انتقل إلى المحتوى

مستخدم:YasserHaggag

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

الشيخ بكر النجار ... صيحات الحق المدوية بقلم الدكتور / سعيد أحمد غراب مولده ونشأته : هو فضيلة الشيخ بكر يونس يونس النجار، المولود في اليوم الثامن عشر، من شهر يناير، من عام 1945م، في رحاب قرية محلة صا ـــ مركز شبراخيت ـــ بمحافظة البحيرة، ونشأ في ظل أسرة ريفية، كريمة الأصول، طيبة الأعراق، لها مكانتها بين غيرها من العائلات التي يتكون منها نسيج القرية ... وتربى في كنف والده يونس يونس النجار (ت 1998م) ، وهو فلاح أصيل، كان يتربع فوق مساحة من الأرض الزراعية،ويعمل فيها فأسه وعقله وخبرته؛ لتدر له من الخيرات ما يضمن له ولأسرته عيشة راضية مطمئنة، كما تربى في كنف والدته المرحومة/ السيدة مرسى غراب، وهي سليلة بيت عز وشرف، وجود وكرم، لها من الذكر الجميل، والسيرة الطيبة، ما سجلته الأيام بمداد الرفعة والفخار ... وفي ظل هذه الأسرة المفعمة بعبق الأصالة، وأريج المحافظة على قيم الحق والخير، تربى الشيخ بكر النجار ملتحفا بلفائف النعيم، متغطيا بخمائل العز والترف . تعليمه وتخرجه : حين بدأت مدارك الصبي الصغير تنمو وتدرك ما حولها، وظهرت عليه مخايل الفطنة والنباهة، ألحقه والده بكتاب الشيخ محجوب الخولي، والشيخ أحمد عطية؛ ليحفظ القرآن الكريم عليهما، وكان هذا الكتاب يومها حصنا شامخا من حصون تحفيظ القرآن الكريم في القرية، وبمرورالأيام تعودت أقدام الصبي الصغير على الذهاب والإياب إلى كتاب شيخه، حتى أصبح سنه مناسبا للالتحاق بالتعليم الإلزامي، فألحقه والده بمدرسة محلة صا الابتدائية القديمة، وفيها تلقى تعليمه على أيدي أساتذة عظام، كان لهم دورهم البارز في تكوينه وتشكيله، وعلى رأس هؤلاء : فضيلة الشيخ عبد المجيد عبده (ت 1982م) وفضيلة الشيخ أحمد أحمد العبد ( ت 1975م)، وفي أثناء دراسته في المرحلة الابتدائية، ظل محافظا على المثول أمام الشيخ محجوب، والشيخ أحمد عطية، حتى أتم الله عليه النعمة، وحفظ القرآن الكريم كاملا، وهو في سن الحادية عشرة من عمره، وظل هكذا حتى حصل على الشهادة الابتدائية العامة عام 1957م.وبعد أن حصل على الشهادة الابتدائية العامة، تاقت نفس والده إلى إلحاقه بالأزهر الشريف، فأعد له أوراقه، ودفع بها إلى القسم الإعدادي في معهد دمنهور الديني، وبالفعل أصبح واحداً من طلابه، وواصل دراسته فيه لمدة أربع سنوات، حتى حصل في النهاية على الشهادة الإعدادية الأزهرية في عام 60/ 1961م، كما واصل دراسته في القسم الثانوي شعبة العلمي من ذات المعهد لمدة خمس سنوات، حتى حصل على الشهادة الثانوية في عام 1967م . وحين أنهى الشاب الطموح دراسته الثانوية، ولى وجهه نحو جامعة الأزهر بالقاهرة، ولكن الكليات العلمية أوصدت أبوابها أمام طموحه؛ بسبب أنها كانت تشترط فيمن يلتحق بها من الطلاب أن يكون من دارسي اللغة الإنجليزية، وقد كان المترجم له ممن درسوا اللغة الفرنسية فقط ، مما فوت عليه فرصة الالتحاق بالكليات العلمية، وهنا تدارك المترجم له أموره، ثم هرع إلى كلية أصول الدين، وتخصص في قسم العقيدة والفلسفة، وكانت لديه همة عالية تحركه وتدفعه إلى بذل الجهد والعرق، والاندفاع إلى كل نافع ومفيد اندفاع الطلقات من المدفع، ومما يدل على ذلك: أنه وهو في السنة الأولى من كليته، التحق بمعهد الصيارف في القاهرة، وكانت الدراسة فيه لمدة ستة أشهر، وقد اجتازها ليحصل بعدها على دبلوم الصيارف، ويتم ــ على أثر ذلك ــ تعيينه في هيئة الضرائب العقارية بشبراخيت، حيث أسندت إليه قريته وقرية الربدان، فكان مسئولا عن تحصيل الأموال والإيجارات الحكومية، وتوريدها للحكومة، وكان يصحبه خفير في رحلته دائما، وقد داوم على عمله هذا حتى انتهى من دراسته