد هل على وديـــــــد فيه قلبــــي تعلــــعل حبه سكن في... سقف روحي أكثر وصايف نور عيني من الصيد خمريّة الوجنات ورديّـــــــة الفــــم امن فراقها عـــــدي منيعاً او بالقـيد ريمّيـه واستنكرت حس موحـي يـا وجعتـــي يـا فجعتــي يـا غثــــايــا يا بلشتــــــي يا نشبتــي يا شقايــــــا والله لولا الخوف وأكثر حكـــــــايا يا ناس أنا في ملك ربــي لســــوح يا بلشتي فـــي قلب حايــــــــر دليله يا بلوتي فــي عين دمعه يســــــوح شاع الخبر يا مصطفى والحيا ضاع والكل يطعنّي يفتح جروحـــــــــي ملقوع أنا مفجوع هايم ورعــــراع من وجد قاتل في ضميري يلــــوح يا لايمينّي بالنبـــــي لا تلومـــــوني عاذلنّي فاهم اللــــي تقولــــــون قلبي هبيل وتابعه قلب مجنــــــون يا مصطفى عزيت روحي لروحي والمتفحص في هذه الأبيات يرى المكانة التي كانت لمصطفى بين الناس حيث وصفه بأنه" شمعة الصبيان" وأنه ”نقوة الصّف" وأنه ”ليث". كما يرى المتفحّص بهذه الأبيات الصداقة التي تربط مصطفى بنمر، حيث كان يشكو له ألمه وما ألمَّ به من فراق ”وضحا زوجته. أما كلمة ”عزِّيت روحي لروحي" فتدل على المودة والمحبة والصداقة، فإنه يعد مصطفى بمثابة نفسه وهو إذ يشكو همَّه إليه فكأنما يشكو همَّه لنفسه. كان مصطفى" نسيب العدوان" وعلى صلة كاملة بما دار من أحداث آنذاك، ولا عجب فزوجته عدوانيَّه. ==زعامة آل بركات الفريحات== هذا الجزء تحت الاعداد ==زعامة راشد الخزاعي الفريحات== هذا الجزء تحت الاعداد ==نخوة الفريحات: شيره== شيره هي بنت مصطفى، وأخت مصطفى الفريحات، ذاع صيتها لذكائها، وجمالها، وحسبها، وحكمتها وشعرها إذ كانت شاعره مفوهة تفتخر شعراً بأهلها، وعشيرتها، فأحبها ”الفريحات" وافتخروا بها، وتفاخر الشبان بأنها أُختهم، وكانوا يذكرونها في الأوقات العصيبة حتى درج القول بهم ”إخوة شيره" وكانت بنت عشيره بكاملها ويقولون في المبارزات ”لحّد وانا أخو شيره ”ومعناها: إن لم أرفع رأس شيره بفعلي فاللحدُ لي (أي الموت لي). تسامع بها الشيوخ وكان ممن سمع بها نمر العدوان الشاعر الفارس المعروف. فأرسل لها قصيدة” زينيَّه” مليئة بالرمزية حيث لم يشأ أن يعلم أحدٌ أنَ امرأة ترفضهُ، وكان يخشى ذلك، فأرسل لها رسالةً مع عبدٍ لهُ، فردت عليهِ الجواب على نفس القافية: زور زرزور بالزوازي... توزوز زوزي زهر زي بـــهزازي من بعدها ياراكب الي تقــــــــول وازي اسرع من الخاطوف وحزفة البازي... من منطقي خذ سلامــــــي مهندز من الدّري من الزمرّد والزبرجد مع الخز ذهب سيلانــــــي والفيروز والجوهر إلنــــازي تشتكي لنا من هوى اخضــــــرانيّه من نسمة الريح تهتز وتقول..... صوره لها طارق الريـــــح هزّازي عمّك لو شاف مهندز صابُه رواعد مع رواجيف هزازي عمّك لو شاف ميّت من ساعتـــــــه فزّ زار النعيم بجنة الخلد فازي.......... جزنا من الرعراع يا صاحبـــــي جز واللي ملكته شـــــي قبل اليوم كن فازي وازكى صلاة الله ما هزهزه الوزي على النبي ما ساح سايح واعتزازي أغاني نبطيَّه ورد فيها ذكر شيره أخت الفريحات: علّمني طلوع التينه بالله يا طير والشيخة لخوة شيره ع ظهور الخيل علّمني طلوع التينة والله وبس والشيخة للفريحــات والله بــتخص علّمني طلوع التينة والله وابان والشيخة للفريحـات ولـــــــــها زمان ==قرى الفريحات: == يقطن الفريحات في خمسة قرى: ثلاثة منها في محافظة جرش واثنتان في محافظة عجلون بالإضافة الى عدداً كبيرا منهم يقطن الان في مراكز المدن مثل العاصمة عمان وجرش والزرقاء. وفيما يلي قصص حول تأريخ سكن الفريحات في هذه القرى والمدن. الجزازة: هذا الجزء يحتاج الى اضافه [[الحسينيات]] [[نجده]]: [[كفرنجه]]: راجـــب: هذا الجزء يحتاج الى اضافه كان الفريحات أصدقاء وأصهار للعدوان وقيل إن العدوان اعطوا راجب للفريحات "نقوط". وكان لتحالف الفريحات مع العدوان نتيجة صنعت تاريخ المنطقة الحديث حيث أغار الفريحات والعدوان على بني صخر عام ( 1825م/ 1241هـ) وأخرجوهم من جبل عجلون. ==يوسف البركات: شيخ مشايخ السبع نواحي ”شيخ مشايخ جبل عجلون"=== كان هذا أرفع منصب في شرق الأردن من الشوبك إلى حوران وقد تقلد هذا المنصب ”يوسف البركات" حيث كان مسؤول عن جمع الضرائب وحاكماً إدارياً، ولم يرق ذلك ”لشريده الرباع” زعيم الكورة حيث كان منافساً على الزعامة، ومما نغص عليه عيشه أن ”يوسف البركات" حل عليه ضيفاً ومطالباً بالضرائب، وكان ضيفاً غير مرغوب به، وكانوا مجبرين على الاحتفال به وإكرامه غير أن شريده أسرَ إلى الخادم أن يقول عند الطعام ”يا معزّب روح تعال"، وعند تقديم الطعام صار الخادم يكرّر العبارة "يا معزب روح تعال"، فغضب يوسف ونفض يده من الطعام وعلم المقصود. عاد يوسف بعد أيام ونصب بيت شعر على ظهر بيت شريده في (تبنه) رغماً عنه وفي ذلك تحدي وإهانة له ولكن شريده، رجاه أن يرحل ووعده بإحضار المال المطلوب إلى سرايا إربد. وفي مساء اليوم المحدد، أحضر شريده معه المال وعند الاستئذان طلب ”يوسف البركات” من الخادم أن يتأكد أن ”شريده" لوحده، وذلك لتوجسه منه ولكن شريده تظاهر بأنه لوحده. وعند فتح الباب هجم على الخادم وقتله، ثم دخلت معه مجموعه من الرجال كانوا مختفين ورائه بجانب الجدار إلى مكان ”يوسف”، حيث سفكوا دمه ليغسلوا الإهانة التي لحقت بهم منه وهكذا مات يوسف البركات في عام (1761م\1175هـ)، بعد أن تم الاستيلاء على كفرنجه التي كانت ملك لأهل عنجرة، وبعد ذلك نهض فياض ابنه ليثأر له ولكن لم يتم له الأمر، حيث قتلَ كذلك، وبذلك خرجت الكورة عن سيطرة الفريحات، وصارت تحت سيطرة ”الشريدة" بلا منازع وكان نتيجة هذه الأحداث أن سادت الفوضى والاضطرابات في جبل عجلون للصراع بين ”الفريحات" و”الرباع"، مما اضطر والي الشام أن يتدخل فأرسل جنداً قبضوا على ”كايد" الذي كان متمرداً مع جماعه من الفريحات على سلطة الدول العثمانية بسبب ما جرى في الكورة حيث أُعدمَ شنقاً في بلدة ”سوف". ==العلاقة مع آل عبد الهــــادي== نشبت حرب بين آل عبد الهادي وآل جرّار في فلسطين وقد تحزّب أهل شمال فلسطين مع الفريقين، كان ذلك في سهل ”شنعار" وكانت هذه الأحداث تدور غرب النهر، ولم يكن للفريحات شأن بها، إلا أنهم وجدوا أنفسهم يلبون دعوة آل عبد الهادي اللذين طلبوا النجدة والنصرة من الفريحات وجبل عجلون وقطع ”الشريعة" جمع ابن فريح مكون من الفريحات وأنصارهم وتوجهوا الى سهل شنعار ثم إلى حيث كانت تدور معركه مشهوره شاركوا فيها وناصروا آل عبد الهادي، فانتصر آل عبد الهادي بمساعدة الفريحات وجمعهم وردوا اعتبارهم بعد أن كانوا مغلوبين على أمرهم في تلك الفترة، وكانت المعركة هي” واقعه صانور "تلك المعركة التي ردت اعتبار آل عبد الهادي وعاد بها بركات (الثاني) زعيماً للفريحات بالغنائم وعادوا مرفوعي الرؤوس بين أهالي البلاد. ===ربع العباب والطبار=== حدث أن زار شيخ آل عبد الهادي كفرنجه ودار الحديث بين الشيوخ وافتخر كل واحدٍ برجاله، وأفتخر ابن فريح برجاله بفروسيتهم وشجاعتهم فقال ابن عبد الهادي مستهيناً بهم: "رجالك هؤلاء ربع العباب والطبار" وكان الفريحات ذلك الوقت يحتزمون على ثيابهم ويضعون الاطبار (وهي أداة تقطيع الحطب) في احزمتهم كسلاح وعصا. أجاب ابن فريح هؤلاء رجالي ربع العباب والطبار لا بد أن ترى أفعالهم يوماً من الأيام ”الرجال مش بالشوفات" (أي بالمنظر)، غادر –ابن عبد الهادي- بعد أن نال واجب الضيافة والإكرام، وعاد إلى بلاده، جلس ابن فريح مع مجموعه من الشباب الذين ساءهم ما قاله الضيف، وقال لهممن يأتني بفرسه لنريه من أصحاب العباب والطبار فقام شاب نشأ يتيماً لا أب له يلقب ”بالقاروط" فقال أنا لها، ”أنا أخو شيره ”فُـسـر الشيخ وأثنى عليه. ===قصة القــــاروط=== وصل القاروط إلى دار ابن عبد الهادي في جنوب غرب بحيرة طبريا، وكان يسير راجلاً، وتحت جنح الظلام تسلل إلى الإسطبل ورأى الفرس المطلوبة، وفجأةً حصلت مفاجأة غير محسوبة إذ دخل شابٌ إلى الإسطبل ومعه أدوات للحفر وأخذ يحفر الأرض حتى حفر قبراً. خشي القاروط أن يكون هذا الشّاب قد رآه وأن هذا القبر له، ولكن الظلام كان دامساً وكان متخفياً بين أكياس الشّعير والتبن. أكمل الشاب الحفر وخرج ولكنّه ما لبث أن عاد ومعه أخته الشابة الصغيرة، وهي تقسم الأيمان المغلظة أنها لم ترتكب فاحشه، وأنها شريفة نظيفة لم يمسّها رجل، أما أخوها فكان يقول:” أنت حامل بالحرام، هذا حملك بائنا”. ودار حوارٌ بين الشاب وأخته أمام القاروط الذي اقتنع ببراءة البنت من الفاحشة وأن أخوها يريد قتلها ووضعها في هذه الحفرة، أقترب الشاب من أخته يريد قتلها وهي صارخه باكيه ولكن القاروط عاجلهُ بضربة طبر على رقبتهِ فخرَّ وسقط بالحفرة التي حفرها، فركب الفرس وأردف البنت خلفهُ وسار مسرعاً تحت جنح الظلام بعد أن ترك الشاب في الحفرة حياً أو ميتاً. قالت الفتاة:" من أين جاء بك الله إلى” قال:” من كفرنجه” وروى لها حكايته وأنَه ليس لصّاً ولكنّه أراد أن يعلِّم على الشيخ. أما البنت فأخبرته أن بطنها صار كبطن الحامل، وأنها شريفة وعفيفة ولم ترتكب إثماً وأن هذا مرضٌ أصابها وأنها سمعت أن بالشَام أطباء لا بدَّ أن تعرض نفسها عليهم وتردَّ عن شرفها وعرضها، وهكذا بدلاً من أن يعود إلى كفرنجه اتّجه شمالاً قاصداً الشام، وسأل عن ”الأسبيطار” (الطبيب باللغة التركية) في الشّام وأخيراً عثر عليه بعد رحلةٍ استمرّت أسبوعاً على الأقل. كان الطبيب جرّاحاً خبيراً وأخبر القاروط أن الفتاة صادقه وأن هذا ورمٌ يستطيع إزالته، فدفع له القاروط الأجرة وأجرى لها عمليَّه واستأصل الورم ووضعه في صندوق حديد مغلق ومحكم الإقفال وعاد بها بعد أن شفيت إلى بيتهه في كفرنجه، ووضعها أمانه عند أمِّه وذهب إلى ديوان شيخه وأسرَّ له بالأمر. أرسل ابن فريح لابن عبد الهادي يقول له:" تعال خذ فرسك فهي عندي". وفعلاً حضر ابن عبد الهادي مع رفقه من رجاله إلى كفرنجه على عجل وبعد القهوة سأل عن فرسهِ وكيف جاءت لكفرنجه وهناك دعا الشيخ القاروط وطلب منه أن يروي حكايته أمام الجميع. روى القاروط حكايته بكل صدق ثم قال:" البنت عند أمي وهي تقيّة نقيّة بكرٌ لم يقربها أحد، والصندوق موجود وشاهد على براءتها فهو روم يشبه شكل الضفدع”، ثم استأذنهم فأحضر الصندوق والفتاة وقال: "هذه بنتك، وعرضك أبيض"، سرَّ عبد الهادي لبياض عرضه من الدَّنس وقال القاروط:" بنتي أجتك هديّه ما من وراها جزيّه والفرس لك وكثّر خيرك حيث بيَّضت عرضي وجميلك على الراس والعين” وقال:" صحيح الرجال مش بالشوفات، رجالك بنشد فيهم الظهر". وأقيم فرح كبير ودبكة ووليمة لزفاف القاروط على الفتاة البريئة التي جاء بها النَّصيب لتكون حكايةً يروى ربّما لقرون من الزّمن. ==بني موسى== ===موسى ابن مصطفى المصطفى=== ولد لمصطفى بن مصطفى من زوجته" شلحه العدوان” ولد اسمه” موسى” فاق أقرانه بالشجاعة والفروسيّة حيث تعهَّده أبوه بنشأةٍ درَّب فيها على فنون القتال وذلك أن مصطفى قاسى الأمرين من ظلم أقاربه ومقارعتهم له وثأره لأبيه فأراد أن يشبَّ ابنه رجلاً لا مطمع لأحدٍ بالنيل منه. وكان بيت موسى معروفاً في كفرنجه وله مكانة كبيره بين أهله وربعه. كان لموسى أرض مرويَّه يقال لها البحر لكثرة المياه فيها، موجودة بواد كفرنجه وكان له قطيع من الأبقار يعيش في ذلك الوادي الخصيب الغني بالماء والخيرات وكانت له أرض قريبه من طواحين الحبوب في الوادي المشهور بخيراته وكان له طاحونه خاصه به تسمى طاحونة ام السوّد، وكانت أحوال موسى مستقرَّة في كفرنجه وكان ميسور الحال وتزوّج من” خزنه الفياض" وكان كثيراً ما يتنقّل في مسكنه بين راجب وكفرنجه، حيث كان ميَّالاً لبيت الشّعر وحياة البداوة لأن فيها حريَّة يعرفها من سكن بيوت الشَّعر، فساكن بيت الشَّعر لا ينام على ضيمٍ حيث يرحل من البلاد إذا أمحلت، ويرحل عن الجيران إذا أساءوا الجيرة. كان موسى مولعاً بالخيل حيث كان له حصان يسمى ”الأشقر” قريباً إلى نفسه كأحد أفراد عائلته، كما كان موسى رامياً لا يخطئ رميته.. كان ضرغام إبن عمّه عباس أخيه لأمه، حيث أن عباس خلف أخاه مصطفى على زوجتهِ” شلحه العدوان" بعد وفاتهِ. ===موسى وأخيه لأمِّه ضرغام=== ==حكاية أرض الجزازة== هناك سبب جلل جعل ضرغام يرحل مع عائلته إلى المصطبة حيث جاور” القرعان” من عشائر المصطبة جنوب جرش. أما السَّبب الذي دفعه إلى ذلك فهو غلبة أقاربه من الدّار الغربية على أمر كفرنجه، حيث استطاعوا أن يستميلوا الدولة إلى جانبهم. وكان رجلاً مرموقاً في المعراض وعجلون، وصعب عليه أن تخرج الزّعامة من يديه، فرحل إلى المصطبة، وقد أكرم القرعان (قصيرهم)، مما جعل علاقتهم قويَّة مع الفريحات فيما بعد، خاصَّة أن ضرغام قد رضي بصلحٍ مع أقاربه وعادت المياه إلى مجاريها، وقد كان لمرور ضرغام بأراضي الجزازة في مجيئه وذهابه إلى المصطبة تعلُّقاً بها حيث عشق الجزازة وسعى لوضع يده عليها، حيث كانت الأراضي تملك بوضع اليد، ولكنّه لم يستطع أن يحقق هذا الهدف، ولكنّه تعرَّف إلى” البيكوات، علي بيك وحسين بيك" اللذان شاركاه الرّغبة بامتلاك ـ مجدل الجزازة ـ واتفقا سوياً على امتلاك المجدل والجزازة وترتب على الشراكة أن يرفع دعوى لدى والي الشَّام لملكيَّة الأرض وأن يساعداه لدى الدولة حيث كانوا أصحاب نفوذٍ في الدولة على أن يكون المجدل لهم والجزازة لضرغام إذا كسبوا الدعوى ومن المعلوم أن الأرض كانت آنذاك تؤخذ غلاباً. عاد ضرغام وقد عقد العزم على امتلاك الجزازة مهما كلّف ذلك من مصاريف وتكاليف. وهكذا ذهب ضرغام إلى الشَّام مع” البيكوات" ولكنّه وجد أن لابدَّ له من مبالغ كبيرة لتحقيق حلمه في الجزازة أما البيكوات فلم يشاركوا في المال بل بنفوذهم فقط. عاد ضرغام وطلب من موسى أن يدفع له مبلغاً من المال لتغطية ما يسمّى بمصاريف المداعاة (أي التقاضي) على أن يكون له مشرَك في الجزارة عند كسب الدّعوى. طال أمر الدعوى وكثرت مصاريفها حتى اضطرَّ موسى لبيع أرضه في البحر لسداد ما عليه من مصاريف. وبعد سنوات من المداعاة والنفقات الماليّة ربح ضرغام الدّعوى، حيث آلت الجزارة له والمجدل للبيكوات، أما موسى فقد كان له حصة في الجزازة هي الربع، أعطاه إياها ضرغام كما تم الاتفاق مسبقاً عليه، ولم تكن آنذاك حاجة لسندات الملكية، وكان هذا يعدّ إنجازاً عظيماً حققه ضرغام بصلاته بالدولة وبما قدَّم موسى من حرِّ ماله الذي تمكن به ضرغام من تحقيق هذا الأمر، وهكذا صار لموسى ربع وقيل خمس الجزارة أما باقي الجزارة فصارت لضرغام وعبّاس وملاوي، وكانوا قد قسموها فدادين يزرعونها بالتناوب سنه بعد سنه، وهكذا استمرَّ أمر التناوب في زراعة الأرض المقسومة إلى فدادين طيلة حياة موسى ثم ابنه أحمد من بعده، وكان هذا سائداً في تلك الفترة حيث كانت الفلاحة موجهه إلى زراعة الحبوب بشكل خاص. لم تصل إلينا أيَّة أخبار تدل على أن هناك خلاف بين ضرغام وموسى بخصوص شراكتهم بأراضي الجزازة. ولكن ما وصلنا هو أن ضرغام كان يعتمد على موسى اعتماداً كبيراً، حيث قدَّمه ليكون عقيداً لرجال الفريحات في الحرابة التي دارت بين الدولة والفلاحين من جهة وبين البدو والدروز من جهةٍ أخرى. ومن المعروف أن موسى كان ملاكاً في كفرنجه، حيث كان له طاحونة ”أم السود" وأرض اسمها" الجحتريَّة" وأرض اسمها” أم البعر" وأرض اسمها” ظهر الجمل" وقيل أنَّه باعها ليكون شريكاً في الجزازة. أما بيت موسى في كفرنجه فيوجد الآن "كوشان" (أي سند تسجيل أرض رسمي) عثماني باسم أحمد الموسى ولم يملكه أحد بعده. ==لحرب ومقتل موسى عقيد القوم== لسببٍ غير معروف تكاتف البدو والدروز القادمين من بادية الشام ضد الدولة ولم يكن بمقدور الدولة المحلية السيطرة عليهم، وعمت البلاد الفوضى والسَّلب والنَّهب، فاستعان الحاكم الإداري العثماني بحلفاء الدولة التقليديين" الفريحات". جمع الفريحات جمعاً من رجالهم ومن رجال العشائر المتحالفة معهم واختاروا أن يكون موسى” عقيد القوم" وذلك لشهرته بالفروسيَّة والرِّماية ولرجولته المشهود لها، وانحاز موسى بجمعه إلى رجال من الحكومة "الجندرما" وجيش، وجرت مناوشات يوميَّه بينهم وبين الدروز والبدو المتمرِّدين على سلطان الدولة، وكانت المناوشات تتم بالنَّهار وتخمد بالليل. ولأن خزنه زوجة موسى كانت تنتظر مولوداً فقد كان يذهب موسى بالليل إلى بيته ليكون قرب زوجته ويعود مع الفجر إلى رجاله. وفي إحدى الأمسيات وبعد معارك حاسمه عاد إلى بيته وقبل الفجر وضعت زوجته ولداً سمّاه ”أحمد" وبسبب أوضاع ولادة زوجته تردد في الذهاب إلى المعركة، وحدّثته نفسه أن لا يعود تلك الليلة إلى خشيبه، ولكن مركزه ومكانته لا تسمح له بالتخلّي عن قيادة جماعته في تلك المناوشات، فنهض متثاقلاً وركب حصانه الأشقر الذي امتنع عن المسير وأخذ يحفر الأرض بقدميه، فتشائم موسى من فعل الحصان، فعاد لزوجته ووليدها ينظر إليه وإلى ابنه مصطفى، وكأن حدسه أخبره أنّه اللقاء الأخير مع عائلته، وخطر بباله أن يبقى ذلك اليوم بقربهم، ولكن ضرغام كان ينتظر خروج موسى من بيته، وطال انتظاره، وذهب الى موسى موبخًاً قائلاً: "أتترك القوم يقتلون هناك وأنت هنا يا عقيد القوم؟؟ أتتركهم يُذبحون وأنت قاعد تحت قدمي خزنه؟!! هناك نهض موسى وودع أهله وداع من لا يعود، وركب الأشقر فعاد الأشقر لحفر الأرض بقدميه والامتناع عن المسير غير أن موسى همزه بالمهماز وقسا عليه فسار الحصان إلى خشيبه حيث التقت الجموع في يومٍ كريه وتقاتلوا في معركة تشيب لها الرؤوس وأسفرت عن فرار البدو باتجاه دبين ورفع موسى رأسه وشرَّف عشيرته وأهله، وكان لذلك أهل وغابت الشمس على نصر مؤزَّر له ولجمعه، وما أن حلَّ الظلام حتى أسرع موسى عائداً كعادته ولكن هذه المرة ليرى وليده” أحمد" مع زوجته وابنه مصطفى وباقي عائلته. وصل موسى إلى الهونه تحت جنح الظلام ولكن كان هناك” رصد" متربص به بجانب الطريق ألرجلي، أطلق عليه النار غدراً وعلى الأرجح أنه لم يكن لهذا الغادر علاقة بالحرب ولكنَّه خطط لجريمته وأخذ بندقيَّة موسى وبعض حاجياته وفرّ دون أن يره أحد ( وما زال مكان مقتل موسى معروفاً لأهل المنطقة وبعض الفريحات). وقيل أنه بعد مقتل موسى وجده رجلٌ أبتر اليد واسمه” ذياب” حمله على فرسه، ولكن قوماً من العربان لحقوا به يريدون أن يمثِّلوا بجثة موسى حيث كان قد فعل الأفاعيل بهم في المعركة ولكنّه سبقهم وخبّأ الجثَّة عند البلاونه ثم نقلت فيما بعد إلى كفرنجه حيث دفن هناك. ===قصة ”بنات نعش"... ذات نعش=== ...كانت ليلة مقتل موسى ليلةً مزهرة بالنجوم، وكان الناس في الصيف ينامون على سطح البيوت وخارجها، حيث كانت البيوت ضيقه يلجؤون إليها في فصل الشتاء، أما في الصيف فكان اغلب الناس يتخذون لهم ”مصيفاً"، ينامون ويسهرون فيه، والغريب أن نسوه من الفريحات ومن قريبات موسى على وجه الخصوص كنَّ نائمات، فاستيقظن على صوتٍ كأنه صادر من نجوم (بنات النعش) أو هكذا خُيِّل لهنَ كان الصوت يقول: يا نايمات الضاحي.....شيخكن..كن..راحِ راعي الحصان الأشقر... مربوط بالمراح............ي ففزعنَ من ذلك، وفي الصباح التالي وُجد موسى مقتولاً على قارعة الطريق وعليه ناحت النوائح وعظمت المصيبة وجلل السواد أهل بيته، وترك أرملة وأيتاماً عانوا اليتمَ والجور من أقاربهم أما خزنه زوجة موسى فبعد مرور فترةٍ طويلةٍ من الحزن تزوجت من مصلح كما جرت العادة آنذاك حيث لا بدَّ للمرأة من الزواج وإلا صارت حديث الناس، وولدت لمصلح ولد يقال له” ذياب" والله أعلمُ بالصواب. ===ثور يا دم عيسوه=== كانت الصلة بين الفريحات وربضية عجلون صلة الجيرة والمودة رغم اختلاف الدين، وكانت مجالسهم مشتركه خاصةً في الصيف بجوار القلعة، وكان مقتل الشاب”عيسوه"، قد عز على الجميع فسعوا في أخذ ثأره وكانوا في ذلك يرفعون شعاراً (ثور يا دم عيسوه)، ومضوا في ذلك حتى ثأروا له. ===قطف العنب=== وصل رجل إلى كفرنجه من برما (قرية جنوب غرب محافظة جرش) ضيفاً عند وجه الفريحات في ذلك الوقت، وتصادف وجود عدد كبير من وجهاء جبل عجلون ضيوفاً عنده، وبعد تناول الطعام قدم ”العبد" العنب كفاكهة، وكان يناول العنب قطفاً قطفاً للحاضرين، ولما جاء دور البرماوي لم يأخذ القطف بل صار يأكل منهُ حبةً حبه حتى انتهى منهُ. كان ابن فريح صبوراً ولكنه فهم المرادَ بهذا التصرف، حيث وصل ذلك الرجل إلى مستوى من التكبر تجاوز الحد ”شافت نفسه" فخاف ”ابن فريح" من أن يكون له شأنٌ ومنافسه في المستقبل، فأرسلَ له سبعةً من رجال الليل كل واحدٍ منهم ”رابط له" (أي كمن له) في الطريق حتى لا يفلت منهم وفعلاً قتلهُ أحدهم وقيل أن أقاربه قد سرهم قتلهُ لأنه كان قد استقوى عليهم وأكل حقوقهم. والأغلب أنه لم يكن من برما بل كان عابر سبيل أقام بها إقامة مؤقتة. ==قصة ثأر أحمد الموسى لأبيه:== ولد أحمد فجر اليوم الذي أمسى فيه أبيه موسى مقتولاً مغدوراً في الهونه حيث كان موسى في طريق العودة إلى بيته، في الجزازة. كبر أحمد وتخلق بأخلاق أبيه الذي لم يراه بعد أن عاش حياة اليتم ومرارته وكان شجاعا وما أن خط شاربه حتى صار مشغولاً بثأر أبيه حيث مرَّت السنون دون أن يتبين من هو ذلك الغدار الذي غدر موسى في ظلمة الليل وبمرور الأيام وصل خبر إلى الجزازة أن أحد الناس عرف بندقيَّة موسى عند ناس من الشوحة في العالوك وما أن سمع أحمد بذلك تصرَّف بسرعه حيث ظن أنه وجد خيطاً يقوده إلى لغز مقتل أبيه فأخبر أكابر أقاربه وعقلائهم بأنه عازم على الثأر لأبيه، فما كان منهم إلا أن سخروا منه ووصفوه بصغر السن وقلَّة الخبرة وأن هذا الأمر جلل وهو أصغر من أن يكون له قدرة عليه ولكنَّه لم يعبأ بقولهم وحمل بارودته وتوجَّه ماشياً على رجليه قاصداً” العالوك". سمع الناس بخبر أحمد وعزمه على الثأر وهكذا سار الخبر بالناس من واحدٍ إلى الآخر حتى وصل إلى الشوحة فوضعوا لهم عيوناً على معابر سيل الزرقاء ينقلون لهم الأخبار ليتدابروا أمرهم حيث كانوا في غنى عن الدخول في حرابه مع الفريحات. وصل أحمد متقلداً سلاحه إلى سيل الزرقاء وهناك التقى برجل تدل هيئته ولباسه على وجاهته ويدل كلامه على حنكته، فتبادلا الحديث فسأل أحمد عن وجهته فقال مجيباً: أن له غرض لا بدَّ أن يقضيه في تلك المناطق القريبة وأن له طلباً يطلبه، سأل الرجل:" بالله ألست أحمد الموسى ؟" ألست قادماً لتثأر لأبيك؟". قال أحمد:" ما دمت سألتني بالله فالأمر كما تقول". قال الرجل:" يا بني ثأر أبيك ليس عندنا، صحيح أن بارودته عندنا ولكنها وصلتنا بالبيع والشراء والتداول من يد إلى يد”. قال أحمد:" آخذ حقي ودون ذلك الموت". قال الرجل:" يا بني تأخذ حقَك عند قاضي العرب حسب عادات العرب ـ عيناك والحق ـ مثل هذا اليوم بعد أسبوعين عند القاضي ابن غدير ونحن خاضعين للحق وميعادنا يوم القضوه (أي التقاضي على الطريقة القبلية). عاد أحمد إلى الجزازة وأخبر عمومته بما جرى، فتعجبوا كيف أن هذا الفتى أخضع عشيره معروفه وصعبة المراس للجلوس للحق مع أنَّ هذا يتطلب في العادة مناوشات وتهديد وتدخل عشائر أخرى لحل الخلاف فلم يصدقوا قوله، وضحكوا وتغامزوا عليه وسخروا منه، ولكنه أصر على صدق قوله وقال لهم:" الأيام جايه" وفعلاً جاء مرسال من ابن غدير يبلِّغهم ميعاد القضوه عند القاضي. عند ابن غدير في مجلس قضاء معتمد حضره وجوه البلاد، كما حضر الخصوم الفريحات والشوحة، طلب ابن غدير المدعون” الفريحات" أن يمدوا حجتهم فقالوا: "قُتل عقيدنا غدراً بليل وأعيانا معرفة قاتله، وبعد هذه السنين تبين أن سلاحه موجود عند الشوحة وهذا هو دليلنا. وطلب ابن غدير من الشوحة أن يمدوا حجتهم فقال قائلهم:" يا قاضي يا قاضينا يلّي بالحق ترضينا، جيتك هدي قدي وافلح من ذكر الله وصلى على النبي، نحن بريئون من دمّه براءة الذئب من دم ابن يعقوب، أما السلاح فوصل علينا من يد إلى يد وأنت تذكر الله: "بدو ودروز ودوله وفلاحين وحرب مر عليها سنين” وبعد مناوشات ومداولات ومجادلات ساد صمت بانتظار حكم القاضي، وبعد ذلك تكلم ابن غدير وأعلن أن حق الفريحات هو اليمين على الشوحة أناسٌ يحلفون أنهم لا علم لهم ولا يد لهم بقتله، وأناس يزكونهم يحلفون أنهم صادقون ولم يجربوا عليهم الكذب والجرأة على يمين الزور، فأجاب الفريحات بقبول حكم القاضي وأجاب الشوحة بقبول حكمه كذلك. كان الناس يرهبون من وضع أيديهم على المصحف الشريف وحلف الأيمان ويخافون من عواقب ذلك، ولذلك طلب الشوَحة شراء يمينهم” بخرجين" من المال دراهم فضه وقبل الفريحات بذلك أمام القاضي. أعلن القاضي فض النزاع وأخذ الفريحات المال وتصافح الجميع وشربوا القهوة، وبعد واجب إكرام الضيف خرج الجميع متصالحين وترافقوا في درب العودة ومن المؤسف أنه لم ينل أبناء موسى من هذا المال الذي هو في الأصل حق لهم أي شيء، فقد تقاسمه قومٌ جبلوا على الطمع وأكل حقوق الناس، وخجل أحمد ومصطفى أن يتطاولوا على أعمامهم ويحرجونهم، فقد كان أحمد حدثاً، وكان أخيه مصطفى عاشقاً فهان عليه المال في سبيل معشوقته ابنة عمَّه" مشايخ الضرغام"، وهكذا سلبا ديّة والدهما ولم ينبسا ببنت شفه، فلم يكن المال والديّه هو مطلب أحمد ولكنه فعل ما فعل لأخذ حقّه ولكي لا يوصف بالجبن والتهاون في ثأر أبيه، ولا يزال قاتل موسى مجهولاً الى يومنا هذا. عاش أحمد في الجزازة ببيته مكان مسجد الجزازة الحالي، وكان لديه أغنام وأبقار ومارسَ زراعة الحبوب في حصَّته التي ورثها عن أبيه موسى، ومن المؤكد أن ضرغام لم يتنكر لحقه في الأرض بل كان يزرعها مناوبة في الأرباع التي كانت قد قسمت الأرض على أساسها. تزوج أحمد من" فضه الأحمد الراشد" أحد وجهاء الكته (بلدة في وسط محافظة جرش) المعدودين، وعاش في الجزازة في الزراعة وولدت فضه له – محمد وفندي وعوض وحميد – ولكنّه لم يعمر فمات شاباً تاركا أولادا أيتاما وزوجه أصيله حبست نفسها على تنشئة أولادها. ===أولاد أحمد الموسى الفريحات=== كان أبناء أحمد أيتام، وكان أكبرهم محمد الذي بالكاد تجاوز سن الطفولة وبلغ مبلغ الرجال ولعلَّه كان في الخامسة عشره من عمره، كانوا يسكنون في بيتهم في الجزازة – مكان مسجد الجزازة حالياً-وقد ورثوا عن أبيهم غنماً وبقراً كانوا يعتاشون منها، كما كانوا يزرعون أرضهم في الجزازة حيث آل لهم حق أبيهم في الأرض التي لم تكن خضعت للتسوية (عمليات تسجيل الأرض في شرق الأردن تحت حكم الانتداب البريطاني 1922-1946)، ولا يوجد أوراق ملكيَّه حيث تملك الأرض بوضع اليد وتباع بالحجة – نوع من السندات-. ولعل شيطان الطمع هو الذي حمل بعض أقاربهم على التفكير بأكل حقهم في الأرض حيث كانوا أيتاماً ضعفاء، ومن المعلوم أن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم – قد عدَّ أكل مال اليتيم من الكبائر، وقد ورد الترهيب من ذلك في كتاب الله” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" صدق الله العظيم، ولهذا أقول أن الشيطان سوَّل لبعض أقاربهم أكل مالهم ليدخلهم إلى السعير، وقد استغلَّ بعضهم حدوث سرقة ”جداي" في الجزازة فاتهموهم بها وعلى هذه الخلفية كان من شأن أحد الغاضبين أن ألقى أثاثهم وأغراضهم خارج بيتهم وقال: "ليس لكم عندنا بيت ولا أرض” أما باقي الأقارب فقد أعماهم الطمع فآزروه ووقفوا لجانبه وتنكروا لحق الأيتام بأرض أبيهم وجدهم وتواطئوا على ذلك معهم وأكلوا مال الأيتام وقهروهم-وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهنَّد-، وهكذا رحلت فضه مفطورة الفؤاد مع القليل من المتاع مع أبناءها يسوقون أغنامهم وأبقارهم إلى” الزبليَّه" (منطقة زراعية بين الجزازة وجرش) حيث لجأت إلى أهلها وكانوا نعم الأهل. ==وقعة بصة الأكراد (قرب الفاخرة)== ==قصة مصلح الفريحات وأحمد باشا الجزَّار== في أطراف الغور أدرك مصلح المساء فحلَّ ضيفاً على رجلٍ شهم ومعروف وكان بيته فرداوي (بعيد عن الناس) فأكرمه صاحب البيت وأحسن ضيافته وكان للبيت- حوش-فناء واسع له بوابه كبيره، كانت فرس مصلح مربوطة بداخله، وبعد مضي جزء بسيط من الليل سمعوا جلبة الخيل والرِّجال، فنهض المعزِّب يستقبل ضيوفاً جدداً. كان الرجال مجموعة كبيرة من الفرسان والبغالّه، حيث البغال محمَّلة كما كانت ملابسهم تدل على صفتهم الرَّسميَّة وتبعيتهم للدولة العثمانيَّة، وكانوا مسلحين وكان الجيش التركي يستعمل البغال لنقل المؤن والعتاد وجرِّ المدافع. كانوا أكرادا وأتراكاً حلّوا في ذلك المساء ضيوفاً على ذلك الغورانيّ. دخلوا الحوش (اسم المساحة الفارغة أمام البيت) بغير استئذان ولكنَّ المعزِّب رحَّب بهم وأكرمهم وأدَّى واجب الضيافة، ولكنَّهم قابلوا ذلك الخلق الكريم بسوء الأدب والتَّكبُّر، وكانوا يتآمرون على مضيفهم كأنَّه خادمٌ لهم وكانوا مسلَّحين، والأشد من ذلك أنهم تغامزوا على زوجتهِ وظهر الغدرُ في عيونهم فثارت حميّة مصلح فهبَّ لحماية المعزِّب من هؤلاء اللئام ولو لزم الأمر الموت، كان الفرسان قد وضعوا بنادقهم عند المدخل ولم يدُر بخلدهم أن أحداً يتجرَّأ عليهم مهما فعلوا ولكنَّ مصلح قفزَ وأخذ السلاح وجرى مسرعا ًإلى باب الحوش حيث تحصَّن بالجدار وما أن شعروا بالأمر حتى لحقوا به ولكنَّه فاجأهم بإطلاق النار الصائب وقتلهم الواحد تلو الآخر حتى فرغ منهم ولم ينجو منهم إلا طويل العمر حيث فرَّ بعضهم من البوَّابة ونجو دون أن يصيبهم أذى. كان هذا حدثاً عظيماً هزَّ الولاية بأكملها ورآه الوالي إهانةً للدولةِ وحطّاً من هيبتها فأمر بإحضاره إلى عكا حياً، وقد سمِّيت بحادثة (بصَّة الأكراد) قرب الفاخرة. اختار مصلح الفرار في الغابات ومرَّت الأيام والشُّهور والجنود يبحثون عنه، ما تذهب مجموعة حتى تأتي أخرى ونصبوا له كمائن إذ لابدَّ له من الماء والطعام، وأخيراً وقع بأيديهم في إحدى الكمائن وما منعهم قتله أنَّ الوالي أراده حيَّاً ليجعله عبرةً لمن اعتبر. بعد معاناةٍ كبيرةٍ في السِّجن وجد مصلح نفسهُ في مجلس مهيب محاط بالعساكر أمام الوالي المشهور أحمد باشا الجزَّار الذي لقِّب بالجزَّار لشدَّته وبطشه، علم مصلح أن الموت لا بدَّ منه فجريمته كبيره وهو أمام الجزَّار في قلعة عكَّا بجانب البحر. تأمَّله الوالي بنظراتٍ حادَّةٍ ورأى أمامه رجلاً لا يخاف ولا يستجدي. - أأنت مصلح؟ قال: نعم أنا هو. - أأنت الذي تجرَّأت على الدولة وقتلت رجالها؟ قال: نعم أنا هو أنا فعلت ذلك. - ما الذي حملك على ذلك؟ قال: كنت بضيافة رجلٍ لا تربطني به صلة وجاء رجالكم فأكرمهم ولكنَّهم قابلوا ذلك بإهانته والسخريَّة منه وتشاوروا على النيل من شرفه وتغامزوا على زوجته، وكان واجبي أن أفزع له ولو على رقبتي. كان الوالي ذكياً وكان كلام مصلح صادقاً ومتحدِّياً تفرَّس به الوالي وكان شديد الفراسة. ألذلك قتلتهم؟ قال: نعم. ألا تخاف الموت؟ قال: لستُ بخائف. ألا تخافني؟ قال: - لا أخاف منك ولا من غيرك. أكنت قاتلي لو كنتُ معهم؟ قال: كنت سأبدأ بك. ضحك الباشا وأمر بفكِّ قيوده ونزل عن كرسيَّه وطبطب على ظهره وقال له: عفارم...عفارم ( كلمة تركيَّة للمديح) شيخ مصلح أي أحسنت يا شيخ مصلح فأعطاه لقب شيخ وعاد من عكَّا معززاً مكرَّماً بعد أن عفا عنه وأحسن إليه بأن نوَّله ما تمنَّى وأكرمه بأن جعل الحسينيَّات ملكاً خالصاً له بناءً على طلب مصلح، فعاد مصلح وباع أجزاءً منها لأقاربه، وكان هذا هو سبب نزوح عائلات من الفريحات إلى الحسينيَّات حيث كانت مناسبة لتربية الأغنام وزراعة الحبوب. ===قصة العمل في حسبان:=== أصاب الجزازة محلٌ (أي قحط) شديد، فذهب عيسى المصطفى الموسى إلى حسبان في سهول مادبا، حيث اخذ قطعة ارض (مرابعه) حيث يكون للمرابعي ربع الناتج مقابل عمل يده في الأرض من الزراعة إلى الدراس ثم التذرية، وكان يأخذ حقَّه ربع (صبَّة) القمح وهي صبَّار القمح الذي ينتج عن دراسة البيدر ثم تذريته لفصل التبن عن القمح. وفي حسبان سكن هو وزوجته وأولاده في مغاره كان لهم فيها قصص مرعبه حيث قالوا أنها كانت مسكونه، اقترب موعد الحصاد لكنَّ عيسى أصابه مرض أدى به إلى الوفاه. ويقال أن والدته مشايخ الضرغام قد رأت رؤيا في المنام أنه في همٍّ وضيق فطلبت من زوجها مصطفى أن يذهب إلى حسبان فهناك أمرٌ قد حصل وكان قلبها يعتصر ألماً وعيونها تذرف الدموع فرقَّ لحالها وركب إلى حسبان. وفي مقبره حسبان كادوا أن يتمُّوا دفن جثمان عيسى عندما لاح لهم في السَّهل زوال راكب من بعيد، وصل موسى والقوم على المقبرة وعلم منهم أن المتوفى هو ابنه فجلس حزيناً بجوار القبر حزن الوالد على ولده ولم يفارق القبر حزناً وكمداً ولكن عبد الرحمن جاء وأخذه معه إلى المغارة وكان غرائب الاقدار أن مات تلك الليلة ودفن بجوار ولده في حسبان. أما شيره الملاوي فقد وجدت نفسها وأولادها حزينة كئيبة. كانت مشايخ الضرغام بانتظار زوجها وابنها وأحفادها أو بانتظار خبر منهم، ولما طال انتظارها أرسلت ابنها عبد القادر الذي وجدهم بحالة بائسه فحملهم على الدواب وتعاون على ذلك مع يعقوب ابن عيسى المصطفى، أما أخوه عبد الرحمن فقد سار بالغنم من حسبان متوجهاً إلى الشمال وقد انفرد عنهم بسبب حركة الغنم ورعيها في الطريق وفي منطقة (البقعة) اعتدى عليه جماعة من البدو، فأخذوا غنمه وكادوا أن يقتلوه ولكنَّه فرَّ منهم. وصل عبد القادر فلمَّا رأته مشايخ مع الدواب والظعن (أي الظعينة) عند شجرة (الشيخ يوسف) جنوب الجزازة علمت أن الرؤيا قد صدقت وأنهم ماتوا. وصل عبد الرحمن إلى الجزازة فأخبر أهله بما جرى للغنم فركب رجال من الجزازة إلى البقعة حيث كان العربان يضربون مضاربهم وكان لهم شيخ معروف طلب من عبد الرحمن إخباره بما جرى فأخبره وتعرَّف على اللصوص ولكنهم لم يعترفوا وقالوا: "ما هذه إلا أغنامنا” هناك استأذن عبد الرحمن الشيخ بأن ينادي على غنمه فأذن له الشيخ بذلك، فنادى على غنمه بأسمائها فتجمَّعت حوله فصدَّقه الشيخ وكذَّبهم ووبخهم وعاد بأغنامه إلى الجزازة، كبُر أولاد شيره وورثوا عن أمهم حصتها في الجزازة حيث يسكنون الآن. ===قصة صبيحه=== كانت "صبيحه" امرأة ذات سطوه وجبروت وكانت تأمر حتى بقطع الرؤوس، كانت تمارس التعذيب لا يجرؤ أحد على مخالفتها ولا يعصون لها أمراً، كانت مهابة الجانب صارمه وذكيَّه تهزأ بالرجال وتسخر منهم ولا تحسب لأحد حساباً وهناك من قال إنها كانت قائدة جنود ولها حرَّاس. نزلت مع ربعها بين ساكب وريمون وتصادف أن مرَّ قرب منازلها مجموعة من الرجال من وجوه البلاد بحدود الثمانية أو أكثر، فاقتادهم رجالها بالسلاح إليها فأمرت بوضعهم في” زخبة" (أي مغارة صغيرة) مدخلها ضيِّق وأغلقت باب (الزخبة) ( بقرصه) كبيره كان هذا بين ساكب وريمون، قالت لهم من باب التعجيز والسخرية: "مقسوم لا تأكلوا وصامد لا تأكلوا وكلوا حتى تشبعوا" وتوعدتهم بالموت إن عصوها، وسجنتهم وبلغ منهم الجوع مبلغاً، ولكن فرائصهم كانت ترتعد من الخوف لعلمهم ببطشها، فخافوا وفضلوا الجوع على الموت. أما الفريحي الذي كان معهم فصار يأكل من وسطها يوماً بعد يوم حتى صارت كالحلقة فخرج من تلك الحلقة فساقه الحراس إلى صبيحه، أعجبت بذكائه وفطنته أما رفاقه الخائفين فقد قالت لهم: "أنتم مخنثين... ما فيكم رجل إلا ابن فريح" وقيل أنها عرضت عليه الزواج فتزوجها، وقيل أنها رغبت بالزواج منه ولكنَّه تخلَّص منها بالحيلة. ==عرب الشعلان== كانت الشعلان عشيرة قويَّةً بعيدةً يسكنون البوادي الشاميَّة ويتنقَّلون في هذه الباديه التي تم تجزئتها بين العراق وسوريا والأردن حيث قطّع المستعمر الخبيث أوصال البلاد العربيّة وتركها كالجرَّة المهشَّمة إلى قطعٍ صغيرةٍ وذلك لتنفيذ أهداف الصهيونيَّة وأعداء المسلمين. كانوا بعيدين كلَّ البعد عن ما يدور في جبل عجلون وكانوا كثيري العدد لا يحسبون حساباً لغيرهم من القبائل. كان هناك شاعر هو” محمد بن غدير” قد هجا شيخهم، فترصَّدوه حتى قبضوا عليه ووضعوه في حفرةٍ مربوط اليدين والقدمين، كانوا يطعمونه مع الكلاب ويشرب من جرن الكلاب. كان عذاباً نفسياً وجسدياً حتى كاد أن يموت، ولولا أن أشفقت عليه ابنة الشيخ التي رأت مكابدته العذاب وكانت رقيقة القلب على عكس أبيها ورجاله ففكت قيده ففرَّ هارباً حاقداً تتوقَّد في قلبه نار لا يطفئها إلا الانتقام، وكان انتقامه شعراً، كان شاعراً معروفاً يتناقل الناس شعره، فنظم قصيدةً اشتهرت بين الناس فيها هجاء وتهديد وهذه الابيات من قصيدة الشاعر محمد ابن غدير الموجّهة إلى ابن شعلان: نبـــدي بذكر الله على كل ما بـــــــــــــان مــــــــولاي خلاق القمر والنجومي يقـــول ابن غدير حنا أهل المكـــــــــــان والنفس عن بعض المشاحين شومي أشوف محمد صبـح اليــوم غضبـــــــان يا ويل من كثرت عليـــــــه الهمومي يوم وعيد الله علينـــــــــــا جـــرى وكان أمره على المخاليـــــــــق حق لزوم نمنــا وقمنــا من مشامــيـل عوجـــــــان والصبح جب القصر جينــاك نومي جينــــا على قصر طويـــــــل وديـوان خلوٍ ظلالــــه عن وهيــج النســــومي جينـــا على ريــف الخطاطير حمـــدان عباس فوق الراس ريتـــــــــه يدومي كن صب فنجـــان من البــن واسقـــانيا مر على عذارة للمــــــــــــير قومي واني بمــرسال من الشيـــــخ عجـلان عبداً لفـــانـــا فوق قبـــــة قحـــــــومي قال قم دعاك الشيخ قواد الضعــــــان سطام اخو صيتــــــه بعيــــد العلــــوم قمنـــا علينـا ظهـورهن تقول عقبــان اقفــن همايــــم عدهــــــــن النســـــوم اقــفـن همــايم تقول صـف بالأقــران تقول المها لا طــالع لزوم يومــــــــي جينـــا عـ ابن منـصـور يوم الذي كـان سطـام يا شيــخ العـــرب والحكــومـــي شكـــــله بيـن المخـــاليـــق رحمـــان ثريـه جن مــلبّــس هـــدومـــــــــــــــي يقول ان كان تبغي صحبنا مثــــل ما كان ضـــم البواسـل وانتـى بيومــــــي قلت يا شيخ يا فوق من يا مر لنا عقب الأديان النفس عن بعــــض المشاحـــي تشوم لو قد تلي شعث النواصي بالأرسان والا تكـوم لـــــي من المــــال كومــــي خايف يقولوا اسود الوجه بوقـان عـــدا بنا عقب العهــــود الحســـومـــي جرد علينا كنوز من كل الأركان ابــن مجـــيــــد ولابـــتــه الغشـــــومي الله يسود وجه مجــول ابن فلان ســواد ما يـجلى عـن الوجـه دومــــــي أسود من الحره على ريش غربان ولا ظــــلام يتلنــــــــّه غيـــــــــــــــــــوم فطت علي سربة تقـــول زيغـــان صفر العيــــون مصلفحيــــن الخــشـــوم صروا علي صرة تخلف انســــان لما غــدى طـــيـــر القـنـــص فـرخ بــوم ظليت أباري بالمظاهــير حــيــفان لما تـجــارن طــايـــلات الحــزومـــــــي الله يكسر فزعتك يا ابـن شــعــلان بجــاه حـــدّار المــطـــــر مـن غــيــومي أطلب لكم رب الملا يخلف الشــان بالظهــور وعزّكــــــم ما يـــــــــــدومي صيور ما تردوا على راس عمـان ولا على الزرقـاء مســح الغرومــــــــي حريب ربعي طول الأيام سهــران حلفــن عيونــــه مــا تهـنـــا بنــــــــومي ابن حديد ولابتهه ابـــن عـــدوان وابو الغنــــم ظنـــي وراهـــم يقـــــــوم ليا عرضوا عن الضحى جمع ربدان يجـول صبـيـــان الصـباح القــــــروم بـ ملكـا دم يشــبــه أبـو سرحـــــــان والضـــبع لا بخــــر دارع يـــا اللمـــــوم أما الخليل كبارنا عضبن وحسان كبــار النجــوم بـيوتهم بالـخــــــــدوم عجيل وهد وشهاب القرم عيطـان عيــال عــــود بالمـجــــــالـس تــعـــــوم أخو ارشيده بالسخا شيخ لنــــا بان مثل السهـيــــل اللــــــي يقـــود النجـــوم ابن فريح جاك من الجبل زمقــان والمومنـــي والراشــــدي والعتـــــــــوم وكان الرفاقا يا علي من حظّهم فان نتحامل العرف كبـــار الختـــــــوم جمع الدروز ومقابلة جمع حوران وأهل الجبل طلابه للدمــــــــــــــــــوم استشاط شيخ الشعلان غضباً وقال: "من هو ابن فريح؟؟؟حتى يهددني به؟؟من هو؟ من هو؟ لا بدَّ من غزو جبل عجلون وغزو زعيمه ابن فريح الذي هددني به” وهكذا أخذته العزَّة بالإثم، وأمر عربانه بالتغريب قاصداً ابن فريح. تسامع الناس بمسير الشعلان وكثرة رجاله ووصل الخبر إلى ابن فريح حيث أرسل العيون لتراقب الشعلان دون أن يدروا بهم وأخيراً وصل الشعلان إلى طواحين العدوان عند سيل الزرقاء وهناك نزلوا عند الماء حتى يستعدُّوا للمرحلة التالية وهي غزو جبل عجلون. انتدب ابن فريح مجموعه من الرجال” قطاعين الضرم" المعتمد عليهم وأخبرهم بمراده فساروا إلى قرب الطواحين (طواحين العدوان) وتسللوا تحت جنح الظلام وكان لكل واحد منهم دور يقوم به فأتقنوا أدوارهم حيث كانوا أبناء ليل” دوَّاسين الظلماء" دخل أحدهم شقَّ الشيخ وكان نائماً دون حراسه حيث لم يدرِ بخلده أن أحداً يتجرأ عليه، فغرس شبريَّته بالفروة التي كان يتغطى بها ودقَّها بالأرض مع رسالة مكتوبه. أما الآخرون فقد تسلل بعضهم إلى المحرم (شقُّ النساء)، فأخذوا بنت الشيخ بعد أن كمَّموها لكي لا تصدر صوتاً بعد أن طمئنوها أنهم لا يريدون بها شراً وأنَّ ذلك رساله لأبيها، كانت ذكيَّه غير راضيه عن جبروت أبيها فسكتت واستسلمت لهم، أما الآخر فقد جاء بالفرس وسرجها، فأسرجها وانسلّوا تحت جنح الظلام جميعاً ومعهم البنت والفرس، كان البدو متعبين من السَّفر ولم يشعروا بما حصل إلا بعد الفجر. استيقظ الشيخ ورأى الشبريَّه والرسالة وعلم أنهم لم يريدوا قتله ولو شاءوا لفعلوا، ولم يجد فرسه في مربطها، دخل المحرَم فلم يجد ابنته، طار صوابه، ما هؤلاء؟ شياطين؟ عفاريت؟ وجد الرسالة ملطَّخه بالسواد، فهم فحوى الرسالة ووجد أنَّه مجبرٌ رغم أنفه أن يتصرَّف بحكمه، فكيف يغزوا قوماً عرضُه وشرفه بيدهم، ورأى أن لا بدَّ من الرحيل، فنادى: "الرحيل...الرحيل" عائداً من حيث جاء، خائفاً على عرضه وشرفه وسمعته، راقبت عيون ابن فريح عودة الشعلان يوماً بعد يوم حتى وصل إلى دياره. أما البنت فقد أسكنوها مع بناتهم وأكرموها وحافظوا عليها، وبعد أيامٍ من عودة الشعلان أركبوها فرس أبيها وزوَّدوها بالهدايا القيِّمة وأرسلوها مع عبدٍ يقود فرسها وكانوا متابعين لهم في الطريق حيث أعلموها أن هذا العبد هو عبدٌ لها. وصلت البنت وبلَّغت والدها أن ابن فريح يهديه السلام وقال العبد: "أنا هدية ابن فريح الذي يبلِّغك السلام ويقول لك أن عرضك مصونٌ أبيض” سرَّ الشيخ سروراً عظيماً لبياض عرضه وندم على فعلته ولم يُسمع أن الشعلان غزوا جبل عجلون بعد ذلك. بين النعيمة والرمثا. كثيرا ما كان يشب الخلاف بين العشائر بسبب الأرض حيث لم يكن هناك دوائر حكومية أو مخططات تبين حدود الملكيات، وقد نشب خلاف كبير بين" النعيمة" و” الرمثا" وحصل بينهم مشاجرات حيث اختلفوا على الحد الفاصل بينهما، كانت الأراضي سهول يصعب تحديدها بمعالم طبيعية بعكس الجبال والأودية والهضاب حيث توجد معالم طبيعية واضحة لا تتغير، تسامعت عشائر الشمال بما جرى وحاولوا التوفيق فيما بينهم فلم يفلحوا وذلك بسبب أن الأمر وصل إلى سفك الدماء مما جعلهم يائسين من إصلاح ذات بينهم. كان هناك مثل في شمال الأردن تناقله الناس” دبروها يا فريحات" فعلم بعض العقلاء أن عليهم اللجوء لابن فريح ليدبر هذا الأمر وقد وقع اختيارهم على” سليم الشريدة" أحد أكبر مشايخ الفريحات فطلبوا منه العون فلم يتوانى عن ذلك وفي مجلس ضمَّ وجهاء الشمال اقترح عليهم التحكيم فقبلوا ذلك على أن يقوم هو بالحكم بهذا الشأن. توارد الخصوم وكلٌ اجتهد في حجَّته وكلٌ أكَّد صحَّة الحدود التي يقول بها، وبعد السماع طلب سليم أن يأتوه في اليوم التالي بأكبر مسنه من الرمثا والنعيمة ولا يهم من أيهما كانت، وفي اليوم التالي جاءوه بأكبر معمِّره في البلاد وكانت عجوز حملوها حملاً لا تستطيع الوقوف على قدميها. امتحنها سليم فوجدها امرأة عاقله واعيه رغم سنِّها وهرمها فأراد امتحان صدقها أمام الجميع. أقسم عليها وسألها بالله أن كان يطرأ على بالها معاشرة زوجها وكان ذلك محرجاً لها أشدًّ الإحراج ولكنَّه عاد بالسؤال وعظم به عليها فقالت:" يا بنيَّ سألتني بالله وأنا على حافة قبري وأمام الناس، فوالله لأصدقنَّك القول: كل ما هبَّ الهوى بشليلي يطرأ على بالي حليلي". دُهش الجميع للسؤال والجواب فاطمأن إلى صدق العجوز سألها إن كانت شاركت بحصاد ”وغمارة" هذه الأرض في شبابها، قالت:" يا بنيّ كلُّ حياتي شقاء في هذه الأرض فقد أكلت منها وأكلت مني”، فسألها عن مكان بيوت الشعر لكل من الطرفين في وقت الحصاد، فقالت:" كيف لا أعرف ؟!