موضوع في نقاش المستخدم:Farhad shami

خصائص المناضل الثوري في حزب العمال الكردستاني

هذا الموضوع أخفاه 178.52.192.149
السبب: مزعج
3
لخّص 46.161.196.1 هذا الموضوع

وٌصّفُ عٌنِ مًنِآضلَ آلَثًوٌريَ

Farhad shami (نقاشمساهمات)

عبد الله أوجلان

خصائص المناضل الثوري

منشورات لجنة بحوث العلوم الاجتماعية

المحتويات

كلمة الناشر                  3
تمهيد 5
أولاً: مناضل حزب العمال الكردستاني: في غمرة العمل مفعم بالحب الشديد لوطنه 8
إنه في صفّ النظام الديمقراطي 14
إنه أممي يكافح من أجل الاشتراكية 17
إنه مفعم بالحب والاحترام لرفاقه وللشعب 22
إنه ممثل الأخلاق الاشتراكية الجديدة 34
ليس بجبان ولا أناني، بل شجاع ومستعد للتضحية 41
غير منكمش، بل مندفع وحماسي 47
إنه يتقن الجمع بين المرونة والصلابة 52
إنه يقظ وحساس ودقيق في حساباته 58
إنه باحث ومدقق في التعلم 63
إنه مبدع وخلاق ولا يقبل بالقوالب 66
إنه يعمل بشكل مخطط لا بصورة عفوية 69
ثانياً: المناضل بوصفه طليعة للشعب 72
ثالثاً: على المناضل معرفة كيفية صنع الحياة من الموت 83
الخاتمة 95

كلمة الناشر

بعد مرور 34 عاماً على صدور نسخته الأولى، نعيد إصدار أجزاء أساسية من كتاب "المسألة الشخصية في كردستان" والذي هو عبارة عن محاضرات حول خصائص المناضل الثوري ألقاها قائد الشعب الكردستاني عبدالله اوجلان خلال دورات تدريب مجموعات من الكوادر الأوائل لحزب العمال الكردستاني PKK.

ونظرا للأهمية اليومية والتاريخية التي يتمتع بها هذا الكتاب الذي نشر لأول مرة باللغة التركية في تموز في عام 1983 نعيد نشر الجزء المتعلق بخصائص المناضل الثوري وأهمية دوره في قيادة الشعوب ومواجهة الحرب الخاصة التي تقودها قوى الهيمنة ضد الشعوب والقوى الثورية.

مما لاشك فيه ان تحقيق النصر يمر عبر خلق الشخصية النضالية في تكوين التنظيم والممارسة العملية وكافة مجالات الحياة الأخرى لذا ونظرا لان الشخصية الثورية كانت ولا تزال مشوهة لأبعد الحدود في تركيا وكردستان ،لابد من تحقيق الثورة في الذات من اجل الوصول إلى الصفات الواجب التحلي بها في غمرة هذا النضال.

ويظهر في الكتاب بأوضح الصور خصائص المناضل الثوري الواجب التحلي بها في غمرة نضال التحرر الوطني الكردستاني، ونظرا لأننا نؤمن بأنه سيكون المشعل الذي يهتدي به كوادر شعبنا وأبنائه المقاومين، والدليل الذي يقودهم إلى اكتساب الشخصية النضالية الحقيقية نقدمه هدية لتخليد ذكرى شهداء المقاومة حيث يعتبر إحدى ضرورات الالتزام بذكراهم.

تمهيد

يمكن إعطاء صورة موجزة عن تقاليد المقاومة النضالية لمناضلي حزب العمال الكردستاني التي ظهرت في مرحلة الجماعة الايديولوجية عبر اسم "حقي قرار" لتصل إلى الذروة عبر المقاومة التي تمت في معتقل ديار بكر خلال مرحلة بناء الحزب ولتستمر بحركات المقاومة في كل من هيزل وجزرة، والتي ستبقى مستمرة في المستقبل أيضاً، بهذا الشكل. إن التاريخ اللاحق لكردستان سوف يتابع تقاليد المقاومة لدى المناضلين ومن خلال اكتساب المزيد من الجمرة القانية بفعل لهيب المقاومة المتعالي فوق قمم الجبال الكردستانية الشامخة.

 ليس هناك أي سبب يمكنه أن يمنع حزباً يضم في صفوفه مناضلين ويستند إلى مثل هذا الأساس المتين من تقاليد المقاومة من خلق النجاحات والانتصارات العظيمة في المستقبل. إن تقاليد المقاومة عندنا هي تقاليد نبيلة ومجيدة نستطيع أن نورد مئات الأمثلة المؤكدة لها، إنها مقاومة يبديها لا الشهداء فقط بل وأولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة في الداخل والخارج. من الواضح أن حزباً استطاع خلال فترة قصيرة أن يجسد مثل هذه التقاليد في ميدان المقاومة ومناضلين يعيشون هذه التقاليد المجيدة، استطاع واستطاعوا أن يمتلكوا أقوى وأفضل المزايا والسمات. ولدى عكس هذه المزايا التي تحققت في أعقد المراحل وأصعبها على المستقبل يتجلى الضمان الأساسي لتنظيم الملايين ونضالهم وبالتالي انتصارهم مما يعني أن هذا المستقبل قد أصبح مضموناً. من هذا المنطلق نرى أن حركة لها هذا الماضي القريب تشكل ضمانة الانتصارات التي لا بد للملايين من تحقيقها في المستقبل وخصوصاً في مجال التنظيم الحزبي، وفي استنهاض الشعب وتطوير الحزب الشعبية وإيصالها إلى النصر.

إن جذور التقاليد النضالية لحزب العمال الكردستاني، كما هي واضحة، تكمن في هذا الماضي القريب. وبالتالي لا يمكن فصل السمات النضالية المستقبلية لمناضلي حزب العمال الكردستاني عن هذا الماضي. فالسمات والمميزات الجديدة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً جداً بالماضي ولن تتشكل فعلاً إلا على أساسه. من الواضح أن هذه السمات لا تكتسب بصورة عفوية أو تلقائية. فما من مناضل يستطيع امتلاك هذه السمات صورة تلقائية. إن المناضل يستطيع أن يجسد في شخصه سائر السمات النضالية المطلوبة في المستقبل بمقدار ارتباطه الوثيق بالماضي النضالي القريب وتمثله له بعمق. وسيكون جديراً باسم مناضل حزب العمال الكردستاني بمقدار ما يكون متبنياً للماضي ومتفهماً له، ومصمماً على نقله إلى المستقبل. لذا على المناضل المستقبلي الجيد والقوي أن يتمثل جيداً تاريخ الماضي القريب المملوء بأشكال المقاومة. لا بد له من معرفة هذا الماضي كي يعرف نفسه جيداً وكي يبلغ مستوى اكتساب الصفات النضالية القوية من خلال وجهه إلى المستقبل بالانطلاق من هذا الأساس. إنه لن يستطيع أن يؤدي دوره التاريخي في صرح العمل الثوري إلا إذا كان بوصفه واحداً من حجارة بناء هذا الصرح يعرف جيداً كيف ينبغي للصرح والحجارة جميعاً أن يكونوا. لا بد للمناضل من معرفة الماضي معرفة جيدة إذا كان يريد أن يلعب دوره التاريخي.

فما هي سمات المناضل التي هي مؤشرات تبين طريق المستقبل والتي أظهرها الماضي النضالي المملوء بأمثلة البطولة وآيات المقاومة الكثيرة لحزب العمال الكردستاني، وكيف ستنعكس على المستقبل ومن خلال أية مميزات ستتجسد في شخص المناضل؟ لنأت الآن إلى بحث هذه السمات التي تحدد طريق المناضل المستقبلي الذي خرج من أتومه العديد والعذابات والمحن في مختلف الميادين والمجالات مثل ميدان العمل التنظيمي وساحات الممارسة العملياتية ومجالات العلاقة مع الرفاق والجماهير، في أعماق السجون(الزنزانات) وغيرها وغيرها.....

أولاً: مناضل حزب العمال الكردستاني

1- في غمرة العمل، إنه مفعم بالحب الشديد لوطنه:

إن الوطنية هي إحدى الفضائل الأساسية التي يتوجب على مناضلي حزب العمال الكردستاني التحلي بها.

 الوطنية هذه ليست صفة عادية يمكن اكتسابها بالأساليب التقليدية البسيطة، إنها، على النقيض، تأتي في طليعة العناصر الأساسية التي تمكّن المناضل من أن يصبح مناضلاً حقاً. إن استغراق المناضل في العاطفة والوعي الوطنيين يعني قبل كل شيء أن يتعرف على الواقع القومي والاجتماعي ومن ثم التعرّف على الأممية. بهذا المعنى تعني الوطنية تجسيد فهم الوطن الذي هو العنصر الأساسي للوطنية وامتلاك العاطفة والوعي الكاملين إزاءه والتطلع الصادق والرغبة العميقة في خلق وطن مستقل ينعم بالحرية.

لا بد للمناضل من الإيمان العميق بضرورة تقييم مواصفات وطنه تقييماً عالياً مع الاحتفاظ بمشاعر الحب والمودة إزاءها ورفع هذه القيم إلى أعلى المستويات بعد الإيمان المطلق بها؛ كما لا بد له من أن يعلم بأن من المستحيل أن يحقق أي شيء في مجال بناء الوطن المستقل إلا بالاستناد إلى هذا الإيمان الراسخ والعميق بتلك المبادئ والمثل. يجب عليه أن يعرف وطنه جيداً، أن يعرف بلاده جغرافية بلاده شبراً شبراً، أن يعرف جباله، سهوله، أنهاره، مناخه، مياهه، ثرواته الدفينة وخيراته الظاهرة على وجه الأرض؛ كما يجب عليه أن يكون مستعداً لأن يضحي بروحه في سبيل تراب هذا الوطن عندما تدعو الحاجة.

لا يمكن تصوّر وجود إنسان غير مستعد لأن يموت في سبيل وطنه ولأن يضحي بحياته من أجل هذه القيم والمثل الوطنية. إن معيار الإنسان السوي في عصرنا هو الاستعداد للتضحية من أجل هذه المثل والقيم. وحتى حسب المفهوم البرجوازي، يتم نعت الذين ينسون استقلال وطنهم، بالخيانة والعمالة ولا تعود لهم أية قيمة في المجتمع. وأمثال هؤلاء لا يمكن أن يخلصوا من اللعنات والإدانات الدائمة. لذا فإن وضع الوطنية في رأس قائمة الصفات التي يجب على المناضل أن يتحلى بها له مغزاه كما له ما يبرره. إنه المكان الصحيح للوطنية.

أما الوطنية التي نتحدث عنها نحن والتي نقول بضرورة توفرها لدى المناضل فهي المفاهيم الوطنية الخاصة بالكادحين والبروليتاريا. غير أن هناك في عصرنا وفي أيامنا الراهنة محاولات كثيرة ترمي إلى إفراغ هذا المفهوم المجيد والعظيم من محتواه لتسخيره من أجل خدمة بعض الأغراض الدنيئة والقذرة، وجهود تبذل في سبيل خلق الفوضى والغموض في ساحة المفاهيم. يجري استخدام الكثير من وسائل التضليل والديماغوجيا في ميدان الوطنية لإظهار الثوريين والأمميين كما لو كانوا "بلا أوطان أو خونة لأوطانهم!" من قبل البرجوازية الاحتكارية الاستعمارية التي تتبع مختلف أساليب القهر والظلم والاستغلال ضد الشعب وتكبت الصراع الطبقي بالعنف باسم الوطنية زوراً وبهتاناً، كما أن العملاء وخونة الوطن الذين يبيعون أوطانهم بقروش قليلة يتسترون وراء الوطنية الزائفة. وفي بلادنا نحن أيضاً يحاول أولئك الذين يمارسون العمالة والسياسة الداعية إلى الاستسلام أن يظهروا كما لو كانوا يتحلون بهذه الصفة السامية والمجيدة. وممثلو البرجوازية الصغيرة المدانين بصورة خاصة يكثرون من الحديث عن هذه المثل الوطنية العظيمة ولكنهم يمرغونها في أوحال القومية البرجوازية والقومية الزائفة؛ فهم من جهة لا يرون أحداً غيرهم جديراً بهذه الصفات، يعملون من الجهة الثانية بدأب من أجل تطوير وترسيخ مفاهيم الاستسلام والعمالة عبر الخيانة لسائر القيم والمثل.

كيف يتجسد العنصر الوطني في المناضل؟

كما أكدنا من قبل أيضاً يجب على المناضل أن يعرف وطنه ويحييه وخصوصاً إذا كان هذا الوطن رازحاً تحت نير الاحتلال والاستعمار -وبصورة بالغة الدناءة-، وإلا فأنه لن يكون مناضلاً بل سيبقى ذا روح أشبه بأرواح العبيد. قد يكون وضع الفلاح الكادح البسيط الذي تعرض لغسيل الدماغ وشل الوعي والشعور تحت كابوس الهيمنة القسرية للعدو، هذا الذي صار تابعاً يدور في فلك العدو من فرط الجهل، قد يكون هذا الوضع مفهوماً؛ أما ظهور مثل تلك الأعراض لدى المثقفين فإنه دليل قاطع على أنهم مصابون بمرض لا براء لهم منه. إن الذي يعرف خصائص بلاده ويرى أنها رازحة تحت كابوس الاحتلال الاستعماري ولكنه مع ذلك لا يبادر إلى تبني الفكر والوعي الاستقلاليين الضروريين ولا يتخذ موقف المقاومة لن يستطيع أن يصبح مواطناً عادياً شريفاً ناهيك عن أن يصبح مناضلاً. لن يصبح مثل هذا الإنسان إلا خائناً بروح عبد أجير لا قيمة له في مجتمعه.

فالوطنية في الظروف اليومية الملموسة في كردستان الحالية بهذا المعنى تتجسد في شخص حركة المقاومة الوطنية وتظهر على شكل النضال والمقاومة في قلب هذا الصراع.

وإذا أردنا إيضاح الموضوع أكثر فإننا نقول ان الوطنية تتطلب القتال في أنسب ساحات وطننا، أي في القطاعات الجبلية التي هي أفضل الأماكن لتطوير المقاومة بما يتناسب مع الاستراتيجية ومما يخدم أهداف النضال التحرري الوطني لشعبنا وبلادنا. قد لا تكون المبادرة   إلى الانتقال إلى الجبال فوراً أمراَ ضرورياً غير أن على كل مناضل أن يدعم ويؤيد بكل وعيه وقلبه هذا النضال ويشارك فيه ويبذل كل ما يستطيع من جهد في سبيل إيصاله إلى النصر. يتهمنا أحد العملاء من ممثلي البرجوازية الصغيرة بأننا نعشق الجبال ونخشى الحضارة كزعماء عشائر الهنود الحمر ونهرب إلى قمم الجبال مع تطور الحضارة. واضح أن قائل هذا الكلام عميل وأجير. فأولئك الذين يعرفون ولو بحدود بسيطة ظروف كردستان وطبيعة أعدائها، لابد لهم من أن يعرفوا بأن الأماكن المناسبة لخلق أغنى الملاحم وأجمعها في كردستان هي القمم الشامخة للجبال. ونحن بصفتنا هذه وهوانا هذا لا نشعر إلا بالفخر والاعتزاز. ونعلم أننا نفعل الشيء الصحيح تماماً من خلال جعل هذه السمة سمة أساسية لنا، علماً أن هذه ليست سمتنا نحن فقط بل هي إحدى السمات التاريخية للشعب الكردستاني. فكما اضطر الشعب الافريقي لأن يخبئ حريته وثقافته في أعماق الغابات، اضطر الشعب الكردستاني أن يزرع حريته في الجبال وهو لن يجدها إلا هناك. وبعد ذلك يستطيع تدريجياً أن يستعيدها ويفرضها على السهول والمدن التي يعيش فيها.

إن على المواطن في السهول والمدن اليوم أن يختار الجبال ويجعلها أساساً للمقاومة. لاشك أن المقاومة ممكنة في المدن والسهول وفي الزنزانات أيضاً. ليس في ذلك أي جانب يصعب فهمه. فالطبقة العاملة والشبيبة والنساء جميعاً هي في هذه المناطق، ونضال المقاومة مدعو لأن يضم إلى صفوفه كل هذه الجماهير. غير أن هذه الأماكن غير مناسبة لأن تشكل منطلقات أساسية للانطلاق في سبيل الاستقلال والحرية. فالمنطلق الواقعي للتوجه إلى الاستقلال والحرية هو أعالي قمم الجبال الكردستانية الشامخة. والحرية الحقيقية والمقاومة الثورية الفعلية ستنموان أولاً هناك لتلفا بعد ذلك جميع الوديان والتلال والسهول والمدن. إن روح الحرية التي تتبرعم في الجبال هي التي ستتفتح وروداً وأزهاراً في سائر الأماكن والساحات. ليس هذا شيئاً مصطنعاً بل خصوصية تفرضها نظرية الثورة في كردستان بالاستناد إلى الظروف التاريخية والاجتماعية والجغرافية لهذه البلاد. كما أن هذا ليس نتاجاً للتقييم الجغرافي وحده بل هو موقف فرضه في الوقت نفسه الوعي العميق بالاستقلال والحرية.

إن من لا يقاتل اليوم بوعي ومشاعر وطنية متأججة في جبال وطنه، ومن لا يدعم مثل هذا القتال من مكانه سواء خارج البلاد أو داخله، سواء في القرى أو المدن، في السهول والوديان، لا يمكن أن يكون وطنياً حقاً. ومن الطبيعي أن الموقف اللاوطني لا يستطيع أن يتحرر من الغرق في أوحال العمالة والخيانة.

ومن متطلبات الوطنية أن يكون أتباعها قادرين على حب الوطن كله والتعرف على سائر أرجائه المختلفة لا الاكتفاء بهذه البقعة أو تلك، هذا المكان المحدد أو ذاك. بمعنى ان الوطنية تستوجب حب الوطن ككل لا التعلق ببقعة من بقاعه والنظر إلى مصالحها بوصفها أهم من مصالحه. فمثل هذا الموقف الجزئي لا يمكن أن يتفق مع الوطنية في أي وقت من الأوقات بل ويقف في طريقها. إن المناضل الحقيقي هو الذي يعرف كيف يضحي بكل شيء في سبيل وطنه ويعتبر حبه للوطن أسمى من جميع الروابط وسائر القيم.

2- إنه في صف النظام الديمقراطي

هناك سمة أخرى تظهر بالارتباط مع الوطنية وعلى أساسها هي الديمقراطية.

تستطيع الديمقراطية أن تتطور بالارتباط مع الوطنية. فكما أن الوطنية تتطلب ميزة عميقة تتركز على معاداة القوى المختلفة الأجنبية والسعي لطردها من الوطن. تجد الديمقراطية التي هي صداها الداخلي تعبيرها في الانقضاض على بقايا العصور الوسطى في البلاد. فالالتزام بالمبادئ الديمقراطية يجعل النضال ضد الاقطاعية والطائفية وعبودية النساء وغيرها من مخلفات القرون الوسطى ضرورياً. وهذا الالتزام بالديمقراطية عندنا هو في الوقت نفسه موقف مرتبط بالوطنية ارتباطاً وثيقاً. فالطبيعة الوطنية الديمقراطية لثورتنا تجعل كلاً من سمتني الوطنية والديمقراطية من السمات الأساسية المطلوبة من المناضل. ولهذا السبب فإن من لا يكون وطنياً عندنا لا يستطيع أن يكون ديمقراطياً، ومن لا يكون ديمقراطياً لا يمكن أن يكون وطنياً. فهاتان الصفتان عندنا متداخلتان ومترابطتان ترابطاً وثيقاً وعضوياً.

 كما أن الوقوف ضد والاقطاعية والطائفية وعبودية المرأة وغيرها من المستلزمات الضرورية ليكون المرء ديمقراطياً، كذلك لا بد لهذه المواقف من أن تكون موجودة لدى كل وطني أيضاً. لا بد للوطني من النضال ضد بقايا القرون الوسطى في وطنه. ذلك لأن الوطنية عنده لا تتجلى إلا في نضاله الدؤوب من أجل إيصال الشعب والوطن إلى مستوى التطور العصري وفي سبيل إزالة جميع مظاهر الرجعية وسائر العقبات التي تقف في طريق التطور. إن على الوطني والديمقراطي أن يواجه مختلف المفاهيم الرجعية من العائلية إلى الاقليمية وأن يعرف كيف يتحرك في إطار الروح والوعي الوطنيين الديمقراطيين. إن لبلوغ مثل هذه الميزة أهمية كبرى إلى أقصى الحدود. إن الوطني هو الذي ينمي العلاقات الوطنية والقومية بدلاً من العلاقات العشائرية_ الاقطاعية والعائلية القروسطية، ولا يعترف بأية روابط قومية مع الأمة الحاكمة. إنه يوظف سائر العلاقات العائلية والعشائرية بما يعزز الروابط القومية والوطنية ويزرع الروح الوطنية في عائلته وعشيرته وينطلق من ذلك ليصل إلى الديمقراطية.

كما أن الالتزام بالديمقراطية يستوجب النضال ضد سائر أشكال الاستغلال والظلم التي تتعرض لها الجماهير الشعبية الكادحة. فعلى المناضل أن يقف بشكل خاص في وجه الممارسات البالية والبعيدة عن العصر التي تمارس ضد الفلاحين، ولا سيما الفقراء منهم، والنساء وأن يناضل في سبيل حرية الجماهير الفلاحية والنسائية. عليه أن يناضل ضد الظلم والاستغلال اللذين تعاني منهما الطبقة العاملة وسائر الجماهير الكادحة في ظل حكم البرجوازية الاحتكارية والنظام الرأسمالي المتعفن. عليه أن يتابع نضالاً عنيفاً وقوياً ضد الفاشية جامعاً بين الديمقراطية ومعاداة الفاشية. لن يكون المرء جديراً بلقب الديمقراطي إلا بعد امتلاك سائر هذه المميزات.