الجامعية في عام 1971م . خدمته في القوات المسلحة : أدى الشيخ بكر النجار خدمته العسكرية ما بين عامي 72/ 73، وذلك في سلاح التوجيه المعنوي بحي ألماظة في الأسكندرية، وكان خلال هذه المدة يلقي خطبه ومواعظه للجنود، وضباط الصف من أجل غرس مبادئ الوطنية في نفوسهم، ورفع روحهم المعنوية والقتالية . وظيفته وتقلبه في درجاتها : في عام 1972م صدر قرار الأزهر الشريف بتعيين المترجم له مدرسا في معهد دسوق الديني، وقد تلقى هذا القرار بفرح كبير، وسعادة عظيمة، وأحس أن أمنيته قد تحققت حين عين مدرسا في الأزهر؛ لأنه كان يحب مهنة التدريس، ويجل شأنها، وكذلك كان يعشق الخطابة والوعظ منذ صغره.وظل مواصلا عمله في معهد دسوق الديني حتى عام 1973م، ثم نقل ــ بعد ذلك ــ إلى معهد شبراخيت الديني الإعدادي الثانوي، وواصل عمله فيه بضع سنين، كان فيها مثالا لعلو الهمة والأمانة، والشرف والنزاهة . سفره إلى سلطنة عمان : في عام 1977م صدر قرار الأزهر الشريف بإعارته إلى سلطنة عمان مبعوثا للأزهر الشريف، وقد فرح بهذا القرار كثيرا؛ لأنه رأى فيه فرصة عظيمة للتوسعة على نفسه ماديا، والسياحة في أرض الله للنظر والاعتبار، ونشر العلم الأزهري الوسطي في تلك البقعة المباركة من جسد وطننا العربي الكبير، وقد مكث هناك خمس سنوات وارفات، قام خلالها بتدريس المواد الشرعية والعربية لطلبة مدرسة ناصر بن مرشد الإعدادية، بمدينة الرستاق، حتى انتهت رحلته، وعاد إلى أرض وطنه الحبيب سالما غانما مجبورا، بعد أن أدى رسالته بأمانة وإخلاص . عودته إلى وطنه : بعد انتهاء فترة إعارة المترجم له في سلطنة عمان 1982م، عاد إلى وطنه، متسلماً عمله في بيته العلمي في معهد شبراخيت الديني من جديد، وقد باشر عمله فيه بهمة ونشاط ، وظل به إلى أن رقي إلى درجة مدرس أول، ثم رقي إلى درجة وكيل للمعهد، ومع ذلك آثر أن يظل مرتبطا بالتدريس لطلابه ــ رغم ترقيته ــ حبا لمهنته،ورغبة منه في إفادة أبنائه الطلاب في مجال تخصصه. وقد نال كاتب هذه السطور شرف التلمذة على يديه، خلال فترة عمله الزاهرة في معهد شبراخيت الديني، حيث تلقى على يديه " الفقه المالكي " في الصف الأول الثانوي من القسم الأدبي، وكان الشيخ بكر ــ رحمه الله ــ يعتز كثيرا بمذهبه المالكي، ويؤثر دائما أن يكتب على السبورة عبارة "فقه السادة المالكية "، وكان إذا جاء موعد حصته، جمع طلاب المذهب المالكي إلى مسجد المعهد، ثم جلس على كرسيه، وجلس طلابه متحلقين حوله، كالبدر حين تنتشر حوله النجوم على صفحة السماء، ثم يبدأ في شرح درسه في هدوء وأناة، وكان يلتمس لطلابه كثيراً من الوسائل التي تعينهم على الفهم، وتوصل المعلومة إليهم من أقرب الطرق، فكان أحيانا يسأل، وأحيانا أخرى يناقش، أو يحاور، أو يشرح عن طريق التمثيل، أو العصف الذهني، وكلها طرق عرض مفيدة، تؤدي في النهاية إلى تثبيت المعلومة فيأذهان المتلقين . وقد ظل سيادته يعمل في معهد شبراخيت الديني في دأب ونشاط سنوات عديدة، حتى صدر قرار من الأزهر الشريف في عام 1992م بتعيينه عميدا لمعهد لقانة الديني الإعدادي الثانوي، وعندما باشر عمله هناك بالفعل، اتبع سياسة حكيمة في إدارته، ونهج نهجاً حقق نجاحا منقطع النظر، مما جعل العاملين معه، وأهالي القرية يلتفون حوله، ويشهدون له بالبراعة، وحسن التدبير . وفي أثناء وجوده في معهد لقانة الديني، برزت له جهود مشكورة، وذلك حين أطلق يده في البناء والتعمير، فشيد جناحا كاملاً في المعهد، وأعده إعداداً يليق باستقبال طلاب العلم، كما أنه أنشأ صالة رياضية كبيرة؛ تتسع لعديد من الألعاب الرياضية، وهو اهتمام جدير بالتقدير والاحترام، وسوف يظل نقطة مضيئة تلمع في تاريخ المترجم له على امتداد الأجيال . زواجه وأبناؤه : حين أطل عام 1977م كان المترجم