، احملوني حتى أدلكم على مكان البيوت"، فحملوها على حمار، فأخبرتهم حيث كانت تسكن بيت الشعر ومكان موقد النار فحفروه فوجدوا الرماد فسألها عن "القعره" (أي علامة حد الأرض) التي كانت تحد زرع الرمثا عن زرع النعيمة، فأخذتهم العجوز إلى مكان القعره فحفروه فوجدوا الحجارة والرماد فتأكد للجميع أن الحد هو ما أخبرتهم به العجوز، وبذلك حكم بينهم” بالحفار والدفار" أي لا يطلب أحدٌ أحدأً، وبنى رجماً (أي كوم حجارة) بيِّن الحد بين الزعبيَّه أهل الرمثا وأهل النعيمة، فقالوا:" دبرَها ابن فريح". وقد نشأ عن ذلك صداقه ومصاهره حيث تزوج شيخ الخصاونة من” نزهه السليم الشريدة" وأنجبت له أبناء هم من شيوخ النعيمه قديماً وحديثاً. ==أبناء احمد الموسى الفريحات== استوطن أبناء احمد الموسى الحسينيات بدعوه من حسين السليم، وزرعوا بها الكروم وكانوا له عزوه كما أراد، كان كبيرهم محمد هو قيم أمرهم، كان قوي البنيه سليم البدن، يُضرب بقوّته وعافيته المثل ولعلّ هذه الحادثة تدلّ على ذلك، كان محمد في ساكب وكانوا يوسمون البقر (تعليمه بالحديد المتوهج)، وكان هناك ثور عجز الرجال مجتمعين عن تثبيته للوسم فقام محمد بذلك لوحده مما أدهش الناس. ===وفاة محمد الاحمد الموسى الفريحات=== هناك رواية طريفة وعجيبة بخصوص محمد حيث كان مع أغنامه وأبقاره قرب سيل الزرقاء، فشاهد كبّة غزل تتدحرج على سطح الماء، نزل الماء وحاول الإمساك بها ولكنّها كانت تتفلت منه كلّما كاد أن يمسكها حتى طال عليه الأمر فتعب وخرج إلى ظل شجرة مجاوره فنام، أو كان بين النائم واليقظان، فرأى امرأةً شابّه هي في الواقع تحوّلت من كبّة الغزل إلى شابّة جميله فعرضت عليه الزواج منها فأبى وبعد محاوره طويله لم تجدِ معه ضربته بيدها على أذنه فدخل في غيبوبة، ثم جاءه رجال قالوا أنه مات وبعد قليل جاء رجل مسرع من بعيد وقال لهم: توقفوا، حتى وصل إليهم فمسك بيده قطعة من الخشب اليابس فكسرها فوجد أنها ما تزال خضراء من اللب، فقال:" هذا ما مات، ارجعوه هذا سيموت بعد كذا من السنين بشهر كذا بيوم كذا على الحساب القمري" وكان محمد مصدقاً لهذه الرؤيا العجيبة وكان يحسب أيام حياته، وفي أحد الأيام كان أخوه عوض ذاهباً إلى الطاحونة المائية يطحن القمح في واد الحدادة، فقال له محمد:" يا عوض لا تتأخر جاء موعد وفاتي ”وقام بتحضير البيت للعزاء، فضحك عوض ملء فيه وقال له:" صحتك مثل الحديد شو هالحكي” وفعلاً عاد عوض من الطاحونة فوجد محمد قد مات كما قالوا، ومن المعروف ان أذن محمد قد صمّت منذ حادثة كبّة الغزل في سيل الزرقاء. وبعد وفاة محمد بفتره تزوج عوض زوجة محمد التي بقيت ضمن الأسرة مع أولادها كما هي عادة الناس ذلك الزمان، حيث نشأ حسن وحسين في كنف عوض وحميد. === في"العسكرية" والسفر برلك=== أعلنت الدولة السنيّه التعبئة العامة على مراحل وذلك في الحروب التي شنت على الدولة العثمانية ابتداءً من حرب القرم وحتى آخر الحرب العالميّة الأولى، هذه الحروب التي تعدّ امتداداً للحروب الصليبيّة التي شنّت على المسلمين. كان السلطان عبد الحميد مخلصاً مسلماً واعيا وقف أمام تلك الحروب الصليبية وأمام الخون عملاء اليهود في الداخل لآخر أيام حياته، وقد أعلن السلطان التعبئة العامة على مراحل حسب الحاجة، وكان أول من طُلب للحرب الشبان العزابيّة ما عدا وحيد والديه، ثم أخذوا المتزوجين ما عدا من تزوج بغريبه ولذلك تزوج عوض بغريبه ليسلم من العسكريّة ولكنهم ما لبثوا ان أخذوا كل من هو دون الستين، أخذوهم راغمين لم يكن عندهم ولاء للدولة التي طالما ظلمتهم وسلبتهم أرزاقهم بكثرة ضرائبها. كانت الحرب مستعرة والدولة تلفظ أنفاسها، وقد بلغ الجوع حتى صار الناس ينبشون روث الخيل لاستخراج حبات الشعير وطحنوا البلوط واقتاتوا على الخروب والنباتات البريّه وصارت الحسينيات خاليه من الرجال وكانت النساء فقيرات معدمات يلهثن وراء لقمه تسدّ جوع صغارهن. ====الفرار==== فرّ عبدون السليم من القطار من حلب واستطاع العودة سالماً وكان حكم الفرّار رهيباً حيث كانوا” يخوزقوه" وذلك بوضع عصاً في دبره تخرج من ترقوته أمام الجنود حيث يبقى معلقاً أياماً مشكوكاً بهذا القضيب يتعذّب حتى الموت، فكان الفرارات يفضلون الموت على القبض عليهم لقسوة الحكم الذي لا رحمه فيه. أما حميد فقد طال بقاؤه وتعلّم التركيّة وكان معسكره في أزمير غرب تركيا، وكان العرب يفرّون من الجيش مما وضعهم تحت الرقابة، وعندما أراد الفرار استأذن من قائده بأنه ذاهب ليشرب الماء فسمح له وعاد حميد، فكان في كل يوم يستأذن ليحضر الماء لخيمته ويعود حتى أمنوا فراره ولم يشكّوا فيه، وأخيراً ذهب مساءً ليحضر الماء بعد أن استأذن ففرّ من الجيش وكان يسير في الليل ويختفي في النهار حيث كانت صورة الخازوق ماثلة أمام عينيه مما جعله أكثر سرعة في الليل وحيطة بالنهار، وبعد أن قطع آلاف الأميال خائفاً جائعاً تعباً واستغرقه ذلك أكثر من شهرين كان يقتات على كل شيء يجده في طريقه، وصل أخيراً إلى الشام حيث سمع الأطفال يغنّون: "قولوا للشريف يركب الحمارة ويشنّ الغارة" فعلم أن الدولة ضعفت سلطتها عن الشام وواصل طريقه قاطعاً سهل حوران إلى درعا حذراً فلول الدولة وعيونها وبقايا جنودها. وأخيراً وصل الى الحسينيات محتزماً على معطف ثخين بالي ذو هيئة مخيفه طويل الشعر حافي القدمين، طرق الباب ليلاً بعصاه فخرجت والدته العجوز، كان الدخان يحجب ضوء السراج، خافتهُ، لم تعرفهُ، تبادلا النظرات، اقترب إلى أمه ضمها، شمّت رائحته وضمّته وهي باكيه تذرف دمعها وتقول اخوانك لم يعودوا يا حميد. كانت الحسينيات خاليه من الرجال وما لبث أن وصل الخبر إلى البيوت الكئيبة حتى تجمّعت النسوة عنده لعلّ عنده خبر عن ذويهنّ. ====عودة عوض الاحمد الموسى الفريحات==== لم ينجح عوض من الإفلات من السفربرلك بزواجه من غريبه، فقد جاءت الجندرما وأخذوه مع باقي أقرانه إلى المفرق حيث حملوهم بالقطار إلى دمشق، قام بمحاولة فرار فاشله أعادوه بعدها إلى القطار حيث توجّه بهم شمالاً إلى بلادٍ لم يسبق له أن سمع باسمها، ومن المرجّح أن هدف الرحلة كان الجبهة الروسيّة في شمال شرق تركيا، تحيّن عوض فرص الفرار طوال الوقت، وأخيراً دخل القطار في منطقة وعره مقفرة بين جبال كثيرة الانحناءات فكانت تلك هي الفرصة التي انتظرها، قفز من القطار وطار مسرعاً تحت وابلٍ من الرصاص حتى غاب عن أنظارهم، كان القطار مسرعاً لم يتمكّن من الوقوف، راح عوض يركض مسرعاً هارباً نحو الجنوب وبعد أيامٍ من الهروب صادف وجود هاربين مثله فانظمّ إليهم وساروا حتى بلغ الجوع بهم مبلغاً حتى أنهم فرحوا عندما وجدوا جيفة حمار فتنافسوا على أكلها من شدّة الجوع. وفي سيرهم نحو الجنوب مروا بديار قبيلة تركمانيّه مواليةً للدولة كانوا قد وضعوا عجوزاً على قمّة عالية سمّاها الفرارات” عجوز السوء "فأشعلت العجوز نار المدخنة كعلامة على اكتشافها وجود الفرارات، حيث كانت العجوز مرصداً لهم. تجمّع التركمان عند رؤية دخنة العجوز وراحوا يطاردون عوض وجماعته وكادوا أن يمسكوا عوض لولا مهارته القديمة بالمحاجرة الأمر الذي تدرّب عليه طوال حياته في رعي الغنم. كان عوض ماهراً بإصابتهم كان قد مدّ يده ليتناول حجراً فإذا بيده تمتد إلى قطعة زجاج من قنينةٍ مكسورةٍ فرمى بها زعيمهم "ابو الجدايل" فقصّ جديلته مع جزء من جلدة رأسه فصاح:" الأشقر...الأشقر.. أمسكوا الأشقر" فتركوا الفرارات وركضوا وراء عوض حيث صار لهم عنده ثأر. كان عوض يضرب ويهرب فاراً بأقصى سرعه زوّده بها الخوف على الحياه، وأخيراً دخل بيت شعر لبدويه من ديار بكر فلجأ إليه ولم يكن به إلا امرأةٍ استجار بها فراحت تجادلهم وتحذرهم من الاعتداء على البيت وأجيره وأشارت له إلى خلف البيت ففر مسرعاً وهي تناقشهم فلما رأوه كان قد قطع مسافه أعطته نوعاً من الأمان، ولكنهم ركضوا خلفه يطلبونه وأخيراً وصل إلى نهرٍ عظيم لم يرَ مثله في حياته وكان عند النهر ثيران يؤجرونها لمن أراد العبور ولكن لم يكن لديه الوقت ولا المال حيث أحاط به مطاردوه فقفز إلى ثورٍ عظيم أمسك بذنبه وصاح به فسبح الثور وعوض متعلًق بذنبه حتى وصل الضفة الأخرى فسار مسرعاً إلى الجنوب يقطع البلاد في الليل والنهار وكان يخرج من مأزق ليدخل في مأزقٍ آخر وأخيراً وجد نفسه قد قطع بادية الشام بدون علم منه حتى وصل إلى جنوب الأردن وأخيراً صحح مساره متّجها ًإلى الحسينيات حيث وصلها ليقصّ على أهلها ما صادفه من أهوال. أما فندي فلم يعد من تركيا وقد حلّ مكانه ابنه علي الذي تربى على يد عمّه حميد وعمّه عوض مع أخته" عاشه الفندي” حتى كبر علي وعاشه وأخذ علي حصّة أبيه كامله. وبعدها تزوّج علي من ساكب" حفيظه" بنت الحاج مفضي وتزوجت عاشه من" محمد الحاج مفضي”فكان ذلك زواج بدايل (أي يتزوج رجل من امرأة ويزوج أخته أو ابنته لأبو أو أخو زوجته في اتفاق واحد)، وكذلك لم يعد من تركيا محمد الأسعد ولا سعيد السليم ولم تصل أيّة أخبار عنهم. ==فخذ شريده الفريحات== كان شريده مناصراً لأخيه مصطفى في أخذ ثأر أبيهما أما أخوهما عباس فكان في عرجان عند أخواله. كان شريده سديد الرأي حسن المشورة، ففي أحد الحروب التي نشبت بين عباد وبني صخر من جهة وجبل عجلون من جهةٍ اخرى، وفي غارةٍ غنموا فيها أغناماً كثيره أشار على ربعهِ بان تُحذى الخيل بالمقلوب وذلك لتظليل قصاصي الأثر فكان أتجاه الخيل معاكس لاتجاه الغنم مما أعجز القصاصين عن معرفه اتجاههم حتى وصلوا الى بر الامان ولذلك قيل (شريده إحذى الخيل مشقلب) أي وضع حذوة لأرجل الخيول بالمقلوب لتمويه الأثر على مقتفيه. "قصة العلوّه" حضر الوالي العثماني من الشام واجتمع برجالات الشمال وذلك في إطار حملة تجريها الدولة بخصوص التنظيمات الإدارية المرتكزة على أسس عشائرية، فأغدق عليهم الألقاب التي تعكس أهمية الشيخ ومكانته آنذاك، ووصل الأمر إلى سليم الشريدة حيث كان عالي الطموح لم يطلب أرضاً كغيره من شيوخ البلاد فقال مجيباً الوالي عن سؤاله: “ما طلبك يا سليم يا ابن فريح ؟" قال: "أنا اريد منصب العلوّه يا باشا”، والعلوة منصب تشريفي يعطى لشيخ مشايخ البلاد ولواحد فقط من الشيوخ في كل سنجق من سناجق الدولة العثمانية. فقال الشيخ: "يا شيخ سليم العلوّه لا تدوم فخذ دبين ومجدل دبين خير لك من العلوّه” ولكن سليم لم يكن يهوى الأرض بل عشق الزعامة، فقام ووضع ابناً له طفل في حِجر الوالي راجياً أن يكرمه بلقب” العلوّه” ذلك المنصب الرفيع. فقال الوالي: "يا سليم أنت علوّه وسيكون لك راتب العلوّه ”وهو راتب سنوي عباره عن كيس صغير مملوء بالدنانير الذهبية من الدولة السنيه. يقال أن هذا الراتب لم يصله إلا مره واحده حيث تغيرت أحوال الدولة وأنظمتها وصار الناس يتندرون بسوء اختياره حيث ترك دبين والمجدل إلى لقب لم يدم "عبدون السليم” هو أبو رسميه زوجة عبد الحميد بن احمد الموسى. ورث عبدون أرض واسعه عن أبيه منها "ميسر الفشّ". وكان له سمعه بين أقرانه بالشدّه والجرأة حتى انه ذهب إلى وادٍ بعمّان يقال أنه سمي باسمه (وادي عبدون) حيث كان الوادي موحشاً تسكنه الضباع في طريق تجار المواشي القاصدين سوق ”رأس العين" وكان يأخذ منهم ”خاوه" (أي إتاوه) مقابل السماح لهم بالمرور سالمين مع مواشيهم وبعد سنين القيَ القبض عليه لفرضه الخاوة على التجار واودع سجن الشام وطال به الأمد في السجن فكتب هذه القصيدة الى راشد باشا الخزاعي الفريحات طالباً منه السعي في إطلاقه وتحريره من السجن "قصيده من رواية عيد عبدالحميد فريحات" يا ديرتي يا البعيده بالصياح تدعي المداعي بالمراكب ونيه يا طير ياللي بالجو فوق سوّاح بالله يا طــــير تفــــهم علــــيه خذلي سلامي بالورق خط وضاح وارميه على اليّ يحوزه بالفخور العذيه تلفِ (ع) كفرنجه أو من بعد مصباح يا حايم بالدنيا أطرافٍ فضــيه ابو فوزه يا شوق من لبس ٍمطواح زبن ٍ عياله ما يساوون الرديه رموني بحبس ٍ كبير ٍوجحجاح ٍ أخ من بق ٍ وبرد ٍ و وحواح يا حصيرتي ما نمت نومه هنيه صرت أرفع من العود وأدق من الماح ملوي على الدولاب طيه على طيه وأدق من صفره على البندقية رجعت أنا طفل ٍ صغير بمرجاح فاقد حليب الديد عند العشية أواه أنا من ديرة السجن انزاح وأبعد عن ديرة الشاويش والظابطيه والأرجح أن راشد باشا تدخل وأخرجه من السجن حيث كان من رجاله الذين يشّد بهم الظهر. قصة صقر الفريحات كان أحد شباب الفريحات قد ربى صقراً ليصطاد به كما هي عادة شيوخ ذلك الزمان في الصيد، ولكن الصقر بدلا من أن يصطاد الأرانب، والطيور البريه كان يعود لصاحبه، وقد اصطاد دجاجاته، وبذلك ضرب المثل ”مثل صقر الفريحات بودوه (أي يرسلوه) على الصيد برجع على الجاجات” ( أي الدجاجات) قصة واوي زياده كان زياده قد وجد واوي رضيع ماتت أُمه فحمله إلى بيته وارضعه حليب أغنامه حتى كبر، ولكنه عند ما كبر فرّ إلى البوادي وكان يعود بين الحين والآخر إلى بيت زياده ليسرق الدجاج أو يقرض ”الشكوه" فيشرب لبنها وينسكب محتواها على الأرض، أو يفري (ظبية) اللبن، حتى ضرب به المثل ”واوي زياده ”وذلك يُضرب لناكر المعروف. "لواء عجلون" ناحية بني علوان كان لواء عجلون يضم معظم ما يعرف الآن شرق الأردن وخاصة المناطق المأهولة من شرق الأردن حيث كان ”إبن فريح سنجق جبل عجلون” هو المسؤول عن جمع الضرائب وكان اللواء مقسم الى نواحي هي: 1. ناحية عجلون وتظم ستاً وثلاثين قريه حيث كانت عجلون مركز اللواء والناحيه. 2. ناحية بني علوان وتظم ستاً وثلاثين قريه زراعيه دافعه للضرائب وهذه القرى هي: عليمون، نقيته السفلى، دبين، برمه، مرج شيخ، نحله، نجده، دير بني قبيس، منصور، جرش، ساكب، عيصره، بعنه الفوقا، راغه، مصلى، بصا، حنوق (وادي سوف )، كفر فطره، رمان، ريمون، عين نجده، عين جنة القاضي، همتا، عين جملا، قاميه، جبه، دير تليل، شجريه، الجزازة، عنبا، جبا، عتك، دير زقريط، كوره، جرش. 3. ناحية كوره. 4. ناحية الصلت. 5. ناحية غور. 6. ناحية علان. 7. ناحية كرك، وتظم الكرك والشوبك والطفيلة وكانت هذه التقسيمات سائدة في بداية الدولة العثمانية وبداية ظهور أمر الفريحات في جبل عجلون، حيث كانت الاسرة الغزاوية مسيطرة على المنطقة لمدة ثمانية وسبعين عاماً ابتداء من عام ألف وخمسمائة وستة عشر ميلاديه ثم خلفهم الفريحات. وقد ورد في سجلات الضرائب لناحيه بني علوان ذكر نجده وعين نجده ومزرعة فريح، ومزرعة الحسنيه وذلك باللغة التركي واللكنة التركية. كما وردت ”قرية المرح نجده” ومزرعة الحسنيه (قرب نجده) كما وردت قرية ”عين نجده”، كما ورد ذكر كفرنجه ( مركز ناحية كفرنجه من لواء عجلون "في سجلات المستشرق ”سيلاه مرل "الذي مر بها عام 1875م ووصفها بأنها قريه مزدهرة مغطاه بالأشجار المثمرة والزيتون والخضراوات والحبوب. كما ورد ذكر "راجب ريان "ووادي راجب، وينابيعها، ومحاصيلها الزراعية من الزيتون والأشجار المثمرة. كان يحد لواء عجلون من الشمال بني الأعسر، وبني جهمه، وبني كنانه من نواحي حوران ومن الغرب ”شريعة الأردن "والبحيرة الميته" ووادي عربه ومن الجنوب تجاوزت حدوده وادي موسى، أما من الشرق تجاوزت حدوده طريق الحاج الشامي حيث انشئت سكة الحديد فيما بعد. وقد وجد في النصوص المملوكية سنه 1328م\728هـ ان سيلا ً دمر عجلون وسُجلت الأضرار ويظهر من الوثائق ان عجلون احتوت ثلاثة وكالات للتجار (مطاعم مع فندق) وخمسة عشر سوقا ً، ومصبغة ومسلخات وحمامات وعدد كبير من الطواحين. "الحسينيات": أصل التسمية لعل في الاسم ما يدل على المسمى ولكل اسم عند العرب ما يبرره أو يرمز اليه، ولعلَّ الاسم يعود إلى الفترة التي تلت موقعة كربلاء الشهيرة التي استشهد فيها الحسين سبط الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وجيء بالحسينيات (بنات الحسين وأخته زينب)إلى دمشق حيث ديوان الفاسق يزيد، وبعد ذلك خرجن مضعنات قاصدات مصر ولعلَّهن أقمن بالمكان الذي سمِّي باسمهنَّ ريثما تيسَّرت لهنَّ أسباب السفر لمصر حيث خرج والي مصر وأهلها لاستقبالهنَّ، هذا ما ورد في التاريخ والله أعلم. ولكل اسم عند العرب ما يبرره ومن المعلوم أن الطبيعة الحصينه للحسينيات بين الجبال كانت سبباً للجوء كثير من المضطهدين والخائفين على أنفسهم إليها حتى شبهها بعضهم بقلعة رودس التي تقع في البحر الأبيض المتوسط، والتي كانت مركزاً للفرسان الصليبيين اللذين غزوا بلادنا في القرون الوسطى. قصة مقتل العبد ووفاة سالم في السجن كان سالم وعبد ”شريده" في طريقهم ليلاً الى راجب أو إلى منطقه بالقرب من راجب وبسبب خلاف لم أقف على سببه.... قام سالم بإطلاق النار على العبد فسقط ارضاً ولكنه تمسك بثياب سالم فما كان من سالم إلا أن قطع ثوبه بالشبريه وفرَّ مغادراً المكان، ... وصل أُناس فوجدوا العبد في الرمق الاخير بيده جزء من ثياب قاتله...... فأخبرهم ان سالم قتلهُ ومات... أسرع الناس يبحثون عن سالم فوجدوه وقبضوا عليه قبل أن يبدل ثوبه، وكان الدليل دامغاً حيث كان الثوب وهو الدليل الواضح... وصل الامر إلى الدولة وقُبِضَ على سالم ونُقِلَ إلى سجن الشام وحُكِمَ هناك... وبعد فترة من سجنهِ توفي في السجن... كان هذا الحدث مثار خلاف في ما بعد بين ابناء سليم شريده وحمود... وقد جرت أحداث على تلك الخلفية... ثم كان حرق بيدر حسين السليم” والله اعلم بالفاعل... ولعل ذلك يوضح لجوء حسين السليم لأبناء احمد الموسى وعرضه عليهم ”مشد فدان” في الحسينيات”. أهل الحسينيات كان سكان الحسينيات الأوائل هم: حسين السليم، حمود، عبد الرحمن العلي، حسن الأسعد مختلفين في سلوكهم رغم القرابة الشديدة بينهم في الدم والنسب، كان حسن الأسعد رجلاً عابداً نقياً متواضعاً له كروم عنب واسعه أنشأها بكدّ يده وعرق جبينه، وكان كريماً مطعماً للطعام كثير الضيوف، أما زوجته هيفا الخزاعي كانت امرأه شيخه تجيد الرماية وركوب الخيل ولها شخصيّه قويّه تتفوَّق على الرجال. كان حسين السليم كبير الحسينيات وشيخها وكانت هناك منافسه بينه وبين حمود وكان بيت حمود ملجأ للفارين من الدولة وكانوا يأتمرون بأمره وقد حصل نزاع بينه وبين حسين السليم، فخاف حسين على نفسه وفكَّر بالعزوة، فأرسل إلى أبناء أحمد الموسى، محمد وفندي وعوض وحميد وطلب منهم أن يفزعوا له وقال لهم:” هذا مشدّ فدّان لكم إن جاورتموني بالحسينيات” وهكذا ترك الشبان الأربعة وأمهم" الزبليَّه” قرب الكته وجاوروه بالحسينيات وأعطاهم الأرض التي جعلوا منها كروماً للعنب ولا يزال اسمها الكروم وكانوا له نعم العزوة. من الأحداث المهمة بالحسينيات أن يد الخيانة امتدَّت الى بيدر حسين السليم، حتى أن ناره شوهدت من جبال فلسطين وقد أُتهم بذلك” أبو محمود زوج زكيّه الحسن” وقيل أنه ثأر لوشاية أدت لتسليمه للدولة حيث كان مطلوباً لجريمه ارتكبها في فلسطين على أن هذا لم يثبت، كما أن علي الحسين أنكر وشايته بالفلسطيني حيث كان راغباً بالزواج من زكيّه ولكنّه أنكر أنه وشى به. من أحداث الحسينيات ( عبدون وحمود) كان عبدون غائباً عن منزله، فجاء حمود ورمى أثاثه من البيت وخرجت زوجته” صبحا المصطفى" وبناتها وسكنوا تحت التينة وعندما عاد عبدون انتقم من حمود بأن أخبر عنه الدولة بما كان يجري في بيت حمود، وجاءت" الجندرما" ورحل حمود فاراً الى القبو في الجزازة، كاد الجنود أن يهدموا بيته لولا تدخُّل امرأه رأتهم بدئوا بهدم البيت فعلا نحيبها وصياحها فأشفقوا عليها وتركوا المنزل بعد أن هدموا بعض الحجارة، وهذه المرأة هي صبحا المصطفى التي رغم ما ذاقت من الهوان مما فعله حمود إلا أنه لم يهن عليها أن يهدم ”أبو ضلع" بيته وجاءت بنفسها في هذا الموقف، أما أبو ضلع فقد ترك عسكر الفيصلية وصار بعدها لصٌّ معروف وقُتل من قبل رفيقه في أحد( صير) الماعز في حادثة سطو، ومن المعروف أن حمود لم يرجع إلى الحسينيات بل توفي شاهده على العصر: رسميه العبدون الفريحات كانت رسميه حكيمه ذكيّه قويّة الشخصيّة تركب الفرس الأصيلة وتقوم بشراء حاجيات المنزل من جرش على ظهر فرسها الحمراء، كانت عابده وحاجه وكثيراً ما كنت رديفها على ظهر الفرس. كانت تبذل الخير والمعروف ولا تنتظر جزاءً إلا من الله، حياتها مليئة بالعطاء وتربية الأيتام والشقاء في أعمال الزراعة وحلب الأغنام ولها أكبر الفضل عليّ حيث ربتني يتيماً وكانت لي أماً وأباً ومهما كتبت عنها لا أستطيع أن أفيها حقها. قالت رسميه:" أتذكر الجيش التركي يلبسون البناطيل والستر والأحزمة العريضة والخوذ ويحملون مطرات الماء بأيديهم والكرابيج والبواريد. كانوا يرهقوننا بالكيلات - والكيل هو ضريبة القمح التي نؤديها للدولة رغماً عنا -. عندما عاد حميد من العسكرية قالت أمي هذا طليبك وكنت صغيره وصار هذا دون علم مني، فرّت تركيا حيث مرّ الجنود من كفرنجه قادمين من الغور وفي طريقهم مروا من عين جنّا، فتناول جنديٌّ قطف عنب من دالية فأطلق قائده عليه النار وقتله على الفور، الدولة لم ترخص لجنودها النهب ولكنهم كانوا جائعين. وفي الليل شاهدنا نيران القنابل المتفجرة بالغور وصار نهب لمخازن الأسلحة، وشاهدت النساء يحملن البنادق على الحمير بالحمالات كما ينقلن الحطب قادمات من الغور. وفي تلك الفترة لجأ لكفرنجه أناس كثيرون لا يتكلّمون العربية لعلّهم من الأرمن. وفي فترتها أرسلتني أمي مع زهر بنت محمد العبد إلى كفرنجه حيث طلبت من الباشا راشد أن يتوسّط لإخراج أبي من السجن وأطعمته” بُريد" كان معي قطفته من الطريق، ضحك الباشا وذهب إلى عجلون وأخرجه من دون أن ينزل عن فرسه بنفس اليوم حيث أشار للجنود بيده" روحوا عبدون على أهله" وبعدها زالت الفيصلية وسمعنا عن قدوم الأمير عبد الله. تزوّجت حميد وكنّا ثلاث عائلات ببيت واحد وكان مهري خمسة معزى وثور وبقي عند حميد سخله واحده هي أم غنمنا التي صارت كثيره حتى ضاق بها المكان، وربينا البقر وزرعنا وحصدنا وكان حميد جادّاً بعكس جيله اللذين لم يكونوا يعملون إلا للضرورة. ولدت عيسى بالشتاء وبعدها ولدت موسى حيث عاش سبعة أيام فقط ثمّ ولدت باقي أبنائي حيث ساعدونا في الزراعة والرعي ولم يكونوا عبئاً علينا، كنّا عائله عامله منذ الصغر. كان عيسى شجاعاً من صغره وكان هناك عداء بيننا وبين العياصرة بسبب الأرض، كان عيسى يأخذ البقر إلى جحدب (نبع ماء بين نجدة والحسينيات) بعد المغرب ليسقيها الماء على وجه التحدّي وكانوا ساكنين عند العين، ومع ذلك كان لنا أصدقاء من ساكب هم دار محمد الرشيد، ومحمد المفضي، ومحمد الفارس، والعمور، وأولاد أحمد العلي، وكان العداء مستحكم وفي كلِّ سنه شجار حيث كانوا طامعين بأرضنا حتى مقتل عبد الحميد. عبد الحميد الرجا لم يكن صاحب المشكلة ولم يكن عدوٌّ لنا كانت أمه عاشه الحمود من الفريحات ولكن صاحب المشكلة” رزق الله" هو الذي تسبب لنا ولهم بما صار. كان حوش وبوش حميد للجميع حيث كنا عائله واحده ملكيتها مشتركه. كبرت هاجر وخطبها على الحسين وكان مهرها خمسةً وسبعين ديناراً أخذنا ثلاثين عنزة بثلاثين ديناراً أما الباقي فقد باع علي المشماس (إسم أرض بين جده والسحينيات) لمحمد الرشيد بأربعين ديناراً فأعطاه حميد خمسة دنانير زيادة على سعر محمد الرشيد وأخذ المشماس كما هي عادة الناس آنذاك، وكانت كلفة العروس وجهازها على أهلها مع أثاثها. تعلّم عيسى عند الخطيب ثلاثة أشهر وكان الخطيب هو الشيخ حسن وكانت زريفه الحسن من جيل عيسى. مرض ابني محمد خمسة سنوات في طفولته حتى يئسنا منه ولكن الله عاد به بعد أن فتحت نفسه على دبس العنب فكان يلحس الدبس حتى تحسنت صحّته، كانت القهوة السادة هي كيفنا ومشروبنا، أما السكّر فكان على شكل المدحلة زمن تركيا (اسطواني) ثمّ جاء فيما بعد على شكل مخروط سكر ملوّن قالوا أنه من سكر الخروب وذلك زمن الأمير عبد الله. حجّ جدّي مصطفى الموسى (أبو أمي صبحا) مع عبد الرحمن العلي على الجمال وكانوا يغيبون ستة أشهر وجاؤوا بهدايا ومسابح وحنّا". كانت النساء يلبسن البيارم، أما البنات فيلبسن الدلوق، وكانت الملابس تصبغ بالجاز وقشر الرمان. كانت العملة تركيّه هي الليره الحميديه من ذهب وكانت المجيديه من فضه، أما الفراطة فقد كانت القرطه، والزري، والبشالي، والمتليك. كان ثمن العنز خمسة مجيديات فضه. كان ثمن شوال القمح (خط أحمر) ثلاثة مجيديات وكان ثمن الفرس مئة مجيدي. العُرضي في صباح أحد الأيام ذعر أهل كفرنجه لوجود جيش كبير كثير العدد ”العرضي" تمركز فوق البلدة ونصب مدافعه ورشاشاته ”مترولوز "وسددها باتجاه البلدة وذلك لأن الجيش كان بحالة حرب وقد نفذت مؤنته وصار مضطراً لتأمين الطعام ولو بالقوة. تنبه راشد الخزاعي آنذاك وعزم على حماية البلدة. نادى ”يا نسوان كفرنجه اعجنن واخبزن ".وركب قاصداً قائد ”العرضي "ودعاه على طعام ووليمة تكريماً للجيش فسر القائد بذلك وحول مدافعه عن البلدة وفعلاًً وصلهم الخبز كأنه البيدر حيث عملت النساء بجدّ واجتهاد ونجت البلدة من شر ذلك الجيش الذي كان مضطرا للقتل في سبيل الخبز وزاد ذلك محبّة راشد ومكانته عند الدولة والناس. راجــب كانت راجب نقوط من العدوان حلفاء الفريحات إلى حسن البركات عند مولده وذلك لشعورهم بالجميل لوقوف الفريحات لجانب العدوان في حربهم مع الصخور وعبّاد حيث لجأ العدوان لجبل عجلون الذي كان حصناً منيعاً بالمكان والرجال. قامت الزراعة في راجب على الري الذي يحتاج للأيدي العاملة والفعلة، وهكذا جاء الصماديه يعملون في الأرض على مشرك، وكثر الصماديه وعظم شأنهم وطمعوا في تملّك راجب ولم يستطع حسن البركات الوقوف لهم لتفرّق كلمة الفريحات، وتمادوا حيث تعدوا على الفريحات حتى أنهم كسروا أفران الخبز وجهروا بأن راجب لهم. حاول حسن أن يصلحهم بجزءٍ من راجب لكنهم قالوا إما نأخذها كلها أو نتركها كلّها، وزاد شرّهم وشغبهم وغلبوا الفريحات على أمرهم. علم حسن أن العزوة في الأقارب وليست في الأغراب وأن الاتحاد قوّه، وبحسن تدبيره عقد صلحاً مع أقاربه من الدار الشرقية وأنهى الخلاف بين الدار الغربية والشرقية وتوج ذلك بأن زوج ابنته رفقه المشهورة بالجمال والكمال والعقل وحسن التدبير لراشد الخزاعي على أن يكون مهرها طرد الصماديه من راجب فسرّ راشد، هكذا جُمعت الفريحات بعد فرقه طويله وعلى الفور سعى راشد في تأدية المهر المطلوب”مهر رفقه الحسن". وقيل أن رفقه هي التي طلبت مهرها (إخراج الصماديه من راجب)، حيث قالت له: "مهري غالي.....تقدر عليه ؟" فقال: "كيف لا أقدر على مهرك" فقالت:" مهري إخراج الصماديه". جمع راشد رجاله وحذرهم من التعرض للنساء وركب أمامهم إلى بيوت الصماديه فطردهم من راجب واتجه في طريقه فوراً إلى الحاكم العثماني في إربد وبقي تلك الليلة في مضافة الحاكم العثماني، حيث رتب هذا الأمر في غيابه بدون إراقة قطرة دم. وصل الصماديه إلى الحاكم العثماني يشتكون راشد والفريحات ويخبرونه أن راشد هو الذي كان على رأس الفريحات يدير الأمر وأنهم خرجوا من راجب بقوة السلاح وانهم شاهدوا راشد يأمر وينهى ويحرض وهو مشهرٌ سلاحه، ولكن الحاكم العثماني قال لهم: "هذا راشد عندي من الأمس ولم يغادر السرايا وأنتم كذابين فكيف أكذب عيني وأصدقكم". قال راشد: "راجب لنا، هؤلاء مرابعيه انتهت مرابعتهم ورحلوا، والأرض لنا، وأما كذبهم فقد رأيته بعينك”. غضب الحاكم عليهم وطردهم من السرايا وحذرهم من الوصول لراجب ومن وصلها فلا يلومنّ إلا نفسه، وخرجوا خاسرين وخسروها كلها كما قالوا، وبعد ذلك توطد الصلح بين الفريحات وصار راشد زعيم الفريحات بلا منازع بعد سنوات طويله من الفرقة والاختلاف. راشــد والمنــدوب السامي وعودة عبد المهدي عاد الفارون من العسكريّة الواحد تلو الآخر، وكان لكلّ واحدٍ منهم قصّه مثيره يرويها للناس. لم يعد محمد الأسعد ولا سعيد السليم، كما أن فضه الأحمد طال انتظارها لابنها فندي، فلم يعد وبقيت زوجة فندي” رشده" وابنها علي وبنتها عاشه ينتظرون عودة فندي وطال الانتظار بدون جدوى حيث لم تتزوج رشده من أحد اخوان فندي كما جرت العادة فيمن يموت زوجها بل رجعت إلى الكته حيث تزوجت وأنجبت. مضت سبع سنوات على الحرب حيث صارت البلاد بيد الانجليز وكان راشد الخزاعي هو الزعيم الفعلي لجبل عجلون وكان محلّ احترام الجميع، كان رجلاً محبوباً له خصال القائد الشعبي كان رجلاً أمياً لكنّه كان يجمع الناس ويحلّ مشاكلهم ويرضيهم. كان المندوب السامي البريطاني في فلسطين يستعين بعدد من المستشرقين الذين قدّموا له معلومات عن البلاد وتاريخها ورجالاتها مما سهّل له شأن إدارتها بما يلبي مصالح الصهيونيّة واليهود حيث كان يهودياً صهيونياً هو"هربرت صموئيل". راشد الخزاعي الفريحات درس المندوب السامي ملف راشد الخزاعي وعلم عن نفوذه في جبل عجلون فأراد أن يستقطبه لصالح الدولة المستعمرة والحركة الصهيونية وأراد أن يشتريه بالمنصب والمال شأن كثير من الباشاوات الذين استغلّ نفوذهم في اغتصاب البلاد المقدّسة ”فلسطين". تلقى راشد باشا الدعوة من القدس وركب فرسه برفقة غلامٍ حدث يخدمه في الطريق هو" علي العبدون"، وفي القدس خرج البطاركة والحاخامات وكبار الضباط بصحبة المندوب السامي لاستقبال راشد استقبالاً يليق بالملوك، عرف راشد أن من وراء ذلك أمر خطير. وفي مجلس حاخامات اليهود والمندوب السامي وبعد الترحيب براشد واستضافته في فندق الملك داوود قال المندوب السامي:" يا باشا نريد أن نجعل منك الرجل الأول في هذه البلاد وعلمنا أن الناس يطيعونك في جبل عجلون ويحترمونك، وهذه الشنطة مليئة بالدنانير الإنجليزية الذهبيّة هي هديّة لك من الملك جورج وهناك يهود مساكين مضطهدين في أوروبا يريدون أن يلجأوا إلى جوارك ويكونوا طوع أمرك. قال راشد هناك أبناء لنا لم يعودوا بعد من الحرب ولعلّ بعضهم أسرى لديكم فخذ أسماءهم لعلّك تساعدنا في عودتهم لأهلهم فقال المندوب السامي: "بكل سرور". وفي اليوم التالي حضر راشد فأعلمه المندوب السامي أن عبد المهدي أسير في الهند حيث كانت مستعمره بريطانيّة وأنه سيصل يوم كذا إلى حيفا” هديه وإكرام للباشا". أعاد عليه المندوب السامي موضوع اليهود وشنطة الذهب فقال راشد:" عندنا ذهب كثير وأحوالنا ميسوره، أما اليهود فاعلم بأني لا أملك جبل عجلون بل هو ملكٌ لأهله"، سلّم راشد وانصرف ولم يأخذ شيءً وفهم ما يرمي إليه” هربرت صموئيل". قال علي:" يا باشا لماذا لم تأخذ المال "فأجابه: "يا بني يريدون قتلنا وأخذ بلادنا بهذا المال... بكلّ دينار يقتل واحد من جبل عجلون". استعمل المندوب السامي كلّ اتصالاته لإعادة عبد المهدي ليبدأ بذلك أحد الاعيب الإنجليز على راشد ولكنّ راشد أبطل خطّتهم ولم يعطهم شيئاً. أما عبد المهدي فقد عاد بعد سبع سنوات من الغربة حيث يئس أهله منه وأقاموا له العزاء وتزوّجت زوجته، بينما كانت أمه تخبز بالطابون رأته واقفاً أمامها ملابسه رثّه مثقّبه من الرصاص حتى أن لغته تغيّرت، كان فرحاً كبيراً أدخلها في غيبوبة. جلس عبد المهدي يحدّث الناس عن أهوال الحرب والأسر وغرائب الهند وحرقهم الأموات والاستعباد والبواخر وقصص لم تنتهي طوال حياته، وقد كانت عودته وساماً لراشد الذي لم يدّخر أية فرصه لخدمة أقاربه مما زاد حب الناس له. راشد الخزاعي وسعد الخلف كانت العداوة بين عبّاد وجبل عجلون بين مدّ وجزر من صلح إلى خصام، وكان سعد الخلف شيخ معروف وقد بدر منه ما أغضب راشد ووجهاء جبل عجلون، فأرسل إليه راشد اثنين من الدهاة، فوصلوا قبل العشاء وكمنوا قرب بيت الشيخ وسمعوه وهو يرسل الرّصد ليرابطوا في الأماكن السالكة من سيل الزرقاء، فعرفوا الأماكن التي أرسلهم إليها ليتجنّبوها عند عودتهم، وبعد سهره في شق الشيخ عرفوا ما دار من حديث، ذهب الناس للنوم وكان النعاس قد ألمّ بالشيخ، فقالت له زوجته وكانت عاقله :"يا سعد اللي يعادي جبل عجلون لزوم ما ينام" فقال لها:" وينهم و وينّا" وأخلد للنوم العميق، تسلل الرجلان فأخذوا بندقيّته ودخلوا المحرم، فأراد أحدهم طعنه بشبريَّته ولكن زوجته رفعت يدها وتلقّت بها ولم تنطق بحرف، حاول الرجل مرةً أخرى ولكن المرأة حالت دون ذلك، فوضع الرجل شبريّته في فروة الشيخ، ونظر إلى المرأة ففهمت مراده وأنه ترك زوجها إكراماً لها لأنها لم تصرخ، وفرّ تحت جنح الظلام ولم تصرخ الزوجة إلا بعد أن علمت أنهم ابتعدوا عن المراح وأنهم في أمان. عاد الرجال وتجنّبوا الرصد وأخبروا راشد بما فعلت المرأة فأثنى عليها. أما المرأة فقالت لزوجها:" لو أرادوا قتلك لقتلوك، وهذه الشبريّه قد شكّت فروتك بالأرض وإني أشير عليك بمصالحتهم. اقتنع سعد الخلف بما قالت المرأة وسعى للصلح مع راشد الخزاعي وفعلاً تمّ الصلح وصاروا أصدقاء يحترم بعضهم بعضاً، ومن المؤكّد أنهم أعادوا له بندقيّته وأعاد لهم شبريّتهم في مجلس الصلح. الحكومة الفيصليّة كان جيش الثورة العربيّة الكبرى، جيش الشريف حسين، مزيج من العرب الشاميين والحجازيين والعراقيين والدروز، وكان لأهل بادية الشام وخاصّه شرق الأردن نصيب كبير منه، وكان الشريف فيصل أول من دخل من الأمراء ووصل إلى الشام مع العربان الذين ناصروه، ولكنّه بعد فترةٍ وجيزة ـ سنتين أو أكثر بقليل ـ تعرّض إلى غدر الإنجليز والفرنسيين الذين استعملوا الشريف والعرب وسيلةً لتحقيق مأربهم حيث كانوا يخفون الغدر، ومعلوم أن العرب لا يعرفون الاعيب السياسة، تفاجأ العرب وملكهم فيصل بمقلب الحلفاء الذين قسموا البلاد بينهم وجعلوا فلسطين حصه لليهود كما جاء في وعد بلفور وعلى أثر ذلك قامت الثورات في سوريا بعد إقصاء الشريف فيصل وقامت في الأردن بشكل مؤقت حكومات محليه في الكرك والسلط وعجلون ولم تستقر الأوضاع إلا بعد وصول الأمير الشريف عبدالله الذي أسس إمارة شرق الأردن. وقد كان لجبل عجلون وقائده راشد الخزاعي شرف دعم ثورة سلطان الأطرش في سوريا ودعم الثورة في جبل لبنان وذلك بأرسال متطوعين من جبل عجلون قيل أن عددهم كان أربعمائة رجل مسلح وقد كان راشد على صلة بما يدور في بلاد الشام حيث كان عضواً في حزب الاستقلال وقد تواجد في دمشق لفتره من الزمن كما ورد في مذكرات (علي الشرايره ) الثلجة الكبيرة بدأ تساقط الثلج فخاف حميد على الغنم من البرد وقصد مغاره دافئة في نجده ”عراق دار عوض" حيث وضع الغنم في المغارة وكان برفقته حسين ابن أخيه، تساقط الثلج طوال الليل وفي الصباح كانت الثلوج قد غطت المكان واغلقت باب المغارة إلا من جحر صغير بقي بسبب نفس الغنم وكان حميد قد احتاط للأمر فأدخل الحطب إلى المغارة في اليوم الأول وكان يوقد النار داخل المغارة طلبا للدفء والاستئناس بالنار، تواصل سقوط الثلج لمدة سبعة أيام لم يكن لهم طعام إلا ما يذبحون من (الجديان) وكان مما نغص عليهم طعامهم انه لم يكن لديهم ملح فكان الشواء ناقص لا طعم له، خرج حميد من ذلك الجحر في الثلج فشاهد الدنيا ”طاسه بيضا" فقام بقطع بعض الأغصان بطبره حيث التهمت الاغنام أوراقها بسرعه حيث بلغ الجوع بالأغنام أن أكلت شعر بعضها وقد كان في عمل مستمر لإطعام أغنامه من ”القصف" حيث كانت ”نجده” غابه من السنديان والملول و البطم. كان حميد بانتظار اخيه عوض الذي اعتاد أن يلحقه بالسمن وخبز الشراك ولكن الانتظار طال فكانت كما قال المثل "لا طير طاير ولا وحش غاير". كان عوض على أحر من الجمر ولكن السير في تلك العاصفة كان مستحيلاً وفي اليوم السابع خف سقوط الثلج وحزم عوض أمره للذهاب إلى نجده. كان المشي على الثلج غير ممكن ولكن عوض ربط حذاءه ”بغربالين" كي لا تغوص أقدامه في الثلج واخذ الزاد الوفير وأكثر من السمن وخبز الشراك ”وقطع (المرح والمشماس وتلعة جحدب) ”كأنه يسير في بحر من الثلج وكان يظن أن حميد وحسين قد ماتوا مع أغنامهم من هذا البرد الشديد وبعد عناء شديد وصل المغارة ففرحوا بلقاء بعض وقد كانوا بأمس الحاجه إلى الزاد وبعد أن أكلوا وشبعوا فتحوا جزء من باب المغارة حيث صارت الغنم تتسلل إلى غرب نجده حيث كان الثلج أقل والغابة كثيفه فتأكل الغنم وتعود إلى المغارة لوحدها من خلال مسرب صغير تمر من خلاله. عاد عوض إلى الحسينيات تاركا عندهم الطحين ولوازم صنع القرصة والسمن البلدي فطاب لهم المقام في المغارة حتى هدأت حدّة العاصفة وذاب الثلج بعد أسابيع حيث عادوا إلى الحسينيات يسوقون أغنامهم. كانت هذه الثلجة والمعاناة التي كابدها حميد في الحفاظ على أغنام دار أحمد الموسى دافعا له للتفكير بنجده وامتلاك هذه المغارات الأثرية القيمة لمربي الأغنام. قصة موت جمل حميد كان لحميد جملين، يستعملهما عيسى ابنه بتجارة الحطب والفحم حيث كان عيسى يحمّل الجمال بخشب البيوت إلى حوران ويقايض الخشب بالقمح كما كان يقايض الفحم بالقمح، وكان حمل فحم أو خشب أو حطب مساوياً لحمل قمح في القيمة خاصّة في فصل الشتاء، لذلك كان للجمال أهمية وقيمه. توجّه حميد بجمليه المحمّلين بالعصي إلى عمّان مع رفقة من البدو الذين كانوا قد سكنوا في الماصية بجوار حميد، باع حميد العصي في عمّان، وفي صباح ذلك اليوم رأى عيسى رؤيا قصّها على أمّه رسميه العبدون، قال:" ياأمي رأيت جملنا يتدحرج من الرمان إلى سيل الزرقاء، وأنا خائف على أبي أن يكون قد جرى له مكروه" فقالت:” توكّل على الله”، وكان لعيسى شأن يقضيه في جرش فتابع طريقه. وفي طريق العودة في منطقة الرمّان تغيّر حال الجمل وكان حميد يقوده ولما وصل سيل الزرقاء سقط الجمل على الأرض وخاف حميد عليه الموت فنحر الجمل وسلخه وأرسل حمارته مع البدو، فلما وصلوا إلى نجده خافت رسميّه من قدوم الحمارة بدون حميد والجمال ولكنّ البدو أخبروها بأن حميد ذبح جمله وأنهم تركوه على سيل الزرقاء فلامتهم على سوء الرفقة. وضع حميد لحم جمله على الجمل الآخر كما استغلّ فرصة وجوده على الماء فنظّف الطراف، كان هذا العمل شاق على رجل واحد ولكن حميد ما لبث أن وصل إلى نجده حيث كان يسكن ببيت شعر في الماصيه، فقام بتوزيع جزء كبير من اللحم على الأقارب وجيرانه البدو. وأخيراً طبخت رسميّه الطراف فجائوا وقد تفتّحت شهيتهم عليه فمازالوا في جيئة وذهاب حتى فرغت القدور بعد أن كانوا يقولون من يأكل اطراف الجمل ؟! كان الجمل عزيزاً على عيسى فحزن عليه فقال له والده حميد:" ولا يهمّك لابدّ أن اتيك بجمل مثله أو أحسن منه". كان الجمل له قيمة عالية كقيمة قلاب أو شاحنة في هذه الأيام. قصة عين قدرا كما في موارد الماء اجتمع الرعاة على عين قدرا فوق الجزازة، وبعد أن ارتوت أغنامهم جلسوا بقرب النبع يتمازحون وكان بيد ابن ثلجي” النصراني" بارودة يلهو بها ويشير بها إلى حسن الحسين السليم "أطخك؟ أطخك؟"... وربّما قال حسين ”لا.. يعمّرها الشيطان"... ضغط الزند... سقط حسين صريعاً في الماء، صاح الرعاة” ذبحه” وسرى الخبر سير النار في الهشيم، ووصل إلى ثلجي بنجده فلم يحسن التصرف مع أن عوض وحميد نصحوه بأن يستجير كعادات الناس فجمع أغنامه وتوجّه سريعاً إلى عنجره، وفي الطريق عدا عليه الطامعون ونهبوا غنمه بإسم الفريحات قبل أن يستجير بأحد فدفع ثمن ذلك غاليأ علماً بأن الفريحات لم يتعرّضوا له ولحلاله بسوء عملاً بحسن الجوار وحفاضاً على الصداقة والعيش والملح. أما بناته وزوجته وأهل بيته قد احتموا بعوض وحميد حيث حموهم وأوصلوهم سالمين إلى عنجره. كانت هذه الحادثة نهاية سكن النصارى لنجده، وبقيت أرضهم بيد أبناء أحمد الموسى يزرعونها على مشرك، ثم عرضوا أرضهم للبيع فاشترى حميد أرض عيد المرشود له ولأخيه عوض مما أثار حفيظة عوض فأقام الدنيا وأقعدها لأنه لم يكن راغبا بشراء الأرض حيث كان يحب الاغنام وبعد ذلك اشترى حميد قطعتي أرض في خنيزير كل قطعة بعشرة دنانير، الأمر الذي أغضب عوض ولكنه عاد إلى رشده بعد أن ربح في مفحمةٍ واحدة أربعين ديناراً، وتابعوا العمل حتى عملوا عشرات المفاحم حيث كانت أشجار الملول المعمّرة تغطّي المكان. أما ثلجي فقد باع أرضه للعياصرة ووضع ثمنها في الديّة التي تحمل وزرها. حماية الشوام من بني حسن كان تجّار جرش من أهل دمشق ”شوام" سكنوا جرش وكانوا معدمين، حيث بدأوا بدايات متواضعة فمنهم من كان يعمل "سقّى" يحمل دلوين من الماء بواسطة عصىً على كتفيه يسقي الشراكسة ومنهم من كان له دكّان بسيط يقتصر على التمر والحلاوة والسكر والقهوة، ومنهم من عمل حذّاء للخيل أو أجيراً في خان أو يحمل بقجة على ظهره، وبفترة بسيطة توسعت تجارتهم وتملّكوا جزء كبير من أراضي بني حسن، وقد استغلوا طيبة وبساطة وكرم البدو ومنهم من لجأ إلى الغش والخديعة، فتجمّع رجالات بني حسن وتوجّهوا يريدون نهب جرش، فاستجار الشوام بالفريحات، فحضر خيّالة من الفريحات منهم راشد وعبد القادر وصدّوا بني حسن عن عزمهم وقالوا لهم أن هذا سوق للجميع وهو في حماية الفريحات، فغادر رجال بني حسن وقد متّن الشوام علاقتهم بالفريحات حيث زوجوا راشد احدى نسائهم وهي من دار الملقي وكان معها ابن اسمه حسني أعطاه راشد اسمه وورث جزءاً كبيراً من أموال راشد بعد موته واستتب أمر الشوام بعد ذلك. الحراميّة كانت بيوت أبناء أحمد الموسى المصنوعة من الشَّعر منصوبةً بتلعة المغارة كعادتهم بعد انتهاء موسم الأمطار، علا نباح الكلاب وتوجّس أهل المراح من نباحها فأطلقوا النار في الهواء ففرّ اللصوص بذعرٍ شديد، وبعد قليل دخلت ”عنزه" إلى بيت الشعر تقطر دماً فرمت نفسها أمام البيت فذبحوها بعد أن وجدوها مطعونةً حيث أن الحرامي لم يستطع أخذها فطعنها تعبيراً عن نفس خبيثة حاقده. أسرع الرجال خلفهم تحت جنح الظلام ولكن حميد تناول منكوشاً صغيراً وجده في متناول يده، فأسرع إلى (المرح) مسابقاً الريح فسبقهم ورابط لهم فجاءوا بعد قليل وهناك قرب حاكورة دار علي الفندي (بالحسينيات) فاجأهم من خلف شتّولة فضرب أحدهم برأسه وفرّ الباقون فعدا عليه وأشبعه ضرباً، سمع أهل الفزعة الجلبة فقصدوها وصاروا يضربون الحجارة باتجاه الجلبه، تمترّس حميد بجسم اللص حيث كانت الحجارة تهوي عليه حتى صاح :"أنا حميد، لا تقتلوا الرّجل” ولكنهم كما يقال ”فشّوا غلّهم" بالحراميّة حتى طابت أنفسهم ثمّ حملوه إلى دار نوري حيث لم يكن في الحسينيات إلا هم لأن الناس في العزب، خافوا عليه الموت وخافوا أن يبتلوا بدمه فحاولوا إسعافه وبعثوا في اليوم التالي من يبلّغ الدولة فجاء عسكر الفرسان وأخذوه إلى المستشفى للمعالجة ثمّ سجنوه عاماً كاملاً، كان اللص من (المعاط). قطع الطريق تعمّقت الخلافات بين الفريحات والحكومة، ذلك أن الحكومة لم تعرف للفريحات قدرهم في جبل عجلون، وقد وصل لراشد الخزاعي خبر مفاده أن سيارة محمّلة بالمال ستمرّ من طريق جرش - الرمّان - عمان، فأرسل حسن الحمد ونوري الحمود وآخرين لاعتراض السيّارة ونهبها ولكن لسوء حظّهم مرّت سيارة أخرى هي سيارة عبّاس بيك فظنّوها سيارة المال فأوقفوها، وقال لهم عبّاس بيك: "أنتم واهمون، أنا لست من تطلبون، أنا صديق الفريحات” ولكنهم لم يصدّقوه، فأنزلوه وقشّطوه" (أي سلبوه ماله) وكانت زوجته معه وكان معها مصاغ ذهبيّ ذو قيمة عالية، ولكنّ شهامتهم منعتهم من التعرض للمرأة، رغم أنها قالت لهم ”خذوا صيغتي ولا تؤذونا" و على أثر ذلك حبست الدولة العديد من شباب الفريحات منهم عوض الأحمد حيث كان بينه وبين حسن الحمد وجه شبه. قال المحامي مشيراً لعوض هذا هو الذي قال لموكلي ”انزل يا كلب”، احترّ عوض وسبّ دين المحامي وقال له: "أنت ليس لك دين، أنت ما حضرت ولا شفت ولا سمعت” وهناك وقفت المرأة المحترمة زوجة عباس بيك ”زهرة خانم "فقالت:" اني أخاف الله، هذا الرجل يشبهه ولكن ليس هو فلا يمكن أن تكون لحيته قد نمت إلى هذا الطول في يومين” فالجاني كانت حليق اللحية وكانت لحية عوض طويله، برّأ القاضي عوض من تهمة قطع الطريق ولكن حاكمه على سبّ دين المحامي الدرزي أمام المحكمة وكان الحكم سنة سجن واحده، كان عوض متحدّياً فقال للقاضي:": أمضيها على رجلٍ واحده أم على رجلين؟ المهم إني فشيت غلّي” وفعلاً أمضى عوض معظم المحكوميّة وخرج وكأن شيئاً لم يكن. عبد القادر المصطفى كان رجلاً جليلاً مثقفاً، عمل موظفاً عثمانياً ولعلّه كان ضمن القائمين على تحصيل الضرائب حيث كانوا يركبون الخيل ويجمعون المال ويُسمون" التحصل دار" كانت أخته صبحا أم رسميّه العبدون (زوجة عبدون) تزوّج فتاة كرديّة هي أم عبد الحليم وسلطانه، كما تزوّج شركسيّة من الشام اسمها” ناجيّه" أنجبت توفيق الذي مات في ريعان الشباب وصبحيّة التي زوجها من الشراكسة، وأخيراً تزوّج عائشه الحسين السليم أم شفيق ومحمد ووفقه وهاجر ودوله وآخرون. كان صديقاً حميماً لأبناء عمّه أحمد الموسى وكثيراً ما كان يزور نجده ويمكث بها أسابيع على الرحب والسعه في دار عوض وحميد، كما أنه زوّج ابنته وفقه من محمود العوض، وكانت نبتة خير لم يُسمع أن أحداً كرهها بل كانت أخت الجميع. كثيراً ما عانا عبد القادر من نزوات أقاربه وكان دائم السّعي في إصلاح ما أفسدوا، أما عوض وحميد فكانوا لا يقطعون أمراً دون الرّجوع إليه واستشارته في الملمّات. الصماديه وعبد القادر وابنه عبد الحليم كان الصماديّه يتحرّقون غيظاً بسبب ما حصل براجب، وكانوا يرون أن الفريحات غمطوهم حقّهم، وكان للفريحات وجهة نظر مختلفة، حيث كانوا يرون أنهم استعادوا حقّهم بعد أن كاد الصماديّه أن يغلبوهم عليه. كان هناك رعاة أغنام صماديّه في منطقة الجزازة تشاجروا مع ”المخضّر" حامد الكردي لأعتدائهم على المزروعات، وانتهى الشّجار بأن ضرب حامد الكردي أحد الرعاة الصمادية على رأسه فخرّ صريعاً، تجمّع الصماديّه فوجدوا أن الكردي قد فرّ وليس له عشيره فقد كان" مقطّع موصّل لا يُعرف له عشيره" ولا يمكن مطالبته إذ لا عشيرة يطالبونها بحقّ العرب. وهناك رأوا أن الفرصة قد حانت للانتقام من الفريحات سكّان الجزازة، فاتهموا عبد الحليم العبد القادر بقتله وطالبوا الفريحات بدمه، فأمر الحاكم وكان مقرّه في إربد باحظار عبد الحليم وأقاربه، فأمر بإدخال المتهم عبد الحليم العبد القادر، فدهش لرؤيته فقد كان ولداً عمر تسع سنوات فقط، فاستجوبه الحاكم وأقرّ عبد الحليم بأنه كان يرعى أغنامه وشاهد المشاجرة، وأنه رأى الكردي ضرب أحد الرعاة وفرّ هارباً، قال لهم القاضي:" ما هذه المهزله، هذا الطفل تدّعون عليه بقتل الراعي؟” فأمر بإطلاق سراحه وسلّمه إلى ”محمود الأسمر" ليوصله إلى أهله بالجزازة. تشاور الصماديه وأجمعوا على الادعاء بأن عبد القادر هو الذي قتل الصمادي علماً بأن عبد القادر لم يكن موجوداً في المكان، ولم يجد الحاكم بُدّاً من تحويل الأمر إلى المحكمة. مثل أمام القاضي ثلاثون شاهداً كلّهم أقسم بأنه شاهد عبد القادر يضربه بعصاه حتّى قتله، وهناك سألهم القاضي كيف حصل أن كنتم ثلاثون رجلاً ولم تفزعوا لصاحبكم وكان عبد القادر رجلاً واحد ومعه عصا فقط؟ فلم يجدوا جواباً، ناقش المحامي الشهود فاختلفت شهاداتهم، كما أنهم لم يتعرّفوا على عبد القادر بين الحضور ولم يبيّنوا سبب تواجدهم هناك حيث كانوا من عجلون وعنجره ولم يسبق لهم رؤيته. وبعد فترة طويلة من سجن عبد القادر صدرت براءته وأُفرج عنه، والطريف أن الكردي عاد إلى المنطقة وأخبر أقارب القتيل بأنه هو القاتل ولكنهم لم يرجعوا عن غيّهم. لجأ الصماديّه إلى القضاء العشائري بعد أن حصلت بعض المناوشات بينهم وبين الفريحات، اجتمعوا في قضوه عشائرية أمام قاضي العشائر فحكم عل الفريحات باليمين حيث يقسم الظنين ويزكّيه عدد من الرجال فعرض الفريحات شراء يمينهم بأربعين ديناراً وكان هذا مبلغ كبير ذلك الزمان، فقبل الصماديه بذلك وقبضوا الدنانير الأربعين مع أنهم كانوا يعرفون الفاعل حقّ المعرفة. "عزيمة" الأمير عبد الله بن الحسين كان لمكانة الفريحات في جبل عجلون وصلتهم بالدولة العثمانيّة أن تأخروا بالانضمام للأمير عبد الله الذي بدأ بتأسيس الإمارة، واشتركوا في معارضة قادها بعض زعماء الأردن القدماء حيث انتقصت من زعامتهم، فاجتمعوا في عمان وقرروا الوقوف أمام العهد الجديد الذي لم تظهر لهم ملامحه، وقد وشى أحدهم للأمير لينال عنده الحضوة وكان الواشي هو” علي باشا الكايد". تصرّف الأمير بسرعه حيث دعاهم إلى ثم أمر عساكره بالقبض عليهم وإرسالهم إلى قلعة العقبة سجناء، وقيل أنه صدر بحقّهم حكم الإعدام ولكن مدير السجن كان متعاطفاً معهم فهم شيوخ البلاد ووجهائها، فسهّل لهم الفرار وفرّ معهم إلى الحجاز حيث دولة ابن سعود، وبعد مشقّة من السير في الصحراء وصلوا إلى خيمة للجيش السعودي، فدخلوا الخيمة وأعلنوا للجنود أنهم من وجهاء الأردن وأنهم مستجيرين بابن سعود ( أخو نوره) فقيل لهم” وصلتوا"، وكان في أثرهم فرسان من الأردن وصلوا الخيمه وطلبوا إعادتهم لأنهم مطلوبين، وكان قائدهم يقال له" الجمل" فقال لهم” تهبّوا" هؤلاء ضيوف أخو نوره وفعلاً تمّ إكرامهم، وفي اليوم التالي جاءت قافلة من الجمال تولت ترحيلهم إلى مكّة المكرمة حيث أسكنوهم في بيت الشريف حسين الذي استولى عليه ابن سعود وكانوا محلّ إكرام ورعاية الملك عبد العزيز بن سعود حتى أنه قال لراشد:" نريد أن نزوّجك يا أبو فوزي" فقال له:" زوجتي غالية لا أتزوج عليها" فقال الملك:" سأحضرها إلى عندك” وفعلاً كان للملك رجالات في شرق الأردن حملوها معززةً مكرّمة حتى وصلت مكة إلى زوجها، وعاشوا بمكّة بضع سنوات في ضيافة الملك عبد العزيز بدار الشريف حسين. لم يكن الأمير حاقداً على راشد ولكنّها السياسة، فلما استتبت الأوضاع وتوطّدت أركان الأمارة صدر عفو أميري عاد على أثره راشد بالطائرة، وكان الناس لم يسمعوا بالطائرة من قبل فاجتمع أهالي جبل عجلون لاستقباله كما استقبله الأمير عبد الله فرأى الحشود فقال: "هذا راشد الأمير ما هو أنا” ودعا الأمير راشد(لضيافته) فأجابه أنه لا يستطيع ترك عزوته الذين جاؤوا لاستقباله من جبل عجلون ولا بدّ أن يعود معهم. بعد عودة راشد أراد علي الكايد أن يوثق علاقته بالأمير ويحافظ على مركزه المرموق، فدعا الأمير عبد الله حيث نصبت بيوت الشّعر في مرج ساكب، وحضر خلق كثير لم يكن المكان يتسع لهم حتى أن الطعام كان لا يكفي فالأمر كان خارج الحساب مما جعل أهل المعراض لا يتقدّمون إلى الطعام في الطورة الأولى وكان في ذلك إحراج لعلي باشا، ثمّ جرى سباق على شرف الأمير عبد الله وكان محباً للفروسيّة والخيول الأصيلة في مرج ساكب. قال الأمير:" هذي ماهي خياله" فلم تكن الخيول ولا الفرسان بالمستوى الذي يعجب الأمير، وقف ”فندي البرهم" من برما وقال:" ترى أهل الخيل غايبين يا أمير” تنبه الأمير أن المقصود الفريحات حيث كان قد صدر مرسوم أن لا يستضاف الفريحي تحت طائلة الغرامة والعقوبة وذلك لوقوفهم ضد الأمير ( وذلك لجهلهم بالسياسة ومجمل الظروف التي تتعرض لها البلاد)، حيث سجن شباب الفريحات ومنهم عوض وحميد ونوري وغيرهم كثير، وكان عبد المحسن الخزاعي قد خرج من السجن لاستنكاره أعمال راشد وعرض على الباقين أن يستنكروا أعمال راشد ولو بلسانهم ليخرجوا من السجن، فقالوا نبقى بالسجن ولا نستنكر وهددوه بالانتقام منه إذا خرجوا لخيانته لهم ولراشد. كان الرجال أميّون لم يكونوا مدركين للأمور المحيطة بهم. كان الأمير حكيماً لم يتردد بقبول دعوه راشد الخزاعي باسم جبل عجلون عامه والفريحات خاصّه، وكانت وليمة كبيرة من أكبر ولائم ذلك العصر، حيث تمّ استقبال الأمير وحاشيته بإطلاق النار وقام بعض أبناء راشد بالوقوف خلف الأمير يحرسونه بالسلاح، فسرّ الأمير لذلك، كما جرى سباق للأصايل أثنى عليه الأمير وقال: "هذه الخيالة". أما الذبائح فكانت أكثر من مئة وخمسين ذبيحة شارك فيها عوض وحميد (بقطّة غنم) مع لوازمها من سمن وجميد، كانت الوليمة على أثر مجاعة مما جعل الفقراء ينهبون اللحم والطعام ليطعموا أولادهم، حتى قيل أن” ريموني" حمل طنجرة لحم كاملة وجرى بها سريعاً مما أضحك الناس وقالوا:" دعوه يطعم عياله، ما أجبره على ذلك إلا شدّة الفقر" وبعد هذه الدعوة تغيرت أحوال الفريحات وعاد لهم عزّهم بعد أن ساءت الأحوال بزوال الدولة العثمانية، فكان منهم فيما بعد نوّاباً ووزراء ومناصب رفيعة في الجيش والحكومة وحتى يومنا هذا. الأرض وصل أبناء أحمد الموسى إلى الحسينيات بناءً على طلب حسين السليم حيث وفى بوعده وأعطاهم ”مشدّ فدّان"، وفيما بعد قام حميد بكسر الغابة المحاذية للأرض وحولّها إلى أرض صالحة للزراعة زرعوها كروم، كان حميد محباً للأرض بعكس أخيه عوض الذي كان محباً للأغنام، ولكن حميد كان يجبره بطريقة أو بأخرى على المشاركة في شراء الأرض، حيث كان حميد يشتري له ولأبناء إخوته وأخيه عوض ويدفع الثمن من الأغنام. اشترى حميد "أرض خنيزير" وأجبر عوض على شراء مارس (قطعة أرض) بعشرة دنانير، وكان نصيب عوض من مفحمة واحدة من عشرات المفاحم أربعين ديناراً أي أن عوض حقق ربحاً كبيراً رغماً عنه. ثم اشترى حميد أرض واسعة من عيد المرشود بسعرٍ مغرٍ، ولكن عوض أبى المشاركة مما اضطرّه أن يشارك محمد المفضّي ومحمد الفارس (من ساكب) وذلك في (الماصية وخنيزير) حيث لم يكن قادراً على شراءها وحده. توجّه حميد إلى سيل الزرقاء حيث وجد أرض واسعة شاسعة مئات الدونمات أخذها مزارعه على الثلث وتكفّل بالعناية بها حتى يصل الزيتون مرحلة الأثمار وكانت الأرض غابة من الزيتون البرّي فعاد حميد ليأخذ عائلته ويرحل إليها، ولكن أخاه عوض منعه من أخذ الأولاد خوفاً عليهم من السخونة التي تصيب سكان منطقة السيل مما جعل حميد يترك الأرض ويتخلّى عن تعبه حيث كان قد عمل في تقليم وتطعيم الأشجار، وكذلك كان لحميد محاولة أخرى مماثلة حيث أخذ أراضي مماثلة بـ"أم جوزه "ولكنّه تخلّي عنها لنفس السبب. عاد حميد إلى البرامه ونصارى عنجره فاشترى منهم أرضاً له ولأخيه وأبناء إخوته مما أغضبهم وطلبوا القسمة للتخلص من تصرفات حميد وشراؤه الأرض حيث لم يكونوا راغبين بذلك، وفعلاً تمّت القسمة وأخذ كل واحد حقّه حيث صارت:" تلعة المغارة" من نصيب عوض وحسن وحسين، و"جورة البطمه" لعلي، و"راس الوحاه" لحميد، أما ”الماصية والكسارة" فقد كانت لعوض وحميد وعلي، و"خنيزير" لحميد وعوض. ومن المؤسف أنه بعد القسمة وفصل الأغنام والمواشي عن بعضها تعرّضت مواشي حسين وحسن وعلي للنهب من قبل الصماديّه وردّ عليهم الفريحات بنهب بقر” النورسي". تابع بعدها حميد شراء أرض خنيزير ثم اشترى أرض سقي على عين حامد ببرما وزرعها بالزيتون، ولكن أهل برما طمعوا بهذه الأرض وكثر أذاهم فاضطرّ لبيعها لهم بثمن بخس وذلك تحت ضغط من أبناءه وهي الآن في وسط برما. أما” راس الوحاه" الذي كان حصّة لحميد فقد استملكته الدولة بثمن بخس وذلك رغماً عن حميد، كما أن أرض حميد بكرم التينة استملكتها الدولة وحرّجتها وذلك لخلاف حصل بين المسؤول عن التسوية هناك” علي الكايد" وبين عوض وذلك على خلفيّة شراء علي الكايد بعض الذبائح (الجداي) من عوض. كان حميد يحب أرض” كرم التينة" لدرجة أنه لم يقبل أن يأخذ تعويضاً عنها، وبقي المبلغ في صندوق المحكمة، أما" المقاطر” فقد اشتراه من عيد المرشود وكان مزروعاً بالزيتون والعنب وكذلك” كرم نجده" ثمّ أضاف إليه حميد” الكساره” حيث كانت غابة كسرها وحوّلها إلى أرض زراعية تمتدّ إلى بيته في نجده. كما اشترى حميد أرض خشيبه وخاف أن لا يمتد به العمر حتى يكبر أبناؤه يونس ومصطفى حتى يزوجهم فكتبها باسمهم بدل الزواج ولكنه عاش بعد ذلك وزوّجهم في حياته. كما قام عيسى بكسر جزء من الأرض سمّوه” روض عيسى". ومن الطريف أن جماعة من التركمان جاءوا للمقاطر أرض حميد ليستخرجوا القطران من خشب اللزاب واحتاجوا للماء وببساطة حددوا مكانين حفروهما واستخرجوا الماء، وما زلنا نستعمل هذه البصاص في سنين الخير والمطر، كما كان هناك بصّة في كرم نجده أشبه بعين ماء طمرها علي الفندي بالحجارة لكثرة أذى الرعاة الذين يردون الماء. قصة كنز خنيزير في أرض حميد ركبت المرأة العنجراويه” فضه الشوملي" إلى نابلس حيث كانت ذاهبة لتبيع السمن وتشتري مؤن لها ولأولادها اللذين تركتهم في خيمتها في خنيزير، وكانت نابلس هي حاضرة البلاد وفيها السوق الذي يقصده أهالي جبل عجلون. عرضت السّمن على تاجر يهودي فأخذ يشمّ السمن، فقالت له:" إنه سمن أصلي من جبل عجلون” فقال لها: إنه من سمن خنيزير وأنه يوجد رجم كبير فيه كنز ثمين في جبل خنيزير ووصف لها المكان فعادت مسرعة حيث كانت تعرف الرجم على وصفه، فلما وصلت وجدت” مصطفى الغدير" قد بنا خيمته بجانب الرجم حتى أنه قد دقّ أوتاده فيه، وبعد أيام عندما كان مصطفى يأخذ الحجارة ليحيط بها بيت الشّعر وجد الكنز فأصبح راحلاً إلى بيته ببرما، وذهبت فضه فلم تجد إلا بعض القطع الذهبية التي سقطت منه بين الحجارة كما وجدت قطع الفخار، فعرفت أنه الكنز وأنه كان من نصيبه وقد كان كريماً حيث نادى” العيش يا جوعان" في تلك السنه مما دعم قصتها، واشترى حميد هذه الأرض وما زال رجم الكنز واضح المعالم. أهل برما بعد أن تملك عوض وحميد أجزاء من أرض البرامه في نجده حصلت مناوشات بسبب الأذى الواقع على المزروعات، وفي إحدى السنوات بينما كان حميد في الجانب الجنوبي الشرقي من جبل خنيزير إذا بنوري الحمود يركض ويصيح” عوض يا حميد... عوض يا حميد" وكان نوري يحصد مع عوض وحميد في ذلك العام، وفوراً طار حميد إلى الجهة الغربية من جبل خنيزير فرأى رجلين تمكنا من عوض فثبّتوه وكانوا يريدون أخذه معهم، وكان مع حميد” سوّاقة القادم" وهي عصا تستعمل لشدّ الحبل في تحميل القش فسار بخفّةٍ دون إحداث صوت حتى تمكّن من ضرب أحدهم على رأسه فأسقطه وفرّ الآخر مذعوراً وفكّ حميد عوض. كما أن عوض كثيراً ما كان يتشاجر مع رجال ونساء برما حيث كانوا يتعمّدون أذى الفريحات، ولكن بعد فترةٍ استقرّ الأمر وعادوا يعاملونهم معاملة الأصدقاء والجيران. سخاء عوض وتدبير رسميّه كان عوض مضرب المثل في السخاء والكرم، وقد ورد في الأثر أن السخاء يغطي كلّ عيب فكيف إذا كان ما يغطيه السخاء هو الشجاعة والشهامة التي اجتمعت فيه، كانت تمرّ سنوات من القحط والجوع والقلّة كان خلالها بيت عوض مقصداً للجائعين من الفريحات وأهل برما وأهل ساكب حيث كانوا يعودون باللبن حتى أن الناس كانوا يتهافتون على أخذ الألبان مجاناً، وقد بارك الله في غنمه لدرجة أنه كان يمنح الناس منائح حتى أنهم لم يعيدوها بعد انتهاء فترة المنوحة ولم يطالب بها وقيل أنه ذبح للضيوف في الشهر أكثر من أيامه أي تجاوز الثلاثين ذبيحه. ومن الطرائف أن زوجته أميره الحسن أرادت أن تخصه بالطعام فقال: لا دعيه حتى يأكل الأولاد قاصداً بذلك أولاد حسين بعد وفاة زوجته مريم، أما الصغار عيشه وسليمان فكانوا قد انضموا إلى عائلة حميد ولم يرضَ أن يخصّ نفسه بشيءٍ دون أبناء أخوته. وكان لكثرة الضيوف يتصادف عدم وجود طحين أو رز يكرم به ضيفه فيلجأ إلى رسميّه متضرعاً أن تدبّر أمره حيث كان يعد التقصير مع الضيوف فضيحه، وكان يحصل أن يكون محرجاً أشدّ الحرج خاصة إذا كان ضيوفه من الضيوف الكرام اللذين لا بدّ من إكرامهم، وكانت رسميّه تفك ضيقته حيث كانت تخفي عن العيون كميّة من الطحين أو الرز على الرف للحاجة. هذه هي الثقافة التي كانت سائدة في أبناء أحمد الموسى حيث كانوا يرعون أيتامهم ويكرمون من قصدهم، وكانوا يتعاونون على إكرام الضيف وكانوا يغفرون زلات بعضهم كأنها لم تكن، وكانوا يداً واحدة في الملمّات، وقد خاوا حميد أميره بعهد الله وعلى كتاب الله وضعا أيديهما بأنهما أخوين بعهد الله، وقد حجّ حميد بزوجته رسميّه وأخته في الله أميره زوجة عوض عندما كانت الطريق للحجاز غير معبّده، وكانت السيارات بدائية وكانت رحلةً شاقه، وقد ضاعوا في الطريق وتعطلت سيارتهم عدّة مرات كما تصادف أن كانت رفقتهم رفقة سيئة، ولكن الله تعالى أعانهم فوصلوا إلى جبل عرفات في الوقت المناسب وكثيراً ما كانت رحلتهم حديث المجالس. في نجده كثرت أرض حميد وعوض وابن أخيهم على في نجده، وكان حميد ينتقل في موسم الحراثة حيث كان يسكن مع شريكه عيد المرشود في” خشّة عيد المرشود" حيث كانت ”رسميّه" زوجة حميد و"فلاحه" أخت عيد المرشود يعددن لهم الطعام، يعجنّ ويخبزنّ، وكانت الجريشة ومرقة العدس على القائمة الرئيسة للطعام وكنّ يحضرن الماء والحطب ويطعمن عمّالات البقر الكرسنة المجروشة والتبن. وكثيراً ما سمعن أصوات دقّ العدّة في مسكنهنّ لدرجة أنهنّ لا يجرؤن على الدخول لتحضير الطعام، ولكنهن عند قدوم الحرّاثين يستأنسن بهم ويحضّرن الطعام رغم تواجد الأصوات طوال الليل حتى أنهم ألفوا ذلك الصوت وقالوا أن هذا صوت فقير لا يضرّنا. وفي حادثة أخرى مثيرة للدهشة بنى عبد القادر بيت الشعر عند المغارة شمال نجده، وفي ليلة شديدة الأمطار سمع أبناء أحمد الموسى وهم يتعللون أصوات المجارف والفؤوس تصدر من بيت عبد القادر فضنّوا أن الماء أجبرهم على عمل قناة تبعد الماء عن بيت الشعر، وكانوا يلومونه إذ كان عليه أن يحسب حساب الماء ويعمل اللازم قبل نزول المطر، وفي الصباح ذهبوا ليطمئنوا على دار عبد القادر فلم يجدوا أثراً للحفر، أما عبد القادر فلم يسمع شيئاً ولم يتأثر بالمطر، فعزوا الأمر إلى الفقير أبو نجده. كما حدث أن سمع الناس صوت تكسّر كؤوس الزجاج في الليلة التي توفي فيها علي الحسين المحمد، ونسبوا ذلك” للفقراء” اللذين هم أرواح تسكن نجده. ولعلّ ذلك لجهل الناس وعدم قدرتهم على تعليل الظواهر الطبيعية كحركة الأبواب بفعل الرياح وحركة الأغصان والأواني التي ربما صدر منها صوت بفعل الرياح، فربما كانت دقات قلب المرء في الليل مسموعة ناهيك عن أصوات الطيور والحيوانات وحركاتها. هناك عدّة نظريات في اسم نجده، فقيل أنه اسم فتاة عدوانيّة ماتت ودفنت في نجده عند ”الهُبجه "وقيل أنها على اسم أبو نجده الفقير، وقيل أن الصحابة-رضوان الله عليهم - كانوا في ضيق، فجاءتهم نَجده أرسل بها الخليفة الراشد عمر- رضي الله عنه-، وقد سكن نجده جماعة من السلط فلمّا عادوا بعد سنين طويلة سموهم ”النجداويّه" نسبةً إلى نجده. كما سكن نجده الفواخيريّه وهم نصارى كانوا يمتهنون مهنة الفخار، وكان آخر من سكنها من قبل الفريحات هم نصارى من عنجره تركوها بسبب حادثة قتل حسن الحسين السليم في عين" قدرا". نبذة عن بعض أحفاد أحمد الموسى بلغ علي الفندي سنّ الزواج، فحاز أغنامه واستقلّ مالياً عن أعمامه وتزوّج حفيظه بنت الحاج مفضّي الذي كان وجيه ساكب، كما كان من القلّة اللذين حجوا على جمل في زمانه، فكان صاحب دين وخلق، وكان دار الحج مفضّي قريبين لدار أحمد الموسى، وكذلك تزوجت عاشه الفندي من محمد الحاج مفضّي الذي خلف أبوه في المكانة وكان صديقاً حميماً حتى في أحلك الظروف، وعاش علي في بيت أبيه فندي الذي كان هو البيت الأول الذي آوى عائلة أحمد الموسى عند قدومهم إلى الحسينيات. أما حسين المحمد فقد تعرّض لمصيبة وفاة زوجته الأولى” مريم" تاركتاً أيتاماً، ولكنّه تزوج” تمام" من ريمون، أما الأيتام فقد تقاسمهم أعمامهم عوض وحميد فكان الكبار عند عوض والصغار عند حميد، وكان محمد وأحمد قد شبّوا وكان لهم أغنام وبيت، أما عيشه وسليمان وعلي فكانوا تحت رعاية حميد، وكبرت عيشه عند دار عوض وتزوجت من ساكب أما علي” علوله” فتوفي وهو فتى يافع، وانتقل حسين مع زوجته الثانية إلى الجزازة واستقرّ فيها وأنجبت له البنات ثمّ البنين، أما حسن فقد تزوّج”رشده" من الدلابيح حيث تعرّف إليها عندما سكنوا نجده طلباً للمرعى ولم يرزق منها بأبناءٍ ذكور فسعت في تزويجه بزوجة أخرى تنجب لبناتها إخواناً وقد حققت هدفها. وكانت امرأةً صالحةً عفيفة لم تقبل عوناً من أحد حيث كانت مجاهدة بتربية بناتها حيث نذرت نفسها لذلك. عيسى وهاجر وأبناء حميد كان عيسى عوناً لأبيه منذ نعومة أظفاره يعمل في الزراعة والرعي ثمّ في أعمال الحطب والتفحيم، كما فُتح له باب التجارة على الجمال حيث كان يقايض أحمال جماله من الفحم والحطب والخشب بالقمح من حوران، وكثيراً ما وصل إلى درعا محمّلاً جماله بالأخشاب الصالحة لسقف البيوت ويعود محمّلاً بالقمح الذي هو قوام الحياه، وبذلك تحسنت أحوال حميد الماديّة، وأراد أن يزوّج ابنه عيسى من ابنة أخيه" صوره" التي تسمّت على اسمه منذ صغرها، ولكنّ عيسى لم يلبّ رغبة أبيه ورغب بالزواج من شريفة بنت حسن الأسعد، وقبل حميد بتلبية رغبته حيث كان حسن الأسعد من أهل التقوى والصلاح، كما كان من أهل الجدّ والعمل حيث أنشأ كروماً واسعة في ”مقعد مراد" وكان كريماً مطعماً للطعام، كما كانت أمها ”هيفا الخزاعي” شيخة يحسب لها حساب ولها شخصيّة مميزة عن نساء عصرها حيث كانت تجيد الفروسيّة وحمل البارود ولا تخطئ رمي الرّصاص، وكانت تمزح مع اخوتها راشد وعبد المحسن حيث تطلق الرّصاص بين أقدامهم واثقةً من رمايتها. مات حسن الأسعد في الحسينيات فخطبها حميد لابنه من أخيها حسين الحسن الذي اشترط مهراً غالياً لها هو” خمسمائة دينار" فاختار ستين رأساً من الماعز بستين ديناراً وكانت أحوال حميد وعيسى الماديّة جيّدة بسبب التجارة المذكورة آنفاً فلم يتوانوا عن دفع المهر وإتمام الزواج. لم تتغير علاقة عوض بحميد بسبب صورة حيث كانت صغيره، وعقد حميد العزم على تزويجها ابنه عيد، كذلك خُطِبت هاجر لعلي الحسين السليم وكان فارق السن بينهما كبير، فباع علي أرض المشماس لمحمد الرشيد من ساكب بخمسين ديناراً ليسدد مهر هاجر، ولكن حميد تدخل واسترجع المشماس وزاد علي خمسة دنانير على ثمنه حيث كانت الأرض رخيصة في تلك الأزمان، وبالمقارنة مع مهر شريفة كان مهر هاجر أقل من قليل. تمّ زواج عيسى بشريفة وهاجر بِعلي في الحسينيات، وكان عوض وحميد يتطلّعون إلى الانتقال للسكن في نجده حيث أملاكهم التي اشتروها من البرامة والنصارى، وحيث توجد مغارات كبيرة تصلح مشتىً لأغنامهم، وكان مما غنّته صوره تلك الفترة: هد وارحل يا عوض على نجده العذيّه او ديرتك يا عبدون غبرا ما فيها ميّه كانت صوره العوض آية في الجمال، وكان إذا خطبها أحد قال له عوض: "اخطبها من أخي حميد"، ولم تمضِ مدّة طويلة حتى قام عوض ببناء أول بيت في نجده، ثم بنى حميد بيتاً قريباً منه فرحل عوض أولاً ثمّ تلاه حميد، وكان في ذلك تحدٍّ للطامعين في خربة نجده من العياصره حيث كانت الأرض تملك بمجرّد وضع اليد. الرحيــل إلى نجده تجنباً لمشقّة التنقّل من الحسينيات إلى نجده بسبب وجود غالبيّة أراضي عوض وحميد في نجده الأمر الذي يتطلّب تواجدهم للحراثة والزراعة والتعشيب والتذرية والحصاد والدراس، كما كان من الضروري حراسة المزروعات من الأذى، انتقل عوض وحميد إلى نجده حيث اطمأنوا على مواشيهم، كذلك بسبب وجود مشتى مناسب هو مغارة ”عراق دار عوض "فبنوا بيوت لهم، ثم لحق بهم حسن و حسين وكان البناؤون من فلسطين. كانت أرض نجده مشاع تمتلك بوضع اليد، ولذلك وضع حميد وعوض أيديهم على ”الخربة القديمة" وتملّكوها مما أثار حسد الحاسدين وطمع الطامعين، وكان الماء أحد المعضلات التي يجب حلّها لذلك نشط عوض وحميد في إصلاح الآبار الروميّة القديمة، وذلك ليشربوا ويرووا أغنامهم مما تجود به السماء في موسم الأمطار، وكان لهم جار من ساكب اسمه محمد الفارس عمل مثل عملهم ولم ينكر عليه أحد. بئر النّبقة بنى حميد بيتا مكوناً من غرفتين واسعتين، كما بنى حول هذا البيت مرافق” صيرة أغنام، وحوش للأبقار، وخشاش لتخزين التبن والحطب وأعد كل متطلبات الفلاح"، وكان عليه أن يفكّر في الماء حيث أن جلب الماء من عين” جحدب" أو عين ”المغارة" يتطلّب تعباً وعناء، وكان البديل عن ذلك هو آبار الجمع، وكانت خربة نجده أثرية مليئة بالآبار التي تحتاج إلى صيانة بسيطة مثل سمل الأتربة وتجهيز ساحة لجمع المطر وحفر بعض القنوات وصنع باب للبئر، وكان بجانب دار حميد نبقة عند أصلها بئر، فشيّده حميد ووضع له باب ولذلك سمي بئر النّبقة، وجاء رجل من ساكب مشهور بالشؤم وكثرة الفتن فادّعى أن هذا البئر له وأنه سبق له أن سمله، فكان حميد حاضراً فاتفق مع ذلك الرجل المدعو رزق الله على أن يأخذ من حميد” بطيحة" قمح مقابل ما قام به من سمل في الماضي، وهكذا تمّ الاتفاق مع رزق الله مع أن رزق الله لم يكن محقاً ولكن حميد قبل بذلك كفاً للشرّ، فوفقاً للقانون السائد تملّك البئر لمجرّد وضع اليد عليه وتشييده والبناء بقربه، وهكذا غادر رزق الله وكان راضياً عن اتفاقه مع حميد. قصة عيسى الحميد الفريحات كان لتملّك عوض وحميد أراضي من أهل برما ونصارى عنجره بعض الحسّاد والطامعين، حيث كان ذلك يعبّر من جهةٍ عن مكانةٍ ووجاهةٍ حازوا عليها بكدّهم، ومن جهةٍ أخرى كان هناك منافسين يرغبون بتملّك أجزاء من هذه الأراضي، وكان عيسى أكبر الشّبان ولذلك وقع على عاتقه الدّفاع عن ممتلكات العائلة وكرامتها ومن المعلوم أن الرعاة كانوا يتنافسون على عين جحدب وتنشب بينهم المشاجرات، وكان هناك لصوص لا يؤتمن جانبهم مما جعله في حالة استنفار دائم، وكان أمرهم يدور بين الفعل وردّ الفعل، فمن صادقهم صادقوه وحافظوا على ماله ومن أساء إليهم بادلوه الإساءة بأكثر منها حتى لا يعود لمثلها. كان عيسى يغيب في تجارته على الجمال إلى حوران ودرعا ويعود محمّلاً بالقمح الذي كان سببا في شراء حميد مزيداً للأرض. وكان أبناء أحمد الموسى ”لا تضيع لهم طلابه" ولا يفرّطون في حقّهم، واشتهر عيسى بذلك حتى صار معروفاً بمنزلته الخاصّة حيث رفع رأس أعمامه فصاروا على قلّتهم كأنهم كثره، حتى أن عيسى كان يأخذ البقر ليرد ماء جحدب بعد الغروب وذلك في تحدٍّ واضح للعياصره اللذين كانوا ساكنين بجوار عين الماء، ومع ذلك كان له أصدقاء من ساكب هم دار الحاج عبد الرحمن النهار وابنه محمود ودار مفضّي. التحريض كان لاستقرار عوض وحميد في نجده وتملّكهم الأراضي وعزمهم على مواصلة تملّك الأراضي من أهالي برما وأهالي عنجره وعلوّ شأنهم وتميّزهم وخاصة بوجود عيسى الذي كان دائماً على أهبة الاستعداد ليرد لمن كاد كيده إلى نحره، كان لذلك حسّاد طامعين في الأرض وكان هناك حسّاداً رأوا في علوّ شأن أقاربهم انتقاصاً من شأنهم، وقد تصادف أن التقى بعضهم في ريمون متوجهين إلى جرش فأنكروا على” رزق الله" الصفقة التي عقدها مع حميد حيث اتفق على أن يدفع حميد لرزق الله بطيحة قمح مقابل سمل البئر، وقالوا أبناء أحمد الموسى مثل الضباع” إن هاولت لهم فلّوا وإن تركتهم أكلوك" وما زال أولئك النّفر يحرّضون بعضهم على أبناء أحمد الموسى وعلى حميد بشكلٍ خاص حتى تركوا مشوار جرش وعادوا إلى نجده فحضر عيسى وهم يكسرون القفل ويريدون وضع قفل آخر أحضروه معهم، فقال لهم:" مالكم والبئر لا تفتحوه فقد شيّدناه وإذا تعرّض للهواء تشقق الشيد. كانت تلك المجموعة من العياصره قد عزموا على الأمر واستعدّوا له فأجاب رزق الله:" بدنا نكسره ونمعط لحية أبوك"، كان عيسى سريعاً في استعمال ما وقع تحت يده وهو كريك كان بجوار البئر فضرب رزق برأسه ففلغ رأسه وثار دمه يغطّي ملابسه ووجهه وعلا الصياح:" وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله، وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله، وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله". كان موسم الحراثة وكان الحرّاثون على الغالب من العياصره، وقد سمعوا الصياح فأخذتهم الحميّة والعصبيّه، فجاؤوا مسرعين من المشماس وتلعة جحدب وأم عبهره ملبّين نداء الشيطان الذي جرّهم لذلك المكان المشئوم. كانوا يحملون الطبار والعصي وقد غرّتهم كثرتهم فأرادوا كسر شوكة الفريحات عامّةً وعيسى وعمّه وأبيه بشكلٍ خاص، وهكذا وصلوا البئر وكان رزق الله يحرِّضهم ويقول:" ما واحد لازم يتجوّز بنت العيصراني بقرش، هذا الولد ما بطوق عليكوا بالعلك، اذبحوه ..اذبحوه". وهكذا تواردوا من مارس الرمان، من خنيزير، من ام عبهره، من المشماس، من تلعة جحدب، من المرح، من تلعة يوسف” الواحد بإثر الثاني حتى تجمعوا بنجده وما أنشاهد عيسى ذالك حتى ركض إلى بيته فأحضر”فرده و بارودته" وظنوا انه فرَّ فضربوا الباب بالحجارة وقالوا: "سنذبحك بحضن مرتك" ولكنّه خرج اليهم مشهراً سلاحه محذّرهم فتراجعوا خوفاً، وببطءٍ شديد كان يتقدّم اليهم ويتراجعوا و رزق الله يحرّضهم حتى وصلوا إلى باب" خشة عيد المرشود”، فكأن القومَ ظنوا انه لن يجرؤ على إطلاق النار، فأحاطوا به فحذّرهم الموت ولكن أحدهم تجرأ على التقدّم، فقال له عيسى: "يا خالي خلّيها بغيركَ تراها لزمت”. "تراها لزمت" وكما قيل في المثل ”اطلق على القوم ابن بنتها"، ولكن عبد الحميد الرجا قال:" ما تشوف أقشر من اليوم" وتقدّم بإتجاه عيسى، فاطلق عيسى عليه النار فأصاب فخذهُ حيث لم يقصد قتله، ثم سحب جرار بندقيته عياراً نارياً قصَّ عقال احدهم عن رأسه، ثمّ سحب الجرار فعلق الظرف الفارغ بالبندقيةِ ولولا ذلك لقتل منهم آخرين، وحمل مسدسه فخافوا وكفّوا فصاحوا وقالوا” الزلمة إحرج.. الزلمة إحرج" كنايةً أنه لم يعد يبالي بقتلهم، وخرج إلى ظهر الخشّة فأخرج الظرف الفارغ من البندقيّة وأطلق عليهم فخافوا وابتعدوا عن المكان، وتقدّم أناسٌ من ”أميره" زوجة عوض يطلبون مفرشاً يحملون جرحاهم عليه وبعد رجاء من أميره سمح لهم عيسى بأخذ مفرش ولم يكن في ذلك اليوم في نجده إلا عيسى وأميره زوجة عوض حيث كان الناس غائبين ولم يشهدوا ذلك الحادث وكذلك عاد المعتدون يحملون عبد الحميد ورزق الله جرحى ولم تكن الطبابة متوفرة تلك الأيام وفي الطريق كان ابن عبد الحميد يقول:" يابا .. يابا.." فقال له عبد الحميد:" أبوك اليوم رزق الله ولست أنا - كنايةً عن ندمه لمؤازرة رزق الله كما قال في طريقة للمستشفى – لن نجيت غير أصلح عيسى العبد الحميد وألبسه عبائه، هجمنا على الزلمه بداره شو بدو يساوي غير يذبحنا". وهكذا مات عبد الحميد بعد يومين نادماً على فعلته وعلى مناصرة رزق الله. أما رزق الله فقد شفي ولكنّه صار مكروهاً من جميع العياصره والفريحات سواء، ولم يطالب بشيءٍ بعدها، وهكذا استقرّ أمر الفريحات بنجده وتخلّى عنها العياصره. عاد حميد وعوض فأثنوا على عيسى البطل الذي حفظ كرامتهم، ولم يلوموه بل قالوا:" لو ذبحتهم كلّهم ما لمناك" وقد عقدوا العزم على الوقوف أمام تلك المحنه وقد بذلوا الغالي والنفيس. تحضّر الفريحات خوفاً من ردّة فعل العياصره وحملوا السلاح ولكنّهم كانوا يتابعون أخبار الجريح” عبد الحميد” في المستشفى ويدعون الله أن لا يموت كي لا يبتلوا به، ولكن أخبار وفاته متأثراً بجرحه كانت مخيّبةً للآمال حيث كان الطّب بدائياً فلم يستطع الأطباء وقف النّزيف. وكان الأمر من وجهة نظر الفريحات هو دفاع مشروع عن النّفس ضدّ مجموعة من الرعاع قادهم الشيطان رزق الله، ولكن لم يكن بدٌّ من اتباع الأعراف العشائريّة. أهازيج نبطيّة في ذلك: يا عيسى ما همّنـــــــــا الفزعـــــــــة والبزر رشـــــــــق المزاريـــــب يا عيسى يا حامــــــــي التـــلعـــــــــة حاميهــــــا من الشّمس للمغيــــب ها يا بيّ محمود وعيسى لا تفـرّط فيــه عيسى جبّة حرير دقّ الزّغل ما فيه يا ريت كل من قعد بالمقـعد يحكي فيــه شيخ ربعة كل الناس تحكــــــي فيه يا شب عيسى يا كمشة قرنفل يا عود النّد يا جسر الحديد لا يبلــى ولا ينـــهد #تحويل [[اسم الصفحة الهدف]] بنى حميد بيتاً في نجده مكوناً من غرفتين واسعتين كما بنى صيرةً للأغنام وحوش للأبقار وخشاش لتخزين التّبن وأعد كل متطلّبات الفلاح، وكان عليه أن يفكّر بالماء حيث أرهقه جلب الماء من عين جحدب وكان البديل هو آبار الجمع. كانت آبار نجده الأثرية بحاجة إلى صيانةٍ بسيطة مثل سمل الأتربة وتجهيز ساحة لجمع ماء المطر وحفر القنوات، وكان تحت مزراب دار حميد بئر بجانب نبقة كبيرة شيّده حميد وجهّزه ببابٍ مقفل، وكان هناك رجلٌ مشؤوم من العياصره ادعى أن هذا البئر له لأنه سمله من قبل فاتّفق مع حميد أن يعطيه بطيحة قمح مقابل سمله علماً أنه كان هناك آبار كثيرة في نجده غير مملوكة لأحد. وحصل أن كان له أقارب حرّضوه على المطالبة بالبئر وإلغاء الصفقة مع حميد خوفاً من أن يتملّك عوض وحميد خربة نجده كامله. وبينما كان عوض وحميد بعيدان عن نجده منهكمين في الحراثة ولا يوجد إلا ”أميره" زوجة عوض عاد عيسى لنجدة فتفاجأ بالرجال يكسرون قفل البئر وقد أحظروا قفلاً جديداً ليضموه مكانه كعلامة لوضع اليد وتملك البئر. كان عيسى جريئاً فصاح بهم ونهاهم ولكنهم هددوا وتوعدوا فقال رزق الله ”غير نكسره ونمعط لحية أبوك ”وفوراً تناول عيسى ”كريك" كان قريباً منه فضرب عيسى ”رزق الله” برأسه ففلغ رأسه وثار دمه على ملابسه ووجهه ففر من مع ”رزق الله" وأمطرهم عيسى بوابل من الحجارة وصاروا يصيحون ”وين راحوا النشامى ”عيسى ذبح رزق الله فجاءت فزعة كبيرة من الحراثين من المشماس وتلعة جحدب وام عبهره ومارس الرمان وتلعة يوسف جاءوا حاملين أطبارهم وعصيهم الواحد في إثر الآخر وذلك لأنه كانت تنشب شجارات بين الفريحات والعياصره وكانوا يتحرّقون غيظاً على عيسى لأنه كان أشد الناس إغاظة لهم وتحدي في سالف الأيام ولذلك جاءوا مدفوعين بحقدٍ دفين فتبادل عيسى معهم رمي الحجارة وكانوا كثره”فقال رزق الله" ما حدا يتجوز بنت العيصراني بقرشين إذا ما ذبحتوه تراه ما بطوق عليكوا بالعلكة ” وكان يصيح ويحرض، ولما كثروا وأصبح عيسى غير قادر على ردهم بالحجارة ركض إلى بيته ليحضر السلاح فدخل ورد الباب خلفه فضربوا الباب بالحجارة وقالوا ”إكسروا الباب واذبحوه لو قدام مرته" ولكن عيسى خرج مسرعاً فشاهدا بندقيته ومسدسه فتراجعوا وكان إصبعاه على الزنادين وقال من خطى خطوه قتلته فخافوا وتراجعوا حتى وصلوا إلى امام ”خشة عيد المرشود” ولكن عبد الحميد الرجا ”ابن عاشه الحمود الفريحات” تجرّأ ولم يكن له علاقة بالبئر غير أنه فزع حميه لأهل بلده، تقدم عبد الحميد الرجا فقال عيسى ”خالوه خليها تيجي بغيرك تراها لزمت” (وقديماً قال المثل أطلق على القوم ابن بنتها ) قال عبد الحميد ”والله ما تشوف أقشر من هذا اليوم” وتقدم فأطلق عليه عيسى النار من بندقيته فأصابه في فخذه ولو أراد أن يجعلها بين عينيه لفعل ولكن لم تكن لديه نية قتل بل كانت دفاعاً عن النفس و الكرامة، سحب جرار بندقيته فجهزها بطلقة اخرى ويده لا تزال على زند مسدسه الموجّه إليهم ففروا جميعاً، قفز عيسى على ظهر خشة" عيد المرشود ”واستحكم وقال ”بعد إلي صار ما انا سائل عنكم قد ما تكونوا” فأطلق رصاصة أخذت عقال أحدهم عن رأسه، رأوا أن الأمر جدّ ففروا مذعورين خائفين على أرواحهم. وكان من بعض الحضور أصدقاء الفريحات الذين لم يكونوا راضين عمّا حصل فرجوا أميره وعيسى أن يسمح لهم بمفرش وسلّم يحملون الجريح عليه وبعد تردد سمحا لهم بذلك ومنذ ذلك الوقت تأصلت عداوة بقيت لسنين طويله. عادات العشائر كان لا بد للفريحات من احترام عادات العشائر كيف لا وهم أشد الناس معرفةً وتعلقاً بها وهم العشيرة التي تلجأ لها العشائر عند المطالبة ”بحق العرب"، ولذلك أسرع علي الحسين إلى برما مستجيراً كما أسرع حسين الحسن إلى عنجره دون علم منه عن ذهاب علي إلى برما. كان أول من وصل نجده أصدقاء الفريحات القدامى الذين أرادوا أن يردوا للفريحات بعض أياديهم فيما مرّ بهم من أحداث قتل وخطف وكسر عظم حيث كانت تلك المسائل تحل بواسطة الفريحات على فنجان قهوه. وكان أول من وصل من برما” الغدايره والسلامات (العظامات)" منهم علي الإبراهيم و عبد الله السلامه ومحمود السعد، ثم وصل أهل عنجره (الزغول) أصدقاء الفريحات على مرّ الزمن ومن عشائر عنجره كذلك كان من الحضور، محمد الأحمد العبد الرحيم، خليل الأحمد ومحمود الأحمد الناصر كانوا راغبين في أن يكونوا ”أصحاب الوجه" فقالوا للبرامه:"أتعلمون ما وراء إجارة الفريحات؟!وراء ذلك أن تحموهم وتحرسوا أغنامهم وأبقارهم وتحصدوا محاصيلهم وتحموا بيوتهم ودواجنهم سواءً ما وجد في نجده أو أي مكانٍ يذهبوا إليه". وقف أحد وجوه برما وقالو:" نحن لا نقدر على هذا الحمل فاحملوه أنتم”، وقف أحدهم وقال:" يا فلان حك....بالحيط إذا لم تكن قد جيرة الفريحات"، فنهض وحك... بالحيط كنايةً عن التنصّل من الجيرة حيث كان ذلك عاراً بعرف العشائر. الجلوه فزع أهل عنجره عامةً لأن الجيرة كانت لعشائر عنجره، فزعوا بخيولهم وجمالهم وحميرهم ينقلون كل ما يتعلق بأبناء احمد الموسى، عوائِلهم و أغراضهم صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأُنثاهم إلى ”الساخنه" وذلك أن من لوازم الجلوة أن يقطعوا وادياً، وفي الساخنه كانوا على الرحب والسعة ومحلّ عناية اهل الساخنه اللذين بذلوا كل ما يمكن بذلة للمحافظة على أموال أبناء أحمد الموسى وكانوا عندهم محل ترحيب وتكريم. ومنهم أصحاب الذّكر الطّيب: خليل الأحمد، ومحمد السعيد، ومحمد أحمد عبد الرحيم، كانوا أهل همةٍ ونخوةٍ وعون ”نشامى" بكل معنى الكلمة، حتى أن نسائهم ساعدن نساء الفريحات بالأعمال المنزليةِ والحليب والخضيض، وكانت لهم أيادي بيضاء على الفريحات لا تنسى حيث كان هناك مغارة كبيره" عراق” مشتى لأغنامهم و لأبقارهم وذلك عند” قبر النوريه ” قرب عين الحايك، كان الرجال قد أودعوا السجن ”عوض وحميد وعلي و حسن وحسين"، وكان حسين الحسن وعلي الحسين قد رافقوهم إلى الساخنة وجلوا معهم رغم أنهم لم يكونوا ملزمين بذلك، ولكن كان يجمعهم القرابه والنسب والصداقة والمحبه. رغم ما قّدمه أهل عنجره كان الألم ملازماً لنساء بيت أحمد الموسى، وكان الأولاد قد سدّوا مسدّ أبيهم في الحفاظ على الأغنام والأبقار، ومنهم من كان يعدّ من الرجال مثل ”عيد ومحمود العوض وأحمد الحميد"، وكانت عيونهم مفتوحةً على ما يدور حولهم ولم يجرؤ أحدٌ على التّعرض لهم. ويؤثر عن" صوره العوض" أنها كانت تغني وتندب حالهم ومما يؤثر عنها: يا ويلي يا عزوتي بعراق بأوسط صفر واللهاليب وبني عمّي في سجن عمـان صكّت عليهـم الكلاليب كانت أغنام علي الحسين زوج هاجر الحميد مخلوطة في الأصل مع غنم عمّه، ولذلك جلا معهم إلى الساخنة، ولكونه من أكبر الذكور اللذين لم يسجنوا فقد حلّ محلّ عمّة حميد في تولي أمر العائلة والاهتمام بالمواشي، أما حسين الحسن فقد كان صديقاً وصهراً لحميد فجلا معهم مع عياله كافّه، ولم يقبل بتخلّي بعض أقارب حميد عنه بحجّة الخروج من الجدّ الخامس وكان لهم نصيراً ومعيناً، وتولى حسين الحسن الاتصال مع الفريحات بخصوص” العاقلة" وكان من رأيه أن يشارك الفريحات جميعهم في الدّيه، وذهب إلى راجب حيث كان محمود الحسن البركات الذي رأى أن الفريحات لابد أن يكونوا لحمه واحدة في ”الدم والهدم" وكان موقف أهل راجب مشرّفاً كما انهم علموا من حسين الحسن أن المواشي بحاجة للتبن فوضعوا ”حواصل التبن” تحت تصرفه حيث نقل على الجمال والحمير من التبن من راجب إلى الساخنة ما سد به حاجةَ المواشي ذلك العام. الخذلان كان بنو شريده وبنو خزاعي أقرب الناس إلى بني موسى فبالإضافة لقرابة الدّم كانت قرابة المصاهرة والجيرة. وكانت أغنام عوض وحميد تساق للذبح عند كل مكرمه يكرمها راشد الخزاعي الذي كان يرفع رأسه بهم، وبهم يضرب عدوّه وينال منه، وكان بنو موسى جميعاً على محبّة ووفاق مع راشد ولا أدلّ على ذلك من أنهم لم يقبلوا أن يخرجوا من السجن مقابل استنكار أعمال راشد ولو باللسان وكذلك كانت الألفة بين بني موسى وبني ضرغام على وجه العموم (دار عباس ودار ملاوي) ولعلنا نلتمس العذر لبني مصلح حيث كان القتيل عبد الحميد إبن عاشه الحمود أُخت نوري ومن المؤَكد أن ذلك أثّر على موقف نوري ولعله كان معذوراً. كان أبناء أحمد الموسى مسجونين لا حول لهم وكان عشمهم بعشيرتهم كبير وذلك قبل أن يصلهم نبأُ الإجتماع في نحله ببيت عقله الخليل الزعبي الذي ضمّ عن الزعبيةِ بالإضافةِ لعقله الخليل محمد العلي الأطرم، وعن أهل ساكب يوسف الشبلي، وعن بني مصلح نوري الحمود، وعن دار خزاعي فوزي الراشد، أحمد الفارس عن دار عباس، وعلي العبدون وسعد الحسين عن دار شريده. تجمع الرجال وعدوا أجدادهم فخرجوا عن العصبةُ الملتزمة مع أبناء أحمد الموسى، وكان هذا الاجتماع بما دار فيه محرجاً لأُولئك اللذين تنصلوا من أقاربهم حيث سألهم يوسف الشبلي يا..... إذا لقيتنا نضرب إبن اختك... فيقول وهو يستغيث بك يا خالي فما تفعل؟ فقال: أعمل كأني لا سمعت ولا رأيت ثم أعاد السؤال على فوزي الراشد وآخرين بنفس المضمون ولكن كان يختار أقرب الناس من أبناء موسى إلى المخاطَب وكان الجواب مشابه ”كأني لا سمعت ولا رأيت” وهكذا خرجوا مسرورين وبظنهم أنهم قد سلموا وأن لا شأن لهم بما يجري ولكن علي العبدون وسعد الحسين تعرضوا للضرب والإهانة عند عودتهم عند عين”ام جوزه" مما سر ذلك بني موسى. كما أن مصاهرة نوري للعياصره لم تمنعهم من التعرض لبيته وأمواله بالنهب والسرقة وأن تعدوا الجد الخامس. ولذلك نرى مواقف متعاونه حيث كان علي الحسين وحسين الحسن متضامنين مع أقاربهم بني موسى وكان عبد القادر ملتزماً مع أقاربه على عكس غيره. وقد وصلت لعبد القادر رسالة من يوسف شلبي تطالبهم أن يَجلَوا من الجزازة وكان عبد القادر قد رد بذكاء على تلك الرسالة حيث كتب فيها يعقوب وعلي وعبد الرحمن وخالد يجلون كما تريد ولكن إن جلوا فإلى إين تجلو أنتم ؟؟؟ فهم يوسف الشلبي مضمون الرسالة حيث لم يعيها الحاضرون. وقالوا ما هذا الجواب؟ يجب أن يجلوا فقال لهم هذا كلام ”العقال" فإن هؤلاء لا مال لهم وأن جلوا فستكون معيشتهم من سَلبِنا ونَهبِ أَموالنا أتركوهم في أرضهم فيكفونا شرهم. ما بين السجن والساخنة بعد ما جرى مع عيسى بنجده اقتنع بضرورة تسليم نفسه للدولة، وكان يتوقّع أن يكون ذلك سبباً في تخفيف الحكم عليه خاصّةً وأنه كان مدافعاً عن نفسه وبيته وأهله وماله. ذهب عيسى إلى عليمون حيث وضع بندقيّته أمانةً عند عبد القادر الأسعد من برما، ثمّ ذهب إلى دار عبد القادر المصطفى في الجزازة حيث تناول بعض الطعام وودّع النساء الباكيات وشجّعهن قائلاً ”السجن للرجال ولن يغلق السجن على من فيه" ثمّ توجّه إلى المجدل حيث ركب الباص إلى عمان” الطريق القديمة "كان عوض وحميد في السجن أيضاً أما أبناء حميد فقد أفرج عنهم لصغر سنهم والتحقوا بأهلهم في الساخنه عند ”قبر النوريه" مر الشتاء على أبناء أحمد الموسى في الساخنه ولكنه ترك ألماً و حزناً مضافاً إلى ألمهم حيث أخذ السيل يتيماً ”يتيم الأم" كان يسير خلف أُخته متأخراً عنها فحسبته رجع ولكن السيل أودى بحياته غرقاً حيث وجدوهُ بعد بحثٍ طويل كان ذلك الغلام هو مصطفى إبن حسين المحمد ثم دارت عجلة الحياه وجاءَ ربيع منقطع النظير حيث فاق السنين السابقة وكانت سنة ”غلال” بركة وفاتني أن أذكر هنا أن عيسى أخذ معه مسدسه وسلمه للأمن على أنه السلاح المستعمل في دفاعه عن نفسه وكان الأمر لا يعدوا على أنه أقل قيمةً ومكانه في نفسه من البندقية حيث وضعها عند رجل أمين بحق هو ”عبد القادر الأسعد" من "برما" وبعد خمسة أشهر تم الإفراج عن المسجونين عوض وحميد وعلي الفندي فالتحقوا بالساخنه وصار شغل حميد الشاغل هو إبنه عيسى فصار يبذل كل ما في وسعه ليخفف عنه الحكم وكان قد إختار محامياً مشهوراً له هو ”علي مسمار” وكان يزوره مع زوجته رسميه العبدون كما كانوا يصطحبون "شريفه الحسن" زوجة عيسى لزيارة زوجها وكان السجناء مع عيسى ينتظرون زيارة أهل عيسى حيث كان يكرمهم بأطيب الطعام كما أن الجنود كان يصيبهم خير كثير من زيارة ”أم عيسى" مما خفف عنه وجعلهم يحسنون معاملته. أما العناجره ”أهل الوجه" فقد كفّوا ووفوا حيث كانوا في حراسة بيوت الفريحات في نجده وبحراسة زرعهم فلم يستطع أحد التعرّض لأموالهم، أما العياصره فقد اختاروا محامياً لهم هو” فايز سبع العيش" الذي كان محامياً مشهوراً ذلك الوقت حيث لم يكن هناك إلا قلّه من المتعلمين يعدّون على الأصابع. الحكم والرشوة ليس لأمرٍ يسير لعن الله الراشي والمرتشي والرائش فهم يستحقون اللعن، كيف لا وفيه تضييع حقوق العباد وأكل أموالهم وسفك دمائهم بغير حق، وما كان ليصدر حكم ضدّ عيسى الذي كان يدافع عن نفسه وأهله وماله لولا الرّشوة التي تلقاها المحامي فبدل أن يكون مدافعاً عن موكله كما يقتضي عرف المحاماة صار متعاوناً مع خصومه لإيقاع أقصى عقوبة به، وقد أعماه المال الذي دفُعَ من قبل العياصره واشتروا به ذمّته وربما اشتروا ذمماً أخرى رخيصة، باعوا الآخرة بالدنيا. رغم أن عيسى كان مدافعاً عن نفسه وأهله وماله وكان الوحيد الموجود في نجده ولم يكن مسلّحاً باديَ الأمر ولكنه سعى للسلاح وأحضره بعد أن حاصروه في بيته، ورغم أنه حذّرهم وطلب كفّ شرّهم ورغم أنه تودد إلى القتيل” عبد الحميد الرجا" بالذّات وقال له: "يا خال خلّيها تجي بغيرك تراها لزمت"، ورغم العدد الكبير المجتمع في مكان لا يخصّه بشيْ ضدّ شابٍ أمام منزله، ورغم أن الإصابة لم يقصد منها القتل حيث لم تكن في مقتل، رغم ذلك كلّه أصدرت المحكمة حكماً بالسّجن خمسة عشر عاماً على عيسى، وكان القضاة يأتون من أربد إلى جرش حيث يعقدون محاكمهم الخاصّة في جرش، ولم يكن هناك اعتراض على الحكم حيث كان الجهاز القضائي بدائياً لا محكمة تمييز فيه بالمعنى المعاصر، وقد سرّ العياصره ومحاميهم” فايز سبع العيش” بما حققوه بالرشوة. وبعد الحكم نقل عيسى إلى سجن المحطّة في عمان حيث لم يدع حميد باباً إلا طرقه للتخفيف عن ابنه، وبسبب ما كان يقدّمه حميد من هدايا كان عيسى مسجوناً بلباسه العادي وكانوا يزورونه ويجلس مع زوّاره في غرفة مدير السّجن بدون مضايقه وكان له وضعٌ خاص ليس كباقي السجناء وذلك بسبب مجهود حميد، ومع ذلك ذاق عيسى ألم السّجن ومرارة الظلم الذي وقع عليه. أما حميد وزوجته رسميّه فلم ييأسا من طرق أبواب الدولة وبذل الغالي والرخيص في سعيهم لإخراج ابنهم من السجن حيث قدّموا عرائض والتِماسات كثيرة وسعوا في الواسطات، وقال حميد:" لو حطّيت كل مالي وطلع عيسى مش خسران"، وكانوا يزورونه في الشّهر أكثر من مرّه وكانوا يحضرون معهم زوجته شريفه وأخته هاجر في بعض الأحيان، وقد زاره أقاربه مراراً وكان ممن زاره راشد الخزاعي حيث زاره أكثر من مرّه. وفي السجن تعلم عيسى الطباعة في مطبعة للجيش العربي وتحوّل إلى رجل متعلّم وفق مقاييس ذلك العصر، وقد كتب مذكراته ومنها يُعلم أنه تديّن بعد ذلك وواظب على الصلاة وابتعد عن الحرام. الصلح كما هي عادة العشائر وبعد عامٍ كامل من مغادرتهم نجده إلى الساخنه، سعى الفريحات إلى الصلح وفعلاً توافد الناس إلى المكان المحدد حيث كانوا ينصبون بيوت شعر لهذا الغرض، وبحضور وجهاء جبل عجلون جلس حميد في الوسط واضعاً عقاله في رقبته وقال:" أنا جمل... حمّلوني" وكان هذا مما يقتضيه العرف العشائري، ولكنّ” نايل" من عنجره وقف محتجّاً وقال:" هذا ابن فريح ما بجدي، تلحق الألف ودحرج" أي فليكن ما يكون، وفعلاً اعتدل حميد وعاد للجلوس في المجلس خلافاً للعادات السائدة وذلك لمكانة الفريحات، وكان لهذا أثرٌ كبير حيث تشددوا في مقدار الدّيه. تمّ الصلح على أن تكون الدّيه ثمانمائة دينار وهو مبلغ كبير جداً في ذلك الزمان حيث كانت أجرة العامل قرشين أو ثلاثة وكان ثمن رأس الماعز خمسة وثلاثون قرشاً، ولم يكن للصلح أثر على وضع عيسى في السجن من الناحية القانونيّة وذلك لأنها عقدت بعد صدور الحكم. وبعد ذلك عادوا من الساخنه إلى نجده وهابتهم الناس فلم يجرؤ بعدها أحدٌ على الادعاء أن له حقٌ في نجده وانقطعت منها أطماعهم. أما المدّى فقد شحّت أيدي الفريحات عن المشاركة مع حميد متذرّعين بمقولة:" اللي بالخمس ما بنلمس"، علماً بأن عاده الفريحات لا تنطبق على هذه القاعدة العشائريّة بل كانوا يتعاونون على المدّى، وقد ذهب حميد آنذاك إلى” محمود الحسن البركات” وجه الدار ألغربية وكان رأي محمود بذلك أن ”القرش عدّاد بين الفريحات”. ثم ذهب حميد إلى راشد الخزاعي ”حيث أثر عليه الهرم" فوجده مؤيّدا لمن يرى أن لا ديّة لمن تجاوز الجدّ الخامس ومما قاله لحميد:" أنت بدّك مدى من الميت فوزه (فوزي) ؟" وهكذا عاد حميد بعد أن تنصّل أقاربه من الدّيه واتّخذوا مما حصل مع (أحمد المنصور) ذريعة إذ لم يشاركوا في المدّى معه، مع أن ما حصل مع أحمد المنصور من عدم مشاركتهم كان من تقصيرهم ولم تكن عادة الفريحات المستقرّة من مئات السنين، وهكذا عاد حميد من جولته على أقاربه “بخفيّ حنين “ ولكنّه كان صامداً في الأزمات لا يظهر عليه ما يدل على الضيق. وكان الأولى بأولئك الذين كانت تقاد لهم الذبائح وتساق الدّواب المحمّلة بالسّمن والجميد إلى بيوتهم، وأولئك الذين كانوا يكرَمون ويدعون أضيافهم إلى نجده على الرحب والسعة أن يقفوا بجانب حميد وعوض اصحاب البيوت التي تستر الفريحات وترفع رؤوسهم، ومع كلّ ما حصل فإن عوض وحميد لم يتطرّقوا إلى ذكر ذلك بل بقوا على مودّة ومحبّة مع أقاربهم، وكانوا في طليعة من يشاركون في مكرمات الفريحات وولائمهم ومآتمهم (بقطّاتٍ) من غنمهم وكثيراً ما شوهدوا متوجّهين بها إلى كفرنجه. كان المدّى ثمانمائة دينار دفع منها حميد أربعمائة دينار حيث باع قطعتين من الأرض “ بتلعة جحدب” أحدهما اثنتا عشرة دونماً والأخرى إحدى عشرة دونماً، ومما فاد حميد في ذلك الشأن أن الثيران كانت غالية الثمن نسبياً فباع منها ما أكمل به المدّى كما دفع عوض مع أخيه مبلغاً كبيراً