مستخدم:Rabeeai1

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

كيف ننمي مهارات التفكير الاستنباطي لدى الأطفال؟[عدل]

د. أحمد الربيعي / باحث تربوي

التغيرات المتسارعة التي يشهدها العصر الحديث، شملت معظم مناحي الحياة بفعل الثورة المعرفية والتقنية والتي أدت إلى توسيع ميادين المعرفة، مما جعل دور المؤسسات التعليمية على المحك في قدرتها على فهم وإدراك واستيعاب الكم الهائل من المعلومات ومواكبة الطرق والأساليب الحديثة وتوظيفها في العملية التعليمية، ذلك أن الطرق التقليدية مثل التلقين وغيرها أصبحت قاصرة وغير مجدية، في تهيئة الطفل للتعاطي مع مشكلات الحياة المعاصرة والتصدي لها، وليس هناك أفضل من تنمية طرق التفكير لدى الأطفال، لا سيما التفكير الاستنباطي، حتى يتمكنوا من استنباط المعلومات المفيدة واستخلاص النتائج المهمة، للاستفادة منها في حل المشكلات واتخاذ القرارات والتنبؤ بالمتغيرات المختلفة.

ويلاحظ أن المؤسسات التعليمية في بلدان العالم الإسلامي لا زالت تولي الاهتمام والعناية بالمستويات الدنيا للتفكير مثل الحفظ والتذكر للمعلومات، وتتحاشى تدريب الأطفال على مهارات التفكير العليا، كتعليم طرق التفكير، والتي لها الأثر الكبير في التعلم وحل المشكلات، كما يلاحظ غياب مثيرات السلوك الاستكشافي في الموقف التعليمي مثل الغموض والتناقض والجدة والتعقيد مما يؤدي إلى ضعف مهارات التفكير الاستنباطي وبالتالي قصور في العملية التعليمية.

وسنتناول في هذا المقال كيف ننمي مهارات التفكير الاستنباطي لدى الأطفال؟ من حيث مفهوم التفكير الاستنباطي، وأهميته وأساليب تنمية مهاراته، وتندرج مهارات التفكير الاستنباطي ضمن مهارات التفكير المجرد؛ والذي يبدأ نموه في مرحلة الطفولة المتأخرة، حيث يدرك الطفل معاني الرموز ومدلولاتها، كما يعد الاستنباط من مهارات التفكير الناقد الذي يتطلب فحص المقروء والخروج منه بأفكار صحيحة تؤكدها شواهد وأدلة داخل النص.

ويقصد بالتفكير الاستنباطي؛ الأداء المعرفي للعقل الذي يستخلص بواسطته الطفل حالات خاصة من حالات عامة، فالمستنبط لا يبحث فحسب بل يسعى للوصول إلى الحقائق المجهولة حتى يجدها، ويجدر الإشارة إلى أن مهارات التفكير الاستنباطي تمكن الطفل من مواجهة المواقف المختلفة في الحياة والتعامل معها بإيجابية، والتمييز بين الخيارات الأكثر أهمية للموقف، وتفسير البيانات غير المكتملة، والقدرة على التنبؤ، وأصبح للتفكير الاستنباطي استخدامات متعددة في كثير من مواقف الحياة.                                       

مفهوم التفكير الاستنباطي

الاستنباط هو بحثٌ عقلِيٌّ منظَّمٌ لبلوغ حقيقة مجهولة، انطلاقًا من حقيقة معلومةٍ، فهو انتقال الذهن من قضية أو عدة قضايا هي مسلمات إلى قضية أخرى هي نتيجة وفق قواعد المنطق، وليس ضرورياً أن يكون انتقال من العام إلى الخاص أو من الكل إلى الجزء، ومن أوضح صوره البرهان الرياضي، والتفكير الاستنباطي عملية فكرية منظمة تنجم عنها استنتاجات مبنية على مقدمات، وتكون صحيحة إذا كانت المقدمات صحيحة، وخاطئة إذا كانت المقدمات خاطئة، فهو نمط من التفكير التحليلي من الكليات الى الجزئيات، ومن متطلباته: القدرة على التفسير، والربط، وتحليل البيانات المعطاة، وزيادة حجم العلاقات بين المعلومات المتوافرة، للوصول الى نتيجة منطقية محددة، كشرح مفهوم معين وربطه بمعلومات سابقة، وتفسير هذا المفهوم وتقييمه، مثال على ذلك: جميع الكائنات الحية تتنفس، والنبات كائن حي، إذن فالنبات يتنفس، فالاستنباط هو عملية قياس ذهني يتم بواسطته استخلاص نتائج عامة أو لوائح من تفاصيل خاصة.

