مستخدم:Abdulrazig Angabo/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

الهجمة المصرية علي الرعايا السودانية – الأسباب والأبعاد المحتملة ومثل "نشوف الفيل ونطعن ضله" – قراءة ثانية

يتضح جليا أن مصر السيسي، ليست بكل المقاييس كمصر عهد عبد الناصر أو السادات أو حتي المخلوع محمد حسني مبارك! فقد كان هناك شيئ من الإتزان في كل شأنها –بلا أثر ولا تاثير بالغ عليها. أما اليوم فهي أصبحت بحق، محورا بل ومقصدا للتطورات الجارية إقليميا ودوليا! وهذه هي عين المؤامرة التي فطن لها الشعب المصري وجيشه، حتي أنجوا بقدرة الله مصر، من شرر وشرور ما يسمي بالربيع العربي الدائر! وتمثل ذلك بإسقاطهم لنظام الرئيس المطاح به شعبويا محمد مرسي، والذي أبت تلك المؤامرة واذنابها إلا أن ياتوا به أو بمثيله، لتخرب مصر أيدي سبأ. هذا المطلب ضرب علي الرئيس مرسي وفات علي نظامه البائد فهم ذلك المخطط، حتي أنه مازال يحرك أتباعه لإدخال مصر دوامة الفوضي – لا سمح الله!.

فالتظاهرات وأحداث التخريب التي وقعت بأرض الكنانة – مصاحبة عملية إسقاط الرئيس مبارك، قد أخذت في التوالي بشكل غير مبرر، من عهد الرئيس المطاح به محمد مرسي حتي بعد إسقاطه هو الآخر. هذا الإستمرار – يعلم الأمن المصري، أنه أمر مرتب له – بدءا من أحداث سيناء مرورا بداخل العمق المصري، وما حدث فيه من تفجيرات وإغتيالات لكبار الضباط وغير ذلك. ولكن التطور المفصلي والأكثر درامية في الوضع المصري من كل ما حدث، هو حادثة سقوط طائرة الركاب الروسية بسماء سيناء ذاتها، والتي راح ضحيتها 224 مواطن روسي! هذا الحادث وما له من دلالة أمنية عميقة، فإن ما يثير الدهشة فيه وبشكل غير متوقع، هو قيام الأمن المصري – علي خلفيته، بمضايقة السودانيين المقيمين بأرض مصر، بدلا من إستهداف داعش أولا، أو إستهداف تنظيم الإخوان ثانية – كأنما الأمر لا يعني داعش التي أعلنت صراحة المسؤولية عن سقوط الطائرة الروسية!

فتزامن الإنقضاض علي الإنسان السوداني المقيم هناك، مع طبيعة الحادثة ونوعيتها وما تعني، قد مثلت ضربة كبري لهيبة الدولة المصرية، مما يستدعي ضرورة الرد المبكر لتبديد أي تكهنات قد تلقي بظلال سالبة تفقد المجتمع الدولي ثقته بأمن السياحة في مصر قاطبة. إذاً ما هي دواعي الأمن المصري للتهجم علي السودانيين، وهل الأمر جاء مصادفة أم كان مرتبا له من قبل، وماذا يترتب علي السودانيين القيام به وحكومتهم، ومتي سينتهي هذا التضييق عليهم، وما علاقة كل ذلك بحادثة سقوط الطائرة الروسية، بل لماذا هذه الحادثة ولم يتم إستهدافهم من قبل علي خلفية أحداث سيناء التي سبقت أو حادثة ذبح مصريين بأيدي داعش في ليبيا، أم أن المقصود هو تفريغ مصر من كل إخواني محتمل من أراضيها والسودانيون أكبر المشبوهين المحتملين (تعلم مصر أن كوادر العدل والمساواة هي الجناح المسلح للشيخ الترابي – هو نفسه من قال ذلك!)

