انتقل إلى المحتوى

مستخدم:Sigalithanut

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

بحث بعنوان:

الزواج المدني و الزواج الكنسي في فلسطين

اعداد الطالبة: سيجليت حنوت

اشراف الدكتورة ريناد عبدالله

مساق اساليب البحث العلمي


الفصل الثاني

2019-2020

مقدمة:

اخذ ما يسمى  بـ "الزواج المدني" في الظهور خلال السنوات الاخيرة بشكل واضح في بعض المجتمعات العربية ابرزها المجتمع اللبناني، حيث لاقت هذه الظاهرة رواجا كبيرا في المجتمعات العربية من خلال وسائل الاعلاع الغربية والعربية لما لها من تاثير كبير في اظهار واقتراح النماذج المجتمعية الحديثة والمتطورة، ومنها ما يتعلق بالمسألة الاخلاقية والادبية، والتي تتصل بالانظمة الاساسية المتعلقة بالمؤسسة الزوجية ما يناقض في بعض الاحيان القيم الدينية  للمجتمع العربي والمسيحي بشكل خاص.

حيث كان لنتيجة هذه الظاهرة احداث هزة مجتمعية طالت الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني كما هددت السلم الاهلي في المجتمعات العربية.

وكثُرت التساؤلات في الفترة الأخيرة حول مفهوم الزواج المدني، وحول ما إذا كان هناك أكثر من نوع للزواج داخل المجتمع المسيحي، وما هو موقف الديانات السماوية من الزواج المدني، لا سيما النظرة المسيحية للزواج المدني وتعارضه مع الزواج الكنسي، اضافة الى ذلك الموقف القانوني في المحاكم الدينية والنظامية لدى المجتمع (الغربي والعربي) من الزواج المدني، وما تأثيره وفق النظرة المجتمعية للزواج الديني واثاره على الاسرة،. وسنعمل من خلال هذا البحث على توضيح التساؤلات الهامة الواردة اعلاه، لاسيما الموقف القانوني للزواج المدني في التشريعات الغربية المؤيدة والتشريعات العربية الرافضة حفاظا على استقرار المجتمع العربي بكامل مكوناته ومنها الدينية.

المبحث الاول: ماهية الزواج الديني (الكنسي) والزواج المدني.

المطلب الاول: الزواج الديني (الكنسي).

المطلب الثاني:  الزواج المدني.

المبحث الثاني: الاثر المجتمعي والقانوني للزواج الديني والزواج المدني على المجتمع.

المطلب الاول: الاثر المجتمعي للزواج المدني على المجتمع.

المطلب الثاني: الاثر القانوني للزواج المدني على المجتمع.

المبحث الاول: ماهية الزواج الديني (الكنسي) والزواج المدني من الناحية الدينية.

اولا: المطلب الاول: الزواج الديني (الكنسي):

إن مفهوم الزواج في الدين المسيحي هو سنة مقدسة من الله تعالى، هو رباط روحي يرتبط فيه رجل واحد وإمرأة واحدة، ويعرف هذا الرباط بالزواج، الذي يتساوى فيه كل من المرأة والرجل فيكون كل منهما مساويا ومكملا للاخر وذلك بحسب شريعة الله القائلة: "لذلك يترك الرجل اباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويكونا جسدا واحدا". (تكوين 24:2). فكلمات الله عز وجل تعني أنه عندما يتزوج رجل بامرأة فإنه يكملها وهي تكمله، ويذوب كيان كل واحد منهما بالاخر في المحبة المتبادلة والتفاهم، وذلك بحسب وصيته تعالى القائلة: عندما يتزوج رجل بإمرأة فانهما "ليسا في ما بعد اثنين بل جسد واحد" (متى 6:19) وهذا يعني ان رباط الزواج يجب أن يدوم بين الرجل والمرأة في محبة الله ومخافته، إذ ينبغي على الرجل أن لا ينظر إلى زوجته بأنها أدنى منه مرتبة أو أنها عبدة للمتعة الجسدية والخدمة المنزلية، فهي نصفه الاخر الذي يكمله وواجب عليه أن يحافظ على هذا النصف محافظة تامة كما يحافظ على نفسه ويحبه كما يحب نفسه تماما. كما ينبغي على المرأة أن تحافظ على زوجها كما تحافظ على نفسها تحبه وتحترمه وتحافظ على قدسية الزواج وعليها أن تنظر اليه كنصفها الاخر المكمل لها وكحصن لها يدافع عنها ويصونها لانه كما أن المسيح هو رأس الكنيسة فكذلك الرجل هو رأس المرأة فعلى كل من الرجل والمرأة أن يحب شريكه كنفسه والمفروض أن يدوم هذا الرباط الزوجي رباط مقدس حتى الموت لان ما جمعه الله لا يفرقه إنسان (متى 6:19) هذا هو مفهوم الزواج في الدين المسيحي.

