انتقل إلى المحتوى

مستخدم:غصن لغصون/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

قالب:عبدالله خليفة عبدالله خليفة رواية الاقلف

تحوّل الشخصية الروائية في الأقلف

تتطلب حرية الكتابة أياً كان نوعها أو اتجاهها حرية أخرى يمتلكها الكاتب لكي يتخلص من بعض القيود التي تكبل عمله الإنتاجي، وكاتب العمل الإبداعي بحسب ما نتصور يكون أكثر حرية في الطرح، والدخول في دهاليز المسكوت عنه، أو الدوائر المحظورة عند بعض فئات المجتمع أو بعض طوائفه، لما يستخدم من لغة، وقدرة على التخيل، وفنية المراوغة اللفظية. ونحن أمام روايـة جديـدة تضاف إلى رصيـد الكاتب البحرينـي عبدالله خليفـة، الذي أسهم بشكل مباشر في إثــراء الحركــة الأدبية البحرينية سرداً وكتابةً تحليليـة ونقديـة، فضلاً عـن كتاباتـه المرتبطـة بالشـأن العام المحلي والعربي والعالمي. وهذه الرواية هي رواية " الأقلف " الصادرة في العام 2002م ضمن مشروع الإصدار المشترك مع إدارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام البحرينية، وتقع في 172 صفحة من القطع المتوسط. والدخول في الدراسة التحليلية والنقدية لأي عمل روائي يتطلب من دارس النص المنتج تحديد المنحى أو الثيمة التي يمكن الانطلاق منها وتسليط الضوء عليها، ولأن الشخصية الروائية الرئيسة هي العمود الفقري لهذه الرواية فقد آثرنا قراءة الرواية نقدياً وتحليلياً من هذا المكون؛ لأنه مكون رئيس في لعب الأدوار التي تحرك أحداث الزمكانية، كما يلعب دوراً في عمليتي التحوّل والتغيير فنياً وتطلعاً، وفي الوقت نفسه تلعب هذه المكونات ذاتها في نمو مكون الشخصية. تطرح رواية الأقلف مجموعة من القضايا المهمة، وذات الحساسية الثقافية والنفسية والاجتماعية، كما تطرح بعض الخيوط التي تشكل العلاقة التي يمكن أن تُنسج بين الحضارات المختلفة سواء عن طريق الهيمنة والسيطرة أم من خلال الخنوع والقبول نتيجة الفقر والعوز الماديين أو الفقر الذي يعني عدم القدرة على مواجهة الآخر؛ لأنه يفقد القدرة على فك تلك الألغاز والطلاسم التي تظهر لأول وهلة وكأنها أوسمة براقة جميلة تسر المتلقين لها، وسرعان ما تتغير وتتحوّل إلى طغيان وسم يدس في التكوين الإنساني اجتماعياً ونفسياً . من هنا ظهرت مجموعة من الشخصيات على مسرح أحداث الرواية ، بعضها لعب الدور الرئيس، مثل: يحيى، وبعضها لعبد الدور الرئيس المساند، مثل: إسحاق وميري، والبعض الآخر لعب أدواراً مهمة في بناء الحدث الروائي من أجل انطلاق الشخصية الرئيسة إلى الأمام، مثل: الجدة وجين والدكتور تومسون والمعلم البستاني، فضلاً عن العديد من الشخصيات التي ظهرت هنا أو هناك مساندة للحدث، مثل: المهندس البريطاني توم، وعلي المدخن وابنه، والحاج مرزوق ونظرته إلى التغيير الذي طرأ على يحيى، وكذلك عائشة المبروكة وغيرهم. ومن خلال هذه الشخصيات المتعددة والمنتشرة في فضاء الرواية ، المختلفة في الدور والهدف ، ارتأينا الوقوف عند شخصية يحيى التي تأخذنا بشكل مباشر أو غير مباشر نحو مجموعة من الشخصيات الأخرى لما لها من بعد تاريخي ومجتمعي في فترة من فترات العمليات التبشيرية في المجتمع البحريني. الملجأ الخانق إنّ المتأمل في شخصية يحيى عليه الوقوف عندها من زوايا متعددة ، حيث كل هذه الزوايا تصب أحداثها في أيقونات التحول المجتمعي، وفي التغيير الذي واكب هذه الشخصية منذ النشأة الأولى حتى قطع جسر التواصل بينه وبين ابنته التي جاءت من صلبه . قدمت الرواية شخصية يحيى محاصرة بآلام نفسية واجتماعية واقتصادية نتيجة وجوده في عالم لا يعرف أباً يرعاه ، ويرفرف عليه بجناحيه، ولا أماً تدفئه بحنانها، ولا أسرة تناغيه وتخاطبه، ولا أخوة يدخل معهم في عراك الصباح قبل الهرولة إلى دورة المياه، أو الصراخ على المائدة الطعام بحثاً عن مكان أو قليل من الطعام، أو عند النوم حين البحث عن وسادة مختبئة بين الأغطية، أو عند توزيع الهدايا التي ينتظرها كل طفل موعود، بل جعلته الرواية يجد نفسه " بـلا أم ولا أب، ملحق بكوخ، وبأرض خـلاء، وبسماء عالية، وثمة امرأة عجوز خرساء، تغذيه بصرر الخضراوات المنتزعة من البراري، وبكسرات الخبز اليابسة " الأقلف، ص 5، وبهذا المشهد السردي الذي يقدمه الكاتب بوصفه سارداً للأحداث يضعنا على أول عتبات تلك الأحداث التي سوف تنمو من خلالها شخصية يحيى، فالنص السردي يطرح بعض الأسئلة الكامنة بين سطوره لدى يحيى، من أبوه؟ من أمه؟ لِمَ احتضنته هذه المـــرأة العجوز الخرساء؟ أين أهله؟ أقاربه؟ ما هي المعرفة الدينية لديه؟ وغيرها من أسئلة المحيرة. كما أن النص المروي من قبل السارد يعطي المتلقي مؤشراً تجاه المكانية التي يعيش فيها يحيى، وهي بيئة بدائية متدنية في البناء، والصحة، وسبل العيش، والراحة قياساً بحركة التمدين الطبيعية البسيطة في المجتمع آنذاك ، في الوقت ذاته بيّن هذا المعطى أن هذه البيئة كانت أحد الأسباب التي أفرزت حالته البائسة اجتماعياً ونفسياً، لذا فالشخصية ركنت إلى السكون والبساطة المتناهية تبعاً للظروف المحيطة بها. وبالرجوع إلى فترة الثلاثينيات وحتى الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين نرى الإنسان البسيط اجتماعياً واقتصادياً يعيش في حالة بؤس وشقاء، حيث الأعمال التي يقوم بها هذا الإنسان هي أعمال شاقة ومتعبة، مثل: نقل المياه من العيون والآبار إلى البيوت، أو تكسير الأحجار بغرض تقلها