انتقل إلى المحتوى

نقاش التصنيف:بوتات تدار آليا

محتويات الصفحة غير مدعومة بلغات أخرى.
أضف موضوعًا
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

قصص الشميطي[عدل]

أجول في شوارع المدينة حاملا حقيبتي البلاستيكية التي تحتوي على بعض الأشياء تخص المنزل ,أجول وأنا الشارد الذهن أفكر فيما سيحصل غدا فهو يوم العيد فالكل يفرح له ويستعد له من جميع الجهات , أما أنا فلم أجد قوتا ولا حتى قرشا اشتري به أكل يوم أو اثنان . أطرق الباب طرقات خفيفة وأنا متعب من كثرة السير بين أحياء المدينة باحتا عن عمل أعول به أسرتي , تفتح لي جليلة الباب فأرى في عيونها احمرارا وعلى شفتيها كلام مثل الجبل ,لكنها تزيد من كثمان كلامها بمجرد ما رأت حالتي المزرية وتحول ذلك الكلام إلى بسمة رسمها القلب المليء بالصبر والحنان.تمتمت قائلة :لقد عدت متأخرا أين كانت فقلت و أنا متنهدا لا تسأليني أين كنت بل اسأليني أين أخذتني الظروف , تم دخلت لأصطدم بظلام سائدا في أرجاء البيت قلت لها أين الكهرباء لماذا يسوده الظلام ,أجابتني متنهدة: لقد وصل آخر أجل لكي نؤدي كلفة الفاتورة فلم يعد لأن لنا ضوء ,غلبتني الدهشة كيف أنسى تأدية الفاتورة تم ما لبت أن تذكرت أن لاشيء في جيبي كيف سأدفع ثمنها وأنا لأملك نقودا آه يا ربي ما هذا الزمن ثم عدت إلى أقرب دكان ,لأشتري منه بعض الشموع. رجعت إلى البيت لأجد مرة أخرى ذلك الصمت العارم في أرجاء البيت, الصمت يحتوي بين طياته الكثير والكثير من الأشياء التي لم يعد اللسان قادرا على نطقها,أشعلت تلك شموع فعم في أرجاء البيت الضوء خافت لم يكن الأطفال معتادين عليه, جلست قرب الشمعة فاقترب أحمد و حمزة و كوثر وجلست على ركبتي بينما التف حولي كل من أحمد وحمزة وذهبت جليلة إلى المطبخ لتعد وجبة العشاء المكونة من بعض الأسماك التي أعطاهم لي صديق عندما كنت عائدا إلى المنزل. بقيت صامتا لحظة أتذكر يومي وما كان يحتوي عليه من متاعب دون جدوى فجأة أخرجتني كوثر من عالم الشرود بسؤالها الذي أدخلني عالم البكاء’ سألتني سؤال حيرني و لم أجد له جواب رغم كثرة الأجوبة قالت: يا أبي اليوم صديقاتي جاؤوا إلى المدرسة بلباسهن الجميل و هن يفرحن والسعادة تعم جوارحهن فقالت لي إحداهن أليس لك أب وأم فقلت: بلى فقالت وهي تضحك: إذن فلماذا تبدين كالمتشردة؟؟؟؟؟. فمن هم المتشردين يا أبي ولماذا قالت لي هذا السؤال و هي تضحك مع رفيقاتها. غلبت علي الدموع وثقلت لساني بسؤالها هذا فلم أجد جوابا لهذا السؤال تم أردف احمد: أين ملابس العيد يا أبي فنحن لم نلبس ملابس جديدة من العام الماضي. فزاد من ألم الجرح العميق , سمعته جليلة فقالت له في المرة القادمة سيأتي أباك بأجمل الملابس وسيحضر لك أفضل الألعاب ’ كانت تقول هذا الكلام وهي متأكدة أنه لن يتحقق أبدا. اقتربت من شمعة تحارب الظلام الخارجي فجلست تم اقترب مني حمزة وجلس في حضني؛ لم انتبه لم حتى مرت فترة فقد كنت شاردا في عالم مخيف وغريب انظر إلى تلك الشمعة التي اقتربت على أن تفارق الحياة فبعد لحظات