مستخدم:سعد الهدى/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

-- (نقاش) 13:41، 4 يوليو 2014 (ت ع م)عبدالله خليفة عبدالله خليفة رواية الينابيع

رواية الينابيع والطابع الملحمي

تنتمي رواية «الينابيع» للروائي البحريني عبد الله خليفة لنسق سردي يمكن تسميته بالنسق السردي الملحمي وعلى غرار بين القصرين وقصر الشوق والسكرية لنجيب محفوظ والرجع البعيد للروائي العراقي فؤاد التكرلي وسباق المسافات الطويلة للروائي عبدالرحمن منيف والصخب والعنف للروائي الأمريكي وليم فوكنر. وتطول القائمة لو سردنا أسماء تلك الروايات التي أرخت لأحداث مصيرية مصحوبة بوجهة نظر تنحاز إلى كفة الوطن ومعاناته المنتمية لذلك الماضي القريب من أجل أن لا ننساه أو نتناساه لأنه يحمل بعض همومنا التي لم نستطع مواجهتها حتى بعد رحيل المستعمر المحتل محتمين بحجج واهية وتبريرات لا تنتمي إلى الواقع. ولكي لا تكون رواية الينابيع مجرد رواية تاريخية وثائقية فقد حرص عبدالله خليفة أن يخلق أحداثا وشخصيات درامية موازية لتلك الأحداث التي وقعت حقا وصدقا في ذلك التاريخ القريب متخذا من الشعب البحريني بطلا لهذه الرواية المهمة ذات الأجزاء الثلاثة – وقد صدرت طبعة حديثة لها صدرت الرواية عن دار الأنتشار العربي » بيروت ط1 عام 2012 عدد الصفحات من القطع الكبير 400 صفحة. أو كما عبر الكاتب البحريني يوسف حسن، حين أورد عنها «وكما تتوارى حقيقة الشخوص التاريخية وتنزاح خلف أقنعة ورموز سردية متخيلة لتتساوق وتتناغم مع البطل غير المعلن في الرواية وهو الناس أو إنسان البحرين، وهو يكتبُ تاريخَ صراع بقائهِ بمدادٍ من العرق والدمع والأجساد والدماء في صورةِ ملحمةٍ شعبيةٍ طويلة شاقة ومؤلمة ممتدة عميقاً منذ ما قبل العصر الدلموني، كذلك تختبئ وتتوارى أسماء البلدان والقرى عدا المنامة والمحرق كونهما قطبي الفضاء الروائي لعموم الأحداث والشخوص والوقائع». ولابد لنا من أن نذكر هنا ان النص سرد بأسلوب الراوي العليم الذي يحيط بسرائر الشخصيات ويمتلك ناصية اقدارهم ويوجههم على مدى سطور الينابيع وقد زخرت الرواية بما يعزز هذا الصراع بين رؤيتين تنتميان لمرجعية مختلفة ولقيم ومعايير متباينة لا يمكن ان تلتقي الا على صعيد الصراع الخفي أو المعلن، بل ان البنية السردية وقبيل نهاية الجزء الثاني من الرواية تنسب ميلاد الوطن إلى تلك الثورة على ذلك المحتل، وهي تؤشر أقصى الصراع المتشكل في هيئة رفض مطلق لهذا الوجود القسري للغريب. يرد في (منولوج) جون سميث المستشار: «إنه لا يصدق أن كل هؤلاء الناس البسطاء الهادئين يحملون كل هذا الصخب الذي عبأته الاذاعات والرسائل الخارجية، كانوا في منتهى الرضا والطاعة، يتزحزحون من الشارع حالما يندفع بفرسه، ينحنون له يقصون حكاياته، ماذا جرى لهم؟ كيف تمكنت قلة من جرهم إلى المذبحة». وينتقل المنولوج إلى أعماق على وهو شخصية تنتمي إلى الجيل الثاني من الرواية حيث يرد: «حدق علي في المشهد بانبهار، ثمة سيل يتدفق نحو آخر السدود، انه يهز الارض وتندفع موجاته الهائلة... يداه تقذفان الحمم، وصوته يعلن ميلاد الوطن». ويوائم النص بين الحدث التاريخي ذي الطابع الملحمي الذي يبدو إطارا للحدث القصصي الشيق والذي يحاذيه ويسير بموازاته وبما يشكل سمة واضحة للحدث الروائي في هذا النص إذ يعتمد على نمطين من الأحداث، النمط الأول تاريخي، وثمة إشارات إلى زمن محدد بالحرب العالمية الثانية وما يحاذيها من زمن «هذه الرياح من الدم والطاعون تصرصر في أجواء الشمال، والصلبان المعقوفة... ودهش في إحدى الليالي حين قيلت كلمات مبتذلات غسلت يد