للبناء، أو العمل في الحقول والمزارع، فضلاً عن العمل في البحر كصيد الأسماك أو استخراج اللؤلؤ، وغالباً ما يعيش الإنسان البحريني البسيط آنذاك باحثاً عن قوت يومه مديناًَ إلى التجار والأغنياء، بمعنى آخر تبدأ سطوة الطبقة الغنية على رقاب الفقراء والمعوزين . وفي هذه البيئة يعني أن يحيى لـه مكان يأويه مع امرأة لا تعرف من الدنيا سواه، وفضلات من المأكولات تحصل عليها من هذا المستنقـع، أو من تلك الفضلات المرمية على قارعة الطريق، التي تشكل لـه مائدة دسمة، وغنية لسد الجوع، تلك المائدة التي ينتظرها عند كل مساء بين جدران الكوخ المهترئ، وإن تأخر الموعد يبدأ في البحث عن الاثنين معاً عن الجدة وما معها، إذ " ينطلق في الخلاء والحفر مترصداً الدروب، وحالما تظهر فإن رأسه تتغلغل في بطنها أو صدرها وهو يكاد يبكي من الفرح " الأقلف ، ص 7. وعلى الرغم من بحثه لسد جوعه فإن هذا النص يؤكد العلاقة الحميمة بين الجدة ويحيى الذي لم يتعلم منها سوى السكوت والتأمل في الحياة القاسية والمصير، واللغة التي كانت مقتصرة على الإيماءات والإشارات المكتنزة حباً وحناناً، وبحثاً عن أسباب هذا الضياع، في الوقت ذاته كان يحيى يتعلم لغة أخرى .. لغة تلملم الألم المعصور في القلب، والشجن المرسوم على الجباه عبر الحياة التي وجد فيها من دون إرادته. وهذا لا يعني أن صعوبة العيش في هذه الحياة منصبة جام غضبها على يحيى فقط، بل هناك في الطرف الآخر إسحاق الشخصية الذكورية الثانية في العمل الروائي، الذي تصادف أن ظروفه تكاد تكون مثلما هي ظروف يحيى الاجتماعية والنفسية أيضاً، وإن اختلفت اقتصادياً بعض الشيء، وتباينت في طريقة معرفة الآخر ، وكيفية التعامل معه . فهو إي إسحاق لا يعرف لـه أباً ولا أماً ولا أخوة، غير أن الأسرة التي عاش فيها ردحاً من الزمن اعتقد أنها أسرته؛ لانصهار جميع أفرادها في قالب واحد وسم بالحب والسعادة، ولكن هذه السعادة لم تدم طويلاً، وخصوصاً بعد ما صار صبياً في هذه الأسرة حيث حصر مكانه وتنقله وطعامه، وراح دوره في الأسرة مقتصراً على الكنس والتنظيف وشراء حاجيات المنزل، أي يؤدي الواجبات التي هو مكلف بها من دون أن ينال أدنى حقوقه، مما بدأ يشعر وكأنه في سجن أو مكان مسيج يفصله عن بقية أفراد الأسرة اجتماعياً ومعيشياً، لذلك سعى إلى الرفض والخنوع مكتشفاً أن الأسرة التي آوته طيلة الفترة المنصرمة هي ليست أسرته، وعرف أنه ابنٌ غير شرعي جاء إلى هذه الدنيا خطاً " لقد عاملناك كابننا .. النغل نغل .. ! " الأقلف ، ص 21 . وهذا ما حري بإسحـاق إلى السرقـة والهروب من البيت الذي آواه " وعدت أسرق واسترجعت مالي وهربت " الأقلف، ص 21 . إنّ عزم إسحاق على استرجاع ما أُخذ منه لم يكن وليد صدفة ، أو تكملة في البناء، وإنما هو إرهاص تعمده الكاتب ليبيّن علامات الرفض عند إسحاق منذ الطفولة والصبا ، وبعض مؤشرات صفات الشخصية الاجتماعية والقيمية، وما سوف تنمو عنده هذه الحالة الرافضة للواقع حين يبدأ في مواجهة الأجنبي في بلاده . وبناءً على ازدهار التجارة البحرين بين بريطانيا وأوروبا عبر مياه الخليج العربي وبحر العرب أقامت بريطانيا علاقات مع حكومات المنطقة، وخصوصاً بعد القرصنة التي كانت تعرقل التجارة البحرية نفسها، ونتيجة لهذا الحملات وقعت البحرين اتفاقية في العام 1820م، وفي عام 1861 اعترفت بريطانيا بالبحرين كبلد مستقل تحت حكم آل خليفة بعد توقيع الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة المعاهدة الدائمة . { انظر: محمد الرميحي، البحرين ومشكلات التغيير السياسي والاجتماعي، ص 30-38 .} لقد كانت مفردة " النغل " صدمة نفسية له فرضت عليه البحث عن شيء ينسيه هذه الصدمة، أو ينقله من حلته المأسوية إلى حالة أفضل، فـ " رحت أحدق في جلدي الغريب " الأقلف، ص 20، في الوقت نفسه كان يحيى الذي لا يعـرف هو الآخر لشخصه أصلاً يبحث عن ضالته التي رمته في هذا الكوخ الكائن ضمن مستنقع القاع الاجتماعي " جـدتي .. كيف جئـت إلى هنا " الأقلف ، ص 13، ومن الواضح جلياً أن الكاتب تدخل في الجملة السردية التي تفوه بها إسحاق ، حيث تأخذنا إلى قول الشاعر إيليا أبي ماضي في قصيدة الطلاسم {جئت لا اعرف من أين أتيت .. ولقد لأبصرت قدامي طريقاً فمشيت .. وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أم أبيت .. كيف جئت .. كيف أبصرت طريق .. لست أري}. كما أنه يعطينا تأكيداً واضحاً أن الذي يعيش في هامش المجتمع فقيراً معدماً لا يقوى على مواجهة تحديات مجتمعه ورجاله الأغنياء؛ لأن الضعف، وقلة الحيلة حين يصاب بهما المرء تجعلانه يتقوقع في الغبن، والحسرة، وكره المجتمع الذي كان قاسياً عليه، إلا أن الكاتب الذي أعطى إسحاق البحث عن ذاته، والتخفيف من الصراع بين الأنا والذات، جعله أيضاً مرآة عاكسة لما هو سائد في بعض مناطق البحرين في تلك الفترة التاريخية آنذاك والتي تمثل علامات واضحة في ممارسات بعض أفراد المجتمع، وبعض فئاته خاصة إذا علمنا أن درجة الوعي الثقافي والمستوى التعليمي في تلك الفترة التاريخية لا يزال بسيطاً . خرج يحيى وإسحاق من قمقم واحد، هو القاع الاجتماعي البائس ، المدهون بلعاب البغاء ، فالاثنان لا يعرفان أباهما ولا أمهما، حيث ولدا من رحمين لم يعلنا نسبهما لهما ، ظلا متروكين على قارعة الطريق وفي مزبلة المجتمع الذي لا يرحم الإنسان إلا بماله وجبروته وسلطته، غير أن الاثنين سعيا