فالزواج الديني هو النوع الشائع بين الناس باختلاف دياناتهم، كونه يتمّ وفق الشرائع الدينيّة المنصوص عليها في الكتب السماوية، حسب كلّ ديانة ويتمّ عقده بحضور رجال الدين سواء القساوسة، أو شيوخ المساجد، أوعن طريق المأذون الذي تفوّضه المحاكم الشرعية، فيُحدّد مهراً للزوجة، ويضع الطرفين أمام ضوابط حياتيّة تسبق الزواج أو تتبعه؛ كالمُعجّل، والمؤجّل، ويُعتبر نظاماً اجتماعياً يتمتع بقدسية عالية؛ فهو قائم في الشريعة الإسلامية، وعلى مبدأ الاتفاق على الديمومة، مع عدم تحريم الطلاق في حال اختلاف الطرفين، أمّا في الدين المسيحي فهو رباط دائم، ويُحرّم فيه الطلاق مهما كانت الأسباب أو الدوافع.


ثانيا: المطلب الثاني: الزواج المدني:

اما الزواج المدني فهو زواج يتم توثيقه وتسجيله في المحكمة التي تطبق الدستور والقانون بين شخصين مسجلين في السجلات المدنية لدى الدولة، أو من المقيمين فيها، ويعتبر أساسه إلغاء الفروقات الدينية والمذهبية والعرقية بين طرفي الزواج، فلا يمنع ارتباط اتباع الدين الإسلامي باتباع الدين المسيحي أو اليهودي أو العكس، ويتم بقبول الطرفين، الزوج والزوجة، وبحضور الشهود، وكاتب العقد، ويتمتع المتزوجون مدنياً بكامل حقوقهم المدنية الاجتماعية والسياسية والخدمية، ولا يجوز لأحد مخالفة ذلك، لأنه يعتبر مخالفة لقانون الدولة التي أتاحت هذا النوع من الزواج.

ان اختلاف الزواج المدني والزواج الديني، وهو النوع الشائع بين الناس باختلاف دياناتهم، ويعرف على أنه الزواج الذي يتم وفق الشرائع الدينية المنصوص عليها في الكتب السماوية، حسب كل ديانة ويتم عقده بحضور رجال الدين سواء القساوسة، أو شيوخ المساجد، أوعن طريق المأذون الذي تفوضه المحاكم الشرعية.

لذلك فقد اعتبر رجال الدين المسيحيين ان هناك وسائل عدة اثرت في تغير بنية الاسرة المسيحية كما سهلت هذه الوسائل فقدان هوية الزواج والعائلة المسيحية، حيث ان البرامج والمسلسلات التلفزيونية مثلا، تسهل سوء التثقيف وتروج لموضوع الزواج المدني على انها عروض حديثة وطبيعية، ولذلك ظهرت ثلاثة صيغ للزواج المسيحي في عصرنا هذا ولكل صيغة مؤيدين ومعارضين كل حسب اجتهاده وميوله، وهي:

1.    الزواج الكنسي: ويتمثل بالكيان الديني المسيحي بحسب الطقوس الخاصة بكل طائفة.


2.    الزواج القانوني: وهي صيغة مكملة ومتممة للزواج الكنسي والصيغة القانونية اسست لاسباب رعوية اكثر من ان تكون لاهوتية، كشرط ان تتوفر الاهلية القانونية لدى الزوجين والتبادل الحر لرضاهم الزوجي.


3.    الزواج المدني (المرفوض دينيا): ارتباط عقدي تنظمه القوانين المدنية في كل ما يتعلق بانعقاده وانحلاله وغير ذلك ويستمد قوته من خلال الانظمة المشرعة له ويمكن للمتعاقدين تنظيم علاقتهما على الوجه الذي يريانه مناسبا، كما ان ارادة المتعاقدين التي تتجلى في الاتفاق تبقى الاساس في التنظيم والتعديل في حين ان العلاقة الناتجة عن سر الزواج الكنسي هي من وضع ارادة الله.


المبحث الثاني: الاثر المجتمعي والقانوني للزواج الديني والزواج المدني على المجتمع.