أهمية التفكير الاستنباطي

يعد الاستنباط العلمي جزء مهم من العلوم الاجتماعية والطبيعية والفيزيائية والرياضية وعلوم الحاسوب وغيرها من المجالات التي تستند إلى البحث والتحليل لإيجاد حلول المشكلات الحقيقية، وتنبع أهمية التفكير الاستنباطي مما يلي:

1.   حل المشكلات في الحياة اليومية، مثل تحديد سبب الخلل في جهاز معين بناءً على ملاحظة أعراضه.

2. اتخاذ القرارات بناءً على التحليل المنطقي للمعطيات، مثل تحديد ميول الطفل واهتماماته في المستقبل بناءً على تحليل شخصيته، أو إقامة علاقة مع صديق، أو شراء كمبيوتر أو الخروج في رحلة.

3.   إثبات النظريات في الرياضيات بناءً على مجموعة من المعطيات والافتراضات.

4.   الاستدلال القانوني حيث تتضمن الحجج القانونية استنتاجات من السوابق أو المبادئ القانونية.

5. صياغة الفرضيات واختبارها من خلال التجارب، وكذلك تحليل وتفسير البيانات التي تم جمعها في البحوث العلمية.

خصائص التفكير الاستنباطي

الاستنباط هو عملية عقلية تستخدم فيها المعلومات المتاحة والأدلة الخاصة للتوصل إلى استنتاجات جديدة، ويعتمد على مصادر مختلفة، مثل القواعد المنطقية، والتجربة العملية، والخبرة الشخصية، والمعرفة المسبقة، ومن خصائصه ما يلي:

1. يتم التخطيط للطريقة الاستنتاجية بشكل مسبق قبل تنفيذ إجراءاتها، وبالتالي وجود احتمال كبير للحصول على استنتاجات صحيحة.

2. عملية التفكير الاستنباطي واضحة وسهلة المتابعة، مما يسهل فهم الأسباب الكامنة وراء الاستنباط، واتباع خطواته، واكتشاف أخطاؤه.

3.   يكون التفكير الاستنباطي صحيحاً طالما أن المقدمات صحيحة والمنطق المستخدم صحيح.

4. يستخدم التفكير الاستنباطي لعمل استنتاجات يمكن تعميمها على مجموعة واسعة من المواقف، مثلاً: إذا علمنا أن جميع الطيور لها ريش، وأن البطريق هو طائر، فيمكننا أن نستنتج أن كل البطاريق لها ريش.

5. يستخدم التفكير الاستنباطي للوصول بسرعة وسهولة إلى نتيجة دون الحاجة إلى بحوث أو تجارب مكثفة، مثل حل المسائل في الرياضيات والعلوم.

6. يستخدم التفكير الاستنباطي للوصول إلى استنتاجات موضوعية تستند إلى الحقائق والمبادئ المنطقية، بدلاً من الآراء أو المعتقدات الشخصية.

7. يتم اختبار الاستدلال الاستنباطي عن طريق التحقق من الخطوات المنطقية المستخدمة للوصول إلى نتيجة، ويجعل من السهل التحقق من صحته بشكل مستقل، مما يزيد من موثوقيته.

تنمية مهارات التفكير الاستنباطي

من مهارات التفكير الاستنباطي القدرة على قراءة ما بين السطور وما وراء السطور، والقدرة على التقاط المعاني الضمنية العميقة في الموضوع، ويكون الاستنباط مبني على شيء مذكور صراحةً أو ضمناً، ومن أهم الأساليب التي تنمي مهارات التفكير الاستنباطي ما يلي:

1. عرض الدروس التعليمية على هيئة مشكلات، ويطلب المعلم من الأطفال التوصل إلى حلول لها، لمساعدتهم على مواجهة مشكلات الحياة المختلفة، سواء في البيت أو المدرسة أو المجتمع، وإعادة صياغة المناهج التعليمية بما يتوافق مع استراتيجية حل المشكلات.

2. الاهتمام بالأنشطة المعرفية والبحثية، مثل القراءة والكتابة، وطرح الأسئلة المثيرة للتفكير، وهي أسئلة لتحريك الذهن واستفزازه وتنشيطه باتجاهات مختلفة وتترك فيه آثار عميقة، وتنقل تفكير الطفل من السطحية الى العمق.