بطريقة متباينة للدخول في هذا العالم الذي كان يرفضهما مرات ويقبلهما بحسب رغباته وقوانينه ، سعيا إلى الحفر في المجتمع لينتزعا شخصيتهما وهما فرحين بقرارهما، فعندما تعارفا نسجت بينهما علاقة صداقة ، إذ كان إسحاق يؤكد أن الحياة يجب أن تستمر، وعلينا معرفة السبل للدخول فيها ، أما حين سؤال يحيى " هل سنحيا هكذا بلا أسماء .. نخاف من عيون الناس وألسنتهم .. " الأقلف، ص 21، أي من نحن في هذا المجتمع، إننا نكرة ، فالإنسان يعرفه الناس باسمه ملاصقاً ومتبعاً لاسم أبيه وعائلته، ولكن يرد عليه إسحاق بجواب غيّر مجرى حياتهما فيما بعد " لا عليك من أحد 00 اكره البشر .. كل هؤلاء قمامة لا تعذب نفسك .. وأبحث عن النقود .. النقود وحدها ستعطيك الاسم والشرف والاحترام " الأقلف ، ص 21، وهنا تأتي الأحلام التي تكتسب أهمية كبرى في حياتهما، أحلام بالسعادة، بالمال، بالمكانة الاجتماعية المرموقة بين الناس، فكل واحد منهما كان يحلم ولكن بطريقته وبحسب تطلعاته في تحقيق ذاته وشخصيته، فإذا كان إسحاق يرى المال والمكانة الاجتماعية هما اللذان ينقلانه من حالة البؤس والأصل إلى حالة أخرى مرموقة اقتصادياً واجتماعياً، فإن يحيى يرى حلمه لا يتحقق إلا من خلال البحث عن الهوية الروحية، الهوية الدينية التي تخلصه من القاع الذي يعيش فيه، تلك الهوية التي كانت تؤرقه طوال حياته سواء حينما كان لا يعرف من الدين الإسلامي شيئاً أم بعد دخوله الديانة المسيحية . وكما ذكر أمين معلوف أن " هوية كل إنسان تتألف من جملة عناصر لا تقتصر على الواردة في السجلات الرسمية ، بل تتعدى ذلك لتشمل الانتماء المذهبي والجنسية، ومجموعة أتنية أو لغوية، ومهنة ومؤسسة ومحيط اجتماعي وغيرها " أمين معلوف، الهويات القاتلة، ص 19، غير أن يحيى لا يهمه من هذا كله إلا أن يكون محترماً بين الناس، وهذا الاحترام لا يكون إلا من خلال البحث عن هوية دينية تساعده على العيش مستقراً . لقد كره إسحاق البشر منذ انتهاء العلاقة بينه وبين الأسرة التي آوته ردحاً من الزمن، فهو يمتلك القدرات التي تجعله يتفرد بقراراته، ولديه من اللغة التي تسعفه لهذا التفرد، أما يحيى ذلك الشاب الذي لا يملك من فن التعامل الاتصالي مع الآخرين غير لغة الإشارة والإيماءة والحركة، فكان يسعى جاهداً لكي يعرف ما يتفـوه به أقرانه حين كانـوا يأخذونه إلى اللعب معهم " يسحبونه من قوقعتـه ويسمعونه الكلام الذي يضج في روحه ضجيجاً هائلاً " الأقلف ، ص 7، وهذا ما حدا به لكي يجلس في كوخه يسترجع تلك المفردات التي سمعها ولم يعرف دلالاتها، وهنا نجد الأصدقاء والأولاد يتعلمون من بعضهم البعض لمجرد التحدث من دون أن تكون هناك ضرورة لطرح معلومات، أو الإتيان بحكايات مقصودة، أو يرغبون في تداولها ، فهو " في الليل ، يمضغ هذه الألفاظ في حضرة الخرس الأنثوي والغياب الأبوي، يرددهــا ويلهــو بها، ويدهــش من بعضها الذي التصق به، ولا يفهمه، خاصة كلمة / النغل " الأقلف، ص9، لتأتي السكونية المترسبة عنده لتأخذ فعل السؤال والدهشة مما فرض عليه القيام بحركة الانطلاق والخلق الجديد، وهكذا تحول السكون إلى حركة ورغبة في تعلم الكلام من دون عملية تعليم مدروسة ومقصودة، حيث بدأ يأخذها عبر اللغة المتداولة المحيطة به . ولكن هل اكتفى الأطفال بهذه المفردات التي تطلق عليه، لا بل ذهبواـ بحكم شقاوة الصبا وسؤال الحيرة والدهشة ليعرفوا ما يخفيه بين الثياب .. عرفوا طبيعة الجسد المستور، فيحيى " عندما عرف البحر شيّد طريقاً متوارياً متسرباً إليه ، يغسل ثوبه الوحيد وملابسه الداخلية الممزقة، وينشرها على الصخور، وينتظرها عارياً محتمياً بين الشقوق " الأقلف، ص 10. وفي أثناء لعب الأطفال تتم عملية السطو على الثياب ليخرج لهم بعد محاولات التردد عارياً ليكتشفوا أنه لم يختن بعد، " وفجأة ، أطل الأولاد برؤوسهم حوله، وانفجروا ضاحكين .. ولم يتركوها إلا عندما وقف غاضباً " الأقلف ، ص 10، ليدهشهم من أسفله " وتطلعوا إلى ذكره مذهولين .. صاحوا وهم يلقون ثيابه ورددوا كلمة غريبة جديدة " الأقلف ، ص 11، فهذه الإشارات والإيماءات غير اللفظية المصاحبة إلى اللغة اللفظية جعلت يحيى يفهم القصد من الدلالة الإيحائية التي توضح مقصد الأولاد. وهنا تظهر حالة أخرى رسمها الكاتب لنمو شخصية يحيى، فيحيى لم يختلف عن أقرانه في القدرة على التلاعب اللفظي وإتيان الدلالة اللغوية في أماكنها المختلفة فقط، بل يكتشف أنه مختلف عنهم في صورة الجسد الداخلي أيضاً، وهذا ما جعله يؤكد في دواخله عزمه على معرفة الآخر . إنّ إصرار الأولاد على أخذ يحيى لعدد من الجولات في منطقة الحي، وكذلك إسحاق الذي كان راغباً في مصاحبة يحيى، " ألا تريد أن نكون ربعاً " الأقلف ، ص 11 . جعل يحيى يعرف بعض طباع أهالي الحي، حيث عرف علي المدخن وابنه اللذين يعملان على نقل الأحجار والرمل إلى البيوت، وهنا إشارة إلى بعض طبيعة الأعمال التي كانت تمارس بين الفقراء، مثل: مهنة جلب المياه من العيون الطبيعية المنتشرة في البحرين آنذاك كعين الحنينية، عين الرحى، عين عذاري، عين الحكيم، ومثل صناعة الفخار التي اشتهرت بها قرية عالي كما اشتهرت قرية بني جمرة بصناعة النسيج وقرية أبي صيبع بصناعة الأدوية الشعبية . وهناك العديد من الصناعات القديمة كصناعة السفن ، وصناعة الدلال، والتطريز، وصناعة المديد وغيرها، ولكن لا يمكننا أن نغفل مهنة الأجداد وهي استخراج