هناك جملة من التشوهات في موضوع الديمقراطية كما في موضوع الوطنية. ما أكثر الأفراد والتنظيمات التي ترفع عالياً مصطلح "الديمقراطية" في حين يكون في حقيقة الأمر عميلاً من المرتبة الأولى للدوائر الاحتكارية! يكون كابوساً على الشعوب والأمم ومعادياً لمبدأ حق تقرير المصير للشعوب ولكنه مع ذلك يبقى "ديمقراطياً كبيراً" حسب زعمه. ونحن في كردستان نستطيع أن نجد العديد من الأمثلة المشابهة بل والأكثر بشاعة في بلادنا. هناك فوضى عارمة وغموض كبير وتشويه كريه في مجال الديمقراطية كما في سائر الميادين الأخرى. كثيرة هي التنظيمات التي تزعم أنها ديمقراطية في تركيا غير أنها ما أن يطرح موضوع استقلال وحرية الشعب الكردستاني على بساط البحث حتى تغرق في وحل الشوفينية رافضة الاعتراف بهذه الوقائع من الأساس علماً أن أحد معايير الديمقراطية هو الموقف من حقوق الشعب والأمم الأخرى. وبالشكل نفسه هناك العديد من الأفراد والتنظيمات التي ظهرت في كردستان زاعمة أنها "ديمقراطية" ولكنها بقيت مستندة إلى روابط الدم والقرابة العشائرية مما أغرقها في مستنقع خدمة الرجعية وفي أوحال المساومة مع العدو.

إن من واجبات مناضل حزب العمال الكردستاني أن يبرز المعايير الفعلية الصحيحة للديمقراطية وأن يكون متيقظاً وحذراً إزاء سائر أنواع "الديمقراطية الزائفة" وأن يناضل بحزم ضدها.

3- إنه أممي يكافح من أجل الاشتراكية

هناك سمة أخرى أكثر سمواً يجب أن يتحلى بها المناضل هي الالتزام بالاشتراكية. إن الخط الوطني والديمقراطي الثابت كفيل بإيصال الفرد تدريجياً إلى الاشتراكية. فبدون الاشتراكية لا يستطيع الإنسان أن يصبح وطنياً ثابتاً أو ديمقراطياً حقيقياً. إن بلوغ الطبيعة الحقيقية لهاتين الميزتين لا يتم إلا من خلال اندماجهما مع الاشتراكية. ففي بلاد تسودها مخلفات القرون الوسطى وترزح تحت وطأًة احتلال أجنبي يبعث على الخجل مثل حال كردستان لا بد من توفير إمكانية التحرر الوطني والاجتماعي عبر خوص نضال جذري ضد الرأسمالية مما يقود بطبيعة الحال إلى تبني الاشتراكية .هذا يعني أن الوطنية والديمقراطية الثابتتين والدائمتين تؤديان بصورة حتمية إلى الاشتراكية.

أما امتلاك الوعي الاشتراكي فيقود مباشرة إلى الأممية. وفي هذه النقطة يمكن القول بأن اجتماع الوطنية والديمقراطية والاشتراكية في كردستان يساوي الأممية. لا يمكن الحديث عن أية أممية في كردستان إلا في ظل توفر مثل هذه الظروف. وإذا أخذنا بنظر كيف تسعى الشوفينية الاجتماعية، بشكل خاص، إلى تجاهل الوطنية والديمقراطية الكردستانية والماركسية اللينينة المطبقة على واقع البلاد وتحاول تطوير العدمية القومية، الكوسموبوليتية، باسم "الأممية" والتنكر للواقع القومي والوطني فإننا نستطيع أن ندرك مدى الأهمية القصوى لامتلاك الوعي العميق بهذه الوقائع.

على كل فرد يعيش فوق أرض كردستان مهما كانت قوميته، جنسه، ديانته أو عقيدته المذهبية أن يخوض نضالاً لا هوادة فيه ضد المفاهيم الشوفينية والشوفينية الاجتماعية والعدمية والكوسموبوليتية. مما لا شك فيه أن النضال ضد القوى الشوفينية - الاجتماعية يجب أن يكون نضالاً ايديولوجياً. أما في حال ظهور العملاء المكشوفين للعدو فإن سائر أشكال النضال بما فيها استخدام العنف ستكسب مشروعية مؤكدة. لا بد لنا من اتخاذ الموقف الثوري الثابت في مثل هذا الموقف في المستقبل أيضاً كما كان وضعنا في الماضي. فالمناضل سيسعى إلى كسب أولئك المضللين والمخدوعين بطبيعة الحال ولكنه لن يترك الساحة خالية للشوفينية والشوفينية الاجتماعية ولن يقبل بها على الاطلاق. لن تكون المساومات مع الحركات الشوفينية - الاجتماعية إلا على أساس كسبها. انسجاماً مع الروح الماركسية_ اللينينية يعني ذلك أن تطور الأممية في الشخصية لن يكون من خلال الانكار القومي والكوسموبوليتية. على العكس تماماً، لا بد لهذا التطور من أن يستند إلى الوطنية العميقة والديمقراطية القومية الصحيحة وإلى التطبيق الخلاق والمبدع للماركسية _ اللينينية على الواقع الكردستاني. هذا ما يجب أن يفهم من الأممية؛ أما المفاهيم الأخرى فهي إلى جانب كونها زائفة تقود إلى الخيانة والعمالة، إلى مستنقع التعاون مع الامبريالية والاستعمار. لقد أوضح ديمتروف بعبارات محددة العلاقة القائمة بين الوطنية والتضامن الأممي والدولي لدى تأكيده على استحالة التضامن الحقيقي في حال غياب الظروف الكفيلة بضمان التطور الحر لكل الحقوق الديمقراطية حين قال:

"إن التضامن الأممي الذي لا يستند إلى الوطنية ليس إلا كلاماً يدغدغ الآذان. كما أن الوطنية التي لا تستند إلى التضامن الأممي ليست وطنية حقيقية..".

لا بد للمناضل أن يفهم الأممية بمثل هذا الجوهر العميق وأن يجعلها سمة مسيطرة على شخصيته بشكل قوي. إن الميزة التي ليس لها مثيل والتي أبداها حزب العمال الكردستاني في هذا الموضوع معروفة تماماً. لقد اتخذ حزب العمال الكردستاني شكله في كردستان حيث تم تناول الوطنية والديمقراطية في ضوء الماركسية - اللينينية ، وحيث تم خوض النضال الدؤوب بالاستناد إلى مثل هذه القاعدة المتينة، ضد الشوفينية - الاجتماعية والشوفينية، وضد بقايا الإقطاع كما ضد المفاهيم والشخصيات الاشتراكية - الديمقراطية - الوطنية الزائفة.

 فالشخصية الوطنية والديمقراطية والاشتراكية والأممية الحقيقية التي نراها اليوم في كردستان هي الشخصيات التي تم خلقها عبر النضال الذي لا هوادة فيه والذي تم خوضه في الماضي. من الواضح أن على مناضل الحزب الذي تشكل في هذه الأجواء بالذات أن يصل إلى المواصفات ذاتها وأن يمتلك الروح السامية إياها.

رغم العلاقة الوطيدة التي لا تنفصم بين الأممية والوطنية من الممكن أن نصادف عدداً كبيراً من النماذج الغربية والعجيبة في كردستان. كثيرة هي تلك النماذج المتغربة عن وجودها وكيانها القوميين من فرط التأثير بخطط الاذابة الاستعمارية، وهي مع ذلك تظهر على الساحة باسم الوطنية ولكنها تتنكر لوطنها وشعبها ولطبقاتها الكادحة فضلاً عن أنها تفعل هذا كله باسم الأممية ! فأية "أممية" هي هذه؟! إن مثل هذا التصرف مثال ساطع ونموذج واضح للزيف والتضليل! أما حزب العمال الكردستاني فقد تمكن داخل البلاد وخارجها من إبراز الأممية على حقيقتها بعد تمزيق هذا القناع الذي كان هذا الزيف يتستر وراءه عبر ممارسته النضالية الصحيحة داخل الوطن وخارجه. ونتيجة. ونتيجة لهذا النضال اتضح واقع تحول الايديولوجية الماركسية في الظروف الكردستانية إلى الوطنية وإمكانية الانتقال منها إلى الأممية. فالحزب الذي يزعم أنه حزب البروليتاريا يجب عليه وعلى مناضليه، حتى يكونوا جديرين بالاسم الذي يحملونه، أن يجمع بين الأممية والوطنية على أساس صحيح وأن يجسدهما في شخصه.

إن الثورة الكردستانية ثورة ذات جانب أممي واضح لأنها ذات تأثير قوي على النضالات التحررية للعديد من الشعوب الأخرى في الوقت نفسه. فكردستان بواقعها الحالي تشكل حلقة أساسية وحاسمة بنظر الامبريالية وخصوصاً بالنسبة للدول الاستعمارية الأربع تخضعها لسيطرتها الاستعمارية. كما أن كسر هذه الحلقة سيجر معه الانهيار الحتمي للدول الاستعمارية كذلك سيؤدي إلى إحداث شرخ مميت بالامبريالية التي ستفقد مناطق نفوذها وتحكمها في الشرق الأوسط. لذا فإن الشرارة التي ستندلع في كردستان ستؤدي إلى اشتغال لهيب نيران النضال في الساحة الشرق أوسطية مما سيؤدي حتماً إلى طريق التحرر أمام شعوب هذه المنطقة. ولهذه الأسباب مجتمعة نرى أن الثورة الكردستانية ذات طبيعة أممية واضحة وعميقة. ومن المؤكد أن المناضلين الذين هم بناة مثل هذه الثورة ذات الطبيعة الأممية العميقة يكونون مناضلين على مستوى يؤهلهم لأن يجسدوا الأممية تجسيداً قوياً؛ بل لا بد للأمر من أن يكون كذلك.

لقد تم الوصول إلى الوطنية والديمقراطية والاشتراكية والأممية في كردستان من خلال إبداء آيات البطولة في المقاومة وعبر تقديم العديد من الشهداء والمعتقلين وإسالة الأنهار من الدماء. ومن الواضح أن هذه المكاسب التي تحققت عبر المعارك النضالية القاسية ستكون مكاسبنا ومرتكزاتنا الأقوى في المراحل المقبلة. كما أن الوعي في هذا المجال سيمهد الطريق إلى صفات وسمات أقوى وأهم للشخصية النضالية. فالكادر الوطني الديمقراطي والاشتراكي والأممي الذي يتملك الوعي الذي يمكنه من الوصول إلى مستوى العصر يعني بطبيعة الحال أنه استطاع إلى حد كبير أن يتملك الصفات الضرورية الواجب توفرها في المناضل الثوري في كردستان.

ما هو السلوك الذي ينبغي للمناضل أن يسلكه من جميع النواحي داخل الحزب وخارجه، مع رفاقه ومع أبناء الشعب حتى يعزز هذه الصفات أكثر فأكثر ويطورها أغنى فأغنى؟ كيف يجب عليه أن يوجه نشاطاته الفردية وكيف يغنيها؟

ما هي النوحي التي لا بد له من تطويرها وتعزيزها في غمرة معارك النضال ؟ تلك هي الموضوعات التي سنتناولها الآن.

4- إنه مفعم بالحب والاحترام لرفاقه وللشعب

يجب على المناضل أن يعرف كيف يكون مفعماً بالحب والاحترام لسائر القيم الحزبية ولجميع المتعاطفين والأصدقاء وفي مقدمتهم رفاقه بالذات. غير أن بعض الأشخاص بعيدون كل البعد عن هذه الصفة. فهم لا يستطيعون أن يغرقوا في بحر من حب واحترام القيم الحزبية وعلى رأسها العلاقة الرفاقية. ومن المؤكد أنهم بموقفهم هذا يصلون إلى أوضاع شبيهة بأوضاع عملاء العدو المندسين في صفوفنا. فالقيم الحزبية والروابط الرفاقية هي القيم التي يجب أن تحظى بأسمى آيات الاحترام وأعمق مشاعر الحب والمودة. ذلك لأن أمة المستقبل، مجتمع الأيام القادمة، متجسدان في شخص الحزب . إذا كان الوضع كذلك فإن عظمة القيم الحزبية تغدو واضحة وجبلية بصورة تلقائية.

لا يتحول الحزب إلى واقع ملموس إلا من خلال مناضليه. وكما أن من المستحيل التفكير بالحزب بدون المناضلين، كذلك لا يمكن التفكير بإمكانية وجود المناضلين بدون الحزب. لهذا السبب يجب على مناضلي الحزب أن يكونوا منسجمين تماماً وأن يقفوا مع بعضهم البعض في مواقف ودية للغاية. هذا لا يعني أن هؤلاء لن يتخذوا مواقف نقدية إزاء نواقص وأخطاء بعضهم، بل على النقيض تماماً سيكونون حازمين وصريحين إزاء الأخطاء والنواقص انسجاماً مع مستلزمات الحب والاحترام والعلاقات الرفاقية المصادقة، وسيستخدمون سلاح النقد بالشكل المناسب في سبيل القضاء على نواقص وأخطاء الرفاق. من الواضح والمؤكد أن الهدف من مثل هذا التصرف هو خلق الشخصية الأقوى والأمتن والأقرب إلى القلوب والأكثر احتراماً، فليس سلاح النقد سلاحاً يستخدم لزرع الكراهية والحقد. وكل من يحول النقد إلى عامل لإثارة الحقد والغيرة والخصام في صفوف الحزب إنما هو سم زعاف سربه العدو إلى قلب الحزب. وكل من يتكبر على رفاقه ولا يحترمهم، ويكن مشاعر الحقد والغيرة إزاء هم يكون شخصاَ يثير الشبهات.

وهذا الحب والاحترام تجاه الرفاق يجب أن يشمل سائر قيم الحزب الأخرى أيضاً وعلى رأسها شخصيات الشهداء وذكرياتهم، إيديولوجية الحزب، سياسته، خطه التكتيكي، بل وإزاء سائر أصدقاء الحزب والمتعاطفين معه. وهذا الحب والاحترام والالتزام بقيم الحزب يجب أن يتعمق ويتعزز أكثر فأكثر مع مرور الزمن. في هذه البنية الممزقة والمتنافرة للناس بسبب بذور الحقد والكراهية التي بذرتها الخلافات والصراعات العشائرية والطائفية وقضايا الثأر المثارة م خلال العديد من الألاعيب والمؤامرات ضد شعبنا ووحدته لن يتم توفير إمكانية فرض الوحدة القوية إلا من خلال رابطة تنظيمية متينة تستند إلى أساس إيديولوجي، سياسي راسخ ومتين بالحب والاحترام في صفوف الحزب قبل كل شيء.

فبمثل هذه الرابطة التنظيمية فقط يمكن الوقوف في وجه تفاقم التمزق واتساعه وإحباط الفوضى التي خلقها العدو في المجتمع، أما أولئك الذين يعكسون هذا الانقسام في صفوف الحزب، ويحلون أجواء الحقد والكراهية محل أجواء الحب والاحترام فإنهم ينفذون مخططات العدو ويحققون أهدافه الشريرة داخل الحزب. من الطبيعي أن "مناضلاً" لا يستطيع التعايش مع رفاقه في ظل الوحدة القائمة على أنبل الأسس والقيم اليوم سوف لن يكون قادراً قط على التعايش مع الجماهير التي يصل تعدادها إلى الملايين في المستقبل غير البعيد.

لا بد من إيقاف حوادث القتل والاقتتال والمشاجرات والكراهية وعدم الاحترام بين الناس نتيجة قضايا الثأر والعشائرية والطائفية؛ لا بد من وضع حد حاسم للحقد والغيرة والكراهية التي فرضها العديد على الشعب وجعلها سائدة إلى حد كبير. ولكن السؤال هو: كيف السبيل إلى ذلك؟ من المؤكد أن الانسجام الكبير والنضج والاحترام والمودة بين الرفاق قبل كل شيء وبين سائر الأصدقاء والمتعاطفين هو السبيل؛ التعايش والتعاون في القضاء على العيوب والنواقص لدى بعضهم هو السبيل؛ الامتناع عن تدمير بعضهم بعضاً بحجة "القضاء على الأخطاء" هو السبيل؛ التمسك الشديد بهذه الصفات والسمات الايجابية وجعلها السمات السائدة في شخصياتهم، وتمثلها بشكل قوي وعميق هو السبيل إلى ذلك. نعرف جميعاً أن هناك العديد من الأمثلة السلبية في هذا الميدان خلال السنوات الماضية. فقد رأينا أشكالاً غريبة من السلوك حيث كان الناس ينقض بعضهم على البعض الآخر بشكل عدواني وهدام ويتعاملون على أسس الغيرة والحقد كما لو كانوا غرباء بعضهم عن بعض. والمجتمع م الأساس كان يشكل تربة ملائمة لمثل هذا السلوك. أما ظهور السلبية ذاتها في العلاقات بين الرفاق بشكل خاص فيشكل أحد أكبر الأضرار التي يمكن لحياة الحزب أن تتعرض لها. إن ظهور الخلافات والصراعات بين هؤلاء الذين يجب أن يكونوا طليعة الشعب والمجتمع والذين يجب أن يكونوا موحدين ومنسجمين تمام الانسجام فيما بينهم، يعني أنه لا جدوى من انتظار قيامهم بتحقيق وحدة الملايين والتحام صفوفهم . ومثل هذا التصرف يلحق أكبر الأذى بالمجتمع كما ينزل أكبر الضربات الخطيرة بحياة الحزب.

إذن لا بد من التخلي عن هذه المواقف العدائية بين قوى الشعب والأصدقاء والمتعاطفين جميعاً ولا سيما بين الرفاق بالدرجة الأولى. لا بد من اتخاذ مشاعر المودة والحب والاحترام العميقة المنتشرة بشكل واسع بين القوى الشعبية بعد ظهورها بين الرفاق أولاً. ولكن ذلك لا يعني التخلي عن العداء الثابت ضد العملاء والجواسيس الذين انتقاهم العدو ودسهم في صفوفهم. على العكس تماماً لا بد لنا من الكشف عن حقيقة هؤلاء والمبادرة إلى سحقهم وإبادتهم بدون رحمة، وعدم التردد إزاء تصفيتهم جسدياً طالما أصروا على عمالتهم للعدو. مع الانتباه بطبيعة الحال إلى عدم إحراق الأخضر مع اليابس. بمعنى إظهار قدر كبير من الحذر كي لا يصيب البريء أي أذى لدى إنزال العقاب العادل بالمذنب. بل ويمكن السماح للذين تعاملوا مع العدو في الماضي متأثرين بدعاياته المضللة في حال توبتهم الأكيدة وتصميمهم على الالتحاق بصفوف الثورة تصميماً قوياً وثابتاً . لا بد من إبداء الكثير من المرونة والنضج خلال العمل على اقتطاع أمثال هؤلاء من العدو وتحريرهم من تأثيره.

وفي هذه العملية يجب استخدام أسلحة النضج والمهارة لا العنف والغضب وضيق الأفق. ذلك لأن العدو يعمل دوماً على تمزيق الشعب وتخريبه وإجبار العديد من أبناءه على أن يصبحوا جواسيس له إضافة إلى عملائه الطوعيين. بل ويحاول أن يزرع بذور الخلاف والشقاق في صفوف الحزب، ناهيك عن تمزيق الشعب، كما يسعى لتحقيق الغرض نفسه بين الأصدقاء من خلال المخربين والجواسيس. لا بد من الانتباه إلى ذلك كله والعمل لإحباط ألاعيب العدو ومؤامراته مع السعي الحثيث لاستعادة أناسنا الذين تمكن من تضليلهم.

ومقابل هذا لا بد لنا من الاستمرار وبقوة أكبر من أي وقت مضى على حقدنا وكراهيتنا وعلى اتخاذ المواقف الثابتة التي لا تعرف المساومة ضد العدو.

يجب الشك بالثوري الذي لا يحقد على العدو ولا يكرهه. ومما لا ريب فيه أن هذا الحقد يجب أن يكون واعياً لا عاطفياً كما ينبغي له أن يكون دائماً وثابتاً.

قام العدو بتشويه المواقف التي يجب اتخاذها إزاء الأصدقاء والأعداء في صفوف شعبنا تشويهاً كبيراً وخلق قدراً هائلاً من الفوضى والغموض في هذا المجال. فالذين ينبغي أن ننظر إليهم نظرة عداء وتكن لهم أعمق المشاعر العدائية ننظر إليهم كما لو كانوا أصدقاء، والعكس بالعكس. بمعنى أن مشاعر المودة والاحترام هي الأخرى عندنا على أسس جديدة. لابد من توجيه الحقد إلى العدو بالاستناد إلى أساس ايديولوجي وسياسي سليم؛ كما لا بد من تعميق مشاعر الود والاحترام إزاء الرفاق والأصدقاء والمتعاطفين جميعاً كما بينا من قبل.

إلا أن هناك بعض العناصر الذين ما زالوا يقعون في خطأ إبداء مشاعر الود والاحترام التي يجب أن تكون إزاء الأصدقاء، نحو الأعداء. كما أن البعض ما زالوا يجرؤون على إبداء مشاعر الحقد والكراهية التي يجب أن تكون موجهة ضد الأعداء، إزاء الأصدقاء. أن هذين الموقفين كليهما ينطويان على الكثير من الأخطار ويعتبران من المواقف السلبية الضارة التي لا بد لحياة الحزب من أن تشفى منهما.