كانت يافعة تنير علينا هذه الظلمة و الآن ها هي في ثوانيها الأخيرة تودع الحياة. لم انم قط وفي الصباح الباكر خرجت على أصوات في الخارج , خرجت من الباب لاستطلع المكان فرأيت أناسا تبارك لبعضها البعض فرحة العيد و على وجوههم عالم مرسوم بألوان وردية , أوصدت الباب تم عدت لأوقظ جليلة فوجدتها تبكي في صمت و الدموع تذرف من عيونها كالصخر؛ اهتزت في نفسي مشاعر لم استطع وصفها , رأيت على وجهها دموعا لم استطع أن اجعلها فرحة فعوض الدموع تكون السعادة هي ملجأها. آه يا ربي أي وجه استطيع به أن أواجه به العالم اليوم , الناس , أطفالي وزوجتي؟؟؟ كيف سأواجه العالم و أنا لا أقاوم حتى نظرات أبنائي و زوجتي كيف سأقول لهم عندما يسألني أحدهم الم تذهب لتصلي صلاة العيد؟. جلست على كرسي قريب مني منحني رأسي إلى الأسفل , بينما ذهبت جليلة لتعد الفطور للأولاد, فجأة سمعت دقات متتالية على الباب ’ هرولت نحوه تم توقفت فجأة اسأل نفسي من يكون يا ترى؟ اهو احد جيراني جاء لكي يبارك لي العيد؟ وأي عيد هذا عندي؟ , بدأ جسمي يرتعش خوفا و خجلا من هذا الموقف. اندفعت نحو الباب لأجد شيخا كبير في السن في الستون من عمره لا ينتمي إلى الحي الذي أسكن فيه , بادرني قائلا السلام عليكم اعذرني على تطفلي هذا لكن سيارتي تعطلت قرب هذا الحي وكما تعلم اليوم هو يوم الفرحة الكبرى و لا احد يستطيع أن يصلحها لي فالتجأت إلى هذا البيت لارتاح من تعب السفر طبعا إذا سمحتم لي بذلك؟ فقلت: حاشا يا سيدي مرحبا و ألف مرحبا بك اعتبره منزلك, تم قدته إلى البهو لأعود مسرعا نحو جليلة فوجدتها فهمت ما أردت أن أقول لها, فمدت لي المائدة فوقها إبريق من الشاي و بعض الفطائر التي كانت متجهة بهم إلى الأطفال , أخذت المائدة نحو الشيخ فقلت سامحني على هذا الترحيب فقصتي قصة لا يفهمها إلا أمثالي؛ فقال مستغربا: ما بك يا رجل ؟؟ فكل عقدة لها حل؛ تنهدت فقلت نعم كل مشكلة لها حل أما مشكلتي فهي أم المشاكل فمنذ ما يقارب سنتين و حالتي تزداد سوءا و تدهورا يوما بعد يوم , لم أجد عملا و لا مالا كي أسد به حاجيات عائلتي و في السنة الماضية جمعت قدرا من المال أخصصته للأضحية و هذا العام لم أجد حتى ما يكفي لكي اشتري ثيابا جديدة لأبنائي. فقال و هو متنهدا لا عليك يا أخي سيأتي يوم ويزول كل هذا الثقل الذي تحمله أنت و أسرتك ؛ جمع جلبابه تم قام فقلت له إلى أين اجلس معنا برهة فقال في المرة القادمة تم خرج. توالت الأيام و بدأت فرحة العيد تندثر شيئا فشيئا حتى عاد الجو إلى أصله الطبيعي خرجت كعادتي أبحت عن عمل لعلي هذه المرة أجد عملا, بحت في كل المناطق و زرت كل المعامل و القول هو نفسه " إذا لم تكن لي خبرة أو دبلوم فنحن نتأسف لا نستطيع" كيف سيكون لي دبلوم و أنا انقطعت عن الدراسة من السن الثالث لكي أساعد أهلي اقتربت من معمل متوسط الحجم مختص في صناعة الجلد وكل ما يخص النسيج فدخلت لكي أبحت عن مديره كي احكي له الوضع الذي آلت له حياتي بعد برهة اقترب مني رجل وسيم وأنيق المظهر فسألني عن سبب مجيئي لهذا