3. استخدام الوسائل التعليمية المثيرة لتفكير الأطفال، مثل الألغاز والألعاب الذهنية والرسومات والصور والفيديوهات والمجسمات، لملاحظة الظواهر والتوصل إلى بواطن الأمور، وتوفير الفرص للأطفال للتفكير خارج الصندوق، وحل المشكلات بطرق غير تقليدية.

4. تهيئة جو صفي مناسب يسوده الاحترام والمودة والتعاون، وتقسيم الأطفال إلى مجموعات تعاونية، وتحفيزهم على التنافس الإيجابي وتبادل الآراء والمعلومات، وإتاحة الفرصة لهم لطرح الأسئلة حول ما يقرؤنه أو يسمعونه، ليتمكن كل طفل من التعبير عن رأيه بحرية وتلقائية دون خوف أو رهبة.

5. تدريب التلاميذ على تحليل البيانات وتتم بالانتقال من الكليات إلى الجزئيات، أو من العام إلى الخاص، وتصنيف البيانات إلى مفاهيم وحقائق وقوانين وعلاقات وأدلة، ويمكن تحسين مهارة التحليل من خلال التواصل المستمر مع الآخرين والحوار معهم والاستماع لآرائهم ونقدهم، والقراءة المتنوعة للكتب والمقالات، والتدريب على حل المشكلات الواقعية.

6. تشجيع الأطفال على التفكير بشكل منظم ومنطقي، والتركيز على الأسباب والنتائج، وإيجاد العلاقات بين العناصر المختلفة للمشكلة، والربط بينها وتحليلها، وحشد الأدلة المؤيدة لصحة العلاقات التي تم التوصل اليها، وفحص الأدلة وتقييمها بعناية لمعرفة مدى صحتها ودرجة الثقة بها.

7. .تدريب الأطفال على مهارة التنبؤ، وذلك بتشجيعهم على التنبؤ بحل مسألة معينة في العلوم أو الرياضيات، ثم التأكد من الحل، أو التنبؤ بالمشكلات المتوقع حدوثها العام المقبل، في ضوء المعطيات الحالية، مع البحث عن الأدلة التي تدعم عملية التنبؤ، وتمثل عنصراً مهماً لوضع الفرضيات أو الحلول التجريبية لمشكلة من المشكلات أو قضية من القضايا المطروحة للنقاش، كما أنها تمثل عنصراً مهماً لتحديد العلاقات السببية بين الظواهر، ومن الأسئلة التي تنمي مهارة التنبؤ(ماذا.. لو..)، مثل: ما الذي يمكن أن يحدث لو استمرت الحياة بدون اختراع الهاتف؟   

8. تدريب الأطفال على صياغة الاستنتاجات التي يمكن تطبيقها في الواقع، مثال على ذلك: الطلب من الأطفال مناقشة مشكلة الخجل التي يعاني منها كثير من الأطفال مع زملائهم ثم التوصل الى استنتاجات تسهم في علاجها، أو مناقشة قضية الآثار السلبية لاستخدام الهاتف من قبل الأطفال، والتوصل الى استنتاجات وضوابط لاستخدام الهاتف.

خلاصة القول أن مهارات التفكير الاستنباطي تعد من مهارات التفكير العليا التي يجب الاهتمام بها من قبل الوالدين والمربين والمعلمين والمؤسسات التربوية والتعليمية، لما لها من دور في تمكين الأطفال من التصدي للمشكلات التي تعترضهم ومحاولة حلها، فمن خلال التفكير الاستنباطي يستطيع الطفل اكتشاف المعاني الخفية وإدراك الحقائق المجهولة في المواقف المختلفة، مما يعزز لديه الثقة بقدراته وإمكانياته العقلية، والتفاعل الإيجابي مع أفراد المجتمع بناءً على هذه الثقة.

المراجع

1. محمود أحمد مروح مصطفى (2019). أثر استخدام التعلم المدمج في اكتساب مهارتي التفكير الاستنباطي والاستقرائي في التلاوة والتجويد لدى طلاب الصف التاسع الأساس، مجلة العلوم التربوية والنفسية، جامعة القصيم، المجلد(13)، العدد(2)، ص 567 -587.

2. أشرف محمد علي شلبي (2010). مهارات التفكير الاستدلالي في مرحلة الطفولة المتأخرة دراسة مقارنة ببن الذكور والإناث، مجلة بحوث كلبة الآداب، جامعة المنوفیة، العدد(81)، ص27 – 91.