إن مفهوم الحب والاحترام المتبادلين هو من المميزات التي ينبغي لكل من يحتل مكاناً في صفوف الحزب أن يعززها. غير أن هناك عدد، ولو كان قليلاً من الذين يريدون أن تستمر هذه السلبيات في حياة الحزب . ومثل هذا النمط، طالما ظل مصراً على مواقف الحقد والكراهية ضد رفاقه، يلحق أضراراً كبرى بالنضال وبالتالي يجب إيقافه عند حده. إن الأضرار التي لحقت بنا جراء مثل تلك المواقف التي كنا شهوداً على الكثير من الأمثلة عنها في الماضي، معروفة تماماً. هناك نماذج من تلك الأمثلة السلبية يجدون الجرأة التي تمكنهم من أن يقولوا كلاماً من قبيل "لن أبقى في الحزب إذا ظل فلان عضواً!" رابطين عضويتهم بوجود هذا أو ذاك في صفوف الحزب. من الواضح أن ذلك مؤشر يدل على انتقال العداوات العشائرية والعائلية السائدة في المجتمع إلى داخل الحزب بشكل مخيف. أما الجانب الآخر لهذا النموذج السلبي فيتجلى فيما يلي: بعد مضي يومين من بقائه مع رفيق آخر يبدأ بإثارة المشاكل فيغدو تعايشهما في مكان واحد مستحيلاَ. إن بناء مشاعر الود والاحترام التي تعرضت لكل هذا القدر من التشويه على أسس سليمة وتوجيهها توجيهاً صحيحاً ينطويان على قدر كبير جداً من الأهمية.

من المفيد إيضاح هذه النقطة أكثر فأكثر. من المؤكد أننا لا نتردد في التعبير عن مشاعر الحقد والكراهية إزاء المخطئين وخصوصاً أولئك الذين يصرون على الاستمرار في الخطأ كما لا نتأخر في فضحهم. إننا نعبر عن مشاعر الحقد والكراهية تجاه هؤلاء ولكن ذلك مشروط بإصرارهم على أخطائهم بعناد. ولحظة تخلي الفرد عن أخطائه وتصحيحها لا يبقى أي مبرر للحقد عليه، بل ويصبح مغموراً بعواطف المودة والاحترام. لا يمكن التساهل في أي وقت من الأوقات مع الذين يصرون على أخطائهم، مع الذين يكنون مشاعر الحقد والكراهية للرفاق والأصدقاء ومشاعر المودة للأعداء؛ مع الذين يبدون استعداداً للتفاهم مع العدو؛ مع الذين ينزلقون إلى أوحال الخيانة؛ كما لا يمكن نسيان حقيقة أن الذين يستمرون في أخطائهم لن يجدوا أي شكل من أشكال التسامح. ما من شيء يستطيع أن ينقذ أولئك الذين يبدون استعداداً للغرق في وحل الخيانة والتفاهم مع العدو مهما كان وضعهم الحزبي، سواء في القيادة أم في القاعدة، سواء أكانوا من الأصدقاء أم من المتعاطفين، من حقدنا وكراهيتنا ومن العقاب العادل الذي سينالونه على أيدينا!.

وكخلاصة نستطيع أن نقول ما يلي: يستحيل الحديث عن وجود الحزب إذا كانت مشاعر الود والاحترام معطلة في حياة الحزب وإذا كان الكوادر خاليين من هذه العواطف.

بالارتباط مع الميزة التي تحدثنا عنها قبل قليل وإلى جانبها لا بد للمناضل من أن يطور عواطف المودة والاحترام ويعمقها إزاء سائر الطبقات والفئات الشعبية المختلفة، إزاء الشعب كله. لابد له من أن يكن قدراً كبيراً من الاحترام العميق للجماهير انطلاقاً من إيمانه الراسخ بأن التاريخ نصنعه هذه الجماهير، ناهيك عن الاستخفاف بها والتعالي عليها. غير أن هذا الاحترام يجب أن يكون في مكانه المناسب. لا يجوز السماح بنشوء الشعوبية والمواقف الذيلية من الجماهير.

فالقدرة على التعامل الناجح مع الجماهير وتحريكها للعمل مشروطة بمدى الإيمان بأن الجماهير هي المنبع الحقيقي لمختلف القيم والمثل، والثقة بأن الحياة تكتسب معناها من خلالها وتسير بقوتها، وإسناد هذا الإيمان وتلك الثقة على المرتكزان العلمية. مثل هذه الثقة القوية بالجماهير هي القادرة على انطلاقها. تأتي مشاعر الحب والاحترام للجماهير في بداية كل خطوة من الخطوات . لذا فإن المناضل يكون مرتبطاً ارتباطاً وثيقاَ بالناس انطلاقاَ من قناعته بأنه لا يستطيع أن يحقق شيئاً إلا عبر الناس الذين يتبنون قناعاته ومبادئه، ناهيك عن أن يجدهم مزعجين ثقيلي الظلال.

مَن مِن الناس يمكن أن يقترب من الكادر الذي يعنف الجميع ويعبس في الوجوه كما ويبادر إلى إطلاق عبارات من قبيل "أنت لن تصبح رجلاً" و"أنت أيضاً لا جدوى منك!" في وجه الذين يلتقي بهم؟ إن مثل هذا الكادر لن يفعل إلا أن ينسف التنظيم القائم ويبعد الناس عن الثوريين ويحولهم إلى أعداء للحركة، ناهيك عن القيام بتنظيم الجماهير وقيادتها وبناء جسور الصداقة معها. لذا لا بد من تحاشي الوقوع في مثل هذا الوضع والمسارعة إلى اكتساب صفات التواضع والنضج التي لا بد منها لإقامة العلاقات الودية مع الجماهير. إن الموقف الحساس الذي يتخذه المناضل المسلح بمشاعر المودة والاحترام إزاء طبقات المجتمع وفئاته المختلفة ، هو الذي يجعل منه مركز جذب ومنظماً قوياً للغاية.

إن التاريخ غني بالأمثلة المضيئة عن مشاعر الود والاحترام التي تم إبداؤها تجاه الشعب. غير أننا نصادف أيضاً حالات كثيرة تم فيها تزييف هذا الأمر.

فرجال الدين والقساوسة مثلاً يعلنون أنهم يريدون خلق عالم يستند إلى الحب والاحترام ويتخذون مواقف ودية إزاء جميع الأمور. غير أن موقف هؤلاء يبقى هو حتى إزاء الأوضاع التي يجب أن تحظى بالحقد والكراهية أيضاً. من الواضح أن موقفنا الطبقي نحن لا يمكنه أن يقبل بمثل هذا السلوك على الإطلاق. سنبدي مشاعر الود والحب غير أننا لن نبديها تجاه الجميع؛ لن نبدي هذه العواطف النبيلة إلا تجاه العمل، تجاه أصحاب قوة العمل، تجاه سائر القيم التي تدفع بالإنسان إلى الأمام . لذا لابد لنا من حماية الحب والاحترام من التشويه، من السقوط في الدرك الذي يتحرك فيه الباباوات والقسس. لا يجوز السماح بتحريف الحب والاحترام عن الاتجاه الصحيح كما لا يجوز التساهل مع تحويلها إلى أدوات في خدمة الرجعية. هناك قيم جديرة بالحب والاحترام وهناك أشياء غير جديرة بهما؛ هناك كائنات ومخلوقات تثير مشاعر الود وهناك كائنات لا تثير إلا مشاعر الكراهية والتقزز. لذا لا بد من التفريق بشكل واضح بين هذه وتلك، بين هذا وذاك. ليس المناضل مؤسسة خيرية أو رجل دين يوزع المحبة على ما هب ودب كما ليس جرة خل مفعم بالحقد والكراهية إزاء الجميع . إنه رجل يحدد بوضوح كامل المكان والزمان المناسبين للتعبير عن مشاعر الود والحب والاحترام من جهة كما يعرف من جهة ثانية المكان والزمان الملائمين لإطلاق عواطف الحقد والكراهية والغضب، وما المناضل العاجز عن تقييم القيم الحقيقية في أماكنها المناسبة إلا مناضلاً لا يملك المعايير السليمة والصحيحة.

يجب على المناضل المفعم بالحب والاحترام إزاء القيم المقدسة أن يكون في الوقت نفسه مملوءاً بحقد وكراهية لا تعرف المساومة تجاه العدو. لا يجوز التساهل بشأن الحقد والكره الناشئين بالضرورة عن التناقضات التناحرية القائمة، كما لا يجوز التساهل مع العدو المصمم على إبادة المناضل وإنهاء وجود. إن ضرورة تطوير وتعميق مشاعر الحقد والكراهية ضد العدو من الناحية النفسية تساوي ضرورة معرفة السبيل إلى إزالة تلك التناقضات. من المؤكد أن هذا الموقف هو موقف طبقي. فهذا الحقد على الظلم القومي والطبقي للعدو هو الذي يغذي المناضل ويجعل نضاله متقداً باستمرار. كما أن الشعب الذي لا يحقد على عدوه باستمرار شعب متفسخ وتائه في الاغتراب. كذلك يكون كل مناضل لا يحس في أعماقه بهذا الحقد والكراهية متفسخاً وفاسداً. إن هناك من ينسى الحقد والكراهية ضد العدو فيتمكن بعد ذلك من قبول الانزلاق في ظريف الاستسلام. من الواضح أن هؤلاء من المخلوقات الدنيئة السافلة الجديرة باللعنة ومما يجب أن نتذكره باستمرار أن العدو لا يمكن أن يكون ملاذاً أبداً، بل لا بد من النظر إله باستمرار بوصفه قوة يجب علينا أن نعمل لسحقها وإبادتها. إن تقاليد الاستشهاد التي يستخدمها الايديولوجية والسياسية الاقتصادية كلها. لهذا السبب يجب الاحتفاظ بمشاعر الحقد والكراهية لجميع المظاهر المعروفة على أنها مصادر قوة للعدو، كما يجب عدم التسامح معها. لا بد من الابتعاد عن التأثر بمختلف المؤثرات الايديولوجية والسياسية الصادرة عن العدو والحرص على تحاشيها. كما يجب على المناضل أن يعرف كيف يكون طليعة للشعب كله في هذا المجال. عليه أن يقدم الدليل على مدى الحقد والكراهية التي يجب على الشعب أن يكنهما تجاه العدو؛ وأن يشير إلى المسافة التي يجب أن تبقى بينه وبين هذا العدو.

يجب أن نضيف إلى كل ما سبق ان الشكل الذي يمكن أن يتخذه الحب الطبقي في الواقع الكردستاني الملموس هو حب الوطن بمعنى من المعاني. فعلى المقاتل مهما كانت ظروفه أن يجسد في شخصه كلاً من الحب الطبقي وحب الوطن بعد توحيدهما. ذلك لأن أعداء الوطن والأعداء الطبقيين في كردستان اليوم متداخلون ولا يمكن الفصل بين الفريقين من الأعداء. لهذا السبب لا بد من إبداء الحقد والكراهية الموجهين ضد هذا الفريق، ضد الفريق الآخر أيضاً وبالشكل نفسه يجب على المناضلين أن يظهروا قدراً من الحب تجاه الوطن والشعب يساوي القدر الذي يظهرونه تجاه طبقتهم.

لن يستطيع المناضل أن يجسد في ذاته سائر المعايير التي أتينا عل ذكرها إلا إذا تمكن من الوصول إلى قيم الحب والاحترام الضرورية وإلى مستوى الحقد والكراهية التي لا تعرف المساومة ضد العدو. وبالتالي يمكن تطوير مشاعر المودة والاحترام القوية إزاء الشعب كله في الوقت الذي يتم فيه تعزيز وتقوية روابط المحبة والأنفة متينة لا يمكن أن تنقطع. وهذا العامل الذي يضمن المزيد من انجذاب الجماهير الشعبية إلى الصفوف الثورية يصبح في الوقت نفسه واحداً من أهم مصادر القوة وأكبرها بالنسبة للمناضل. وقد تحدث ديمتروف عن ذلك قائلا:

"إن أحد أقوى العوامل المعنوية التي تضمن إمكانية التغلب على مختلف الصعوبات والمآزق والمآسي التي قد يصاب بها الإنسان هو حب الوطن، حب الشعب".

لذا فإن على المناضل أن يجعل من هذه القوة المعنوية مرتكزاً له وسنداً في إيصال نضاله إلى النصر، وأن يعرف كيف يكون نموذجاً حياً للحب والاحترام إزاء شعبه ووطنه.

5- إنه ممثل الأخلاق الاشتراكية الجديدة

إن الأخلاق هي معيار السلوك، ونحن حين نتحدث عن الأخلاق لا نتحدث عنها بصورة عامة بل نتحدث عن قواعد وقوانين الأخلاق الطبقية.

والقواعد التي تحكم تصرفات المناضل هي القواعد البروليتارية، أما التصرفات وأشكال السلوك التي لا تعترف بالقواعد والمعايير فهي تصرفات بعيدة جداً عن البروليتاريا. وهذا يعني أن المناضل يخضع في حياته وتصرفاته وعلاقاته لقواعد الأخلاق البروليتارية كمعايير له وتكون خطواته محسوبة وواعية.

لا يحطم المناضل جميع القيود والضوابط. إنه مضطر بالتأكيد لأن يكن قدراً كبيراً لا يعرف الحدود من الحقد والكراهية للعدو، ولكنه مقابل ذلك يكون بالغ التواضع والوعي والاحترام في تعامله مع مجتمعه وشعبه. إن المناضل مفعم بالاحترام إزاء تقاليد الشعب والمثل العائلية وتجاه أموال الشعب وأملاكه ناهيك عن أنه بعيد كل البعد عن إلحاق الأذى بالشعب؛ فهذا لا يتفق مع طبيعته بالأساس. إن للمناضل معايير أخلاقية محددة لا بد له من امتلاكها والتمسك بها في هذه المواضيع. عليه قبل كل شيء أن يعي ما يلي بعمق: إن المناضل يتحاشى بصورة عامة أشكال الحياة التي ينفر منها الشعب ويرفض القيام بالأعمال والتصرفات التي يأباها ويدينها. ومن جهة أخرى لا يهاجم الأشياء التي يراها الشعب صحيحة ويؤمن بها - مهما كانت رجعية وبالية - ولا يكيل لها الشتائم. من الحقائق الواضحة مثلاً أن المناضل الذي لا يؤمن بالإله لن يستطيع أن يكون طليعة للشعب  ويصل به الأمر إلى مستوى الثرثرة وإطلاق أشكال الزندقة من قبيل: "يسقط الله! يسقط النبي!" فمثل هذه التصرفات تعطل جميع الجهود وتحزب سائر الخطط ناهيك عن أنها لا تساعد قط على احتلال المواقع الطليعية بالنسبة للشعب. صحيح يمكن للمناضل أن يكون كافراً بالأديان بل هذه هي الفلسفة التي يؤمن بها المادي، غير الانطلاق من ذلك وتحويل الأمر إلى شعار داخل المجتمع ليس إلا تعبيراً عن الجنون . فالصراع مع الدين والفكر الديني مسألة نضال طويل الأمد ولا يمكن تحقيق النصر فيه إلا عبر تغير المجتمع. إن لينين الذي اعتبر الصراع مع الدين موضوعاً بالغ الحساسية وبيّن أن أية ممارسات فوضوية في هذا المجال لن تؤدي إلا إلى تعزيز مواقع الدين وتقويتها، يؤكد أن من المستحيل حظر الدين والقضاء عليه بدون التركيز على جذوره وأسسه العميقة ويقول: "توصي الماركسية بإتقان فن النضال ضد الدين وبالتالي معرفة مصدر الدين والإيمان من الناحية المادية من أجل ذلك، يجب عدم تحويل الصراع مع الدين إلى مسألة مواعظ ايديولوجية مجردة أو إعطاؤه شكل الدرس الممل، بل يجب تحويله إلى حركة ملموسة من خلال ربطه بالحركة الطبقية بشكل يساعد على اقتلاع الجذور الاجتماعية للدين".

لماذا يستطيع الدين أن يبقى مؤثراً على الفئات الواسعة نصف البروليتارية وعلى الجماهير الفلاحية الواسعة كما على الفئات المتخلفة من بروليتاريا المدن؟ يتوهم البرجوازي التقدمي أن ذلك ناتج عن جهل الشعب وتخلفه. إذاً تعالوا نرفع الشعارات التالية: فليسقط الدين! عاش الالحاد! وليتركز بالتالي هدفنا على نشر الالحاد وتعزيز مواقعه، فإلى الأمام أيها الرفاق! أما الماركسي فيعترض على البرجوازي التقدمي قائلاً: إنكم مخطئون أيها الأصدقاء! مهلاً! نعم أنتم غارقون في الخطأ تماماً!... علينا أن نبحث عن الجذور العميقة للدين لا في جهل الشعب وتخلفه بل في عجز الكادحين عن رؤية أنفسهم بلا حول ولا قوة إزاء القوى العمياء للرأسمالية هذه القوى التي تمارس ضد الجماهير الكادحة كل يوم وكل ساعة قهراً وظلماً أكبر بآلاف المرات من الآلام التي يتعرضون لها من جراء الطوفانات والزلازل وما إليها ...". إن رفع الشعارات الهوجاء الداعية إلى إلغاء الدين والحال هذه لا يمكن أن تقبل به الأخلاق الاشتراكية. وبالمثل أيضاً لا يجوز كيل الشتائم والسباب للقيم المختلفة التي يتبناها الشعب ولعاداته وتقاليده الثقافية المختلفة. فهذه الجوانب السلبية، إن كانت كذلك، لا يمكن إلغاؤها، والاحترام لمختلف القيم الإنسانية التي غدت ملكاً للشعب. لا يجوز التساهل مع أي لون ألوان اللامبالاة أو مظهر من مظاهر عدم النضج في هذا المجال. من المؤكد أن من الضروري التمسك بالجوانب الإيجابية والمشرقة والمعايير الصحيحة في موضوع الاخلاق. يجب الوقوف في وجه التصرفات وأشكال السلوك الفاسدة التي انتشرت بين الشعب ولكن هذا يجب أن يتم بأشكال مناسبة وبأساليب بناءة. يجب أن يكون الحقد على مثل تلك التصرفات مستمراً ولكن إلغاءها الكامل يجب أن يتم البحث عن الزمن والفرصة المناسبين، أو خلقهما. لابد من التزام مبادئ العدل لدى حل المشاكل التي يعاني منها الشعب، مع تطبيق العدالة الاشتراكية في هذا الميدان. فأفضل أشكال العدالة هي العدالة الاشتراكية. لا بد لنا من معرفة هذه العدالة معرفة جيدة وعميقة. لا يجوز اللجوء إلى أساليب القسر والعنف في أي وقت من الأوقات لدى حل المشاكل التي تظهر بين الشعب، بل لا بد من اتباع أساليب الإقناع في حل هذه التناقضات بما يضمن اجتذاب مختلف الأطراف إلى صف الثورة واقتلاع تلك المشاكل من جذورها.

لعل المسألة الأخرى التي يجب التوقف عندها باهتمام هي مسألة الموقف الذي يجب اتخاذه من أموال الشعب وممتلكاته. لا بد للمناضل من أن يتصرف بحذر بالغ وبحساسة كبيرة إزاء هذه القيم الشعبية بدون ريب. أما اقتطاع الجزية والخراج من ممتلكات الشعب باسم الثورية وإلحاق الأذى بأمواله فموقف لا يمكن القبول به على الإطلاق. في حين أن المساهمة الطوعية في الثورة من جانب الشعب قضايا أساسية. غير أن المساهمات التي يتم الحصول عليها قسراً لا تعبر عن أي مغزى أو قيمة من وجهة نظر نضالنا كما أنها بعيدة عن الأخلاق الاشتراكية.

والموقف اللائق بالثوري في هذا الموضوع هو تأمين مساهمة الشعب ودعمه بدون اللجوء إلى استخدام أساليب الإكراه ضده أو إلحاق الأذى به. تم في الماضي ارتكاب العديد من الأخطاء من قبل البعض حين مورست أعمال بعيدة عن الأخلاق الاشتراكية. نستطيع منذ الآن أن نرى بوضوح مدى فداحة الأخطار والأضرار التي تلحقها مثل هذه المواقف بنضالنا. من الضروري إبداء أعظم قدر من الحذر والانتباه والابتعاد عن ممارسة أية سلبية مهما كانت صغيرة وخصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد بداية تطور وانتشار قضيتنا النضالية بين صفوف الجماهير الشعبية من جديد. فتأمين مساهمات الشعب التي هي حاجة ضرورية وحتمية بالنسبة للثورة على أساس طوعي فقط وتحويل الدعم الواعي والطوعي الذي يأتي من الشعب إلى دعم مادي هما من الأمور الضرورية ضرورة قصوى. لا يقف المناضل عند حدود الامتناع عن إلحاق الأذى بالشعب، بكل تأكيد، بل يجب عليه في الوقت نفسه أن يمنع الآخرين من إلحاق مثل هذا الأذى. لا يستطيع أي مناضل أن يبقى لا مبالياً بأشكال السلوك والتصرفات التي تتم تجاه الشعب.

فانعدام المواقف لا يشكل معياراً من معايير الأخلاق الجيدة. غير أن اتخاذ الموقف أيضاً يجب أن يتم بشكل واع وبصورة مناسبة.

إن المواقف السليمة والمنسجمة مع الثورة والحزب والنضال، وتحاشي الحركات والممارسات البعيدة عن قواعد السلوك الصحيح، وإبداء مشاعر الاحترام لأحكام القيم والميول والمثل الثقافية لدى الشعب، كل هذا يشكل سمات لا بد للثوري من أن يتحلى بها. فالمناضل الذي يريد أن يساهم في تطوير الأخلاق لا بد له من أن يفعل هذا عبر ضرب الأمثلة والاتيان بالتصرفات التي تثير إعجاب الشعب من خلال دفع الشعب إلى تقبل هذه التصرفات عن طريق الإقناع. ولهذا السبب يجب على المناضل أن يجسد في شخصه المعايير الأخلاقية السليمة وأن يكون قدوة لمن هم حوله. كما أن المناضل يعني أفضل من يجسد أفضل مميزات الشعب وباسمه. إنه يكاد يكون جوهر الشعب وخلاصته. ليس غريباً عنه، مخلوقاَ عجيباً، بل هو النموذج الأكثر تطوراً ونضجاً. وبصفته هذه يمثل مستقبل الشعب. إنه قائد طليعي يجسد منذ الآن في شخصه المعايير الأخلاقية المطورة التي سيمتلكها الشعب في المستقبل. ولهذا السبب فإن الشعب يرى مستقبله في شخص المناضل ويبادر إلى الالتفاف حوله والسير وراءه.