اللؤلؤ التي جعل للبحرين مكانة عالمية في مجال التجارة به . كما عرف راشد وهو يجول في الطرقات ليلاً وصباحاً المارة وطبائعهم، وشاهد المقبرة والقبور، وعرف الرجال الذين يواظبون على تأدية شعائر الدين في المسجد، كما عرف آخرين يواظبون على السكر ليلاً . فهذا المسح الذي كشفه الكاتب من خلال يحيى يعطي مؤشراً واضحاً بنوع البيئة التي لا تختلف عن أية بيئة إقليمية أو عربية أو إسلامية، فهناك الذين يتلون كلام الله ويتعبدون في محراب الرحمن، وهناك الذين يعطون لملذاتهم الجسدية كل الوقت . الحب وحضارة الآخر عاش يحيى في هذا الكوخ ، يتجرع الألم الاجتماعي ، والنفسي والجسدي ، فقد أصيب بمرض مفاجئ نقله إلى المستشفى " باغتته آلام فظيعة في عمق الليل .. راح يتلوى وحيداً على الحصير ، ولما لم يستطع احتمال سكاكينها النارية ، زحف نحو الجدة 00 فهمت واقتحمت عريش إسحاق .. نهض إسحاق ضجراً وقال : هذه خيرات معرفتي بيحيى .. عجوز .. وليل .. ومصائب " الأقلف ، ص22-23. يقوم إسحاق بمهمة الصديق الوفي ، المخلص للصداقة ، إذ يأخذه إلى مستشفى الإرسالية الأمريكية بواسطة عربة صغيرة تقليدية ، لينال العلاج والرعاية الصحية هناك فـ " تندفع ممرضة هندية نحو ممرضة بيضاء كانت تحقن عجوزاً متهدل الجلد والملامح .. أسرعي يا ميري ثمة فتى يكاد يموت " الأقلف ، ص 25 . وبهذا المرض والدخول إلى المستشفى يدخل يحيى تجربة حياتية أخرى وكأنها مفصل في نمو الشخصية الروائية ، أي قدم الكاتب يحيى قبل تعرفه على ميري وبعد تعرفه ، ولكن ما حدث حين جاءت هذه الممرضة لتطبب المريض ؟ لقد " حدقت بيحيى وأصيبت برجفة " الأقلف ، ص26، إذ لـم تكن أناملها التي أوصلتها إلى هذه الحالة ، بل إن جسد يحيى وعنفوانه الشبابي هما اللذان أغريا هذه الأنامل لتسري فوقه . وفي الوقت الذي ينال يحيى التطبيب والعلاج لم يتوانَ إسحاق من معرفة خبايا هذه المكان المنتج للراحة والأكل والسعادة والجمال ، مما راح يتنقل بين المرضى يساعدهم ويقدّم لهم الخدمات التي يحتاجونها ، حيث " وجد أن البقاء في المستشفى ذو منافع كثيرة وأعباء هينة " الأقلف، ص 28 . وكان العلاج الذي يقدم إلى المرضى المواطنين والمقيمين يأتي عن طريق مستشفى بنته الحماية البريطانية ومستشفى الإرسالية الأمريكية الذي شيد في العام 1902م، ومن أطباء الذين عرفوا الدكتور ديم والدكتور هريسون . {انظر: خليل المريخي ، لمحات من ماضي البحرين، 193-194 .} فميري في الرواية قد تلاقت بعض الشيء مع الممرضة الأمريكية التي وطأت قدماها شاطىء البحرين في العام 1921م، وأعطيت اسماً عربياً منذ النزول من على ظهر السفينة وهو " شريفة "، حيث كان اسمها " كورنيلا "، إذ قال عنها جون بيوتين سكرتير الإرسالية العالمية بالكنيسة الإصلاحية في أمريكا " كورنيلا تتمتع بمزيج فريد من التضحية والعطف والروح الخفيفة " ( مذكرات شريفة الأمريكية ص 10 ) . وميري أيضًا كانت في الرواية تتمتع بهذه الصفات التي جعلت أهالي المنطقة القريبة والبعيدة يكنون لها الاحترام والتقدير ، لما قامت به من مساعدات في تخفيف آلامهم في المستشفى أو في البيوت . إن هذا الاتصال عبر فضاءات المستشفى هو اتصال بين حضارتين ، حضارة عربية وحضارة غربية ، بين ثقافة إسلامية وثقافة مسيحية ، بين جهل منتشر بين أهالي المنطقة وبين علم لدى الممرضات والأطباء . اتصال بين الرغبات في التعرف على الآخر من زوايا متعددة مختلفة الهدف والاتجاه . اتصال بين قلبين بدآ يتفطران حباً وعاطفة ، بين ذلـك الشاب الممرغ في الطين والوحل وأوساخ المجتمع ، وبين تلك الشابة الممرضة التي نذرت نفسها من أجل إبلاغ الرسالة وتبشيرها إلى أكبر عدد ممكن من الناس . فها هي تدرك في " لحظة من تجليات صلواتها الحارة إن ذلك الفتى مهديٌ إليها من السماء، وإن ثمة رسالةً فيه 00 أليس هو أغلف ، لا ينتمي إلى الوثنيين " الأقلف ، 28 . وأي وثنية التي تقصدها ميري؟ هل هو الإنسان الذي لا دين له؟ أم أنه مسلم لم يحظ بالرعاية الاجتماعية والصحية السليمتين من قبل المجتمع المنتمي إليه ؟ ولم يراعَ في الجوانب الدينية ؟ وكل هذا لا يهمها ، ما يهمها الآن هو العمل على إيجاد الطرائق والسبل لإقناع هذا الفتى بالدخول إلى الدين المسيحي؛ لتحقق هدفها ورسالتها التي جاءت عابرة المحيطات والبحار من أجلها، وعبر الرسالة الإنسانية التمريضية . وهنا تختلف عن صديقتها جين، تلك الممرضة التي بدأت تفك قيد الحصار الملتف حول حياتها اليومية، والبوتوبيا المفروض عليها منذ مجيئها إلى هنا ، في هذا المكان المظلم إلا بالفوانيس، المكان الذي لا ترى أهاليه بعد المساء يتجولون في الشوارع والأزقة، أو يمرحون في محال السمر والمقاهي، هذا المكان المكتنز بالحيوانات والأمراض والتعب والجهل ، لذلك راحت تبحث عن أي علامة تدلها على مرح أو سهر أو رقص يسهم في تحقيق ملذات حياتها العاطفية والجسدية والجنسية . ورغبة في تحقيق ملذاتها تعرفت حين على السيد توم البريطاني الجنسية الذي يعمل مهندساً في شركة بابكو ، الشركة العاملة في النفط وتقوم على استخراجه وتكريره ، " إنه معجب بي كثيراً، ولا أستطيع أن أرفض دعواته .. خاصة إذا كانت ممتعة " الأقلف ، ص44. وحين تفضل المتعة الجسدية والعاطفية على المتعة الروحية من خلال الطقوس الدينية المسيحية ، فإنها ترفض الحياة الصارمة التي سيجت بها ، تعلو على تلك الأوامر والنواهي التي كانت تتلقاها