انتقل إلى المحتوى

مستخدم:الصاوي محمد الصاوي/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

الحلــقة الثانيــة

تاريخ قرية ... وتاريخ أسرة

الهروب من الإنجليز:

نُذَكِّر أن إبراهيم محمد الشرقاوي تم القبض عليه بواسطة كمين أعدته قوات الاحتلال، بعد أن زادت العمليات الفدائية التي تقصد مخازنهم وجنودهم. كانت المجموعة متفقة على أنها لا تسلم نفسها لأي سبب، وكانت لهم إشارة مفهومة بينهم، عندما أتى بها إبراهيم الشرقاوي، قبل أن يقترب بهم جنود الكمين من المعسكر، رجع كل واحد من الفدانيين على جندي من الإنجليز، فأصابوهم إصابات مختلفة بما معهم من سلاحٍ أبيض، وسارعوا بالفرار، ولكن أفراد الكمين أطلقوا صافراتهم فتنبه حرس المعسكر للهاربين.

تمكن إبراهيم الذي أَمر رفاقه بالهرب في جهات متفرقة، لتشتيت الملاحقات، من الدخول في جحر ذئب خلف إحدى التلال، وهال على نفسه الرمال، وبعض العُشب الجبلي. وبعد يومين عندما قَتله الجوع والعطش، وأحس بالموت خرج مجازفاً، وكانت قوات الاحتلال قد تقدمت عن موضعها وخلَّفته وراءها. فتسلل في الليل وتمكن من وصول بيت أبيه محمد الشرقاوي، بتدخل عجيب من القدر.

الهروب الثاني من الإنجليز:

كانت معركة خاسرة بكل المقاييس تلك التي خاضها عرابي ضد الإنجليز، فضعف الأمكانات، والخيانة، وسوء التخطيط، وسوء الإدارة، لم يكن من العقل توقع انتصار جيش توافرت عليه كل هذه السلبيات، عندما لم يعد هناك أمل في أي شيء ترك عرابي الجيش لمصيره المحتوم، مقتلة عظيمة لحقت بهم على يد الجنود الإنجليز، في الإسكندرية، وفي القصاصين، وفي أبو حماد، من استطاع الهرب فعلها وفر بنفسه، هناك من أبت عليه نفسه الفرار، آثر الموت الناجز على الموت وهو حي، إن هرب من الميدان.

لقد كانت لإبراهيم محمد الشرقاوي صولات وجولات ضد الإنجليز، عرفوه بالاسم، لا تقع فيهم أي حادثة إلا قالوا أنه الشرقاوي الذي فَعلها، انهزم الجميع إلا قِلة رفضت التسليم ولو مُؤقَّتاً، لقد أشعل الحرائق في معسكراتهم عدة مرات، وقَتل الكثير من الجنود في مواقع مختلفة، وقطع الطريق على قوافل إمدادهم بالطعام والشراب والسلاح. بعد هروبه راحوا يطلبونه حتى ضاقت عليه الأرض، قرر أن يترك كل المنطقة في ضواحي الزقازيق، ويذهب إلى مكان لا يَعرفه فيه أحد، ولا تتابعه فيه قوات الاحتلال .

كان ذلك رأي والده الحاج محمد الشرقاوي، ووالدته أيضاً، واللذين أعدا له مُؤنة الرَّحيل، بغلة قوية، وخُرج مملوء بالأقمشة، أنها مهنته. بالأمس كان محارباً، ثم فدائياً ومُتَقفِّياً لآثار ومُؤخِّرات جيش الاحتلال، وهو اليوم هارباً من مُلاحقة من قاتلهم ونال منهم. قبل الفجر كان قد امتطى ظهر دآبته، لم يَسلك طريقاً مأهولاً، بل تابع مسيره وسط الحقول ينزلها قبل، بل لعله لم يَسمع اسمها يُذكر أمامه من قبل نَزَل، قرية فقيرة مطحون أهلها كغالبية، بل كل قُرى مصر، قِلَّة تَملك، وكثرة تَعمل مع البهائم سواء بسواء، بل هم أسوءُ حالاً من البهائم التي لها أصحاب يَخافون عليها.