لابد للمناضل أن يصل إلى المميزات التي تمكنه من أن يعكس المستقبل المنفتح ومن أن يوضح في شخصه وسلوكه ومن الآن كيف ينبغي لمستقبل الشعب أن يكون. بمعنى يجب عليه أن يكون قادراً على خلق الأخلاق الاشتراكية المستقبلية والقيام بدور الطليعة في هذه القضية. يجب عليه أن يتحلى بهذه المثل الأخلاقية التي تشكل قدوة للرفاق والأصدقاء والمتعاطفين وسائر أبناء الشعب وأن يسعى إلى إقناع المجتمع كله بتبني هذه المعايير الأخلاقية تدريجياً بعد أن يجسدها في شخصه. وبمقدار ما يتحلى المناضل بهذه المثل الأخلاقية يكون قادراً على قيادة الجماهير وعلى أن يمثل الدور الطليعي المنوط به. وإلا فمن المستحيل أن يتمكن من تنفيذ مهماته العظيمة والنبيلة.

هذه المميزات والمواصفات التي أتينا على ذكرها حتى الآن هي سمات يمكن أن تؤدي إلى تكون شخصية بالغة القوة لدى المناضل. غير أن هذه ليست كافية وحدها لدفع المناضل إلى ساحة الممارسة العملية النشيطة. صحيح أنها صفات وسمات أساسية وضرورية، غير أنها تبقى بحاجة إلى أن تستكمل بمواصفات ومميزات أخرى. إذاً كيف سيتم تجسيد هذه الصفات في المعارك النضالية، وكيف يتوجب على المناضل أن يتصرف في النضال الفعلي، وما هي السمات التي ينبغي له أن يتحلى بها؟ إن المواصفات التي سنتناولها بعد الآن هي التي ستلقي الضوء على هذه القضايا وستلعب الدور التكميلي في عملية تصليب وضمان سلامة شخصية المناضل.

6- ليس بجبان ولا أناني، بل شجاع ومستعد للتضحية

إن الشجاعة ضرورية للمناضل لكي يتمكن من زرع الثقة في الشعب الغارق في هستيريا الخوف نتيجة لأجواء الإرهاب المسعور التي فرضها العدو. لقد تم تحويل المجتمع أو كاد إلى مجتمع للجبناء وبذلت كل الجهود الممكنة بهدف زرع الخوف في كل مكان وجعل كل إنسان يخاف من إنسان آخر. لقد أقحم الشعب تحت كابوس من الخوف الدائم بحيث أقلع عن الخروج من البيت وامتنع عن الاختلاط بالمجتمع وغدا عاجزاً عن الالتحاق بأية منظمة أو حركة.

من الواضح أن المناضل يحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة والجرأة كي يستطيع التدخل في مثل هذا الوضع. لا بد له من أن يصل إلى مستوى عال من الجرأة في أثناء عمله بين الجماهير. تلك هي الطريقة الوحيدة لتحويل الخوف الذي يلف الجماهير إلى جرأة وشجاعة. غير أن من المفيد أن نتذكر أن الجرأة لا ينبغي أن نفهمها على أنها مفهوم مجرد؛ فالمقصود هنا هو القدوة على السير في طريق إنجاز المهمات الضرورية مهما كان الثمن، وعدم التردد في إنجاز ما يجب إنجازه. "البطولة" العمياء ليست هي الجرأة. فالجرأة الثورية هي الصفة التي يجب توفيرها من أجل تحقيق إمكانية تنفيذ المهمات الثورية. مما لا شك فيه أن هذه السمة هي إحدى السمات الأولى لدى المناضلين، ولكن المقصود هنا هو عامل الجرأة والشجاعة الذي يجب تعزيزه وترسيخه لدى الجماهير عبر التعامل معها. فكلام ديمتروف: "لا يكفي إظهار البطولة في معارك الصراع ضد العدو بل يجب إظهارها أيضاً في مختلف الأعمال والنشاطات اليومية".

يوضح مدى أهمية جعل الجرأة سيدة الموقف في سائر جوانب الحياة وعلى مختلف النشاطات والفعاليات. ومن الجدير بالذكر أن هذه ليست سمة يستحيل امتلاكها. فطالما أن المصالح الحيوية للثورة تتطلب الوصول إلى  امتلاك مثل هذه الصفة لا بد للفرد من أن يطورها في ذاته.

من العبارات الشائعة بين صفوف الشعب عبارة تقول: "إن من الأفضل للإنسان أن يعيش حياة شريفة وجريئة ليوم واحد من أن يظل قابعاً في الكهوف بسبب الخوف أو التخلي عن كل شيء لهذا السبب وحده!". من الواضح أن مثل هذا الكلام دليل على مدى الاحترام الذي تحظى به الجرأة في نظر المجتمع كما على مدى إدانة الجبن والخوف بالمقابل. لا مكان للجبناء في صفوف المجتمع ولا قيمة لهم على الاطلاق. لذا فإن على المناضل الذي يواجه مهمة تنظيم الشعب وقيادته إلى التمرد أن يجعل الجرأة أوضح وأسطع سمات الطبيعة الثورية حتى يتمكن من زرع الاحترام والثقة في نفوس الشعب قبل كل شيء. إن من واجبه، من هذه الناحية أيضاً، أن يكون قادراً على أن يصبح رجلاً شعبياً. وأن  ينقض على مواقع العدو بجرأة وشجاعة دون أن يبدي أي مظهر من مظاهر الخوف مهما كان طفيفاً. إن عنصر الجرأة عند الثوري ضروري أيضاً، ليس للأسباب آنفة الذكر فقط، بل ولكسر كابوس الخوف المفروض على المجتمع في الوقت نفسه. إذا أخذنا، بشكل خاص، في حسابنا كيف أن العدو يريد أن يصل إلى أهدافه في هذه الأيام عبر فرض الخوف عن طريق ممارسة الإرهاب بشكل منقطع النظير، فإننا نتأكد بشكل أوضح كيف أن عنصر الجرأة لدى المناضل يكتسب أهمية اكبر. أضف إلى ذلك أن الجرأة مطلوبة في سائر الأعمال والنشاطات التي يجب القيام بها اليوم في كردستان. فبدون تطوير عنصر الجرأة والشجاعة يستحيل إزالة الخوف المتراكم عبر مئات السنين والبارز اليوم كالحدبة على ظهر المجتمع. يستطيع الذين تتبعوا تطور حركتنا "حزب العمال الكردستاني" عن كثب أن يروا بوضوح كامل أن الجرأة كانت كامنة وراء كل خطوة من الخطوات التي خطوناها. من الواضح أن التفسخ والانحلال هما اللذان يظهران حيث تكون الجرأة غائبة. إن الفضل في أن حركتنا حققت هذا المستوى من التطور يعود للخطوات المفعمة بالجرأة والتي تمت خلال أعوام 1973و 1975 و 1978. واضح أيضاً أن أي تطور لاحق لحزب العمال الكردستاني لن يكون ظلاً نتيجة لخطوات جريئة أخرى لابد لنا من أن نخطوها.

على كوادر حركة لها مثل هذا الماضي النضالي أن يجسدوا في أشخاصهم سمة الجرأة التي تتحلى بها منظمتهم كي يكونوا جديرين بذلك الماضي وبهذه المنظمة. عليهم أن يواجهوا مهماتهم بجرأة بالغة وأن يجعلوا الجرأة هي السمة السائدة في جميع تصرفاتهم ونشاطاتهم. لا بد من إبداء الشجاعة في كل الأماكن ومهما كانت الظروف كما لا بد من تحاشي الوقوع في الخوف والفزع لدى مواجهة العدو. يقول ديمتروف: "نعم هذا هو المطلوب! الجرأة ثم الجرأة ثم الجرأة ! الجرأة قبل كل شيء! الاندفاع بأقصى قوة رغم كل شيء"، غير أن العلاقة بين الجرأة والخوف يجب ألا يساء فهمها. لا يجوز إبداء "البطولة العمياء" باسم الجرأة. كما أن الجرأة تفترض الانقضاض على العدو بدون خوف، كذلك يجب أن يكون الهجوم على مواقع العدو محسوباً ومخططاً بما يضمن الفائدة للثورة. أما الاسهام في تعزيز الخوف تحت شعار إبداء "البطولة العمياء" فموقف لا يمكن القبول به بشكل قاطع. لا يجوز أن تظهر على المناضل أية مظاهر مهما كانت طفيفة تدل على الخوف. يجب أن يكون شخصاً لا يعرف معنى الخوف. إن الفائز في المعارك هو الأكثر جرأة والأشجع والارسخ ثباتاً. ونحن الآن في غمرة معارك طاحنة ضد العدو لا في المجال العسكري فقط بل وفي سائر المجالات الأخرى أيضاً. وانتصارنا في هذه المعارك مرتبط بمدى معرفتنا كيف نقاتل بجرأة، وبمدى شجاعتنا في ساحات الوغى. لذا لا بد للمناضل من أن يصل إلى أعلى مستويات الجرأة. فالطريق المؤدي إلى تنفيذ مهماته يمر من هنا.

إن السمة الأخرى التي يجب أن تتوفر في المناضل إضافة إلى الجرأة هي عنصر الاستعداد للتضحية ونكران الذات . من الواضح أن الجماهير لا تقترب الآن إلا ممن ترى فيه روح التضحية والبذل متأصلة وعميقة الجذور، هذا الذي تبحث عن لتنضم إلى صفوفه. يستطيع الإنسان المستعد لأن يضحي أن يصبح مركز جذب في المجتمع. فالشخص الذي تكون حياته مرصعة بآيات التضحية والبذل يكون مصدر ثقة بنظر الجماهير. إن ارتفاع مستوى التضحية هو أحد أهم وأقوى الأسلحة لدى المناضل في مجال اجتذاب الجماهير وتنظيمها بالتالي.

ولهذا فإن على المناضل أن يتقن فن استخدام هذا السلاح اتقاناً جيداً.

إن الاستعداد للتضحية ضروري حتى يقدم المناضل كل ما هو منتظر منه في الميدان المادي والمعنوي وحتى يكون ناجحاً في اجتذاب الجماهير واستنهاضها.

وشعور الاستعداد للتضحية والبذل هذا يجب أن يكون أعمق وأقوى في أرض كالأرض الكردستانية بشكل خاص. فالمجتمع لم يألف التضحية ويكاد يكون غريباً عنها. ولهذا فإن القدرة عل زرع هذه الروح في المجتمع تتطلب قبل كل شيء أن يكون المناضل متحلياً بأقصى درجات البذل والتضحية ونكران الذات.

وتصبح ضرورة نكران الذات أكثر وضوحاً إذا أضفنا إلى هذا الواقع ضرورة تحطيم قيود العبودية. غير أن هذا العنصر ما زال ضعيفاً جداً لدى بعض الكوادر كما أثبتت بعض تجارب الماضي. هناك العديد ممن يمتلكون قدراً جيداً من الوعي ولكنهم يترددون عندما يتطلب الموقف نكراناً للذات واستعداداً للتضحية. بل ونراهم أحياناً يثيرون المشاكل والصعوبات أمام التنظيم والرفاق لدى الوصول إلى هذه النقطة . في حين أن من المستحيل على المرء أن يكون ثورياً إلا إذا كان مستعداً لمواجهة الصعوبات  وللتضحية ونكران الذات . فالثورية تعني التضحية ونكران الذات في الوقت نفسه. على الفرد أن يتطهر من سائر أسباب الحياة والراحة الشخصية وأن يكرس نفسه كلها للشعب وللثورة وأن يعمل بكل ما لديه من طاقة في سبيل خدمة مصالحهم . وكما قال ديمتروف: "إن حزبنا بحاجة إلى جنود مستعدين لأن يضحوا بحياتهم عند الضرورة (...) إلى  مناضلين مستعدين لبذل كل ما لديهم من وقت وطاقة في سائر الميادين وفي كل الأماكن ، إلى مكافحين شرفاء ، جادين ، متيقظين وصادقين ( .... ) لا إلى الصحف والنشرات".

إن لحركة حزب العمال الكردستاني في هذا المجال مناضلين يجسدون في أشخاصهم هذه المميزات ونماذج قيمة ومجرية. وهؤلاء لم يترددوا لحظة واحدة إزاء تقديم أرواحهم لخدمة القضية المقدسة ينكران ذات مثير في سبيل الحزب والشعب، ضاربين أروع أمثلة الفداء والبطولة وأسمى آيات الشجاعة التي ليس لها نظير في ظل أصعب الظروف وأعقدها. على كل مناضل من مناضلي حزب العمال الكردستاني كما عل الأصدقاء والمتعاطفين والوطنيين جميعاً أن يكونوا جديرين بروح البطولة ونكران الذات والشجاعة النادرة التي تجسدت في أشخاص العديد من الرفاق الأعزاء وعلى رأسهم شهداؤنا الكبار حقي وصالح ومظلوم وكمال وخيري. لا يمكن الحديث عن النضال الثوري الجدير باسم النضال في كردستان إلا من خلال الوصول إلى هذه السمات والمواصفات.

7- غير منكمش، بل مندفع وحماسي

هناك صفة أخرى للمناضل هي أنه لا يكون في نشاطاته الدعائية والعملية والتنظيمية وغيرها مدافعاً سلبياً من النمط البطيء والمتأني، بل على النقيض من ذلك، يكون حتى في الأجواء الدفاعية نشيطاً وفعالاً بما يتناسب مع الأحوال ومندفعاً بكثير من الحماس المتدفق.

إننا نعيش حالة من الاندفاع والحماس في سبيل استعادة استقلالنا المفقود بوصفنا أمة ثائرة. نحن في وضع يفرض علينا أن نقوم بأكبر انتفاضة وأقوى حركة مقاومة في تاريخنا ضد العدو القومي والاجتماعي. وبوصفنا تنظيماً كنا في الماضي مطالبين بتحقيق أكبر القفزات في أثناء لحظات الولادة. وبهذا المعنى أيضاً يمكن القول ان الثورية تعني الاستعداد للمقاومة. ذلك لأن الثورية في الواقع الكردستاني الملموس مشروطة بالقيام بالاندفاعة آنفة الذكر. أضف إلى ذلك أن ما هو ضروري وملح عندنا هو أن نصبح مندفعين متحمسين كشعب وككل لا كمجموعة من المناضلين فقط. لأن شعباً لا يستطيع أن يخلق في نفسه الرغبة في التمرد والانقضاض والطاقة المطلوبة لن يستطيع أن يصنع الثورة. ومثل هذا الاندفاع والحماس ضروري في المراحل الأولى من الثورة كما هي ضرورية ومطلوبة في مراحلها المتقدمة. ومهما كنا الآن في فترة الدفاع الاستراتيجي من نضالنا، فإننا في حركة هجومية في حين أن العدو هو الذي يعيش حالة الدفاع لأننا نحن الذين قمنا وانتفضنا على الاستعمار. من الواضح أن هذا الوضع هو وضع الهجوم تحت شعار الدفاع الذي يتفق مع المرحلة التي نمر بها، بمعنى أنه ليس وضعاً هجومياً مطابقاً لمرحلة الهجوم الاستراتيجي.

يزعم بعض صغار البرجوازيين التافهين أن هذه الحالة الاندفاعية المفعمة بالحماس نتيجة "لليسارية، والمغامرة، والتخريب والإرهاب"  من الواضح أن مثل هذا الموقف لا يمكن أن يبرزه إلا صغار البرجوازيين التافهين الذين يريدون دوام العمالة والتبعية والعبودية. إن الشعب الذي لا يستطيع اليوم أن يتعلم كيف ينتفض، والمجتمع الذي لا يتمرد ويثور يكون شعباً قد اختار العبودية لا الحياة والاستمرار في الوجود. لا بد لكل فرد من أفراد المجتمع، لكل وطني من أن يصر على الثورة والتمرد. إن شعاره الوحيد هو الاندفاع والاندفاع ومن ثم الاندفاع بحماس... والهجوم ثم الهجوم ومن ثم الهجوم! هذا هو الموقف الثوري والوطني الوحيد ولا يمكن أن يكون غيره. ولن يرفض الإنسان أن يصل إلى هذا الوضع إلا إذا كان يعاني في أعماقه من بذور العمالة والعبودية العميقة. فالنموذج الوحيد المقبول في كردستان اليوم هو نموذج الشخصية المندفعة بحماس، هو نموذج الشعب الثائر باندفاع!.

نستطيع أن نتحدث عن العديد من الأمثلة الرائعة التي خلقها نضالنا في هذا المجال. ومعروفة بشكل خاص تلك النماذج البطولية للمقاومة والحماس والاندفاع التي سطرت في زنزانات المستعمرين. ما أكثر الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم وكانوا نماذج للحماس والاندفاع سواء في مرحلة النضال الايديولوجي، أم في مرحلة النضال السياسي ضد المستعمرين وعملائه وجواسيسه وضد بقايا الاقطاع. إن حلقات المقاومة في كل من هيزل وجزرة إضافة إلى غيرها من حلقات المقاومة التي صنعها كل من حقي وخليل وصالح ودليل وأحمد ومظلوم وخيري وكمال هي الأمثلة الساطعة. لا بد للسلوك الذي تجلى في هذه المناسبات من أن يتحول إلى خصوصية قومية ووطنية عامة. إن وضعية المقاومة والاندفاع التي تجلت بصورة دائمة هناك كانت شرطاً ضرورياً لبناء الأمة من جديد، شرطاً ضرورياً لأن نكون مجمع المستقبل الذي ينعم بالحرية. كما أن حركات المقاومة هذه في الوقت نفسه كانت اللبنات التي شيد بها صرح حزب العمال الكردستاني. لهذا السبب لا يجوز التخلي عن المقاومة والبقاء في حالة الاندفاع الدائم، كما يجب أن نرى كلاً من الحياة والمقاومة صنوين متلازمين. وقد تمت البرهنة على الإيمان بهذا المبدأ في الزنزانات بوضوح تام ويجري الآن إثبات ذلك خارجها. طوال الفترة الماضية عشنا وضعية الهجوم بصورة دائمة في جميع الميادين ولم نتوقف لحظة عن الاندفاع المفعم بالحماس في سائر مجالات الدعاية والتحريض والتنظيم والعمليات. تلك هي الميزة التي أوصلتنا إلى عتبة المرحلة التي نقف عليها اليوم. ما من فترة شهدت تخلياً عن المقاومة والاندفاع كما يتضح من الأمثلة الكثيرة التي ترصع تاريخ حزب العمال الكردستاني أيضاً، لأن هذه الصفة هي من الصفات الملائمة للمرحلة بالنسبة للشعب في الوقت نفسه. لا بد لأي مناضل ثوري من أن يتحلى بهذه الصفة.

على المناضل في عمله أن يكون دوماً في وضعية المقاومة والهجوم. لا يجوز أن يكون بطيئاً كسولاً من النمط الذي يكتفي بالإصغاء والسير خلف الأحداث. لا يجوز له أن يبقى أصم إزاء القضايا المطروحة. من المستحيل على أولئك الذين يمضون أكثر أوقاتهم وهم نائمون ولا يفعلون شيئاً خلال ثلاثة أرباع الوقت المتوفر لهم أن يصبحوا مناضلين. يعني أن المناضل هو الشخص الذي يصارع ذاته ومن هم حوله وينقض بحماس على القضايا التي تواجهه لحلها قبل كل شيء. لقد ظهر عندنا جنباً مع النماذج الإيجابية الكثيرة عدد لا يستهان به من الأشخاص الكسال الغارقين في أوحال السلبية والبعيدين كل البعد عن النضال ضد الذات واللامبالين إلى أقصى الحدود. هؤلاء هم "المانيلوفيين" الذين ظهروا عندنا في كردستان مقابل "المانيلوفيين"  الذين انتقدهم لينين أثناء الثورة الروسية. من الواضح أن أمثال هؤلاء اللامبالين لا يمكن أن يصبحوا مناضلين. إنهم لن يكونوا إلا مجموعة من العجزة والمساكين الغارقين في مستنقع السلبية نتيجة لظروف الاستعمار وبقايا الاقطاع والعصر الوسيط. لا يمكن لأي مناضل أن يقبل بهذه الصفة. قد يسقط أحد الناس العادين من عامة الشعب في مثل هذا المستنقع ، وقد يستطيع القبول بتمضية الوقت متوكلا، قائلاً "سأنال ما قدر لي!". بل وقد يستطيع أن يعيش بلا مقاومة. غير أن المناضل من المستحيل أن يكون بهذه الصورة. فهو الشخص الذي يصنع الغضب ويثير الحقد ويخطط للثورة والاندفاع والمقاومة ضد جميع هذه الصفات السلبية؛ إنه الشخص الذي يستطيع أن ينتقل إلى مواقع الهجوم ويكون طليعة للمجتمع بفضل الميزات الإيجابية التي يتحلى بها.

يستطيع المناضل من خلال البقاء في ساحة النضال أن يصبح فعالاً بعد أن كان سلبياً عنيداً بعد أن كانت تنقضه روح المقاومة، مهاجماً بعد أن كان في مواقع الدفاع. وهو يفعل هذا كله ليتقدم نحو المسائل المطروحة. إنه مضطر لأن يكون هكذا في كل الميادين ولدى الاندفاع نحو العدو وفي أثناء التقدم على طريق التنظيم وخلال القيام بحل مختلف المسائل والمشاكل التي تواجهه. لا بد للمناضل. باختصار، من أن يكون من النموذج المندفع المتحمس.

