نقاش:الجوهري (توضيح)

محتويات الصفحة غير مدعومة بلغات أخرى.
أضف موضوعًا
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
وهو أول فيلسوف في المسلمين وللعرب ولذلك سمي بحق " فيلسوف العرب " ذلك أن المباحث الفلسفية كانت في القرنين الأول والثاني للهجرة على أيدي النصارى من السريان الذين كان معظمهم أطباء استعان بهم الخلفاء في العلاج ، وحثوهم على نقل الطب والفلسفة ، إلى أن شاركهم في النقل عن السريانية الكندي ، فكان أول فيلسوف عربي مسلم .

فلسفة الكندي من خلال رسائله تبحر الكندي في جميع العلوم ، وأحاط بجميع المعارف ، وأضاف إلى ذلك رأي الإسلام ، حيث أدمج التراث الفلسفي اليوناني في الثقافة الإسلامية فكانت بذلك الفلسفة هي النظرة الشاملة التي تربط بين جميع العلوم ، وهو الذي سن للعرب سنة الاعتماد على العلوم ليتم التفلسف بعد ذلك ، كما هو الحال عند الفرابي وابن سينا وابن رشد ، الذين كانوا علماء أولاً ثم فلاسفة ثانياً . والفلسفة عنده هي طلب الحق ، وقد ذكر في رسالة " الحدود والرسوم " تعريفات كثيرة للفلسفة بحيث رأى القدماء من اليونانين ، إلا أنه في رسالته الأولى للمعتصم بالله في الفلسفة الأولى يقول : " إن أعلى الصناعات الإنسانية منزلة وأشرفها مرتبة ، صناعة الفلسفة التي حدها : علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان ، لأن غرض الفيلسوف في علمه إصابة الحق ، وفي عمله العمل بالحق .. وأشرف الفلسفة وأعلاها مرتبة الفلسفة الأولى : أعني علم الحق الأول الذي هو علة كل حق " .