حيث لم يتبقّى من المدّى إلا القليل شارك به أبناء موسى جميعاً، حيث دفع أبناء أحمد الموسى كلّهم أما أبناء مصطفى الموسى فقد شاركوا بالدّفع ومن لم يدفع ما عليه فقد كان ذلك بسبب الفقر المدقع وأما من تنكّر لأقاربه فلم يؤاخذه أحد. مع كلوب باشا ( أبو حنيك) لم ييأس حميد من طرق أبواب الدولة وبذل الغالي والرخيص في سعيه لأخراج ابنه من السجن فقدّم كثيراً من العرائض والالتماسات ولكنها لم تسفر عن شيء، سمع حميد ورسميّه من بعض الضباط أنه لا أحد يستطيع الأفراج عنه إلا أبو حنيك، وكان هذا مستشرقاً انجليزياً وضابطاً كبيراً أتقن العربيّة وأحب البداوة وكان هو حاكم الأردن الفعلي نيابة عن الدولة المستعمرة بريطانيا كما كان قائداً للجيش الأردني الناشئ. كان حنكه مصاب بعيار ناري ترك فيه أثر واضح وهذا هو سرّ تسميته، وكان يكنّى بأبي فارس وكان صاحب نفوذٍ وأمرٍ ونهي. استطاعت رسميّه بتوجيه من أحد الحراس بسجن المحطّة أن تعرف ميعاد حضور أبو حنيك، فذهبت راكبةً دابّة لها إلى ياجوز حيث باتت تلك الليلة عند صديقتها “ أمل العبد الرحمن" زوجة “ عبد الرزاق الداوود” الوجيه والغني المعروف ذائع الصيت، وكثيراً ما كانت تبيت عندها في زياراتها لعيسى حيث يتطلب ذلك وجودها في عمان صباحاً. وفي الصباح الباكر كانت أمام مقرّ أبو حنيك في المحطّه، وعندما حضر عرفته بالوصف من شكل حنكة وهناك تقدّمت ورمت نفسها على قدميه والتمست منه إخراج ولدها من السّجن فرقّ لحالها وخاطب بخصوصها معاونيه مما أعطاها الأمل وبعد يومين كانت الاحتفالات قد اقيمتبنجده والجزازة احتفالاً بخروج عيسى بعد ما يقارب أربع سنوات من السّجن وتلقّاه الناس في المجدل بإطلاق البارود عندما خرج من الباص (الوحيد بين جرش وعمان). وفي طريقة مرّ على أقاربه في الجزازة يرافقه الحدّائون، وبعد زيارة “ دار عبد القادر" ذهب لزيارة “ دار خالد العيسى” لتعزيتهم بخالد الذي وافاه الأجل قبل فترة وجيزه من خروجه حيث كان موته مفاجئاً، ومما زاد الحضور حزناً أن زوجة خالد قالت أنها تفقد صوت زوجها المعروف بين الحدائين، وبعد ذلك توجّه مزفوفا إلى نجده بالزغاريد وأصوات البارود حتى وصلوا إلى نجده في إحتفال لم تشهده تلك البقاع من قبل، وأقيمت الولائم وارتاحت الأنفس حيث عاد لزوجته وابنته “ آمنه” وعاد لأبيه وأمه وأقاربه وكان الناس في غاية السرور، ومرّت الأيام والناس يتوافدون من كفرنجه وعنجره وبرما وباقي القرى يهنّئون بعودة عيسى، ولكن بعد هذا الفرح الكبير كان للأقدار شأنٌ آخر. الفريحات وحرب فلسطين كان هناك عدد من شباب الفريحات اعتادوا الذهاب إلى حيفا للعمل في الميناء، وقد حصل أن سقط أحد (البراميل) فانفتح بابه فإذا هو مملوءاً بالسلاح، وتنبّه أهل فلسطين لتسلّح اليهود سرّاً فنتج عن ذلك اضطرابات واحتجاجات قمعها الأنجليز بقوّه، وقد كان محضوراً على العرب اقتناء أي نوع من السلاح ولو كان ظرفٌ فارغ بينما كان اليهود يعملون في صمت ويُدخلون من ميناء حيفا أحدث ما توصّل له الأنسان من اسلحه، ولم تكن أهداف الصهيونيّة واضحة للعرب آنذاك إلا لقلّة منهم تجمعوا في (أحراش يعبد) ودافعوا عن بلاد المسلمين من منطلق جهادي وكان قائدهم الشيخ (عزّالدين القسّام) أحد علماء الدين من أهل الشام. وكان للفريحات حصّة في ضريبة الدّم في فلسطين في حرب عام 1948م حيث استشهد بعضهم منهم (عبد المجيد الحمود الذي استشهد بانجار لغم يهودي كما استشهد أحمد النوري وأحمد العبد المهدي)، وقد تعاطف الفريحات مع نوري وعبد المهدي لدرجة أن نوري الذي كان يعاني من قطيعة أقاربه (بني موسى) قال: “ لقد خفف عني حضور أقاربي... فقدان أحمد وأحمد وأنا اليوم مسرور بما حصل، كما نجا آخرون بأعجوبة وهم فارين من فلسطين المحتلّه. وفاة عيسى ما كادت النفوس تستقرّ حتى تكدّرت بمرض عيسى ولم يكن هناك عنايه طبيّة بل لجئوا إلى الطب الشعبي و"الفقرا" وكان يشعر بألم في رأسه ولكنّه لم يستسلم لفراش المرض إلا في آخر شهر من حياته وكانت زوجته تعرض عليه طفله الوليد “ جاسر” لتؤنسه فيقول: “ هو لك ليس لي" وانتقل إلى رحمة الله تعالى تاركاً زوجةً وأيتاماً هما “آمنه وجاسر" وبعد أقل من سنه من وفاته تمّ تزويج زوجتة شريفه إلى أخيه يوسف الذي كان أصغر منها سناً وكان العرف والعادة يقضيان بذلك ولم يكن لهما خيار، وقد عُرض على (أحمد) أن يتزوج شريفه ولكنّه رفض رفضاً باتاً ولذلك اضطرّوا إلى تزويجها من يوسف وذلك كما زعموا للحفاظ على الأيتام. وقد دفع حميد لها مهراً جديداً وبذلك يكون حميد قد دفع مهرين وكان يسمّيها “ أم المهرين". قصة الثور عادت الأحوال في نجده إلى طبيعتها، وصار أهل نجده مرهوبي الجانب، وكانت السرقه قد تفشّت بالبلاد حتى صارت عاده، ولكن عوض وحميد كانوا لا يغفلون عن ممتلكاتهم ومواشيهم ولذلك تحاشاهم “ الحراميّه" السرّاق وقالوا فيما بينهم: “هظول ما بروح لهم طلبه"، وكانوا يرتّبون من أبنائهم حراسةً ليليه، وفي إحدى الليالي مرّ نفرٌ متّجهين إلى الغرب ليلاً حتى تجاوزوا نجده فقال احدهم: “ هذه أول مرّه نمرّ دون أن يعترضونا”. ولكن كان هناك شابان من نجده يسمعانهم فأطلقوا النار بقربهم فولّوا هاربين، وكانوا يرون أنه من العيب أن لا يكون حماك منيعاً. ولذلك أشير هنا إلى قصة ثور حميد كنموذج على ما كان يجري ذلك الزمان، كان الثلج دامساً عندما وصل ضيفٌ إلى دار عوض، فأحسنوا ضيافته وكرموه بالدفءوالطعام بعد أن كان يرتعد من البرد ولو لم يبت عندهم لتجمد من البرد ومات، وفي اليوم التالي تحسّن الجو وطلعت الشمس، وفي آخر النهار غادر ذلك الضيف بعد أن نال واجب الضيافة. في اليوم الثاني افتقد “أحمد الحميد" الثور فراحوا يبحثون عنه دون جدوى ولكنهم وجدوا أثره مرافقاً لأثر رجل وكانوا يقصّون الأثر المتوجه جنوباً، كانت الأرض طيناً مما ساعد على وضوح الأثر فتتبعوا أثره إلى “المجدل” ثم” الرمان" ثم ”السليحي"، فعرف حميد وجهة الثور فأسرع متوجهاً إلى موقف عمان في “رأس العين" فصار يدخل من حوش إلى حوش فوجد الثور، ولما رآه الثور علا خواره “ صار يجعر" وكأن الثور يدعو صاحبه إلى نجدته، فسأل صاحب الخان عمّن جاء به، فقال صاحب الخان: هذا جاء به شخصٌ وباعه ولكن طُلب منه ورقه من الشرطه وقد ذهب للمخفر، وفوراً ذهب حميد إلى المخفر فرأى الضيف الخائن يحضر شهود زور ليثبتوا أن الثور له، اقترب منه حميد وقال له “ هو أنت يا خاين الملحه!" ففرّ الرجل مسرعاً وترك الثور، ثم وصل من تخلّف عن حميد فشهدوا بملكيّة حميد للثور وأن ذلك الرجل خائنٌ وسارق وتسلّموا الثور وعادوا حيث باتوا في مخفر “الرمان" في طريق العودة ومنهم من بات عند “عبد الله اللوزي" حيث كان له صله بالفريحات وكان يسكن الجبيهة وكانوا يتبادلون الدّعوات “العزائم"، وفي اليوم التالي من عودتهم وصلوا نجده وكانوا مسرورين لتأكيدهم مقولة “ما بروح لهم طلبه". الشيخ حسن العبد الرحمن العلم والصبر كان حسن قد أُصيب بحادثٍ في صباه أبقاه مرافقاً للعصا طوال حياته، وكان ذلك بسبب سقوطه عن الجواد حيث جرّه الجواد ورجله في الرّكاب فتركه بعاهةٍ دائمه، وكان هذا قد فتح عليه باب العلم والتعلّم لعدم قدرته على أعمال الفلاحه، فذهب إلى الشام طالباً للعلم في مدرسةٍ داخليّةٍ مشهورةٍ آنذاك وكان القيم عليها عالم مشهور اسمه (علي الدقر)، ثم عاد ليمضي بقيّة حياته إماماً ومعلّماً وخطيباً، وكان صبوراً على حكم الله ومما يدلّ على ذلك أنه توفي ابناه بمرض الحصبة بأمسيةٍ واحدةٍ عندما كان إماماً لمسجد ياجوز، وكان عنده ضيوف فلم يشعرهم بما جرى، وفي الصباح رأوه يحفر في المقبرة فعلموا عن وفاة ابنيه وكيف صبر وكتم كي لا يكدّر ضيوفه، وقد تتلمذ على يديه أبناء جيلٍ كاملٍ في عصر الجهل، وكان لعصاه مفعولاً كبيراً في تلقين القراءة والكتابة والقرآن الكريم، وكان له بيتٌ في ريمون يزوره الناس طالبين الدّعاء أو كتابة كلماتٍ من الذّكر يكون فيها رحمةٌ وشفاء. وممن تتلمذ على يديه من أبناء أحمد الموسى “ محمد الحميد" حيث كان يحضى بمعاملةٍ خاصّة بسبب الصلة التي تربطه بدار حميد. وكان محمد ابن الشيخ حسن أول من حصل على الدكتوراة من عشيرة الفريحات ولكنّه لم يلبث أن انتقل إلى رحمه الله في ريعان الشباب، وكان الشيخ حسن في ذلك مثال للصبر على قضاء الله نسأل الله العفو والعافية. التهمه الباطله وصلت مجموعة من الرجال (فزعه) يقتفون أثر قطيع من البقر تمّت سرقته من منطقة السلط وقد قادهم الأثر إلى القرب من مغارة خنيزير ولم يكن لأهل نجده أدنى علمبهذا الأمر حيث فوجئوا بالناس والجنود حيث قادوا الناس إلى السجن ولم يبق بنجده إلا حميد وذلك لأنه كان طريح الفراش لإصابته بجرحٍ بليغٍ من سكّة الحراثه، وعاد “علي الحسين" حيث كان غائباً فلم يقبض عليه، تسامع الحراميّه فطمعوا بغنم عوض وحميد وضنّوا أنها صارت لقمةً سائغة لهم، فكانوا (يحوفون) نجده ليلاً، ولكن علي الحسين فوّت عليهم الفرصة حيث كان يقضاً طوال الليل وكان يخشى على نفسه أن تأخذه غفوة عميقة لذلك كان ينام على (السنسله) الحجريّة حتى لا يستغرق في النوم، ومضت على ذلك مدّة طويلة حيث صدر حكم ببراءة الغائبين وعادوا لمزاولة حياتهم المعتاده. حسين الحسن كان كريماً متواضعاً ذو مواقف جريئة تتطلّب الشجاعة ومن ذلك وقوفه إلى جانب حميد وجلاؤه إلى الساخنة حيث تدبّر أمر مواشي عوض وحميد، وذهب إلى راجب فأحضر التبن الذي جاد به محمود الحسن وأقاربه وذلك لوجود أبناء أحمد الموسى في السجن آنذاك. كان متزوجاً من فتاة نابلسيه اسمها (عربيّه) وكثيراً ما كان يذهب لنابلس لزيارة أصهاره ويتسوق، وأكسبه ذلك ميّزة على أقرانه حيث اطّلع على أحوال المدينهوفلسطين، وكان قد ورث عن أبيه حسن الأسعد أرضاً واسعةً مزروعة بالكروم مليئةً بالخيرات جعلت له مكانةً بين أفراد عشيرته. أحب حسين الأرض والماء والخضرة ولذلك عشق (العقبه)، فباع أرضه في “مقعد مراد” و “المشماس" واشترى أرضاً واسعة تروى من “عين الصفار" في الجزازة، ولكن الأمر لم يتم بسهولة إذ رفع بعض أغنياء عمان المجاورون للعقبة دعوى الأولويّه، وقد أنفق حسين في ذلك مالاً كثيراً واستطاع أن يحرز العقبه ثم اشترى “جورة الحمرا" وكثر الخير عنده حتى صارت داره مقصداً للجائعين والضيوف، وكانت العقبة نعم العون له على كرمه، ثم بنى بيتاً آخر في” جورة الحمرا" وكان مغبوطاً من أصدقاءه محسوداً من كثير من أقاربه وقد نغّص عيشه وفاة زوجته التي احبها حباً شديداً لمزاياها العالية التي يندر أن توجد في النساء، وكانت وفاتها على أثر النفاس حيث أنجبت (علي) وماتت، ولم يستطع حسين أن يفارقها فدفنها بجوار البيت وأوصى أن يدفن بجانبها، ولم يتزوج فقد عاش على ذكراها وكان لأولاده أماً وأباً وضرب بذلك مثلاً في الإخلاص حيث لحق بها ودفن بجوارها بعد أكثر من ثلاثة عقود ولم تغيّره الأيام. كان أبو سليمان كريماً شجاعاً وفياً عابداً لله وصولاً للرحم عطوفاً على الأيتام وما تزال بركته موجودة في ذريّتة حتى يومنا هذا. الشهيد “زهير العلي الفندي" كان الشهيد مرابطاً في وحدته العسكريّة في فلسطين عندما نشبت تلك الحرب التي كان لها نتائج وخيمة وكانت نكسة بل نكبة كبيرة هُزمت فيها الجيوش العربيّة النظاميّة وذلك في الخامس من حزيران من عام 1967 “حرب الأيام الستّه". انجلت الحرب ولم يعد زهير، تتبع علي الفندي أخباره وتعددت الروايات فمنهم من قال أنه كان يقلّ سيارةً عسكريّه احترقت ومات فيها مع رفاقه بعد تعرّضها لهجوم جوّي، ولكن الأمل بقي لسنين طويله يراود أهله بعودته وهل للأموات من عوده؟ ولم يعثر أحد على جثّته ومن المؤكّد أنه قتل والله أعلم كيف كان ذلك وهذه أعلى درجات الشهاده التي أرجو الله أن يكون قد نالها. وكان زهير حديث العهد بالزواج ولكن مشيئة الله تمت ولعله نال ما هو خير من هذه الدنيا الفانيه، وبذلك يكون لأبناء أحمد الموسى نصيب من الجهاد والاستشهاد من حول المسجد الأقصى. وفاة الأخوين عوض وحميد كان لعوض وحميد مكانة كبيرة بين أقاربهم وبين العشائر المجاورة بعد أن استتب لهم الأمر بنجده ولم يعد هناك من ينازعهم على قريتهم التي أسسوها بعد أن كانت خالية من الناس. وكان لهم دور كبير في فظّ النزاعات التي كانت تحدث بين الحين والآخر في برما وقرى العناجره، وكثيراً ما استجار بهم الناس لحل مشاكل الزواج والطلاق والخطف والمشاجرات بين الرعاة والمزارعين، وكانوا محل احترام وتقدير أهل المعراض كما كانوا عوناً للناس في أيام القحط وسنين المحل حيث بارك الله لهم في أغنامهم وأرضهم فلم يبخلوا على المحتاجين ولم يستغلّوا حاجتهم كما كان يفعل الأغنياء من المرابين في ذلك الزمان. في عام 1965 توفي عوض بشكل مفاجئ حيث استجاب الله لدعواه حيث كان يدعو أن يموت وغبار الطريق على قدميه، وبعد حولٍ من ذلك في عام 1966 في تشرين أول توفي حميد بعد مرض قصير (بضعة أيام) وطويت بذلك حقبة مهمّه من حياة أبناء أحمد الموسى مليئة بالحركة والأحداث، وقد تركوا وراءهم فراغاً أدركه كل من عاصرهم فتغيرت نجده فلم تعد عائله واحدة وأسرة واحدة وتلك هي سنه الحياة والبقاء لله وحده. الروابط بين الفريحات كانت قديماً وما تزال الروابط قائمة بين قرى الفريحات، فنجده والحسينيات والجزازة تكاد تكون قريه واحده لقرابة الدم والمصاهرة والعلاقات الاجتماعيه، ولم يكن فريحات راجب و كفرنجه بعيدون عن ذلك كثيراً فكثيراً ما يجمع الفريحات المناسبات الحزينة والسعيده. ومع زوال الدولة العثمانيّة ومرور الزمن وتولي الهاشميّون الحكم لم يتغير شيء سوى أسلوب الحياة الذي طاله التغيير حيث كان للأنتساب للجنديّة وظهور التعليم أثر كبير على حياة الناس وللأسف فإن الفريحات كانوا متأخرين في مجال التعليم وصدق فيهم قول الشاعر العلم يبني بيوتاً لا عماد لهاوالجهل يهدم بيت العزّ والكرم ففي حين أرسل المشايخ أبناءهم إلى مدرسة السلط الثانويّة ( أول مدرسة في الأردن) فكان منهم الوزراء والقادة والحكام تقاعس الفريحات عن ذلك مما أخرهم عن نظرائهم من أبناء عشائر الأردن المرموقه، ومع ذلك فلا تزال لهم مكانة لا تنكر يؤكّدها فوزهم بالمقاعد البرلمانيّة في دوراتٍ برلمانيّة عديدة وحضورهم الذي لا ينكر في المحافل العشائريّه، وقد استدرك الفريحات ما فاتهم من التعليم أخيراً وهم ماضون في ذلك بلا هواده. قصص من الخمسينيات، من يوميــات الشتـــاء انتظر أهل نجده “الوسم" سقوط المطر وعلامة الري أن لا تصل سكّة المحراث إلى باطن الأرض الجاف، وبعد سقوط المطر قالوا “ إروت" ففرح الجميع بهذه البشاره بموسم خيرٍ وبركه، وهرع المزارعون لأعداد محاريثهم الخشبيّة و “حذوا فدادينهم" حيث جاء الحداد من جرش وركّب الحذو للثيران “العمّالات" وهيّئوا البذار. ثم قالوا” اوفرت” أي أصبحت الأرض جاهزةً للحراثة، فقامت النسوة بطحن الكرسنه لتكون سحور الفدّان الذي سيعمل طوال النهار بدون طعام، وقبل طلوع الشمس كان الفدان يشق الأرض بعد أن بذرها الفلاح بيديه، وكان الصوت المسموع هو صوت الحرّاثين يخاطبون ثيرانهم وكأن الثيران عرفت اللغة لكثرة التكرار ”هو هه دير جاي، ارمي، اربع، الوي" وما هي إلا أيام حتى احمرّت الأرض وفُتحت لبركة السماء، فمنهم من زرع القمح ومنهم من زرع الكرسنه والشعير والعدس. أما الرعيان فسروا لسقوط الأمطار الذي يبشّر بالكلأ والمرعى، ولكن كان عليهم الحذر من” الوحاش" التي تزداد ضراوة في فصل الشتاء خاصّةً وأنها تستفيد من” الغطيطه" وذلك أعطى قيمةً للكلاب المدرّبة المخلصة للراعي والغنم. أما النساء فقد حضّرن الحبوب وطحنّها لصنع ”الجريشة ومرقة العدس والمفتول" أكلات الشتاء، كما كان عليهن تجفيف الزبل ووضعه داخل “قطع الفرن" ليحصلن على الخبز الشّهي حيث كنّ يخبزن ويعجنّ صباح مساء، وكان عليهنّ إحضار الماء على الحمير من (جحدب) وكانت حياتهنّ شاقّة خاصّة وقد بدأ موسم حلب الأغنام وكنس “الصيره". أما الأولاد فكانوا يساعدون في إحضار (القصف) للغنم ”العاقبه" التي لا ترعى بسبب المرض والكسر، كما كانوا يساعدون في” زرب البهم” قبل عودة القطيع كي لا يرضع أمه، وعند عودة الرعاة تتعالى أصوات الغنم وأبناءها كأنها موسيقى رائعة خلقها الخالق بدون آلة موسيقيّة فتلاقيها النساء بأواني الحلب، وما هي إلا ساعة من الزمن حتى يكون الحليب في أواني الفخار معدّاً للطعام والتصنيع، وفي الليل يجتمع الحضور حول الصوبة المتوهجة من الحرارة حيث امتلأت حطباً تمّ اعداده طوال أيام الصيف. وكان ”لقليّة القمح" دور في ليالي الشتاء، كما كان البلّوط (يفقع) على الصوبة كذلك كان يشوى الفطر البري اللذيذ. ويتتابع سقوط الأمطار وتبين عيوب بيوت الحجر والطين، وكانت (الدّلفة) أمر مألوف حتى في أحسن البيوت. ويتتابع الأمطار ويفرّ الرعاة بأغنامهم إلى ”مغر المياسر" يحتمون من الثلج والبرد وكان على البعض تزويدهم بالخبز والسّمن طعام الشتاء، وكانوا يحافظون على أغنامهم كأرواحهم. كانت سنوات خيرٍ وأمطارٍ وثلوج، وكان عليهم أن يصلحوا قنوات الآبار لجمع ماء الشتاء وكانوا يتفقّدون الآبار حتى في منتصف الليالي الماطره. رغم ذلك كان سقوط الثلج عيداً يحتفلون به حيث يزيلون الثلج عن الأبواب ويطبخون المفتول وطبيخ الحليب المغطى بالسمن البلدي، و"اللزاقيّات" المفتوتة بالسمن والسّكر، والمطابق بالسمن والسّكر، أما الرعاة المتواجدون في المغر فعندهم طحين لصنع (القرصه) ولديهم السّمن. كان للشتاء نكهةٌ خاصّه حيث كان يفرض نفسه بقوةٍ تؤثّر على كل مناحي الحياة. من يوميات الربيع دخل شهر آذار” ساعه شميسة وساعة أمطار وساعة مقاقاة الشنّار"، حلّة قشيبة خضراء مطرّزة بألوان الأزهار وتساوى الليل والنهار. تبدّلت الأحوال وعادت للوجوه ألوانها وشبعت الأغنام وكثر الحليب وبرطع البهم أمام البيوت، تابع الناس العناية بالزرع وعانوا أشدّ المعاناة من أذى قطعان الماشية التي تحبّذ الزرع الأخضر الطري. كانت رعاية الزرع والماشية هي الشغل الشاغل، ولكن كان ذلك مسلّياً حيث اعتادوا العوده ” باللوف والحليّان والجعدة والحميض واللسينّة والسوكران” وبقول أخرى كثيره، كان ذلك هو موسم اشتغال النساء بالخضيض والحليب وصناعة السمن والجميد. وكثيراً ما كان البدو منجذبين إلى مراعي نجده في فصل الربيع وكانت قطعانهم شرهه بسبب الجوع لا تبقي على شيء، وكان الفلاحون يقفون على قدمٍ وساق لرد الأذى عن مزروعاتهم ومع ذلك فقد تبادلوا الدعوات وأقاموا صداقات مع عشائر البدو، كان الأطفال منتشرين في الربيع في سعادةٍ ومرح يجمعون البقول البريّة ويلعبون ويلهون، ويمر آذار ثم نيسان فيكثر” البريد، الطقش، الجلتون، كريشة البقرة، كريشة الجدي، خبز الراعي، لفة الخوري وبقول أخرى كثيره" وكثيراً ما كانت الوجبة خبيزة أو فطائر حميض أو ملفوف رتشف أو فتة لوف بعد أن سئم الناس مرقة العدس في الشتاء. كان الماء متوفراً في الينابيع حيث طلع النبع وكانت الآبار ممتلئة بالماء. شاهد الناس الحجل قريباً من بيوت نجده حيث فقس البيض وسُمع صوت” القرقّه" تدعو صغارها، كما أن الدجاج كان مصدر دخلٍ أساسي حيث فقست الصيصان وكثر الدجاج رغم وجود الثعالب المتربّصة به ورغم وجود طير الشوحة الذي يحب مذاق الدجاج. في المساء كان الناس يتحدّثون في سهراتهم عن ممارساتهم في المراعي والبراري وأحاديث الوحش والحيّه والضبع وأحاديث صيد الأرانب والحجل وأحياناً الغزلان والعكاكس والنياص، وكان للخيول جزء من أحاديث الناس عن ترويضها وأنسابها وصفاتها. قاربت الشمس على المغيب وغطّت الأغنام كل الطرق المؤدّية إلى نجده، وتعالى صوت البهم والماعز، وأسرعت النساء فمنهن من تحمل”البكسه" وأخرى تحمل ”طوس" حيث تواجدن في الصيرة لتبدأ عمليّة الحلب ومن ثم صنع الرايب، وفي الصباح بعد مغادرة الحرّاثين والرعاة يتممن عمل الخض وصنع الزبدة والسمن، وكان الصغار يكافئون ”بزحلاقه" وهي خبز مع زبدة وعليها قليل من السكّر. من يوميات الصيف رويداً رويداً تحوّلت الحقول إلى بحر من السنابل المتموجة مع النسيم كما تحولت حقول العدس إلى سجادةٍ خضراء مصفرّة تؤذن بقرب النضج. بشوقٍ إلى الفريكة الخضراء أُشعلت النيران ووضعت السنابل فوقها، ومما زاد في متعة تذوق الفريكة اسوداد اليدين جرّاء فرك السنابل المحروقه. استبدلت الحقول ثوبها الأخضر بثوبٍ أصفر ذهبي وأسرع الفلاحون لحسم المناجل وإعداد ”قادم القشّ" وتهيئة مكان البيدر، أشرقت الشمس وخرج الناس لموسم الحصاد كالنمل، فمنهم من يقلع العدس والكرسنة حتى إذا أكملوا ذلك توجّهوا إلى القمح فمنهم الحصّاد و الرّجاد و الغماره، خرجوا لجني المحصول الذي انتظروه شهوراً فقد قربت المؤنة على النفاد، كما أن عليهم التزامات لتجّار جرش من الشوام. مع الضحى حمل الأولاد الخبز واللبن والزيت والبصل مع ابريق الشاي لإطعام الحصّادين، فرح الحصادون بوصول الطعام وموعد الاستراحه. الرجّادون ينقلون القش على الحمير إلى البيادر، الرعاة يرعون أغنامهم على بقايا الحقل، اللقاطه تأخذ السنابل المتساقطة لتحصيل مؤنة عائلتها الفقيره، النساء ما زلن مشغولات بعملهن الخضيض والحليب وفوق ذلك إطعام الحصادين والرعاة والطبخ والعجن والخبز. وهكذا عمل الجميع شهراً من الزمان لم يمنعهم الحر ولا التعب، وانتهى الأمر بموسم الحصاد وأكل الحصّادون” ذبيحة الجورعه" حيث عاون الحصّادون زملاءهم المتخلفين عن الأنجاز، وذبح آخر واحدٍ من الحصّادين الذي استحقّ ”العونه" ذبيحةً بعد أن أكملوا له العمل وإن كان يسيراً، كل ذلك مرّ بالمزاح والتحدّي مما سهّل مشقّة العمل. ركّب الأولاد لوح الدراس الذي أعدّه أجدادهم وسحبهم الفدان طوال النهار على دائرة لا تنتهي يوماً بعد يوم حتى سحقت السنابل والقش، وبدأوا ينتظرون الريح المناسبة ”للتذريه" وبعد التذرية جُمع القمح في" صبّه "مباركة وكانوا يبدأون الكيل بكلمة” الله واحد" بعد أن أخرجوا" صاع الفتاحه" حيث أخذه أول الأطفال الحاضرين ليشتري الحلوى ”الكعكبان، الحلاوه، الراحه" ويطعم أترابه. تم نقل التبن الى التبان والقمح إلى الرف والكواير. انتهى موسم الحصاد والبيدر وارتاح الناس قليلاً حيث جاء موسم الزواج والضيفات الطويلة والسهر والسمر. وجاء موسم العنب والتين بعد أن تذوق الناس طعم المشمش الذي يحضره البائعون على الحمير من ريمون ”الدّوارون" كما أن الأرض المعدّة للخضره "المقثاه" جاءت بالبطيخ والشمام والفقوس والبندورة والكوسا. سئم الأولاد قلاية البندورة وحوسة الكوسا ولكنهم أحبوا البندورة مع لحم الحجل حيث نشط الصيّادون لصيد الحجل والأرانب حتى جاروا في الصيد أيما جور بعد أن انقرضت الغزلان من وادي الشام بجهل الصيادين. اشتاق الناس إلى الرمان فتوجهوا إلى راجب لمقايضة القمح بالرمان ومن النساء من ادّخرت بعض حبّات الرمان لموسم الشتاء. راحت النسوة كالمعتاد إلى ”المحافير" فأحضرن البياض وبيّضن بيوتهنّ وخلطن بعض النيله للزخرفة فصارت جميلة بعد أن كانت سوداء من الدخان. كان عملهن تعاونيّاً في البياض وعند تطيين البيوت استعداداً للشتاء القادم حيث كن يجتمعن كل يوم عند إحداهنّ وبعد العمل يتناولن طعام الطّيانات وهو مصنوعٌ من القمح واللبن، كان الله في عونهن لم يتذمّرن أبداً، كان الرجل والمرأة يتصرّفون ضمن برنامج جبلوا عليه لم يفكّر أحدٌ في تغييره كالنحل والنمل. وصف الأعراس "أعبر الفلاحون الحبوب" وضعوا الحبوب في مكان مناسب داخل البيوت، وجاء الوقت الذي انتظروه طويلاً، موسم الخطبة والزواج، وتبدأ بالطلبة حيث تتوجّه الجاهة وعلى رأسها وجوه الفريحات من نجده والحسينيات والجزازة يرافقهم أهل العريس ذكوراً وإناثاً ومعهم الذّبائح، يأتي ساقِ القهوة فيتعازم الوجوه على الفنجان وأخيراً يستقرّ بيد أحدهم ولعلّه أكبرهم سناً أو قدراً أو يكون غريب جدير بالإكرام فيضعه أمامه ممتنعاً عن شربه إلا بعد نوال مطلبه. يطلب البنت المصونة فلانه بنت فلان على سنة الله ورسوله وعادات الناس وهنا غالباً ما يوافق ولي العروس على شروطٍ معينه، تبدأ الجاهة بتخفيف الإلتزام المادي على العريس إكراماً للجاهه، وقد يكون المأذون حاضراً فيذهب لتوكيل من ينوب عن العروس في العقد فيقال:" وكّلت” وتتعالى الزغاريد ويعقد العقد وترمى الحلوى للصغار وتُقدم للحضور فيذبح أهل العريس الذبائح فيطبخوها فتقدّم طعاماً للغداء ويعود الجميع جذلين مسرورين. قد تطول الخطبة لسنوات وقد تقصر لأسابيع حيث يحدد موعد الزواج، ويقوم أهل العروس بشراء” الكلفة" لابنتهم من ذهب ولباس وأثاث من المهر الذي تم قبضه سواء كان نقداً أو ارضاً أو ماعز. وقبل الزواج بأسبوعين تقام الدّبكة حيث يجتمع أهل القرى للمشاركة في الأفراح، ويحضر الشباب الدبكة سيراً على الأقدام من القرى الثلاث، وفي آخر الليل يتناولون طعام العشاء ثم يعودون في اليوم التالي، وذلك في كل يوم حيث يضاء ”اللوكس" وتشعل النار وترش الأرض بالماء حتى لا يكون غبار، وفي اليوم الموعود تنطلق ”الفارده" على الدواب تتقدّمها الخيل إلى بيت العروس، يسوقون الذبائح بعد أن أرسلوا النساء في الليلة السابقة لإجراء مراسم الحنا. يصنع أهل العريس الطعام وبعد الطعام يطلبون العروس بأدبٍ جم وكثيراً ما كان هناك مطالب مثل” عنزة الشباب” و” عباءة الخال” وأخيراً يذهب ولي أمر العروس وخالها إلى مصمد العروس فيدثرونها بعباءة وتختلط أصوات الزغاريد بأصوات البكاء ”فتطلع العروس" وتسلم إلى والد الزوج، فتطلق الأعيرة النارية وتركب العروس الفرس تتوسط الفاردة يقود الفرس ”عبد" ثم تسير حتى تصل الى مقربة من بيت العريس فيعترضها أحد الكرماء ويستضيفها إلى اليوم التالي، وفي اليوم التالي وبعد وليمة كبيرة يزف العريس إلى الحمام ”أحد الآبار أو الينابيع" فيستحم عارياً بين أقرانه أشارةً لكمال رجولته التي لا تخفى ويصب عليه الطيب، ثم يعودون به وسط الأهازيج إلى أحد البيوت المجاورة حيث تتم عمليّة النقوط على رؤوس الأشهاد، تحضر العروس قبل الغروب إلى بيت الزوجيّة ثمّ يزف الزوج وسط الزغاريد والأهازيج وإطلاق النار إلى بيت الزوجيّة حيث يفاجئه أقرانه قرب الباب بالعصي” المطارق" فيضربوه بها فيجري راكضاً إلى الباب وسريعاً يدخل بين النساء ويقف على مكان مرفوع بجانب العروس فيرجع الشباب عن الباب ويستمر غناء النساء وسبب ذلك الضرب هو جعل العريس يتغلّب على حياءه حيث لم يقترب من أنثى في حياته، وبعد أن تؤدي النساء الغناء تعلن والدة العريس أن الوقت قد حان لترك العريسين وحيدين فيخرج الناس ويغلق الباب ويكون اللقاء الذي أحلّه الله. وفي اليوم التالي يعود الناس لتقديم التهاني وأكل ”فطيرة البخت" التي تصنعها أم العروس ويشتركون ببعض الألعاب المسليّة كالرماية والسباق، وما هي إلا أسابيع أو أيام حتى تكون العروس مشاركة مع العائلة في إحضار الحطب وتطيين البيوت استعداداً لموسم الشتاء. من هنا قديم، من هنا قديم، من هنا قديم، من هنا قديم، من هنا قديم، من هنا قديم، من هنا قديم، من هنا قديم، == تاريخ قبيلة [[الفريحات]] الحديث <ref>آثار أقدام، جاسر فريحات 2010</ref> == يبدأ التأريخ الحديث لقبيلة الفريحات من تاريخ وصول جدهم فريح الى جنوب بلاد الشام، حيث وصل [[فريح]] إلى نهر [[الزرقاء]] بعد طول سفر وعناء ضمن إخوة ثلاثةٌ هم فريح وفرح ومقداد شربوا من عذب الماء واستظلوا بوارف الظلال وحطوا الرحال تاركين خلفهم بلادهم إلى غير رجعة؛حيث أُجلوا عن بلادهم مرغمين ولحكم العادات خاضعين ، لا أمل لهم بالعودة إلى [[اليمن]] موطن الأهل ومرابع الصبا؛فهناك دمهم مهدور لِدمٍ طوق أعناقهم وفرض عليهم الجلاء مدى الحياة وكانت هذه العادة حكماً صارماً يطبق على من سفك دم قريبٍ له ، ولم يكن العرف يكتفِ بجلاء الجاني ولكن إخوتهُ يجلون معه وهذا هو العرف السائد آنذاك في اليمن ،وهذا ما أخرجهم من بلاد اليمن إلى بلاد الشام . وقد قيل في المثل "[[الشام]] شامك لو الزمن ضامك" وقد كان جلاءهم من [[اليمن]] لقتل أحد بني عمومتهم ،لذلك تركوا الأهل والمال نزولاً على العرف السائد ، وجلوا إلى بلد لا يسمع لهم فيها ذكر ، ولا يصل إليهم منها خبر. كانوا في حزن شديد لِما تركوا وراءهم من بلادٍ عزيزةٍ وأهلٍ كرام. وبعد هذا السفر والتعب وبعد أن وصلوا إلى مأمنهم واطمأنت نفوسهم ؛انتابتهم الحيرة إلى أين يذهبون؟ أيتفرقون خوفاً من طالبي الثأر؟أيقطعون الشريعة غرباً؟ أيسيرون إلى دمشق حاضرةُ الشام؟؟ === لقاء عند مصب النهرين === هناك عند ملتقى النهرين، نهر [[الزرقاء]] ونهر [[الاردن،]] وعلى تقاطع طرق القوافل التجاريةِ بسطوا أمرهم وتضاربت آراؤهم ، فمنهم من تعب من المسير وأراد الاستقرار وأعجبته البلاد ورأى أنها وطن جديد بديلٌ عن وطنهِ؛ذلك هو رأي فريح الذي أعجب بنهر [[الأردن]] و[[غور الأردن]] فالبلاد خضراء، والماء عذب وافرٌ،والدولة غائبة،البلاد تسكنها قبائلٌ رحّل فيهم كرم العربِ ومن الممكن أن يلتطوا إلى قبيلةٍ من قبائل [[الأردن]] المتحاربة التي أتعبتها الثارات. تصافحوا ، تعانقوا ، توادعوا وتفرقوا هناك على ملتقى النهرين عندالشريعة في غور الأردن ، حيث قصد كل واحدٍ الطريق الذي هداهُ الله إليه ليكوّن كل واحدٍ منهم عشيره.قطع فرح النهر إلى [[فلسطين]] ، وتابع مقداد المسير قاصداً [[بصرى الشام]]. === فريح يبحث عن ملجأٍ منيع === ودع فريح أخويهِ عند مصب نهر [[الزرقاء]] بالشريعةِ واتجه شمالاً يرود وطنه الجديد.وفي سياحته التقى الرعاة على عيون الماء وفتح أذنيه لما يتردد من الأخبار، وسار من مكان إلى مكان وجالس الرعاة،فأكل من خبزهم وشرب من لبنهم ،وكان حريصاً على إخفاء أصلهِ و فصلهِ وتفاصيل الأحداث التي مرت بهِ. وقاده ترحاله إلى جبل [[عجلون]] الذي ذكرهُ بلادهُ في علوِّ جبالها وصعوبة مسالكها ،وقد أعجبه منعة جبل عجلون ؛حيث رأى فيهِ جبلاً عصياً على طلاب الثأر،هذا بالإضافة إلى ما حبا الله به جبال [[عجلون]] من الغابات الكثيفة والماء والخضرة،فاطمأنت إليه نفسه، ووجد ضالته وقصد عيون الماء من جديد ليشرب الماء الزلال ويتبين أحوال البلاد وسكانها وأخبار شيوخها وأحوالهم من طيب وكرم وحسب ونسب، وكان يبحث عن شيخ كريم يلجأ إليه،وكانت أخبار الشيخ حمد الخطابي يتداولها الناس، كان معروفاً كنار على علم .فحل عليهِ ضيفاً وقصده دون مشايخ البلاد لما وصله من حسن سيرتهِ وكرمهِ،وفعلاً وجد ما قيل عنه من أخبار صحيح فهو كريم وحكيم ذو فراسة فارتاحت نفس فريح وقرر أن يعمل لدى الشيخ ولو على (مؤنتهِ). ==== فريح قهوجي ==== ==== فريح"شويّر" ==== === الشيخ سعيفان === على أطراف [[غور الأردن]] === علوِّ شأنِ الشيخ حمد === ==== المرسال ==== ==== عرب الشيخ حمد ==== ==== بنت الشيخ==== ==== حمد يستشير فريح ==== ===== الاستعداد ===== المقال تحت الاعداد، هناك إضافات قادمة .......... == مراجع == {{مراجع}} [[تصنيف:قبائل عربية قديمة]] [[تصنيف:قبائل يمنية]]'
فرق موحد للتغييرات المصنوعة بواسطة التعديل (edit_diff)
'@@ -97,7 +97,7 @@ بعدَ أن كثرَ أحفاد فريح وذريّتهُ تطلّعوا إلى كفرنجه فسكنوها، ويقال أنهم أخذوها من أهل عنجرة فقد كانت من أراضي [[عنجرة]] على أن الأرض كانت أرضاً خراجيه ملك للدولة تعطيها لمن تشاء وتسلبها ممن تشاء حسب تغير الأحوال وعملوا كسائر السكان بزراعة الزيتون والكروم وتربية الأغنام والأبقار وتنافسوا في اقتناء الخيول الأصيلة، وأتقنوا الرماية وركوب الخيل وحافظوا على مكانتهم التي ورثوها عن آبائهم. ==تقسيم أفخاذ عشيرة الفريحات: الدار الشرقية والدار الغربية:== -يبلغ عديد عشيرة الفريحات في الأردن لوحدها حوالي <ref>الرقم تقديري ومستقى من سجلات الانتخابات البرلمانية الاردنية للعام 2012</ref>نسمة. وقد تفرّع الفريحات جميعهم من” سليم ابن فريح" وكان له أربعة من الأبناء هم سلامه، عثمان، محمد، بركات، وكان منهم من سكن الدار الشرقية (في كفرنجه) ومنهم من سكن الدار الغربية، وقد تفرّعت الدار الغربية من” بركات” وأما الشرقية من ”سلامة". وعليه تقسم الفريحات الى فريحات الدار الشرقية وفريحات الدار الغربية. +يبلغ عديد عشيرة الفريحات في الأردن لوحدها حوالي <ref>الرقم تقديري ومستقى من سجلات الانتخابات البرلمانية الاردنية للعام 2012 حوالي 12000 نسمة<ref>حسب تقديرات سجلات الانتخابات البرلمانية الاردنية لعام 2012</ref>. وقد تفرّع الفريحات جميعهم من” سليم ابن فريح" وكان له أربعة من الأبناء هم سلامه، عثمان، محمد، بركات، وكان منهم من سكن الدار الشرقية (في كفرنجه) ومنهم من سكن الدار الغربية، وقد تفرّعت الدار الغربية من” بركات” وأما الشرقية من ”سلامة". وعليه تقسم الفريحات الى فريحات الدار الشرقية وفريحات الدار الغربية. لم تكن الدار الغربية والشرقية في الأصل تعبيراً عن تسلسل في الدم بل كان البعد المكاني هو العامل المؤثر ولذلك نجد الآن من يقول بوجود الدار الوسط وهم بعض عائلات الفريحات التي كانت تسكن بين الشرقية والغربية. زعامات عشيرة الفريحات: مدفوعين بالقحط في سنين القحط كان أهل البادية يتجهون غرباً بحثاً عن الماء والكلأ وكانت حياة البادية قد طبعتهم على الخشونة والجفاء فكيف إذا زيدوا على ذلك الجوع. @@ -109,7 +109,7 @@ تناهى إلى سمع مصطفى أخبار الحروب الطاحنة التي تنشب نارها بين العدوان من جهة والصخور والعبابيد من جهة أخرى، تلك الحروب التي عادت بشرق الأردن إلى عصور الجاهليّة الأولى، وكم آلمه عندما سمع أن الدائرة تدور على العدوان، وأنهم في ضيقٍ، وأن أعدائهم أكثر منهم بكثير. كان هناك صلات تربط العدوان بجبل عجلون وبالفريحات على وجه الخصوص، وكانت هذه الأحداث مقلقة لمصطفى الذي رأى أن الأمور لن تقف عند هذا الحد. عبرت نهر الزرقاء، وقرى بني حسن، وقرى المعراض، ناقةٌ في رقبتها ”شقة بيت شعر" يقودها رجل. انتقلت من قرية إلى قرية ومن عربٍ إلى عرب دون أن يعترضها أحد. كان ذلك يعني حسب العادات أن العدوان أصحاب النّاقة يطلبون العون من العشائر في حربهم ضدّ بني صخر، وقد مرّت الناقة ببلاد "الفزعة" تطلب العون على بني صخر، ولم يتجرأ أحدٌ على تحرير النّاقة وقص الشِّقة في هذه البلاد التي كانت تُعدّ فزعة واحدة ـ أي البلاد التي اعتاد أهلها التكاتف على الأعداء ـ، كان السبب بسيطاً أن أحداً لم يجرؤ على تحرير الناقة لأنه سيكون ملزماً بمحاربة بني صخر جنباً إلى جنب مع العدوان. وبعد أن قطعت النّاقة البلاد وتجمعات البدو والفلاحين كانت متعبه لأنها كانت تطأ على الشقة في سيرها مما أتعبها، وكان هذا رمزاً للمعاناة التي يعانيها العدوان من تحالف بني صخر والعبابيد عليهم. - وأخيراً وصلت النّاقة إلى كفرنجه، إلى بلاد ابن فريح صاحب الصيت والشهرة، كانت النّاقة متعبه وعندما سأل الشباب كبارهم وفهموا المقصود ثارت حميّتهم وأوقفوا النّاقة. +وأخيراً وصلت النّاقة إلى كفرنجه، إلى بلاد ابن فريح صاحب الصيت والشهرة، كانت النّاقة متعبه وعندما سأل الشباب كبارهم وفهموا المقصود ثارت حميّتهم وأوقفوا النّاقة. وقف أحد شباب الفريحات بدون تفكير ولا رويّة ولا استشارة أحد وقال:" منهم بنو صخر حتى نخاف منهم ؟ نحن لا نخاف إلا من ربنا ـ ألا تقولون أنا فزعتهم وهم فزعتنا" حاول أحد العقلاء تدارك الشاب ولكنّه سحب شبريّتهُ وقصّ رباط الشق وقال:" اللي بدو يصير يصير" فليكن ما هو كائن. حضر الناس وتجمّعوا فمنهم من أيّده ومنهم من أنكر عليه التسرع وعدم الرجوع لأصحاب الحل والعقد، ولكن الجميع كانوا على رأي واحد ”نحن ملتزمون مع العدوان لا عوده عن ذلك ولو كان الموت الزؤام". @@ -118,14 +118,14 @@ ==وقعة أم السماق== علم الصخور وحلفاءهم بمناصرة مصطفى بن فريح فجمعوا جموعهم ليوم كريه يكون له ما بعده. أما العدوان فارتفعت معنوياتهم وجمعوا جموعهم للمعركة الفاصلة بمناصرة ابن فريح. وأخيراً وصل فرسان ابن فريح وكانت خيبة أمل العدوان كبيرة لقلّة عدد الفريحات، وكأنهم جاؤوا فقط رفع عتب من هذه الورطة التي ورطهم بها أحد جهلائهم. - بكى أحد كبار السن من العدوان لخيبة أمله مما آلت إليه الأمور، ومن كثرة جموع الصخور اللذين تحشّدوا لعلمهم بمناصرة ابن فريح للعدوان. ولمّا رأى الشيخ يبكي قال سائلاً:”ليش تبكي؟ "فأجابه” أبكي عليك اليوم يومنا وانتهى أمرنا" وذرف دمعه وأطرق برأسه وكظم غيظه وتساءل ”أهذه هي فزعة ابن فريح"؟ وجادت قريحته بالشعر. سمع ذلك مصطفى بن فريح فشبّ قائما وقال: "لا تبكِ يا ختيار الأمر ما هو بالكثرة، جئتك برجال رضعوا الفروسيّة وفنون الحرب مع حليب أمهاتهم، ماهي بالكثرة، اليوم يومهم...أبشروا اليوم يومهم...أبشروا اليوم يومهم". +بكى أحد كبار السن من العدوان لخيبة أمله مما آلت إليه الأمور، ومن كثرة جموع الصخور اللذين تحشّدوا لعلمهم بمناصرة ابن فريح للعدوان. ولمّا رأى الشيخ يبكي قال سائلاً:”ليش تبكي؟ "فأجابه” أبكي عليك اليوم يومنا وانتهى أمرنا" وذرف دمعه وأطرق برأسه وكظم غيظه وتساءل ”أهذه هي فزعة ابن فريح"؟ وجادت قريحته بالشعر. سمع ذلك مصطفى بن فريح فشبّ قائما وقال: "لا تبكِ يا ختيار الأمر ما هو بالكثرة، جئتك برجال رضعوا الفروسيّة وفنون الحرب مع حليب أمهاتهم، ماهي بالكثرة، اليوم يومهم...أبشروا اليوم يومهم...أبشروا اليوم يومهم". كان ذلك درس في رفع المعنويات، وكان هناك قصيدتان واحدة للشيخ الذي بكى وواحدة رد عليه. تواجهت الجموع، الفرسان في المقدّمة وعلى رأسهم مصطفى بن فريح في فرسانه، متميّزون في اللباس والهيئة يتوسطون العدوان. وفي المقابل صف من الفرسان الصخور يتقدّمهم” عوّاد" أما الرجليّة فكانوا من خلف الفرسان. - تقدّم عوّاد قاهر الفرسان، وكان فارساً متمرّساً، كثيراً ما أطاح بالرّقاب في ميادين المبارزة، وكثيراً ما أذلّ خصومهُ ببراعتهِ وذكائهِ، كان مجرّد ذكره يخلع قلوب مبارزيه ويسقطون صيداً سهلاً له، كان يعتمد الخديعة والحربُ خدعة. +تقدّم عوّاد قاهر الفرسان، وكان فارساً متمرّساً، كثيراً ما أطاح بالرّقاب في ميادين المبارزة، وكثيراً ما أذلّ خصومهُ ببراعتهِ وذكائهِ، كان مجرّد ذكره يخلع قلوب مبارزيه ويسقطون صيداً سهلاً له، كان يعتمد الخديعة والحربُ خدعة. كان عوّاد على ظهر حصانه الأسود كسواد الليل، حتى أن حصانه صار أسطورة، فقالوا إذا صهل حصانه ”تحيل" فرس خصمه وتقف وتخذل صاحبها، سمع بذلك مصطفى فاحتاط للأمر فكان يركب هو وفرسانه الأحصنة الأصيلة ولم يركبوا إناث الخيل. ومن بين الجموع همز مصطفى حصانه وتقدّم باتجاه عوّاد الذي ردّ على ذلك بالمثل، كان عوّاد شاعراً يبتدئ مبارزته بالشّعر الذي يوهن العزم، مضمونها" ما علمكم بالمبارزة، اسلموا بأرواحكم، ما جاء بكم إلا حضكم العاثر". ولعلّي أجد هذه القصيدة. - ردّ مصطفى بأبيات من الشّعر تناسب الحال مضمونه:" اللي ما يعرف الصقر يشويه، واليوم تعرفنا، واليوم يومك، ما تشوف أقشر من اليوم". وبدأت المبارزة بالسيف، أبدى كل واحد منهم مهارة وخفّة ورشاقة حيّرت المشاهدين. وبعد فترة طويلة من المبارزة أدار عواد رأس جواده وراح يعدو به متظاهراً بأنه فارٌ من المبارزة، أما مصطفى فعلم أن الأمر به خدعة ولكنّه غدا وراءه بحذر وأخذ بندقيّته حتى إذا أحكم تسديدها بين كتفي عواد أطلق النار ورأى لمعة الحديد بين كتفيه حيث أصابته الرصاصة وعرف بسرعة بديهته أن الفارس ”مدرّع" وأن فراره كان خديعة وفوراً استدار مصطفى إلى الوراء عائداً إلى الصفوف مسرعاً، وكان عوّاد فور إصابة درعه قد استدار مشهراً بندقيّته يجري خلف مصطفى ولكن مصطفى عاجله إلى صف الفرسان وقال: "ابن اختي يا سليمان، الفارس مدرّع ومخبي درعه تحت العباءة وإذا ما صبته بعينه قتلك". +ردّ مصطفى بأبيات من الشّعر تناسب الحال مضمونه:" اللي ما يعرف الصقر يشويه، واليوم تعرفنا، واليوم يومك، ما تشوف أقشر من اليوم". وبدأت المبارزة بالسيف، أبدى كل واحد منهم مهارة وخفّة ورشاقة حيّرت المشاهدين. وبعد فترة طويلة من المبارزة أدار عواد رأس جواده وراح يعدو به متظاهراً بأنه فارٌ من المبارزة، أما مصطفى فعلم أن الأمر به خدعة ولكنّه غدا وراءه بحذر وأخذ بندقيّته حتى إذا أحكم تسديدها بين كتفي عواد أطلق النار ورأى لمعة الحديد بين كتفيه حيث أصابته الرصاصة وعرف بسرعة بديهته أن الفارس ”مدرّع" وأن فراره كان خديعة وفوراً استدار مصطفى إلى الوراء عائداً إلى الصفوف مسرعاً، وكان عوّاد فور إصابة درعه قد استدار مشهراً بندقيّته يجري خلف مصطفى ولكن مصطفى عاجله إلى صف الفرسان وقال: "ابن اختي يا سليمان، الفارس مدرّع ومخبي درعه تحت العباءة وإذا ما صبته بعينه قتلك". كان عواد قد ارتدى بيضة الحرب على رأسه لا تبين إلا عيونه، وبسرعة قال سليمان: "لعيناك...