8- إنه يتقن الجمع بين المرونة والصلابة

هناك ميزة أخرى يمتاز بها المناضل هي أنه يتقن فن الجمع بين المرونة والصلابة. على المناضل أن يعرف كيف يجسد وبشكل جيد كلاً من الصلابة والمرونة في مختلف نشاطاته جميعاً ولا سيما في ممارسته السياسية والعملياتية كما في الفعاليات اليومية سواء داخل الحزب أم خارجه. ففي الوقت الذي يجب أن يعرف كيف يكون مرناً في العديد من المواضيع يجب أن يعرف أيضاً كيف يكون صلباً في العديد من المواضيع الأخرى.

لم تتطور المرونة في مجتمعنا نحن كثيراً. فالظروف الاجتماعية تحصر الناس في إطار بنية تتصرف بالحدود القصوى من الألم والخيبة والانطواء. إنها بنية هشة قابلة للانهيار بمجرد اللمس. إن النموذج السائد في مجتمعنا ليس هو النموذج المتحفز والمرن كالنابض، بل هو النموذج القاسي والصلب المعرض للكسر بسرعة. إنه أميل إلى الجرد والعبوس والاشياء أو إلى اللامبالاة وانعدام الخجل. لاشك أن انعدام الخجل من الصفات السيئة للغاية. غير أن اتقان فن استخدام المرونة في الكثير من المواقف وتطويرها أمر إيجابي لا غنى عنه بالنسبة للفرد. إن لإتقان فن استخدام المرونة أهمية كبيرة جداً في الواقع الكردستاني لأن هذا الواقع مثقل ببنية شديدة التعقيد فيما يتعلق بموضوع المرونة، ولأن التاريخ أيضاً مملوء بالسلبيات الناجمة عن انعدام المرونة، حيث انهارت البنى وتحطمت بمختلف الأشكال، ولأن ذلك كله انعكس على الشخصية بصورة بالغة التشويه والتعقيد والاختلاط. فكون الصلابة، لا المرونة، هي التي توفرت لها فرصة التطور في المجتمع ينعكس بكثافة في حياة الحزب الداخلية أيضاً. إنه موقف ينعكس أيضاً على تصرفات الكوادر الذين جاؤوا من أعماق البنية الاجتماعية للبلاد، ولهذا يكتسب اتقان فن المرونة أهمية كبيرة في سائر النشاطات الايديولوجية - السياسية والتنظيمية. إن المرونة تعني تحاشي الانفعال المباشر واللجوء إلى التحطيم، تحاشي إظهار رد الفعل بسرعة، تحاشي الصراع مع الأشخاص لأسباب تافهة، والقدرة على إبداء مستوى عال من النضج في التصرفات والسلوك. كما أن المرونة تنطوي على العمق في التفكير وسعة الصدر والقدرة على منع حدوث الأزمات واندفاع البعض للقيام ببعض الاعمال الهدامة التي لا طائل وراءها. ونظراً لأن المناضل يستطيع بالاستناد إلى هذه الصفة أن يقوم بالكثير من الأعمال في المجتمع، يجب عليه أن يخضع لمتطلباتها ومستلزماتها.

أما الصفة التي تقابل المرونة فهي الصلابة. هناك أمور تتطلب الصلابة ولا يجوز إبداء أية مرونة تجاهها. هناك لحظات حاسمة مثلاً لا بد للمناضل فيها إلا أن يتخذ موقفاً صلباً وحاسماً تماماً مثل لحظات القيام بعملية ما، لحظات ترجمة إحدى المبادئ الأساسية للحزب في الحياة والخ. غير أن هذه الصلابة يجب أن تكون صلابة تقود إلى النصر الحاسم وإلى النجاح في تنفيذ المهمة، لا صلابة تجر معها الخيبة والاخفاق في تنفيذ المهمة وزيادة تعقيد الموقف.

على المناضل أن يجمع في كيانه كلاً من صفتي  المرونة والصلابة. غير أن عليه في الوقت نفسه أن يعرف أين وكيف يمارسها بشكل صحيح. في الماضي غرق بعضهم في ما يشبه الآغوية باسم الصلابة في حين انزلق آخرون في طريق اللامبالاة الليبرالية المتسيبة تحت اسم المرونة. والصلابة لا تعني إلا حل القضايا التي يتعذر حلها بالمرونة عبر الصرامة، ولهذا السبب لا بد للمناضل من أن يعرف جيداً كيف وأين يستخدم كلاً من المرونة والصلابة. ولهذه الصفة أهمية قصوى بالنسبة لكل مناضل.

كما تأكد عبر تجاربنا السابقة أيضاً أنه هنالك الكثير من النماذج عندنا من الذين لا يستطيعون أن يتعايشوا مع رفاقهم داخل الحزب ناهيك عن التعايش مع القوى التي هي خارج الحزب. فهم إما أن يكونوا أصلب مما ينبغي أو أن يتصرفوا بمرونة تصل إلى حدود الميوعة. فأحدهم إما أن يكن الحقد لرفيقة ويحاول أن يسبب له العثرات مع الميل إلى التخلي عنه لمجرد هفوة بسيطة، أو يغرق في الليبرالية فيغدو عاملاً على نشر العلاقات اللامسؤولية (علاقات المودة) مما يجعله يتحاشى توجيه أي نقد لصديقه القديم أو أحد أقربائه ويغض النظر عن أخطائه.

 إن الموقفين كليهما ينطويان على الكثير من الأضرار بالنسبة لحزب البروليتاريا. على المناضل أن يعرف كيف يقطع صلاته بمن يتأكد من أنهم يلحقون الأذى بالمصالح البروليتارية كما يجب أن يعرف كيف يبقى على صلات ودية مع جميع الذين يمكن أن يستفيد منهم لخدمة هذه المصالح. غير أنه يجب أن يحذر من إتباع الأسلوب نفسه في كل الأوقات والظروف. يجب عليه أن يكون مبدعاً وخلاقاً في هذا المجال. وكما قال لينين: "من العبث أن نهتدي إلى وصفة صالحة لكل المشاكل والمواقف، فليس هناك قانون عام ينطبق على جميع الحالات". لا بد من تشغيل الفكر والدماغ للاهتداء إلى الطريق الصحيح في كل موقف من المواقف وضرورة تشغيل الفكر والدماغ ضرورة قصوى بالنسبة للمناضل وخصوصاً في كردستان حيث الاوضاع معقدة جداً وحيث يجري تعكير الاجواء أكثر فأكثر من قبل المستعمرين وعملائهم من جهة ومن قبل صغار البرجوازيين من الاصلاحيين والشوفينيين الاجتماعيين من جهة الثانية وحيث لا تظهر مختلفة يفرض عل حزب البروليتاريا أن يتوصل إلى اتفاقات وتحالفات مؤقتة مع القطاعات المختلفة عبر طرق  وأساليب متعجرفة وملتوية. وتحقيق مثل هذه المهمة يتطلب من المناضلين أن يتصرفوا بما ينسجم مع قواعد المرونة. هناك قوى يجب التحالف معها والإفادة منها في أثناء عملية الثورة ، كما أن هناك قوى لا يجوز التحالف معها. والتفريق بينهما بشكل صحيح والتعامل معهما وفقاً لذلك يكتسب أهمية كبيرة .إن الثورة الروسية ملأى بالدروس في هذا المجال. يقول لينين عن التحالفات والاتفاقات بين المناشفة والبلاشفة ما يلي: "إن انتصار البلاشفة عل المناشفة تطلب السير في طرق متعرجة واتباع تكتيك التحالف والاتفاق ليس قبل ثورة أكتوبر 1917 فقط بل وبعدها أيضاً؛ ومن المؤكد أن تلك التحالفات والاتفاقات كانت تحالفات واتفاقات لضمان انتصار البلاشفة ولجعله أسهل وتكتيكات لغير صالح المناشفة".

إن حزب البروليتاريا، كما يفهم من هذا الكلام، لا يرفض  أي تحالف أو تفاهم يخدم مصالحه. وإلا فمن غير الممكن يؤدي إلى إضعاف تأثير النضال الثوري ويعيق وتطوره.

ولهذه المسألة أهمية أكثر إلحاحاً لعدم تطور المرونة تطوراً كافياً لدى كوادرنا في ظروفنا القائمة  إن الوقوع في "اليسارية" أو "الليبرالية"  نتيجة لعدم توفر المرونة الكافية ينطوي عل  الأضرار بالنسبة للنضال.  

على المناضل أن يتقن فن السير والتقدم مع بعض القوى خارج الحزب كما في داخله. فكما اتضح من تجارب الثورة الروسية تمكن لينين من ضمان مستقبل الثورة عبر الاستفادة من بعض القوى الخارجية والسير معها قدر الإمكان ناهيك عن القوى الموجودة داخل البلاد. في حين أن الوضع الذي تتم في أعماق التحالف والاتفاق مع القوى الأخرى، إن المناضل بعيد عن أن يكون واسع الصدر صبوراً في هذا الموضوع. فهو يعاني من الصعوبات والمشاكل إزاء التعايش والسير مع رفاقه بالذات ناهيك عن اتقان فن مسايرة القوى الأخرى والتعامل معها أما الخلاص من هذا النقص فلا يعني التصرف بليبرالية وغض النظر عن النواقص والعيوب بهدف الإبقاء على الوحدة وضمان عدم الانقسام. يجب السير مع أولئك الذين يعقد الأمل على أنهم يمكن أن يسيروا في خط إيجابي حتى النهاية، مع ترك الذين وصلوا إلى نهاية الطريق أحراراً وإعطائهم الجواب الذي استحقوه.

وبالشكل نفسه لا بد من تقييم الموقف الموضوعي القاتم لدى السير في طريق الاتفاق والتفاهم مع الآخرين ، والتحرك بما يتفق مع الظروف. إن القضية تبقى هكذا أيضاً بالنسبة للصراع مع العدو. فالمنظمة المرنة التي لا تتوه حتى في أصعب الظروف وأعقدها هي التي تعرف كيف تلحق الهزيمة بالعدو. لقد قدم لينين صورة بالغة الوضوح حول إبداء المستوى المطلوب من المرونة وحول الموافقة على الدخول في المعارك مع العدو أو عدمه حين قال: "إن القبول بدخول المعركة حين تكون ملائمة تماماً للعدو وغير ملائمة لنا بشكل واضح جريمة لا تغتفر، وسياسي الطبقة الثورية الذين لا يعرفون كيف يلجؤون إلى اتباع الأساليب المتعرجة وعقد الاتفاقات والتحالفات والمساومات المختلفة بغية تحاشي المعركة التي لا تكون ملائمة لنا، لا يساوون شيئاً".

ذلك يعني أن على المناضل الثوري أن يمتلك الكفاءة التي تؤهله لأن يبدي المرونة أو الصلابة المطلوبة عبر أخذ الظروف والشروط بعين الاعتبار وبمقدار ما ينجح في ذلك يستطيع أن يساهم في تطور النضال مساهمة أكبر من خلال الاستفادة من طاقة الجميع بمن فيهم الأصدقاء الأقل ثقة".

9- إنه يقظ وحساس ودقيق في حساباته

من صفات المناضل أيضاً أن يكون دقيقاً وحساساً ومتزناً. فالدقة تعني إبقاء الوعي مستقراً بصورة دائمة والحساسية تعني الحذر واليقظة الدائمين بوعي و بمعنى أن الوعي يجب أن يبقى دائماً رهن الإشارة. فعلى المناضل أن يظل مستعداً في جو من الدقة والحساسية الدائمين للتعامل مع الأفكار المتعلقة بالايديولوجية والسياسة والتنظيم. كما لا بد من اليقظة إزاء كل تطور ممكن في هذه المجالات مع إبقاء الوعي مستنفراً وتحريكه مباشرة.

إن مجتمعنا محروم من الدقة والحساسية. ففي ظل كابوس الاستعمار الثقيل تعرضت خاصية الدقة للسحق وتوفرت ظروف النمو لانعدام الاحساس حتى تحول مجتمعنا إلى جماعة من الصم والبكم، كما غدا الانسان إلى كائن لا يشعر ولا يحس كتابع يدور في فلك غيره. من المؤكد أن من يكون في وضع كهذا لا يستطيع أن يفكر بشكل جيد كما لا يستطيع أن يمارس السياسة والتنظيم بشكل سليم. في حين أننا لدى النظر إلى الناس في البلدان الرأسمالية والاشتراكية المتطورة نرى أنهم متيقظون مثل الذئاب بشكل واضح. وهذا دليل على مدى تطور أولئك الناس. في حين أن الوضع الذي نراه عندنا هو الدليل عل مدى التخلف.

من الواضح أن هذا الوضع لا بد له من أن ينعكس على الكوادر القادمين من قلب مثل هذه البنية بل وسيتجلى لدى البعض بأكثر أشكاله بروزاً. ويبرز الأمر أكثر الأحيان على شكل الحياء أو لا مبالاة بما يجري من تطورات في المحيط، عل شكل العجز عن متابعة القضايا التي يكون الانسان مسؤولاً عنها وعلى شكل العجز عن حماية التنظيم إزاء الأخطار واضح أن من يكون بلا حساسية وبلا دقة في هذه المجالات لن يكون قادراً على تأمين النصر في الميادين الايديولوجية والسياسية والتنظيمية. في حين على المناضل أن يحمل رأساً متوتراً كالنابض ووعياً متقداً دائماً وأعصاباً مستعدة للعمل والانطلاق كالسهام في كل لحظة. هكذا فإن المناضل سيكون قادراً على الانتباه إلى الأحداث والظواهر التي تتم داخل الحزب وخارجه وعلى اتخاذ الموقف العلمي الصحيح منها ليبادر إلى التدخل عند الحاجة. تلك هي الصفات التي تستطيع أن تفتح أمامه طريق النصر.

في اثناء نضالنا السابق تعرضنا للكثير من الخسائر بسبب غياب الدقة والحساسية. ونستطيع أن نورد عدداً كبيراً جداً من الامثلة على ذلك، من الممكن القول أن تسعين بالمئة من خسائرنا نتيجة عدم الالتزام بالانضباط. من الواضح ان الاشخاص الذين لا يتحلون بالدقة والحساسية معرضون لإضافة الكثير ويتجاوزون ذلك إلى إلحاق الاذى ايضاً بمنظماتهم ورفاقهم إن امثال هؤلاء هم قبل كل شيء خطرون ويبعثون على الريبة. يستحيل على الكادر أن يكون بهذه الصفة، فهو لا يستطيع أن ينحدر إلى درك انعدام الحساسية والحذر. لذا لا بد له من الاستمرار بدأب على تطوير الحساسية والدقة. إن التحلي بصفات الدقة والحذر والحساسية الدائمة في مثل هذه الظروف هو من سمات الكادر الجيد، لابد لقوة الكادر ان تتحلى بوضوح في هذا المجال ايضاً.

الكادر الدقيق والحساس يكون متيقظاً لا يقع في المطبات ويحتاط لمؤامرات العدو. أما ذلك الذي تنقصه الدقة والحساسية فيظل معرضاً للوقوع في مصائد العدو المرة بعد الاخرى. لابد للكادر الثوري من ان يبقى متيقظاً باستمرار. لابد له من أن يكون قادراً على احباط الاعيب العدو ومؤامراته. يجب الا ننسى ان هذا الكادر يصل إلى صفة البعد عن إمكانية الوقوع في المطبات بمقدار ما يكون حساساً ودقيقاً إزاء الاعيب العدو ومخططاته. تعرضنا في الماضي للكثير من الخسائر نتيجة لضياع بعض الكوادر ولعدم يقظتهم ووقوعهم بالتالي في المطبات. ومن المعروف اننا اضعنا الكثير من الفرض الثمينة نتيجة لذلك. لم يتم الانتباه إلى الكثير من التطورات الجارية لغير صالح الحركة نتيجة القصور في الوعي. وتناول المسائل بقدر غير كاف من الحساسية والدقة او بسبب الوقوع في الافخاخ التي نصبها البوليس او العملاء او حتى صغر البرجوازيين وامثالهم. يكون تضليل هذه النماذج من الامور السهلة للغاية، تلك هي الاسباب التي تجعلهم يصدقون كلام الاخرين والاعداء وعملائهم. هناك انماط لو فكروا قليلاً لعرفوا انهم معرضون لا محالة للوقوع في مصيدة العدو إذا ما تابعوا السير على خط معين غير أنهم تسببوا في تبديد الكثير من الإمكانيات والطاقات نتيجة افتقادهم للحساسية والدقة. يجب ان نتذكر دوماً: "إن انعدام اليقظة (الحساسية والدقة) لدى الثوريين كان دوماً أفضل العوامل المساعدة للبوليس (أي للعدو)".

تتطلب الدقة والحساسية في الوقت نفسه أن يكون التصرف تصرفاً متزناً ومدروساً. وبالشكل ذاته عديم الحساسية تحقيق الاتزان الا عبر التحلي بالحساسية والدقة. ذلك لان الذي يكون عديم الحساسية والدقة في سائر المجالات لن يعرف كيف يكون متزناً. فالذي لا يعرف ما يجب القيام به في المكان والزمان المناسبين يستحيل عليه أن يتحلى بصفة الاتزان. على المناضل أن يكون رجلاً يعتمد على الحسابات في سائر الميادين. لا بد له في أثناء بناء التنظيم وتطوير العمليات وتوجيه الذين يتعامل معهم ويكلفهم بالمهمات والخ... من أن يقيم الامكانيات بصورة جيدة ومن أن يستند إلى معايير دقيقة , ونجاحه في هذا كله مرتبط بمدى تحليه بسمات الحساسية والدقة. ولدى إلقاء النظرة سريعة على ماضينا سنرى كم من المرات تم العمل بدون حسابات بل وتمت حتى إضاعة المعايير والمقاييس في الكثير من الاحيان، لهذا ايضاً اسبابه الاجتماعية بطبيعة الحال، فالناس عندنا لا يستطيعون أن يتصرفوا محسوبة أو أن يكونوا متزنين. يكاد المجتمع يكون بلا معايير أو مقاييس غير أن هذا الوضع لا يمكن أن يبرز للمناضل بعده عن الاتزان وتخليه عن المعايير والحسابات، له مطالب في هذا الميدان أيضاً كغيره من الميادين أن يكون طليعة للمجتمع يعلمه كيف يتمسك بالمعايير. لذا لابد للمناضلين من ان يكونوا متزنين ومن أن يعرفوا كيف وأين يقدمون على هذه الخطوة أو تلك.

أن المناضل الحساس والدقيق لا يقع في المطبات ويحمي نفسه ومنظمته من الاخطار، كما يعرف التدابير الاحتياطية المضادة التي يجب اتخاذها والمعايير التي لا بد من اخذها بنظر الاعتبار، أن الذي يتمكن من تجسيد كل هذه المواصفات في شخصه يقترب اكثر فأكثر من موقع المناضل الجيد والنموذجي وفي هذه المرحلة التي يعيشها بصورة خاصة لا بد لكل عضو في حزب العمال الكردستاني من أن يتوصل إلى امتلاك هذه المواصفات كي نتمكن من اجتياز العقبات الكثيرة والمعقدة التي تقف في طريقنا في سائر المجالات المختلفة.

10- إنه باحث ومدقق في التعلم

المناضل الواعي يكون باحثاً ومدققاً ولديه القدرة على التحليل في الوقت نفسه. لا يمكن للوعي أن يتكون وحده بل ولا يمكن إغناؤه إلا من خلال البحث والتحليل.

ولابد للمناضل من ان يتخذ التعلم والبحث الذي هو اسلوبه صفة اساسية من صفاته. ولدى تحليله للوقائع يجب عليه ان يطور باستمرار معرفته العميقة للحقيقة. يجب عليه الا يكتفي بالقوالب ويصر على التطور حتى الجذور وان يبدي صفات البحث والتحليل العميقين في تعامله مع سائر المواضيع القومية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، أن المرء يستطيع ان يحيط بهذه الموضوعات عن طريق البحث والتحليل، أما التطور اللاحق للوعي وزيادة كفاءته فلا يكون إلا نتيجة لهذه الصفة.

لو لم يجري بحث وتحليل قويين في الماضي لما ظهرت حركة حزب العمال الكردستاني. فقد ولد حزب العمال الكردستاني بعد تحليل الظروف القومية والاجتماعية لكردستان في ضوء الماركسية - اللينينية تحليلاً معمقاً، هذه الحقيقة نعرفها جميعاً. إن البحث العميق هو الذي يؤدي إلى ظهور الروح النضالية السليمة، لعل الفضل في بلوغ العديد من الرفاق وعلى رأسهم الرفيق مظلوم دوغان إلى مستوى الثوري الرائع يكمن في صفة القراءة والتعلم. صفة الميل الشديد إلى البحث والتحليل التي كان يتحلى بها. وفي هذا المجال يشغل الرفيق مظلوم مكانة مرموقة وممتازة إلى الحدود. فالحياة العملية التي دامت لفترة قصيرة جداً من الزمن للرفيق مظلوم تتجسد أمامنا كل لحظة ونرى هذا الجانب من شخصيته الفذة بوضوح. إنه يفرض علينا وجوده بصفته الشيوعية الواضحة جدا بشكل لم يسبق له مثل، بصفته التي تحتاج إليها كردستان امس الحاجة، بصفته الشيوعية الحقيقية المستندة إلى التخلي بروح البحث والتحليل، لقد كان خميرة الوعي بالنسبة للمقاومة، كان ممثلاً لنمط من التفكير حطم الارقام في دراسة الماركسية إذ كان يقرأ اكثر من خمس مئة صفحة في اليوم. نعم ، ذلك هو الواقع الذي يكمن وراء ارتفاع الرفيق مظلوم إلى المستوى الثوري الرائع.

إنها لصفة يجب على كل مناضل ان يبذل الجهود المكثفة في سبيل الوصول إليها والتحلي بها. من الواضح إن القدرة على مواجهة المهمات الصعبة جداً التي تفرضها المرحلة مشروطة بثورية ممتازة لن تكون ممكنة إلا عبر التحلي بمثل هذه الصفة. ولهذا فإن على كل مناضل أن يصل إلى امتلاك هذه الصفة بالذات.