حياةٌ جديد (للقرية.. والرجل):

الرجل كما قلناهو: إبراهيم محمد الشرقاوي، الذي بدأ أول أيام حياته الجديدة في قرية شنيط الحرابوة، والقرية هي: قرية (عزبة) عبده أغا، قبلي قرية شنيط الحرابوة تتأسس هي الأخرى هذه الأيام، وتوضع لبنات أول بيت في هذه المنطقة من الأرض الزراعية التي لم تَعرف العُمران من قبل، ولكنها قطعت أرض أخذها الأغا(عبده) كمكافئة نهاية خدمته. قَدِمها وحده فاستخدم البنائين والفلاحين فبنوا له عدة بيوت، ثم جاء بابنتيه: آمنة وفطوم، وابنيه أحمد وعبده. فعاشوا فيها.....

هُناك أَربع عَائلات تَكَوَّنت نَتِيجة زَواج أَبناء الأَغا الأَربعة، عَائلة آمنة وزوجها أحمد محمد من قَرية تَابعة للإبراهيمية، من أعمال الشرقية، أنْجَبا: نبوية وعلي، وَعَائلة فَطُّوم وَزوجها حَمَد عبد الرَّزق، من أولاد صَقر من أعمال الشرقية، أَنْجَبا: إِمَام وزينب وصَابحة، أَمَّا العَائلة الثالثة فَهي عَائلة أحمد عبده أغا، والرابعة عَائلة عَبده ابن عبده أغا . كما أنه هناك عائلة إبراهيم الشرقاوي الذي تزوج ابنة الشيخ محمد عمايم، وأنجب ابنه الوحيد الصاوي إبراهيم محمد الشرقاوي. الذي عَمل بالسكة الحديد في بداياتها حتى تعلم قيادة القطارات في بداية حياته، ثم تَعلم النجارة الإفرنجية (باب وشباك) ولقلة الاحتياج إليها، تَعلم نجارة السواقي والتوابيت وأدوات الفلاحة المختلفة. وعندما كان النجار يَعيش في السَّنةِ الخامسة عشر من عُمره، أَنْجَبَت نَبَوية ابنة آمِنة عَبده أغا طِفْلها الأول عَبده، وَبَعد ثلث سَنَوات جَاءت بِطِفْلها الثاني صَالح، من زَوْجها محمد أحمد عَبده أَغا ابن خَالها .

أما آَمنة أُم نبوية هَذه فهي لَم تُنجب غَير نَبَوية وَعَلي فَقَط.

توافد السكان على القرية:

بدأت عائلات أبناء الأغا تفد على القرية بعد أن ضاقت بهم السبل، لتنهل من ميراثه وتركته، الذي تَرَك بعض الأحفاد لا يعرفون قيمة المال. هناك عائلة أُخرى سَتنْدَمج مع عائلة آمنة خَاصة، وبعضاً من أَفْرُعِ العائلات الأُخرى، هذه العائلة هي عائلة زوج آمنة نَفسها، فقد كان له أبناء عُمُومة يَعيشون في قَريتهم التابعة للإبراهيمية، التي جاء منها بعد زواجه من آمنة، وهم : محمد وطنطاوي وأحمد، أبناء متولي.

في أيامِ نُزُول الثلاثةِ الأَشِقَّاءِ محمد وأحمد وطنطاوي قَرية الأغا، كان هُناك رُجلٌ آخرَ قَد قَدِم القَرية، إِنه مُحمد بَدوي، رجل قوي البنية مفتول العضلات، جَاء القَريةِ يَبحثُ عن رِزقٍ ثُم ما لَبِثَ أن لافَ بِأَهلِها، أَعْجبته آمِنة، يُسَمُّونَها آمِنة الصَّغيرة نِسبة إِلى عَمَّتها آمِنة عَبده أغا، كَانت حَالِتهم لا تَسْمحُ أن تَتَزَوجَ البِنتُ مِمن هو أَفْضلُ من ذلك حَالاً بالضَّرورةِ، لأَنه عِندما أَرْسل امْرأةً من القَريةِ تَطْلبُ له يَدَها من اُمِّها وَافَقَت على الفَورِ!

متى جرت تلك الأحداث الأخيرة:

كان ذَلك في سنة 1918م، أَيام أَخْذِ التَّوقِيْعات لِتَفْويض سعد زغلول للتحدثِ والمُفَاوضة بَخصوص استقلالُ مصر . أيام حكم السلطان فؤاد. ووزارة حسين رشدي الوطنية، حيث تم تشكل الوفد المصري الذي ضم سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي وأحمد لطفي السيد وآخرين.. وأطلقوا على أنفسهم "الوفد المصري".