المكان ؛ قلت له إنني بحاجة لعمل ثم قادني نحو مكتب المدير وهناك كانت الصاعقة الكبرى لقد رأيت ذاك الرجل الذي زارني يوم العيد جالس على المكتب و على جانبه كتب ضخمة يحمل واحد منها بين يديه. تبسم عندما رآني و نهض من مكانه و عانقني عناقا حارا و هو يقول لقد كنت أفكر في المجيء إليك و أنت الآن وفرت عني مشوار كبير فأهلا بك يا رجل, احمر وجهي من كثرة الخجل منه و من كلامه فلم انطق بكلمة وبقيت صامتا على هذا النحو مدو طويلة وهو يتكلم وحده و يقول : كما تعلم هذا المصنع الصغير أسسته منذ أن كنت شابا, تخرجت فلم أجد ما كنت ارغب في وجوده كل تلك الأحلام الوردية اندثرت بمجرد اصطدامي بالواقع و خروجي من الخيال ’ رأيت أناسا ينامون على الأرض دون مأوى دون لباس , رايت أناسا استغلوا سذاجة و أمية الآخرون ليقومون بخدماتهم الخاصة ينهبون من هنا وهنا من الأيتام و الفقراء و المساكين ليؤسسوا مستقبلهم الخاص , لقد تعرضت لكثير من الصدمات التي تسجن رغباتي و مع عزمي و إصراري و كثرة الوقوع و النهوض وصلت إلى هذا المستوى و عاهدت نفسي ألا افعل ما رأيت الآخرون يفعلونه, و أن افعل المستحيل كي يكون هذا المصنع حلالا و شريف يبعد عن كل ما هو يضر الآخر و نفسي و اليوم كما ترى لقد كبرت في السن و ليس لي احد يريد أن يمسك المشعل من ورائي فأبنائي يريدون أن يكونوا أنفسهم بأنفسهم و بعد تفكيري ارغب في تعيينك مديرا على هذا المصنع و على كل ما يتعلق به فلقد رأيت فيك طموحا ورغبة في أن تخوض الحياة بجد ورأيت فيك الأمان و الصدق فأتمنى أن تكون عند حسن الظن. لقد ابهرني بكلامه هذا بل لم اصدق ما نطقه به لسانه لم اصدق أي كلمة كيف يعقل رجل في هذا السن رآني مرة واحدة يريد أن يجعلني مدير هذا المصنع و هل استطيع أن أسيره؟. فقلت له عذرا سيدي أظن انك على خطا أنا لا اعرف شيئا على هذا المصنع و لا اعرف هل أنت في كامل وعيك كيف يعقل أن تجلني مديرا و أنت رأيتني مرة واحدة , تبسم وقال لتعرف الرجل الصادق هذا لا يتطلب منك وقتا طويلا أما إذا أردت أن تعرف الرجل الماكر و الكذاب فهذا هو الذي يجب أن تتعامل معه بحذر حتى تتمكن من اكتشافه فهو ذو وجهين و لا يمكنك أن تحدده حتى يحدده لك الزمن و إني رأيت فيك رجلا صادقا يعرف معنى الصدق ولهذا أريدك أن تكون مكاني, لم استطع أن أقول له شيئا بل انحنيت على يديه اقبلها و الدموع استعمرت عيوني , أخدني في جولة في المصنع كي اكتشف كل ما يحتويه من آلات وعمال...و نحن نكتشف المكان عاهدني بأنه سيبقى معي حتى يتضح لي كل شيء. في المساء عدت إلى البيت و أنا احمل سعادة العالم’ تغيرت ملامح وجهي فلقد عدت أخيرا و أنا احمل بشرى إلى منزلي بعد مدة طويلة , في تلك الليلة دخل الفرح إلى بيتي و أولادي و زوجتي. بعد مدة وجيزة تحسنت حالتي و أصبحت مستقرا و اليوم وأنا جالس في الحديقة تذكرت تلك الأيام القاسية تذكرت أحلاما وردية و واقعا مرا تذكرت طفلا متشردا و رجلا متمردا تذكرت أم محرومة من أولادها و أسرة تعيش على ركام الفقر. (تمت بقلم يوسف الشميطي