انتقل إلى المحتوى

مستخدم:Thruat/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

من مخلفات الحرب #قصة_حب.. في العام الدراسي 2014/2015 لم تعترف وزارة التربية بالدراسة في المناطق التي وقعت تحت سيطرة تنظيم داع.ش.. وكانت الحويجة من ظمن تلك المناطق التي اصبحت خارج سيطرة الدولة المركزية.. فاجبر الطلبة على الهجرة الى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة لأداء الامتحانات النهائية..

علي .. طالب ذكي في الصف السادس العلمي اخبر والده بنيته الرحيل الى كركوك لغرض اكمال دراسته.. ولكن ضيق الحال وانقطاع راتب والده المعلم والمبلغ الذي طلبه المعبرجي يفوق قدرة العائلة المكونة من خمسة افراد وهم بالكاد يوفرون قوت يومهم.. اصاب الحزن علي وكيف ان اقرانه سوف يدخلون الى الكليات وهو يعيش هنا في ضنك وبعد وغربة.. ساءت حالة علي فقرر والده ان يدبر امر عبوره بمبلغ خمسة اوراق استدانها من صديق له في كركوك ارسلها له على شكل حوالة.. فرح علي جدا تلك الليلة التي قرر ان يغادر فيها الى كركوك.. فغدا سيكون هناك.. وغدا سيلتقي بهناء التي عبرت قبله بعام.. تلك الصبية التي شغف بها حبا وكان المنافس الوحيد لها في الدراسة فكانت الدرجات الاولى يتقاسمونها كل عام..

انطلق علي بعد صلاة العشاء ودموع امه تغسل وجهه وابتسامة حزينة على وجه والده تنبئ بحزن كبير.. ساعتان من المشي الى المكان المخصص لالتقاء العوائل الهاربة من جحيم الاخوة.. اخيرا وصلوا الى قرية مهجورة في سهول حمرين .. ولكن ما ان اقتربت العوائل حتي وقع الجميع في كمين للدواعش الذين اطلقوا الرصاص الحي باتجاه العوائل فقتلوا عدد من النساء والأطفال ولم يفلت سوى المعبرجي ومساعديه .. تم تطويق الجميع فكان هناك اعدام مباشر لاثنين تم اكتشاف هوياتهم لانتسابهم للجيش.. وتقييد ايدينا وعصب اعيننا انا و ثمانية عشر من الشباب ووضعنا جثث بعضها فوق بعض في بودي سيارة نوع كيا باسلوب وحشي مع الضرب بعصي من البلاستك تستخدم في المرشات الزراعية... وتركت النساء في العراء مع الاطفال في هذا الليل البهيم.. خمسة أيام من الاعتقال وكأنهن الدهر كله.. تعذيب بلا رحمة وجوع وخوف لا فرق عندهم بين ليل ونهار يجعلونك تتمنى الموت ولا تدركه.. اخيرا اطلق سراحي بعد ان تأكدوا اني طالب وغير منتسب للجيش او الصحوة.. خرجت وقد خلعت يدي من كتفي وتحول ظهري الى خطوط سوداء من تجمد الدم تحت الجلد من شدة الضرب.. وصلت الى البيت وقد قررت ان لا اغادر مرة اخرى.. استقبلتني امي بنفس تلك الدموع التي ودعتني فيها وهي تبكي بحرارة وتقول لن ادعك تعبر مرة اخرى.. يا علي.. حسين وسالم وحمودي عبروا وراك بيومين وماخذينهم الحشد من الشرقاط ومحد يندلهم وسمعنه انهم معدمينهم.. سالم.. حسين.. حمودي.. اصدقائي ورفاق طفولتي.. شنو ذنبهم ليش عدموهم.. رحت ابكي بمرارة وحرقة كاني لم ابكي في تعذيب الدواعش وبكيت اليوم على اخوتي.. اذن لا فرق بينهم فمن يقتلنا هنا يقتلنا هناك فقط فارق الاسم.. وبعد خمسة ايام وقبل العيد كان ابي قد ذهب الى السوق ليشتري لاخواتي بعض الملابس للعيد.. لكنه لم يعد.. فقد استشهد بقصف الطائرات للسوق الشعبي في الحويجة والتي قتلت غيره العشرات من المواطنين.. وهنا كانت نهاية احلامي.. فقد اصبحت المعيل لأمي واخواتي الثلاثة.. مضت الايام وقد اشترينا خمسة نعاج وخمسة معزة ابتعدت من خلالهن عن العالم فسكنت مع امي واخواتي في بيت متروك في ارض اجدادي.. لا ارى احد من الناس نعيش على اللبن والحليب وخبز الحنطة التي نزرعها.. حتى جاء يوم التحرير.. و بعد ثلاث سنوات بدأت الحياة تعود الى القرى رويدا رويدا..