شخصية النجار:

كان النجار الصاوي إبراهيم محمد يحب أن يَشْتري أَرضاً أَقَربُ لِقَرية الأَغا مِنها إلى قَرْيَته، فَأَحَبَّ أن يَكون بِالقُربِ من أَرْضه، كَما أَنَّه عََزَم أن يَجْعل كل أَرْضه التي يَشْتَرِيها بَعد ذلك في قَرية الأغا، فَمَاء الرَّي فِيَها أَوْفَر، وأيضاً أَسْعار الأَرض أَرْخَص، عندما طَلَّق زَوجته الثانية جَازية بَعد أن أَحَسَّ أَنها لَن تُنْجِب له، بَل وَرَاحَت تُبَدِّدُ في مَالهِ وتُسْرفُ وَهو لا يُحِب ذلك، وبَدَأت النِّسوةُ تَطْمعُ فيهِ، وخاف أن يَقَعَ في فَخِ المُطَاردةِ مِنْهُنَّ، حتى إِن إِحْداهُن كَانت تَطْرقَ عَليه نَافِذَتَه في الليل، وغير ذلك. فَلَم يَجِد إلا أن يَتْرُك القَرية بِحُلْوِها وَمُرِّها .

لم يكن النجار مَجْهولاً بالنسبةِ لأهلِ قرية عبده أغا، بل كانوا يَعْرِفُونهُ كَمعْرِفَتهُ في قَرْيته القَدِيمة وَزِيادة، فَهو الذي كَان يُصْلح سَوَاقِيهم ويَعملُ كل أَعْمال النِّجَارَة اللازِمَة لَهم في السَّواقي والبُيوت أيضاً، عِلاوة أن الكثير من أَهَالي قَرية الأغا كَان يَعْملُ عِنْدَه في أَرْضهِ فَقد صَارَ الرَّجُلُ صَاحِبَ أَمْلاكٍ وَثَرْوة لا تُغْفل. وعِنْدما انتقل لم يَكن لَدَيه بَيْتاً يَسكُنُ فيها، فَسَكَنَ في بَيْتِ مُحمد محمد أحمد عبده أغا، ذلك الرَّجُل الذي تَزَوج فَاطِمة من مُدَّةٍ بَسِي.

َكان البَيْتُ الذي سَكَنَهُ الصــاوي النَّجار بَين بَيْتَي محمد محمد أحمد وَبَيْت محمد بَدَوي قَصَّاصُ الحمير، وبَعدَه بَيْت نَبوية أُخت الشيخ علي أحمد، وأم صالح وعَبده .. التي تُوفى زَوجها منذ فَترة، ها هم ابنيها اقتربا من سن الرُّجولة ، بل هما رَجُلان بالفعل، فَعَبده جَاوز العشرين من عُمره، وصالح كذلك. وكَان شَيخ البلد هو محمد أحمد عَبده أغا، ابن خَال علي أحمد وَنَبوية، والدة عَبده وصالح وبعد وفاة محمد أحمد عَبده أغا، صار علي أحمد، بن آمنة عبده أغا شيخاً للقرية، وابن عمه طنطاوي المتزوج من نبوية ابنة علي أحمد، خفيراً لها.

حجم القرية في البداية:

في البداية كانت القرية عبارة عن مجموعة بيوت للأغا، ولكنها كانت تبشر بمستقبل، حيث تمر على رأسها ترعة لمياه الري، صحيح أن الماء قليل، ولكنه موجود. فلما جاء أزواج بناته وابنائهم تضاعفت البيوت، ثم [[جاءها إسماعيل إبراهيم البطيخي، عبد الله السنجابي وابن عمه محمد عبد الله السنجابي، والسيد وعبد العال سليم جاءا صغيرين مع والدهما، علاوة على محمد إبراهيم فياض]] . هكذا تعددت العائلات في القرية، الكل جاء للعمل، واقتناص فرصة لشراء أي مساحة أرض من علي أحمد شيخ البلد، الذي ورث عن والدته آمنة أغا مساحات. المصادر

الموضوع من أفواه كبار القرية، الذين كانت حياتهم جزءً من القصة، وحياة آبائهم وأجدادهم، هى الجزءالسابق، وحياة الكاتب وسماعه من الكبار، هو الحاضر للقرية، والعائلة. فتجمع للكاتب قصة القرية وقصة العائلة من مصادرها، فصار الموضوع لا يحتاج لمصادر ، بل هذه الكتابة ستكون هي المصدر الذي لن يوجد غيره، لموت الكبار، وعدم إمكانية تدارك القصة، لا من بشر، ولا من كُتب. الصـاوي محمد الصـاوي... مؤرخ وباحث.

متابعة .. لا يزال هناك أحداث هامة ..