له قد بلغ من العمر ثنتين وثلاثين عاما، وهنا تبدأ نفسه تفور وتتوق إلى الزواج، فيسرع إلى تقليب طرفه فيمن حوله من بنات قريته، ثم ينتهي به الأمر إلى اختيار السيدة المصونة/ هانم عبد الفتاح عبد المجيد الخولي، سليلة إحدى العائلات الكبيرة، والبيوت الكريمة في القرية، ويتم الله له أمر الزواج بها، ويرزقه منها البنين المباركين، والبنات المباركات، وهم الأستاذ/ وائل بكر النجار، وهو مدرس للغة العربية وآدابها في الأزهر الشريف، ومتزوج ويعول، والأستاذ / محمد بكر النجار، وهو مدرس أيضاً للغة العربية وآدابها في الأزهر الشريف ، ويعد امتداداً أصيلاً لوالده في : شكله، وروحه، وملامح شخصيته، وهو متزوج ويعول، ثم يأتي الأستاذ / أحمد بكر النجار، وهو مدرس للمواد الشرعية في الأزهر الشريف، وهو متزوج ويعول كذلك، ثم يأتى مسك الختام، وريحانة الدار، وهي الأستاذة / أمل بكر النجار، وهي حاصلة على ليسانس كلية الدراسات الإسلامية والعربية، قسم اللغة العربية وآدابها، وهي متزوجة وتعول أيضا، وبفضل من الله تعالى ينعم جميع الأبناء بحياة أسرية مستقرة ومطمئنة، فيها الخير والسعادة، والرضا والارتياح . صفاته وأخلاقه : كان المرحوم الشيخ بكر النجار، يشبه دوحة فوق ربوة، وأيكة فوق نجوة، فيها من صفات الجمال والجلال، ما يسترق العيون، وتعجب به الأبصار، ولكن الألسنة لا تستطيع التعبير عنه؛ لكثرة ملامح التفرد فيه ..أذهان المتلقين . وقد ظل سيادته يعمل في معهد شبراخيت الديني في دأب ونشاط سنوات عديدة، حتى صدر قرار من الأزهر الشريف في عام 1992م بتعيينه عميدا لمعهد لقانة الديني الإعدادي الثانوي، وعندما باشر عمله هناك بالفعل، اتبع سياسة حكيمة في إدارته، ونهج نهجاً حقق نجاحا منقطع النظر، مما جعل العاملين معه، وأهالي القرية يلتفون حوله، ويشهدون له بالبراعة، وحسن التدبير . وفي أثناء وجوده في معهد لقانة الديني، برزت له جهود مشكورة، وذلك حين أطلق يده في البناء والتعمير، فشيد جناحا كاملاً في المعهد، وأعده إعداداً يليق باستقبال طلاب العلم، كما أنه أنشأ صالة رياضية كبيرة؛ تتسع لعديد من الألعاب الرياضية، وهو اهتمام جدير بالتقدير والاحترام، وسوف يظل نقطة مضيئة تلمع في تاريخ المترجم له على امتداد الأجيال . زواجه وأبناؤه : حين أطل عام 1977م كان المترجم له قد بلغ من العمر ثنتين وثلاثين عاما، وهنا تبدأ نفسه تفور وتتوق إلى الزواج، فيسرع إلى تقليب طرفه فيمن حوله من بنات قريته، ثم ينتهي به الأمر إلى اختيار السيدة المصونة/ هانم عبد الفتاح عبد المجيد الخولي، سليلة إحدى العائلات الكبيرة، والبيوت الكريمة في القرية، ويتم الله له أمر الزواج بها، ويرزقه منها البنين المباركين، والبنات المباركات، وهم الأستاذ/ وائل بكر النجار، وهو مدرس للغة العربية وآدابها في الأزهر الشريف، ومتزوج ويعول، والأستاذ / محمد بكر النجار، وهو مدرس أيضاً للغة العربية وآدابها في الأزهر الشريف ، ويعد امتداداً أصيلاً لوالده في : شكله، وروحه، وملامح شخصيته، وهو متزوج ويعول، ثم يأتي الأستاذ / أحمد بكر النجار، وهو مدرس للمواد الشرعية في الأزهر الشريف، وهو متزوج ويعول كذلك، ثم يأتى مسك الختام، وريحانة الدار، وهي الأستاذة / أمل بكر النجار، وهي حاصلة على ليسانس كلية الدراسات الإسلامية والعربية، قسم اللغة العربية وآدابها، وهي متزوجة وتعول أيضا، وبفضل من الله تعالى ينعم جميع الأبناء بحياة أسرية مستقرة ومطمئنة، فيها الخير والسعادة، والرضا والارتياح ..صفاته وأخلاقه : كان المرحوم الشيخ بكر النجار، يشبه دوحة فوق ربوة، وأيكة فوق نجوة، فيها من صفات الجمال والجلال، ما يسترق العيون، وتعجب به الأبصار، ولكن الألسنة لا تستطيع التعبير عنه؛ لكثرة ملامح التفرد فيه ...