المطلب الاول: الاثر المجتمعي للزواج المدني على المجتمع.

يعتبر الزواج الديني نظاماً اجتماعياً يتمتع بقدسية عالية، لدى كافة الاديان، فالزواج في الدين المسيحي هو رابط دائم، ولا يجوز فيه الطلاق مهما كانت الاسباب الا في حالات حددتها الكنيسة، اما الزواج الديني الاسلامي فهو قائم في الشريعة الإسلامية، وعلى مبدأ الاتفاق على الديمومة، مع عدم تحريم الطلاق في حال اختلاف الطرفين، وهذا على خلاف الزواج المدني الذي يكون أساسه اتفاق شخصين لم يجمعهما دين واحد أو الانتماء لعشيرة واحدة، ولم ينتظر هذا الاتفاق مباركة الدين ليتم، وغالباً ما تشرف البلدية على هذا النوع من الزواج، وتكون مراسمه بحضور ممثل عنها، وهو زواج حُر من كل قيد إلا القانون.

وليس من المنطق ولا من العدل أن يطلب من الكنيسة الاعتراف بالزواج المدني لأن الزواج في عُرف الكنيسة هو سر مقدس يتم بحلول الروح القدس، وبالتالي كيف يمكن للكنيسة أن تعترف بالزواج المدني!؟ خاصة ان المقترح هو أن يوضع ضمن قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين أي أنه خاص بالمسيحيين فقط، وبالتالي تكون الكنيسة راضية عنه إذا ارتضت تضمينه فى القانون.

والزواج المدني هو مسئولية الدولة وليس الكنيسة.. وأنا شخصياً أرى انه لابد من المؤيدين له ان يكون بشرط وضوح الرؤية، بأن الزواج الكنسي والزواج المدني طريقين متوازين لا يلتقيا، فإذا قرر إنسان الطلاق مدنياً لا يجوز له أن يطالب الكنيسة بتزويجه بعد الطلاق، بل له أن يستمر في الطريق المدني.

ان المشكلة في الواقع منحصرة في عدد قليل من الناس الذين يعانون من مشاكل في الزواج، الشئ الطبيعي عند وجود مشاكل غير قابلة للحل هو الإنفصال وحتى إذا انطوى ذلك على مشاكل نفقة أو حضانة أو… أو… فهي مشاكل يتم حلها أو تكون غير قابلة للحل عن طريق الأهل أو الأصدقاء أو الكنيسة أو المحاكم. ولكن يعيش كل زوج بعيداً عن الآخر ويتعايش مع المشاكل، ولكن عندما يريد أحد المنفصلين الزواج مرة أخرى، هنا تنشأ المعضلة فيبحث عن الطلاق، وعند حدوث الطلاق تعطي الكنيسة الطرف المظلوم تصريح بالزواج الثاني ولا تعطيه للطرف الظالم.

إذا في النهاية المشكلة هي خاصة بالأشخاص الذين لا يريدون أن يكتفوا بالإنفصال بل يريدون زواج ثاني ويكونوا في نظر الكنيسة غير مؤهلين له، فإذا احتفظ الزوج والزوجة المتزوجين مدنياً بديانتهما المسيحية فإن الكنيسة تقبل أولادهما وتعمدهم، فالكنيسة لا يمكنها رفض قبول أي نفس للمسيح، وبذلك تكون الكنيسة قد أنقذت ما يمكن إنقاذه لأنه إن لم تفعل الكنيسة ذلك قد يلجأ البعض إلى إنكار المسيح كلياً لهم ولأولادهم في حالة إصرارهم على إنهاء زواج قائم وإقامة زواج ثان.

أما عن القول بأن الزواج المدني سيفتح الباب أمام المسيحيين للخروج عن تعاليم الكنيسة التي هي تعاليم الإنجيل، فأعتقد أن الذين سيختارون الزواج المدني سيفعلون ذلك وهم بالفعل منفصلون عن الكنيسة، أي أن الأمر تحصيل حاصل، ولم نعهد في الكنيسة على مدى تاريخها الطويل اجبار أي شخص على أي شئ، فالمسيحية والكنيسة ليس فيها إجبار أو إكراه.