الفلسفة والدين والكندي أول من وجه الفلسفة الإسلامية وجهة التوفيق بينها وبين الدين ، وله في ذلك موقفان : الأول لا يميز بينهما إذ كلاهما يطلب الحق ، والثاني يجعل مرتبة الدين أسمى من الفلسفة ، ولكن الدين يعتمد على الوحي ، على حين تستند الفلسفة على المنطق ، ولذلك لم يثق رجال الدين بالفلسفة والمشتغلين بها ، واتهموا الفلاسفة بالكفر . واضطر الكندي إلى أن يرد اتهام رجال الدين بأنهم إنما يذبون عن " كراسيهم المزورة التي نصبوها عن غير استحقاق ، بل للترؤس والتجارة بالدين ، وهم عدماء الدين .. لأن من تجر بشيء باعه ، ومن باع شيئاً لم يكن له . فمن تجر بالدين لم يكد له دين ، ويحق أن يتعرى من الدين من عاند قنية علم الأشياء بحقائقها وسماها كفراً ، لأن في علم الأشياء بحقائقها على الربوبية ، وعلم الوحدانية ، وعلم الفضيلة ، وجملة علم كل نافع والسبيل إليه ، والبعد عن كل ضار والاحتراس منه ، واقتناء هذه جميعاً هو الذي أتت به الرسل الصادقة عن الله جل ثناؤه .. فإن الرسل الصادقة صلوات الله عليها إنما أتت بربوبية الله وحده ، وبلزوم الفضائل المرتضاه عنده ، وترك الرذائل المضادة للفضائل في دواتها وايثارها " فالكندي يوفق بين الدين والفلسفة لأمور ثلاثة : أولها أن علم الربوبية جزء من الفلسفة ، والثاني أن حقائق الفلسفة وكلام الرسل متوافقان ، والثالث أن البحث فيما جاء به الشرع واجب بالعقل . وقد رأى الكندي أن القرآن الكريم قد حل المشكلات العويصة ، وعلى رأسها الخلق من عدم ، وهو ما يسميه " الإبداع " ومشكلة البعث أو المعاد .. والمشكلة الأولى يمثلها قوله تعالى " إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون " ، فخلقه ليس مخلق البشر ، إذ كان فعل البشر لا يمكن من غير طينة ، أما الله فلا يحتاج إلى طينة سابقة يشكلها ، ولكن يبدع الخلق ، وهو – جل ثناؤه – لا يحتاج إلى مدة لإبداعه . وإذ قد نظر الكندي في القرآن ، وحاول فهم معانيه بما يطابق ثقافته الفلسفية ، وقد اضطر إلى التأويل الفلسفي ، فكان التأويل الأساسي الثاني من أسس التوفيق بين الدين والفلسفة في الإسلام .. في رسالته إلى أحمد ابن المعتصم بالله في " الإبانة عن سجود الجرم الأقصى وطاعته لله عز وجل " يفسر هذه الأية " والنجم والشجر يسجدان " بمقاييس عقلية ، فيقدم أولاً المعنى اللغوي للسجود ، وهو وضع الجبهة في الصلاة على الأرض ، ثم يقال السجود على " الطاعة فيما ليست له جبهة ولا كفان ولا ركبتان ، وجملة ما لا يكون فيه السجود الذي في الصلاة فمعنى سجوده الطاعة " . فمعنى سجود الاجرام طاعتها لأمر الله .. فالسماء الأولى تتحرك بالاختيار ساجدة ، أي مطيعة لأمر الله ، وأدلة الكندي على وجود الله تعتمد على مبدأ العلية .. فكل شيء يكون بعد عدم لابد له من علة في وجوده ، ولكننا لا نستطيع أن نمضي في سلسلة الأسباب إلى مالا نهاية له ، فلابد من علة أولى ليس لها علية . ويردد الكندي - في أكثر من موضع من رسائله – هو العلة الفاعلة .. والعلة الفاعلة نوعان : إحداهما العلة بالحقيقة ، وتسمى " الإبداع " ، وفعلها هو الإبداع من عدم ، وسائر العلل الأخرى متوسطة تنشأ عن علل أخرى .. وإنما تسمى عللاً تشبهاً لها بالفاعل الحق .. وفي ذلك يقول " فأما البارى تعالي فهو العلة الأولى لجميع المعقولات : التي بتوسط ، والتي بغير توسط ، لأنه فاعل لا منفعل بته " .. ومادام العالم قد خلق بفعل الإبداع بلا زمان ، فلابد أن يكون في حاجة إلى مبدع ، هو الله . وكل مخلوق فليس أبدياً ماعدا الله فإنه أزلي ، أما سائر المخلوقات فإنها تظهر إلى الوجود ثم نفنى مما هو واضح من أمر المحسوسات الجسمانية الداعة التغير والجريان والتبدل .. والحال كذلك في العالم بأسره بما فيه من أجرام سماوية ، وكليات معقولة مثل الأجناس والأنواع ، فإنها غير أزلية ، لأنها متناهية ومركبة ، وكل شيء له نهاية في الزمان وحد في المكان ، فليس أزلياً ولذلك كانت فكرة اللانهاية في غاية الأهمية في مذهب الكندي ، وعلى أساسها يبرهن على فناء العالم ، وأنه مخلوق ، لأنه متناه . ويسوق الكندي دليلاً آخر على وجود الله يستمده من النظام المثبوت في العالم " فإن في نظم هذا العالم وترتيبه ، وفعل بعضه في بعض ، وانقياد بعضه لبعض ، وتسخير بعضه لبعض ، واتقان هيئته على الأمر الأصلح في كون كل كائن وفساد كل فاسد ، وثبات كل ثابت وزوال كل زائل .. لأعظم دلالة على أتقن تدبير ، ومع كل تدبير مدبر ، وعلى أحكم حكمة ، ومع كل حكمة حكيم " . أما المخلوقات فإنها في احتياج دائم إلى الله ، لأن " الواحد الحق هو الأول المبدع الممسك كل ما أبدع ، فلا يخلو شيء من امساكه وقوته إلا عاد ودثر " . والكندي هو الممهد للفلسفة الإسلامية طريقها الذي سلكته فيما بعد على يد خلفه العظيم ، الفارابي الذي سماه العرب بالمعلم الثاني . ولقد استطاع الكندي ، أول فيلسوف مسلم ، أن ينتزع الفلسفة من أربابها وأن يخلق جيلاً من التلاميذ ومن أشهر تلامذته ابن كرنيب ، وأحمد بن الطيب السرخسي ، وأبو زيد البلخي وهؤلاء الثلاثة هم الجيل الثاني من الفلاسفة المسلمين . كما أبدع الكندي بتمام حكمته في تثبيت دلائل النبوة وإعلاء شأن الرسل ، وبيان فضلهم على الفلاسفة الذين يتبعون المنطق الإنساني المؤيد بالأقبسة والبراهين .. لأن علم الرسل عليهم السلام مستمد بالوحي من العلم الراني . ولم يكن حرص الكندي على بيان منزلة الأخلاق الفاضلة في رقي الحضارة وبقاء العمران بأقل من حرصه على بيان منزلة الدين ، وقد ألف في الأخلاق كتباً مستقلة ، لم تصل إلينا مع الأسف ، ولكنه ألحق الأخلاق بمباحث النفس ، وبين كيف يفضي العلم بالنفس إلى تهذيب الأخلاق . والأخلاق عنده اصلاح النفس بتحكيم العقل في القوتيين الحويانيتين في الإنسان ، وهما الشهوة والغضب ، وإذا كان هذا المبدأ الإخلاقي يونانياً ، وهو الذي أثر في سقراط وأفلاطون وأرسطو ، فقد وفق الكندي بينه وبين تعاليم الإسلام الخلقية التي تعتمد أساساً على الدين ، وما أمر به الله في كتابه من تقوى .. ويلوح أن هذا المنهج الجديد في بحث الأخلاق عند المسلمين ، والذي يوفق بين الأخلاق الإسلامية كما وردت في القرآن والسنة ، وبين الأخلاق اليونانية ، هو الذي سلكه فيما بعد علماء الأخلاق وفلاسفتهم ، كما فعل ابن مسكويه في كتاب " تهذيب الأخلاق " .

نهاية القول كان الكندي فيلسوف العرب مسجلاً للحضارة الإسلامية في زمانه وكان كذلك راسما خطوطها العامة التي ينبغي أن تسير عليها في المستقبل . فهو الذي صنف الفلسفة إلى نظرية وعملية ، وأن النظرية تشمل الرياضيات والطبيعيات وما بعد الطبيعيات ، وجرى هذا التقسيم عند الفلاسفة الإسلاميين فيما بعد . وهو الذي ثبت دعائم الفلسفة ، أو بين النقل والعقل ، فحدد معالم هذه المشكلة ، ورسم طريق حلها بما يرضي الدين ويقنع العقل . وهو الذي جعل الفلسفة الإسلامية اللسان الناطق بالحضارة العربية . فلا عزابه إذاً في لأن يسمى الكندي – رحمه الله – " فيلسوف العرب " .