  • كان ــ رحمه الله ــ من الذين أعطاهم الله بسطة في الجسم، وذلك ملك يمنحه الله من يشاء من عباده، حيث كان فضفاض الجسم، طويل القامة، عالي الهامة، مكتنز الخدين، ذا جبهة عريضة بيضاء، وخدود غضة ملساء، وفم واسع من غير عيب ولا شين، وهي صفة مدح في كل خطيب بارع، ومتحدث لامع .
  • وكان ــ رحمه الله ــ في خطبه ذا صوت جهوري، ونبر قوي، لا يحتاج في العادة إلى مكبر للصوت، وإنما كان إذا خطب يزأر، فيرسل صيحات الحق مدوية عالية، تقرع الرؤوس والأسماع، وتحرك القلوب والأبدان، وتطرد عنها العلل والأوهام ...

ومنبر المسجد الغربي سوف يظل شاهدا، على صيحات الحق المدوية، التي كان الشيخ بكر يلقيها على مسامع الناس، على مدار فترة طويلة من حياته، والتي لايزال الناس يذكرون بعضها، ويرددونها حتى اليوم ...

  • وكان ــ رحمه الله ــ مهيب الطلعة، قوي الطلة، إذا مشى إلى عمله أو مسجده، خشعت الأرض تحت قدميه، وأرسلت العذارى أطرافها إليه، وهللت الجموع عند رؤيته في رد التحية عليه، وكان إذا مضي ... رحل طيفه، واختفي أثره، بينما يبقى على الألسنة ذكره، وفي المحافل فكره، وعلى الطرقات عطره .

وكان ــ رحمه الله ــ رجلا في المواقف الصعبة، التي تطرأ داخل العمل أو خارجه، حيث كان لكل مشكلة عنده حل، ولا توجد لديه مشاكل مستعصية الحلول. وكان غيورا على طلاب الأزهر، لذا كان له في طابور الصباح في كل يوم صياح، يبدو في أثنائه كأنه سيل جارف، أو نذير طائف، فهو يوجه نبال كلماته فترتشق في صدور المقصرين، ويصب جام غضبه فيشوي به رؤوس المنحرفين، يصول ويجول، كأنه قائد في أرض معركة، أو غضنفر برزت أنيابه ولاحت غضبته .