من السيد تومسون الراهب الذي يعمل طبيباً في المستشفى ذاته ، فضلاً عن رغبتها في الهروب من الأمراض والتداوي والدماء والقاذورات ورائحتها المختلطة برائحة الحيوانات المتجولة عند أفنية المستشفى . وليس بغريب أن هذه الجرأة التي اتصفت بها جين في تخليها عن بعض المهمات التي جاءت من أجلها وقطعت آلاف الأميال البحرية لتحول الناس البسطاء من دياناتهم ومعتقداتهم إلى الديانة المسيحية، لكن هذه الرغبات التي لا تتوافق ومهمتها الأساسية حالت دون ذلك ، بل راحت تؤثر بشكل غير مباشر في ميري التي كانت تعيش الحيرة والتردد والخوف والقبول بين حبها إلى يحيى المنغمس في العاطفة الوجدانية ورغبات الجسد ، وبين التطلع إلى الحب الإلهي والدعوة إلى التبشير ، وتصارع تلـك العادات والتقاليـد التي تمنـع المـرأة من الخروج أو التسـوق أو مساواتها بالرجل ، وبين تلك الحياة التي تركتها في بلدها ، وبينها التي لا تمتلك اتخاذ القرار ، وبين جين القادرة على اتخاذه على الرغم من توحد مهمتهما المعلنة المتمثلة في التمريض ، وغير المعلنة المتمثلة في التبشير والتنصير . من هذا المنطلق كانت تعيش ميرى حياتها العاطفية الدفينة مع ذاتها متسائلة هل يحيى هو الرجل المناسب الذي سيسعدها في هذه الغربة ؟ أهو الرجل الذي تطمح المرأة إلى الدفء بين ذراعيه ؟ هكذا " عادت ميري إلى هواجسها : هل هـذا هو الوثني القادم من المزبلـة أم هـو العاشق الرائع ؟ لماذا غدت الرسالة هادئـة الآن ، وتفاقم نداء القلب والجسد ؟ لماذا هي سعيدة ومحبطة في آن ؟ " الأقلف ، ص51. وباستمرار هذا الحب الخفي بين الضلوع كان يسعدهما مرات ، فهو الذي أعطى يحيى إشارة التعليم ، والخروج من بوتقة الجهل إلى منارة العلم ، " سوف أتعلم وأبحث " الأقلف ، ص51 ، وهذا البحث يتطلب منه نظاماً تواصلياً ، ولا يمكن إلا عبر اللغة التي تربـط الخبرات والمعارف ، وما يمكـن أخذه من أفواه الآخرين ، وسيمولوجياتهم المختلفة . إنّ يحيى لا يملك من الخبرات والمعارف إلا الشيء النزر ، فعليه البحث وزيادة الخبرة، والتواصل مع الآخر أياً كان هذا الآخر ، لذلك راح ينخرط في تعليم الدين المسيحي ، ويتعرف الكثير من مبادئه ومعتقداته ، والناس الذين يعتنقونه ، فحبه إلى ميري أدخله عالماً آخر ، يحمل بين طياته التطلعات والآمال مما بدا منشغلاً ليس عن الحب وميري ، وإنما الانشغال كان في النبش والبحث عن المعرفة التي يتلقاها من أستاذه البستاني ، فـ " المدرس هو الوحيد الذي يشغله عنها ، ففي ملكوته ينسى حتى نفسه " الأقلف ، ص 43. وكأن مرحلة الكلمات المكتوبة بدأت منذ وطأت قدماه مكان التعليم وغرفه الدراسية ، حيث كان في حضرة أستاذه ومعلمه تتمظهر قدرته على التعليم والتحليل ، وفك شفرات اللغة المحكية والمكتوبة معاً، وبهذا فيحيى تعامل مع اللغة بالشكل الطبيعي المعتاد عند كل فرد سمحت لـه ظروفه أن يتعلم ، أي أنه أخذ اللغة من بوابتين اثنتين ، الأولى بوابـة اللغة المتداولة بين الأقران ، حين كان يتنقل معهم في شوارع الحي ، وبين أزقته ، وعند تلك المزارع الخضراء ، وهي اللغة المحكية ، والثانية اللغة المكتوبة ، لغة القراءة والكتابة ، لغة الثقافة والاطلاع، لغة الخطاب عند البستاني في الدرس ، ولغة الكتاب المقدس ، ولغة الحوار والسؤال ، لغة كتب تفسير الدين المسيحي . وكما كان منشغلاً عن ميري بانشغاله التعليمي ، كان منشغلاً عن صديقه إسحاق أيضاً ، وخصوصاً بعد محاولات إسحاق أبعاد فكرة التنصر عن متخيله الذهني . هذا الرفيق الذي ساعده في الخروج من عزلته والانخراط في المجتمع عملاً وحركة وتفاعلاً ومشاهدةً ، بل عرّفه على مناطق البغاء وممارسة الهوى ، ليعرف طبيعة المجتمع بمختلف جوانبه ، فهو الذي أخذه مرة إلى حي مشهور بالنساء اللاتي يمارسن البغاء بشكل علني . فيحيى لـن ينسى ذلك اليوم الذي طردته المموس من عريشها بعد ما اكتشفت أنه أقلف ، " أخرج من هنا.. ! أيقن أن صراخها بسبب جموده تجاه إغرائها ، لكنها أشارت بيدها لأسفله .. أنت نجس .. أيها الكافر غير المختن " الأقلف ، ص 69 . وكأن هذه المرأة تمارس حياةً كلها طهارة وعفة وأخلاق حميدة مقبولة دينياً واجتماعياً ، وتعاملها مع هذا الجسد يلغي طهارتها وعفتها، فضلاً عن طرح السؤال تجاه هؤلاء المومسات فهل هنّ يمارسن البغاء مع المسلمين فقط ؟ وهل هن مسلمات ؟ هل يمارسن البغاء مع كل رجل غير أقلف ؟ أي أن خطابها الموجه إلى يحيى يعطينا دلالة أن الممارسات الجنسية مع هؤلاء المومسات لا تكون مع المسيحيين أو كما تصفهم بالكفار . والرجوع إلى التاريخ القديم نجد أن الدين اليهودي أكد على الختان ، فقد ذكر في سفر التكوين بالفصل السابع عشر حينما كان الله سبحانه وتعالى يخاطب النبي إبراهيم عليه السلام قائلاً له " .... (10) هذا هو عهدي الذي تحفظون بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك: يختن كل ذكر منكم، (11) فتختنون في لحم غلفتكم، ويكون ذلك علامة عهد بيني وبينكم ". وفي سفر الأحبار بالفصل الثاني عشر يخاطب الله تعالى النبي موسى عليه السلام قائلاً له:" ... (2) كلّم بني إسرائيل وقل لهم : أية امرأة حبلت فولدت ذكراً تكون نجسة سبعة أيام ، كأيام طمثها تكون نجاستها، (3) وفي اليوم الثامن تختن غلفة المولود " . وفي المسيحية فقد انقسموا إلى قسمين فقسم من المسيحيين يرى الختان فريضة واجبة بينما يراها القسم الآخر مجرد إباحة ، غير