عليه الا يكتفي بالاطلاع على الوقائع والاحداث مجرد اطلاع سطحي، بل أن يدرسها بكل عمق ومن جميع جوانبها مما يفرض عليه بالتالي ان يصبح باحثاً ومحللاً جيداً. ويجب على المناضل ان يظل دائباً على تطوير وتعزيز هذه الصفة عبر الافادة من ابسط الامكانيات مهما كانت الظروف، إن سلوك العديد من الرفاق الاعزاء في العديد من الميادين والساحات وعلى رأسها زنزانات المستعمرين يشكل نموذجاً يحتذى به فهؤلاء لم يتوقفوا قط عن التعلم والبحث والتحليل في ظل اصعب الظروف وانعدام ابسط الامكانيات. إن كلام ديمتروف الذي يقدم مثالاً ممتازاً في هذا المجال يبين وضوح كامل كيف يجب ان يكون الشيوعي. وقد صرح ديمتروف بكلامه هذا بعد خروجه من غرف تعذيب الفاشية الألمانية، وفي تلك الفترة كانت مسألة ما إذا سيبقى حياً ام لا غير محسوبة. بل وكان احتمال إطلاق سراحه احتمالاً بالغ الضعف. لقد قدم الجواب التالي للصحفي الذي سأله عن الكيفية التي تحمل بها التعذيب؟ كيف استطاع أن يبقى نشيطاً وقوياً إلى يوم المحاكمة؟ وكيف استطاع ان يستمر في مقدمته؟ "لا يترك البلشفي الثوري نفسه للموت كما تعلم بل يظل مصراً على العيش والنضال في كل الظروف. ومن يكون مسلحاً بمثل هذه الفكرة يستطيع أن يحتمل اقسى المظالم وافظعها. لابد من الافادة من اوقات الفراغ في السجون وفي القيود لا الصمود فقط حتى النهاية... انظر هذه هي الملاحظات والاقتباس التي سجلتها في اثناء مطالعاتي في السجن، كنت اعمل مدة عشر ساعات يومياً وانا هناك".

نعم لا بد لمثل هذه الروح التواقة إلى البحث والمعرفة ان تصبح ميزة لا غنى عنها بالنسبة لكل مناضل مهما كانت الظروف والشروط وبمقدار ما يتمكن من التحلي بهذه الصفة يكون اقدر على المشاركة في النضال والكفاح بشكل اقوى في كل مرة جديدة.

11- إنه مبدع وخلاق لا يقبل بالقوالب

يشكل الابداع احدى السمات الهامة التي يتحلى بها المناضل وهذه السمة تشكل احد العوامل الاساسية للنجاح في عمل الفرد.

هناك اسماء وشخصيات عظيمة في ميدان الابداع والخلق سواء في العالم الرأسمالي أم في العالم الاشتراكي. غير ان الامور تبدي قدراً كبيراً من الاختلاف لدى النظر إليها من خلال المنظار الكردستاني. أن الكثير من الاشياء في كردستان بعيدة عن ان تكون نتائج الجهد الخلاق، فالسائد هو النقل والتكرار لا الخلق والابداع. فالاستعمار الذي يعيق تطور أي شكل من اشكال الابداع والخلق بالاستناد إلى الهيمنة الايديولوجية والسياسية التي يفرضها والاجواء الثقافية التي يقحمها بالقوة. هو الذي سد الطريق أمام كل اشكال الخلق والابداع في الظروف الاجتماعية البائسة المضافة إلى بقايا العصور الوسطى.

واستطاع هذا الواقع ان يؤثر على الكوادر ويبعدهم ولو إلى حدود معينة إلى خارج دائرة الابداع والخلق . فالكوادر الذين تحولوا إلى ما يشبه الببغاوات التي تكرر الكلام بدلا من ان يكونوا مبدعين في ميدان الوعي، والذين يخططون الشعارات بدلا من تطوير الآفاق الايديولوجية والسياسية، والذين يكتسبون الصفات الشكلية بدلاً من الغوص في الاعماق بحثاً عن جواهر الاشياء في المفاهيم هم الذين نجدهم بكثرة عندنا. حتى في التنظيم نرى اناساً يميلون إلى تبني التنظيمات العشائرية الجاهزة بدلا من البحث والوصول إلى إبداع الأشكال التنظيمية المناسبة للثورة. بل إن هناك من يسعى إلى تدمير ما هو موجود ناهيك عن العمل في سبيل إبداع وخلق ما هو جديد، باختصار نقول ان هناك نقصاً في الابداع في جميع المجالات وان ما هو سائد هو التكرار.

إننا اليوم اكثر حاجة من اية امة او شعب آخر في العالم إلى الابداع والابتكار. ذلك لأن كل شيء عندنا، من قمة الرأس إلى اخمص القدم، بحاجة ماسة إلى إعادة الخلق من جديد. إن القيم التي تم التوصل إليها عن طريق الابداع نادرة جداً عندنا، وبالمقابل نجد أن السلبيات كثيرة جداً تكاد الأمور كلها تكون مغطاة بستار من السلبية، لهذا السبب نجدنا اليوم مضطرين لأن نعيد خلق أنفسنا في كل المجالات بدءاً بالثقافة وانتهاء بالتنظيم. وتتطلب مثل هذه العملية قدراً كبيراً من الكفاءة الابداعية الخارقة للعادة لدى طلائع المجتمع ومناضليه.

ذلك لأن عملية الابداع عندنا لا يمكن تطويرها وفق الاساليب المكررة القديمة بل لابد لذلك من تسجيل التطورات التي لم يسبق لها مثيل.

إن هذه العملية تتجسد اليوم في الممارسة العملية لحزب العمال الكردستاني على النحو التالي: إعادة بناء التنظيم، ابتكار العمل الدعائي، الابداع في العمل الفدائي، الوصول إلى بناء حزب فولاذي جماهيري تمهيداً لبناء الجبهة الوطنية والقومية المنظمة، خلق جيش الشعب، والعمل على الحاق الهزيمة بالعدو لبناء مجتمع حر وديمقراطي، وتحقيق التطورات العلمية على هذا الاساس، ميلاد الثقافة من جديد، وظهور الاشكال الجديدة للسلوك والاخلاق في إطار المجتمع ككل، ذلك كله تعبير عن إعادة الابداع العظيم لكل شيء عندنا ويتطلب هذا في الوقت نفسه وبشكل حتمي ان تتم عملية إعادة ابداع موازية في الشخصية أيضاً. إن الابتعاد عن النقل والتكرار والعمل الدؤوب لتحقيق التطور الدائم للفكر الابداعي والسلوك الخلاق هما الطريق الوحيد لتطوير الإنسان الكردستاني القزم وتحويله إلى عملاق.  

لابد للمناضل من أن يكون مبدعاً وخلاقاً ، لابد للإبداع من ان يلقى من يحييه كل يوم وكل ساعة ويأخذ بيده حتى ينمو ويزدهر. لابد للمناضل من أن يسطر ملحمة ابداعية كبيرة وعظيمة من خلال نشاطاته وفعالياته وفي اعماق ذاته سواء بين صفوف الشعب ام في شخصيته هو بالذات كما لو كان يحلق فوق القمم الشامخات ومثل هذه العملية تستلزم بالضرورة قدراً كافياً من التطور في سائر المجالات الايديولوجية والسياسية والتنظيمية والعملياتية.

إن عملية الابداع هي في الاساس العملية التي استند إليها حزبنا منذ البداية وعاشها في سائر الميادين وطورها وقام بتدعيمها وتعزيزها. ينبغي لهذه الصفة أن تنعكس أيضاً على الشخصيات بصورة جيدة. لابد للمناضل من تمثيل هذه السمة تمثيلاً جيداً ومن ان يبذل جهوداً خارقة للعادة ليكون قادراً على تأمين مستلزماتها المستقبلية بأفضل الاشكال.

12- أنه يعمل بشكل مخطط لا بصورة عفوية

 من الصفات الاخرى التي تميز المناضل عن غيره هي كونه يعمل بشكل مخطط ولا يتحرك بصورة عفوية بدون تفكير. لكي يستطيع المناضل أن يرفع انتاجية قوة عمله إلى الحدود القصوى وان يقطع المسافات الطويلة خلال فترة قصيرة، وان يصل إلى اهدافه المحددة لا بد له من ان يخضع حياته وعمله للتخطيط الصارم والبرمجة الدقيقة. وهو، لهذا السبب، مضطر لان يبرمج نشاطاته واعماله ويخطط لها بصورة مسبقة.

إن قوة التخطيط لدى الشعب الكردستاني ليست متطورة، فنحن نرى الفوضى ومظاهر العفوية منتشرة في كل مكان. لهذا فإن زيادة قوة التخطيط لدى المناضل وتطوير هذه الصفة عنده اكثر فأكثر يكتسبان قدراً اكبر من الأهمية.

ذلك هو الرد الوحيد على انعدام التخطيط عند الشعب. فالإنسان العادي في المجتمع الذي بلا تخطيط او برمجة، ليست لديه اية برامج يمكنه ان يسير عليها مما يجعله دائم الاضطراب والقلق وبالتالي فريسة سهلة، اما المناضل الذي يتحمل مسؤولية وجود شعب بأكمله فمضطر لان يخضع تحركاته واعماله كلها للبرمجة والتخطيط الدقيقين في ظل ظروف الإرهاب المسعور للثورة المضادة حيث الساحة ملأى بالجواسيس والعملاء والمخربين.

لا يعني التخطيط مجرد الاكتفاء بوضع الخطط المرسومة على الورق بل يعني ايضاً المباشرة بالتنفيذ العملي معه وقدراً اكبر من الانتاجية أيضاً، ان التخطيط يعني ترتيب البدائل والامكانيات ووضع الأكثر انتاجية في المقدمة ووضعها في سلسلة هرمية حسب أهميتها.

ما هي الاشياء التي سينظر إليها المناضل وكيف؟ من هم أولئك الذين سيقومون بدور الطليعة إزاءهم وكيف بدئنا من المركز وحتى الاطراف؟ ما هو العمل الذي سيقوم به أولاً؟ ما هو العمل الذي سيتركه إلى وقت آخر؟ جميع هذه الامور يجب أن تكون خاضعة للتخطيط الصارم والواضح، نجاح المناضل في عمله وعطائه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنجاحه في وضع الخطة الصحيحة والبرنامج السليم.

المناضل هو الشخص المنتج الذي يستخدم ليله ونهاره، صحته، سمعه وبصره بأفضل صورة ممكنة. إنه يخطط ليس فقط فعالياته التنظيمية بل حياته عبر تحديد ساعات المطالعة وساعات النوم وساعات العمل في اليوم ويسلك وفقاً لهذه الخطة، والمناضل الذي يحقق هذا كله هو مناضل بلغ مستويات اعلى وحقق انتاجية أفضل، غير ان من المعروف ان هناك اناس لا ينهضون حتى من النوم إلا بصعوبة ولا يقومون بأي عمل إلا إذا قيل لهم ولا يبادرون قط إلى تنظيم وتخطيط نشاطاتهم المختلفة. من المؤكد أن هذا ليس هو النموذج المطلوب بالنسبة للمناضل. فالمناضل هو الإنسان المنظم في مختلف مجالات الحياة، والذي يستطيع أن يقيم هذه الصفة بأفضل الاشكال. قد يكون هناك عمل مثلا يتطلب انجازه خلال شهر واحد مئة شخص ولكن بعض الناس لا ينجزونه إلا خلال سنة كاملة، من الواضح ان النموذج الاولى هو الافضل. ومثل هذا النجاح ينتج عادة من تنظيم العمل والتخطيط له بالدرجة الاولى.

في السابق تم ارتكاب العديد من الاخطاء في هذا المجال. فقد كان انعدام التخطيط والبرمجة هو السائد بين العديد من الكوادر. بل لم يكن احد تقريباً يعرف معنى التخطيط وكانت الاعمال تسيير بصورة عفوية.  كان غياب التنظيم هو المسطر على الحياة ونمطها كما على النشاطات والفعاليات. لم يكن واح يطرح الاسئلة على سبيل المثال : ما عدد الكتب التي ستقرأ؟ ماهي عدد ساعات العمل؟ وكيف يتم تنظيم الوقت ؟ فكانت الامور تختلط ويجري احلال احد الاعمال محل الآخر أو يجري تجاهل هذه الناحية أو تلك من نواحي النشاط بصورة كلية، من الواضح أن مثل هذه التصرفات تصرفات يجب ان تبقى بعيدة جداً عن المناضل وطريقة سلوكه.

ثانياً- المناضل بوصفه طليعة للشعب

 يشكل الموقف الثوري النضالي الصحيح احد اهم الركائز الاساسية والجدية لضمان تحقيق الانتصار بالنسبة لأية منظمة سياسية تضع قضية الثورة كقضية يجب حلها أمامها. فإمكانية التحول إلى حركة جماهيرية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بفهم حلقة واقع الشعب فهماً سليماً وصحيحاً. إن على المنظمة التي تعبر عن مصالح طبقة معينة ان تتمتع بالقدرة على فهم الطبقة التي هي طليعتها، والجماهير الشعبية كلها وعلى بناء العلاقة معها عبر اتخاذها مواقف واقعية وموضوعية منها.

إن تاريخ الصراع الطبقي غني بالتجارب الغنية والخبرات المتراكمة عن الموقف الذي يجب اتخاذه تجاه الجماهير الشعبية، وهذه التجارب العالمية الشاملة التي كلفت غالياً والملأى بالنجاحات جنباً إلى جنب مع الاخطاء والنواقص توفر امكانيات تحاشي الاخطاء كما تفتح افاقاً صحيحة في هذا الميدان. ان المواقف المغامرة والذيلية المغيرة عن الاتجاهات اليسارية واليمينية في ميدان العلاقة مع الشعب يجب ان تكون مرفوضة ومحظورة بالنسبة للثوريين. فالأول أي الموقف الفوضوي المغامر يعتبر الجماهير "قطعياً" و "رعاعاً" ونظراً لأنه لا يثق بالجوهر الثوري للجماهير الشعبية الواسعة انطلاقاً من القناعة بأن الابطال وحدهم يستطيعون تحريك هذا "الرعاع" فإنه يبتعد عن الشعب تماماً بدلاً من الذهاب إليه والاقتراب منه، اما الموقف الثاني فيؤدي إلى الانجرار وراء الشعب واللهاث خلفه والتحول ذيل له بدلا من التحول إلى طليعة تسيير أمامه. أن هذا الفهم يتجاهل حاجة الشعب إلى الطلائع واستحالة قيام الشعب وحده بدون الطليعة بأن ينظم نفسه ويبادر إلى التحرك والانتفاض. إن هذين المفهومين كليهما لا يستطيعان إدراك طبيعة العلاقة بين الطليعة والشعب فيبادر الاول إلى المبالغة في حين يعتبره الثاني غير موجود وبالتالي ليسا إلا موقفين تحريفيين. لذا فإن كلا من موقفي نسيان الشعب والشعبوية ليسا موقفين ثوريين, إن مهمة الثوريين وواجبهم يتركزان عل تطبيق الوعي النظري الثوري على قاعدة الواقع الشعبي بشكل صحيح وسليم وبمهارة وبالتالي لا بد لهم من إيضاح الشعب بصورة جلية.

من هو الشعب؟ ماهي الطبقات والفئات التي تدخل في هذا المفهوم كمفهوم؟ إن مفهوم الشعب كمفهوم عام يضيق ويتسع من حيث الإحاطة والمضمون وفقاً لمسيرة الثورة ومرحلتها ان جميع المتضررين من النظام القائم الذين لهم مصلحة في الثورة والذين يشكلون أوسع القطاعات والفئات يمكن اعتبارهم في إطار مفهوم الشعب. وحسب هذا التعريف يشتمل الشعب بصورة عامة على الطبقة العاملة والفلاحيين والبرجوازيين الصغيرة إضافة إلى المثقفين وبعض فئات الطبقات الاخرى حسب المرحلة التي وصلت إليها الثورة.

في هذا الإطار العام نجد أن الطبقات والفئات المعادية للاستعمار التركي في كردستان والتي تتضرر منه وتقف في وجهة تعترض على وجوده ولقائه وبالتالي تناضل في سبيل انهائه هي الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين والبرجوازية الصغيرة الحضرية كالإقطاعيين والتجار إلخ ... وسائر القوى الوطنية من الطبقات الحاكمة التي يجب أن نعبرها جميعاً في إطار مفهوم كلمة الشعب. غير أن هذا التعريف الذي يصلح في المرحلة التي تكون فيها الناحية القومية هي الغالبة في الثورة يضيق في مرحلة الثورة الديمقراطية الاشتراكية وفي ضوء هذا التعريف لا بد لنا من رسم صورة موجزة وعامة للشعب الكردستاني الذي ننتمي إليه ونعبر عنه.

يعيش الشعب الكردستاني في ظل الظلم القومي الشديد الذي يمارس ضده آلاماً عميقة اليوم كما في الماضي، ونظراً لان الرأسمالية الاستعمارية قد دفعت المجتمع إلى تمايز طبقي مشوه فقد غدا وجوده مطروحاً للمناقشة بعد أن اصبح غريباً عن نفسه وبعيداً عن هويته الحقيقية. إن فرض وجود واقع هذا الشعب من جديد وتمكينه من الوقوف على قدميه بعد استعادة لشخصيته الضائعة تقريباً لا يمكن ان يتم الا من خلال امتلاك الأسلوب الصحيح للتعامل مع الشعب.

يجب لفت الأنظار إلى بعض النقاط الهامة بشأن هذا الأسلوب في التعامل. ذلك لان التمايز الطبقي والصراع الطبقي المعروفين في العالم قد ساروا منطق مختلف كثيراً في بلادنا، يجب علينا الا نبحث عن مسار مشابه للصراع والتمايز الطبقيين الذين تما هنا.

لابد للمناضل الكردستاني من أن يعرف إنه في مواجهة مثل هذا الواقع وينطلق من هذه المعرفة ويتعامل مع الشعب عل أساسها. إن التعامل مع الشعب بشكل بهدف إلى كسبه وتوعية وتنظيم حتى اولئك الذين انزلقوا في مسار الخيانة تحت ضغط هذا الواقع الاجتماعي الرهيب يتطلب بالفعل توفر حساسية الفن ومهارة الفنان المبدع. ولدى التوصل إلى الادراك العميق لحقيقة ان الثورة هي من صنع مشاركة اوسع الجماهير الشعبية يتضح ان من الضروري توفر قدر كبير من الشعور بالمسؤولية وبذل الكثير من الجهود الخارقة والمتصفة بنكران الذات لإيصال ايديولوجية الحزب وسياسته إلى تلك الجماهير . وذلك يشكل مهمة حتمية بالنسبة للثوريين الملتزمين بقضية الشعب، وهذا يعني ان التعامل مع الشعب لا يجوز ان يكون إلا على أساس الشعارات والمواقف الايجابية. إن سرّ القوة النضالية لهذا الحزب أو ذاك يكمن في قدرته على إشراك الشعب في النضال الثوري، ما قاله الثوار الفيتناميون حين قالوا: "يجب أن تتحول كل قرية إلى قلعة، وكل خلية إلى هيئة اركان، وكل فرد إلى مركز للمقاومة" صحيح أضعافاً مضاعفة بالنسبة لكردستان.

ينبغي للتعامل مع القطاعات الشعبية أن يكون تعاملاً للتأثير المجيد والباعث على المجد للاشتراكية. وهذا لا بد له من ان يكون تعاملاً منسجماً مع قدرتنا الواعية في ميادين الايديولوجية والسياسية والعملياتية المستندة إلى مبادئ الاستقلال والديمقراطية والاشتراكية .إنه تعامل يستهدف تنظيم الشعب واستنهاضه للعمل وتتم ممارسة بالانطلاق من مبدأ التعلم من الجماهير وتعليمها.

بمعنى إبداء التواضع في التعامل مع الجماهير والتصرف باحترام، بتعليمها والتعلم منهما، بالإصغاء إلى كلامها وبجعلها تسمع الكلام.

لدى توجه المناضلين إلى الشعب يجب عليهم ان ينشروا الخط السياسي الصحيح للحزب لا خطهم هم. كما أن المناضل الذي يمتلك سائر المواصفات التي سبق لنا ان اثينا على ذكرها حتى الان يعرف جيداً كيف يعيش بين الشعب. ليس هناك أي سبب يمنع المناضل الذي وصل إلى مميزات نقل الوعي التي اوردناها من تعليم الشعب كل شيء والتعلم منه، ومن تنظيم هذا الشعب في كل المجالات، والمناضل الذي ينجز هذه المهمات يكون قد وصل إلى مستوى القائد الطليعي بالنسبة للشعب.

رغم الاهمية القصوى لأسلوب التعامل مع الشعب فقد جرت سلبيات كثيرة في هذا الموضوع سابقاً، فقد جرى التعامل معه مثل الأغواط حيناً وزعماء العشائر حيناً أخرى وصغار البرجوازيين حيناً ثالثاً. كما ان بعضهم كان يتصرف مع الشعب بذيلية في حين كان آخرون يضعون حواجز عالية بينهم وبينه ناعتين أفراد الشعب بأنهم "أناس صغار". لقد عالج التقرير السياسي النواقص التي تم الوقوع فيها سابقاً في هذا الموضوع قائلاً: "في السابق لم تكن جدية واهمية الروابط مع الجماهير مفهومة فهماً كافياً، لم يجر تقييم صحيحاً وكافياً مما ادى إلى تبديد الكثير من الطاقات والامكانيات. ان العلاقات الجماهيرية الواسعة جداً لحزب العمال الكردستاني والتي لا تتوفر لأية حركة اخرى قد تعرضت لقدر كبير من التخريب وخصوصاً على ايدي اولئك الذين لم يصبحوا شيوعيين حقيقيين بعد".