اما من وجهة النظر الاسلامية فقد أحلّ الإسلام زواج المسلم بالمرأة الكتابيّة التي تؤمن بدين سماوي آخر؛ كالمسيحيّة أو اليهوديّة مع بقائها على دينها، وحرّم ذلك على المرأة المُسلمة، فالزواج المدني إذا توفّرت فيه الشروط الشرعية، وتمّ عقده في المحكمة حفظاً لحقوق الزوجين من الضياع فلا ضير في ذلك، شرط أن يحتكم الزوجان إلى رأي الشرع في علاقتهم الزوجية، أو عند نشوب الخلافات بينهما، وقد استند المجتهدون والعلماء في ما سبق؛ انطلاقاً من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون عند شروطهم، إلاّ ما أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً).

وبالنتيجة صدر تصريح صحفي ديني عن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، خلال ندوة لاساقفة وقساوسة رجال الدين المسيحي لاعلان موقفهم الديني من الزواج المدني، حيث اعلن ان "الزواج الكنسي هو سر مقدّس من أسرار الكنيسة السبعة، وهو تأسيس إلهي يحمل نعمة إلهية.

أمّا الزواج المدني فهو عقد إجتماعي لا علاقة له لا بالأسرار المقدسة ولا بالله ولا بالروح القدس"، لافتًا إلى "أنّني كمسيحي، باعتمادي الزواج المدني أضع الله جانبًا، لأنّني قرّرت تحويل هذا السر المقدس إلى مجرّد عقد اجتماعي".

وأعلن أنّ "الزواج المدني هو خطيئة ضدّ السر ولكنّه ليس مساكنة وليس حالة زنا، إنّما هو عقد مدني خطيئته انّه ضدّ السر المقدس"، لافتًا إلى أنّ "الكنيسة بلسان القديس البابا يوحنا بولس الثاني تعلم: "غالبًا ما يتأتى أن يفضل الكاثوليك عقد زواج مدني فقط أو إرجاء الزواج الديني إلى ما بعد على الأقل، وذلك بدافع من أسباب عقائدية او عملية، فلا يمكن مساواة وضعهم بوضع من يتساكنون دون اي ميثاق زوجي.

ذلك أنّ لديهم على الأقل قصدًا في اتباع نمط حياة محدّد ومستقر على الأرجح ولو بقي لديهم على الغالب مجالًا لطلاق محتمل.

لكن الكنيسة لا يمكنها أن تسلم بهذا الوضع، فتسعى إلى إفهام الزوجين واجب التوفيق بين ما اختاراه من حياة وما يعترفان به من إيمان، وتبذل الكنيسة ما بوسعها ليعمل أمثال هؤلاء الأزواج على تصحيح وضعهم وفقًا للمبادئ المسيحية أي بعقد زواج كنسي، وبالرغم مما يعاملهم به رعاة الكنيسة من محبة بالغة ويحثوهم على الإشتراك في حياة جماعتهم الكنسية فلا يجوز ويا للأسف ان يسمح لهم باقتبال الأسرار. (الارشاد الرسولي : في وظائف العائلة المسيحية، 95 )

المطلب الثاني: الاثر القانوني للزواج المدني على المجتمع.

بالإضافة إلى تمسك الكنائس المسيحية، كأي مؤسسة، باستقلاليتها في تنظيمها لشؤونها الداخلية، بما لا يتعارض مع النظام العام الساري في الدول المضيفة لها، تتمسك كل كنيسة على حدة بحقها المطلق في تنظيم شؤون رعاياها الروحية، وفي تنظيمها لطريقة ممارستهم لطقوسهم الدينية، بمعزل واستقلالية عن أي سلطة مدنية أو روحية أخرى، وفي كلتا الحالتين، لا تثير هذه الممارسات أي إشكاليات نظرية أو عملية بالنسبة للسلطات المدنية.

إلا أن الكنيسة تتمسك أيضاً بحقها في تنظيم بعض القضايا التي أصبحت تدريجياً من بين اختصاصات السلطات المدنية أو على الأقل من بين اهتمامات السلطات المدنية، وأهمها تلك المرتبطة بتنظيم مؤسسة الزواج سواء بنشأته ونتائجه، ووطريقة إنهائه، هو ما حدا بكثير من الدول المعاصرة  )خاصة الدول الغربية(

بتنظيم قضايا الزواج ضمن قانونها المدني، بحيث أصبح الزواج الكنسي في معظم الدول الغربية مجرد شعائر دينية لا يخلق نتائج مدنية إلا إذا اتبع الأفراد االشروط الواردة في القوانين الوطنية ذات العلاقة،واستوفوا الشروط المطلوبة من قبل السلطات المدنية، وهو ما خلق الكثير من الأزمات خلال القرن العشرين بين الدول الغربية والكنسية لما اعتبر من قِبل الكنيسة تدخلاً سافراً بما لها من اختصاصات بموجب التقاليد الكنيسة، مارستها عبر العصور دون منافس من قبل السلطات المدنية.