قبل ايام عدت من رعي نعيجاتي التي تكاثرت واصبحت غنم .. وصلت الى البيت فاستقبلتني اختى الكبرى ضاحكة مستبشرة.. ابشرك.. اعرف منو عدنه خطار بالبيت.. يمعوده.. قابل منو.. الف هلا بالخطار.. احتضنتني واوقفتني..

وقالت بالله علي منو اتوقع.. نظرت في عينيها وقلت لها مازحا.. اولي خوما تحبين واحد وجايبته عالبيت.. قالت بحياء.. لا.. وحده تحبك وجتك عالبيت.. هناء عدنه بالبيت ..

لم اكد احتمل الصدمة فوقعت عصاي من يدي.. وانهارت قواي حتى كدت افقد توازني.. ثم استرجعت قواي وقلت لها روحي.. اني هسه اجي.. بس اغسل جسمي .. عادت الي الذكريات... المدرسة.. هناء.. الدواعش... العبور... اصدقائي الذين لم يعودوا ولم يرد منهم خبر.. ابي الذي تركني وحيدا في هذا العالم ليحملني مسؤولية عائلة كاملة.. دخلت إلى الحمام تعريت وتفحصت جسدي الذي غزاه الشيب مبكرا فبكيت بلا وعي ولم يخفي صوت نحيبي سوى صوت دوش الماء..

لا ادري كم بقيت لولا اني سمعت امي تناديني بصوت يشوبه الفرح.. يالله ما خلصت.. شدعوه هالكد بالحمام انت كل يوم سبح العصفور شجاك اليوم.. لبست ملابسي النظيفة وخرجت لالتقي لاول مرة بهناء منذ ستة اعوام .. هل لازالت جميلة.. هل ياترى ساعرفها.. هل تغير شكلها .. ماهي ردة فعلي حين اقابلها.. ثم هل لازلت اعني لها شيئا.. هل يعني راعي الغنم لخريجة كلية الطب هذا العام شيئا.. مفارقات كبيرة لايمكن تجاوزها.. دخلت الى غرفة الاستقبال لاجد هناء تقفز من مكانها تاركة امها التي تجلس بجانبها وتحتضنني وتقبلني بعفوية وهي تبكي وانا جسد جامد بارد المشاعر مذهول لايتحرك..

نهضت امها بسرعة بحجة انها تريد تقبيلي وبث شوقها لي وهي في الحقيقة ارادت ان تبعد هناء عني..

جلسنا على مائدة واحدة.. وهناء لا تكاد تسكت عن الكلام وهي تردد ان علي ان اكمل دراستي وان المستقبل لازال يفتح ابوابه لي.. ثم نظرت الي نظرة وقالت. بصوت خافت.. ياعلي.. تره محد اخذ مكانك عندي.. ثم طأطأت رأسها خجلا وقد توردت خدودها واحمرت.. كانت ليلة العمر فقد ودعت هناء عصر ذلك اليوم والف الف حكاية لم تزل حروفها مبعثرة بين ركام الامل واليأس. تلك المتناقضات التي علي ان اجد الحلول في تفاصيلها.. كيف لي ان اتقدم لك وانا لم اعد ذاك العلي.. وهل سيوافق والدك على راعي غنم ان يكون زوجا لك.. ثم كيف لمجتمع لايرى ابعد من قدميه ان يسمح لزواج بهذا الشكل دون ان يلحق به الف قيل وقال .. ياهناء.. سامحيني.. ربما ملكت روحك وملكتي روحي.. لكن اجسادنا ستبقى اسيرة تحت رحمة القدر.. ياهناء.. لقد مات ذاك العلي.. فلا تحيي بقاياه...