  • وكان يتعقب الطلاب الفارين والهاربين؛ ليعيدهم إلى دراستهم في أيام عمله في معهد شبراخيت الديني، ويتحسس معاقل اجتماعهم في شوارع المدينة، ثم يداهمهم بسيارته، فلا يملكون أمام إغارته عليهم غير الاستسلام والخضوع، والركوب في سيارته، ثم يحشرهم بداخلها حشرا، وقد اصطكتخلفهم أبوابها، فيصبح طلاؤها لهم دماء، ودماؤهم لها طلاء، فإذا وصل بهم إلى المعهد، شدد عليهم النكير، وأوقفهم بين يديه مسئولين، ثم أطلقهم إلى فصولهم، فيهرعون إليها مندسين بين زملائهم في صمت ورهبة ...
  • وكان ــ رحمه الله ــ يفيض على طلابه بماله كما يفيض عليهم بعلمه، حيث كان فيه عرق حاتمي، يدفعه إلى المسارعة إلى إدخال السرور إلى قلوب المتعبين ، وحمل الأثقال عن كواهل المرهقين، وكانت البسمة التي يرسمها على شفاه البؤساء هي مطلبه ومبتغاه، فكم امتدت يده بالخير إلى المحرومين، كما تمد الشمس أشعتها بالدفء إلى الحياة، وكم انجلت أمام فكره المحن، كما تنجلى الظلمات أمام ضوء النهار، وكم أخمدت آراؤه وأفكاره نيران الفتن، كما تخمد المياه الباردة ألسنة اللهب.
  • وكان ــ رحمه الله ــ شجاعاً مغواراً، له مع الحق صولات وجولات،وآية ذلك أنه كان لا يرضى بهزيمة الحق ، ولا بانطفاء ضيائه، فكان على الدوام يساند أصحابه، ويؤازرهم، ويرعى الحقوق والذمم.
  • ولم يكن ــ رحمه الله ــ فظاً ولا غليظاً، ولا جافاً ولا جافيا، وإنما كان يثور ويغضب للحق حتى يبلغ الغضب منه منتهاه، ثم سرعان ما يعود إلى إنسانيته الحالمة، فيجمع الأرواح، ويداوي الجراح، وينشر في النفوس الارتياح، بجميل منطقه الفواح، دون استذلال أو انبطاح.

وكان ــ رحمه الله ــ واحة مترعة بالمعاني الإنسانية، والصفات النبيلة، وكان يرق للضعفاء والبسطاء، ويجعل من إنسانيته لهم مغنما، ومن حنانه لأمانيهم سلما. وكان ــ رحمه الله ــ إذا خطب ثار، و إذا وعظ فار، وكأنه ينحت من قلبه، ويمتاح من دمه، وينزف من أعصابه، وكان يتألم لحال المسلمين في بلاده، وتذهب نفسه حسرات على تخلفهم، وأميتهم الدينية، ودونيتهم الأخلاقية . وكان ــ رحمه الله ــ يحب أولاده حبا جما، ولكنه الحب المغلف المتواري خلف الملامح الجادة، والقسمات الحادة، وكانوا يمثلون مشروعه الحياتي العظيم، الذي كان إليه يسعى، ومن أجله يعمل، وكان حريصا على متابعتهم، والنظر الدقيق في مكنون أسرارهم، وكان من عادته أن يحضر إليهم المعلمين والمؤدبين؛ ليعلموهم العلم والأدب، ويحفظوهم كتاب الله عز وجل ، ويأخذوا بأيديهم إلى أقوم السبل ...وكان دائماً يحفزهم إلى المعرفة، ويحببهم في الثقافة، ويختبرهم فيما حصلوه منها، فكان مثلاً يجلسهم أمام التليفزيون؛ لمتابعة النشرات الإخبارية، أو بعض البرامج التلفزيونية،فإذا انتهت النشرة أو البرنامج، سألهم عما فهموه، و استرشد منهم عن الفوائد الجديدة التي أضافوها لرصيدهم الثقافي والمعرفي . هكذا كان الشيخ بكر النجار، بل أكثر وأعظم من ذلك، ولن تستطيع كلماتي أن تختصره، مهما كانت بلاغتها، أو درجة الإطناب فيها. طرف من أفكاره وآرائه : كان للشيخ بكر النجار ــ رحمه الله ــ خبرة كبيرة في مجال الحياة، وسبر عميق لأغوارها، ولذا كان ينطق بالحكمة المدوية في كثير من المواقف، وكان كلامه صورة صادقة لنفسه، وتجسيدا واضحا لما يؤمن به من فكر، ويستقر في قلبه من معان . ومن ثمرات فكره وآرائه الجيدة التي كان يرددها كثيرا حول آداب المتعلم :

  • *"إن الطريق إلى العلم يبدأ بالأدب، ثم النظام، والالتزام، والانضباط، ثم الجد والاجتهاد " لذا كان يحارب مظاهر الإهمال والكسل التي تبدو في حياة بعض الطلاب، وكان كثيراً ما يشير إلى ذلك حين يلقي مواعظه في طابور الصباح، حيث كان يقول : " يجب علينا أن نضرب على أيدي العابثين بيد من حديد؛ حتى يرجعوا عن عبثهم، ويفيقوا إلى رشدهم "