الجماعة وضميرها من المجنون الألماني». وأما النمط الآخر من الأحداث فإنه سردي خلقته مخيلة الروائي وبما لا يتعارض مع النمط الأول من الأحداث المنتمية إلى الماضي القريب والمدونة في السجلات التاريخية والمصادر المختصة، وهنا تكمن مهارة النص في هذه المواءمة والإنسجام وتشكيل الخلق الفني النابض من ركام الأخبار والوقائع التاريخية الثابتة. وينفتح الماضي القريب للبحرين لمثل هذه الرؤية الفنية فقد كان هناك مستشار بريطاني (بلجريف) ظل يحكم البحرين خلال الأربعينيات والخمسينيات «تركزت بيده السلطة فأصبح قومندانا للشرطة ورئيسا للقضاء ومشرفا على جميع الدوائر كالصحة والمعارف والأشغال العامة والطابو والجمارك والبلديات وحتى الحدائق العامة. لذا أصبح هذا المستشار رمزا سيئا في تاريخ البحرين وهدفا لحركة الإصلاح الوطني التي طالبت بطرده من البلاد في عام 1956 بعد أن ازداد تعسفا وتمييزا للأجانب على أبناء الشعب» مما أشر طلائع تشكل الوعي السياسي والاجتماعي لكتاب القصة في الخليج عامة وفي البحرين خاصة. ويرصد الدكتور إبراهيم غلوم تطور القاص عبدالله خليفة في قصصه القصيرة فيشير إلى أنه أراد أن يبدأ مستوعبا الدروس الماضية في تجربة القوى الاجتماعية وفي التجربة الأدبية الجديدة، ومن أجل ذلك كان هاجسه الرئيسي هو كيف يترجم ما هو تقدمي وسياسي في هيئة تشكيل فني متطور يبتعد فيه عن سطحية التقاط التفاصيل الواقعية ويحقق له قدرة على التلاؤم مع الأساليب الجديدة». مما يشير إلى جذور هذا التوجه في رواية الينابيع التي تجاوز عبدالله خليفة من خلالها بداياته القصصية. وكما أن علياً يرث روح الثورة والتمرد عن أبيه الحقيقي محمد العواد فان حمدان يرث عن سالم الرفاعي تعصبه وكرهه لبعض مظاهر الحياة في الغناء والمرح «حدق فيه الرجل بوقاحة أتعرف من أنا ؟ تطلع فيه محمد العواد بسأم وهز رأسه بالنفي الشاحب انا ولد سالم الرفاعي انا حمدان.. تذكر زمناً مضنياً واشباحاً ودهش لان الثلة المسلحة هي نفسها، أجساد قوية وكروش ولحى وعصي ولكن المغني لم يعد هو ذاته، تاه وفقد أوتاره وطباله وكورسه». والنص هنا يؤرخ لاتجاه حاضر ورؤية راهنة تنبثق من البيئة وتراثها وقيمها بيد انها تشير إلى أسلوب خاص في فهم هذا التراث وتلك القيم ومحاولة فرضهما والغاء الآخر الذي قد يكون له فهم آخر مختلف لها. ومما يعطي هذه الرواية خصوصية لا تخفى هذه الحميمية في التناول التي مبعثها أصالة الاجواء التي عبر عنها عبدالله خليفة وكونها في متناول تجربته الحياتية الخاصة يرد على لسانه قوله «لقد كنت أحد الذين تربوا في الاحياء الشعبية وعاش طفولة مليئة بالصور الشعبية وبالاحلام والتحولات الاجتماعية والاوجاع، وانا اعد نفسي ابن جيل الستينيات الذي نشأ من ذاكرة الخمسينيات الوطنية وارهاصات التحول الزاخرة والقوية في المجتمع الصغير حيث كان هناك قطاع كبير من الناس الذين يعيشون في مستوى اجتماعي منخفض، وهناك الادارة البريطانية التي تتحكم في البلد والخليج العربي ككل وكانت مدينة المنامة مليئة بالاكواخ إلا من بعض البيوت من الطين وأنا أحد أبناء هذا المناخ الاجتماعي السياسي الفكري». إن هذا التماهي بين السردي والتاريخي في إطار رواية «الينابيع»، مما لا يتأتى إلا لروائي ممارس يتقن حرفيته، بحيث ينتقي من ذلك الركام الهائل من التاريخ ما يعزز رؤيته المنحازة إلى إنسان هذا المكان وقيمه الخيرة. وقد أتيح للروائي البحريني عبدالله خليفة أن يجرب تقنيات سردية متنوعة عبر عشرات التجارب السردية التي أنجزها، وتأتي تجربته في الينابيع تتويجا لمنجزه السردي.

كتب د. صبري مسلم