لعيناك"، وخرج يعدو حتى لاقى عواد فلما اقترب من عواد عادَ لنفس الأسلوب الذي اتبعه مع مصطفى ولم يكن يعلم بانكشاف سرّه بالفوز في مبارزات الموت. ===سليمان أخو درّه=== @@ -205,9 +205,9 @@ علّمني طلوع التينه بالله يا طير والشيخة لخوة شيره ع ظهور الخيل علّمني طلوع التينة والله وبس - والشيخة للفريحــات والله بــتخص +والشيخة للفريحــات والله بــتخص علّمني طلوع التينة والله وابان - والشيخة للفريحـات ولـــــــــها زمان +والشيخة للفريحـات ولـــــــــها زمان ==قرى الفريحات: == يقطن الفريحات في خمسة قرى: ثلاثة منها في محافظة جرش واثنتان في محافظة عجلون بالإضافة الى عدداً كبيرا منهم يقطن الان في مراكز المدن مثل العاصمة عمان وجرش والزرقاء. وفيما يلي قصص حول تأريخ سكن الفريحات في هذه القرى والمدن. @@ -222,8 +222,9 @@ هذا الجزء يحتاج الى اضافه كان الفريحات أصدقاء وأصهار للعدوان وقيل إن العدوان اعطوا راجب للفريحات "نقوط". وكان لتحالف الفريحات مع العدوان نتيجة صنعت تاريخ المنطقة الحديث حيث أغار الفريحات والعدوان على بني صخر عام ( 1825م/ 1241هـ) وأخرجوهم من جبل عجلون. -==يوسف البركات: شيخ مشايخ السبع نواحي ”شيخ مشايخ جبل عجلون"== -=كان هذا أرفع منصب في شرق الأردن من الشوبك إلى حوران وقد تقلد هذا المنصب ”يوسف البركات" حيث كان مسؤول عن جمع الضرائب وحاكماً إدارياً، ولم يرق ذلك ”لشريده الرباع” زعيم الكورة حيث كان منافساً على الزعامة، ومما نغص عليه عيشه أن ”يوسف البركات" حل عليه ضيفاً ومطالباً بالضرائب، وكان ضيفاً غير مرغوب به، وكانوا مجبرين على الاحتفال به وإكرامه غير أن شريده أسرَ إلى الخادم أن يقول عند الطعام ”يا معزّب روح تعال"، وعند تقديم الطعام صار الخادم يكرّر العبارة "يا معزب روح تعال"، فغضب يوسف ونفض يده من الطعام وعلم المقصود. عاد يوسف بعد أيام ونصب بيت شعر على ظهر بيت شريده في (تبنه) رغماً عنه وفي ذلك تحدي وإهانة له ولكن شريده، رجاه أن يرحل ووعده بإحضار المال المطلوب إلى سرايا إربد. وفي مساء اليوم المحدد، أحضر شريده معه المال وعند الاستئذان طلب ”يوسف البركات” من الخادم أن يتأكد أن ”شريده" لوحده، وذلك لتوجسه منه ولكن شريده تظاهر بأنه لوحده. وعند فتح الباب هجم على الخادم وقتله، ثم دخلت معه مجموعه من الرجال كانوا مختفين ورائه بجانب الجدار إلى مكان ”يوسف”، حيث سفكوا دمه ليغسلوا الإهانة التي لحقت بهم منه وهكذا مات يوسف البركات في عام (1761م\1175هـ)، بعد أن تم الاستيلاء على كفرنجه التي كانت ملك لأهل عنجرة، وبعد ذلك نهض فياض ابنه ليثأر له ولكن لم يتم له الأمر، حيث قتلَ كذلك، وبذلك خرجت الكورة عن سيطرة الفريحات، وصارت تحت سيطرة ”الشريدة" بلا منازع وكان نتيجة هذه الأحداث أن سادت الفوضى والاضطرابات في جبل عجلون للصراع بين ”الفريحات" و”الرباع"، مما اضطر والي الشام أن يتدخل فأرسل جنداً قبضوا على ”كايد" الذي كان متمرداً مع جماعه من الفريحات على سلطة الدول العثمانية بسبب ما جرى في الكورة حيث أُعدمَ شنقاً في بلدة ”سوف". + +==يوسف البركات: شيخ مشايخ السبع نواحي ”شيخ مشايخ جبل عجلون"=== +كان هذا أرفع منصب في شرق الأردن من الشوبك إلى حوران وقد تقلد هذا المنصب ”يوسف البركات" حيث كان مسؤول عن جمع الضرائب وحاكماً إدارياً، ولم يرق ذلك ”لشريده الرباع” زعيم الكورة حيث كان منافساً على الزعامة، ومما نغص عليه عيشه أن ”يوسف البركات" حل عليه ضيفاً ومطالباً بالضرائب، وكان ضيفاً غير مرغوب به، وكانوا مجبرين على الاحتفال به وإكرامه غير أن شريده أسرَ إلى الخادم أن يقول عند الطعام ”يا معزّب روح تعال"، وعند تقديم الطعام صار الخادم يكرّر العبارة "يا معزب روح تعال"، فغضب يوسف ونفض يده من الطعام وعلم المقصود. عاد يوسف بعد أيام ونصب بيت شعر على ظهر بيت شريده في (تبنه) رغماً عنه وفي ذلك تحدي وإهانة له ولكن شريده، رجاه أن يرحل ووعده بإحضار المال المطلوب إلى سرايا إربد. وفي مساء اليوم المحدد، أحضر شريده معه المال وعند الاستئذان طلب ”يوسف البركات” من الخادم أن يتأكد أن ”شريده" لوحده، وذلك لتوجسه منه ولكن شريده تظاهر بأنه لوحده. وعند فتح الباب هجم على الخادم وقتله، ثم دخلت معه مجموعه من الرجال كانوا مختفين ورائه بجانب الجدار إلى مكان ”يوسف”، حيث سفكوا دمه ليغسلوا الإهانة التي لحقت بهم منه وهكذا مات يوسف البركات في عام (1761م\1175هـ)، بعد أن تم الاستيلاء على كفرنجه التي كانت ملك لأهل عنجرة، وبعد ذلك نهض فياض ابنه ليثأر له ولكن لم يتم له الأمر، حيث قتلَ كذلك، وبذلك خرجت الكورة عن سيطرة الفريحات، وصارت تحت سيطرة ”الشريدة" بلا منازع وكان نتيجة هذه الأحداث أن سادت الفوضى والاضطرابات في جبل عجلون للصراع بين ”الفريحات" و”الرباع"، مما اضطر والي الشام أن يتدخل فأرسل جنداً قبضوا على ”كايد" الذي كان متمرداً مع جماعه من الفريحات على سلطة الدول العثمانية بسبب ما جرى في الكورة حيث أُعدمَ شنقاً في بلدة ”سوف". ==العلاقة مع آل عبد الهــــادي== نشبت حرب بين آل عبد الهادي وآل جرّار في فلسطين وقد تحزّب أهل شمال فلسطين مع الفريقين، كان ذلك في سهل ”شنعار" وكانت هذه الأحداث تدور غرب النهر، ولم يكن للفريحات شأن بها، إلا أنهم وجدوا أنفسهم يلبون دعوة آل عبد الهادي اللذين طلبوا النجدة والنصرة من الفريحات وجبل عجلون وقطع ”الشريعة" جمع ابن فريح مكون من الفريحات وأنصارهم وتوجهوا الى سهل شنعار ثم إلى حيث كانت تدور معركه مشهوره شاركوا فيها وناصروا آل عبد الهادي، فانتصر آل عبد الهادي بمساعدة الفريحات وجمعهم وردوا اعتبارهم بعد أن كانوا مغلوبين على أمرهم في تلك الفترة، وكانت المعركة هي” واقعه صانور "تلك المعركة التي ردت اعتبار آل عبد الهادي وعاد بها بركات (الثاني) زعيماً للفريحات بالغنائم وعادوا مرفوعي الرؤوس بين أهالي البلاد. @@ -243,34 +244,34 @@ ===موسى ابن مصطفى المصطفى=== ولد لمصطفى بن مصطفى من زوجته" شلحه العدوان” ولد اسمه” موسى” فاق أقرانه بالشجاعة والفروسيّة حيث تعهَّده أبوه بنشأةٍ درَّب فيها على فنون القتال وذلك أن مصطفى قاسى الأمرين من ظلم أقاربه ومقارعتهم له وثأره لأبيه فأراد أن يشبَّ ابنه رجلاً لا مطمع لأحدٍ بالنيل منه. وكان بيت موسى معروفاً في كفرنجه وله مكانة كبيره بين أهله وربعه. كان لموسى أرض مرويَّه يقال لها البحر لكثرة المياه فيها، موجودة بواد كفرنجه وكان له قطيع من الأبقار يعيش في ذلك الوادي الخصيب الغني بالماء والخيرات وكانت له أرض قريبه من طواحين الحبوب في الوادي المشهور بخيراته وكان له طاحونه خاصه به تسمى طاحونة ام السوّد، وكانت أحوال موسى مستقرَّة في كفرنجه وكان ميسور الحال وتزوّج من” خزنه الفياض" وكان كثيراً ما يتنقّل في مسكنه بين راجب وكفرنجه، حيث كان ميَّالاً لبيت الشّعر وحياة البداوة لأن فيها حريَّة يعرفها من سكن بيوت الشَّعر، فساكن بيت الشَّعر لا ينام على ضيمٍ حيث يرحل من البلاد إذا أمحلت، ويرحل عن الجيران إذا أساءوا الجيرة. - كان موسى مولعاً بالخيل حيث كان له حصان يسمى ”الأشقر” قريباً إلى نفسه كأحد أفراد عائلته، كما كان موسى رامياً لا يخطئ رميته.. كان ضرغام إبن عمّه عباس أخيه لأمه، حيث أن عباس خلف أخاه مصطفى على زوجتهِ” شلحه العدوان" بعد وفاتهِ. +كان موسى مولعاً بالخيل حيث كان له حصان يسمى ”الأشقر” قريباً إلى نفسه كأحد أفراد عائلته، كما كان موسى رامياً لا يخطئ رميته.. كان ضرغام إبن عمّه عباس أخيه لأمه، حيث أن عباس خلف أخاه مصطفى على زوجتهِ” شلحه العدوان" بعد وفاتهِ. ===موسى وأخيه لأمِّه ضرغام=== ==حكاية أرض الجزازة== هناك سبب جلل جعل ضرغام يرحل مع عائلته إلى المصطبة حيث جاور” القرعان” من عشائر المصطبة جنوب جرش. أما السَّبب الذي دفعه إلى ذلك فهو غلبة أقاربه من الدّار الغربية على أمر كفرنجه، حيث استطاعوا أن يستميلوا الدولة إلى جانبهم. وكان رجلاً مرموقاً في المعراض وعجلون، وصعب عليه أن تخرج الزّعامة من يديه، فرحل إلى المصطبة، وقد أكرم القرعان (قصيرهم)، مما جعل علاقتهم قويَّة مع الفريحات فيما بعد، خاصَّة أن ضرغام قد رضي بصلحٍ مع أقاربه وعادت المياه إلى مجاريها، وقد كان لمرور ضرغام بأراضي الجزازة في مجيئه وذهابه إلى المصطبة تعلُّقاً بها حيث عشق الجزازة وسعى لوضع يده عليها، حيث كانت الأراضي تملك بوضع اليد، ولكنّه لم يستطع أن يحقق هذا الهدف، ولكنّه تعرَّف إلى” البيكوات، علي بيك وحسين بيك" اللذان شاركاه الرّغبة بامتلاك ـ مجدل الجزازة ـ واتفقا سوياً على امتلاك المجدل والجزازة وترتب على الشراكة أن يرفع دعوى لدى والي الشَّام لملكيَّة الأرض وأن يساعداه لدى الدولة حيث كانوا أصحاب نفوذٍ في الدولة على أن يكون المجدل لهم والجزازة لضرغام إذا كسبوا الدعوى ومن المعلوم أن الأرض كانت آنذاك تؤخذ غلاباً. عاد ضرغام وقد عقد العزم على امتلاك الجزازة مهما كلّف ذلك من مصاريف وتكاليف. وهكذا ذهب ضرغام إلى الشَّام مع” البيكوات" ولكنّه وجد أن لابدَّ له من مبالغ كبيرة لتحقيق حلمه في الجزازة أما البيكوات فلم يشاركوا في المال بل بنفوذهم فقط. عاد ضرغام وطلب من موسى أن يدفع له مبلغاً من المال لتغطية ما يسمّى بمصاريف المداعاة (أي التقاضي) على أن يكون له مشرَك في الجزارة عند كسب الدّعوى. - طال أمر الدعوى وكثرت مصاريفها حتى اضطرَّ موسى لبيع أرضه في البحر لسداد ما عليه من مصاريف. وبعد سنوات من المداعاة والنفقات الماليّة ربح ضرغام الدّعوى، حيث آلت الجزارة له والمجدل للبيكوات، أما موسى فقد كان له حصة في الجزازة هي الربع، أعطاه إياها ضرغام كما تم الاتفاق مسبقاً عليه، ولم تكن آنذاك حاجة لسندات الملكية، وكان هذا يعدّ إنجازاً عظيماً حققه ضرغام بصلاته بالدولة وبما قدَّم موسى من حرِّ ماله الذي تمكن به ضرغام من تحقيق هذا الأمر، وهكذا صار لموسى ربع وقيل خمس الجزارة أما باقي الجزارة فصارت لضرغام وعبّاس وملاوي، وكانوا قد قسموها فدادين يزرعونها بالتناوب سنه بعد سنه، وهكذا استمرَّ أمر التناوب في زراعة الأرض المقسومة إلى فدادين طيلة حياة موسى ثم ابنه أحمد من بعده، وكان هذا سائداً في تلك الفترة حيث كانت الفلاحة موجهه إلى زراعة الحبوب بشكل خاص. +طال أمر الدعوى وكثرت مصاريفها حتى اضطرَّ موسى لبيع أرضه في البحر لسداد ما عليه من مصاريف. وبعد سنوات من المداعاة والنفقات الماليّة ربح ضرغام الدّعوى، حيث آلت الجزارة له والمجدل للبيكوات، أما موسى فقد كان له حصة في الجزازة هي الربع، أعطاه إياها ضرغام كما تم الاتفاق مسبقاً عليه، ولم تكن آنذاك حاجة لسندات الملكية، وكان هذا يعدّ إنجازاً عظيماً حققه ضرغام بصلاته بالدولة وبما قدَّم موسى من حرِّ ماله الذي تمكن به ضرغام من تحقيق هذا الأمر، وهكذا صار لموسى ربع وقيل خمس الجزارة أما باقي الجزارة فصارت لضرغام وعبّاس وملاوي، وكانوا قد قسموها فدادين يزرعونها بالتناوب سنه بعد سنه، وهكذا استمرَّ أمر التناوب في زراعة الأرض المقسومة إلى فدادين طيلة حياة موسى ثم ابنه أحمد من بعده، وكان هذا سائداً في تلك الفترة حيث كانت الفلاحة موجهه إلى زراعة الحبوب بشكل خاص. لم تصل إلينا أيَّة أخبار تدل على أن هناك خلاف بين ضرغام وموسى بخصوص شراكتهم بأراضي الجزازة. ولكن ما وصلنا هو أن ضرغام كان يعتمد على موسى اعتماداً كبيراً، حيث قدَّمه ليكون عقيداً لرجال الفريحات في الحرابة التي دارت بين الدولة والفلاحين من جهة وبين البدو والدروز من جهةٍ أخرى. ومن المعروف أن موسى كان ملاكاً في كفرنجه، حيث كان له طاحونة ”أم السود" وأرض اسمها" الجحتريَّة" وأرض اسمها” أم البعر" وأرض اسمها” ظهر الجمل" وقيل أنَّه باعها ليكون شريكاً في الجزازة. أما بيت موسى في كفرنجه فيوجد الآن "كوشان" (أي سند تسجيل أرض رسمي) عثماني باسم أحمد الموسى ولم يملكه أحد بعده. ==لحرب ومقتل موسى عقيد القوم== - لسببٍ غير معروف تكاتف البدو والدروز القادمين من بادية الشام ضد الدولة ولم يكن بمقدور الدولة المحلية السيطرة عليهم، وعمت البلاد الفوضى والسَّلب والنَّهب، فاستعان الحاكم الإداري العثماني بحلفاء الدولة التقليديين" الفريحات". - جمع الفريحات جمعاً من رجالهم ومن رجال العشائر المتحالفة معهم واختاروا أن يكون موسى” عقيد القوم" وذلك لشهرته بالفروسيَّة والرِّماية ولرجولته المشهود لها، وانحاز موسى بجمعه إلى رجال من الحكومة "الجندرما" وجيش، وجرت مناوشات يوميَّه بينهم وبين الدروز والبدو المتمرِّدين على سلطان الدولة، وكانت المناوشات تتم بالنَّهار وتخمد بالليل. +لسببٍ غير معروف تكاتف البدو والدروز القادمين من بادية الشام ضد الدولة ولم يكن بمقدور الدولة المحلية السيطرة عليهم، وعمت البلاد الفوضى والسَّلب والنَّهب، فاستعان الحاكم الإداري العثماني بحلفاء الدولة التقليديين" الفريحات". +جمع الفريحات جمعاً من رجالهم ومن رجال العشائر المتحالفة معهم واختاروا أن يكون موسى” عقيد القوم" وذلك لشهرته بالفروسيَّة والرِّماية ولرجولته المشهود لها، وانحاز موسى بجمعه إلى رجال من الحكومة "الجندرما" وجيش، وجرت مناوشات يوميَّه بينهم وبين الدروز والبدو المتمرِّدين على سلطان الدولة، وكانت المناوشات تتم بالنَّهار وتخمد بالليل. ولأن خزنه زوجة موسى كانت تنتظر مولوداً فقد كان يذهب موسى بالليل إلى بيته ليكون قرب زوجته ويعود مع الفجر إلى رجاله. وفي إحدى الأمسيات وبعد معارك حاسمه عاد إلى بيته وقبل الفجر وضعت زوجته ولداً سمّاه ”أحمد" وبسبب أوضاع ولادة زوجته تردد في الذهاب إلى المعركة، وحدّثته نفسه أن لا يعود تلك الليلة إلى خشيبه، ولكن مركزه ومكانته لا تسمح له بالتخلّي عن قيادة جماعته في تلك المناوشات، فنهض متثاقلاً وركب حصانه الأشقر الذي امتنع عن المسير وأخذ يحفر الأرض بقدميه، فتشائم موسى من فعل الحصان، فعاد لزوجته ووليدها ينظر إليه وإلى ابنه مصطفى، وكأن حدسه أخبره أنّه اللقاء الأخير مع عائلته، وخطر بباله أن يبقى ذلك اليوم بقربهم، ولكن ضرغام كان ينتظر خروج موسى من بيته، وطال انتظاره، وذهب الى موسى موبخًاً قائلاً: -" أتترك القوم يقتلون هناك وأنت هنا يا عقيد القوم؟؟ أتتركهم يُذبحون وأنت قاعد تحت قدمي خزنه؟!! +"أتترك القوم يقتلون هناك وأنت هنا يا عقيد القوم؟؟ أتتركهم يُذبحون وأنت قاعد تحت قدمي خزنه؟!! هناك نهض موسى وودع أهله وداع من لا يعود، وركب الأشقر فعاد الأشقر لحفر الأرض بقدميه والامتناع عن المسير غير أن موسى همزه بالمهماز وقسا عليه فسار الحصان إلى خشيبه حيث التقت الجموع في يومٍ كريه وتقاتلوا في معركة تشيب لها الرؤوس وأسفرت عن فرار البدو باتجاه دبين ورفع موسى رأسه وشرَّف عشيرته وأهله، وكان لذلك أهل وغابت الشمس على نصر مؤزَّر له ولجمعه، وما أن حلَّ الظلام حتى أسرع موسى عائداً كعادته ولكن هذه المرة ليرى وليده” أحمد" مع زوجته وابنه مصطفى وباقي عائلته. وصل موسى إلى الهونه تحت جنح الظلام ولكن كان هناك” رصد" متربص به بجانب الطريق ألرجلي، أطلق عليه النار غدراً وعلى الأرجح أنه لم يكن لهذا الغادر علاقة بالحرب ولكنَّه خطط لجريمته وأخذ بندقيَّة موسى وبعض حاجياته وفرّ دون أن يره أحد ( وما زال مكان مقتل موسى معروفاً لأهل المنطقة وبعض الفريحات). وقيل أنه بعد مقتل موسى وجده رجلٌ أبتر اليد واسمه” ذياب” حمله على فرسه، ولكن قوماً من العربان لحقوا به يريدون أن يمثِّلوا بجثة موسى حيث كان قد فعل الأفاعيل بهم في المعركة ولكنّه سبقهم وخبّأ الجثَّة عند البلاونه ثم نقلت فيما بعد إلى كفرنجه حيث دفن هناك. ===قصة ”بنات نعش"... ذات نعش=== ...كانت ليلة مقتل موسى ليلةً مزهرة بالنجوم، وكان الناس في الصيف ينامون على سطح البيوت وخارجها، حيث كانت البيوت ضيقه يلجؤون إليها في فصل الشتاء، أما في الصيف فكان اغلب الناس يتخذون لهم ”مصيفاً"، ينامون ويسهرون فيه، والغريب أن نسوه من الفريحات ومن قريبات موسى على وجه الخصوص كنَّ نائمات، فاستيقظن على صوتٍ كأنه صادر من نجوم (بنات النعش) أو هكذا خُيِّل لهنَ كان الصوت يقول: - يا نايمات الضاحي.....شيخكن..كن..راحِ - راعي الحصان الأشقر... مربوط بالمراح............ي +يا نايمات الضاحي.....شيخكن..كن..راحِ +راعي الحصان الأشقر... مربوط بالمراح............ي ففزعنَ من ذلك، وفي الصباح التالي وُجد موسى مقتولاً على قارعة الطريق وعليه ناحت النوائح وعظمت المصيبة وجلل السواد أهل بيته، وترك أرملة وأيتاماً عانوا اليتمَ والجور من أقاربهم أما خزنه زوجة موسى فبعد مرور فترةٍ طويلةٍ من الحزن تزوجت من مصلح كما جرت العادة آنذاك حيث لا بدَّ للمرأة من الزواج وإلا صارت حديث الناس، وولدت لمصلح ولد يقال له” ذياب" والله أعلمُ بالصواب. ===ثور يا دم عيسوه=== كانت الصلة بين الفريحات وربضية عجلون صلة الجيرة والمودة رغم اختلاف الدين، وكانت مجالسهم مشتركه خاصةً في الصيف بجوار القلعة، وكان مقتل الشاب”عيسوه"، قد عز على الجميع فسعوا في أخذ ثأره وكانوا في ذلك يرفعون شعاراً (ثور يا دم عيسوه)، ومضوا في ذلك حتى ثأروا له. ===قطف العنب=== وصل رجل إلى كفرنجه من برما (قرية جنوب غرب محافظة جرش) ضيفاً عند وجه الفريحات في ذلك الوقت، وتصادف وجود عدد كبير من وجهاء جبل عجلون ضيوفاً عنده، وبعد تناول الطعام قدم ”العبد" العنب كفاكهة، وكان يناول العنب قطفاً قطفاً للحاضرين، ولما جاء دور البرماوي لم يأخذ القطف بل صار يأكل منهُ حبةً حبه حتى انتهى منهُ. - كان ابن فريح صبوراً ولكنه فهم المرادَ بهذا التصرف، حيث وصل ذلك الرجل إلى مستوى من التكبر تجاوز الحد ”شافت نفسه" فخاف ”ابن فريح" من أن يكون له شأنٌ ومنافسه في المستقبل، فأرسلَ له سبعةً من رجال الليل كل واحدٍ منهم ”رابط له" (أي كمن له) في الطريق حتى لا يفلت منهم وفعلاً قتلهُ أحدهم وقيل أن أقاربه قد سرهم قتلهُ لأنه كان قد استقوى عليهم وأكل حقوقهم. والأغلب أنه لم يكن من برما بل كان عابر سبيل أقام بها إقامة مؤقتة. +كان ابن فريح صبوراً ولكنه فهم المرادَ بهذا التصرف، حيث وصل ذلك الرجل إلى مستوى من التكبر تجاوز الحد ”شافت نفسه" فخاف ”ابن فريح" من أن يكون له شأنٌ ومنافسه في المستقبل، فأرسلَ له سبعةً من رجال الليل كل واحدٍ منهم ”رابط له" (أي كمن له) في الطريق حتى لا يفلت منهم وفعلاً قتلهُ أحدهم وقيل أن أقاربه قد سرهم قتلهُ لأنه كان قد استقوى عليهم وأكل حقوقهم. والأغلب أنه لم يكن من برما بل كان عابر سبيل أقام بها إقامة مؤقتة. ==قصة ثأر أحمد الموسى لأبيه:== ولد أحمد فجر اليوم الذي أمسى فيه أبيه موسى مقتولاً مغدوراً في الهونه حيث كان موسى في طريق العودة إلى بيته، في الجزازة. كبر أحمد وتخلق بأخلاق أبيه الذي لم يراه بعد أن عاش حياة اليتم ومرارته وكان شجاعا وما أن خط شاربه حتى صار مشغولاً بثأر أبيه حيث مرَّت السنون دون أن يتبين من هو ذلك الغدار الذي غدر موسى في ظلمة الليل وبمرور الأيام وصل خبر إلى الجزازة أن أحد الناس عرف بندقيَّة موسى عند ناس من الشوحة في العالوك وما أن سمع أحمد بذلك تصرَّف بسرعه حيث ظن أنه وجد خيطاً يقوده إلى لغز مقتل أبيه فأخبر أكابر أقاربه وعقلائهم بأنه عازم على الثأر لأبيه، فما كان منهم إلا أن سخروا منه ووصفوه بصغر السن وقلَّة الخبرة وأن هذا الأمر جلل وهو أصغر من أن يكون له قدرة عليه ولكنَّه لم يعبأ بقولهم وحمل بارودته وتوجَّه ماشياً على رجليه قاصداً” العالوك". @@ -281,12 +282,12 @@ عاد أحمد إلى الجزازة وأخبر عمومته بما جرى، فتعجبوا كيف أن هذا الفتى أخضع عشيره معروفه وصعبة المراس للجلوس للحق مع أنَّ هذا يتطلب في العادة مناوشات وتهديد وتدخل عشائر أخرى لحل الخلاف فلم يصدقوا قوله، وضحكوا وتغامزوا عليه وسخروا منه، ولكنه أصر على صدق قوله وقال لهم:" الأيام جايه" وفعلاً جاء مرسال من ابن غدير يبلِّغهم ميعاد القضوه عند القاضي. عند ابن غدير في مجلس قضاء معتمد حضره وجوه البلاد، كما حضر الخصوم الفريحات والشوحة، طلب ابن غدير المدعون” الفريحات" أن يمدوا حجتهم فقالوا: "قُتل عقيدنا غدراً بليل وأعيانا معرفة قاتله، وبعد هذه السنين تبين أن سلاحه موجود عند الشوحة وهذا هو دليلنا. وطلب ابن غدير من الشوحة أن يمدوا حجتهم فقال قائلهم:" يا قاضي يا قاضينا يلّي بالحق ترضينا، جيتك هدي قدي وافلح من ذكر الله وصلى على النبي، نحن بريئون من دمّه براءة الذئب من دم ابن يعقوب، أما السلاح فوصل علينا من يد إلى يد وأنت تذكر الله: "بدو ودروز ودوله وفلاحين وحرب مر عليها سنين” - وبعد مناوشات ومداولات ومجادلات ساد صمت بانتظار حكم القاضي، وبعد ذلك تكلم ابن غدير وأعلن أن حق الفريحات هو اليمين على الشوحة أناسٌ يحلفون أنهم لا علم لهم ولا يد لهم بقتله، وأناس يزكونهم يحلفون أنهم صادقون ولم يجربوا عليهم الكذب والجرأة على يمين الزور، فأجاب الفريحات بقبول حكم القاضي وأجاب الشوحة بقبول حكمه كذلك. كان الناس يرهبون من وضع أيديهم على المصحف الشريف وحلف الأيمان ويخافون من عواقب ذلك، ولذلك طلب الشوَحة شراء يمينهم” بخرجين" من المال دراهم فضه وقبل الفريحات بذلك أمام القاضي. +وبعد مناوشات ومداولات ومجادلات ساد صمت بانتظار حكم القاضي، وبعد ذلك تكلم ابن غدير وأعلن أن حق الفريحات هو اليمين على الشوحة أناسٌ يحلفون أنهم لا علم لهم ولا يد لهم بقتله، وأناس يزكونهم يحلفون أنهم صادقون ولم يجربوا عليهم الكذب والجرأة على يمين الزور، فأجاب الفريحات بقبول حكم القاضي وأجاب الشوحة بقبول حكمه كذلك. كان الناس يرهبون من وضع أيديهم على المصحف الشريف وحلف الأيمان ويخافون من عواقب ذلك، ولذلك طلب الشوَحة شراء يمينهم” بخرجين" من المال دراهم فضه وقبل الفريحات بذلك أمام القاضي. أعلن القاضي فض النزاع وأخذ الفريحات المال وتصافح الجميع وشربوا القهوة، وبعد واجب إكرام الضيف خرج الجميع متصالحين وترافقوا في درب العودة ومن المؤسف أنه لم ينل أبناء موسى من هذا المال الذي هو في الأصل حق لهم أي شيء، فقد تقاسمه قومٌ جبلوا على الطمع وأكل حقوق الناس، وخجل أحمد ومصطفى أن يتطاولوا على أعمامهم ويحرجونهم، فقد كان أحمد حدثاً، وكان أخيه مصطفى عاشقاً فهان عليه المال في سبيل معشوقته ابنة عمَّه" مشايخ الضرغام"، وهكذا سلبا ديّة والدهما ولم ينبسا ببنت شفه، فلم يكن المال والديّه هو مطلب أحمد ولكنه فعل ما فعل لأخذ حقّه ولكي لا يوصف بالجبن والتهاون في ثأر أبيه، ولا يزال قاتل موسى مجهولاً الى يومنا هذا. عاش أحمد في الجزازة ببيته مكان مسجد الجزازة الحالي، وكان لديه أغنام وأبقار ومارسَ زراعة الحبوب في حصَّته التي ورثها عن أبيه موسى، ومن المؤكد أن ضرغام لم يتنكر لحقه في الأرض بل كان يزرعها مناوبة في الأرباع التي كانت قد قسمت الأرض على أساسها. تزوج أحمد من" فضه الأحمد الراشد" أحد وجهاء الكته (بلدة في وسط محافظة جرش) المعدودين، وعاش في الجزازة في الزراعة وولدت فضه له – محمد وفندي وعوض وحميد – ولكنّه لم يعمر فمات شاباً تاركا أولادا أيتاما وزوجه أصيله حبست نفسها على تنشئة أولادها. ===أولاد أحمد الموسى الفريحات=== كان أبناء أحمد أيتام، وكان أكبرهم محمد الذي بالكاد تجاوز سن الطفولة وبلغ مبلغ الرجال ولعلَّه كان في الخامسة عشره من عمره، كانوا يسكنون في بيتهم في الجزازة – مكان مسجد الجزازة حالياً-وقد ورثوا عن أبيهم غنماً وبقراً كانوا يعتاشون منها، كما كانوا يزرعون أرضهم في الجزازة حيث آل لهم حق أبيهم في الأرض التي لم تكن خضعت للتسوية (عمليات تسجيل الأرض في شرق الأردن تحت حكم الانتداب البريطاني 1922-1946)، ولا يوجد أوراق ملكيَّه حيث تملك الأرض بوضع اليد وتباع بالحجة – نوع من السندات-. - ولعل شيطان الطمع هو الذي حمل بعض أقاربهم على التفكير بأكل حقهم في الأرض حيث كانوا أيتاماً ضعفاء، ومن المعلوم أن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم – قد عدَّ أكل مال اليتيم من الكبائر، وقد ورد الترهيب من ذلك في كتاب الله” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" صدق الله العظيم، ولهذا أقول أن الشيطان سوَّل لبعض أقاربهم أكل مالهم ليدخلهم إلى السعير، وقد استغلَّ بعضهم حدوث سرقة ”جداي" في الجزازة فاتهموهم بها وعلى هذه الخلفية كان من شأن أحد الغاضبين أن ألقى أثاثهم وأغراضهم خارج بيتهم وقال: "ليس لكم عندنا بيت ولا أرض” أما باقي الأقارب فقد أعماهم الطمع فآزروه ووقفوا لجانبه وتنكروا لحق الأيتام بأرض أبيهم وجدهم وتواطئوا على ذلك معهم وأكلوا مال الأيتام وقهروهم-وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهنَّد-، وهكذا رحلت فضه مفطورة الفؤاد مع القليل من المتاع مع أبناءها يسوقون أغنامهم وأبقارهم إلى” الزبليَّه" (منطقة زراعية بين الجزازة وجرش) حيث لجأت إلى أهلها وكانوا نعم الأهل. +ولعل شيطان الطمع هو الذي حمل بعض أقاربهم على التفكير بأكل حقهم في الأرض حيث كانوا أيتاماً ضعفاء، ومن المعلوم أن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم – قد عدَّ أكل مال اليتيم من الكبائر، وقد ورد الترهيب من ذلك في كتاب الله” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" صدق الله العظيم، ولهذا أقول أن الشيطان سوَّل لبعض أقاربهم أكل مالهم ليدخلهم إلى السعير، وقد استغلَّ بعضهم حدوث سرقة ”جداي" في الجزازة فاتهموهم بها وعلى هذه الخلفية كان من شأن أحد الغاضبين أن ألقى أثاثهم وأغراضهم خارج بيتهم وقال: "ليس لكم عندنا بيت ولا أرض” أما باقي الأقارب فقد أعماهم الطمع فآزروه ووقفوا لجانبه وتنكروا لحق الأيتام بأرض أبيهم وجدهم وتواطئوا على ذلك معهم وأكلوا مال الأيتام وقهروهم-وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهنَّد-، وهكذا رحلت فضه مفطورة الفؤاد مع القليل من المتاع مع أبناءها يسوقون أغنامهم وأبقارهم إلى” الزبليَّه" (منطقة زراعية بين الجزازة وجرش) حيث لجأت إلى أهلها وكانوا نعم الأهل. ==وقعة بصة الأكراد (قرب الفاخرة)== ==قصة مصلح الفريحات وأحمد باشا الجزَّار== @@ -436,10 +437,10 @@ "الحسينيات": أصل التسمية لعل في الاسم ما يدل على المسمى ولكل اسم عند العرب ما يبرره أو يرمز اليه، ولعلَّ الاسم يعود إلى الفترة التي تلت موقعة كربلاء الشهيرة التي استشهد فيها الحسين سبط الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وجيء بالحسينيات (بنات الحسين وأخته زينب)إلى دمشق حيث ديوان الفاسق يزيد، وبعد ذلك خرجن مضعنات قاصدات مصر ولعلَّهن أقمن بالمكان الذي سمِّي باسمهنَّ ريثما تيسَّرت لهنَّ أسباب السفر لمصر حيث خرج والي مصر وأهلها لاستقبالهنَّ، هذا ما ورد في التاريخ والله أعلم. - ولكل اسم عند العرب ما يبرره ومن المعلوم أن الطبيعة الحصينه للحسينيات بين الجبال كانت سبباً للجوء كثير من المضطهدين والخائفين على أنفسهم إليها حتى شبهها بعضهم بقلعة رودس التي تقع في البحر الأبيض المتوسط، والتي كانت مركزاً للفرسان الصليبيين اللذين غزوا بلادنا في القرون الوسطى. +ولكل اسم عند العرب ما يبرره ومن المعلوم أن الطبيعة الحصينه للحسينيات بين الجبال كانت سبباً للجوء كثير من المضطهدين والخائفين على أنفسهم إليها حتى شبهها بعضهم بقلعة رودس التي تقع في البحر الأبيض المتوسط، والتي كانت مركزاً للفرسان الصليبيين اللذين غزوا بلادنا في القرون الوسطى. قصة مقتل العبد ووفاة سالم في السجن كان سالم وعبد ”شريده" في طريقهم ليلاً الى راجب أو إلى منطقه بالقرب من راجب وبسبب خلاف لم أقف على سببه.... قام سالم بإطلاق النار على العبد فسقط ارضاً ولكنه تمسك بثياب سالم فما كان من سالم إلا أن قطع ثوبه بالشبريه وفرَّ مغادراً المكان، ... وصل أُناس فوجدوا العبد في الرمق الاخير بيده جزء من ثياب قاتله...... فأخبرهم ان سالم قتلهُ ومات... أسرع الناس يبحثون عن سالم فوجدوه وقبضوا عليه قبل أن يبدل ثوبه، وكان الدليل دامغاً حيث كان الثوب وهو الدليل الواضح... - وصل الامر إلى الدولة وقُبِضَ على سالم ونُقِلَ إلى سجن الشام وحُكِمَ هناك... وبعد فترة من سجنهِ توفي في السجن... كان هذا الحدث مثار خلاف في ما بعد بين ابناء سليم شريده وحمود... وقد جرت أحداث على تلك الخلفية... ثم كان حرق بيدر حسين السليم” والله اعلم بالفاعل... ولعل ذلك يوضح لجوء حسين السليم لأبناء احمد الموسى وعرضه عليهم ”مشد فدان” في الحسينيات”. +وصل الامر إلى الدولة وقُبِضَ على سالم ونُقِلَ إلى سجن الشام وحُكِمَ هناك... وبعد فترة من سجنهِ توفي في السجن... كان هذا الحدث مثار خلاف في ما بعد بين ابناء سليم شريده وحمود... وقد جرت أحداث على تلك الخلفية... ثم كان حرق بيدر حسين السليم” والله اعلم بالفاعل... ولعل ذلك يوضح لجوء حسين السليم لأبناء احمد الموسى وعرضه عليهم ”مشد فدان” في الحسينيات”. أهل الحسينيات كان سكان الحسينيات الأوائل هم: حسين السليم، حمود، عبد الرحمن العلي، حسن الأسعد مختلفين في سلوكهم رغم القرابة الشديدة بينهم في الدم والنسب، كان حسن الأسعد رجلاً عابداً نقياً متواضعاً له كروم عنب واسعه أنشأها بكدّ يده وعرق جبينه، وكان كريماً مطعماً للطعام كثير الضيوف، أما زوجته هيفا الخزاعي كانت امرأه شيخه تجيد الرماية وركوب الخيل ولها شخصيّه قويّه تتفوَّق على الرجال. كان حسين السليم كبير الحسينيات وشيخها وكانت هناك منافسه بينه وبين حمود وكان بيت حمود ملجأ للفارين من الدولة وكانوا يأتمرون بأمره وقد حصل نزاع بينه وبين حسين السليم، فخاف حسين على نفسه وفكَّر بالعزوة، فأرسل إلى أبناء أحمد الموسى، محمد وفندي وعوض وحميد وطلب منهم أن يفزعوا له وقال لهم:” هذا مشدّ فدّان لكم إن جاورتموني بالحسينيات” وهكذا ترك الشبان الأربعة وأمهم" الزبليَّه” قرب الكته وجاوروه بالحسينيات وأعطاهم الأرض التي جعلوا منها كروماً للعنب ولا يزال اسمها الكروم وكانوا له نعم العزوة. @@ -457,7 +458,7 @@ العُرضي في صباح أحد الأيام ذعر أهل كفرنجه لوجود جيش كبير كثير العدد ”العرضي" تمركز فوق البلدة ونصب مدافعه ورشاشاته ”مترولوز "وسددها باتجاه البلدة وذلك لأن الجيش كان بحالة حرب وقد نفذت مؤنته وصار مضطراً لتأمين الطعام ولو بالقوة. تنبه راشد الخزاعي آنذاك وعزم على حماية البلدة. نادى ”يا نسوان كفرنجه اعجنن واخبزن ".وركب قاصداً قائد ”العرضي "ودعاه على طعام ووليمة تكريماً للجيش فسر القائد بذلك وحول مدافعه عن البلدة وفعلاًً وصلهم الخبز كأنه البيدر حيث عملت النساء بجدّ واجتهاد ونجت البلدة من شر ذلك الجيش الذي كان مضطرا للقتل في سبيل الخبز وزاد ذلك محبّة راشد ومكانته عند الدولة والناس. راجــب - كانت راجب نقوط من العدوان حلفاء الفريحات إلى حسن البركات عند مولده وذلك لشعورهم بالجميل لوقوف الفريحات لجانب العدوان في حربهم مع الصخور وعبّاد حيث لجأ العدوان لجبل عجلون الذي كان حصناً منيعاً بالمكان والرجال. قامت الزراعة في راجب على الري الذي يحتاج للأيدي العاملة والفعلة، وهكذا جاء الصماديه يعملون في الأرض على مشرك، وكثر الصماديه وعظم شأنهم وطمعوا في تملّك راجب ولم يستطع حسن البركات الوقوف لهم لتفرّق كلمة الفريحات، وتمادوا حيث تعدوا على الفريحات حتى أنهم كسروا أفران الخبز وجهروا بأن راجب لهم. حاول حسن أن يصلحهم بجزءٍ من راجب لكنهم قالوا إما نأخذها كلها أو نتركها كلّها، وزاد شرّهم وشغبهم وغلبوا الفريحات على أمرهم. +كانت راجب نقوط من العدوان حلفاء الفريحات إلى حسن البركات عند مولده وذلك لشعورهم بالجميل لوقوف الفريحات لجانب العدوان في حربهم مع الصخور وعبّاد حيث لجأ العدوان لجبل عجلون الذي كان حصناً منيعاً بالمكان والرجال. قامت الزراعة في راجب على الري الذي يحتاج للأيدي العاملة والفعلة، وهكذا جاء الصماديه يعملون في الأرض على مشرك، وكثر الصماديه وعظم شأنهم وطمعوا في تملّك راجب ولم يستطع حسن البركات الوقوف لهم لتفرّق كلمة الفريحات، وتمادوا حيث تعدوا على الفريحات حتى أنهم كسروا أفران الخبز وجهروا بأن راجب لهم. حاول حسن أن يصلحهم بجزءٍ من راجب لكنهم قالوا إما نأخذها كلها أو نتركها كلّها، وزاد شرّهم وشغبهم وغلبوا الفريحات على أمرهم. علم حسن أن العزوة في الأقارب وليست في الأغراب وأن الاتحاد قوّه، وبحسن تدبيره عقد صلحاً مع أقاربه من الدار الشرقية وأنهى الخلاف بين الدار الغربية والشرقية وتوج ذلك بأن زوج ابنته رفقه المشهورة بالجمال والكمال والعقل وحسن التدبير لراشد الخزاعي على أن يكون مهرها طرد الصماديه من راجب فسرّ راشد، هكذا جُمعت الفريحات بعد فرقه طويله وعلى الفور سعى راشد في تأدية المهر المطلوب”مهر رفقه الحسن". وقيل أن رفقه هي التي طلبت مهرها (إخراج الصماديه من راجب)، حيث قالت له: "مهري غالي.....تقدر عليه ؟" فقال: "كيف لا أقدر على مهرك" فقالت:" مهري إخراج الصماديه". جمع راشد رجاله وحذرهم من التعرض للنساء وركب أمامهم إلى بيوت الصماديه فطردهم من راجب واتجه في طريقه فوراً إلى الحاكم العثماني في إربد وبقي تلك الليلة في مضافة الحاكم العثماني، حيث رتب هذا الأمر في غيابه بدون إراقة قطرة دم. وصل الصماديه إلى الحاكم العثماني يشتكون راشد والفريحات ويخبرونه أن راشد هو الذي كان على رأس الفريحات يدير الأمر وأنهم خرجوا من راجب بقوة السلاح وانهم شاهدوا راشد يأمر وينهى ويحرض وهو مشهرٌ سلاحه، ولكن الحاكم العثماني قال لهم: "هذا راشد عندي من الأمس ولم يغادر السرايا وأنتم كذابين فكيف أكذب عيني وأصدقكم". @@ -471,27 +472,27 @@ راشد الخزاعي الفريحات درس المندوب السامي ملف راشد الخزاعي وعلم عن نفوذه في جبل عجلون فأراد أن يستقطبه لصالح الدولة المستعمرة والحركة الصهيونية وأراد أن يشتريه بالمنصب والمال شأن كثير من الباشاوات الذين استغلّ نفوذهم في اغتصاب البلاد المقدّسة ”فلسطين". تلقى راشد باشا الدعوة من القدس وركب فرسه برفقة غلامٍ حدث يخدمه في الطريق هو" علي العبدون"، وفي القدس خرج البطاركة والحاخامات وكبار الضباط بصحبة المندوب السامي لاستقبال راشد استقبالاً يليق بالملوك، عرف راشد أن من وراء ذلك أمر خطير. - وفي مجلس حاخامات اليهود والمندوب السامي وبعد الترحيب براشد واستضافته في فندق الملك داوود قال المندوب السامي:" يا باشا نريد أن نجعل منك الرجل الأول في هذه البلاد وعلمنا أن الناس يطيعونك في جبل عجلون ويحترمونك، وهذه الشنطة مليئة بالدنانير الإنجليزية الذهبيّة هي هديّة لك من الملك جورج وهناك يهود مساكين مضطهدين في أوروبا يريدون أن يلجأوا إلى جوارك ويكونوا طوع أمرك. +وفي مجلس حاخامات اليهود والمندوب السامي وبعد الترحيب براشد واستضافته في فندق الملك داوود قال المندوب السامي:" يا باشا نريد أن نجعل منك الرجل الأول في هذه البلاد وعلمنا أن الناس يطيعونك في جبل عجلون ويحترمونك، وهذه الشنطة مليئة بالدنانير الإنجليزية الذهبيّة هي هديّة لك من الملك جورج وهناك يهود مساكين مضطهدين في أوروبا يريدون أن يلجأوا إلى جوارك ويكونوا طوع أمرك. قال راشد هناك أبناء لنا لم يعودوا بعد من الحرب ولعلّ بعضهم أسرى لديكم فخذ أسماءهم لعلّك تساعدنا في عودتهم لأهلهم فقال المندوب السامي: "بكل سرور". وفي اليوم التالي حضر راشد فأعلمه المندوب السامي أن عبد المهدي أسير في الهند حيث كانت مستعمره بريطانيّة وأنه سيصل يوم كذا إلى حيفا” هديه وإكرام للباشا". أعاد عليه المندوب السامي موضوع اليهود وشنطة الذهب فقال راشد:" عندنا ذهب كثير وأحوالنا ميسوره، أما اليهود فاعلم بأني لا أملك جبل عجلون بل هو ملكٌ لأهله"، سلّم راشد وانصرف ولم يأخذ شيءً وفهم ما يرمي إليه” هربرت صموئيل". قال علي:" يا باشا لماذا لم تأخذ المال "فأجابه: "يا بني يريدون قتلنا وأخذ بلادنا بهذا المال... بكلّ دينار يقتل واحد من جبل عجلون". استعمل المندوب السامي كلّ اتصالاته لإعادة عبد المهدي ليبدأ بذلك أحد الاعيب الإنجليز على راشد ولكنّ راشد أبطل خطّتهم ولم يعطهم شيئاً. أما عبد المهدي فقد عاد بعد سبع سنوات من الغربة حيث يئس أهله منه وأقاموا له العزاء وتزوّجت زوجته، بينما كانت أمه تخبز بالطابون رأته واقفاً أمامها ملابسه رثّه مثقّبه من الرصاص حتى أن لغته تغيّرت، كان فرحاً كبيراً أدخلها في غيبوبة. - جلس عبد المهدي يحدّث الناس عن أهوال الحرب والأسر وغرائب الهند وحرقهم الأموات والاستعباد والبواخر وقصص لم تنتهي طوال حياته، وقد كانت عودته وساماً لراشد الذي لم يدّخر أية فرصه لخدمة أقاربه مما زاد حب الناس له. - راشد الخزاعي وسعد الخلف +جلس عبد المهدي يحدّث الناس عن أهوال الحرب والأسر وغرائب الهند وحرقهم الأموات والاستعباد والبواخر وقصص لم تنتهي طوال حياته، وقد كانت عودته وساماً لراشد الذي لم يدّخر أية فرصه لخدمة أقاربه مما زاد حب الناس له. +راشد الخزاعي وسعد الخلف كانت العداوة بين عبّاد وجبل عجلون بين مدّ وجزر من صلح إلى خصام، وكان سعد الخلف شيخ معروف وقد بدر منه ما أغضب راشد ووجهاء جبل عجلون، فأرسل إليه راشد اثنين من الدهاة، فوصلوا قبل العشاء وكمنوا قرب بيت الشيخ وسمعوه وهو يرسل الرّصد ليرابطوا في الأماكن السالكة من سيل الزرقاء، فعرفوا الأماكن التي أرسلهم إليها ليتجنّبوها عند عودتهم، وبعد سهره في شق الشيخ عرفوا ما دار من حديث، ذهب الناس للنوم وكان النعاس قد ألمّ بالشيخ، فقالت له زوجته وكانت عاقله :"يا سعد اللي يعادي جبل عجلون لزوم ما ينام" فقال لها:" وينهم و وينّا" وأخلد للنوم العميق، تسلل الرجلان فأخذوا بندقيّته ودخلوا المحرم، فأراد أحدهم طعنه بشبريَّته ولكن زوجته رفعت يدها وتلقّت بها ولم تنطق بحرف، حاول الرجل مرةً أخرى ولكن المرأة حالت دون ذلك، فوضع الرجل شبريّته في فروة الشيخ، ونظر إلى المرأة ففهمت مراده وأنه ترك زوجها إكراماً لها لأنها لم تصرخ، وفرّ تحت جنح الظلام ولم تصرخ الزوجة إلا بعد أن علمت أنهم ابتعدوا عن المراح وأنهم في أمان. عاد الرجال وتجنّبوا الرصد وأخبروا راشد بما فعلت المرأة فأثنى عليها. أما المرأة فقالت لزوجها:" لو أرادوا قتلك لقتلوك، وهذه الشبريّه قد شكّت فروتك بالأرض وإني أشير عليك بمصالحتهم. اقتنع سعد الخلف بما قالت المرأة وسعى للصلح مع راشد الخزاعي وفعلاً تمّ الصلح وصاروا أصدقاء يحترم بعضهم بعضاً، ومن المؤكّد أنهم أعادوا له بندقيّته وأعاد لهم شبريّتهم في مجلس الصلح. الحكومة الفيصليّة كان جيش الثورة العربيّة الكبرى، جيش الشريف حسين، مزيج من العرب الشاميين والحجازيين والعراقيين والدروز، وكان لأهل بادية الشام وخاصّه شرق الأردن نصيب كبير منه، وكان الشريف فيصل أول من دخل من الأمراء ووصل إلى الشام مع العربان الذين ناصروه، ولكنّه بعد فترةٍ وجيزة ـ سنتين أو أكثر بقليل ـ تعرّض إلى غدر الإنجليز والفرنسيين الذين استعملوا الشريف والعرب وسيلةً لتحقيق مأربهم حيث كانوا يخفون الغدر، ومعلوم أن العرب لا يعرفون الاعيب السياسة، تفاجأ العرب وملكهم فيصل بمقلب الحلفاء الذين قسموا البلاد بينهم وجعلوا فلسطين حصه لليهود كما جاء في وعد بلفور وعلى أثر ذلك قامت الثورات في سوريا بعد إقصاء الشريف فيصل وقامت في الأردن بشكل مؤقت حكومات محليه في الكرك والسلط وعجلون ولم تستقر الأوضاع إلا بعد وصول الأمير الشريف عبدالله الذي أسس إمارة شرق الأردن. وقد كان لجبل عجلون وقائده راشد الخزاعي شرف دعم ثورة سلطان الأطرش في سوريا ودعم الثورة في جبل لبنان وذلك بأرسال متطوعين من جبل عجلون قيل أن عددهم كان أربعمائة رجل مسلح وقد كان راشد على صلة بما يدور في بلاد الشام حيث كان عضواً في حزب الاستقلال وقد تواجد في دمشق لفتره من الزمن كما ورد في مذكرات (علي الشرايره ) الثلجة الكبيرة - بدأ تساقط الثلج فخاف حميد على الغنم من البرد وقصد مغاره دافئة في نجده ”عراق دار عوض" حيث وضع الغنم في المغارة وكان برفقته حسين ابن أخيه، تساقط الثلج طوال الليل وفي الصباح كانت الثلوج قد غطت المكان واغلقت باب المغارة إلا من جحر صغير بقي بسبب نفس الغنم وكان حميد قد احتاط للأمر فأدخل الحطب إلى المغارة في اليوم الأول وكان يوقد النار داخل المغارة طلبا للدفء والاستئناس بالنار، تواصل سقوط الثلج لمدة سبعة أيام لم يكن لهم طعام إلا ما يذبحون من (الجديان) وكان مما نغص عليهم طعامهم انه لم يكن لديهم ملح فكان الشواء ناقص لا طعم له، خرج حميد من ذلك الجحر في الثلج فشاهد الدنيا ”طاسه بيضا" فقام بقطع بعض الأغصان بطبره حيث التهمت الاغنام أوراقها بسرعه حيث بلغ الجوع بالأغنام أن أكلت شعر بعضها وقد كان في عمل مستمر لإطعام أغنامه من ”القصف" حيث كانت ”نجده” غابه من السنديان والملول و البطم. +بدأ تساقط الثلج فخاف حميد على الغنم من البرد وقصد مغاره دافئة في نجده ”عراق دار عوض" حيث وضع الغنم في المغارة وكان برفقته حسين ابن أخيه، تساقط الثلج طوال الليل وفي الصباح كانت الثلوج قد غطت المكان واغلقت باب المغارة إلا من جحر صغير بقي بسبب نفس الغنم وكان حميد قد احتاط للأمر فأدخل الحطب إلى المغارة في اليوم الأول وكان يوقد النار داخل المغارة طلبا للدفء والاستئناس بالنار، تواصل سقوط الثلج لمدة سبعة أيام لم يكن لهم طعام إلا ما يذبحون من (الجديان) وكان مما نغص عليهم طعامهم انه لم يكن لديهم ملح فكان الشواء ناقص لا طعم له، خرج حميد من ذلك الجحر في الثلج فشاهد الدنيا ”طاسه بيضا" فقام بقطع بعض الأغصان بطبره حيث التهمت الاغنام أوراقها بسرعه حيث بلغ الجوع بالأغنام أن أكلت شعر بعضها وقد كان في عمل مستمر لإطعام أغنامه من ”القصف" حيث كانت ”نجده” غابه من السنديان والملول و البطم. كان حميد بانتظار اخيه عوض الذي اعتاد أن يلحقه بالسمن وخبز الشراك ولكن الانتظار طال فكانت كما قال المثل "لا طير طاير ولا وحش غاير". كان عوض على أحر من الجمر ولكن السير في تلك العاصفة كان مستحيلاً وفي اليوم السابع خف سقوط الثلج وحزم عوض أمره للذهاب إلى نجده. كان المشي على الثلج غير ممكن ولكن عوض ربط حذاءه ”بغربالين" كي لا تغوص أقدامه في الثلج واخذ الزاد الوفير وأكثر من السمن وخبز الشراك ”وقطع (المرح والمشماس وتلعة جحدب) ”كأنه يسير في بحر من الثلج وكان يظن أن حميد وحسين قد ماتوا مع أغنامهم من هذا البرد الشديد وبعد عناء شديد وصل المغارة ففرحوا بلقاء بعض وقد كانوا بأمس الحاجه إلى الزاد وبعد أن أكلوا وشبعوا فتحوا جزء من باب المغارة حيث صارت الغنم تتسلل إلى غرب نجده حيث كان الثلج أقل والغابة كثيفه فتأكل الغنم وتعود إلى المغارة لوحدها من خلال مسرب صغير تمر من خلاله. عاد عوض إلى الحسينيات تاركا عندهم الطحين ولوازم صنع القرصة والسمن البلدي فطاب لهم المقام في المغارة حتى هدأت حدّة العاصفة وذاب الثلج بعد أسابيع حيث عادوا إلى الحسينيات يسوقون أغنامهم. كانت هذه الثلجة والمعاناة التي كابدها حميد في الحفاظ على أغنام دار أحمد الموسى دافعا له للتفكير بنجده وامتلاك هذه المغارات الأثرية القيمة لمربي الأغنام. قصة موت جمل حميد كان لحميد جملين، يستعملهما عيسى ابنه بتجارة الحطب والفحم حيث كان عيسى يحمّل الجمال بخشب البيوت إلى حوران ويقايض الخشب بالقمح كما كان يقايض الفحم بالقمح، وكان حمل فحم أو خشب أو حطب مساوياً لحمل قمح في القيمة خاصّة في فصل الشتاء، لذلك كان للجمال أهمية وقيمه. - توجّه حميد بجمليه المحمّلين بالعصي إلى عمّان مع رفقة من البدو الذين كانوا قد سكنوا في الماصية بجوار حميد، باع حميد العصي في عمّان، وفي صباح ذلك اليوم رأى عيسى رؤيا قصّها على أمّه رسميه العبدون، قال:" ياأمي رأيت جملنا يتدحرج من الرمان إلى سيل الزرقاء، وأنا خائف على أبي أن يكون قد جرى له مكروه" فقالت:” توكّل على الله”، وكان لعيسى شأن يقضيه في جرش فتابع طريقه. - وفي طريق العودة في منطقة الرمّان تغيّر حال الجمل وكان حميد يقوده ولما وصل سيل الزرقاء سقط الجمل على الأرض وخاف حميد عليه الموت فنحر الجمل وسلخه وأرسل حمارته مع البدو، فلما وصلوا إلى نجده خافت رسميّه من قدوم الحمارة بدون حميد والجمال ولكنّ البدو أخبروها بأن حميد ذبح جمله وأنهم تركوه على سيل الزرقاء فلامتهم على سوء الرفقة. - وضع حميد لحم جمله على الجمل الآخر كما استغلّ فرصة وجوده على الماء فنظّف الطراف، كان هذا العمل شاق على رجل واحد ولكن حميد ما لبث أن وصل إلى نجده حيث كان يسكن ببيت شعر في الماصيه، فقام بتوزيع جزء كبير من اللحم على الأقارب وجيرانه البدو. +توجّه حميد بجمليه المحمّلين بالعصي إلى عمّان مع رفقة من البدو الذين كانوا قد سكنوا في الماصية بجوار حميد، باع حميد العصي في عمّان، وفي صباح ذلك اليوم رأى عيسى رؤيا قصّها على أمّه رسميه العبدون، قال:" ياأمي رأيت جملنا يتدحرج من الرمان إلى سيل الزرقاء، وأنا خائف على أبي أن يكون قد جرى له مكروه" فقالت:” توكّل على الله”، وكان لعيسى شأن يقضيه في جرش فتابع طريقه. +وفي طريق العودة في منطقة الرمّان تغيّر حال الجمل وكان حميد يقوده ولما وصل سيل الزرقاء سقط الجمل على الأرض وخاف حميد عليه الموت فنحر الجمل وسلخه وأرسل حمارته مع البدو، فلما وصلوا إلى نجده خافت رسميّه من قدوم الحمارة بدون حميد والجمال ولكنّ البدو أخبروها بأن حميد ذبح جمله وأنهم تركوه على سيل الزرقاء فلامتهم على سوء الرفقة. +وضع حميد لحم جمله على الجمل الآخر كما استغلّ فرصة وجوده على الماء فنظّف الطراف، كان هذا العمل شاق على رجل واحد ولكن حميد ما لبث أن وصل إلى نجده حيث كان يسكن ببيت شعر في الماصيه، فقام بتوزيع جزء كبير من اللحم على الأقارب وجيرانه البدو. وأخيراً طبخت رسميّه الطراف فجائوا وقد تفتّحت شهيتهم عليه فمازالوا في جيئة وذهاب حتى فرغت القدور بعد أن كانوا يقولون من يأكل اطراف الجمل ؟! كان الجمل عزيزاً على عيسى فحزن عليه فقال له والده حميد:" ولا يهمّك لابدّ أن اتيك بجمل مثله أو أحسن منه". كان الجمل له قيمة عالية كقيمة قلاب أو شاحنة في هذه الأيام. قصة عين قدرا @@ -509,13 +510,13 @@ عبد القادر المصطفى كان رجلاً جليلاً مثقفاً، عمل موظفاً عثمانياً ولعلّه كان ضمن القائمين على تحصيل الضرائب حيث كانوا يركبون الخيل ويجمعون المال ويُسمون" التحصل دار" كانت أخته صبحا أم رسميّه العبدون (زوجة عبدون) تزوّج فتاة كرديّة هي أم عبد الحليم وسلطانه، كما تزوّج شركسيّة من الشام اسمها” ناجيّه" أنجبت توفيق الذي مات في ريعان الشباب وصبحيّة التي زوجها من الشراكسة، وأخيراً تزوّج عائشه الحسين السليم أم شفيق ومحمد ووفقه وهاجر ودوله وآخرون. - كان صديقاً حميماً لأبناء عمّه أحمد الموسى وكثيراً ما كان يزور نجده ويمكث بها أسابيع على الرحب والسعه في دار عوض وحميد، كما أنه زوّج ابنته وفقه من محمود العوض، وكانت نبتة خير لم يُسمع أن أحداً كرهها بل كانت أخت الجميع. - كثيراً ما عانا عبد القادر من نزوات أقاربه وكان دائم السّعي في إصلاح ما أفسدوا، أما عوض وحميد فكانوا لا يقطعون أمراً دون الرّجوع إليه واستشارته في الملمّات. +كان صديقاً حميماً لأبناء عمّه أحمد الموسى وكثيراً ما كان يزور نجده ويمكث بها أسابيع على الرحب والسعه في دار عوض وحميد، كما أنه زوّج ابنته وفقه من محمود العوض، وكانت نبتة خير لم يُسمع أن أحداً كرهها بل كانت أخت الجميع. +كثيراً ما عانا عبد القادر من نزوات أقاربه وكان دائم السّعي في إصلاح ما أفسدوا، أما عوض وحميد فكانوا لا يقطعون أمراً دون الرّجوع إليه واستشارته في الملمّات. - الصماديه وعبد القادر وابنه عبد الحليم +الصماديه وعبد القادر وابنه عبد الحليم كان الصماديّه يتحرّقون غيظاً بسبب ما حصل براجب، وكانوا يرون أن الفريحات غمطوهم حقّهم، وكان للفريحات وجهة نظر مختلفة، حيث كانوا يرون أنهم استعادوا حقّهم بعد أن كاد الصماديّه أن يغلبوهم عليه. كان هناك رعاة أغنام صماديّه في منطقة الجزازة تشاجروا مع ”المخضّر" حامد الكردي لأعتدائهم على المزروعات، وانتهى الشّجار بأن ضرب حامد الكردي أحد الرعاة الصمادية على رأسه فخرّ صريعاً، تجمّع الصماديّه فوجدوا أن الكردي قد فرّ وليس له عشيره فقد كان" مقطّع موصّل لا يُعرف له عشيره" ولا يمكن مطالبته إذ لا عشيرة يطالبونها بحقّ العرب. وهناك رأوا أن الفرصة قد حانت للانتقام من الفريحات سكّان الجزازة، فاتهموا عبد الحليم العبد القادر بقتله وطالبوا الفريحات بدمه، فأمر الحاكم وكان مقرّه في إربد باحظار عبد الحليم وأقاربه، فأمر بإدخال المتهم عبد الحليم العبد القادر، فدهش لرؤيته فقد كان ولداً عمر تسع سنوات فقط، فاستجوبه الحاكم وأقرّ عبد الحليم بأنه كان يرعى أغنامه وشاهد المشاجرة، وأنه رأى الكردي ضرب أحد الرعاة وفرّ هارباً، قال لهم القاضي:" ما هذه المهزله، هذا الطفل تدّعون عليه بقتل الراعي؟” فأمر بإطلاق سراحه وسلّمه إلى ”محمود الأسمر" ليوصله إلى أهله بالجزازة. - تشاور الصماديه وأجمعوا على الادعاء بأن عبد القادر هو الذي قتل الصمادي علماً بأن عبد القادر لم يكن موجوداً في المكان، ولم يجد الحاكم بُدّاً من تحويل الأمر إلى المحكمة. - مثل أمام القاضي ثلاثون شاهداً كلّهم أقسم بأنه شاهد عبد القادر يضربه بعصاه حتّى قتله، وهناك سألهم القاضي كيف حصل أن كنتم ثلاثون رجلاً ولم تفزعوا لصاحبكم وكان عبد القادر رجلاً واحد ومعه عصا فقط؟ فلم يجدوا جواباً، ناقش المحامي الشهود فاختلفت شهاداتهم، كما أنهم لم يتعرّفوا على عبد القادر بين الحضور ولم يبيّنوا سبب تواجدهم هناك حيث كانوا من عجلون وعنجره ولم يسبق لهم رؤيته. وبعد فترة طويلة من سجن عبد القادر صدرت براءته وأُفرج عنه، والطريف أن الكردي عاد إلى المنطقة وأخبر أقارب القتيل بأنه هو القاتل ولكنهم لم يرجعوا عن غيّهم. +تشاور الصماديه وأجمعوا على الادعاء بأن عبد القادر هو الذي قتل الصمادي علماً بأن عبد القادر لم يكن موجوداً في المكان، ولم يجد الحاكم بُدّاً من تحويل الأمر إلى المحكمة. +مثل أمام القاضي ثلاثون شاهداً كلّهم أقسم بأنه شاهد عبد القادر يضربه بعصاه حتّى قتله، وهناك سألهم القاضي كيف حصل أن كنتم ثلاثون رجلاً ولم تفزعوا لصاحبكم وكان عبد القادر رجلاً واحد ومعه عصا فقط؟ فلم يجدوا جواباً، ناقش المحامي الشهود فاختلفت شهاداتهم، كما أنهم لم يتعرّفوا على عبد القادر بين الحضور ولم يبيّنوا سبب تواجدهم هناك حيث كانوا من عجلون وعنجره ولم يسبق لهم رؤيته. وبعد فترة طويلة من سجن عبد القادر صدرت براءته وأُفرج عنه، والطريف أن الكردي عاد إلى المنطقة وأخبر أقارب القتيل بأنه هو القاتل ولكنهم لم يرجعوا عن غيّهم. لجأ الصماديّه إلى القضاء العشائري بعد أن حصلت بعض المناوشات بينهم وبين الفريحات، اجتمعوا في قضوه عشائرية أمام قاضي العشائر فحكم عل الفريحات باليمين حيث يقسم الظنين ويزكّيه عدد من الرجال فعرض الفريحات شراء يمينهم بأربعين ديناراً وكان هذا مبلغ كبير ذلك الزمان، فقبل الصماديه بذلك وقبضوا الدنانير الأربعين مع أنهم كانوا يعرفون الفاعل حقّ المعرفة. "عزيمة" الأمير عبد الله بن الحسين @@ -530,7 +531,7 @@ اشترى حميد "أرض خنيزير" وأجبر عوض على شراء مارس (قطعة أرض) بعشرة دنانير، وكان نصيب عوض من مفحمة واحدة من عشرات المفاحم أربعين ديناراً أي أن عوض حقق ربحاً كبيراً رغماً عنه. ثم اشترى حميد أرض واسعة من عيد المرشود بسعرٍ مغرٍ، ولكن عوض أبى المشاركة مما اضطرّه أن يشارك محمد المفضّي ومحمد الفارس (من ساكب) وذلك في (الماصية وخنيزير) حيث لم يكن قادراً على شراءها وحده. توجّه حميد إلى سيل الزرقاء حيث وجد أرض واسعة شاسعة مئات الدونمات أخذها مزارعه على الثلث وتكفّل بالعناية بها حتى يصل الزيتون مرحلة الأثمار وكانت الأرض غابة من الزيتون البرّي فعاد حميد ليأخذ عائلته ويرحل إليها، ولكن أخاه عوض منعه من أخذ الأولاد خوفاً عليهم من السخونة التي تصيب سكان منطقة السيل مما جعل حميد يترك الأرض ويتخلّى عن تعبه حيث كان قد عمل في تقليم وتطعيم الأشجار، وكذلك كان لحميد محاولة أخرى مماثلة حيث أخذ أراضي مماثلة بـ"أم جوزه "ولكنّه تخلّي عنها لنفس السبب. - عاد حميد إلى البرامه ونصارى عنجره فاشترى منهم أرضاً له ولأخيه وأبناء إخوته مما أغضبهم وطلبوا القسمة للتخلص من تصرفات حميد وشراؤه الأرض حيث لم يكونوا راغبين بذلك، وفعلاً تمّت القسمة وأخذ كل واحد حقّه حيث صارت:" تلعة المغارة" من نصيب عوض وحسن وحسين، و"جورة البطمه" لعلي، و"راس الوحاه" لحميد، أما ”الماصية والكسارة" فقد كانت لعوض وحميد وعلي، و"خنيزير" لحميد وعوض. ومن المؤسف أنه بعد القسمة وفصل الأغنام والمواشي عن بعضها تعرّضت مواشي حسين وحسن وعلي للنهب من قبل الصماديّه وردّ عليهم الفريحات بنهب بقر” النورسي". +عاد حميد إلى البرامه ونصارى عنجره فاشترى منهم أرضاً له ولأخيه وأبناء إخوته مما أغضبهم وطلبوا القسمة للتخلص من تصرفات حميد وشراؤه الأرض حيث لم يكونوا راغبين بذلك، وفعلاً تمّت القسمة وأخذ كل واحد حقّه حيث صارت:" تلعة المغارة" من نصيب عوض وحسن وحسين، و"جورة البطمه" لعلي، و"راس الوحاه" لحميد، أما ”الماصية والكسارة" فقد كانت لعوض وحميد وعلي، و"خنيزير" لحميد وعوض. ومن المؤسف أنه بعد القسمة وفصل الأغنام والمواشي عن بعضها تعرّضت مواشي حسين وحسن وعلي للنهب من قبل الصماديّه وردّ عليهم الفريحات بنهب بقر” النورسي". تابع بعدها حميد شراء أرض خنيزير ثم اشترى أرض سقي على عين حامد ببرما وزرعها بالزيتون، ولكن أهل برما طمعوا بهذه الأرض وكثر أذاهم فاضطرّ لبيعها لهم بثمن بخس وذلك تحت ضغط من أبناءه وهي الآن في وسط برما. أما” راس الوحاه" الذي كان حصّة لحميد فقد استملكته الدولة بثمن بخس وذلك رغماً عن حميد، كما أن أرض حميد بكرم التينة استملكتها الدولة وحرّجتها وذلك لخلاف حصل بين المسؤول عن التسوية هناك” علي الكايد" وبين عوض وذلك على خلفيّة شراء علي الكايد بعض الذبائح (الجداي) من عوض. كان حميد يحب أرض” كرم التينة" لدرجة أنه لم يقبل أن يأخذ تعويضاً عنها، وبقي المبلغ في صندوق المحكمة، أما" المقاطر” فقد اشتراه من عيد المرشود وكان مزروعاً بالزيتون والعنب وكذلك” كرم نجده" ثمّ أضاف إليه حميد” الكساره” حيث كانت غابة كسرها وحوّلها إلى أرض زراعية تمتدّ إلى بيته في نجده. كما اشترى حميد أرض خشيبه وخاف أن لا يمتد به العمر حتى يكبر أبناؤه يونس ومصطفى حتى يزوجهم فكتبها باسمهم بدل الزواج ولكنه عاش بعد ذلك وزوّجهم في حياته. كما قام عيسى بكسر جزء من الأرض سمّوه” روض عيسى". @@ -541,27 +542,27 @@ أهل برما بعد أن تملك عوض وحميد أجزاء من أرض البرامه في نجده حصلت مناوشات بسبب الأذى الواقع على المزروعات، وفي إحدى السنوات بينما كان حميد في الجانب الجنوبي الشرقي من جبل خنيزير إذا بنوري الحمود يركض ويصيح” عوض يا حميد... عوض يا حميد" وكان نوري يحصد مع عوض وحميد في ذلك العام، وفوراً طار حميد إلى الجهة الغربية من جبل خنيزير فرأى رجلين تمكنا من عوض فثبّتوه وكانوا يريدون أخذه معهم، وكان مع حميد” سوّاقة القادم" وهي عصا تستعمل لشدّ الحبل في تحميل القش فسار بخفّةٍ دون إحداث صوت حتى تمكّن من ضرب أحدهم على رأسه فأسقطه وفرّ الآخر مذعوراً وفكّ حميد عوض. - كما أن عوض كثيراً ما كان يتشاجر مع رجال ونساء برما حيث كانوا يتعمّدون أذى الفريحات، ولكن بعد فترةٍ استقرّ الأمر وعادوا يعاملونهم معاملة الأصدقاء والجيران. +كما أن عوض كثيراً ما كان يتشاجر مع رجال ونساء برما حيث كانوا يتعمّدون أذى الفريحات، ولكن بعد فترةٍ استقرّ الأمر وعادوا يعاملونهم معاملة الأصدقاء والجيران. سخاء عوض وتدبير رسميّه كان عوض مضرب المثل في السخاء والكرم، وقد ورد في الأثر أن السخاء يغطي كلّ عيب فكيف إذا كان ما يغطيه السخاء هو الشجاعة والشهامة التي اجتمعت فيه، كانت تمرّ سنوات من القحط والجوع والقلّة كان خلالها بيت عوض مقصداً للجائعين من الفريحات وأهل برما وأهل ساكب حيث كانوا يعودون باللبن حتى أن الناس كانوا يتهافتون على أخذ الألبان مجاناً، وقد بارك الله في غنمه لدرجة أنه كان يمنح الناس منائح حتى أنهم لم يعيدوها بعد انتهاء فترة المنوحة ولم يطالب بها وقيل أنه ذبح للضيوف في الشهر أكثر من أيامه أي تجاوز الثلاثين ذبيحه. - ومن الطرائف أن زوجته أميره الحسن أرادت أن تخصه بالطعام فقال: لا دعيه حتى يأكل الأولاد قاصداً بذلك أولاد حسين بعد وفاة زوجته مريم، أما الصغار عيشه وسليمان فكانوا قد انضموا إلى عائلة حميد ولم يرضَ أن يخصّ نفسه بشيءٍ دون أبناء أخوته. - وكان لكثرة الضيوف يتصادف عدم وجود طحين أو رز يكرم به ضيفه فيلجأ إلى رسميّه متضرعاً أن تدبّر أمره حيث كان يعد التقصير مع الضيوف فضيحه، وكان يحصل أن يكون محرجاً أشدّ الحرج خاصة إذا كان ضيوفه من الضيوف الكرام اللذين لا بدّ من إكرامهم، وكانت رسميّه تفك ضيقته حيث كانت تخفي عن العيون كميّة من الطحين أو الرز على الرف للحاجة. +ومن الطرائف أن زوجته أميره الحسن أرادت أن تخصه بالطعام فقال: لا دعيه حتى يأكل الأولاد قاصداً بذلك أولاد حسين بعد وفاة زوجته مريم، أما الصغار عيشه وسليمان فكانوا قد انضموا إلى عائلة حميد ولم يرضَ أن يخصّ نفسه بشيءٍ دون أبناء أخوته. +وكان لكثرة الضيوف يتصادف عدم وجود طحين أو رز يكرم به ضيفه فيلجأ إلى رسميّه متضرعاً أن تدبّر أمره حيث كان يعد التقصير مع الضيوف فضيحه، وكان يحصل أن يكون محرجاً أشدّ الحرج خاصة إذا كان ضيوفه من الضيوف الكرام اللذين لا بدّ من إكرامهم، وكانت رسميّه تفك ضيقته حيث كانت تخفي عن العيون كميّة من الطحين أو الرز على الرف للحاجة. هذه هي الثقافة التي كانت سائدة في أبناء أحمد الموسى حيث كانوا يرعون أيتامهم ويكرمون من قصدهم، وكانوا يتعاونون على إكرام الضيف وكانوا يغفرون زلات بعضهم كأنها لم تكن، وكانوا يداً واحدة في الملمّات، وقد خاوا حميد أميره بعهد الله وعلى كتاب الله وضعا أيديهما بأنهما أخوين بعهد الله، وقد حجّ حميد بزوجته رسميّه وأخته في الله أميره زوجة عوض عندما كانت الطريق للحجاز غير معبّده، وكانت السيارات بدائية وكانت رحلةً شاقه، وقد ضاعوا في الطريق وتعطلت سيارتهم عدّة مرات كما تصادف أن كانت رفقتهم رفقة سيئة، ولكن الله تعالى أعانهم فوصلوا إلى جبل عرفات في الوقت المناسب وكثيراً ما كانت رحلتهم حديث المجالس. في نجده كثرت أرض حميد وعوض وابن أخيهم على في نجده، وكان حميد ينتقل في موسم الحراثة حيث كان يسكن مع شريكه عيد المرشود في” خشّة عيد المرشود" حيث كانت ”رسميّه" زوجة حميد و"فلاحه" أخت عيد المرشود يعددن لهم الطعام، يعجنّ ويخبزنّ، وكانت الجريشة ومرقة العدس على القائمة الرئيسة للطعام وكنّ يحضرن الماء والحطب ويطعمن عمّالات البقر الكرسنة المجروشة والتبن. وكثيراً ما سمعن أصوات دقّ العدّة في مسكنهنّ لدرجة أنهنّ لا يجرؤن على الدخول لتحضير الطعام، ولكنهن عند قدوم الحرّاثين يستأنسن بهم ويحضّرن الطعام رغم تواجد الأصوات طوال الليل حتى أنهم ألفوا ذلك الصوت وقالوا أن هذا صوت فقير لا يضرّنا. وفي حادثة أخرى مثيرة للدهشة بنى عبد القادر بيت الشعر عند المغارة شمال نجده، وفي ليلة شديدة الأمطار سمع أبناء أحمد الموسى وهم يتعللون أصوات المجارف والفؤوس تصدر من بيت عبد القادر فضنّوا أن الماء أجبرهم على عمل قناة تبعد الماء عن بيت الشعر، وكانوا يلومونه إذ كان عليه أن يحسب حساب الماء ويعمل اللازم قبل نزول المطر، وفي الصباح ذهبوا ليطمئنوا على دار عبد القادر فلم يجدوا أثراً للحفر، أما عبد القادر فلم يسمع شيئاً ولم يتأثر بالمطر، فعزوا الأمر إلى الفقير أبو نجده. كما حدث أن سمع الناس صوت تكسّر كؤوس الزجاج في الليلة التي توفي فيها علي الحسين المحمد، ونسبوا ذلك” للفقراء” اللذين هم أرواح تسكن نجده. ولعلّ ذلك لجهل الناس وعدم قدرتهم على تعليل الظواهر الطبيعية كحركة الأبواب بفعل الرياح وحركة الأغصان والأواني التي ربما صدر منها صوت بفعل الرياح، فربما كانت دقات قلب المرء في الليل مسموعة ناهيك عن أصوات الطيور والحيوانات وحركاتها. هناك عدّة نظريات في اسم نجده، فقيل أنه اسم فتاة عدوانيّة ماتت ودفنت في نجده عند ”الهُبجه "وقيل أنها على اسم أبو نجده الفقير، وقيل أن الصحابة-رضوان الله عليهم - - كانوا في ضيق، فجاءتهم نَجده أرسل بها الخليفة الراشد عمر- رضي الله عنه-، وقد سكن نجده جماعة من السلط فلمّا عادوا بعد سنين طويلة سموهم ”النجداويّه" نسبةً إلى نجده. كما سكن نجده الفواخيريّه وهم نصارى كانوا يمتهنون مهنة الفخار، وكان آخر من سكنها من قبل الفريحات هم نصارى من عنجره تركوها بسبب حادثة قتل حسن الحسين السليم في عين" قدرا". +كانوا في ضيق، فجاءتهم نَجده أرسل بها الخليفة الراشد عمر- رضي الله عنه-، وقد سكن نجده جماعة من السلط فلمّا عادوا بعد سنين طويلة سموهم ”النجداويّه" نسبةً إلى نجده. كما سكن نجده الفواخيريّه وهم نصارى كانوا يمتهنون مهنة الفخار، وكان آخر من سكنها من قبل الفريحات هم نصارى من عنجره تركوها بسبب حادثة قتل حسن الحسين السليم في عين" قدرا". نبذة عن بعض أحفاد أحمد الموسى بلغ علي الفندي سنّ الزواج، فحاز أغنامه واستقلّ مالياً عن أعمامه وتزوّج حفيظه بنت الحاج مفضّي الذي كان وجيه ساكب، كما كان من القلّة اللذين حجوا على جمل في زمانه، فكان صاحب دين وخلق، وكان دار الحج مفضّي قريبين لدار أحمد الموسى، وكذلك تزوجت عاشه الفندي من محمد الحاج مفضّي الذي خلف أبوه في المكانة وكان صديقاً حميماً حتى في أحلك الظروف، وعاش علي في بيت أبيه فندي الذي كان هو البيت الأول الذي آوى عائلة أحمد الموسى عند قدومهم إلى الحسينيات. أما حسين المحمد فقد تعرّض لمصيبة وفاة زوجته الأولى” مريم" تاركتاً أيتاماً، ولكنّه تزوج” تمام" من ريمون، أما الأيتام فقد تقاسمهم أعمامهم عوض وحميد فكان الكبار عند عوض والصغار عند حميد، وكان محمد وأحمد قد شبّوا وكان لهم أغنام وبيت، أما عيشه وسليمان وعلي فكانوا تحت رعاية حميد، وكبرت عيشه عند دار عوض وتزوجت من ساكب أما علي” علوله” فتوفي وهو فتى يافع، وانتقل حسين مع زوجته الثانية إلى الجزازة واستقرّ فيها وأنجبت له البنات ثمّ البنين، أما حسن فقد تزوّج”رشده" من الدلابيح حيث تعرّف إليها عندما سكنوا نجده طلباً للمرعى ولم يرزق منها بأبناءٍ ذكور فسعت في تزويجه بزوجة أخرى تنجب لبناتها إخواناً وقد حققت هدفها. وكانت امرأةً صالحةً عفيفة لم تقبل عوناً من أحد حيث كانت مجاهدة بتربية بناتها حيث نذرت نفسها لذلك. - عيسى وهاجر وأبناء حميد +عيسى وهاجر وأبناء حميد كان عيسى عوناً لأبيه منذ نعومة أظفاره يعمل في الزراعة والرعي ثمّ في أعمال الحطب والتفحيم، كما فُتح له باب التجارة على الجمال حيث كان يقايض أحمال جماله من الفحم والحطب والخشب بالقمح من حوران، وكثيراً ما وصل إلى درعا محمّلاً جماله بالأخشاب الصالحة لسقف البيوت ويعود محمّلاً بالقمح الذي هو قوام الحياه، وبذلك تحسنت أحوال حميد الماديّة، وأراد أن يزوّج ابنه عيسى من ابنة أخيه" صوره" التي تسمّت على اسمه منذ صغرها، ولكنّ عيسى لم يلبّ رغبة أبيه ورغب بالزواج من شريفة بنت حسن الأسعد، وقبل حميد بتلبية رغبته حيث كان حسن الأسعد من أهل التقوى والصلاح، كما كان من أهل الجدّ والعمل حيث أنشأ كروماً واسعة في ”مقعد مراد" وكان كريماً مطعماً للطعام، كما كانت أمها ”هيفا الخزاعي” شيخة يحسب لها حساب ولها شخصيّة مميزة عن نساء عصرها حيث كانت تجيد الفروسيّة وحمل البارود ولا تخطئ رمي الرّصاص، وكانت تمزح مع اخوتها راشد وعبد المحسن حيث تطلق الرّصاص بين أقدامهم واثقةً من رمايتها. - مات حسن الأسعد في الحسينيات فخطبها حميد لابنه من أخيها حسين الحسن الذي اشترط مهراً غالياً لها هو” خمسمائة دينار" فاختار ستين رأساً من الماعز بستين ديناراً وكانت أحوال حميد وعيسى الماديّة جيّدة بسبب التجارة المذكورة آنفاً فلم يتوانوا عن دفع المهر وإتمام الزواج. +مات حسن الأسعد في الحسينيات فخطبها حميد لابنه من أخيها حسين الحسن الذي اشترط مهراً غالياً لها هو” خمسمائة دينار" فاختار ستين رأساً من الماعز بستين ديناراً وكانت أحوال حميد وعيسى الماديّة جيّدة بسبب التجارة المذكورة آنفاً فلم يتوانوا عن دفع المهر وإتمام الزواج. لم تتغير علاقة عوض بحميد بسبب صورة حيث كانت صغيره، وعقد حميد العزم على تزويجها ابنه عيد، كذلك خُطِبت هاجر لعلي الحسين السليم وكان فارق السن بينهما كبير، فباع علي أرض المشماس لمحمد الرشيد من ساكب بخمسين ديناراً ليسدد مهر هاجر، ولكن حميد تدخل واسترجع المشماس وزاد علي خمسة دنانير على ثمنه حيث كانت الأرض رخيصة في تلك الأزمان، وبالمقارنة مع مهر شريفة كان مهر هاجر أقل من قليل. - تمّ زواج عيسى بشريفة وهاجر بِعلي في الحسينيات، وكان عوض وحميد يتطلّعون إلى الانتقال للسكن في نجده حيث أملاكهم التي اشتروها من البرامة والنصارى، وحيث توجد مغارات كبيرة تصلح مشتىً لأغنامهم، وكان مما غنّته صوره تلك الفترة: +تمّ زواج عيسى بشريفة وهاجر بِعلي في الحسينيات، وكان عوض وحميد يتطلّعون إلى الانتقال للسكن في نجده حيث أملاكهم التي اشتروها من البرامة والنصارى، وحيث توجد مغارات كبيرة تصلح مشتىً لأغنامهم، وكان مما غنّته صوره تلك الفترة: هد وارحل يا عوض على نجده العذيّه او ديرتك يا عبدون غبرا ما فيها ميّه كانت صوره العوض آية في الجمال، وكان إذا خطبها أحد قال له عوض: "اخطبها من أخي حميد"، ولم تمضِ مدّة طويلة حتى قام عوض ببناء أول بيت في نجده، ثم بنى حميد بيتاً قريباً منه فرحل عوض أولاً ثمّ تلاه حميد، وكان في ذلك تحدٍّ للطامعين في خربة نجده من العياصره حيث كانت الأرض تملك بمجرّد وضع اليد. الرحيــل إلى نجده @@ -572,35 +573,35 @@ بنى حميد بيتا مكوناً من غرفتين واسعتين، كما بنى حول هذا البيت مرافق” صيرة أغنام، وحوش للأبقار، وخشاش لتخزين التبن والحطب وأعد كل متطلبات الفلاح"، وكان عليه أن يفكّر في الماء حيث أن جلب الماء من عين” جحدب" أو عين ”المغارة" يتطلّب تعباً وعناء، وكان البديل عن ذلك هو آبار الجمع، وكانت خربة نجده أثرية مليئة بالآبار التي تحتاج إلى صيانة بسيطة مثل سمل الأتربة وتجهيز ساحة لجمع المطر وحفر بعض القنوات وصنع باب للبئر، وكان بجانب دار حميد نبقة عند أصلها بئر، فشيّده حميد ووضع له باب ولذلك سمي بئر النّبقة، وجاء رجل من ساكب مشهور بالشؤم وكثرة الفتن فادّعى أن هذا البئر له وأنه سبق له أن سمله، فكان حميد حاضراً فاتفق مع ذلك الرجل المدعو رزق الله على أن يأخذ من حميد” بطيحة" قمح مقابل ما قام به من سمل في الماضي، وهكذا تمّ الاتفاق مع رزق الله مع أن رزق الله لم يكن محقاً ولكن حميد قبل بذلك كفاً للشرّ، فوفقاً للقانون السائد تملّك البئر لمجرّد وضع اليد عليه وتشييده والبناء بقربه، وهكذا غادر رزق الله وكان راضياً عن اتفاقه مع حميد. قصة عيسى الحميد الفريحات - كان لتملّك عوض وحميد أراضي من أهل برما ونصارى عنجره بعض الحسّاد والطامعين، حيث كان ذلك يعبّر من جهةٍ عن مكانةٍ ووجاهةٍ حازوا عليها بكدّهم، ومن جهةٍ أخرى كان هناك منافسين يرغبون بتملّك أجزاء من هذه الأراضي، وكان عيسى أكبر الشّبان ولذلك وقع على عاتقه الدّفاع عن ممتلكات العائلة وكرامتها ومن المعلوم أن الرعاة كانوا يتنافسون على عين جحدب وتنشب بينهم المشاجرات، وكان هناك لصوص لا يؤتمن جانبهم مما جعله في حالة استنفار دائم، وكان أمرهم يدور بين الفعل وردّ الفعل، فمن صادقهم صادقوه وحافظوا على ماله ومن أساء إليهم بادلوه الإساءة بأكثر منها حتى لا يعود لمثلها. +كان لتملّك عوض وحميد أراضي من أهل برما ونصارى عنجره بعض الحسّاد والطامعين، حيث كان ذلك يعبّر من جهةٍ عن مكانةٍ ووجاهةٍ حازوا عليها بكدّهم، ومن جهةٍ أخرى كان هناك منافسين يرغبون بتملّك أجزاء من هذه الأراضي، وكان عيسى أكبر الشّبان ولذلك وقع على عاتقه الدّفاع عن ممتلكات العائلة وكرامتها ومن المعلوم أن الرعاة كانوا يتنافسون على عين جحدب وتنشب بينهم المشاجرات، وكان هناك لصوص لا يؤتمن جانبهم مما جعله في حالة استنفار دائم، وكان أمرهم يدور بين الفعل وردّ الفعل، فمن صادقهم صادقوه وحافظوا على ماله ومن أساء إليهم بادلوه الإساءة بأكثر منها حتى لا يعود لمثلها. كان عيسى يغيب في تجارته على الجمال إلى حوران ودرعا ويعود محمّلاً بالقمح الذي كان سببا في شراء حميد مزيداً للأرض. وكان أبناء أحمد الموسى ”لا تضيع لهم طلابه" ولا يفرّطون في حقّهم، واشتهر عيسى بذلك حتى صار معروفاً بمنزلته الخاصّة حيث رفع رأس أعمامه فصاروا على قلّتهم كأنهم كثره، حتى أن عيسى كان يأخذ البقر ليرد ماء جحدب بعد الغروب وذلك في تحدٍّ واضح للعياصره اللذين كانوا ساكنين بجوار عين الماء، ومع ذلك كان له أصدقاء من ساكب هم دار الحاج عبد الرحمن النهار وابنه محمود ودار مفضّي. التحريض كان لاستقرار عوض وحميد في نجده وتملّكهم الأراضي وعزمهم على مواصلة تملّك الأراضي من أهالي برما وأهالي عنجره وعلوّ شأنهم وتميّزهم وخاصة بوجود عيسى الذي كان دائماً على أهبة الاستعداد ليرد لمن كاد كيده إلى نحره، كان لذلك حسّاد طامعين في الأرض وكان هناك حسّاداً رأوا في علوّ شأن أقاربهم انتقاصاً من شأنهم، وقد تصادف أن التقى بعضهم في ريمون متوجهين إلى جرش فأنكروا على” رزق الله" الصفقة التي عقدها مع حميد حيث اتفق على أن يدفع حميد لرزق الله بطيحة قمح مقابل سمل البئر، وقالوا أبناء أحمد الموسى مثل الضباع” إن هاولت لهم فلّوا وإن تركتهم أكلوك" وما زال أولئك النّفر يحرّضون بعضهم على أبناء أحمد الموسى وعلى حميد بشكلٍ خاص حتى تركوا مشوار جرش وعادوا إلى نجده فحضر عيسى وهم يكسرون القفل ويريدون وضع قفل آخر أحضروه معهم، فقال لهم:" مالكم والبئر لا تفتحوه فقد شيّدناه وإذا تعرّض للهواء تشقق الشيد. - كانت تلك المجموعة من العياصره قد عزموا على الأمر واستعدّوا له فأجاب رزق الله:" بدنا نكسره ونمعط لحية أبوك"، كان عيسى سريعاً في استعمال ما وقع تحت يده وهو كريك كان بجوار البئر فضرب رزق برأسه ففلغ رأسه وثار دمه يغطّي ملابسه ووجهه وعلا الصياح:" وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله، وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله، وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله". +كانت تلك المجموعة من العياصره قد عزموا على الأمر واستعدّوا له فأجاب رزق الله:" بدنا نكسره ونمعط لحية أبوك"، كان عيسى سريعاً في استعمال ما وقع تحت يده وهو كريك كان بجوار البئر فضرب رزق برأسه ففلغ رأسه وثار دمه يغطّي ملابسه ووجهه وعلا الصياح:" وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله، وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله، وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله". كان موسم الحراثة وكان الحرّاثون على الغالب من العياصره، وقد سمعوا الصياح فأخذتهم الحميّة والعصبيّه، فجاؤوا مسرعين من المشماس وتلعة جحدب وأم عبهره ملبّين نداء الشيطان الذي جرّهم لذلك المكان المشئوم. كانوا يحملون الطبار والعصي وقد غرّتهم كثرتهم فأرادوا كسر شوكة الفريحات عامّةً وعيسى وعمّه وأبيه بشكلٍ خاص، وهكذا وصلوا البئر وكان رزق الله يحرِّضهم ويقول:" ما واحد لازم يتجوّز بنت العيصراني بقرش، هذا الولد ما بطوق عليكوا بالعلك، اذبحوه ..اذبحوه". وهكذا تواردوا من مارس الرمان، من خنيزير، من ام عبهره، من المشماس، من تلعة جحدب، من المرح، من تلعة يوسف” الواحد بإثر الثاني حتى تجمعوا بنجده وما أنشاهد عيسى ذالك حتى ركض إلى بيته فأحضر”فرده و بارودته" وظنوا انه فرَّ فضربوا الباب بالحجارة وقالوا: "سنذبحك بحضن مرتك" ولكنّه خرج اليهم مشهراً سلاحه محذّرهم فتراجعوا خوفاً، وببطءٍ شديد كان يتقدّم اليهم ويتراجعوا و رزق الله يحرّضهم حتى وصلوا إلى باب" خشة عيد المرشود”، فكأن القومَ ظنوا انه لن يجرؤ على إطلاق النار، فأحاطوا به فحذّرهم الموت ولكن أحدهم تجرأ على التقدّم، فقال له عيسى: "يا خالي خلّيها بغيركَ تراها لزمت”. "تراها لزمت" - وكما قيل في المثل ”اطلق على القوم ابن بنتها"، ولكن عبد الحميد الرجا قال:" ما تشوف أقشر من اليوم" وتقدّم بإتجاه عيسى، فاطلق عيسى عليه النار فأصاب فخذهُ حيث لم يقصد قتله، ثم سحب جرار بندقيته عياراً نارياً قصَّ عقال احدهم عن رأسه، ثمّ سحب الجرار فعلق الظرف الفارغ بالبندقيةِ ولولا ذلك لقتل منهم آخرين، وحمل مسدسه فخافوا وكفّوا فصاحوا وقالوا” الزلمة إحرج.. الزلمة إحرج" كنايةً أنه لم يعد يبالي بقتلهم، وخرج إلى ظهر الخشّة فأخرج الظرف الفارغ من البندقيّة وأطلق عليهم فخافوا وابتعدوا عن المكان، وتقدّم أناسٌ من ”أميره" زوجة عوض يطلبون مفرشاً يحملون جرحاهم عليه وبعد رجاء من أميره سمح لهم عيسى بأخذ مفرش ولم يكن في ذلك اليوم في نجده إلا عيسى وأميره زوجة عوض حيث كان الناس غائبين ولم يشهدوا ذلك الحادث وكذلك عاد المعتدون يحملون عبد الحميد ورزق الله جرحى ولم تكن الطبابة متوفرة تلك الأيام وفي الطريق كان ابن عبد الحميد يقول:" يابا .. يابا.." فقال له عبد الحميد:" أبوك اليوم رزق الله ولست أنا - كنايةً عن ندمه لمؤازرة رزق الله كما قال في طريقة للمستشفى – لن نجيت غير أصلح عيسى العبد الحميد وألبسه عبائه، هجمنا على الزلمه بداره شو بدو يساوي غير يذبحنا". وهكذا مات عبد الحميد بعد يومين نادماً على فعلته وعلى مناصرة رزق الله. أما رزق الله فقد شفي ولكنّه صار مكروهاً من جميع العياصره والفريحات سواء، ولم يطالب بشيءٍ بعدها، وهكذا استقرّ أمر الفريحات بنجده وتخلّى عنها العياصره. +وكما قيل في المثل ”اطلق على القوم ابن بنتها"، ولكن عبد الحميد الرجا قال:" ما تشوف أقشر من اليوم" وتقدّم بإتجاه عيسى، فاطلق عيسى عليه النار فأصاب فخذهُ حيث لم يقصد قتله، ثم سحب جرار بندقيته عياراً نارياً قصَّ عقال احدهم عن رأسه، ثمّ سحب الجرار فعلق الظرف الفارغ بالبندقيةِ ولولا ذلك لقتل منهم آخرين، وحمل مسدسه فخافوا وكفّوا فصاحوا وقالوا” الزلمة إحرج.. الزلمة إحرج" كنايةً أنه لم يعد يبالي بقتلهم، وخرج إلى ظهر الخشّة فأخرج الظرف الفارغ من البندقيّة وأطلق عليهم فخافوا وابتعدوا عن المكان، وتقدّم أناسٌ من ”أميره" زوجة عوض يطلبون مفرشاً يحملون جرحاهم عليه وبعد رجاء من أميره سمح لهم عيسى بأخذ مفرش ولم يكن في ذلك اليوم في نجده إلا عيسى وأميره زوجة عوض حيث كان الناس غائبين ولم يشهدوا ذلك الحادث وكذلك عاد المعتدون يحملون عبد الحميد ورزق الله جرحى ولم تكن الطبابة متوفرة تلك الأيام وفي الطريق كان ابن عبد الحميد يقول:" يابا .. يابا.." فقال له عبد الحميد:" أبوك اليوم رزق الله ولست أنا - كنايةً عن ندمه لمؤازرة رزق الله كما قال في طريقة للمستشفى – لن نجيت غير أصلح عيسى العبد الحميد وألبسه عبائه، هجمنا على الزلمه بداره شو بدو يساوي غير يذبحنا". وهكذا مات عبد الحميد بعد يومين نادماً على فعلته وعلى مناصرة رزق الله. أما رزق الله فقد شفي ولكنّه صار مكروهاً من جميع العياصره والفريحات سواء، ولم يطالب بشيءٍ بعدها، وهكذا استقرّ أمر الفريحات بنجده وتخلّى عنها العياصره. عاد حميد وعوض فأثنوا على عيسى البطل الذي حفظ كرامتهم، ولم يلوموه بل قالوا:" لو ذبحتهم كلّهم ما لمناك" وقد عقدوا العزم على الوقوف أمام تلك المحنه وقد بذلوا الغالي والنفيس. تحضّر الفريحات خوفاً من ردّة فعل العياصره وحملوا السلاح ولكنّهم كانوا يتابعون أخبار الجريح” عبد الحميد” في المستشفى ويدعون الله أن لا يموت كي لا يبتلوا به، ولكن أخبار وفاته متأثراً بجرحه كانت مخيّبةً للآمال حيث كان الطّب بدائياً فلم يستطع الأطباء وقف النّزيف. وكان الأمر من وجهة نظر الفريحات هو دفاع مشروع عن النّفس ضدّ مجموعة من الرعاع قادهم الشيطان رزق الله، ولكن لم يكن بدٌّ من اتباع الأعراف العشائريّة. - أهازيج نبطيّة في ذلك: +أهازيج نبطيّة في ذلك: يا عيسى ما همّنـــــــــا الفزعـــــــــة والبزر رشـــــــــق المزاريـــــب يا عيسى يا حامــــــــي التـــلعـــــــــة حاميهــــــا من الشّمس للمغيــــب ها يا بيّ محمود وعيسى لا تفـرّط فيــه عيسى جبّة حرير دقّ الزّغل ما فيه يا ريت كل من قعد بالمقـعد يحكي فيــه شيخ ربعة كل الناس تحكــــــي فيه يا شب عيسى يا كمشة قرنفل يا عود النّد يا جسر الحديد لا يبلــى ولا ينـــهد -راوي آخر يؤيّد الرواية الأولى - بنى حميد بيتاً في نجده مكوناً من غرفتين واسعتين كما بنى صيرةً للأغنام وحوش للأبقار وخشاش لتخزين التّبن وأعد كل متطلّبات الفلاح، وكان عليه أن يفكّر بالماء حيث أرهقه جلب الماء من عين جحدب وكان البديل هو آبار الجمع. +#تحويل [[اسم الصفحة الهدف]] +بنى حميد بيتاً في نجده مكوناً من غرفتين واسعتين كما بنى صيرةً للأغنام وحوش للأبقار وخشاش لتخزين التّبن وأعد كل متطلّبات الفلاح، وكان عليه أن يفكّر بالماء حيث أرهقه جلب الماء من عين جحدب وكان البديل هو آبار الجمع. كانت آبار نجده الأثرية بحاجة إلى صيانةٍ بسيطة مثل سمل الأتربة وتجهيز ساحة لجمع ماء المطر وحفر القنوات، وكان تحت مزراب دار حميد بئر بجانب نبقة كبيرة شيّده حميد وجهّزه ببابٍ مقفل، وكان هناك رجلٌ مشؤوم من العياصره ادعى أن هذا البئر له لأنه سمله من قبل فاتّفق مع حميد أن يعطيه بطيحة قمح مقابل سمله علماً أنه كان هناك آبار كثيرة في نجده غير مملوكة لأحد. وحصل أن كان له أقارب حرّضوه على المطالبة بالبئر وإلغاء الصفقة مع حميد خوفاً من أن يتملّك عوض وحميد خربة نجده كامله. وبينما كان عوض وحميد بعيدان عن نجده منهكمين في الحراثة ولا يوجد إلا ”أميره" زوجة عوض عاد عيسى لنجدة فتفاجأ بالرجال يكسرون قفل البئر وقد أحظروا قفلاً جديداً ليضموه مكانه كعلامة لوضع اليد وتملك البئر. - كان عيسى جريئاً فصاح بهم ونهاهم ولكنهم هددوا وتوعدوا فقال رزق الله ”غير نكسره ونمعط لحية أبوك ”وفوراً تناول عيسى ”كريك" كان قريباً منه فضرب عيسى ”رزق الله” برأسه ففلغ رأسه وثار دمه على ملابسه ووجهه ففر من مع ”رزق الله" وأمطرهم عيسى بوابل من الحجارة وصاروا يصيحون ”وين راحوا النشامى ”عيسى ذبح رزق الله فجاءت فزعة كبيرة من الحراثين من المشماس وتلعة جحدب وام عبهره ومارس الرمان وتلعة يوسف جاءوا حاملين أطبارهم وعصيهم الواحد في إثر الآخر وذلك لأنه كانت تنشب شجارات بين الفريحات والعياصره وكانوا يتحرّقون غيظاً على عيسى لأنه كان أشد الناس إغاظة لهم وتحدي في سالف الأيام ولذلك جاءوا مدفوعين بحقدٍ دفين فتبادل عيسى معهم رمي الحجارة وكانوا كثره”فقال رزق الله" ما حدا يتجوز بنت العيصراني بقرشين إذا ما ذبحتوه تراه ما بطوق عليكوا بالعلكة ” وكان يصيح ويحرض، ولما كثروا وأصبح عيسى غير قادر على ردهم بالحجارة ركض إلى بيته ليحضر السلاح فدخل ورد الباب خلفه فضربوا الباب بالحجارة وقالوا ”إكسروا الباب واذبحوه لو قدام مرته" ولكن عيسى خرج مسرعاً فشاهدا بندقيته ومسدسه فتراجعوا وكان إصبعاه على الزنادين وقال من خطى خطوه قتلته فخافوا وتراجعوا حتى وصلوا إلى امام ”خشة عيد المرشود” ولكن عبد الحميد الرجا ”ابن عاشه الحمود الفريحات” تجرّأ ولم يكن له علاقة بالبئر غير أنه فزع حميه لأهل بلده، تقدم عبد الحميد الرجا فقال عيسى ”خالوه خليها تيجي بغيرك تراها لزمت” (وقديماً قال المثل أطلق على القوم ابن بنتها ) قال عبد الحميد ”والله ما تشوف أقشر من هذا اليوم” وتقدم فأطلق عليه عيسى النار من بندقيته فأصابه في فخذه ولو أراد أن يجعلها بين عينيه لفعل ولكن لم تكن لديه نية قتل بل كانت دفاعاً عن النفس و الكرامة، سحب جرار بندقيته فجهزها بطلقة اخرى ويده لا تزال على زند مسدسه الموجّه إليهم ففروا جميعاً، قفز عيسى على ظهر خشة" عيد المرشود ”واستحكم وقال ”بعد إلي صار ما انا سائل عنكم قد ما تكونوا” فأطلق رصاصة أخذت عقال أحدهم عن رأسه، رأوا أن الأمر جدّ ففروا مذعورين خائفين على أرواحهم. - وكان من بعض الحضور أصدقاء الفريحات الذين لم يكونوا راضين عمّا حصل فرجوا أميره وعيسى أن يسمح لهم بمفرش وسلّم يحملون الجريح عليه وبعد تردد سمحا لهم بذلك ومنذ ذلك الوقت تأصلت عداوة بقيت لسنين طويله. +كان عيسى جريئاً فصاح بهم ونهاهم ولكنهم هددوا وتوعدوا فقال رزق الله ”غير نكسره ونمعط لحية أبوك ”وفوراً تناول عيسى ”كريك" كان قريباً منه فضرب عيسى ”رزق الله” برأسه ففلغ رأسه وثار دمه على ملابسه ووجهه ففر من مع ”رزق الله" وأمطرهم عيسى بوابل من الحجارة وصاروا يصيحون ”وين راحوا النشامى ”عيسى ذبح رزق الله فجاءت فزعة كبيرة من الحراثين من المشماس وتلعة جحدب وام عبهره ومارس الرمان وتلعة يوسف جاءوا حاملين أطبارهم وعصيهم الواحد في إثر الآخر وذلك لأنه كانت تنشب شجارات بين الفريحات والعياصره وكانوا يتحرّقون غيظاً على عيسى لأنه كان أشد الناس إغاظة لهم وتحدي في سالف الأيام ولذلك جاءوا مدفوعين بحقدٍ دفين فتبادل عيسى معهم رمي الحجارة وكانوا كثره”فقال رزق الله" ما حدا يتجوز بنت العيصراني بقرشين إذا ما ذبحتوه تراه ما بطوق عليكوا بالعلكة ” وكان يصيح ويحرض، ولما كثروا وأصبح عيسى غير قادر على ردهم بالحجارة ركض إلى بيته ليحضر السلاح فدخل ورد الباب خلفه فضربوا الباب بالحجارة وقالوا ”إكسروا الباب واذبحوه لو قدام مرته" ولكن عيسى خرج مسرعاً فشاهدا بندقيته ومسدسه فتراجعوا وكان إصبعاه على الزنادين وقال من خطى خطوه قتلته فخافوا وتراجعوا حتى وصلوا إلى امام ”خشة عيد المرشود” ولكن عبد الحميد الرجا ”ابن عاشه الحمود الفريحات” تجرّأ ولم يكن له علاقة بالبئر غير أنه فزع حميه لأهل بلده، تقدم عبد الحميد الرجا فقال عيسى ”خالوه خليها تيجي بغيرك تراها لزمت” (وقديماً قال المثل أطلق على القوم ابن بنتها ) قال عبد الحميد ”والله ما تشوف أقشر من هذا اليوم” وتقدم فأطلق عليه عيسى النار من بندقيته فأصابه في فخذه ولو أراد أن يجعلها بين عينيه لفعل ولكن لم تكن لديه نية قتل بل كانت دفاعاً عن النفس و الكرامة، سحب جرار بندقيته فجهزها بطلقة اخرى ويده لا تزال على زند مسدسه الموجّه إليهم ففروا جميعاً، قفز عيسى على ظهر خشة" عيد المرشود ”واستحكم وقال ”بعد إلي صار ما انا سائل عنكم قد ما تكونوا” فأطلق رصاصة أخذت عقال أحدهم عن رأسه، رأوا أن الأمر جدّ ففروا مذعورين خائفين على أرواحهم. +وكان من بعض الحضور أصدقاء الفريحات الذين لم يكونوا راضين عمّا حصل فرجوا أميره وعيسى أن يسمح لهم بمفرش وسلّم يحملون الجريح عليه وبعد تردد سمحا لهم بذلك ومنذ ذلك الوقت تأصلت عداوة بقيت لسنين طويله. عادات العشائر كان لا بد للفريحات من احترام عادات العشائر كيف لا وهم أشد الناس معرفةً وتعلقاً بها وهم العشيرة التي تلجأ لها العشائر عند المطالبة ”بحق العرب"، ولذلك أسرع علي الحسين إلى برما مستجيراً كما أسرع حسين الحسن إلى عنجره دون علم منه عن ذهاب علي إلى برما. كان أول من وصل نجده أصدقاء الفريحات القدامى الذين أرادوا أن يردوا للفريحات بعض أياديهم فيما مرّ بهم من أحداث قتل وخطف وكسر عظم حيث كانت تلك المسائل تحل بواسطة الفريحات على فنجان قهوه. وكان أول من وصل من برما” الغدايره والسلامات (العظامات)" منهم علي الإبراهيم و عبد الله السلامه ومحمود السعد، ثم وصل أهل عنجره (الزغول) أصدقاء الفريحات على مرّ الزمن ومن عشائر عنجره كذلك كان من الحضور، محمد الأحمد العبد الرحيم، خليل الأحمد ومحمود الأحمد الناصر كانوا راغبين في أن يكونوا ”أصحاب الوجه" فقالوا للبرامه:"أتعلمون ما وراء إجارة الفريحات؟!وراء ذلك أن تحموهم وتحرسوا أغنامهم وأبقارهم وتحصدوا محاصيلهم وتحموا بيوتهم ودواجنهم سواءً ما وجد في نجده أو أي مكانٍ يذهبوا إليه". وقف أحد وجوه برما وقالو:" نحن لا نقدر على هذا الحمل فاحملوه أنتم”، وقف أحدهم وقال:" يا فلان حك....بالحيط إذا لم تكن قد جيرة الفريحات"، فنهض وحك... بالحيط كنايةً عن التنصّل من الجيرة حيث كان ذلك عاراً بعرف العشائر. الجلوه - فزع أهل عنجره عامةً لأن الجيرة كانت لعشائر عنجره، فزعوا بخيولهم وجمالهم وحميرهم ينقلون كل ما يتعلق بأبناء احمد الموسى، عوائِلهم و أغراضهم صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأُنثاهم إلى ”الساخنه" وذلك أن من لوازم الجلوة أن يقطعوا وادياً، وفي الساخنه كانوا على الرحب والسعة ومحلّ عناية اهل الساخنه اللذين بذلوا كل ما يمكن بذلة للمحافظة على أموال أبناء أحمد الموسى وكانوا عندهم محل ترحيب وتكريم. ومنهم أصحاب الذّكر الطّيب: خليل الأحمد، ومحمد السعيد، ومحمد أحمد عبد الرحيم، كانوا أهل همةٍ ونخوةٍ وعون ”نشامى" بكل معنى الكلمة، حتى أن نسائهم ساعدن نساء الفريحات بالأعمال المنزليةِ والحليب والخضيض، وكانت لهم أيادي بيضاء على الفريحات لا تنسى حيث كان هناك مغارة كبيره" عراق” مشتى لأغنامهم و لأبقارهم وذلك عند” قبر النوريه ” قرب عين الحايك، كان الرجال قد أودعوا السجن ”عوض وحميد وعلي و حسن وحسين"، وكان حسين الحسن وعلي الحسين قد رافقوهم إلى الساخنة وجلوا معهم رغم أنهم لم يكونوا ملزمين بذلك، ولكن كان يجمعهم القرابه والنسب والصداقة والمحبه. +فزع أهل عنجره عامةً لأن الجيرة كانت لعشائر عنجره، فزعوا بخيولهم وجمالهم وحميرهم ينقلون كل ما يتعلق بأبناء احمد الموسى، عوائِلهم و أغراضهم صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأُنثاهم إلى ”الساخنه" وذلك أن من لوازم الجلوة أن يقطعوا وادياً، وفي الساخنه كانوا على الرحب والسعة ومحلّ عناية اهل الساخنه اللذين بذلوا كل ما يمكن بذلة للمحافظة على أموال أبناء أحمد الموسى وكانوا عندهم محل ترحيب وتكريم. ومنهم أصحاب الذّكر الطّيب: خليل الأحمد، ومحمد السعيد، ومحمد أحمد عبد الرحيم، كانوا أهل همةٍ ونخوةٍ وعون ”نشامى" بكل معنى الكلمة، حتى أن نسائهم ساعدن نساء الفريحات بالأعمال المنزليةِ والحليب والخضيض، وكانت لهم أيادي بيضاء على الفريحات لا تنسى حيث كان هناك مغارة كبيره" عراق” مشتى لأغنامهم و لأبقارهم وذلك عند” قبر النوريه ” قرب عين الحايك، كان الرجال قد أودعوا السجن ”عوض وحميد وعلي و حسن وحسين"، وكان حسين الحسن وعلي الحسين قد رافقوهم إلى الساخنة وجلوا معهم رغم أنهم لم يكونوا ملزمين بذلك، ولكن كان يجمعهم القرابه والنسب والصداقة والمحبه. رغم ما قّدمه أهل عنجره كان الألم ملازماً لنساء بيت أحمد الموسى، وكان الأولاد قد سدّوا مسدّ أبيهم في الحفاظ على الأغنام والأبقار، ومنهم من كان يعدّ من الرجال مثل ”عيد ومحمود العوض وأحمد الحميد"، وكانت عيونهم مفتوحةً على ما يدور حولهم ولم يجرؤ أحدٌ على التّعرض لهم. ويؤثر عن" صوره العوض" أنها كانت تغني وتندب حالهم ومما يؤثر عنها: يا ويلي يا عزوتي بعراق بأوسط صفر واللهاليب وبني عمّي في سجن عمـان صكّت عليهـم الكلاليب @@ -608,20 +609,20 @@ الخذلان كان بنو شريده وبنو خزاعي أقرب الناس إلى بني موسى فبالإضافة لقرابة الدّم كانت قرابة المصاهرة والجيرة. وكانت أغنام عوض وحميد تساق للذبح عند كل مكرمه يكرمها راشد الخزاعي الذي كان يرفع رأسه بهم، وبهم يضرب عدوّه وينال منه، وكان بنو موسى جميعاً على محبّة ووفاق مع راشد ولا أدلّ على ذلك من أنهم لم يقبلوا أن يخرجوا من السجن مقابل استنكار أعمال راشد ولو باللسان وكذلك كانت الألفة بين بني موسى وبني ضرغام على وجه العموم (دار عباس ودار ملاوي) ولعلنا نلتمس العذر لبني مصلح حيث كان القتيل عبد الحميد إبن عاشه الحمود أُخت نوري ومن المؤَكد أن ذلك أثّر على موقف نوري ولعله كان معذوراً. - كان أبناء أحمد الموسى مسجونين لا حول لهم وكان عشمهم بعشيرتهم كبير وذلك قبل أن يصلهم نبأُ الإجتماع في نحله ببيت عقله الخليل الزعبي الذي ضمّ عن الزعبيةِ بالإضافةِ لعقله الخليل محمد العلي الأطرم، وعن أهل ساكب يوسف الشبلي، وعن بني مصلح نوري الحمود، وعن دار خزاعي فوزي الراشد، أحمد الفارس عن دار عباس، وعلي العبدون وسعد الحسين عن دار شريده. +كان أبناء أحمد الموسى مسجونين لا حول لهم وكان عشمهم بعشيرتهم كبير وذلك قبل أن يصلهم نبأُ الإجتماع في نحله ببيت عقله الخليل الزعبي الذي ضمّ عن الزعبيةِ بالإضافةِ لعقله الخليل محمد العلي الأطرم، وعن أهل ساكب يوسف الشبلي، وعن بني مصلح نوري الحمود، وعن دار خزاعي فوزي الراشد، أحمد الفارس عن دار عباس، وعلي العبدون وسعد الحسين عن دار شريده. تجمع الرجال وعدوا أجدادهم فخرجوا عن العصبةُ الملتزمة مع أبناء أحمد الموسى، وكان هذا الاجتماع بما دار فيه محرجاً لأُولئك اللذين تنصلوا من أقاربهم حيث سألهم يوسف الشبلي يا..... إذا لقيتنا نضرب إبن اختك... فيقول وهو يستغيث بك يا خالي فما تفعل؟ فقال: أعمل كأني لا سمعت ولا رأيت ثم أعاد السؤال على فوزي الراشد وآخرين بنفس المضمون ولكن كان يختار أقرب الناس من أبناء موسى إلى المخاطَب وكان الجواب مشابه ”كأني لا سمعت ولا رأيت” وهكذا خرجوا مسرورين وبظنهم أنهم قد سلموا وأن لا شأن لهم بما يجري ولكن علي العبدون وسعد الحسين تعرضوا للضرب والإهانة عند عودتهم عند عين”ام جوزه" مما سر ذلك بني موسى. كما أن مصاهرة نوري للعياصره لم تمنعهم من التعرض لبيته وأمواله بالنهب والسرقة وأن تعدوا الجد الخامس. ولذلك نرى مواقف متعاونه حيث كان علي الحسين وحسين الحسن متضامنين مع أقاربهم بني موسى وكان عبد القادر ملتزماً مع أقاربه على عكس غيره. وقد وصلت لعبد القادر رسالة من يوسف شلبي تطالبهم أن يَجلَوا من الجزازة وكان عبد القادر قد رد بذكاء على تلك الرسالة حيث كتب فيها يعقوب وعلي وعبد الرحمن وخالد يجلون كما تريد ولكن إن جلوا فإلى إين تجلو أنتم ؟؟؟ فهم يوسف الشلبي مضمون الرسالة حيث لم يعيها الحاضرون. وقالوا ما هذا الجواب؟ يجب أن يجلوا فقال لهم هذا كلام ”العقال" فإن هؤلاء لا مال لهم وأن جلوا فستكون معيشتهم من سَلبِنا ونَهبِ أَموالنا أتركوهم في أرضهم فيكفونا شرهم. ما بين السجن والساخنة بعد ما جرى مع عيسى بنجده اقتنع بضرورة تسليم نفسه للدولة، وكان يتوقّع أن يكون ذلك سبباً في تخفيف الحكم عليه خاصّةً وأنه كان مدافعاً عن نفسه وبيته وأهله وماله. ذهب عيسى إلى عليمون حيث وضع بندقيّته أمانةً عند عبد القادر الأسعد من برما، ثمّ ذهب إلى دار عبد القادر المصطفى في الجزازة حيث تناول بعض الطعام وودّع النساء الباكيات وشجّعهن قائلاً ”السجن للرجال ولن يغلق السجن على من فيه" ثمّ توجّه إلى المجدل حيث ركب الباص إلى عمان” الطريق القديمة "كان عوض وحميد في السجن أيضاً أما أبناء حميد فقد أفرج عنهم لصغر سنهم والتحقوا بأهلهم في الساخنه عند ”قبر النوريه" مر الشتاء على أبناء أحمد الموسى في الساخنه ولكنه ترك ألماً و حزناً مضافاً إلى ألمهم حيث أخذ السيل يتيماً ”يتيم الأم" كان يسير خلف أُخته متأخراً عنها فحسبته رجع ولكن السيل أودى بحياته غرقاً حيث وجدوهُ بعد بحثٍ طويل كان ذلك الغلام هو مصطفى إبن حسين المحمد ثم دارت عجلة الحياه وجاءَ ربيع منقطع النظير حيث فاق السنين السابقة وكانت سنة ”غلال” بركة وفاتني أن أذكر هنا أن عيسى أخذ معه مسدسه وسلمه للأمن على أنه السلاح المستعمل في دفاعه عن نفسه وكان الأمر لا يعدوا على أنه أقل قيمةً ومكانه في نفسه من البندقية حيث وضعها عند رجل أمين بحق هو ”عبد القادر الأسعد" من "برما" وبعد خمسة أشهر تم الإفراج عن المسجونين عوض وحميد وعلي الفندي فالتحقوا بالساخنه وصار شغل حميد الشاغل هو إبنه عيسى فصار يبذل كل ما في وسعه ليخفف عنه الحكم وكان قد إختار محامياً مشهوراً له هو ”علي مسمار” وكان يزوره مع زوجته رسميه العبدون كما كانوا يصطحبون "شريفه الحسن" زوجة عيسى لزيارة زوجها وكان السجناء مع عيسى ينتظرون زيارة أهل عيسى حيث كان يكرمهم بأطيب الطعام كما أن الجنود كان يصيبهم خير كثير من زيارة ”أم عيسى" مما خفف عنه وجعلهم يحسنون معاملته. - أما العناجره ”أهل الوجه" فقد كفّوا ووفوا حيث كانوا في حراسة بيوت الفريحات في نجده وبحراسة زرعهم فلم يستطع أحد التعرّض لأموالهم، أما العياصره فقد اختاروا محامياً لهم هو” فايز سبع العيش" الذي كان محامياً مشهوراً ذلك الوقت حيث لم يكن هناك إلا قلّه من المتعلمين يعدّون على الأصابع. +أما العناجره ”أهل الوجه" فقد كفّوا ووفوا حيث كانوا في حراسة بيوت الفريحات في نجده وبحراسة زرعهم فلم يستطع أحد التعرّض لأموالهم، أما العياصره فقد اختاروا محامياً لهم هو” فايز سبع العيش" الذي كان محامياً مشهوراً ذلك الوقت حيث لم يكن هناك إلا قلّه من المتعلمين يعدّون على الأصابع. الحكم والرشوة - ليس لأمرٍ يسير لعن الله الراشي والمرتشي والرائش فهم يستحقون اللعن، كيف لا وفيه تضييع حقوق العباد وأكل أموالهم وسفك دمائهم بغير حق، وما كان ليصدر حكم ضدّ عيسى الذي كان يدافع عن نفسه وأهله وماله لولا الرّشوة التي تلقاها المحامي فبدل أن يكون مدافعاً عن موكله كما يقتضي عرف المحاماة صار متعاوناً مع خصومه لإيقاع أقصى عقوبة به، وقد أعماه المال الذي دفُعَ من قبل العياصره واشتروا به ذمّته وربما اشتروا ذمماً أخرى رخيصة، باعوا الآخرة بالدنيا. +ليس لأمرٍ يسير لعن الله الراشي والمرتشي والرائش فهم يستحقون اللعن، كيف لا وفيه تضييع حقوق العباد وأكل أموالهم وسفك دمائهم بغير حق، وما كان ليصدر حكم ضدّ عيسى الذي كان يدافع عن نفسه وأهله وماله لولا الرّشوة التي تلقاها المحامي فبدل أن يكون مدافعاً عن موكله كما يقتضي عرف المحاماة صار متعاوناً مع خصومه لإيقاع أقصى عقوبة به، وقد أعماه المال الذي دفُعَ من قبل العياصره واشتروا به ذمّته وربما اشتروا ذمماً أخرى رخيصة، باعوا الآخرة بالدنيا. رغم أن عيسى كان مدافعاً عن نفسه وأهله وماله وكان الوحيد الموجود في نجده ولم يكن مسلّحاً باديَ الأمر ولكنه سعى للسلاح وأحضره بعد أن حاصروه في بيته، ورغم أنه حذّرهم وطلب كفّ شرّهم ورغم أنه تودد إلى القتيل” عبد الحميد الرجا" بالذّات وقال له: "يا خال خلّيها تجي بغيرك تراها لزمت"، ورغم العدد الكبير المجتمع في مكان لا يخصّه بشيْ ضدّ شابٍ أمام منزله، ورغم أن الإصابة لم يقصد منها القتل حيث لم تكن في مقتل، رغم ذلك كلّه أصدرت المحكمة حكماً بالسّجن خمسة عشر عاماً على عيسى، وكان القضاة يأتون من أربد إلى جرش حيث يعقدون محاكمهم الخاصّة في جرش، ولم يكن هناك اعتراض على الحكم حيث كان الجهاز القضائي بدائياً لا محكمة تمييز فيه بالمعنى المعاصر، وقد سرّ العياصره ومحاميهم” فايز سبع العيش” بما حققوه بالرشوة. وبعد الحكم نقل عيسى إلى سجن المحطّة في عمان حيث لم يدع حميد باباً إلا طرقه للتخفيف عن ابنه، وبسبب ما كان يقدّمه حميد من هدايا كان عيسى مسجوناً بلباسه العادي وكانوا يزورونه ويجلس مع زوّاره في غرفة مدير السّجن بدون مضايقه وكان له وضعٌ خاص ليس كباقي السجناء وذلك بسبب مجهود حميد، ومع ذلك ذاق عيسى ألم السّجن ومرارة الظلم الذي وقع عليه. أما حميد وزوجته رسميّه فلم ييأسا من طرق أبواب الدولة وبذل الغالي والرخيص في سعيهم لإخراج ابنهم من السجن حيث قدّموا عرائض والتِماسات كثيرة وسعوا في الواسطات، وقال حميد:" لو حطّيت كل مالي وطلع عيسى مش خسران"، وكانوا يزورونه في الشّهر أكثر من مرّه وكانوا يحضرون معهم زوجته شريفه وأخته هاجر في بعض الأحيان، وقد زاره أقاربه مراراً وكان ممن زاره راشد الخزاعي حيث زاره أكثر من مرّه. وفي السجن تعلم عيسى الطباعة في مطبعة للجيش العربي وتحوّل إلى رجل متعلّم وفق مقاييس ذلك العصر، وقد كتب مذكراته ومنها يُعلم أنه تديّن بعد ذلك وواظب على الصلاة وابتعد عن الحرام. - الصلح +الصلح كما هي عادة العشائر وبعد عامٍ كامل من مغادرتهم نجده إلى الساخنه، سعى الفريحات إلى الصلح وفعلاً توافد الناس إلى المكان المحدد حيث كانوا ينصبون بيوت شعر لهذا الغرض، وبحضور وجهاء جبل عجلون جلس حميد في الوسط واضعاً عقاله في رقبته وقال:" أنا جمل... حمّلوني" وكان هذا مما يقتضيه العرف العشائري، ولكنّ” نايل" من عنجره وقف محتجّاً وقال:" هذا ابن فريح ما بجدي، تلحق الألف ودحرج" أي فليكن ما يكون، وفعلاً اعتدل حميد وعاد للجلوس في المجلس خلافاً للعادات السائدة وذلك لمكانة الفريحات، وكان لهذا أثرٌ كبير حيث تشددوا في مقدار الدّيه. تمّ الصلح على أن تكون الدّيه ثمانمائة دينار وهو مبلغ كبير جداً في ذلك الزمان حيث كانت أجرة العامل قرشين أو ثلاثة وكان ثمن رأس الماعز خمسة وثلاثون قرشاً، ولم يكن للصلح أثر على وضع عيسى في السجن من الناحية القانونيّة وذلك لأنها عقدت بعد صدور الحكم. وبعد ذلك عادوا من الساخنه إلى نجده وهابتهم الناس فلم يجرؤ بعدها أحدٌ على الادعاء أن له حقٌ في نجده وانقطعت منها أطماعهم. أما المدّى فقد شحّت أيدي الفريحات عن المشاركة مع حميد متذرّعين بمقولة:" اللي بالخمس ما بنلمس"، علماً بأن عاده الفريحات لا تنطبق على هذه القاعدة العشائريّة بل كانوا يتعاونون على المدّى، وقد ذهب حميد آنذاك إلى” محمود الحسن البركات” وجه الدار ألغربية وكان رأي محمود بذلك أن ”القرش عدّاد بين الفريحات”. ثم ذهب حميد إلى راشد الخزاعي ”حيث أثر عليه الهرم" فوجده مؤيّدا لمن يرى أن لا ديّة لمن تجاوز الجدّ الخامس ومما قاله لحميد:" أنت بدّك مدى من الميت فوزه (فوزي) ؟" وهكذا عاد حميد بعد أن تنصّل أقاربه من الدّيه واتّخذوا مما حصل مع (أحمد المنصور) ذريعة إذ لم يشاركوا في المدّى معه، مع أن ما حصل مع أحمد المنصور من عدم مشاركتهم كان من تقصيرهم ولم تكن عادة الفريحات المستقرّة من مئات السنين، وهكذا عاد حميد من جولته على أقاربه “بخفيّ حنين “ ولكنّه كان صامداً في الأزمات لا يظهر عليه ما يدل على الضيق. وكان الأولى بأولئك الذين كانت تقاد لهم الذبائح وتساق الدّواب المحمّلة بالسّمن والجميد إلى بيوتهم، وأولئك الذين كانوا يكرَمون ويدعون أضيافهم إلى نجده على الرحب والسعة أن يقفوا بجانب حميد وعوض اصحاب البيوت التي تستر الفريحات وترفع رؤوسهم، ومع كلّ ما حصل فإن عوض وحميد لم يتطرّقوا إلى ذكر ذلك بل بقوا على مودّة ومحبّة مع أقاربهم، وكانوا في طليعة من يشاركون في مكرمات الفريحات وولائمهم ومآتمهم (بقطّاتٍ) من غنمهم وكثيراً ما شوهدوا متوجّهين بها إلى كفرنجه. كان المدّى ثمانمائة دينار دفع منها حميد أربعمائة دينار حيث باع قطعتين من الأرض “ بتلعة جحدب” أحدهما اثنتا عشرة دونماً والأخرى إحدى عشرة دونماً، ومما فاد حميد في ذلك الشأن أن الثيران كانت غالية الثمن نسبياً فباع منها ما أكمل به المدّى كما دفع عوض مع أخيه مبلغاً كبيراً حيث لم يتبقّى من المدّى إلا القليل شارك به أبناء موسى جميعاً، حيث دفع أبناء أحمد الموسى كلّهم أما أبناء مصطفى الموسى فقد شاركوا بالدّفع ومن لم يدفع ما عليه فقد كان ذلك بسبب الفقر المدقع وأما من تنكّر لأقاربه فلم يؤاخذه أحد. @@ -632,20 +633,20 @@ الفريحات وحرب فلسطين كان هناك عدد من شباب الفريحات اعتادوا الذهاب إلى حيفا للعمل في الميناء، وقد حصل أن سقط أحد (البراميل) فانفتح بابه فإذا هو مملوءاً بالسلاح، وتنبّه أهل فلسطين لتسلّح اليهود سرّاً فنتج عن ذلك اضطرابات واحتجاجات قمعها الأنجليز بقوّه، وقد كان محضوراً على العرب اقتناء أي نوع من السلاح ولو كان ظرفٌ فارغ بينما كان اليهود يعملون في صمت ويُدخلون من ميناء حيفا أحدث ما توصّل له الأنسان من اسلحه، ولم تكن أهداف الصهيونيّة واضحة للعرب آنذاك إلا لقلّة منهم تجمعوا في (أحراش يعبد) ودافعوا عن بلاد المسلمين من منطلق جهادي وكان قائدهم الشيخ (عزّالدين القسّام) أحد علماء الدين من أهل الشام. - وكان للفريحات حصّة في ضريبة الدّم في فلسطين في حرب عام 1948م حيث استشهد بعضهم منهم (عبد المجيد الحمود الذي استشهد بانجار لغم يهودي كما استشهد أحمد النوري وأحمد العبد المهدي)، وقد تعاطف الفريحات مع نوري وعبد المهدي لدرجة أن نوري الذي كان يعاني من قطيعة أقاربه (بني موسى) قال: “ لقد خفف عني حضور أقاربي... فقدان أحمد وأحمد وأنا اليوم مسرور بما حصل، كما نجا آخرون بأعجوبة وهم فارين من فلسطين المحتلّه. +وكان للفريحات حصّة في ضريبة الدّم في فلسطين في حرب عام 1948م حيث استشهد بعضهم منهم (عبد المجيد الحمود الذي استشهد بانجار لغم يهودي كما استشهد أحمد النوري وأحمد العبد المهدي)، وقد تعاطف الفريحات مع نوري وعبد المهدي لدرجة أن نوري الذي كان يعاني من قطيعة أقاربه (بني موسى) قال: “ لقد خفف عني حضور أقاربي... فقدان أحمد وأحمد وأنا اليوم مسرور بما حصل، كما نجا آخرون بأعجوبة وهم فارين من فلسطين المحتلّه. - وفاة عيسى - ما كادت النفوس تستقرّ حتى تكدّرت بمرض عيسى ولم يكن هناك عنايه طبيّة بل لجئوا إلى الطب الشعبي و"الفقرا" وكان يشعر بألم في رأسه ولكنّه لم يستسلم لفراش المرض إلا في آخر شهر من حياته وكانت زوجته تعرض عليه طفله الوليد “ جاسر” لتؤنسه فيقول: “ هو لك ليس لي" وانتقل إلى رحمة الله تعالى تاركاً زوجةً وأيتاماً هما “آمنه وجاسر" +وفاة عيسى +ما كادت النفوس تستقرّ حتى تكدّرت بمرض عيسى ولم يكن هناك عنايه طبيّة بل لجئوا إلى الطب الشعبي و"الفقرا" وكان يشعر بألم في رأسه ولكنّه لم يستسلم لفراش المرض إلا في آخر شهر من حياته وكانت زوجته تعرض عليه طفله الوليد “ جاسر” لتؤنسه فيقول: “ هو لك ليس لي" وانتقل إلى رحمة الله تعالى تاركاً زوجةً وأيتاماً هما “آمنه وجاسر" وبعد أقل من سنه من وفاته تمّ تزويج زوجتة شريفه إلى أخيه يوسف الذي كان أصغر منها سناً وكان العرف والعادة يقضيان بذلك ولم يكن لهما خيار، وقد عُرض على (أحمد) أن يتزوج شريفه ولكنّه رفض رفضاً باتاً ولذلك اضطرّوا إلى تزويجها من يوسف وذلك كما زعموا للحفاظ على الأيتام. وقد دفع حميد لها مهراً جديداً وبذلك يكون حميد قد دفع مهرين وكان يسمّيها “ أم المهرين". قصة الثور - عادت الأحوال في نجده إلى طبيعتها، وصار أهل نجده مرهوبي الجانب، وكانت السرقه قد تفشّت بالبلاد حتى صارت عاده، ولكن عوض وحميد كانوا لا يغفلون عن ممتلكاتهم ومواشيهم ولذلك تحاشاهم “ الحراميّه" السرّاق وقالوا فيما بينهم: “هظول ما بروح لهم طلبه"، وكانوا يرتّبون من أبنائهم حراسةً ليليه، وفي إحدى الليالي مرّ نفرٌ متّجهين إلى الغرب ليلاً حتى تجاوزوا نجده فقال احدهم: “ هذه أول مرّه نمرّ دون أن يعترضونا”. ولكن كان هناك شابان من نجده يسمعانهم فأطلقوا النار بقربهم فولّوا هاربين، وكانوا يرون أنه من العيب أن لا يكون حماك منيعاً. +عادت الأحوال في نجده إلى طبيعتها، وصار أهل نجده مرهوبي الجانب، وكانت السرقه قد تفشّت بالبلاد حتى صارت عاده، ولكن عوض وحميد كانوا لا يغفلون عن ممتلكاتهم ومواشيهم ولذلك تحاشاهم “ الحراميّه" السرّاق وقالوا فيما بينهم: “هظول ما بروح لهم طلبه"، وكانوا يرتّبون من أبنائهم حراسةً ليليه، وفي إحدى الليالي مرّ نفرٌ متّجهين إلى الغرب ليلاً حتى تجاوزوا نجده فقال احدهم: “ هذه أول مرّه نمرّ دون أن يعترضونا”. ولكن كان هناك شابان من نجده يسمعانهم فأطلقوا النار بقربهم فولّوا هاربين، وكانوا يرون أنه من العيب أن لا يكون حماك منيعاً. ولذلك أشير هنا إلى قصة ثور حميد كنموذج على ما كان يجري ذلك الزمان، كان الثلج دامساً عندما وصل ضيفٌ إلى دار عوض، فأحسنوا ضيافته وكرموه بالدفءوالطعام بعد أن كان يرتعد من البرد ولو لم يبت عندهم لتجمد من البرد ومات، وفي اليوم التالي تحسّن الجو وطلعت الشمس، وفي آخر النهار غادر ذلك الضيف بعد أن نال واجب الضيافة. في اليوم الثاني افتقد “أحمد الحميد" الثور فراحوا يبحثون عنه دون جدوى ولكنهم وجدوا أثره مرافقاً لأثر رجل وكانوا يقصّون الأثر المتوجه جنوباً، كانت الأرض طيناً مما ساعد على وضوح الأثر فتتبعوا أثره إلى “المجدل” ثم” الرمان" ثم ”السليحي"، فعرف حميد وجهة الثور فأسرع متوجهاً إلى موقف عمان في “رأس العين" فصار يدخل من حوش إلى حوش فوجد الثور، ولما رآه الثور علا خواره “ صار يجعر" وكأن الثور يدعو صاحبه إلى نجدته، فسأل صاحب الخان عمّن جاء به، فقال صاحب الخان: هذا جاء به شخصٌ وباعه ولكن طُلب منه ورقه من الشرطه وقد ذهب للمخفر، وفوراً ذهب حميد إلى المخفر فرأى الضيف الخائن يحضر شهود زور ليثبتوا أن الثور له، اقترب منه حميد وقال له “ هو أنت يا خاين الملحه!" ففرّ الرجل مسرعاً وترك الثور، ثم وصل من تخلّف عن حميد فشهدوا بملكيّة حميد للثور وأن ذلك الرجل خائنٌ وسارق وتسلّموا الثور وعادوا حيث باتوا في مخفر “الرمان" في طريق العودة ومنهم من بات عند “عبد الله اللوزي" حيث كان له صله بالفريحات وكان يسكن الجبيهة وكانوا يتبادلون الدّعوات “العزائم"، وفي اليوم التالي من عودتهم وصلوا نجده وكانوا مسرورين لتأكيدهم مقولة “ما بروح لهم طلبه". الشيخ حسن العبد الرحمن العلم والصبر كان حسن قد أُصيب بحادثٍ في صباه أبقاه مرافقاً للعصا طوال حياته، وكان ذلك بسبب سقوطه عن الجواد حيث جرّه الجواد ورجله في الرّكاب فتركه بعاهةٍ دائمه، وكان هذا قد فتح عليه باب العلم والتعلّم لعدم قدرته على أعمال الفلاحه، فذهب إلى الشام طالباً للعلم في مدرسةٍ داخليّةٍ مشهورةٍ آنذاك وكان القيم عليها عالم مشهور اسمه (علي الدقر)، ثم عاد ليمضي بقيّة حياته إماماً ومعلّماً وخطيباً، وكان صبوراً على حكم الله ومما يدلّ على ذلك أنه توفي ابناه بمرض الحصبة بأمسيةٍ واحدةٍ عندما كان إماماً لمسجد ياجوز، وكان عنده ضيوف فلم يشعرهم بما جرى، وفي الصباح رأوه يحفر في المقبرة فعلموا عن وفاة ابنيه وكيف صبر وكتم كي لا يكدّر ضيوفه، وقد تتلمذ على يديه أبناء جيلٍ كاملٍ في عصر الجهل، وكان لعصاه مفعولاً كبيراً في تلقين القراءة والكتابة والقرآن الكريم، وكان له بيتٌ في ريمون يزوره الناس طالبين الدّعاء أو كتابة كلماتٍ من الذّكر يكون فيها رحمةٌ وشفاء. - وممن تتلمذ على يديه من أبناء أحمد الموسى “ محمد الحميد" حيث كان يحضى بمعاملةٍ خاصّة بسبب الصلة التي تربطه بدار حميد. وكان محمد ابن الشيخ حسن أول من حصل على الدكتوراة من عشيرة الفريحات ولكنّه لم يلبث أن انتقل إلى رحمه الله في ريعان الشباب، وكان الشيخ حسن في ذلك مثال للصبر على قضاء الله نسأل الله العفو والعافية. - التهمه الباطله +وممن تتلمذ على يديه من أبناء أحمد الموسى “ محمد الحميد" حيث كان يحضى بمعاملةٍ خاصّة بسبب الصلة التي تربطه بدار حميد. وكان محمد ابن الشيخ حسن أول من حصل على الدكتوراة من عشيرة الفريحات ولكنّه لم يلبث أن انتقل إلى رحمه الله في ريعان الشباب، وكان الشيخ حسن في ذلك مثال للصبر على قضاء الله نسأل الله العفو والعافية. +التهمه الباطله وصلت مجموعة من الرجال (فزعه) يقتفون أثر قطيع من البقر تمّت سرقته من منطقة السلط وقد قادهم الأثر إلى القرب من مغارة خنيزير ولم يكن لأهل نجده أدنى علمبهذا الأمر حيث فوجئوا بالناس والجنود حيث قادوا الناس إلى السجن ولم يبق بنجده إلا حميد وذلك لأنه كان طريح الفراش لإصابته بجرحٍ بليغٍ من سكّة الحراثه، وعاد “علي الحسين" حيث كان غائباً فلم يقبض عليه، تسامع الحراميّه فطمعوا بغنم عوض وحميد وضنّوا أنها صارت لقمةً سائغة لهم، فكانوا (يحوفون) نجده ليلاً، ولكن علي الحسين فوّت عليهم الفرصة حيث كان يقضاً طوال الليل وكان يخشى على نفسه أن تأخذه غفوة عميقة لذلك كان ينام على (السنسله) الحجريّة حتى لا يستغرق في النوم، ومضت على ذلك مدّة طويلة حيث صدر حكم ببراءة الغائبين وعادوا لمزاولة حياتهم المعتاده. حسين الحسن @@ -654,7 +655,7 @@ كان أبو سليمان كريماً شجاعاً وفياً عابداً لله وصولاً للرحم عطوفاً على الأيتام وما تزال بركته موجودة في ذريّتة حتى يومنا هذا. الشهيد “زهير العلي الفندي" - كان الشهيد مرابطاً في وحدته العسكريّة في فلسطين عندما نشبت تلك الحرب التي كان لها نتائج وخيمة وكانت نكسة بل نكبة كبيرة هُزمت فيها الجيوش العربيّة النظاميّة وذلك في الخامس من حزيران من عام 1967 “حرب الأيام الستّه". +كان الشهيد مرابطاً في وحدته العسكريّة في فلسطين عندما نشبت تلك الحرب التي كان لها نتائج وخيمة وكانت نكسة بل نكبة كبيرة هُزمت فيها الجيوش العربيّة النظاميّة وذلك في الخامس من حزيران من عام 1967 “حرب الأيام الستّه". انجلت الحرب ولم يعد زهير، تتبع علي الفندي أخباره وتعددت الروايات فمنهم من قال أنه كان يقلّ سيارةً عسكريّه احترقت ومات فيها مع رفاقه بعد تعرّضها لهجوم جوّي، ولكن الأمل بقي لسنين طويله يراود أهله بعودته وهل للأموات من عوده؟ ولم يعثر أحد على جثّته ومن المؤكّد أنه قتل والله أعلم كيف كان ذلك وهذه أعلى درجات الشهاده التي أرجو الله أن يكون قد نالها. وكان زهير حديث العهد بالزواج ولكن مشيئة الله تمت ولعله نال ما هو خير من هذه الدنيا الفانيه، وبذلك يكون لأبناء أحمد الموسى نصيب من الجهاد والاستشهاد من حول المسجد الأقصى. وفاة الأخوين عوض وحميد @@ -669,34 +670,34 @@ قصص من الخمسينيات، من يوميــات الشتـــاء - انتظر أهل نجده “الوسم" سقوط المطر وعلامة الري أن لا تصل سكّة المحراث إلى باطن الأرض الجاف، وبعد سقوط المطر قالوا “ إروت" ففرح الجميع بهذه البشاره بموسم خيرٍ وبركه، وهرع المزارعون لأعداد محاريثهم الخشبيّة و “حذوا فدادينهم" حيث جاء الحداد من جرش وركّب الحذو للثيران “العمّالات" وهيّئوا البذار. +انتظر أهل نجده “الوسم" سقوط المطر وعلامة الري أن لا تصل سكّة المحراث إلى باطن الأرض الجاف، وبعد سقوط المطر قالوا “ إروت" ففرح الجميع بهذه البشاره بموسم خيرٍ وبركه، وهرع المزارعون لأعداد محاريثهم الخشبيّة و “حذوا فدادينهم" حيث جاء الحداد من جرش وركّب الحذو للثيران “العمّالات" وهيّئوا البذار. ثم قالوا” اوفرت” أي أصبحت الأرض جاهزةً للحراثة، فقامت النسوة بطحن الكرسنه لتكون سحور الفدّان الذي سيعمل طوال النهار بدون طعام، وقبل طلوع الشمس كان الفدان يشق الأرض بعد أن بذرها الفلاح بيديه، وكان الصوت المسموع هو صوت الحرّاثين يخاطبون ثيرانهم وكأن الثيران عرفت اللغة لكثرة التكرار ”هو هه دير جاي، ارمي، اربع، الوي" وما هي إلا أيام حتى احمرّت الأرض وفُتحت لبركة السماء، فمنهم من زرع القمح ومنهم من زرع الكرسنه والشعير والعدس. أما الرعيان فسروا لسقوط الأمطار الذي يبشّر بالكلأ والمرعى، ولكن كان عليهم الحذر من” الوحاش" التي تزداد ضراوة في فصل الشتاء خاصّةً وأنها تستفيد من” الغطيطه" وذلك أعطى قيمةً للكلاب المدرّبة المخلصة للراعي والغنم. أما النساء فقد حضّرن الحبوب وطحنّها لصنع ”الجريشة ومرقة العدس والمفتول" أكلات الشتاء، كما كان عليهن تجفيف الزبل ووضعه داخل “قطع الفرن" ليحصلن على الخبز الشّهي حيث كنّ يخبزن ويعجنّ صباح مساء، وكان عليهنّ إحضار الماء على الحمير من (جحدب) وكانت حياتهنّ شاقّة خاصّة وقد بدأ موسم حلب الأغنام وكنس “الصيره". أما الأولاد فكانوا يساعدون في إحضار (القصف) للغنم ”العاقبه" التي لا ترعى بسبب المرض والكسر، كما كانوا يساعدون في” زرب البهم” قبل عودة القطيع كي لا يرضع أمه، وعند عودة الرعاة تتعالى أصوات الغنم وأبناءها كأنها موسيقى رائعة خلقها الخالق بدون آلة موسيقيّة فتلاقيها النساء بأواني الحلب، وما هي إلا ساعة من الزمن حتى يكون الحليب في أواني الفخار معدّاً للطعام والتصنيع، وفي الليل يجتمع الحضور حول الصوبة المتوهجة من الحرارة حيث امتلأت حطباً تمّ اعداده طوال أيام الصيف. وكان ”لقليّة القمح" دور في ليالي الشتاء، كما كان البلّوط (يفقع) على الصوبة كذلك كان يشوى الفطر البري اللذيذ. ويتتابع سقوط الأمطار وتبين عيوب بيوت الحجر والطين، وكانت (الدّلفة) أمر مألوف حتى في أحسن البيوت. ويتتابع الأمطار ويفرّ الرعاة بأغنامهم إلى ”مغر المياسر" يحتمون من الثلج والبرد وكان على البعض تزويدهم بالخبز والسّمن طعام الشتاء، وكانوا يحافظون على أغنامهم كأرواحهم. كانت سنوات خيرٍ وأمطارٍ وثلوج، وكان عليهم أن يصلحوا قنوات الآبار لجمع ماء الشتاء وكانوا يتفقّدون الآبار حتى في منتصف الليالي الماطره. - رغم ذلك كان سقوط الثلج عيداً يحتفلون به حيث يزيلون الثلج عن الأبواب ويطبخون المفتول وطبيخ الحليب المغطى بالسمن البلدي، و"اللزاقيّات" المفتوتة بالسمن والسّكر، والمطابق بالسمن والسّكر، أما الرعاة المتواجدون في المغر فعندهم طحين لصنع (القرصه) ولديهم السّمن. كان للشتاء نكهةٌ خاصّه حيث كان يفرض نفسه بقوةٍ تؤثّر على كل مناحي الحياة. +رغم ذلك كان سقوط الثلج عيداً يحتفلون به حيث يزيلون الثلج عن الأبواب ويطبخون المفتول وطبيخ الحليب المغطى بالسمن البلدي، و"اللزاقيّات" المفتوتة بالسمن والسّكر، والمطابق بالسمن والسّكر، أما الرعاة المتواجدون في المغر فعندهم طحين لصنع (القرصه) ولديهم السّمن. كان للشتاء نكهةٌ خاصّه حيث كان يفرض نفسه بقوةٍ تؤثّر على كل مناحي الحياة. من يوميات الربيع دخل شهر آذار” ساعه شميسة وساعة أمطار وساعة مقاقاة الشنّار"، حلّة قشيبة خضراء مطرّزة بألوان الأزهار وتساوى الليل والنهار. تبدّلت الأحوال وعادت للوجوه ألوانها وشبعت الأغنام وكثر الحليب وبرطع البهم أمام البيوت، تابع الناس العناية بالزرع وعانوا أشدّ المعاناة من أذى قطعان الماشية التي تحبّذ الزرع الأخضر الطري. كانت رعاية الزرع والماشية هي الشغل الشاغل، ولكن كان ذلك مسلّياً حيث اعتادوا العوده ” باللوف والحليّان والجعدة والحميض واللسينّة والسوكران” وبقول أخرى كثيره، كان ذلك هو موسم اشتغال النساء بالخضيض والحليب وصناعة السمن والجميد. وكثيراً ما كان البدو منجذبين إلى مراعي نجده في فصل الربيع وكانت قطعانهم شرهه بسبب الجوع لا تبقي على شيء، وكان الفلاحون يقفون على قدمٍ وساق لرد الأذى عن مزروعاتهم ومع ذلك فقد تبادلوا الدعوات وأقاموا صداقات مع عشائر البدو، كان الأطفال منتشرين في الربيع في سعادةٍ ومرح يجمعون البقول البريّة ويلعبون ويلهون، ويمر آذار ثم نيسان فيكثر” البريد، الطقش، الجلتون، كريشة البقرة، كريشة الجدي، خبز الراعي، لفة الخوري وبقول أخرى كثيره" وكثيراً ما كانت الوجبة خبيزة أو فطائر حميض أو ملفوف رتشف أو فتة لوف بعد أن سئم الناس مرقة العدس في الشتاء. كان الماء متوفراً في الينابيع حيث طلع النبع وكانت الآبار ممتلئة بالماء. شاهد الناس الحجل قريباً من بيوت نجده حيث فقس البيض وسُمع صوت” القرقّه" تدعو صغارها، كما أن الدجاج كان مصدر دخلٍ أساسي حيث فقست الصيصان وكثر الدجاج رغم وجود الثعالب المتربّصة به ورغم وجود طير الشوحة الذي يحب مذاق الدجاج. - في المساء كان الناس يتحدّثون في سهراتهم عن ممارساتهم في المراعي والبراري وأحاديث الوحش والحيّه والضبع وأحاديث صيد الأرانب والحجل وأحياناً الغزلان والعكاكس والنياص، وكان للخيول جزء من أحاديث الناس عن ترويضها وأنسابها وصفاتها. +في المساء كان الناس يتحدّثون في سهراتهم عن ممارساتهم في المراعي والبراري وأحاديث الوحش والحيّه والضبع وأحاديث صيد الأرانب والحجل وأحياناً الغزلان والعكاكس والنياص، وكان للخيول جزء من أحاديث الناس عن ترويضها وأنسابها وصفاتها. قاربت الشمس على المغيب وغطّت الأغنام كل الطرق المؤدّية إلى نجده، وتعالى صوت البهم والماعز، وأسرعت النساء فمنهن من تحمل”البكسه" وأخرى تحمل ”طوس" حيث تواجدن في الصيرة لتبدأ عمليّة الحلب ومن ثم صنع الرايب، وفي الصباح بعد مغادرة الحرّاثين والرعاة يتممن عمل الخض وصنع الزبدة والسمن، وكان الصغار يكافئون ”بزحلاقه" وهي خبز مع زبدة وعليها قليل من السكّر. من يوميات الصيف رويداً رويداً تحوّلت الحقول إلى بحر من السنابل المتموجة مع النسيم كما تحولت حقول العدس إلى سجادةٍ خضراء مصفرّة تؤذن بقرب النضج. بشوقٍ إلى الفريكة الخضراء أُشعلت النيران ووضعت السنابل فوقها، ومما زاد في متعة تذوق الفريكة اسوداد اليدين جرّاء فرك السنابل المحروقه. - استبدلت الحقول ثوبها الأخضر بثوبٍ أصفر ذهبي وأسرع الفلاحون لحسم المناجل وإعداد ”قادم القشّ" وتهيئة مكان البيدر، أشرقت الشمس وخرج الناس لموسم الحصاد كالنمل، فمنهم من يقلع العدس والكرسنة حتى إذا أكملوا ذلك توجّهوا إلى القمح فمنهم الحصّاد و الرّجاد و الغماره، خرجوا لجني المحصول الذي انتظروه شهوراً فقد قربت المؤنة على النفاد، كما أن عليهم التزامات لتجّار جرش من الشوام. +استبدلت الحقول ثوبها الأخضر بثوبٍ أصفر ذهبي وأسرع الفلاحون لحسم المناجل وإعداد ”قادم القشّ" وتهيئة مكان البيدر، أشرقت الشمس وخرج الناس لموسم الحصاد كالنمل، فمنهم من يقلع العدس والكرسنة حتى إذا أكملوا ذلك توجّهوا إلى القمح فمنهم الحصّاد و الرّجاد و الغماره، خرجوا لجني المحصول الذي انتظروه شهوراً فقد قربت المؤنة على النفاد، كما أن عليهم التزامات لتجّار جرش من الشوام. مع الضحى حمل الأولاد الخبز واللبن والزيت والبصل مع ابريق الشاي لإطعام الحصّادين، فرح الحصادون بوصول الطعام وموعد الاستراحه. الرجّادون ينقلون القش على الحمير إلى البيادر، الرعاة يرعون أغنامهم على بقايا الحقل، اللقاطه تأخذ السنابل المتساقطة لتحصيل مؤنة عائلتها الفقيره، النساء ما زلن مشغولات بعملهن الخضيض والحليب وفوق ذلك إطعام الحصادين والرعاة والطبخ والعجن والخبز. وهكذا عمل الجميع شهراً من الزمان لم يمنعهم الحر ولا التعب، وانتهى الأمر بموسم الحصاد وأكل الحصّادون” ذبيحة الجورعه" حيث عاون الحصّادون زملاءهم المتخلفين عن الأنجاز، وذبح آخر واحدٍ من الحصّادين الذي استحقّ ”العونه" ذبيحةً بعد أن أكملوا له العمل وإن كان يسيراً، كل ذلك مرّ بالمزاح والتحدّي مما سهّل مشقّة العمل. - ركّب الأولاد لوح الدراس الذي أعدّه أجدادهم وسحبهم الفدان طوال النهار على دائرة لا تنتهي يوماً بعد يوم حتى سحقت السنابل والقش، وبدأوا ينتظرون الريح المناسبة ”للتذريه" وبعد التذرية جُمع القمح في" صبّه "مباركة وكانوا يبدأون الكيل بكلمة” الله واحد" بعد أن أخرجوا" صاع الفتاحه" حيث أخذه أول الأطفال الحاضرين ليشتري الحلوى ”الكعكبان، الحلاوه، الراحه" ويطعم أترابه. تم نقل التبن الى التبان والقمح إلى الرف والكواير. +ركّب الأولاد لوح الدراس الذي أعدّه أجدادهم وسحبهم الفدان طوال النهار على دائرة لا تنتهي يوماً بعد يوم حتى سحقت السنابل والقش، وبدأوا ينتظرون الريح المناسبة ”للتذريه" وبعد التذرية جُمع القمح في" صبّه "مباركة وكانوا يبدأون الكيل بكلمة” الله واحد" بعد أن أخرجوا" صاع الفتاحه" حيث أخذه أول الأطفال الحاضرين ليشتري الحلوى ”الكعكبان، الحلاوه، الراحه" ويطعم أترابه. تم نقل التبن الى التبان والقمح إلى الرف والكواير. انتهى موسم الحصاد والبيدر وارتاح الناس قليلاً حيث جاء موسم الزواج والضيفات الطويلة والسهر والسمر. وجاء موسم العنب والتين بعد أن تذوق الناس طعم المشمش الذي يحضره البائعون على الحمير من ريمون ”الدّوارون" كما أن الأرض المعدّة للخضره "المقثاه" جاءت بالبطيخ والشمام والفقوس والبندورة والكوسا. سئم الأولاد قلاية البندورة وحوسة الكوسا ولكنهم أحبوا البندورة مع لحم الحجل حيث نشط الصيّادون لصيد الحجل والأرانب حتى جاروا في الصيد أيما جور بعد أن انقرضت الغزلان من وادي الشام بجهل الصيادين. اشتاق الناس إلى الرمان فتوجهوا إلى راجب لمقايضة القمح بالرمان ومن النساء من ادّخرت بعض حبّات الرمان لموسم الشتاء. راحت النسوة كالمعتاد إلى ”المحافير" فأحضرن البياض وبيّضن بيوتهنّ وخلطن بعض النيله للزخرفة فصارت جميلة بعد أن كانت سوداء من الدخان. كان عملهن تعاونيّاً في البياض وعند تطيين البيوت استعداداً للشتاء القادم حيث كن يجتمعن كل يوم عند إحداهنّ وبعد العمل يتناولن طعام الطّيانات وهو مصنوعٌ من القمح واللبن، كان الله في عونهن لم يتذمّرن أبداً، كان الرجل والمرأة يتصرّفون ضمن برنامج جبلوا عليه لم يفكّر أحدٌ في تغييره كالنحل والنمل. وصف الأعراس "أعبر الفلاحون الحبوب" وضعوا الحبوب في مكان مناسب داخل البيوت، وجاء الوقت الذي انتظروه طويلاً، موسم الخطبة والزواج، وتبدأ بالطلبة حيث تتوجّه الجاهة وعلى رأسها وجوه الفريحات من نجده والحسينيات والجزازة يرافقهم أهل العريس ذكوراً وإناثاً ومعهم الذّبائح، يأتي ساقِ القهوة فيتعازم الوجوه على الفنجان وأخيراً يستقرّ بيد أحدهم ولعلّه أكبرهم سناً أو قدراً أو يكون غريب جدير بالإكرام فيضعه أمامه ممتنعاً عن شربه إلا بعد نوال مطلبه. يطلب البنت المصونة فلانه بنت فلان على سنة الله ورسوله وعادات الناس وهنا غالباً ما يوافق ولي العروس على شروطٍ معينه، تبدأ الجاهة بتخفيف الإلتزام المادي على العريس إكراماً للجاهه، وقد يكون المأذون حاضراً فيذهب لتوكيل من ينوب عن العروس في العقد فيقال:" وكّلت” وتتعالى الزغاريد ويعقد العقد وترمى الحلوى للصغار وتُقدم للحضور فيذبح أهل العريس الذبائح فيطبخوها فتقدّم طعاماً للغداء ويعود الجميع جذلين مسرورين. - قد تطول الخطبة لسنوات وقد تقصر لأسابيع حيث يحدد موعد الزواج، ويقوم أهل العروس بشراء” الكلفة" لابنتهم من ذهب ولباس وأثاث من المهر الذي تم قبضه سواء كان نقداً أو ارضاً أو ماعز. وقبل الزواج بأسبوعين تقام الدّبكة حيث يجتمع أهل القرى للمشاركة في الأفراح، ويحضر الشباب الدبكة سيراً على الأقدام من القرى الثلاث، وفي آخر الليل يتناولون طعام العشاء ثم يعودون في اليوم التالي، وذلك في كل يوم حيث يضاء ”اللوكس" وتشعل النار وترش الأرض بالماء حتى لا يكون غبار، وفي اليوم الموعود تنطلق ”الفارده" على الدواب تتقدّمها الخيل إلى بيت العروس، يسوقون الذبائح بعد أن أرسلوا النساء في الليلة السابقة لإجراء مراسم الحنا. +قد تطول الخطبة لسنوات وقد تقصر لأسابيع حيث يحدد موعد الزواج، ويقوم أهل العروس بشراء” الكلفة" لابنتهم من ذهب ولباس وأثاث من المهر الذي تم قبضه سواء كان نقداً أو ارضاً أو ماعز. وقبل الزواج بأسبوعين تقام الدّبكة حيث يجتمع أهل القرى للمشاركة في الأفراح، ويحضر الشباب الدبكة سيراً على الأقدام من القرى الثلاث، وفي آخر الليل يتناولون طعام العشاء ثم يعودون في اليوم التالي، وذلك في كل يوم حيث يضاء ”اللوكس" وتشعل النار وترش الأرض بالماء حتى لا يكون غبار، وفي اليوم الموعود تنطلق ”الفارده" على الدواب تتقدّمها الخيل إلى بيت العروس، يسوقون الذبائح بعد أن أرسلوا النساء في الليلة السابقة لإجراء مراسم الحنا. يصنع أهل العريس الطعام وبعد الطعام يطلبون العروس بأدبٍ جم وكثيراً ما كان هناك مطالب مثل” عنزة الشباب” و” عباءة الخال” وأخيراً يذهب ولي أمر العروس وخالها إلى مصمد العروس فيدثرونها بعباءة وتختلط أصوات الزغاريد بأصوات البكاء ”فتطلع العروس" وتسلم إلى والد الزوج، فتطلق الأعيرة النارية وتركب العروس الفرس تتوسط الفاردة يقود الفرس ”عبد" ثم تسير حتى تصل الى مقربة من بيت العريس فيعترضها أحد الكرماء ويستضيفها إلى اليوم التالي، وفي اليوم التالي وبعد وليمة كبيرة يزف العريس إلى الحمام ”أحد الآبار أو الينابيع" فيستحم عارياً بين أقرانه أشارةً لكمال رجولته التي لا تخفى ويصب عليه الطيب، ثم يعودون به وسط الأهازيج إلى أحد البيوت المجاورة حيث تتم عمليّة النقوط على رؤوس الأشهاد، تحضر العروس قبل الغروب إلى بيت الزوجيّة ثمّ يزف الزوج وسط الزغاريد والأهازيج وإطلاق النار إلى بيت الزوجيّة حيث يفاجئه أقرانه قرب الباب بالعصي” المطارق" فيضربوه بها فيجري راكضاً إلى الباب وسريعاً يدخل بين النساء ويقف على مكان مرفوع بجانب العروس فيرجع الشباب عن الباب ويستمر غناء النساء وسبب ذلك الضرب هو جعل العريس يتغلّب على حياءه حيث لم يقترب من أنثى في حياته، وبعد أن تؤدي النساء الغناء تعلن والدة العريس أن الوقت قد حان لترك العريسين وحيدين فيخرج الناس ويغلق الباب ويكون اللقاء الذي أحلّه الله. - وفي اليوم التالي يعود الناس لتقديم التهاني وأكل ”فطيرة البخت" التي تصنعها أم العروس ويشتركون ببعض الألعاب المسليّة كالرماية والسباق، وما هي إلا أسابيع أو أيام حتى تكون العروس مشاركة مع العائلة في إحضار الحطب وتطيين البيوت استعداداً لموسم الشتاء. +وفي اليوم التالي يعود الناس لتقديم التهاني وأكل ”فطيرة البخت" التي تصنعها أم العروس ويشتركون ببعض الألعاب المسليّة كالرماية والسباق، وما هي إلا أسابيع أو أيام حتى تكون العروس مشاركة مع العائلة في إحضار الحطب وتطيين البيوت استعداداً لموسم الشتاء. '
حجم الصفحة الجديد (new_size)
317539
حجم الصفحة القديم (old_size)
317483
الحجم المتغير في التعديل (edit_delta)
56
السطور المضافة في التعديل (added_lines)
[ 0 => 'يبلغ عديد عشيرة الفريحات في الأردن لوحدها حوالي <ref>الرقم تقديري ومستقى من سجلات الانتخابات البرلمانية الاردنية للعام 2012 حوالي 12000 نسمة<ref>حسب تقديرات سجلات الانتخابات البرلمانية الاردنية لعام 2012</ref>. وقد تفرّع الفريحات جميعهم من” سليم ابن فريح" وكان له أربعة من الأبناء هم سلامه، عثمان، محمد، بركات، وكان منهم من سكن الدار الشرقية (في كفرنجه) ومنهم من سكن الدار الغربية، وقد تفرّعت الدار الغربية من” بركات” وأما الشرقية من ”سلامة". وعليه تقسم الفريحات الى فريحات الدار الشرقية وفريحات الدار الغربية.', 1 => 'وأخيراً وصلت النّاقة إلى كفرنجه، إلى بلاد ابن فريح صاحب الصيت والشهرة، كانت النّاقة متعبه وعندما سأل الشباب كبارهم وفهموا المقصود ثارت حميّتهم وأوقفوا النّاقة.', 2 => 'بكى أحد كبار السن من العدوان لخيبة أمله مما آلت إليه الأمور، ومن كثرة جموع الصخور اللذين تحشّدوا لعلمهم بمناصرة ابن فريح للعدوان. ولمّا رأى الشيخ يبكي قال سائلاً:”ليش تبكي؟ "فأجابه” أبكي عليك اليوم يومنا وانتهى أمرنا" وذرف دمعه وأطرق برأسه وكظم غيظه وتساءل ”أهذه هي فزعة ابن فريح"؟ وجادت قريحته بالشعر. سمع ذلك مصطفى بن فريح فشبّ قائما وقال: "لا تبكِ يا ختيار الأمر ما هو بالكثرة، جئتك برجال رضعوا الفروسيّة وفنون الحرب مع حليب أمهاتهم، ماهي بالكثرة، اليوم يومهم...أبشروا اليوم يومهم...أبشروا اليوم يومهم".', 3 => 'تقدّم عوّاد قاهر الفرسان، وكان فارساً متمرّساً، كثيراً ما أطاح بالرّقاب في ميادين المبارزة، وكثيراً ما أذلّ خصومهُ ببراعتهِ وذكائهِ، كان مجرّد ذكره يخلع قلوب مبارزيه ويسقطون صيداً سهلاً له، كان يعتمد الخديعة والحربُ خدعة.', 4 => 'ردّ مصطفى بأبيات من الشّعر تناسب الحال مضمونه:" اللي ما يعرف الصقر يشويه، واليوم تعرفنا، واليوم يومك، ما تشوف أقشر من اليوم". وبدأت المبارزة بالسيف، أبدى كل واحد منهم مهارة وخفّة ورشاقة حيّرت المشاهدين. وبعد فترة طويلة من المبارزة أدار عواد رأس جواده وراح يعدو به متظاهراً بأنه فارٌ من المبارزة، أما مصطفى فعلم أن الأمر به خدعة ولكنّه غدا وراءه بحذر وأخذ بندقيّته حتى إذا أحكم تسديدها بين كتفي عواد أطلق النار ورأى لمعة الحديد بين كتفيه حيث أصابته الرصاصة وعرف بسرعة بديهته أن الفارس ”مدرّع" وأن فراره كان خديعة وفوراً استدار مصطفى إلى الوراء عائداً إلى الصفوف مسرعاً، وكان عوّاد فور إصابة درعه قد استدار مشهراً بندقيّته يجري خلف مصطفى ولكن مصطفى عاجله إلى صف الفرسان وقال: "ابن اختي يا سليمان، الفارس مدرّع ومخبي درعه تحت العباءة وإذا ما صبته بعينه قتلك".', 5 => 'والشيخة للفريحــات والله بــتخص', 6 => 'والشيخة للفريحـات ولـــــــــها زمان', 7 => false, 8 => '==يوسف البركات: شيخ مشايخ السبع نواحي ”شيخ مشايخ جبل عجلون"===', 9 => 'كان هذا أرفع منصب في شرق الأردن من الشوبك إلى حوران وقد تقلد هذا المنصب ”يوسف البركات" حيث كان مسؤول عن جمع الضرائب وحاكماً إدارياً، ولم يرق ذلك ”لشريده الرباع” زعيم الكورة حيث كان منافساً على الزعامة، ومما نغص عليه عيشه أن ”يوسف البركات" حل عليه ضيفاً ومطالباً بالضرائب، وكان ضيفاً غير مرغوب به، وكانوا مجبرين على الاحتفال به وإكرامه غير أن شريده أسرَ إلى الخادم أن يقول عند الطعام ”يا معزّب روح تعال"، وعند تقديم الطعام صار الخادم يكرّر العبارة "يا معزب روح تعال"، فغضب يوسف ونفض يده من الطعام وعلم المقصود. عاد يوسف بعد أيام ونصب بيت شعر على ظهر بيت شريده في (تبنه) رغماً عنه وفي ذلك تحدي وإهانة له ولكن شريده، رجاه أن يرحل ووعده بإحضار المال المطلوب إلى سرايا إربد. وفي مساء اليوم المحدد، أحضر شريده معه المال وعند الاستئذان طلب ”يوسف البركات” من الخادم أن يتأكد أن ”شريده" لوحده، وذلك لتوجسه منه ولكن شريده تظاهر بأنه لوحده. وعند فتح الباب هجم على الخادم وقتله، ثم دخلت معه مجموعه من الرجال كانوا مختفين ورائه بجانب الجدار إلى مكان ”يوسف”، حيث سفكوا دمه ليغسلوا الإهانة التي لحقت بهم منه وهكذا مات يوسف البركات في عام (1761م\1175هـ)، بعد أن تم الاستيلاء على كفرنجه التي كانت ملك لأهل عنجرة، وبعد ذلك نهض فياض ابنه ليثأر له ولكن لم يتم له الأمر، حيث قتلَ كذلك، وبذلك خرجت الكورة عن سيطرة الفريحات، وصارت تحت سيطرة ”الشريدة" بلا منازع وكان نتيجة هذه الأحداث أن سادت الفوضى والاضطرابات في جبل عجلون للصراع بين ”الفريحات" و”الرباع"، مما اضطر والي الشام أن يتدخل فأرسل جنداً قبضوا على ”كايد" الذي كان متمرداً مع جماعه من الفريحات على سلطة الدول العثمانية بسبب ما جرى في الكورة حيث أُعدمَ شنقاً في بلدة ”سوف".', 10 => 'كان موسى مولعاً بالخيل حيث كان له حصان يسمى ”الأشقر” قريباً إلى نفسه كأحد أفراد عائلته، كما كان موسى رامياً لا يخطئ رميته.. كان ضرغام إبن عمّه عباس أخيه لأمه، حيث أن عباس خلف أخاه مصطفى على زوجتهِ” شلحه العدوان" بعد وفاتهِ.', 11 => 'طال أمر الدعوى وكثرت مصاريفها حتى اضطرَّ موسى لبيع أرضه في البحر لسداد ما عليه من مصاريف. وبعد سنوات من المداعاة والنفقات الماليّة ربح ضرغام الدّعوى، حيث آلت الجزارة له والمجدل للبيكوات، أما موسى فقد كان له حصة في الجزازة هي الربع، أعطاه إياها ضرغام كما تم الاتفاق مسبقاً عليه، ولم تكن آنذاك حاجة لسندات الملكية، وكان هذا يعدّ إنجازاً عظيماً حققه ضرغام بصلاته بالدولة وبما قدَّم موسى من حرِّ ماله الذي تمكن به ضرغام من تحقيق هذا الأمر، وهكذا صار لموسى ربع وقيل خمس الجزارة أما باقي الجزارة فصارت لضرغام وعبّاس وملاوي، وكانوا قد قسموها فدادين يزرعونها بالتناوب سنه بعد سنه، وهكذا استمرَّ أمر التناوب في زراعة الأرض المقسومة إلى فدادين طيلة حياة موسى ثم ابنه أحمد من بعده، وكان هذا سائداً في تلك الفترة حيث كانت الفلاحة موجهه إلى زراعة الحبوب بشكل خاص.', 12 => 'لسببٍ غير معروف تكاتف البدو والدروز القادمين من بادية الشام ضد الدولة ولم يكن بمقدور الدولة المحلية السيطرة عليهم، وعمت البلاد الفوضى والسَّلب والنَّهب، فاستعان الحاكم الإداري العثماني بحلفاء الدولة التقليديين" الفريحات".', 13 => 'جمع الفريحات جمعاً من رجالهم ومن رجال العشائر المتحالفة معهم واختاروا أن يكون موسى” عقيد القوم" وذلك لشهرته بالفروسيَّة والرِّماية ولرجولته المشهود لها، وانحاز موسى بجمعه إلى رجال من الحكومة "الجندرما" وجيش، وجرت مناوشات يوميَّه بينهم وبين الدروز والبدو المتمرِّدين على سلطان الدولة، وكانت المناوشات تتم بالنَّهار وتخمد بالليل.', 14 => '"أتترك القوم يقتلون هناك وأنت هنا يا عقيد القوم؟؟ أتتركهم يُذبحون وأنت قاعد تحت قدمي خزنه؟!!', 15 => 'يا نايمات الضاحي.....شيخكن..كن..راحِ', 16 => 'راعي الحصان الأشقر... مربوط بالمراح............ي', 17 => 'كان ابن فريح صبوراً ولكنه فهم المرادَ بهذا التصرف، حيث وصل ذلك الرجل إلى مستوى من التكبر تجاوز الحد ”شافت نفسه" فخاف ”ابن فريح" من أن يكون له شأنٌ ومنافسه في المستقبل، فأرسلَ له سبعةً من رجال الليل كل واحدٍ منهم ”رابط له" (أي كمن له) في الطريق حتى لا يفلت منهم وفعلاً قتلهُ أحدهم وقيل أن أقاربه قد سرهم قتلهُ لأنه كان قد استقوى عليهم وأكل حقوقهم. والأغلب أنه لم يكن من برما بل كان عابر سبيل أقام بها إقامة مؤقتة.', 18 => 'وبعد مناوشات ومداولات ومجادلات ساد صمت بانتظار حكم القاضي، وبعد ذلك تكلم ابن غدير وأعلن أن حق الفريحات هو اليمين على الشوحة أناسٌ يحلفون أنهم لا علم لهم ولا يد لهم بقتله، وأناس يزكونهم يحلفون أنهم صادقون ولم يجربوا عليهم الكذب والجرأة على يمين الزور، فأجاب الفريحات بقبول حكم القاضي وأجاب الشوحة بقبول حكمه كذلك. كان الناس يرهبون من وضع أيديهم على المصحف الشريف وحلف الأيمان ويخافون من عواقب ذلك، ولذلك طلب الشوَحة شراء يمينهم” بخرجين" من المال دراهم فضه وقبل الفريحات بذلك أمام القاضي.', 19 => 'ولعل شيطان الطمع هو الذي حمل بعض أقاربهم على التفكير بأكل حقهم في الأرض حيث كانوا أيتاماً ضعفاء، ومن المعلوم أن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم – قد عدَّ أكل مال اليتيم من الكبائر، وقد ورد الترهيب من ذلك في كتاب الله” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" صدق الله العظيم، ولهذا أقول أن الشيطان سوَّل لبعض أقاربهم أكل مالهم ليدخلهم إلى السعير، وقد استغلَّ بعضهم حدوث سرقة ”جداي" في الجزازة فاتهموهم بها وعلى هذه الخلفية كان من شأن أحد الغاضبين أن ألقى أثاثهم وأغراضهم خارج بيتهم وقال: "ليس لكم عندنا بيت ولا أرض” أما باقي الأقارب فقد أعماهم الطمع فآزروه ووقفوا لجانبه وتنكروا لحق الأيتام بأرض أبيهم وجدهم وتواطئوا على ذلك معهم وأكلوا مال الأيتام وقهروهم-وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهنَّد-، وهكذا رحلت فضه مفطورة الفؤاد مع القليل من المتاع مع أبناءها يسوقون أغنامهم وأبقارهم إلى” الزبليَّه" (منطقة زراعية بين الجزازة وجرش) حيث لجأت إلى أهلها وكانوا نعم الأهل.', 20 => 'ولكل اسم عند العرب ما يبرره ومن المعلوم أن الطبيعة الحصينه للحسينيات بين الجبال كانت سبباً للجوء كثير من المضطهدين والخائفين على أنفسهم إليها حتى شبهها بعضهم بقلعة رودس التي تقع في البحر الأبيض المتوسط، والتي كانت مركزاً للفرسان الصليبيين اللذين غزوا بلادنا في القرون الوسطى. ', 21 => 'وصل الامر إلى الدولة وقُبِضَ على سالم ونُقِلَ إلى سجن الشام وحُكِمَ هناك... وبعد فترة من سجنهِ توفي في السجن... كان هذا الحدث مثار خلاف في ما بعد بين ابناء سليم شريده وحمود... وقد جرت أحداث على تلك الخلفية... ثم كان حرق بيدر حسين السليم” والله اعلم بالفاعل... ولعل ذلك يوضح لجوء حسين السليم لأبناء احمد الموسى وعرضه عليهم ”مشد فدان” في الحسينيات”. ', 22 => 'كانت راجب نقوط من العدوان حلفاء الفريحات إلى حسن البركات عند مولده وذلك لشعورهم بالجميل لوقوف الفريحات لجانب العدوان في حربهم مع الصخور وعبّاد حيث لجأ العدوان لجبل عجلون الذي كان حصناً منيعاً بالمكان والرجال. قامت الزراعة في راجب على الري الذي يحتاج للأيدي العاملة والفعلة، وهكذا جاء الصماديه يعملون في الأرض على مشرك، وكثر الصماديه وعظم شأنهم وطمعوا في تملّك راجب ولم يستطع حسن البركات الوقوف لهم لتفرّق كلمة الفريحات، وتمادوا حيث تعدوا على الفريحات حتى أنهم كسروا أفران الخبز وجهروا بأن راجب لهم. حاول حسن أن يصلحهم بجزءٍ من راجب لكنهم قالوا إما نأخذها كلها أو نتركها كلّها، وزاد شرّهم وشغبهم وغلبوا الفريحات على أمرهم.', 23 => 'وفي مجلس حاخامات اليهود والمندوب السامي وبعد الترحيب براشد واستضافته في فندق الملك داوود قال المندوب السامي:" يا باشا نريد أن نجعل منك الرجل الأول في هذه البلاد وعلمنا أن الناس يطيعونك في جبل عجلون ويحترمونك، وهذه الشنطة مليئة بالدنانير الإنجليزية الذهبيّة هي هديّة لك من الملك جورج وهناك يهود مساكين مضطهدين في أوروبا يريدون أن يلجأوا إلى جوارك ويكونوا طوع أمرك.', 24 => 'جلس عبد المهدي يحدّث الناس عن أهوال الحرب والأسر وغرائب الهند وحرقهم الأموات والاستعباد والبواخر وقصص لم تنتهي طوال حياته، وقد كانت عودته وساماً لراشد الذي لم يدّخر أية فرصه لخدمة أقاربه مما زاد حب الناس له.', 25 => 'راشد الخزاعي وسعد الخلف', 26 => 'بدأ تساقط الثلج فخاف حميد على الغنم من البرد وقصد مغاره دافئة في نجده ”عراق دار عوض" حيث وضع الغنم في المغارة وكان برفقته حسين ابن أخيه، تساقط الثلج طوال الليل وفي الصباح كانت الثلوج قد غطت المكان واغلقت باب المغارة إلا من جحر صغير بقي بسبب نفس الغنم وكان حميد قد احتاط للأمر فأدخل الحطب إلى المغارة في اليوم الأول وكان يوقد النار داخل المغارة طلبا للدفء والاستئناس بالنار، تواصل سقوط الثلج لمدة سبعة أيام لم يكن لهم طعام إلا ما يذبحون من (الجديان) وكان مما نغص عليهم طعامهم انه لم يكن لديهم ملح فكان الشواء ناقص لا طعم له، خرج حميد من ذلك الجحر في الثلج فشاهد الدنيا ”طاسه بيضا" فقام بقطع بعض الأغصان بطبره حيث التهمت الاغنام أوراقها بسرعه حيث بلغ الجوع بالأغنام أن أكلت شعر بعضها وقد كان في عمل مستمر لإطعام أغنامه من ”القصف" حيث كانت ”نجده” غابه من السنديان والملول و البطم. ', 27 => 'توجّه حميد بجمليه المحمّلين بالعصي إلى عمّان مع رفقة من البدو الذين كانوا قد سكنوا في الماصية بجوار حميد، باع حميد العصي في عمّان، وفي صباح ذلك اليوم رأى عيسى رؤيا قصّها على أمّه رسميه العبدون، قال:" ياأمي رأيت جملنا يتدحرج من الرمان إلى سيل الزرقاء، وأنا خائف على أبي أن يكون قد جرى له مكروه" فقالت:” توكّل على الله”، وكان لعيسى شأن يقضيه في جرش فتابع طريقه.', 28 => 'وفي طريق العودة في منطقة الرمّان تغيّر حال الجمل وكان حميد يقوده ولما وصل سيل الزرقاء سقط الجمل على الأرض وخاف حميد عليه الموت فنحر الجمل وسلخه وأرسل حمارته مع البدو، فلما وصلوا إلى نجده خافت رسميّه من قدوم الحمارة بدون حميد والجمال ولكنّ البدو أخبروها بأن حميد ذبح جمله وأنهم تركوه على سيل الزرقاء فلامتهم على سوء الرفقة.', 29 => 'وضع حميد لحم جمله على الجمل الآخر كما استغلّ فرصة وجوده على الماء فنظّف الطراف، كان هذا العمل شاق على رجل واحد ولكن حميد ما لبث أن وصل إلى نجده حيث كان يسكن ببيت شعر في الماصيه، فقام بتوزيع جزء كبير من اللحم على الأقارب وجيرانه البدو.', 30 => 'كان صديقاً حميماً لأبناء عمّه أحمد الموسى وكثيراً ما كان يزور نجده ويمكث بها أسابيع على الرحب والسعه في دار عوض وحميد، كما أنه زوّج ابنته وفقه من محمود العوض، وكانت نبتة خير لم يُسمع أن أحداً كرهها بل كانت أخت الجميع.', 31 => 'كثيراً ما عانا عبد القادر من نزوات أقاربه وكان دائم السّعي في إصلاح ما أفسدوا، أما عوض وحميد فكانوا لا يقطعون أمراً دون الرّجوع إليه واستشارته في الملمّات.', 32 => 'الصماديه وعبد القادر وابنه عبد الحليم', 33 => 'تشاور الصماديه وأجمعوا على الادعاء بأن عبد القادر هو الذي قتل الصمادي علماً بأن عبد القادر لم يكن موجوداً في المكان، ولم يجد الحاكم بُدّاً من تحويل الأمر إلى المحكمة.', 34 => 'مثل أمام القاضي ثلاثون شاهداً كلّهم أقسم بأنه شاهد عبد القادر يضربه بعصاه حتّى قتله، وهناك سألهم القاضي كيف حصل أن كنتم ثلاثون رجلاً ولم تفزعوا لصاحبكم وكان عبد القادر رجلاً واحد ومعه عصا فقط؟ فلم يجدوا جواباً، ناقش المحامي الشهود فاختلفت شهاداتهم، كما أنهم لم يتعرّفوا على عبد القادر بين الحضور ولم يبيّنوا سبب تواجدهم هناك حيث كانوا من عجلون وعنجره ولم يسبق لهم رؤيته. وبعد فترة طويلة من سجن عبد القادر صدرت براءته وأُفرج عنه، والطريف أن الكردي عاد إلى المنطقة وأخبر أقارب القتيل بأنه هو القاتل ولكنهم لم يرجعوا عن غيّهم.', 35 => 'عاد حميد إلى البرامه ونصارى عنجره فاشترى منهم أرضاً له ولأخيه وأبناء إخوته مما أغضبهم وطلبوا القسمة للتخلص من تصرفات حميد وشراؤه الأرض حيث لم يكونوا راغبين بذلك، وفعلاً تمّت القسمة وأخذ كل واحد حقّه حيث صارت:" تلعة المغارة" من نصيب عوض وحسن وحسين، و"جورة البطمه" لعلي، و"راس الوحاه" لحميد، أما ”الماصية والكسارة" فقد كانت لعوض وحميد وعلي، و"خنيزير" لحميد وعوض. ومن المؤسف أنه بعد القسمة وفصل الأغنام والمواشي عن بعضها تعرّضت مواشي حسين وحسن وعلي للنهب من قبل الصماديّه وردّ عليهم الفريحات بنهب بقر” النورسي".', 36 => 'كما أن عوض كثيراً ما كان يتشاجر مع رجال ونساء برما حيث كانوا يتعمّدون أذى الفريحات، ولكن بعد فترةٍ استقرّ الأمر وعادوا يعاملونهم معاملة الأصدقاء والجيران.', 37 => 'ومن الطرائف أن زوجته أميره الحسن أرادت أن تخصه بالطعام فقال: لا دعيه حتى يأكل الأولاد قاصداً بذلك أولاد حسين بعد وفاة زوجته مريم، أما الصغار عيشه وسليمان فكانوا قد انضموا إلى عائلة حميد ولم يرضَ أن يخصّ نفسه بشيءٍ دون أبناء أخوته.', 38 => 'وكان لكثرة الضيوف يتصادف عدم وجود طحين أو رز يكرم به ضيفه فيلجأ إلى رسميّه متضرعاً أن تدبّر أمره حيث كان يعد التقصير مع الضيوف فضيحه، وكان يحصل أن يكون محرجاً أشدّ الحرج خاصة إذا كان ضيوفه من الضيوف الكرام اللذين لا بدّ من إكرامهم، وكانت رسميّه تفك ضيقته حيث كانت تخفي عن العيون كميّة من الطحين أو الرز على الرف للحاجة. ', 39 => 'كانوا في ضيق، فجاءتهم نَجده أرسل بها الخليفة الراشد عمر- رضي الله عنه-، وقد سكن نجده جماعة من السلط فلمّا عادوا بعد سنين طويلة سموهم ”النجداويّه" نسبةً إلى نجده. كما سكن نجده الفواخيريّه وهم نصارى كانوا يمتهنون مهنة الفخار، وكان آخر من سكنها من قبل الفريحات هم نصارى من عنجره تركوها بسبب حادثة قتل حسن الحسين السليم في عين" قدرا". ', 40 => 'عيسى وهاجر وأبناء حميد', 41 => 'مات حسن الأسعد في الحسينيات فخطبها حميد لابنه من أخيها حسين الحسن الذي اشترط مهراً غالياً لها هو” خمسمائة دينار" فاختار ستين رأساً من الماعز بستين ديناراً وكانت أحوال حميد وعيسى الماديّة جيّدة بسبب التجارة المذكورة آنفاً فلم يتوانوا عن دفع المهر وإتمام الزواج.', 42 => 'تمّ زواج عيسى بشريفة وهاجر بِعلي في الحسينيات، وكان عوض وحميد يتطلّعون إلى الانتقال للسكن في نجده حيث أملاكهم التي اشتروها من البرامة والنصارى، وحيث توجد مغارات كبيرة تصلح مشتىً لأغنامهم، وكان مما غنّته صوره تلك الفترة:', 43 => 'كان لتملّك عوض وحميد أراضي من أهل برما ونصارى عنجره بعض الحسّاد والطامعين، حيث كان ذلك يعبّر من جهةٍ عن مكانةٍ ووجاهةٍ حازوا عليها بكدّهم، ومن جهةٍ أخرى كان هناك منافسين يرغبون بتملّك أجزاء من هذه الأراضي، وكان عيسى أكبر الشّبان ولذلك وقع على عاتقه الدّفاع عن ممتلكات العائلة وكرامتها ومن المعلوم أن الرعاة كانوا يتنافسون على عين جحدب وتنشب بينهم المشاجرات، وكان هناك لصوص لا يؤتمن جانبهم مما جعله في حالة استنفار دائم، وكان أمرهم يدور بين الفعل وردّ الفعل، فمن صادقهم صادقوه وحافظوا على ماله ومن أساء إليهم بادلوه الإساءة بأكثر منها حتى لا يعود لمثلها.', 44 => 'كانت تلك المجموعة من العياصره قد عزموا على الأمر واستعدّوا له فأجاب رزق الله:" بدنا نكسره ونمعط لحية أبوك"، كان عيسى سريعاً في استعمال ما وقع تحت يده وهو كريك كان بجوار البئر فضرب رزق برأسه ففلغ رأسه وثار دمه يغطّي ملابسه ووجهه وعلا الصياح:" وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله، وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله، وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله".', 45 => 'وكما قيل في المثل ”اطلق على القوم ابن بنتها"، ولكن عبد الحميد الرجا قال:" ما تشوف أقشر من اليوم" وتقدّم بإتجاه عيسى، فاطلق عيسى عليه النار فأصاب فخذهُ حيث لم يقصد قتله، ثم سحب جرار بندقيته عياراً نارياً قصَّ عقال احدهم عن رأسه، ثمّ سحب الجرار فعلق الظرف الفارغ بالبندقيةِ ولولا ذلك لقتل منهم آخرين، وحمل مسدسه فخافوا وكفّوا فصاحوا وقالوا” الزلمة إحرج.. الزلمة إحرج" كنايةً أنه لم يعد يبالي بقتلهم، وخرج إلى ظهر الخشّة فأخرج الظرف الفارغ من البندقيّة وأطلق عليهم فخافوا وابتعدوا عن المكان، وتقدّم أناسٌ من ”أميره" زوجة عوض يطلبون مفرشاً يحملون جرحاهم عليه وبعد رجاء من أميره سمح لهم عيسى بأخذ مفرش ولم يكن في ذلك اليوم في نجده إلا عيسى وأميره زوجة عوض حيث كان الناس غائبين ولم يشهدوا ذلك الحادث وكذلك عاد المعتدون يحملون عبد الحميد ورزق الله جرحى ولم تكن الطبابة متوفرة تلك الأيام وفي الطريق كان ابن عبد الحميد يقول:" يابا .. يابا.." فقال له عبد الحميد:" أبوك اليوم رزق الله ولست أنا - كنايةً عن ندمه لمؤازرة رزق الله كما قال في طريقة للمستشفى – لن نجيت غير أصلح عيسى العبد الحميد وألبسه عبائه، هجمنا على الزلمه بداره شو بدو يساوي غير يذبحنا". وهكذا مات عبد الحميد بعد يومين نادماً على فعلته وعلى مناصرة رزق الله. أما رزق الله فقد شفي ولكنّه صار مكروهاً من جميع العياصره والفريحات سواء، ولم يطالب بشيءٍ بعدها، وهكذا استقرّ أمر الفريحات بنجده وتخلّى عنها العياصره.', 46 => 'أهازيج نبطيّة في ذلك:', 47 => '#تحويل [[اسم الصفحة الهدف]]', 48 => 'بنى حميد بيتاً في نجده مكوناً من غرفتين واسعتين كما بنى صيرةً للأغنام وحوش للأبقار وخشاش لتخزين التّبن وأعد كل متطلّبات الفلاح، وكان عليه أن يفكّر بالماء حيث أرهقه جلب الماء من عين جحدب وكان البديل هو آبار الجمع.', 49 => 'كان عيسى جريئاً فصاح بهم ونهاهم ولكنهم هددوا وتوعدوا فقال رزق الله ”غير نكسره ونمعط لحية أبوك ”وفوراً تناول عيسى ”كريك" كان قريباً منه فضرب عيسى ”رزق الله” برأسه ففلغ رأسه وثار دمه على ملابسه ووجهه ففر من مع ”رزق الله" وأمطرهم عيسى بوابل من الحجارة وصاروا يصيحون ”وين راحوا النشامى ”عيسى ذبح رزق الله فجاءت فزعة كبيرة من الحراثين من المشماس وتلعة جحدب وام عبهره ومارس الرمان وتلعة يوسف جاءوا حاملين أطبارهم وعصيهم الواحد في إثر الآخر وذلك لأنه كانت تنشب شجارات بين الفريحات والعياصره وكانوا يتحرّقون غيظاً على عيسى لأنه كان أشد الناس إغاظة لهم وتحدي في سالف الأيام ولذلك جاءوا مدفوعين بحقدٍ دفين فتبادل عيسى معهم رمي الحجارة وكانوا كثره”فقال رزق الله" ما حدا يتجوز بنت العيصراني بقرشين إذا ما ذبحتوه تراه ما بطوق عليكوا بالعلكة ” وكان يصيح ويحرض، ولما كثروا وأصبح عيسى غير قادر على ردهم بالحجارة ركض إلى بيته ليحضر السلاح فدخل ورد الباب خلفه فضربوا الباب بالحجارة وقالوا ”إكسروا الباب واذبحوه لو قدام مرته" ولكن عيسى خرج مسرعاً فشاهدا بندقيته ومسدسه فتراجعوا وكان إصبعاه على الزنادين وقال من خطى خطوه قتلته فخافوا وتراجعوا حتى وصلوا إلى امام ”خشة عيد المرشود” ولكن عبد الحميد الرجا ”ابن عاشه الحمود الفريحات” تجرّأ ولم يكن له علاقة بالبئر غير أنه فزع حميه لأهل بلده، تقدم عبد الحميد الرجا فقال عيسى ”خالوه خليها تيجي بغيرك تراها لزمت” (وقديماً قال المثل أطلق على القوم ابن بنتها ) قال عبد الحميد ”والله ما تشوف أقشر من هذا اليوم” وتقدم فأطلق عليه عيسى النار من بندقيته فأصابه في فخذه ولو أراد أن يجعلها بين عينيه لفعل ولكن لم تكن لديه نية قتل بل كانت دفاعاً عن النفس و الكرامة، سحب جرار بندقيته فجهزها بطلقة اخرى ويده لا تزال على زند مسدسه الموجّه إليهم ففروا جميعاً، قفز عيسى على ظهر خشة" عيد المرشود ”واستحكم وقال ”بعد إلي صار ما انا سائل عنكم قد ما تكونوا” فأطلق رصاصة أخذت عقال أحدهم عن رأسه، رأوا أن الأمر جدّ ففروا مذعورين خائفين على أرواحهم.', 50 => 'وكان من بعض الحضور أصدقاء الفريحات الذين لم يكونوا راضين عمّا حصل فرجوا أميره وعيسى أن يسمح لهم بمفرش وسلّم يحملون الجريح عليه وبعد تردد سمحا لهم بذلك ومنذ ذلك الوقت تأصلت عداوة بقيت لسنين طويله.', 51 => 'فزع أهل عنجره عامةً لأن الجيرة كانت لعشائر عنجره، فزعوا بخيولهم وجمالهم وحميرهم ينقلون كل ما يتعلق بأبناء احمد الموسى، عوائِلهم و أغراضهم صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأُنثاهم إلى ”الساخنه" وذلك أن من لوازم الجلوة أن يقطعوا وادياً، وفي الساخنه كانوا على الرحب والسعة ومحلّ عناية اهل الساخنه اللذين بذلوا كل ما يمكن بذلة للمحافظة على أموال أبناء أحمد الموسى وكانوا عندهم محل ترحيب وتكريم. ومنهم أصحاب الذّكر الطّيب: خليل الأحمد، ومحمد السعيد، ومحمد أحمد عبد الرحيم، كانوا أهل همةٍ ونخوةٍ وعون ”نشامى" بكل معنى الكلمة، حتى أن نسائهم ساعدن نساء الفريحات بالأعمال المنزليةِ والحليب والخضيض، وكانت لهم أيادي بيضاء على الفريحات لا تنسى حيث كان هناك مغارة كبيره" عراق” مشتى لأغنامهم و لأبقارهم وذلك عند” قبر النوريه ” قرب عين الحايك، كان الرجال قد أودعوا السجن ”عوض وحميد وعلي و حسن وحسين"، وكان حسين الحسن وعلي الحسين قد رافقوهم إلى الساخنة وجلوا معهم رغم أنهم لم يكونوا ملزمين بذلك، ولكن كان يجمعهم القرابه والنسب والصداقة والمحبه.', 52 => 'كان أبناء أحمد الموسى مسجونين لا حول لهم وكان عشمهم بعشيرتهم كبير وذلك قبل أن يصلهم نبأُ الإجتماع في نحله ببيت عقله الخليل الزعبي الذي ضمّ عن الزعبيةِ بالإضافةِ لعقله الخليل محمد العلي الأطرم، وعن أهل ساكب يوسف الشبلي، وعن بني مصلح نوري الحمود، وعن دار خزاعي فوزي الراشد، أحمد الفارس عن دار عباس، وعلي العبدون وسعد الحسين عن دار شريده.', 53 => 'أما العناجره ”أهل الوجه" فقد كفّوا ووفوا حيث كانوا في حراسة بيوت الفريحات في نجده وبحراسة زرعهم فلم يستطع أحد التعرّض لأموالهم، أما العياصره فقد اختاروا محامياً لهم هو” فايز سبع العيش" الذي كان محامياً مشهوراً ذلك الوقت حيث لم يكن هناك إلا قلّه من المتعلمين يعدّون على الأصابع.', 54 => 'ليس لأمرٍ يسير لعن الله الراشي والمرتشي والرائش فهم يستحقون اللعن، كيف لا وفيه تضييع حقوق العباد وأكل أموالهم وسفك دمائهم بغير حق، وما كان ليصدر حكم ضدّ عيسى الذي كان يدافع عن نفسه وأهله وماله لولا الرّشوة التي تلقاها المحامي فبدل أن يكون مدافعاً عن موكله كما يقتضي عرف المحاماة صار متعاوناً مع خصومه لإيقاع أقصى عقوبة به، وقد أعماه المال الذي دفُعَ من قبل العياصره واشتروا به ذمّته وربما اشتروا ذمماً أخرى رخيصة، باعوا الآخرة بالدنيا.', 55 => 'الصلح', 56 => 'وكان للفريحات حصّة في ضريبة الدّم في فلسطين في حرب عام 1948م حيث استشهد بعضهم منهم (عبد المجيد الحمود الذي استشهد بانجار لغم يهودي كما استشهد أحمد النوري وأحمد العبد المهدي)، وقد تعاطف الفريحات مع نوري وعبد المهدي لدرجة أن نوري الذي كان يعاني من قطيعة أقاربه (بني موسى) قال: “ لقد خفف عني حضور أقاربي... فقدان أحمد وأحمد وأنا اليوم مسرور بما حصل، كما نجا آخرون بأعجوبة وهم فارين من فلسطين المحتلّه.', 57 => 'وفاة عيسى', 58 => 'ما كادت النفوس تستقرّ حتى تكدّرت بمرض عيسى ولم يكن هناك عنايه طبيّة بل لجئوا إلى الطب الشعبي و"الفقرا" وكان يشعر بألم في رأسه ولكنّه لم يستسلم لفراش المرض إلا في آخر شهر من حياته وكانت زوجته تعرض عليه طفله الوليد “ جاسر” لتؤنسه فيقول: “ هو لك ليس لي" وانتقل إلى رحمة الله تعالى تاركاً زوجةً وأيتاماً هما “آمنه وجاسر" ', 59 => 'عادت الأحوال في نجده إلى طبيعتها، وصار أهل نجده مرهوبي الجانب، وكانت السرقه قد تفشّت بالبلاد حتى صارت عاده، ولكن عوض وحميد كانوا لا يغفلون عن ممتلكاتهم ومواشيهم ولذلك تحاشاهم “ الحراميّه" السرّاق وقالوا فيما بينهم: “هظول ما بروح لهم طلبه"، وكانوا يرتّبون من أبنائهم حراسةً ليليه، وفي إحدى الليالي مرّ نفرٌ متّجهين إلى الغرب ليلاً حتى تجاوزوا نجده فقال احدهم: “ هذه أول مرّه نمرّ دون أن يعترضونا”. ولكن كان هناك شابان من نجده يسمعانهم فأطلقوا النار بقربهم فولّوا هاربين، وكانوا يرون أنه من العيب أن لا يكون حماك منيعاً.', 60 => 'وممن تتلمذ على يديه من أبناء أحمد الموسى “ محمد الحميد" حيث كان يحضى بمعاملةٍ خاصّة بسبب الصلة التي تربطه بدار حميد. وكان محمد ابن الشيخ حسن أول من حصل على الدكتوراة من عشيرة الفريحات ولكنّه لم يلبث أن انتقل إلى رحمه الله في ريعان الشباب، وكان الشيخ حسن في ذلك مثال للصبر على قضاء الله نسأل الله العفو والعافية.', 61 => 'التهمه الباطله', 62 => 'كان الشهيد مرابطاً في وحدته العسكريّة في فلسطين عندما نشبت تلك الحرب التي كان لها نتائج وخيمة وكانت نكسة بل نكبة كبيرة هُزمت فيها الجيوش العربيّة النظاميّة وذلك في الخامس من حزيران من عام 1967 “حرب الأيام الستّه".', 63 => 'انتظر أهل نجده “الوسم" سقوط المطر وعلامة الري أن لا تصل سكّة المحراث إلى باطن الأرض الجاف، وبعد سقوط المطر قالوا “ إروت" ففرح الجميع بهذه البشاره بموسم خيرٍ وبركه، وهرع المزارعون لأعداد محاريثهم الخشبيّة و “حذوا فدادينهم" حيث جاء الحداد من جرش وركّب الحذو للثيران “العمّالات" وهيّئوا البذار.', 64 => 'رغم ذلك كان سقوط الثلج عيداً يحتفلون به حيث يزيلون الثلج عن الأبواب ويطبخون المفتول وطبيخ الحليب المغطى بالسمن البلدي، و"اللزاقيّات" المفتوتة بالسمن والسّكر، والمطابق بالسمن والسّكر، أما الرعاة المتواجدون في المغر فعندهم طحين لصنع (القرصه) ولديهم السّمن. كان للشتاء نكهةٌ خاصّه حيث كان يفرض نفسه بقوةٍ تؤثّر على كل مناحي الحياة.', 65 => 'في المساء كان الناس يتحدّثون في سهراتهم عن ممارساتهم في المراعي والبراري وأحاديث الوحش والحيّه والضبع وأحاديث صيد الأرانب والحجل وأحياناً الغزلان والعكاكس والنياص، وكان للخيول جزء من أحاديث الناس عن ترويضها وأنسابها وصفاتها. ', 66 => 'استبدلت الحقول ثوبها الأخضر بثوبٍ أصفر ذهبي وأسرع الفلاحون لحسم المناجل وإعداد ”قادم القشّ" وتهيئة مكان البيدر، أشرقت الشمس وخرج الناس لموسم الحصاد كالنمل، فمنهم من يقلع العدس والكرسنة حتى إذا أكملوا ذلك توجّهوا إلى القمح فمنهم الحصّاد و الرّجاد و الغماره، خرجوا لجني المحصول الذي انتظروه شهوراً فقد قربت المؤنة على النفاد، كما أن عليهم التزامات لتجّار جرش من الشوام.', 67 => 'ركّب الأولاد لوح الدراس الذي أعدّه أجدادهم وسحبهم الفدان طوال النهار على دائرة لا تنتهي يوماً بعد يوم حتى سحقت السنابل والقش، وبدأوا ينتظرون الريح المناسبة ”للتذريه" وبعد التذرية جُمع القمح في" صبّه "مباركة وكانوا يبدأون الكيل بكلمة” الله واحد" بعد أن أخرجوا" صاع الفتاحه" حيث أخذه أول الأطفال الحاضرين ليشتري الحلوى ”الكعكبان، الحلاوه، الراحه" ويطعم أترابه. تم نقل التبن الى التبان والقمح إلى الرف والكواير.', 68 => 'قد تطول الخطبة لسنوات وقد تقصر لأسابيع حيث يحدد موعد الزواج، ويقوم أهل العروس بشراء” الكلفة" لابنتهم من ذهب ولباس وأثاث من المهر الذي تم قبضه سواء كان نقداً أو ارضاً أو ماعز. وقبل الزواج بأسبوعين تقام الدّبكة حيث يجتمع أهل القرى للمشاركة في الأفراح، ويحضر الشباب الدبكة سيراً على الأقدام من القرى الثلاث، وفي آخر الليل يتناولون طعام العشاء ثم يعودون في اليوم التالي، وذلك في كل يوم حيث يضاء ”اللوكس" وتشعل النار وترش الأرض بالماء حتى لا يكون غبار، وفي اليوم الموعود تنطلق ”الفارده" على الدواب تتقدّمها الخيل إلى بيت العروس، يسوقون الذبائح بعد أن أرسلوا النساء في الليلة السابقة لإجراء مراسم الحنا.', 69 => 'وفي اليوم التالي يعود الناس لتقديم التهاني وأكل ”فطيرة البخت" التي تصنعها أم العروس ويشتركون ببعض الألعاب المسليّة كالرماية والسباق، وما هي إلا أسابيع أو أيام حتى تكون العروس مشاركة مع العائلة في إحضار الحطب وتطيين البيوت استعداداً لموسم الشتاء.' ]
السطور المزالة في التعديل (removed_lines)
[ 0 => 'يبلغ عديد عشيرة الفريحات في الأردن لوحدها حوالي <ref>الرقم تقديري ومستقى من سجلات الانتخابات البرلمانية الاردنية للعام 2012</ref>نسمة. وقد تفرّع الفريحات جميعهم من” سليم ابن فريح" وكان له أربعة من الأبناء هم سلامه، عثمان، محمد، بركات، وكان منهم من سكن الدار الشرقية (في كفرنجه) ومنهم من سكن الدار الغربية، وقد تفرّعت الدار الغربية من” بركات” وأما الشرقية من ”سلامة". وعليه تقسم الفريحات الى فريحات الدار الشرقية وفريحات الدار الغربية.', 1 => ' وأخيراً وصلت النّاقة إلى كفرنجه، إلى بلاد ابن فريح صاحب الصيت والشهرة، كانت النّاقة متعبه وعندما سأل الشباب كبارهم وفهموا المقصود ثارت حميّتهم وأوقفوا النّاقة.', 2 => ' بكى أحد كبار السن من العدوان لخيبة أمله مما آلت إليه الأمور، ومن كثرة جموع الصخور اللذين تحشّدوا لعلمهم بمناصرة ابن فريح للعدوان. ولمّا رأى الشيخ يبكي قال سائلاً:”ليش تبكي؟ "فأجابه” أبكي عليك اليوم يومنا وانتهى أمرنا" وذرف دمعه وأطرق برأسه وكظم غيظه وتساءل ”أهذه هي فزعة ابن فريح"؟ وجادت قريحته بالشعر. سمع ذلك مصطفى بن فريح فشبّ قائما وقال: "لا تبكِ يا ختيار الأمر ما هو بالكثرة، جئتك برجال رضعوا الفروسيّة وفنون الحرب مع حليب أمهاتهم، ماهي بالكثرة، اليوم يومهم...أبشروا اليوم يومهم...أبشروا اليوم يومهم".', 3 => ' تقدّم عوّاد قاهر الفرسان، وكان فارساً متمرّساً، كثيراً ما أطاح بالرّقاب في ميادين المبارزة، وكثيراً ما أذلّ خصومهُ ببراعتهِ وذكائهِ، كان مجرّد ذكره يخلع قلوب مبارزيه ويسقطون صيداً سهلاً له، كان يعتمد الخديعة والحربُ خدعة.', 4 => ' ردّ مصطفى بأبيات من الشّعر تناسب الحال مضمونه:" اللي ما يعرف الصقر يشويه، واليوم تعرفنا، واليوم يومك، ما تشوف أقشر من اليوم". وبدأت المبارزة بالسيف، أبدى كل واحد منهم مهارة وخفّة ورشاقة حيّرت المشاهدين. وبعد فترة طويلة من المبارزة أدار عواد رأس جواده وراح يعدو به متظاهراً بأنه فارٌ من المبارزة، أما مصطفى فعلم أن الأمر به خدعة ولكنّه غدا وراءه بحذر وأخذ بندقيّته حتى إذا أحكم تسديدها بين كتفي عواد أطلق النار ورأى لمعة الحديد بين كتفيه حيث أصابته الرصاصة وعرف بسرعة بديهته أن الفارس ”مدرّع" وأن فراره كان خديعة وفوراً استدار مصطفى إلى الوراء عائداً إلى الصفوف مسرعاً، وكان عوّاد فور إصابة درعه قد استدار مشهراً بندقيّته يجري خلف مصطفى ولكن مصطفى عاجله إلى صف الفرسان وقال: "ابن اختي يا سليمان، الفارس مدرّع ومخبي درعه تحت العباءة وإذا ما صبته بعينه قتلك".', 5 => ' والشيخة للفريحــات والله بــتخص', 6 => ' والشيخة للفريحـات ولـــــــــها زمان', 7 => '==يوسف البركات: شيخ مشايخ السبع نواحي ”شيخ مشايخ جبل عجلون"==', 8 => '=كان هذا أرفع منصب في شرق الأردن من الشوبك إلى حوران وقد تقلد هذا المنصب ”يوسف البركات" حيث كان مسؤول عن جمع الضرائب وحاكماً إدارياً، ولم يرق ذلك ”لشريده الرباع” زعيم الكورة حيث كان منافساً على الزعامة، ومما نغص عليه عيشه أن ”يوسف البركات" حل عليه ضيفاً ومطالباً بالضرائب، وكان ضيفاً غير مرغوب به، وكانوا مجبرين على الاحتفال به وإكرامه غير أن شريده أسرَ إلى الخادم أن يقول عند الطعام ”يا معزّب روح تعال"، وعند تقديم الطعام صار الخادم يكرّر العبارة "يا معزب روح تعال"، فغضب يوسف ونفض يده من الطعام وعلم المقصود. عاد يوسف بعد أيام ونصب بيت شعر على ظهر بيت شريده في (تبنه) رغماً عنه وفي ذلك تحدي وإهانة له ولكن شريده، رجاه أن يرحل ووعده بإحضار المال المطلوب إلى سرايا إربد. وفي مساء اليوم المحدد، أحضر شريده معه المال وعند الاستئذان طلب ”يوسف البركات” من الخادم أن يتأكد أن ”شريده" لوحده، وذلك لتوجسه منه ولكن شريده تظاهر بأنه لوحده. وعند فتح الباب هجم على الخادم وقتله، ثم دخلت معه مجموعه من الرجال كانوا مختفين ورائه بجانب الجدار إلى مكان ”يوسف”، حيث سفكوا دمه ليغسلوا الإهانة التي لحقت بهم منه وهكذا مات يوسف البركات في عام (1761م\1175هـ)، بعد أن تم الاستيلاء على كفرنجه التي كانت ملك لأهل عنجرة، وبعد ذلك نهض فياض ابنه ليثأر له ولكن لم يتم له الأمر، حيث قتلَ كذلك، وبذلك خرجت الكورة عن سيطرة الفريحات، وصارت تحت سيطرة ”الشريدة" بلا منازع وكان نتيجة هذه الأحداث أن سادت الفوضى والاضطرابات في جبل عجلون للصراع بين ”الفريحات" و”الرباع"، مما اضطر والي الشام أن يتدخل فأرسل جنداً قبضوا على ”كايد" الذي كان متمرداً مع جماعه من الفريحات على سلطة الدول العثمانية بسبب ما جرى في الكورة حيث أُعدمَ شنقاً في بلدة ”سوف".', 9 => ' كان موسى مولعاً بالخيل حيث كان له حصان يسمى ”الأشقر” قريباً إلى نفسه كأحد أفراد عائلته، كما كان موسى رامياً لا يخطئ رميته.. كان ضرغام إبن عمّه عباس أخيه لأمه، حيث أن عباس خلف أخاه مصطفى على زوجتهِ” شلحه العدوان" بعد وفاتهِ.', 10 => ' طال أمر الدعوى وكثرت مصاريفها حتى اضطرَّ موسى لبيع أرضه في البحر لسداد ما عليه من مصاريف. وبعد سنوات من المداعاة والنفقات الماليّة ربح ضرغام الدّعوى، حيث آلت الجزارة له والمجدل للبيكوات، أما موسى فقد كان له حصة في الجزازة هي الربع، أعطاه إياها ضرغام كما تم الاتفاق مسبقاً عليه، ولم تكن آنذاك حاجة لسندات الملكية، وكان هذا يعدّ إنجازاً عظيماً حققه ضرغام بصلاته بالدولة وبما قدَّم موسى من حرِّ ماله الذي تمكن به ضرغام من تحقيق هذا الأمر، وهكذا صار لموسى ربع وقيل خمس الجزارة أما باقي الجزارة فصارت لضرغام وعبّاس وملاوي، وكانوا قد قسموها فدادين يزرعونها بالتناوب سنه بعد سنه، وهكذا استمرَّ أمر التناوب في زراعة الأرض المقسومة إلى فدادين طيلة حياة موسى ثم ابنه أحمد من بعده، وكان هذا سائداً في تلك الفترة حيث كانت الفلاحة موجهه إلى زراعة الحبوب بشكل خاص.', 11 => ' لسببٍ غير معروف تكاتف البدو والدروز القادمين من بادية الشام ضد الدولة ولم يكن بمقدور الدولة المحلية السيطرة عليهم، وعمت البلاد الفوضى والسَّلب والنَّهب، فاستعان الحاكم الإداري العثماني بحلفاء الدولة التقليديين" الفريحات".', 12 => ' جمع الفريحات جمعاً من رجالهم ومن رجال العشائر المتحالفة معهم واختاروا أن يكون موسى” عقيد القوم" وذلك لشهرته بالفروسيَّة والرِّماية ولرجولته المشهود لها، وانحاز موسى بجمعه إلى رجال من الحكومة "الجندرما" وجيش، وجرت مناوشات يوميَّه بينهم وبين الدروز والبدو المتمرِّدين على سلطان الدولة، وكانت المناوشات تتم بالنَّهار وتخمد بالليل.', 13 => '" أتترك القوم يقتلون هناك وأنت هنا يا عقيد القوم؟؟ أتتركهم يُذبحون وأنت قاعد تحت قدمي خزنه؟!!', 14 => ' يا نايمات الضاحي.....شيخكن..كن..راحِ', 15 => ' راعي الحصان الأشقر... مربوط بالمراح............ي', 16 => ' كان ابن فريح صبوراً ولكنه فهم المرادَ بهذا التصرف، حيث وصل ذلك الرجل إلى مستوى من التكبر تجاوز الحد ”شافت نفسه" فخاف ”ابن فريح" من أن يكون له شأنٌ ومنافسه في المستقبل، فأرسلَ له سبعةً من رجال الليل كل واحدٍ منهم ”رابط له" (أي كمن له) في الطريق حتى لا يفلت منهم وفعلاً قتلهُ أحدهم وقيل أن أقاربه قد سرهم قتلهُ لأنه كان قد استقوى عليهم وأكل حقوقهم. والأغلب أنه لم يكن من برما بل كان عابر سبيل أقام بها إقامة مؤقتة.', 17 => ' وبعد مناوشات ومداولات ومجادلات ساد صمت بانتظار حكم القاضي، وبعد ذلك تكلم ابن غدير وأعلن أن حق الفريحات هو اليمين على الشوحة أناسٌ يحلفون أنهم لا علم لهم ولا يد لهم بقتله، وأناس يزكونهم يحلفون أنهم صادقون ولم يجربوا عليهم الكذب والجرأة على يمين الزور، فأجاب الفريحات بقبول حكم القاضي وأجاب الشوحة بقبول حكمه كذلك. كان الناس يرهبون من وضع أيديهم على المصحف الشريف وحلف الأيمان ويخافون من عواقب ذلك، ولذلك طلب الشوَحة شراء يمينهم” بخرجين" من المال دراهم فضه وقبل الفريحات بذلك أمام القاضي.', 18 => ' ولعل شيطان الطمع هو الذي حمل بعض أقاربهم على التفكير بأكل حقهم في الأرض حيث كانوا أيتاماً ضعفاء، ومن المعلوم أن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم – قد عدَّ أكل مال اليتيم من الكبائر، وقد ورد الترهيب من ذلك في كتاب الله” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" صدق الله العظيم، ولهذا أقول أن الشيطان سوَّل لبعض أقاربهم أكل مالهم ليدخلهم إلى السعير، وقد استغلَّ بعضهم حدوث سرقة ”جداي" في الجزازة فاتهموهم بها وعلى هذه الخلفية كان من شأن أحد الغاضبين أن ألقى أثاثهم وأغراضهم خارج بيتهم وقال: "ليس لكم عندنا بيت ولا أرض” أما باقي الأقارب فقد أعماهم الطمع فآزروه ووقفوا لجانبه وتنكروا لحق الأيتام بأرض أبيهم وجدهم وتواطئوا على ذلك معهم وأكلوا مال الأيتام وقهروهم-وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهنَّد-، وهكذا رحلت فضه مفطورة الفؤاد مع القليل من المتاع مع أبناءها يسوقون أغنامهم وأبقارهم إلى” الزبليَّه" (منطقة زراعية بين الجزازة وجرش) حيث لجأت إلى أهلها وكانوا نعم الأهل.', 19 => ' ولكل اسم عند العرب ما يبرره ومن المعلوم أن الطبيعة الحصينه للحسينيات بين الجبال كانت سبباً للجوء كثير من المضطهدين والخائفين على أنفسهم إليها حتى شبهها بعضهم بقلعة رودس التي تقع في البحر الأبيض المتوسط، والتي كانت مركزاً للفرسان الصليبيين اللذين غزوا بلادنا في القرون الوسطى. ', 20 => ' وصل الامر إلى الدولة وقُبِضَ على سالم ونُقِلَ إلى سجن الشام وحُكِمَ هناك... وبعد فترة من سجنهِ توفي في السجن... كان هذا الحدث مثار خلاف في ما بعد بين ابناء سليم شريده وحمود... وقد جرت أحداث على تلك الخلفية... ثم كان حرق بيدر حسين السليم” والله اعلم بالفاعل... ولعل ذلك يوضح لجوء حسين السليم لأبناء احمد الموسى وعرضه عليهم ”مشد فدان” في الحسينيات”. ', 21 => ' كانت راجب نقوط من العدوان حلفاء الفريحات إلى حسن البركات عند مولده وذلك لشعورهم بالجميل لوقوف الفريحات لجانب العدوان في حربهم مع الصخور وعبّاد حيث لجأ العدوان لجبل عجلون الذي كان حصناً منيعاً بالمكان والرجال. قامت الزراعة في راجب على الري الذي يحتاج للأيدي العاملة والفعلة، وهكذا جاء الصماديه يعملون في الأرض على مشرك، وكثر الصماديه وعظم شأنهم وطمعوا في تملّك راجب ولم يستطع حسن البركات الوقوف لهم لتفرّق كلمة الفريحات، وتمادوا حيث تعدوا على الفريحات حتى أنهم كسروا أفران الخبز وجهروا بأن راجب لهم. حاول حسن أن يصلحهم بجزءٍ من راجب لكنهم قالوا إما نأخذها كلها أو نتركها كلّها، وزاد شرّهم وشغبهم وغلبوا الفريحات على أمرهم.', 22 => ' وفي مجلس حاخامات اليهود والمندوب السامي وبعد الترحيب براشد واستضافته في فندق الملك داوود قال المندوب السامي:" يا باشا نريد أن نجعل منك الرجل الأول في هذه البلاد وعلمنا أن الناس يطيعونك في جبل عجلون ويحترمونك، وهذه الشنطة مليئة بالدنانير الإنجليزية الذهبيّة هي هديّة لك من الملك جورج وهناك يهود مساكين مضطهدين في أوروبا يريدون أن يلجأوا إلى جوارك ويكونوا طوع أمرك.', 23 => ' جلس عبد المهدي يحدّث الناس عن أهوال الحرب والأسر وغرائب الهند وحرقهم الأموات والاستعباد والبواخر وقصص لم تنتهي طوال حياته، وقد كانت عودته وساماً لراشد الذي لم يدّخر أية فرصه لخدمة أقاربه مما زاد حب الناس له.', 24 => ' راشد الخزاعي وسعد الخلف', 25 => ' بدأ تساقط الثلج فخاف حميد على الغنم من البرد وقصد مغاره دافئة في نجده ”عراق دار عوض" حيث وضع الغنم في المغارة وكان برفقته حسين ابن أخيه، تساقط الثلج طوال الليل وفي الصباح كانت الثلوج قد غطت المكان واغلقت باب المغارة إلا من جحر صغير بقي بسبب نفس الغنم وكان حميد قد احتاط للأمر فأدخل الحطب إلى المغارة في اليوم الأول وكان يوقد النار داخل المغارة طلبا للدفء والاستئناس بالنار، تواصل سقوط الثلج لمدة سبعة أيام لم يكن لهم طعام إلا ما يذبحون من (الجديان) وكان مما نغص عليهم طعامهم انه لم يكن لديهم ملح فكان الشواء ناقص لا طعم له، خرج حميد من ذلك الجحر في الثلج فشاهد الدنيا ”طاسه بيضا" فقام بقطع بعض الأغصان بطبره حيث التهمت الاغنام أوراقها بسرعه حيث بلغ الجوع بالأغنام أن أكلت شعر بعضها وقد كان في عمل مستمر لإطعام أغنامه من ”القصف" حيث كانت ”نجده” غابه من السنديان والملول و البطم. ', 26 => ' توجّه حميد بجمليه المحمّلين بالعصي إلى عمّان مع رفقة من البدو الذين كانوا قد سكنوا في الماصية بجوار حميد، باع حميد العصي في عمّان، وفي صباح ذلك اليوم رأى عيسى رؤيا قصّها على أمّه رسميه العبدون، قال:" ياأمي رأيت جملنا يتدحرج من الرمان إلى سيل الزرقاء، وأنا خائف على أبي أن يكون قد جرى له مكروه" فقالت:” توكّل على الله”، وكان لعيسى شأن يقضيه في جرش فتابع طريقه.', 27 => ' وفي طريق العودة في منطقة الرمّان تغيّر حال الجمل وكان حميد يقوده ولما وصل سيل الزرقاء سقط الجمل على الأرض وخاف حميد عليه الموت فنحر الجمل وسلخه وأرسل حمارته مع البدو، فلما وصلوا إلى نجده خافت رسميّه من قدوم الحمارة بدون حميد والجمال ولكنّ البدو أخبروها بأن حميد ذبح جمله وأنهم تركوه على سيل الزرقاء فلامتهم على سوء الرفقة.', 28 => ' وضع حميد لحم جمله على الجمل الآخر كما استغلّ فرصة وجوده على الماء فنظّف الطراف، كان هذا العمل شاق على رجل واحد ولكن حميد ما لبث أن وصل إلى نجده حيث كان يسكن ببيت شعر في الماصيه، فقام بتوزيع جزء كبير من اللحم على الأقارب وجيرانه البدو.', 29 => ' كان صديقاً حميماً لأبناء عمّه أحمد الموسى وكثيراً ما كان يزور نجده ويمكث بها أسابيع على الرحب والسعه في دار عوض وحميد، كما أنه زوّج ابنته وفقه من محمود العوض، وكانت نبتة خير لم يُسمع أن أحداً كرهها بل كانت أخت الجميع.', 30 => ' كثيراً ما عانا عبد القادر من نزوات أقاربه وكان دائم السّعي في إصلاح ما أفسدوا، أما عوض وحميد فكانوا لا يقطعون أمراً دون الرّجوع إليه واستشارته في الملمّات.', 31 => ' الصماديه وعبد القادر وابنه عبد الحليم', 32 => ' تشاور الصماديه وأجمعوا على الادعاء بأن عبد القادر هو الذي قتل الصمادي علماً بأن عبد القادر لم يكن موجوداً في المكان، ولم يجد الحاكم بُدّاً من تحويل الأمر إلى المحكمة.', 33 => ' مثل أمام القاضي ثلاثون شاهداً كلّهم أقسم بأنه شاهد عبد القادر يضربه بعصاه حتّى قتله، وهناك سألهم القاضي كيف حصل أن كنتم ثلاثون رجلاً ولم تفزعوا لصاحبكم وكان عبد القادر رجلاً واحد ومعه عصا فقط؟ فلم يجدوا جواباً، ناقش المحامي الشهود فاختلفت شهاداتهم، كما أنهم لم يتعرّفوا على عبد القادر بين الحضور ولم يبيّنوا سبب تواجدهم هناك حيث كانوا من عجلون وعنجره ولم يسبق لهم رؤيته. وبعد فترة طويلة من سجن عبد القادر صدرت براءته وأُفرج عنه، والطريف أن الكردي عاد إلى المنطقة وأخبر أقارب القتيل بأنه هو القاتل ولكنهم لم يرجعوا عن غيّهم.', 34 => ' عاد حميد إلى البرامه ونصارى عنجره فاشترى منهم أرضاً له ولأخيه وأبناء إخوته مما أغضبهم وطلبوا القسمة للتخلص من تصرفات حميد وشراؤه الأرض حيث لم يكونوا راغبين بذلك، وفعلاً تمّت القسمة وأخذ كل واحد حقّه حيث صارت:" تلعة المغارة" من نصيب عوض وحسن وحسين، و"جورة البطمه" لعلي، و"راس الوحاه" لحميد، أما ”الماصية والكسارة" فقد كانت لعوض وحميد وعلي، و"خنيزير" لحميد وعوض. ومن المؤسف أنه بعد القسمة وفصل الأغنام والمواشي عن بعضها تعرّضت مواشي حسين وحسن وعلي للنهب من قبل الصماديّه وردّ عليهم الفريحات بنهب بقر” النورسي".', 35 => ' كما أن عوض كثيراً ما كان يتشاجر مع رجال ونساء برما حيث كانوا يتعمّدون أذى الفريحات، ولكن بعد فترةٍ استقرّ الأمر وعادوا يعاملونهم معاملة الأصدقاء والجيران.', 36 => ' ومن الطرائف أن زوجته أميره الحسن أرادت أن تخصه بالطعام فقال: لا دعيه حتى يأكل الأولاد قاصداً بذلك أولاد حسين بعد وفاة زوجته مريم، أما الصغار عيشه وسليمان فكانوا قد انضموا إلى عائلة حميد ولم يرضَ أن يخصّ نفسه بشيءٍ دون أبناء أخوته.', 37 => ' وكان لكثرة الضيوف يتصادف عدم وجود طحين أو رز يكرم به ضيفه فيلجأ إلى رسميّه متضرعاً أن تدبّر أمره حيث كان يعد التقصير مع الضيوف فضيحه، وكان يحصل أن يكون محرجاً أشدّ الحرج خاصة إذا كان ضيوفه من الضيوف الكرام اللذين لا بدّ من إكرامهم، وكانت رسميّه تفك ضيقته حيث كانت تخفي عن العيون كميّة من الطحين أو الرز على الرف للحاجة. ', 38 => ' كانوا في ضيق، فجاءتهم نَجده أرسل بها الخليفة الراشد عمر- رضي الله عنه-، وقد سكن نجده جماعة من السلط فلمّا عادوا بعد سنين طويلة سموهم ”النجداويّه" نسبةً إلى نجده. كما سكن نجده الفواخيريّه وهم نصارى كانوا يمتهنون مهنة الفخار، وكان آخر من سكنها من قبل الفريحات هم نصارى من عنجره تركوها بسبب حادثة قتل حسن الحسين السليم في عين" قدرا". ', 39 => ' عيسى وهاجر وأبناء حميد', 40 => ' مات حسن الأسعد في الحسينيات فخطبها حميد لابنه من أخيها حسين الحسن الذي اشترط مهراً غالياً لها هو” خمسمائة دينار" فاختار ستين رأساً من الماعز بستين ديناراً وكانت أحوال حميد وعيسى الماديّة جيّدة بسبب التجارة المذكورة آنفاً فلم يتوانوا عن دفع المهر وإتمام الزواج.', 41 => ' تمّ زواج عيسى بشريفة وهاجر بِعلي في الحسينيات، وكان عوض وحميد يتطلّعون إلى الانتقال للسكن في نجده حيث أملاكهم التي اشتروها من البرامة والنصارى، وحيث توجد مغارات كبيرة تصلح مشتىً لأغنامهم، وكان مما غنّته صوره تلك الفترة:', 42 => ' كان لتملّك عوض وحميد أراضي من أهل برما ونصارى عنجره بعض الحسّاد والطامعين، حيث كان ذلك يعبّر من جهةٍ عن مكانةٍ ووجاهةٍ حازوا عليها بكدّهم، ومن جهةٍ أخرى كان هناك منافسين يرغبون بتملّك أجزاء من هذه الأراضي، وكان عيسى أكبر الشّبان ولذلك وقع على عاتقه الدّفاع عن ممتلكات العائلة وكرامتها ومن المعلوم أن الرعاة كانوا يتنافسون على عين جحدب وتنشب بينهم المشاجرات، وكان هناك لصوص لا يؤتمن جانبهم مما جعله في حالة استنفار دائم، وكان أمرهم يدور بين الفعل وردّ الفعل، فمن صادقهم صادقوه وحافظوا على ماله ومن أساء إليهم بادلوه الإساءة بأكثر منها حتى لا يعود لمثلها.', 43 => ' كانت تلك المجموعة من العياصره قد عزموا على الأمر واستعدّوا له فأجاب رزق الله:" بدنا نكسره ونمعط لحية أبوك"، كان عيسى سريعاً في استعمال ما وقع تحت يده وهو كريك كان بجوار البئر فضرب رزق برأسه ففلغ رأسه وثار دمه يغطّي ملابسه ووجهه وعلا الصياح:" وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله، وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله، وين راحوا النشامى؟ عيسى ذبح رزق الله".', 44 => ' وكما قيل في المثل ”اطلق على القوم ابن بنتها"، ولكن عبد الحميد الرجا قال:" ما تشوف أقشر من اليوم" وتقدّم بإتجاه عيسى، فاطلق عيسى عليه النار فأصاب فخذهُ حيث لم يقصد قتله، ثم سحب جرار بندقيته عياراً نارياً قصَّ عقال احدهم عن رأسه، ثمّ سحب الجرار فعلق الظرف الفارغ بالبندقيةِ ولولا ذلك لقتل منهم آخرين، وحمل مسدسه فخافوا وكفّوا فصاحوا وقالوا” الزلمة إحرج.. الزلمة إحرج" كنايةً أنه لم يعد يبالي بقتلهم، وخرج إلى ظهر الخشّة فأخرج الظرف الفارغ من البندقيّة وأطلق عليهم فخافوا وابتعدوا عن المكان، وتقدّم أناسٌ من ”أميره" زوجة عوض يطلبون مفرشاً يحملون جرحاهم عليه وبعد رجاء من أميره سمح لهم عيسى بأخذ مفرش ولم يكن في ذلك اليوم في نجده إلا عيسى وأميره زوجة عوض حيث كان الناس غائبين ولم يشهدوا ذلك الحادث وكذلك عاد المعتدون يحملون عبد الحميد ورزق الله جرحى ولم تكن الطبابة متوفرة تلك الأيام وفي الطريق كان ابن عبد الحميد يقول:" يابا .. يابا.." فقال له عبد الحميد:" أبوك اليوم رزق الله ولست أنا - كنايةً عن ندمه لمؤازرة رزق الله كما قال في طريقة للمستشفى – لن نجيت غير أصلح عيسى العبد الحميد وألبسه عبائه، هجمنا على الزلمه بداره شو بدو يساوي غير يذبحنا". وهكذا مات عبد الحميد بعد يومين نادماً على فعلته وعلى مناصرة رزق الله. أما رزق الله فقد شفي ولكنّه صار مكروهاً من جميع العياصره والفريحات سواء، ولم يطالب بشيءٍ بعدها، وهكذا استقرّ أمر الفريحات بنجده وتخلّى عنها العياصره.', 45 => ' أهازيج نبطيّة في ذلك:', 46 => 'راوي آخر يؤيّد الرواية الأولى', 47 => ' بنى حميد بيتاً في نجده مكوناً من غرفتين واسعتين كما بنى صيرةً للأغنام وحوش للأبقار وخشاش لتخزين التّبن وأعد كل متطلّبات الفلاح، وكان عليه أن يفكّر بالماء حيث أرهقه جلب الماء من عين جحدب وكان البديل هو آبار الجمع.', 48 => ' كان عيسى جريئاً فصاح بهم ونهاهم ولكنهم هددوا وتوعدوا فقال رزق الله ”غير نكسره ونمعط لحية أبوك ”وفوراً تناول عيسى ”كريك" كان قريباً منه فضرب عيسى ”رزق الله” برأسه ففلغ رأسه وثار دمه على ملابسه ووجهه ففر من مع ”رزق الله" وأمطرهم عيسى بوابل من الحجارة وصاروا يصيحون ”وين راحوا النشامى ”عيسى ذبح رزق الله فجاءت فزعة كبيرة من الحراثين من المشماس وتلعة جحدب وام عبهره ومارس الرمان وتلعة يوسف جاءوا حاملين أطبارهم وعصيهم الواحد في إثر الآخر وذلك لأنه كانت تنشب شجارات بين الفريحات والعياصره وكانوا يتحرّقون غيظاً على عيسى لأنه كان أشد الناس إغاظة لهم وتحدي في سالف الأيام ولذلك جاءوا مدفوعين بحقدٍ دفين فتبادل عيسى معهم رمي الحجارة وكانوا كثره”فقال رزق الله" ما حدا يتجوز بنت العيصراني بقرشين إذا ما ذبحتوه تراه ما بطوق عليكوا بالعلكة ” وكان يصيح ويحرض، ولما كثروا وأصبح عيسى غير قادر على ردهم بالحجارة ركض إلى بيته ليحضر السلاح فدخل ورد الباب خلفه فضربوا الباب بالحجارة وقالوا ”إكسروا الباب واذبحوه لو قدام مرته" ولكن عيسى خرج مسرعاً فشاهدا بندقيته ومسدسه فتراجعوا وكان إصبعاه على الزنادين وقال من خطى خطوه قتلته فخافوا وتراجعوا حتى وصلوا إلى امام ”خشة عيد المرشود” ولكن عبد الحميد الرجا ”ابن عاشه الحمود الفريحات” تجرّأ ولم يكن له علاقة بالبئر غير أنه فزع حميه لأهل بلده، تقدم عبد الحميد الرجا فقال عيسى ”خالوه خليها تيجي بغيرك تراها لزمت” (وقديماً قال المثل أطلق على القوم ابن بنتها ) قال عبد الحميد ”والله ما تشوف أقشر من هذا اليوم” وتقدم فأطلق عليه عيسى النار من بندقيته فأصابه في فخذه ولو أراد أن يجعلها بين عينيه لفعل ولكن لم تكن لديه نية قتل بل كانت دفاعاً عن النفس و الكرامة، سحب جرار بندقيته فجهزها بطلقة اخرى ويده لا تزال على زند مسدسه الموجّه إليهم ففروا جميعاً، قفز عيسى على ظهر خشة" عيد المرشود ”واستحكم وقال ”بعد إلي صار ما انا سائل عنكم قد ما تكونوا” فأطلق رصاصة أخذت عقال أحدهم عن رأسه، رأوا أن الأمر جدّ ففروا مذعورين خائفين على أرواحهم.', 49 => ' وكان من بعض الحضور أصدقاء الفريحات الذين لم يكونوا راضين عمّا حصل فرجوا أميره وعيسى أن يسمح لهم بمفرش وسلّم يحملون الجريح عليه وبعد تردد سمحا لهم بذلك ومنذ ذلك الوقت تأصلت عداوة بقيت لسنين طويله.', 50 => ' فزع أهل عنجره عامةً لأن الجيرة كانت لعشائر عنجره، فزعوا بخيولهم وجمالهم وحميرهم ينقلون كل ما يتعلق بأبناء احمد الموسى، عوائِلهم و أغراضهم صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأُنثاهم إلى ”الساخنه" وذلك أن من لوازم الجلوة أن يقطعوا وادياً، وفي الساخنه كانوا على الرحب والسعة ومحلّ عناية اهل الساخنه اللذين بذلوا كل ما يمكن بذلة للمحافظة على أموال أبناء أحمد الموسى وكانوا عندهم محل ترحيب وتكريم. ومنهم أصحاب الذّكر الطّيب: خليل الأحمد، ومحمد السعيد، ومحمد أحمد عبد الرحيم، كانوا أهل همةٍ ونخوةٍ وعون ”نشامى" بكل معنى الكلمة، حتى أن نسائهم ساعدن نساء الفريحات بالأعمال المنزليةِ والحليب والخضيض، وكانت لهم أيادي بيضاء على الفريحات لا تنسى حيث كان هناك مغارة كبيره" عراق” مشتى لأغنامهم و لأبقارهم وذلك عند” قبر النوريه ” قرب عين الحايك، كان الرجال قد أودعوا السجن ”عوض وحميد وعلي و حسن وحسين"، وكان حسين الحسن وعلي الحسين قد رافقوهم إلى الساخنة وجلوا معهم رغم أنهم لم يكونوا ملزمين بذلك، ولكن كان يجمعهم القرابه والنسب والصداقة والمحبه.', 51 => ' كان أبناء أحمد الموسى مسجونين لا حول لهم وكان عشمهم بعشيرتهم كبير وذلك قبل أن يصلهم نبأُ الإجتماع في نحله ببيت عقله الخليل الزعبي الذي ضمّ عن الزعبيةِ بالإضافةِ لعقله الخليل محمد العلي الأطرم، وعن أهل ساكب يوسف الشبلي، وعن بني مصلح نوري الحمود، وعن دار خزاعي فوزي الراشد، أحمد الفارس عن دار عباس، وعلي العبدون وسعد الحسين عن دار شريده.', 52 => ' أما العناجره ”أهل الوجه" فقد كفّوا ووفوا حيث كانوا في حراسة بيوت الفريحات في نجده وبحراسة زرعهم فلم يستطع أحد التعرّض لأموالهم، أما العياصره فقد اختاروا محامياً لهم هو” فايز سبع العيش" الذي كان محامياً مشهوراً ذلك الوقت حيث لم يكن هناك إلا قلّه من المتعلمين يعدّون على الأصابع.', 53 => ' ليس لأمرٍ يسير لعن الله الراشي والمرتشي والرائش فهم يستحقون اللعن، كيف لا وفيه تضييع حقوق العباد وأكل أموالهم وسفك دمائهم بغير حق، وما كان ليصدر حكم ضدّ عيسى الذي كان يدافع عن نفسه وأهله وماله لولا الرّشوة التي تلقاها المحامي فبدل أن يكون مدافعاً عن موكله كما يقتضي عرف المحاماة صار متعاوناً مع خصومه لإيقاع أقصى عقوبة به، وقد أعماه المال الذي دفُعَ من قبل العياصره واشتروا به ذمّته وربما اشتروا ذمماً أخرى رخيصة، باعوا الآخرة بالدنيا.', 54 => ' الصلح', 55 => ' وكان للفريحات حصّة في ضريبة الدّم في فلسطين في حرب عام 1948م حيث استشهد بعضهم منهم (عبد المجيد الحمود الذي استشهد بانجار لغم يهودي كما استشهد أحمد النوري وأحمد العبد المهدي)، وقد تعاطف الفريحات مع نوري وعبد المهدي لدرجة أن نوري الذي كان يعاني من قطيعة أقاربه (بني موسى) قال: “ لقد خفف عني حضور أقاربي... فقدان أحمد وأحمد وأنا اليوم مسرور بما حصل، كما نجا آخرون بأعجوبة وهم فارين من فلسطين المحتلّه.', 56 => ' وفاة عيسى', 57 => ' ما كادت النفوس تستقرّ حتى تكدّرت بمرض عيسى ولم يكن هناك عنايه طبيّة بل لجئوا إلى الطب الشعبي و"الفقرا" وكان يشعر بألم في رأسه ولكنّه لم يستسلم لفراش المرض إلا في آخر شهر من حياته وكانت زوجته تعرض عليه طفله الوليد “ جاسر” لتؤنسه فيقول: “ هو لك ليس لي" وانتقل إلى رحمة الله تعالى تاركاً زوجةً وأيتاماً هما “آمنه وجاسر" ', 58 => ' عادت الأحوال في نجده إلى طبيعتها، وصار أهل نجده مرهوبي الجانب، وكانت السرقه قد تفشّت بالبلاد حتى صارت عاده، ولكن عوض وحميد كانوا لا يغفلون عن ممتلكاتهم ومواشيهم ولذلك تحاشاهم “ الحراميّه" السرّاق وقالوا فيما بينهم: “هظول ما بروح لهم طلبه"، وكانوا يرتّبون من أبنائهم حراسةً ليليه، وفي إحدى الليالي مرّ نفرٌ متّجهين إلى الغرب ليلاً حتى تجاوزوا نجده فقال احدهم: “ هذه أول مرّه نمرّ دون أن يعترضونا”. ولكن كان هناك شابان من نجده يسمعانهم فأطلقوا النار بقربهم فولّوا هاربين، وكانوا يرون أنه من العيب أن لا يكون حماك منيعاً.', 59 => ' وممن تتلمذ على يديه من أبناء أحمد الموسى “ محمد الحميد" حيث كان يحضى بمعاملةٍ خاصّة بسبب الصلة التي تربطه بدار حميد. وكان محمد ابن الشيخ حسن أول من حصل على الدكتوراة من عشيرة الفريحات ولكنّه لم يلبث أن انتقل إلى رحمه الله في ريعان الشباب، وكان الشيخ حسن في ذلك مثال للصبر على قضاء الله نسأل الله العفو والعافية.', 60 => ' التهمه الباطله', 61 => ' كان الشهيد مرابطاً في وحدته العسكريّة في فلسطين عندما نشبت تلك الحرب التي كان لها نتائج وخيمة وكانت نكسة بل نكبة كبيرة هُزمت فيها الجيوش العربيّة النظاميّة وذلك في الخامس من حزيران من عام 1967 “حرب الأيام الستّه".', 62 => ' انتظر أهل نجده “الوسم" سقوط المطر وعلامة الري أن لا تصل سكّة المحراث إلى باطن الأرض الجاف، وبعد سقوط المطر قالوا “ إروت" ففرح الجميع بهذه البشاره بموسم خيرٍ وبركه، وهرع المزارعون لأعداد محاريثهم الخشبيّة و “حذوا فدادينهم" حيث جاء الحداد من جرش وركّب الحذو للثيران “العمّالات" وهيّئوا البذار.', 63 => ' رغم ذلك كان سقوط الثلج عيداً يحتفلون به حيث يزيلون الثلج عن الأبواب ويطبخون المفتول وطبيخ الحليب المغطى بالسمن البلدي، و"اللزاقيّات" المفتوتة بالسمن والسّكر، والمطابق بالسمن والسّكر، أما الرعاة المتواجدون في المغر فعندهم طحين لصنع (القرصه) ولديهم السّمن. كان للشتاء نكهةٌ خاصّه حيث كان يفرض نفسه بقوةٍ تؤثّر على كل مناحي الحياة.', 64 => ' في المساء كان الناس يتحدّثون في سهراتهم عن ممارساتهم في المراعي والبراري وأحاديث الوحش والحيّه والضبع وأحاديث صيد الأرانب والحجل وأحياناً الغزلان والعكاكس والنياص، وكان للخيول جزء من أحاديث الناس عن ترويضها وأنسابها وصفاتها. ', 65 => ' استبدلت الحقول ثوبها الأخضر بثوبٍ أصفر ذهبي وأسرع الفلاحون لحسم المناجل وإعداد ”قادم القشّ" وتهيئة مكان البيدر، أشرقت الشمس وخرج الناس لموسم الحصاد كالنمل، فمنهم من يقلع العدس والكرسنة حتى إذا أكملوا ذلك توجّهوا إلى القمح فمنهم الحصّاد و الرّجاد و الغماره، خرجوا لجني المحصول الذي انتظروه شهوراً فقد قربت المؤنة على النفاد، كما أن عليهم التزامات لتجّار جرش من الشوام.', 66 => ' ركّب الأولاد لوح الدراس الذي أعدّه أجدادهم وسحبهم الفدان طوال النهار على دائرة لا تنتهي يوماً بعد يوم حتى سحقت السنابل والقش، وبدأوا ينتظرون الريح المناسبة ”للتذريه" وبعد التذرية جُمع القمح في" صبّه "مباركة وكانوا يبدأون الكيل بكلمة” الله واحد" بعد أن أخرجوا" صاع الفتاحه" حيث أخذه أول الأطفال الحاضرين ليشتري الحلوى ”الكعكبان، الحلاوه، الراحه" ويطعم أترابه. تم نقل التبن الى التبان والقمح إلى الرف والكواير.', 67 => ' قد تطول الخطبة لسنوات وقد تقصر لأسابيع حيث يحدد موعد الزواج، ويقوم أهل العروس بشراء” الكلفة" لابنتهم من ذهب ولباس وأثاث من المهر الذي تم قبضه سواء كان نقداً أو ارضاً أو ماعز. وقبل الزواج بأسبوعين تقام الدّبكة حيث يجتمع أهل القرى للمشاركة في الأفراح، ويحضر الشباب الدبكة سيراً على الأقدام من القرى الثلاث، وفي آخر الليل يتناولون طعام العشاء ثم يعودون في اليوم التالي، وذلك في كل يوم حيث يضاء ”اللوكس" وتشعل النار وترش الأرض بالماء حتى لا يكون غبار، وفي اليوم الموعود تنطلق ”الفارده" على الدواب تتقدّمها الخيل إلى بيت العروس، يسوقون الذبائح بعد أن أرسلوا النساء في الليلة السابقة لإجراء مراسم الحنا.', 68 => ' وفي اليوم التالي يعود الناس لتقديم التهاني وأكل ”فطيرة البخت" التي تصنعها أم العروس ويشتركون ببعض الألعاب المسليّة كالرماية والسباق، وما هي إلا أسابيع أو أيام حتى تكون العروس مشاركة مع العائلة في إحضار الحطب وتطيين البيوت استعداداً لموسم الشتاء.' ]
ما إذا كان التعديل قد تم عمله من خلال عقدة خروج تور (tor_exit_node)
0
طابع زمن التغيير ليونكس (timestamp)
1397815850