أن الإسلام وإن لم يأتي بذكرها في القرآن الكريم فإنه أكد عليها في السنة النبوية ، فعن طب الأئمة عن النبي قال : " اختنوا أولادكم في السابع ، فإنه أطهر وأسرع لنبات اللحم " وفي حديث آخر يقول النبي عليه السلام " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء " انظر : سامي الذيب ، مؤامرة الصمت : ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين ، ص 43-44/ 84 / 115/116 . ومن هذا كله يتضح أن عملية الختان لم تكن حاجة زائدة ينبغي التخلص منها ، بقدر ما هي سنة اتبعت بدعوة من الأديان السماوية ، وراحت فعلاً محموداً عند المسلمين . إنّ هذه الرحلة في عالم الدعارة لم تمنعه من البحث عن ذات لـه ، وعالم يضمه ويقدّره " فالكتب التي يضج ورقها بالرقة واللذة ، كلها جعلته يحلّق في السماء ، ويجـزم أن ملاكاً مد إليه جناحيـه أو يده وأخذه إلى عالـم الحب والسعادة " الأقلف ، ص40 ، وعلى هذا فقد ادخل الكاتب المتلقي في دائرة السؤال تجـاه الشخصية الروائية ، وعلاقتها بما حولها ، بوصف هذه الرواية رواية تكشف عن البعد السيكيولوجي في تركيب الشخصية الإنسانية في فترة تاريخية معينة ، وكما قال كونديرا : " إن الرواية تقـول للقارئ : أن الأشياء أكثر تعقيداً مما تظن " الأقلف ، ص25 ، لذلك فرواية الأقلف ليست هي طرح اعترافات وتاريخ فحسب ، وإنما هي محاولة لسبر ماهية الحياة الإنسانية في هذا العالم ، وخصوصاً مجتمعنا المحلي الذي أوقع أفراده في جملة من الصراعات بين الذات والأنا ، بين الذات والآخر ، بين العادات والتقاليد من جهة ، وبين دخول الجديد الذي يتمثل في العلم والنظرة إلى المرأة، والدين وعلاقة الإنسان به ، وما المصير إذا دخل المرء هذه الدنيا من دون هوية دينية ، وخرج منها بمثل ما دخل ؟ هكذا عرف أن الرحلة التي بدأها بعد لقائه ميري، قد بدأها والداه ، حيث شكلاه وقدما جسده بهذه الصورة جواز سفر لهذه الرحلة البحثية عن سفينة النجاة ، لذلك لم يعبأ بالأمور الدينية التي تحجره ، وتبعده عما يريده من تحقيق الذات ، وتأكيد لها ، لهذا كان يرى أنّ الحب والجسد والعاطفة، وقبول بالرجل غير المختن لا يكمن إلا في قلب ميري وجسدها وروحها ووجدانها ، " سأفتح بابكِ يوماً ، وانضم إلى فراشك وأقرع أجراسك ، سأهرب بكِ إلى بلدك ، أو تذوبين في أرضي ، سنتحد جسدين ومعنى " الأقلف ، ص 84 . لعنة السيد تومسون لقد أصر يحيى على حبه لميري ، وقبلت هي بهذا الحب على الرغم من كل التحديات والمواجهات التي لقيتها من قبل السيد تومسون ، وسوف تلقاها فيما بعد " أنت يا ميري راهبة قبل أن تكوني ممرضة . لم نحضرك إلى هنا لتقيمي علاقات غرامية فاضحة وشائنة ، منذ أن جيء بهذا الشاب وأنت ملتصقة به " الأقلف ، ص111 . وهذا ليس غريباً على ميري أو السيد تومسون ، فالاثنان يعرفان أن مجيء أي مبشر إلى منطقة الخليج عليه مهمة التبشير والتنصير أولاً وأخيراً ، وهذا ما كانت تقوله السيدة " الكوت " للممرضات اللاتي سيأتين إلى منطقة الجزيرة العربية والخليـج " لا نحبذ أن تنساق إحدانا وراء مشاعرها ، وتتعرف أحد الشباب في الجزيرة العربية وتتزوج به ، وتنسى مهمتها الأساسية في خدمة الإرسالية" مذكرات شريفة الأمريكانية ، ص 33 ، وكما لام السيد تومسون ميري بهذا الكلمات التي تنم عن غضب دفين ، لام يحيى أيضاً ليكون إنذاره موجهاً إلى الاثنين معاً " نحن انتزعناك من مستنقع الوثنيين والمجرمين ، ورفعناك إلى ألق المسيح .. فإذا بك تقذرنا وتلوثنا وتدمر أطهر كائن في هذا المكـان .. أنت حكمت عليها الآن بالطرد والعذاب والفضيحة والتشرد " الأقلف ، ص131 . إن يحيى لم يعِ الدور الأكبر الذي سيناله من قبل هؤلاء الرهبان ، ولم يدرك أن تنصيره لمجرد دخول المرء عالـم الروح ، ومعرفة التعاليم الدينية المسيحية أو الحصول على جواز سفر في الآخرة ، وهو اعتناق دين سماوي ، وخصوصاً إذا كان من أناس يقدرون المرء ويبجلونه ويرفعون من شأنه ، فهو يتساءل " كيف يكون الكفـار بهذه الطبيعة ، يقدمون الطعـام والدواء والأَسرة والابتسامات المنعشة " الأقلف ، ص34. ولذلك حارب حياته الأولى من أجل تحقيق سعادته في الحب مع ميري والزواج منها، بل وافق على أن يعلن أمام الملأ أنه دخل الدين المسيحي في الكنيسة من دون النظر إلى ما سيترتب عليه من أمر بعد ذلك ، " - سوف تضطر للاعتراف أمام الناس بأنك غيرت دينك .. – لم يكن لي دين لأغيره .. – الناس حولك لهم دين .. صارم ! .. – لم يعلموني إياه " الأقلف ، ص51 . وبهذا التحول من اللا دين إلى دين لم يعد مقبولاً على شخص هو في عداد المسلمين ، وإن لم يمارس شعائرهم ومعتقداتهم ، مثلما حدث إلى علي ذلك الشاب الذي بدّل دينه ، وتنصر ، إلا أنه لم يستطع البقاء في البحرين ، فهاجر بالاتفاق مع الإرسالية إلى البصرة مذكرات شريفة الأمريكانية ، ص 106-115. غير أن الإشكالية التي تطرحها الرواية تكمن في إدراك يحيى لذاته ، أي إدراك الأنا التي تحولت ضمن هذا التغير البنائي لتركيب الشخصية تجاه الوجود الذي هو فيه ، لـذا تلقى اللوم من أهالي الحي، فهذا الحاج سلمـان يلومه قائلاً: " كيف تغير دينك .. هذا أكبر حرام " الأقلف ، ص75 ، وتأتي عائشة المبروكة لتؤنبه قائلةً : " هل سيعطونك أرضاً أو بيتاً عندما تصير نصرانياً ؟ " الأقلف ، ص85 ، كما سألـه مرزوق " بكم بعت دينك يا يحيى " الأقلف، ص100 ، وكذلك الحاج مطر يأتي ليوبخـه " الله يخزيك يا ولد " الأقلف ، ص100. ومعنى هذا أن هناك أزمة حقيقة في تكويننا ، وإذا جاء الكاتب بيحيى فهو قـد جاء بأكثـر من يحيى الذي يريد القفـز على هذا الموروث المرفوض مناقشتـه أو مقارنته بموروث آخر . فالأزمة هي أزمة الإنسان الذي يبحث عن هويـة روحية ، هوية تعطيه المعرفة ، والرغبة ، والتطلع نحو الأفضل في الحياة ، وقد رأى يحيى أن التنصر هو أحد الطرق الرئيسة التي ستوصله إلى هذه الحياة ، الحياة الجديدة التي سيعيشها مع ميري ، الحياة التي تؤكد أن معرفتها هي " جوهر الروحانية " ميلان كونديرا، فن الرواية ، ص 13 . وإذا كان هذا الإصرار ، وعـدم الاكتراث بما يقوله الناس عن تبدله وتغير عقائده الدينية، فكيف كانت العلاقة عند ميري وهو ينوي الإعلان ؟ بل أعلن تنصره وانتهى ، لقد بينت لـه أنها لم تر ، أو تشعر برغبات العلاقة مع الرجل إلا معه ، " هل تعرف أنك الشاب الوحيد الذي أحببته في حياتي ؟ إنني أكـره مذاق الرجال ، وشيئاً فشيئاً تعرفت إلى رائحتك وهمت بها " الأقلف ، ص103 . بل كشفت عن حبها صراحة حين قالت لـه : " حبكَ جاء نظيفاً جميلاً ، أحسست بأمومتي لك ، كأنك الباحث عن عائلة فيّ " الأقلف ، ص105 . وهذا الحب راح يسطر تاريخاً لعلاقتهما في قلبيهما ، وبدأ الحب يكبر بينهما حتى " أخذ يحيى ميري إلى غرفتها .. لم يعد بينهما طقوس متعاديـة ، بل هما في طقس مشتـرك محلق فوق دبابيس الأرض " الأقلف، ص64-65 . وهكذا جاءت الطقوس بحمل يكبر شيئاً فشيئاً في بطن ميري ، ليزداد الألم والبحث عن ملاذ يلوذ به في ظل هذا التهديد والوعيد من قبل السيد تومسون ، مما عزم على ترك المكان واللجـوء إلى أرض الخلاء الواسعـة، أرض الأهالي التي تحتضنهم ، فـ " عندمـا انفرد بميري المذهولة ، المبعثرة بين النعاس والتعب والغضب ، جمع حاجياتها ونقودها في حقيبة، وأمسكها وهما يقفزان من النافذة " الأقلف ، ص133. ولكنهما بهذا الهروب لم يفلتا من لعنة السيد تومسون وهيمنته المرهبنة، بل ومطاردته لهما في رزقهما وعيشهما ، حيث ظل يحيى يبحث عن عمل هنا وهناك من دون جدوى حيث " يقتحم الشوارع مجدداً ، ويجد أن لعنة تومسون تحوم في كل مكان واسمه يجابه بالرفض .. إنهم يتفحصونه ، ويضعون لافتة / ليس ثمة وظائف شاغرة / أمام وجهه " الأقلف ، ص135 . بل زاد من هذه اللعنة حينما أخذ إلى الحبس ، إذ كان يحيى يمشي في الأزقة عندما رأى مجموعة من الشبان تكتب على الجدران . ولا يخفى على أحد أن الحماية البريطانية كانت تقاوم من قبل فئات الشعب المختلفة ، وتدعوها إلى الخروج من البحرين ، حيث كانت المظاهرات والمسيرات وتنمية الشعور القومي والوطني يزداد من خلال الأندية والجمعيات التي تأسست في تكل الفترة بدءاً من الثلاثينيات وحتى الستينيات من القرن العشرين . إذ برز اتحاد الهيئة في الخمسينات ، والقوة الوطنية في الستينات . { اظر : محمد الرميحي ، البحرين ومشكلات التغيير السياسي والاجتماعي ، ص 367-394 . وبين الفينة وأختها يرى يحيى نفسه بين أيدي الشرطة ، وعند مكاتب التحقيق في اليوم الثاني ، إذ يلاحظ الضابط علامة الصليب تتدلى على صدره بعد ما تمزق القميص ، مما بدأت الحالة عند يحيى تتغير تجاه هؤلاء الأجانب الذي كان يراهم النور على الأرض ، ولكن في هذه الرحلة التي عنونت بلعنة السيد تومسون ، بدأت تغير درجة التفكير ومستوى الرؤية عند يحيى تجاه هؤلاء ، فهنا اختلف كل شيء، فالضابط يمارس دوره السوقي حين أجلسه على الكرسي ، وقدم السيجارة له التي لا تعبر عن الاحترام ، وإنما عن الاستفزاز ، حيث " حـدّق فيه الضابط منزعجاً وأمطره بالأسئلة والصفعات " الأقلف ، ص137 . ومن هنا لـم تنفع بشرته التي كان يراهـا مدخلاً إلى هذا العالم الجديـد، ولا الصليب المعلق على الصدر، ولا الوثنية التي كانت تراها ميري طريقاً لتنصيره ، كما أن بشرة هؤلاء الناس الأجانب خيبت الآمال عنده " فهـذه البشرة الورديـة التي ظنهـا طريق الشمس، وهي تصنع المـدن وراء الأفـق ، صارت لهباً " الأقلف ، ص136 . يظل يحيى وقتاً في السجن ، في الوقت الذي كانت تعاني ميري فيه من البحث والسؤال عنه ، يسمع صوت صديقه إسحاق في السجن أيضاً ، هذا الصديق الذي رفض تحوّل يحيى إلى النصرانية ، مما استدعى الأمر لطعنه بسكين ، بل يعتقد يحيى أن إسحاق وراء حريق كوخ جدته والمتسبب في موتها . يخرج يحيى من السجن مواصلاً البحث عن عمل ليستقر في جريدة يديرها موظفون إنجليز وهنود وعرب ليقتات منها وزوجته ، كمـا أن ميري تحصل على عمل هي الأخرى بعد ما كانا يعيشان من تلك النقود التي وفرتها ميري من قبل . ينتقل يحيى في سكن آخر في عمارة قرب المطار، ولكن اللعنة لاتزال تلاحقه أينما حل أو ارتحل ، ففي جوف الليل يأتون لـه " ويسحبونه فوق الشارع وعلى الرمل نحو الشاطئ " الأقلف ، ص145-146 . ولأن الحياة في تلك الفترة من الزمن ، يرى أهالي الحي والأحياء الأخرى ، أن وجود الإنجليز والأجانب قضية كبرى لا بد من اجتثاثها من الأرض، لذلك تبرز الرواية بعض الرفض من قبل الأهالي ، وخصوصاً إسحاق الذي راح زعيماً للناس يأمر وينهي ، يخطط والآخر ينفذ ، ومن هذا أمر إسحاق يحيى الذي جاء له مستغيثاً وطالباً العون والمساعدة " إذا أردت أن تلتحق بنا فهناك مهام كبيرة . أن تنفصل عن زوجتك .. أن تقتل .. أن تقطع أجزاء دنسة من جسمك .. إنه تنور رهيب قد تخبز أو تحرق فيه " الأقلف ، ص152. إن موافقة يحيى على