ان الشعب قيمة كبرى، وشعبنا نحن هو احد القيم التي ينبغي التعامل معها بأسمى آيات الاحترام، إن التعامل مع الشعب يجب أن يستند إلى تقديم اشياء له، وإلى الجدية المتناهية، ذلك هو الطريق الوحيد المؤدي إلى مرتبة المناضل الشعبي الممتاز وإلى تلبية ما ينتظره الشعب. على المناضل ان يكون قريباً من لغة الشعب وثقافته ومختلف قيمه الاخرى، كما ينبغي له ان يدافع عن هذه القيم وصولاً إلى الاتحاد والاندماج مع الشعب على هذا الاساس. فكما قال لينين ايضاً ان توحيد التجارب والقيم الشعبية النابعة من اعماق التاريخ تحت التأثير المنظم والمعلم والدافع إلى النبل والعظمة للاشتراكية يعني بناء الحزب بصورة عامة ويجد تعبيره في المناضل بشكل خاص.

وفي موضوع العنف أيضاً يجب على المناضل ان يكون ناجحاً في عملية الجمع بين الغضب الواعي والمنظم للثوريين والغضب اللاواعي وغير المنظم للشعب، وتتجسد هذه الميزة في المناضل على شكل صيرورته محارباً ومقاتلاً شعبياً. ذلك يعني ان المناضل مسؤول عن تعليم الشعب لا السياسة فقط بل والحرب ايضاً .وبهذا المعنى لا بد للمناضل الذي هو طليعة الشعب من ان يكون مقاتلاً ايضاً في سبيل قضيته، ان وضع المناضل هو وضع الطليعي الذي يعلم  الشعب كيف يحارب، ويتعامل مع المواقف بالأساليب المناسبة للنضال والقتال، ويحول ابناء الشعب إلى مقاتلين. ولأن الشخصية عندنا ستتشكل على قاعدة الحرب التحررية القومية والوطنية لابد للمناضلين من ان يتحلوا بالصفات القتالية والكفاحية الواضحة، وذلك ضروري حتى يستطيع المناضل ان يكون طليعة وقائداَ عسكرياً إلى جانب كونه قائداً سياسياَ للجماهير. ويستوجب هذا معرفة قواعد الحرب معرفة جيدة، وفي مقدمتها امتلاك الخبرة الكاملة بالسلاح ويطرق استخدامه. من الواضح ان الذي يخاف الدعاية المسلحة ويعجز عن ادراك مدى اهميتها عندنا لن يكون جديراً بصفة المواطن ناهيك عن وصوله إلى مستوى المناضل، على سائر سمات المناضل ان تتكرر مرة اخرى في هذا المجال ايضاً، لأن تحرر كردستان يمر عبر الحرب التحررية، عبر استخدام السلاح بعبارة اوضح واكثر صراحة، ليس هذا مجرد كلام بل ضرورة حتمية تفرضها ظروفنا القومية والاجتماعية فرضاً.

بوصفه قائداً شعبياً ومقاتلاَ شعبياً يجب على المناضل ان يثمن الشعب عالياً. ان يتعامل معه بالأساليب المناسبة متحاشياً سائر المواقف وأشكال السلوك المهنية والمستخفة وغير المفهومة، ولا بد له من ان يكون بالغ الحذر في علاقته مع الشعب، يجب عليه ان يتحاشى الاساءة ويكون قادراً على استخدام لغة مفهومة وواضحة لدى مخاطبته للشعب، ان المناضل مضطر لان يمتلك اسلوباً صحيحاً، من الواضح ان الذي لا يفهم هو نفسه من الكلام الذي يقوله أي شيء لن يفيد الشعب في أي شيء. نستطيع ان نورد عدداً كبيراً من الامثلة  السلبية في هذا المجال في مجتمعنا، فمن اولئك الذين يصمتون صمت القبور بعد التفوه بكلمتين كما لو كان الله سيكمل الباقي وحتى الذين يثرثرون بكلام لا يفهمون مضمونه هم انفسهم. هنالك انماط بالغة الغرابة عندنا. واضح ان امثال هؤلاء ليسوا مناضلين بل نماذج جديرة بالرثاء. فالمناضل يتحدث بلغة بليغة ويوصل محتوى موضوعه الجوهري إلى من هم حوله من رفاق النضال والجماهير بأسلوب قوي ومؤثر. من الطبيعي ان يكون المناضل المكلف بالتأثير على الجماهير واستنهاض حجمها ونوعيتها مضطر لأن يمتلك مثل تلك السمات. ورغم هذه الضرورة مازال هناك عدد من المناضلين الذين لم يبلغوا بعد إلى مستواها مما يجعلهم عاجزين عن قول الكلام المناسب في المكان والزمان المناسبين غارقين في تكرار الثرثرات التي لا معنى لها، ومثل هذا الوضع يلحق اكبر الأذى بقضية النضال.

ان مخاطبة الجماهير بلغة مفهومة تستوجب في الوقت نفسه اتقان فهم واستخدام اسلحة الدعاية والتحريض بشكل جيد وناجح. ان للشكل ايضاً اهمية توازي اهمية المضمون. فالمناضل الذي لا يوصل افكاره إلى الجماهير عن طريق الدعاية والتحريض لن يستطيع استنفار هذه الجماهير وتعبئتها. نستطيع ان نقول ان طريق التنظيم يمر عبر الدعاية والتحريض. ولذا لا بد للمناضل ان يفهم هذا السلاح فهماً عميقاً حتى يصبح داعية ومحرضاً ماهراً. لان ذلك هو السلاح الاهم في العلاقة مع الجماهير، اما الدعاية والتحريض الموجهين إلى الجماهير فيجب أن يكونا واضحين وبمحتوى جوهري، مفهمومين من قبل الشعب. يؤكد ديمتروف على هذه النقطة إذ يقول: "علينا ان نتعلم لغة المكافحين في سبيل قضية الجماهير، لغة تعكس اعماق عواطف ومشاعر ملايين الناس في كل كلمة او فكرة، لا لغة القوالب الجامدة المأخوذة من الكتب، في حديثنا مع الجماهير". نعم على المناضل الا ينسى لحظة واحدة ضرورة الالتزام بمبدأ هوية الذي يكتب من اجله او يتوجه بكلامه إليه وضرورة التحرك بكثير من الوعي في هذا المجال، والا فلن يستطيع ان يصبح قائداً شعبياً ومقاتلاً من اجل قضية الجماهير، كما لن يستطيع ان يقوي علاقاته بهذه الجماهير وأن يستنهض هممها. لأن الجماهير لن تفهمه ولن تأخذه محمل الجد. مثل هذا الوضع يؤدي بالضرورة إلى انقطاع الصلة بالجماهير وبالتالي إلى دمار المناضل وزواله. إن طريق تعزيز الروابط مع الجماهير يمر عبر معرفة طريقة التعامل معها، عبر التواضع في التعامل معها، عبر سعة الصدر والاستعداد للعطاء. اما الذين ينسون مسؤولياتهم تجاه الشعب ويتهربون من اداء واجب تعليمه ويتصرفون بلا مبالاة مع الجماهير فليسوا إلا ليبراليين نموذجيين.

يقدم ستالين مثالاً مثيراَ في موضوع الاهمية الحيوية الحاسمة للعلاقات التي يجب ان تقام مع الجماهير إذ يقول: "سيكون البلاشفة قوة لا تقهر طالما حفظوا على علاقاتهم مع الجماهير الشعبية الواسعة تلك هي القاعدة التي لا تقبل الجدل، وعلى النقيض، فإنهم معرضون لأن يفقدوا كل قوتهم ولأن يتحولوا إلى إطار فارغ ومتفسخ لحظة ابتعادهم عن الجماهير، وأن يفقدوا الصفة بها لحظة انعزالهم عنها تراكمت عليها طبقة من الصدأ البيروقراطي".

تقول الاساطير ان البطل الاسطوري اليوناني القديم الشهير أنتيوس كان ابنا لإله البحر بوزيدون والهة الأرض غيبا. وكان أنتيوس شديد الارتباط بأمه التي أنجبته وأرضعته ورعته. لم يكن هناك أي بطل لم يهزمه أنتيوس هذا. وكان الجميع يعتبرونه بطلاً لا يقهر. اين كانت تكمن قوته؟ كانت هذه القوة تمكن في ملامسته للأرض التي أنجبته وأرضعته لدى احساسه بالخطر، تكمن في ملامسته لهذه الام التي كانت تبادر إلى شحنة بالمزيد من القوة والطاقة. غير أنه كان ينطوي على نقطة ضعف معينة هي خطر انفصاله عن الأرض بطريقة أو بأخرى .

كان الاعداء يعرفون هذا النقض ويحاولون اقتناص الفرصة المناسبة. وذات يوم استطاع أحد الأعداء ان يستفيدوا من هذا الخلل. وألحق الهزيمة بأنتيوس. كان هذا هرقل. فكيف استطاع هرقل ان يهزم أنتيوس؟ استطاع ذلك عن طريق فصله عن الارض برفعه عنها وابقائه مرفوعاً في الهواء بدون ان يسمح له بملامسة الارض حتى خنقه في النهاية.

اعتقد ان البلاشفة هم مثل البطل الأسطوري اليوناني أنتيوس. مفهم ايضاً مثل أنتيوس، يتمتعون بإمكانية البقاء غير قابلين للهزيمة طالما حافظوا على صلابتهم بأمهم التي انجبتهم وارضعتهم ورعتهم، هذه الام العظيمة التي هي الجماهير، ذلك هو السر في كون البلاشفة والقيادة البلشفية قوة لا تقهر، هذا يعني ان ضمانة انتصار طليعة الشعب ومقاتله المكافح تكمن في الروابط التي لا تنفصم مع الجماهير، وهذه الحقيقة تعبير واضح عن الضرورة القصوى لتوخي الحذر والحساسية القصوى في العلاقة مع الجماهير ولاستخدام جميع الأساليب والامكانيات بمهارة فائقة في سبيل تنظيم هذه الجماهير وتعبئتها.

من النقاط الأخرى المهمة التي يجب التوقف عندها في موضوع العلاقات مع الجماهير، شكل تناول التناقضات بين صفوف الشعب،   فمن الضروري فهم التناقضات الموجودة بين فئات الشعب فهماً صحيحاً وواقعياً دون الوقوع في الردود الآنية والاهتداء إلى أساليب وطرق الحل الصحيحة لها، فالعامل الاساسي لتوزع مختلف الطبقات والفئات في اثناء الثورة هو توحيد وتطوير جميع القوى ذات المصلحة في الثورة وكسب القطاعات والفئات المتوسطة، وعزل العملاء واعداء الثورة وبالتالي لا بد من معرفة الوقت المناسب، من الممكن التوفيق بين والمستِغلين والمستغَلين في المرحلة الوطنية والقومية للثورة. ولدى التغاضي عن هذه الامكانية قد يبرز التناقض إلى السطح مما يؤدي إلى الحاق الضرر بواقع التحرر الوطني. أن التناقضات التناحرية بين القطاعات التي تدخل في إطار تعبير الشعب تبقى ثانوية في اثناء المعارك النضالية ضد الإمبرياليين والمستعمرين. من الطبيعي ان هناك تناقضات بين الجماهير الشعبية بشكل دائم. غير إن هذه التناقضات مثلها مثل مفهوم الشعب تختلف من حيث المضمون والشمولية باختلاف مراحل الثورة، أما النقطة التي يجب الانتباه إليها هنا فهي المبادرة إلى وضع حد واضح وفاصل بين التناقضات غير القابلة للحل بين الشعب والعدو من جهة والتناقضات القابلة للحل والاتفاق حولها بين فئات الشعب المختلفة. ذلك يعني ان الوصول إلى امتلاك القدرة على تحديد الطريق بمهارة ممكنة في جانب منه من خلال تأمين الموقف الصحيح إزاء هذه التناقضات.

إذا ما ألقينا نظرة على واقع البلدان التي أنجزت استقلالها فإننا نرى أن التناقضات الموجودة بين صفوف الشعب وفئاته تحظى باهتمام كبير، حتى أن بعض الحالات شهدت حوادث كسب قطاع الطرق وتسخيرهم في القتال بعد تدريبهم. إن عملية كسب هذه القطاعات المتأرجحة التي يصعب تدريبها وتنظيمها لا تتم إلا  من خلال مواقف التعاون والعمل المشترك والنضال سوية. من الخطأ إغلاق المسألة من خلال الزعم بأن تلك ما هي إلا "جماعات من قطاع الطرق". هذه الظاهرة المنتشرة في كردستان، أي ظاهرة "العصيان وقطع الطرق" ليست إلا تعبيراً عن رد الفعل الفردي، ونتيجة طبيعية لسلبيات النظام القائم وتخريباته المختلفة والكثيرة. إنها شكل من اشكال المقاومة المنحرفة أو المشوهة. اما اكتساب تلك العناصر بعد تمكينها من بلوغ مستويات عليا من النبل تحت التأثير الايجابي والنبيل للاشتراكية وضمان تحويلها إلى عناصر مفيدة بالنسبة لنضالنا التحرري الوطني والقومي. أو إعاقة عملية تحويلها إلى مصادر للأذى والضرر على الأقل، فأنها قضية بالغة الاهمية بالنسبة لمجتمع صمم على النضال وبادر إلى تجميع جزئياته المختلفة في إطار واحد مثل الذرة.

يجب حل التناقضات الايديولوجية الموجودة بين فئات الشعب بأسلوب الاقناع والتعليم لا أساليب الاكراه والقسر "العشائرية والطائفية.. الخ". إن مطالبة الناس المتمسكين واستخدام اساليب القهر لتحقيق ذلك تنطوي على الكثير من الاخطار فضلاً عن انها مستحيلة.

ذلك يعني ان من الضروري إبداء قدر كبير وخاص من الحساسية والحذر ولاسيما في الواقع الكردستاني إزاء موضوع المواقف والروابط والعلاقات بالنسبة للجماهير. يجب أن يكون معلوماً أن تحقيق اشتراك شعب ممزق ومبعثر في حرب المقاومة يبقى مستحيلاً إلا إذا استطعنا ان نوحد حزب عمال كردستاني قوي له أوثق مع اوسع الجماهير الشعبية الكادحة.

ثالثاً - على المناضل معرفة كيفية:

- صنع الحياة من الموت

ما هو الموقف الذي يجب على المناضل أن يتخذه تجاه الاعدامات والمذابح التي ينفذها العدو وحوادث الاستشهاد خلال العمليات العسكرية وداخل الزنزانات، وحوادث الموت العادية؟

يعيش المناضل قبل كل شيء من أجل حزبه، من أجل الثورة، ومن أجل الشعب. لهذا السبب يكون لحياته معنى معيناً. ونحن نعرف جيداً أن الحزب هو أعلى وأسمى سلطة ومرجع وأكثرها حماساً. وفيما يستغرق الحزب غارقاً في عملية الاستعداد نفسها. ويؤدي هذا إلى بروز حياة جديدة بالنسبة للشعب. أما حياة المناضل فليست إلا حياة مكرسة لبلوغ هذه الأهداف. من الواضح أن هذه الوضع يقدم معيار سلوكنا ومواقفنا إزاء الموت. إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة للحزب من أجل الثورة ومن أجل مجتمع حر وامة مستقلة تنعم بالحرية. إذا كان الاستمرار في حياة يساهم في تعزيز هذه القيم فإننا مطالبون بالعيش، ويجب علينا أن نعيش. غير أن هناك منعطفات تكون فيها الحياة بمثابة الابتعاد عن القيم وتلاشي هذه القيم بالتالي. عندئذ من الواضح أن ما هو متوفر في هذه الحالة ليس هو طريق الحياة بل الموت المؤكد. في مثل هذه المنعطفات يجب على المناضل أن يعرف كيف يعانق الموت بدون أن يرف له جفن.

وقد نعيش هذا الواقع بشكل مثير جداً وخصوصاً في السجون والمعتقلات. لقد فرض العدو وضعاً غدت فيه الحياة مقابل الخيانة، غدت فيه الحياة الدنيئة ممكنة فقط على أساس خيانة القيم والمثل النبيلة. فقد وعد الثوريين الذين أخضعهم للتعذيب بالإبقاء على حياتهم مقابل تخليهم عن أهدافهم قائلا: "أترك الحزب! تخل عن التحرر الوطني والقومي الذي يناضل الحزب في سبيله! اترك الدعاية والتحريض الحزبيين! إذا فعلت فإن طريق الحياة مفتوحة أمامك". حاول أن يفرض الاستسلام على الثوريين بهذه الطريقة، وقدم لهم وعوداَ وإغراءات أخرى. من المعروف أن صغار البرجوازيين التافهين الذين خانوا القضية وساوموا العدو مقابل ملعقة من الحساء حصلوا على فرض الحياة بلا تعذيب وعلى امتيازات أخرى. أما الثوريين الذين لم يتخلوا عن المثل التي يناضلون في سبيلها فقد نالوا بالمقابل أشكالاً لم يسبق لها مثيل في العالم من الموت وأجبروا على أن يعيشوا حياة ملأى بالتعذيب والمذابح الشنيعة. لقد لعب العدو لعبته هذه بصورة مكشوفة. ورداً على العدو الذي قدم الخيانة بوصفها طريقاً للحياة، وقع اختيار رفاقنا على الموت والاستشهاد رافعين "راية المقاومة هي الحياة" لم يقع اختيار رفاقنا بدون مواصفات بل على الموت المستند إلى المقاومة وأطلقوا على مثل هذا الموت أو الاستشهاد اسم الحياة. قالوا إن الموت والاستشهاد على طريق المقاومة هو الحياة ذاتها، ذلك هو اسم الحياة الحقيقية. وهكذا صار الخلود، الحياة بمعنى آخر ، كامناً في قلب الموت.

هناك موقفان مختلفان من الموت: أصحاب الموقف الأول هم أولئك الذين يتخلون عن جميع المثل والقيم التي يحملونها خضوعاً لألاعيب العدو ومؤامراته. كما حصل في حادثة شاهين دونمز وأتباعه، بعرض فرصة "الحياة" مقابل كيل الشتائم للتنظيم، مقابل الخيانة. غير أن هناك من فضلوا اختيار الموقف الثاني بالمقابل أيضاً. وفيما كان الموت عينه متجسداً في الحياة في الحالة الأولى، كانت الحياة والخلود هي المتجسدة في الموت في الحالة الثانية.

بمعنى أننا رأينا الموتى الذين ابقوا على حياتهم عبر الانزلاق في مستنقع الخيانة والانخداع بتضليل العدو مقابل أولئك الذين خلدوا وعاشوا فعلاً من خلال مقاومة العدو والوقوف في وجهة كالأطواد بدون انحناء أو تنازل، إن النتيجة الوحيدة المستخلصة هي ضرورة رفض الحياة الزائفة التي يقدمها رفضاً قاطعاً؛ هي أن الحياة عبر التخلي عن الحزب والثورة ليست إلا موتاً محققاً، في حين أن الموت عبر الالتزام بالقيم والمثل بالمقابل هو الحياة عينها والخلود نفسه، وقد حوّل رفاقنا الاستشهاد في معارك المقاومة إلى خلود. وقد قاموا بذلك بشكل يثير الاعجاب والاحترام والمحبة على المستوى العالمي.  فالموت الحقيقي هو القبول بالاستمرار في الحياة في ظروف غير لائقة وغير مقبولة يجب رفضها. وفي بعض الأحيان تكون الحياة، أي الخلود، وجوهرها مخبوءاً حيث الموت، إن مثل هذا الموت يكون بمثابة الاستطالة نحو المستقبل مما يحيله إلى الخلود على شكل استعادة الحياة للحزب والشعب والأمة من حيث الجوهر، وإن بدت الحادثة موت من حيث الشكل.

ينبغي لهذا الموقف أن يكون موقفاً دائماً لا موقفاً عابراً بطبيعة الحال فمن الضروري النظر إلى حادثة الخلود لا بوصفها مسألة آنية ومؤقتة بل باعتبارها قضية مستمرة مع معرفة اسلوب العيش المتناسب مع ذلك. يجب على المناضل أن يحافظ على حياته عند اللزوم وذلك حين تكون حياته قادرة على الاسهام في تطوير العمل، أما عندما تغدو عقبة في طريقها فيجب عليه أيضاً أن يعرف كيف يموت. على من يعرف جيداً أين وكيف يموت يجب أن يساهم في النضال، أن يدفع به إلى الأمام. على المناضل لدى تفكيره بمسألة الحياة والموت أن يقيم هذه المسألة من زاوية المساهمة في تعزيز الحزب والثورة ومصلحة الشعب وأن يختار أحدهما وفقاً لذلك. لذا فإن المناضل هو ذلك الذي يعرف أين يجب أن يموت كما يعرف أين يجب أن يعيش.

إذا تركنا الكلام لشهداء المقاومة في حزب العمال الكردستاني الذين قدموا أروع الأمثلة في هذا المجال بدون أن نطيل في الحديث فإن المسألة سوف تكتسب مزيداً من الوضوح. نستطيع أن نؤكد أن هذه الشخصية التي قدمها حزب العمال الكردستاني هي النموذج الأسطع الذي يبشرنا بالنصر القادم، كما نستطيع أن نقيمها بوصفها أسلم معيار لإحياء تقاليد المقاومة ذات الجذور العميقة في تاريخنا  ،وأسطع أمثلة البطولة والشجاعة مجسدة في ضوء الظروف الايديولوجية والسياسية والتنظيمية الحديثة. فقد تم ابداء أروع البطولات إزاء أكثر الأمور إثارة للرعب في النفس البشرية مثل الموت بصورة أصحاب المجد والنبل. إن سمات كلام هؤلاء الرفاق لدى موجهة الموت بالذات يكفي ليعطينا درساً بليغاً حول الموقف الذي يجب أن يتخذه المناضل الثوري في اللحظة الأخيرة من حياته.