هذا يعني بأنه على الرغم من الاختلافات التي قد تتواجد بين القوانين الكنسية المختلفة في تنظيم بعض القضايا كالزواج مثلاً، إلا أنها جميعاً تتفق على تمركز جميع الاختصاصات بيد الأسقف الرئيس الأعلى للكنيسة المعنية، بما فيها السلطة القضائية، فالمحاكم االكنسية إذن، وبعكس ما قد يوحي المصطلح، بسبب تأثيرالمفهوم المستخدم في الدول المعاصرة، لا تشير إلى سلطة قضائية منفصلة عن سلطات الكنيسة الأخرى، بل هي سلطة يمارسها المسؤول الديني الأعلى، أي الأسقف، أو من ينوب عنه، هذا يعني بأن اعتراف الدولة العثمانية باستقلالية الملل أو الطوائف في تنظيم شؤون رعاياها الشخصية والعائلية تحت سلطة رؤسائها

الروحيين جاءت منسجمة مع القانون االكنسية للطوائف المسيحية المختلفة في حينه، وما زالت.

فالمحاكم الكنسية محاكم مختصة بالبت في نزاعات مرتبطة بقضايا تدخل ضمن اختصاصات الكنيسة والتي يتم تحديدها وتنظيمها بموجب القانون الكنسي، وعندما تمارس الكنسية اختصاصاتها قد تتقاطع مع اختصاصات السلطات المدنية، وهو ما يقتضي التنظيم بدقة، لتجنب التعارض بين اختصاصات السلطات الدينية الكنسية واختصاصات السلطات المدنية في الدول المعاصرة، ولكن استعمال مصطلح محكمة كما يتم استعماله في الدول المعاصرة قد يثير اللبس في المفاهيم، وبالتالي يؤدي إلى نتائج مغلوطة.

وبما أن الكنائس المسيحية المعترف بها تتجاوز حدود الدول القائمة حالياً، فإن ولاية المحاكم الكنسية لكل طائفة تمتد إلى خارج المناطق الفلسطينية أيضاً. فسلطة

بطريرك القدس للاتين وهو لقب يطلق اسقف كنيسة القدس لأسباب تاريخية، وهو يرأس بطريركية القدس للاتين على سبيل المثال تمتد إلى الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، واسرائيل، والأردن وقبرص. أما سلطة بطريرك الكنيسة الأرثوذوكسية في القدس فتمتد إلى فلسطين والأردن وإسرائيل، أما مطران الكنيسة الاسقفية الإنجيلية فتمتد ولايته لتصل الى فلسطين والأردن واسرائيل وسوريا ولبنان، وهكذا.

أبقت السلطة الفلسطينية الوضع على ما هو عليه بالمجمل بالنسبة لوضع الطوائف المسيحية وبالتالي، المحاكم الكنسية،  فقد نصت المادة (2) من القرار رقم (1) لسنة 1994 والصادر عن الرئيس عرفات من تونس: تستمر المحاكم النظامية والشرعية والطائفية على اختلاف درجاتها في مزاولة أعمالها طبقاً للقوانين

والأنظمة المعمول بها، وقد حافظ القانون الاساسي على هذا الوضع قائماً، ولم يعدل أو يلغ القوانين السابقة والمنظمة لعمل المحاكم الكنسية، كما ورد في الفقرة الاولى من المادة (101) من القانون الاساسي المعدل لعام 2003 المسائل الشرعية والأحوال الشخصية تتولاها المحاكم الشرعية والدينية وفقاً للقانون هذا يعني بأن الطوائف المعترف بها تتمتع بالاستقلالية التي يمنحها القانون الساري في فلسطين في تنظيم شؤون رعاياها في قضايا الأحوال الشخصية، بل البت في االنزاعات التي تقوم بين المواطنين الفلسطينيين الذين ينتمون إلى تلك الطائفة أو تلك، كل بحسب انتمائه الديني.، لكن هذه الاستقلالية مرتبطة بالاعتراف بالطائفة

المعنية، ففي حال أنه لا يتم الاعتراف بطائفة ما فسيكون من الصعب عليها أن تمارس شعائرها الدينية علناً، ولن يكون بإمكانها تنظيم شؤونها الخاصة بالأحوال الشخصية، أو البت في النزاعات التي تقوم بين من ينتمون إلى تلك الطائفة غير المعترف بها. أو إلى المحاكم النظامية صاحبة الاختصاص العام في القضايا التي لم يتم تنظيم البت فيها إلى محاكم خاصة مثل المحاكم الشرعية أو الدينية أو العسكرية.