الانضمام إلى مجموعة إسحاق والعمل على طرد الغرباء من الأرض أمر كان مؤمناً به ، خاصة بعد ما لقيه من الضباط البريطاني وكيفية المعاملة معه ، ولكنه لن يقدر على التخلي عن ميري التي أسكنته الحب والعطاء والرحمة والسعادة ، وستكون أماً لجنينه الذي يكبر في بطنها . وفي مقابل كل هذا كان راغباً في نسيان ماضيه الذي حرمه من طعم الحياة ، لذا تمظهرت الموافقة من خلال دخول يحيى إحدى المدارس ، ليسرق مع رفاقه آلة طباعة ، فـ " لم يتصور يحيى أبداً أن يكون هذا الهجوم بقصد سرقة آلة طباعة " الأقلف ، ص153 . ويستمر العمل في مواجهة الأجنبي المهيمن على أرزاق الأهالي ، فتظهر حالة هيجان هنا وهناك ، وكتابات على الجدران ، ومطاردات لشبان يكتبون ويحرقون ويقولون ، وهذا ما سبب في موت زوجته عندما وصل الهيجان في إحدى المرات إلى العمارة التي يسكنها ، ومناطق أخرى ، فهذه " باصات محطمة على الطريق ، وعجلات كثيرة تحترق .. وهناك الأطفال الذين اندفعوا في جوقات حماسية يرددون صخب الكبار " الأقلف ، ص161 . فهناك من هرب بعد صفارات الإنذار والمطاردة ، وهناك من وقع في بحيرة من الماء الخارج من الخراطيم ، وهناك النسوة اللاتي أخذن إلى المستشفى لتلقي الـعلاج ، ومن هذه النسوة ميري، التي رآهـا يحيى " جسداً مغسولاً بالكيروسين وريـاح الفحم ونشوة المـاء .. يحتضن الجسد ويجيش بالبكاء " الأقلف ، ص163-164 ، وتنتهي ميري جسداً من الحياة ، وتبقى الطفلة الرضيعة التي أنجبتها ، حيث " يقوده ممرض إلى كتلـة صغيرة تخصه .. طفلـة اقتحمت أمها المكان لتخرجها من اللهب " الأقلف ، ص164. وبهذا يدخل يحيى تجربة حياتية أخرى ، يغير فيها نظرته تجاه الأجنبي الذي عامله معاملة سيئة حين ارتبط بميري ، وحين كان يبحث عن وظيفة، وحين أدخل السجن أول مرة. ولكن تومسون والأجانب كانوا لـه متابعين ومتربصين ، وعندما همّ يحيى بالخروج حاملاً طفلته ، يرى أحد الضباط يراقبه " انتزع الجندي الطفلة .. قال الضابط : سوف تدلنا على مخبأ إسحاق يا صديقه العزيز .. ولما سكت يحيى طويلاً انتزعه الجنود، ووضعوا حربة بين عينيه ، وتركوا لأحذيتهم القوية حرية التجول بين ضلوعه " الأقلف ، ص165-166 ، ليترك الكاتب يحيى ينغمس في الحساسية والإدراك والوعي تجاه الواقع المرير ، وتجاه من قدم لـه العلم في يوم من الأيام وهو الآن يقتص منه . الخاتمة إن الكاتب لم يبنِ واقع الرواية ويرسم أفضيتها من فراغ ، بل اتكئ على مجموعة من العناصر التاريخية التي ساهمت في إبراز العمل إلى حيز الوجود ، ومن هذه العناصر : تلك العمليات التبشيرية التي مورست في البحرين في فترة من الزمن ، مؤكداً ان هناك بعض الشباب لجأ إلى تحوله الديني بناءً على إغراءات مادية ومعنوية قد لا يجدها في دينه الأصلي أو في مجتمعه أو بين أسرته ، كذلك تلك الممارسات الجنسية التي تمثلت في البغاء والدعارة المسموح لها رسمياً وفي مناطق محددة ، فضلاً عن العلاقة المنافرة بين الشعب والناس وبين الاستعمار البريطاني ، وعملية المحاولات للتعبير عن هذا الرفض . كما أن الشخصية الروائية أياً كان دورها ، فإن نموها في العمل السردي مسألة ذات أهمية قصوى لتعرف خطوات مسيرة هذه الشخصية ، وبناءها الفني ، وعلاقتها بالمكونات السردية الأخرى ، مثل : الحدث والزمان والمكان ، والمتلقي الضمني ، والكاتب . ولو وقفنا عند شخصيات العمل الروائي لرواية الأقلف ، وقراءتها ضمن الأحداث المرتبطة بها لعرفنا أن الشخصيات بنيت في نموها بناءين اثنين ، الأول البناء المادي المرتبط بالزمن الأفقي الذي يأخذ الشخصية في نموها الجسكماني ، والتطور الحدثي في السرد ، أما الثاني فهو البناء الداخلي المرتبط بالزمن العمودي المتعلق بحالة الشخصية النفسية والاجتماعية ، وغيرها من صراع معرفي ووجداني ونفسي . من هنا نرى شخصيات الرواية التي كان لها الدور الفاعل في تحريك الأحداث شخصية يحيى وميري وإسحاق . وعلى الرغم من سعي الكاتب إلى بناء هذه الشخصيات مادياً ومعنوياً ، إلا أنه كان حاضراً في كل شخصية ، فهو الذي يرسم حدودها الفنية ، وهو الذي يتابع نموها ، حيث لم يتركها تتحرك ، وتسير في الرواية وفق أحداثها ، أو ما تقتضيه البنية الفنية ، وإنما بحسب ما يريد هو نفسه لهذه الشخصية أو تلك . فقد رسم الكاتب شخصية يحيى وهو رافض واقعه الذي تمحور في البحث عن الهوية الروحية لـه، أما شخصية إسحاق فقد جعلها رافضة لواقعها من خلال مواجهة المغتصب سواء كان مغتصباً لذاته ، وسالباً إرادته أم الأجنبي الذي كان مسيطراً على أرزاق الناس ، كما كانت شخصية ميري الداخلة في صراع بين الحب الإلهي ، ودعوة التبشير ، وبين الحب المادي الجسدي ، والارتماء في أحضانه . إن الجرأة التي تميزت بها الرواية هي طرح تلاقي الحضارات والثقافات بطريقة مختلفة عما هي عليه ، أي طرح السؤال المرفوض عادة ، وهو خروج المسلم من دينه متجهاً إلى اعتناق دين آخر ، ليطرح الإشكال الآخر ، وهو لم هذا الخروج ؟ ولِمَ الحساب على حرية التفكير والتحول في البناء الفكري للإنسان . فهذه تجربة قام بها الكاتب ليؤكد أن التجريب في العمل الإبداعي هو إثارة السؤال وإثارة الجدل ، كما أن التجريب في الرواية شارف كما يقول صبري حافظ " على الخروج عن التقاليد المألوفة ، والرغبة في ارتياد آفاق بكر، واستكشاف معالم مجهولة " سليمان البكري ، التجريب في القصة والرواية، ص 11 . فهد حسين .. ناقد ادبي بحريني