وكان يرى أن نجاح التعليم مرتبط بأمور كثيرة متشابكة، وقد أوضحها في قوله : " يجب أن يكون هناك اهتمام بالمعاهد الأزهرية، واستكمال للمرافق والوسائل التعليمية الموجودة بها، وقبل ذلك كله يجب الاهتمام بالمعلم؛ لأنه المحور الأساسي في العملية التعليمية، وذلك بزيادة كفاءته التدريبية، وتحفيزه ماديا، وذلك كله يعود على الطلاب بمزيد من التقدم والرقي " وهذا كلام له قيمته الكبيرة في مجال التعليم، وقد أثبتت الأيام صدق رؤيته، حين توجه الأزهر إلى الاهتمام بهذه النواحي،واعتبرها من الضروريات الملحة ...

  • وحين سئل يوما عن أسلوب الكتاتيب المتوارث في تحفيظ القرآن الكريم، قال : " أسلوب الكتاتيب أسلوب ناجح؛ لأنه يعد النواة الأولى والأساسية في تحفيظ القرآن الكريم، وقد خرجت الكتاتيب كبار العلماء والمفكرين، ويا ليتها دامت ...
  • وكان يعلل دائما ظاهرة انقراض الكتاتيب، بأن ذلك راجع إلى :عدم وجود المشايخ والمحفظين الأكفاء، الذين كان كل هممهم هو العمل في هذه المهنة عن حب واقتناع، كما يعود ذلك أيضا إلى :

عدم تشجيع الدولة للمحفظين، مما جعلهم يبحثون عن أعمال أخرى، ليضمنوا لهم ولأولادهم لقمة العيش .

  • وكان من كلامه : " وإذا أردنا المحافظة على نظام الكتاتيب، فيجب أن نعد لذلك المحفظ الكفء الحافظ للقرآن الكريم، المجود له، المتقن لأحكامه، وأن نهتم به ماديا، حتى لا ينشغل بعمل آخر" .

وفاتــــــــــه : ظل الشيخ بكر النجارــ رحمه الله ــ دائب العمل والنشاط، على مدار نصف قرن من الزمان، لم يلق خلالها من يده عصا التسيار، ولم يجف لجبينه عرق، حتى يوم الأحد الموافق 16/ 6/ 1996م، وهو اليوم قبل الأخير من امتحانات الثانوية الأزهرية، وكان سيادته رئيسا للجنة الامتحان في قرية محلة دياي، بكفر الشيخ، وقد شعر في ذلك اليوم بنوبة من التعب المفاجئ، جعلته يسرع إلى عمل توكيل إلى نائبه برئاسة اللجنة، وأسند إليه فيه جميع الأعمال، ثم تركهم راجعا إلى بلدته، وفي اليوم التالي 17/ 6/ 1996م، وبعد أن انتهت الامتحانات، جاء السيد وكيل اللجنة ومعه بعض رفاقه؛ للاطمئنان على الشيخ بكر، وتسليمه الأكلاشيه الخاص به، وبعض الأوراق الأخرى، ولكنهم حين قاربوا البيت، وجدوا جمعا من الناس، وحين سألوا عن ذلك علموا أن الشيخ بكر قد مات، وكان ذلك مفاجئة مذهلة بالنسبة لهم، حيث لم يتمالكوا أعصابهم، ولم يصدقوا الخبر؛ لقوة الصدمة عليهم، وهنا استضافهم فضيلة الشيخ عبد العزيز السبكي إلى منزله، وهدأ من روعهم، وسلموا ما كان معهم من أغراض إلى ولده محمد الذي كان حاضرا في هذا المجلس، ثم حضروا العزاء، وانصرفوا بعد أن وارى المسلمون جسد الشيخ بكر تحت طيات التراب في مقابر القرية القديمة ... و هكذا رحل الشيخ بكر عن الدنيا بعد حياة حافلة بالعمل والكفاح والجهاد والنشاط ، وتوارى جسده بعد أن كان نجما لامعا في سماء الأزهر الشريف، وبعد أن كان صوته يدوي في جنبات المعاهد الأزهرية، والمساجد الحكومية، والمجالس العرفية على مدار عقود كثيرة ... رحم الله شيخنا الراحل، وغفر له ذنوبه، وأسبغ على قبره سحائب الرحمة والرضوان .