إن آية المقاومة الرائعة التي سطرها الرفيق جمعة طاق ومجموعته معروفة جيداً. كانت هذه مقاومة للموت، مواجهة لحادثة الموت وجهاً لوجه، كانت مقاومة تمت في ظل الحصار الشديد واللئيم للعدو، في شروط الأسر التام، كانت مقاومة حقيقية رغم ذلك. كانت مقاومة تمت عبر الالتحام الذي دام أياماً وجهاً لوجه مع الموت المؤكد في كل لحظة في ظل الحصار المضروب والمذابح المنظمة من قبل العصابة التي هي وصمة عار في جبين شعبنا، عصابة العميل الجاسوس والخائن في كردستان. كانت مقاومة احتلت مكانة رائعة وممتازة في تاريخنا لأنها مقاومة تم ابداؤها في ظل أسر العدو وحصاره. ولدى مواجهته للموت عبر الرفيق جمعة طاق عن موقفه من الموت على النحو التالي: "أنا ورفاقي مقاتلون ننتمي إلى حزب العمال الكردستاني، إننا نناضل ضد كابوس الدولة التركية على صدر كردستان، ضد أشكال الظلم الت يمارسها الاغوات أمثال جلال بوجاق الذي يستخدمكم كالآلات ضد الشعب، إننا جنود نخوض حرباً مشروعة ونبيلة.

إننا مستعدون لأن نموت، إذا متنا، في سبيل استقلال وطننا وتحرر شعبنا. أما السؤال فهو: ما الذي تقاتلون أنتم من أجله؟ لماذا تقبلون على الموت؟ ألا تقاتلون من أجل الدولة التركية التي تسحقكم ليل نهار وفي سبيل الأغوات الذين يمارسون مختلف أشكال الظلم ضدكم ويمتصون دماءكم كالعلق؟ إننا سنموت بشرف واباء بدون أن نلتفت إلى الوراء، أما أنتم فسوف تظلون تموتون مراراً كل يوم في هذا الطريق الدنيء والحقير. هل تستطيعون أن تعدوا نساءكم وأطفالكم وأقرباءكم بشيء غير الجوع وحياة الذل والهانة؟ ... نفذ الرصاص منا. اعطونا ذخيرة ولنستمر في القتال ضدكم! قد نموت نحن ولكن الشعب الكردستاني بقيادة حزب العمال الكردستاني لن يموت. عاجلاً أو آجلاً ستحقق الراية الحمراء التي نرفعها بشرف واباء، النصر المؤزر. أما أنتم فسوف تتعرضون للهزيمة النكراء عندما يقوم الشعب الكردستاني بقيادة حزب العمال الكردستاني بتصفية "الاقطاعيين الكومبرادوريين" اعداء الشعب والوطن وأعوان الجمهورية التركية. يسقط الاستعمار! يسقط الاقطاعيون الكرد الخونة وزعماء العشائر العملاء! عاشت كردستان الديمقراطية! عاشت البروليتارية الكردستانية وعاشت طليعة شعبنا العظيمة حزب العمال الكردستاني!".

هناك نموذج اخر في هذا المجال هو مثال مقاومة الرفيق أورهان آيدن. صدر حكم بالإعدام بحق هذا الرفيق كما هو معلوم ولكنه لم ينفذ بعد. غير أنه في تلك الظروف كان من الممكن تنفيذه وكان الهدف هو هذا. وكان حكم الاعدام هذا قد صدر لزرع روح اليأس والاستعداد للاستسلام بين الرفاق بغية كسر المقاومة التي ظلت صامدة ومستمرة رغم مختلف اشكال التعذيب والتنكيل في زنزانات سجن ديار بكر. ولهذا السبب قدم للرفيق اورهان آيدن عدد من العروض بهدف دفعه للاستسلام، وتخليه عن قضيته مبدياً الندم، إذا ما طلب الرحمة، كما عرض للضغط والتعذيب ولكن الرفيق آيدن الذي احبط كل اساليب القهر والخداع او الشراء بالإغراءات واتخذ موقفاً ثابتاً ومقاوماً من اعواد مشانق الجلادين وقال في رسالته المشرفة وذات الاهمية التاريخية عن موقفه من الموت ما يلي:

"أيها الرفاق؟ سأغادركم بعد فترة قصيرة لدى تنفيذ حكم الاعدام الصادر بحقي من المستعمرين الفاشيين نتيجة الموت الذي هو نهاية كل إنسان. كم كنت أريد ان أموت بعد كفاح اطول ضد الاستعمار التركي الفاشي والاقطاع "الكومبرادوري" قبل أن ارحل بعيداً عنكم! كانت أمنيتي أن أقاتل معكم كتفاً إلى كتف وأن المح الفجر الاحمر الذي سيلوح في الافق، أن أرى البنية الحمراء الساطعة الغارقة في الشمس، مع ثقتي الكاملة واللانهائية بهذا المستقبل.

يمكن للموت نفسه ان يكون ثمن "الحياة النضالية" التي لا يمكن ان تكون بلا ثمن. ان صفحات التاريخ مرصعة بالعديد من النماذج من اولئك الذين أقبلوا على الموت دون تردد ولو للحظة واحدة وبدون غياب هذه الحقيقة عن أذهانهم ولو لثانية واحدة، وبدون تقديم أي تنازل للعدو بشأن القضية التي يناضلون في سبيلها، واولئك الذين عرفوا كيف يموتون مازالوا يعيشون وتتراءى ارواحهم امام عيني. فسائر شهداء الثورات الذين جلدوا مقابل تقديم حياتهم على أعواد المشانق أو ساحات الاعدام رمياً بالرصاص عبر معارك النضال الثوري مازالوا يعيشون مشاعل نور أبدي في قلوب البروليتاريا العالمية والشعوب المضطهدة. إن "فان تروا"  الذي ظل يقول: "عاش قائدنا هوشي مينه". "عاش الشعب الفيتنامي" حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وعانق الموت بجرأة وبطولة أي يبدي ذرة واحدة من الندم واليأس لدى اسناد ظهره إلى الجدار تمهيداً لإعدامه رمياً بالرصاص، رمزاً للشباب ومثال علينا أن نحتذى به، إن هؤلاء سيظلون "إعصاراً ثورياً" حياً وخالداَ في ذاكرتي حتى اللحظة الأخيرة.

ما من شيء في الدنيا أنبل وأغلى من النضال الثوري غير أنه اصعب، فطريق النضال الثوري متعرج، وعر، بالغ الصعوبة. يستحيل الاستمرار في النضال بدون الاصطدام بالعقبات ومواجهة المصاعب والضغوط. بل ومن المؤكد ايضاً ان السقوط "أي الموت" هو من اقوى الاحتمالات بالنسبة لمن يسير في "طريق النضال" وهذه الحقائق تتجلى بصورة براقة خصوصاً في كردستان حيث يجري اغراق أي تحرك مهما كان بسيطاً في بحار من الدم، في غابة من اعواد المشانق، في سيل من البارود والنار، في هذه اللحظات القليلة الباقية من حياتي المحدودة حيث اواجه الموت نتيجة لقرار الاعدام الصادر عن المحاكم الفاشية للمستعمرين الفاشيين الاتراك قبل رؤية النتيجة المقدسة للنصر في طريق النضال من اجل "الاستقلال والحرية" الذي اخترته مدركاً انه ينطوي ايضاً على الموت تحت قيادة حزب العمال الكردستاني، أفكر بنقطة واحدة هي كيفية إبداء الصمود والثبات لدى الذهاب إلى عود المشنقة بدون أن أنحني أمام المستعمرين الفاشيين والجلاد الكلب المسعور الذي يسيل لعابه. ان المطلوب ايها الرفاق هو احياء روح المقاومة المعهودة للحزب، هو معرفة طريق إلحاق الهزيمة بالعدو.

إن هذه المرحلة التي نواجهها اليوم في كردستان هي واحدة من المراحل المتكررة التي شهدت إعدام شعبنا على أعواد المشانق المنتشرة من أدنى البلاد إلى اقصاها بهدف إدامة الهيمنة الاستعمارية التي تعرضت للضعف بين الحين والآخر وإطفاء جذوة التمرد المتقدمة وخلق اجواء الخنوع والصمت والخضوع عبر إخافة الشعب. فالمستعمرون الأتراك الذين شنوا حرباً مباشرة ضد حركتنا بالاستناد إلى الأحكام العرفية التي فرضوها على معظم الاراضي الكردستانية في اعقاب "مذبحة مرعش" التي خططوها لها هم بالذات لم يستطيعوا منع "نار الثورة" من أن تلف شعب كردستان كما لم يستطيعوا إبادة حركتنا حركة حزب العمال الكردستاني التي كانوا يخططون للقضاء عليها من خلال تكثيف هجماتهم بغية قطف الثمار المرجوة بسرعة. ان تطور نضالنا من اجل الاستقلال يؤدي إلى زيادة سعار المستعمرين الفاشيين الذي تضيق الانشوطة حول أعناقهم فيصابون بالرعب الشديد. إن الحركة الانقلابية الفاشية التي نفذوها في 12 ايلول والذين عجزوا مع ذلك عن إنزال الضربة المميتة بحركة العمال الكردستاني ووضعوا أمامهم هدفاً استراتيجياً يتركز على خلق جو من اليأس والخنوع والسلبية عبر إغراق الشعب في بحر الخيبة من خلال تعليق المئات على أعواد المشانق بعد إصدار سيول من الاحكام الجائرة بالإعدام في محاكمهم الشبيهة بمحاكم "الاستقلال" الشهيرة أثناء انتفاضات ديرسيم وثورة الشيخ سعيد، من أجل قطع الصلة بين الشعب وبين حزب العمال الكردستاني تمهيداً لسحق الاخير سحقاً كاملاً وزرع الرعب في أرجاء البلاد وبين صفوف الشعب. إن محك السلوك والموقف الثوريين في هذه المرحلة هو: هل نحيي روح المقاومة التقليدية لحزب العمال الكردستاني أم لا؟ وهل نحن مستعدون لان نناضل في هذا السبيل ام لا؟.

هل سينجح الاعداء في تحقيق هدفهم الاستراتيجي هذا ام لا؟ لا، لن ينجحوا بالطبع. قد يتمكنون من إحراز بعض النجاحات التكتيكية ولكن هزيمتهم على المستوى الاستراتيجي مؤكدة مثلما من المؤكد أيضاً أن النصر سيكون لحزب العمال الكردستاني طليعتنا المجيدة وللشعب الكردستاني بقيادة هذه الطليعة. إن الأعداء محكومون بأن يتشتتوا ويموتوا اختناقاً في "إعصار الثورة" الذي ستخلفه الانفاس الأخيرة للرفاق الذين يستشهدون على أعواد المشانق، ومن الجدير بالذكر ان المرحلة التي نحن فيها ليست شبيهة بمرحلة التمردات التي كانت في الفترة الممتدة بين 1925 و1940 ان هناك الان جملة كبيرة من العوامل الايجابية المساعدة على تحقيق النصر، ان "شجرة الاستقلال والحرية" التي زادت قوة بدماء شهداء الثورة الكثيرين مثل حقي قرار الذي كان أحد قادة الحركة والذي قتله عملاء المستعمرين.

وكذلك أبطال شكستون الذين قاتلوا العدو حتى القطرة الأخيرة من دمائهم، والمقاتلين الثمانية أعضاء P K K الذين استشهدوا في المقاومة الأخيرة التي حدثت في قزل تبه، والرفيق الشهيد الذي لا يقهر دليل دوغان الذي قاتل العدو حتى الرمق الأخير، رجلاً برجل إضافة إلى شهداء الثورة الآخرين، امتدت جذورها أعمق فأعمق في تربة كردستان وتطورات أكثر فأكثر وراحت تنشر المزيد من الرعب في قلوب المستعمرين الاتراك وفي قلوب مرتكزاتهم الداخلية المؤلفة من الاقطاعيين الكومبرادوريين وسندهم الخارجي من الامبرياليين. على المستعمرين الفاشيين في هذه المرحلة الذين يزعمون بأنهم اختاروا فيها هدفاً استراتيجياً لهم يتركز على "ضرورة تقليم اغصان شجرة الاستقلال والحرية الزهرة" بغية تأخير نهايتهم المحتومة، ان يعرفوا جيداً بأنهم، من خلال هذه التصرفات سوف يساهمون في زيادة قوة وازدهار "شجرة الاستقلال والحرية" التي ستتحول إلى شبكة أخطبوطية تخنقهم والقضاء عليهم قضاء نهائياً وكاملاً.

فهم قد يستطيعون إنهاء وجودنا كأفراد من خلال أعواد المشانق ولكن حركتنا ستبقى، حزبنا حزب العمال الكردستاني سيبقى, فحزب العمال الكردستاني باقٍ طالما هناك شخص واحد يقاوم في كردستان ولن يكون النصر إلا من نصيب شعبنا بقيادة حزب العمال الكردستاني، قد يستطيع الاعداء ان يحققوا نوعاً من النجاح والسيطرة عبر سلسلة الاعدامات الطويلة كما قد يتوهمون بأنهم يستطيعون إضعاف الحركة من خلال إرسالي أنا مع عدد من الرفاق إلى أعواد المشانق. نعم نحن قادمون من حلقات ضعيفة ولكننا مفعمون بالحياة، أما هم فليسوا إلا عجائز خرجت من القبور لا تقوى حتى على التكاثر. إن المستعمرين الفاشيين الأتراك الذين يزدادون سعاراً كلما اقتربت نهايتهم محكومون بالموت مهما فعلوا مثل كلاب مسعورة، في حين ان النصر سيكون للشعب الكردستاني. بهذا الإيمان العميق سأرحل عنكم، غير أنني سأكون مطمئناً، فثقتي اللامحدودة بقائدنا الذي هو حزب العمال الكردستاني ستجعلني إنساناً لا يمكن قهره أو دحره.

كنت موفقاً لأنني - ذات يوم - سأواجه التجسيد الحي لشعار " اهلاً بالموت كيفما جاء وحيثما أتي". وبمثل هذا الوعي استقبلت حكم الاعدام الذي صدر بحقي بأعصاب باردة وسأحاول أن أبقى هكذا بالاستناد إلى إرادتي الثورية حتى اللحظة الاخيرة. ومما تجدر الإشارة إليه أن "الموت في سبيل الثورة دون غيرها" الذي واجهني من بين اشكال الموت الاخرى التي تعرضت لها باعث على السرور والرضى في أحد جوانبه، كونوا على ثقة تامة بأنني لن ارحل عنكم الا وانا مطمئن تمام الاطمئنان إلى لأنني نفذت مهمتي الثورية الأخيرة بوعي كامل. ففي تلك اللحظة الأخيرة سأبقى متمسكاً برأي حزب العمال الكردستاني وأمانة شهداء الثورة مع الالتزام العام بالحزب ومبادئه وبشكل يليق به، وسأعرف كيف أشحذ إرادة النضال المتجسدة في كلمات احد الرفاق حين قال: "نحن اناس تعرف كيف تحقق أنبل اشكال المجد ونقطع الحبال العاهرة حول اعناقنا". كونوا واثقين بهذا ولا تشكوا ابداً!

تحياتي الثورية الخالدة....".

                                             "أورهان آيدن"

الخاتمة

مرة اخرى ضرب قادة حزب العمال الكردستاني وانصاره أروع امثلة الموقف النضالي إزاء الموت في زنزانات ديار بكر. فقد استطاع رفاقنا من خلال تقديم ارواحهم في سبيل القيم النبيلة في هذا المنعطف الحاسم الذي يشكل مرحلة تاريخية بالغة الاهمية بالنسبة للشعب الكردستاني ولمستقبل حزب العمال الكردستاني، ان يخوضوا اكبر واسمى معارك المقاومة واستطاعوا من خلال إضرابهم عن الطعام أن يجعلوا حياتهم بمثابة خطوة أخرى متقدمة في طريق ضمان سير نضالنا واستمراره المظفر. لقد نجحوا في انتزاع حياتهم من الموت وانتزاع آخر وسائل التهديد من أيدي العدو عبر الموقف النضالي الذي وقفوه من الموت. كان الرفيق كمال بير أحد قادة حزبنا الذي طرح بقوة من خلال ممارسته العملية مفهوم الحياة والموت من وجهة نظر اهداف الحزب والنضال، يقول في آخر ايام الأضراب عن الطعام للجلادين الذين حاولوا ان يقنعوه بحياة اسوء من الموت بآلاف المرات "ليست عندكم أنتم ما يكفي من القوة لإحيائي أنا". بمثل هذا الموقف كان الرفيق البطل يتحدى الحياة غير الشريفة ويتحدى المستعمرين أيضاً ويحقق الخلود والسمو واعلى درجات النبل مديناً اولئك الذين أبدوا استعدادهم للخيانة، مترفعاً عن كل شيء قدم له بوصفه حياة في اللحظة التي تأكد فيها أن الموت هو الطريق الوحيد للحياة من أجل انتصار قضية الشعب والحزب.

إن الرفيق كمال بير كان يعلن بأعلى صوته استخفافه بالموت دفاعاً عن قضيته وقناعته بأن الموت هو الشكل الصحيح والحقيقي للحياة والخلود، في محاكم المستعمرين قائلاَ: "أنا محظوظ لأن أقوم بأية مهمة في إطار حزب العمال الكردستاني، غير أنني لأسباب مختلفة لم أكلف بمهمة محددة. وقد رأيت أن من الضروري أن أبين هذه الحقيقة من الناحية التاريخية، ذلك لأن اسماؤنا تدور على السنة الناس وبين الرأي العام كما لو كنا في هذا المنصب أو ذاك، هذا هو السبب الذي جعلني أرى إيضاح الامر ضرورياً. ليست خائفاً من العقوبة التي سأنالها بسبب كوني عضواً في هذه اللجنة او تلك. أضف إلى ذلك أنني لمعرفتي بأن العقوبة التي سأنالها ليست إلا عقوبة سياسية أرى أنها ستكون مدعاة للفخر والاعتزاز.." (من مذكرات الدفاع ).

في زنزانات سجن ديار بكر ايضاً برز الموقف الذي وقفه الرفيق خيري دورموش عضو اللجنة المركزية وأحد الأعضاء المؤسسين والذي صمد تحت التعذيب الذي استمر سنوات طويلة إزاء الموت في الفترة التي شهدت محاولات لخنق حركة حزب العمال الكردستاني في اجواء الاستسلام بعد ان وصلت عمليات التعذيب إلى اوجها على ايدي زبانية الفاشية. وقد أوضح هذا الموقف كيف يجب على المناضل ان يواجه الموت حتى في اصعب الظروف وأعقدها.

قال الرفيق خيري مخاطباً الموت لدى بدئه اضرابه عن الطعام وهو الذي وقف موقفاً سيذكره التاريخ كواحد من أروع نماذج المقاومة والبطولة: "نحن محرومون من حق الدفاع السياسي، ومدير السجن يمارس ضدنا مختلف أشكال الظلم. هذه الممارسات التي تتم في السجن إنما تتم تنفيذاَ للأوامر. صرح بعض الرفاق بأن ما صرحوا به إنما كان منتزعاً منهم بالقوة والاكراه، لا وفقاً لإرادتهم. لقد وضعوني في غرفة واغلقوا الباب ثم جاؤوا برفاقي وقالوا لهم: إن خيري يعترف، بعد أن دعوهم لان ينظروا إلى من ثقب الباب، ومن ثم اجبروهم على الاعتراف، لقد تم القضاء على بعض رفاقنا مثل مظلوم دوغان وفرهاد قورتاي أشرف ايناق عن طريق الحرق بالنار ومن ثم الشنق. إن القضية المعروضة هنا هي قضية سياسية، ونحن نقر بأننا ملتزمون بايديولوجيتنا ونريد أن تتاح لنا فرصة الدفاع عن هذه الايديولوجية. هذا حق من حقوقنا القانونية والدستورية، إنني أعلن الإضراب عن الطعام حتى الموت لاقتناعي بعدم جدوى السعي في سبيل توفير فرصة الدفاع في ظل الظروف القائمة. هذا هو ما أردت قوله هنا.."

في لحظة إغماض عينه امام الحياة العضوية نتيجة للإضراب عن الطعام حتى الموت فقد صرح قائدنا العزيز بالعبارات التالية: "أشعر بأنني مدين لأنني لم أستطيع أن أقوم بواجبي كاملاً تجاه الحزب سواء قبل الاعتقال أو بعده، اكتبوا "إنه مدين" على شاهدة قبري!".

وهكذا فإن أبطال المقاومة في حزب العمال الكردستاني استطاعوا ان يعلمونا فن صنع الحياة والخلود من صميم الموت.

من الواضح أن المناضل الذي ينجح في تحويل موته إلى عملية قوية، إلى نقطة انعطاف حاسمة تساعد على دفع عجلة النضال إلى الامام بقوة سيظل خالداً إلى الابد، وسيهبنا في ساحات النضال باستمرار. قد لا يستطيع المناضل ان يرى ساعة النصر غير انه يعرف معرفة اكيدة أن عمله سوف يتكلل بالنجاح، ويقاتل بالاستناد إلى هذا الإيمان كما يموت بمثل هذه القناعة إنه مؤمن إيماناً عميقاً وكاملاً بأن الموت الذي يدفع النضال إلى الامام هو نفسه الحياة الصحيحة، وأن لا حياة إلا حياة النضال وبالتالي نراه يقبل على الموت ساعة اللزوم والضرورة بدون أن يرف له جفن.

بعد ايضاح هذه الحقيقة ايضاً لا يبقى شيء يمكن قوله سوى انه لم يبق أي عائق يمكن أن يقف في وجه نشاط المناضل. فالمناضل الذي استطاع أن يفهم الحقائق التي ذكرت حتى الان وان يجسد السمات والخصائص التي تطرقنا إليه في شخصه لا بد له من أن يكون على مستوى من القوة يمكنه من تحقيق أهدافه ومن تجاوز سائر العقبات التي تقف في طريقه مهما كانت معقدة ومتناقضة وصعبة.

185.255.47.27 (نقاشمساهمات)

رد على "خصائص المناضل الثوري في حزب العمال الكردستاني"يتقن الجمع بين المرونة والصلابة

176.235.87.114 (نقاشمساهمات)

هل يوجد pdf