ومن ناحية اخرى تصاعد الجدل عقب إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قرارا بقانون "حدد فيه سن الزواج للجنسين بثمانية عشر عاما، ويستثنى منه حالات محددة بقرار من المحكمة المختصة، واعتبر القرار إيذاناً ببدء تطبيق اتفاقية "سيداو" التي انضمت لها دولة فلسطين، في الأول من أبريل/ نيسان 2014، دون إيراد أي من التحفظات على موادها.

وتصاعدت حدة النقاش بعد ضغوطات من جانب مؤسسات نسوية وحقوقية على الحكومة، للبدء بالتطبيق الفعلي لبنود الاتفاقية، وأثارت عدة مواد في الاتفاقية، تتعلق بالزنا ومثليي الجنس وزواج المسلمة من غير المسلم، جدلا كبيرا، ما حدا بالمحكمة الدستورية الفلسطينية العليا، أن تقرر عام 2018 بأن "أي تعارض للاتفاقية مع الهوية الوطنية غير ملزم بالتطبيق".

وسبق أن قال قاضي قضاة فلسطين محمود الهباش، في تصريحات إعلامية، إن الشريعة الإسلامية فوق القانون، وفوق أي التزام سياسي، أو أي التزام بقوانين أو معاهدات دولية، وأضاف "مع احترامنا لكل القوانين الدولية، ولكل المعاهدات الدولية، أي تعارض مع ما شرعه الله لن نقبله".

كما رفضت نقابة المحامين الفلسطينيين تطبيق ونشر اتفاقية "سيداو" بشكلها الحالي دون أي تحفظات، وأكدت على "وجوب التقيد بما جاء في قرار المحكمة الدستورية العليا، بشأن تطبيق الاتفاقيات الدولية على نحو لا يتعارض مع القيم الدينية والأخلاقية".

من جهة اخرى طالبت مؤسسات حقوقية ونسوية السلطة الفلسطينية بالتطبيق الحرفي لبنود الاتفاقية ونصوصها، بدعوى توفير الحماية والإنصاف للمرأة، ووضع تشريعات أكثر صرامة لحماية الأسرة من العنف، والحد من حالات قتل النساء بداعي "الشرف"، وإن هناك حاجة "لإعادة قراءة قوانيننا وتشريعاتنا مرة أخرى، كونها موروثة، وفيها كثير من التمييز بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات"، ومن الممكن أن نجتهد في التشريعات الموضوعة ونطورها، بالاستناد للمرجعية الدينية.

كما اعتبرت مؤسسات حقوق الانسان الفلسطينية ان انضمام فلسطين لاتفاقية سيداو إنجاز مهم وخطوة باتجاه الارتقاء بحالة حقوق الانسان في البلاد، وطالبت بضرورة قيام الحكومة الفلسطينية بالإسراع بنشر الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان التي انضمت إليها دولة فلسطين، خاصة اتفاقية سيداو، في جريدة الوقائع الرسمية الفلسطينية، ودعت الى فتح حوار مجتمعي يضم جميع الأطراف ذات العلاقة، لمناقشة أية قضايا تتعلق بمواءمة التشريعات الوطنية مع متطلبات الاتفاقية والاسترشاد بتجارب دول عربية وإسلامية عديدة في ذلك.

وأقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979 اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، وصدّقَت عليها في الثالث من سبتمبر/أيلول 1981، ووقّعت عليها 189 دولة، بما في ذلك 54 دولة تنتمي إلى منظمة التعاون الإسلامي.






المصادر والمراجع:


1.    قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (61) لسنة 1976 ، المنشور في الجريدة الرسمية الأردنية، بتاريخ 1/ 12 / 1976 ، عدد 2886 ، ص 551 .

2.    مجموعة من التقارير القانونية والاجتماعية المنشورة بخصوص اتفاقية سيداو والاعلان الصادر عن السلطة الفلسطينية بالخصوص.

3.    كتاب القضاء الشرعي والكنسي في فلسطين الصادر عام 2013/ بالتعاون بين جامعة بيرزيت ومجلس القضاء الاعلى الفلسطيني.

4.    التقارير الصادرة عن الاساقفة والقساوسة بخصوص الزواج المدني والزواج الديني، بيروت/ لبنان، 2016.