فالهجمة الجارية ضد الإنسان السوداني بمصر، قد جاءت مترافقة مع تطورات عدة، ليس أقلها ما يحدث في مصر بل البلاد العربية والإسلامية قاطبة وبلدان الغرب بشكل أعم. ولكن يبقي السؤال الأهم – لماذا تخفي مصر أسباب هذه الهجمة علي أكبر جالية تعيش علي أراضيها، ولم تصدر بيانا حولها حتي الآن! هذا ما سنحاول الإجابة عنه، من خلال هذا السرد المتواضع! فبشكل إجمالي، نجد أن مبعث القلق في هذا التغييب، لحقيقة ما يحدث للسودانيين الآن بمصر، هو ما تخبئه مصر ليس لأولئك الخمسة ملايين سوداني، بل للسودان قاطبة وحكومته! فمصر دولة بهذا الحجم، وتلك العلاقة الممتدة مع جارتها السودان، بل والمتميزة والضاربة في عمق التاريخ مع الشعب السوداني، تتحاشي أو تتعمد إعطاء تفسير أو تبرير واحد لشنيع فعلتها بالسودانيين المقيمين عندها! هذا أمر غير مقبول بحق مصر أولا، وبحق السودان ثانيا وبحق شعبيهما أولا وأخيرا. ثم أن تغييب الحقيقة، يفتح المجال واسعا لمزيد من التكهنات، وربما هذا يكون أمر مقصود بحد ذاته، أذ لا نتوقع من مصر أن تأتي بفعل ولا تدرك أبعاده ولا تتحسب لعواقبه. فهي ربما أرادت به جس النبض لتري وتقيم من أين يأتي رد الفعل! من إخوان مصر، أم من إخوان السودان أم من حلفائهم في المنطقة – شرقا (قطر) وشمالا (تركيا) وغربا (ثوار ليبيا)! وهنا نجزم أن هذه الهجمة هي ترتيب مقصود ورسالة موجهة إلي كل ما يعنيه الأمر! ولكن مصر قد ساءت التقدير في ربط الإنسان السوداني بالفكر المتطرف ورهن إنتماءاته بالتنظيمات الإسلامية، مما يخيب الظن عند مصر حتي في مستوي وحجم ردة الفعل المتوقعة من حكومة السودان نفسها!

فبرغم ذلك، فإن المسألة تأخذ أبعادا مختلفة، أولها كما يتبادر للذهن، هو تمسك النظام القائم في السودان، ببقاء تنظيم الإخوان المسلمين كجسم – لحسابات عدة لا يستطيع الرئيس البشير عندها الخلاص من هذا التنظيم في الوقت الراهن علي الأقل (مقارنة بتلك المفاصلة التي وقعت واستمرت زهاء الـ 14 عاما)! فالآن مصر تعتبر هذا التنظيم هو الأخطر علي أمنها من أي مهدد آخر، وبذلك هي لا تتهاون في القضاء عليه وعلي كل من يقف من ورائه – داخليا وإقليميا وعالميا! وثانيها، ربما ينتج من تمذهبات نظام الخرطوم المتعددة وصيرورة جعله للسودان، كقاعدة خلفية جمعت بين عناصر ذات صلة مباشرة بالتطرف والإرهاب –بدءا من الوهابية، ثم تنظيم الإخوان المسلمين والخلايا النائمة الداعمة لداعش بتهريب الشباب إليها! فقبل ربط هذين الأمرين – إحتفاظ الخرطوم بتنظيم الإخوان ككيان وطبيعة إحتوائها الجامع لتنظيمات ذات إتجاهات مشبوهة، لننظر بداية لحقيقة الأسباب التي تجعل الرئيس البشير، لا يقوم بإعلان تنظيم الإخوان كجسم إرهابي كما فعلت السعودية ومصر من قبل – ويتلخص ذلك في الآتي:

1. إسلامية نظام الخرطوم الموغلة في الإخوانية بلا فكاك: رموز الحكومة في الخرطوم – من المؤتمر الوطني وحتي المؤتمر الشعبي هم جسم واحد، توحد وإفترق فتقاطع ثم توحد ثانية! فهم جميعهم مرتبطون بتنظيم الحركة الإسلامية التي يتحكم فيها تنظيم الإخوان المسلمين. وربما يأتي التقارب المتزايد ما بين الرئيس البشير والشيخ الترابي هو المؤكد لإستبعاد حل هذا التنظيم بالسودان. ثم يؤكد مرة أخري بقطع الشك باليقين، تحول السودان كأرض مرتعة وماوي فعلي وملاذ أخير لتنظيم الإخوان المسلمين بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا!

2. أولوية البقاء ودروس إنتفاضة أبريل: وهذه منشؤها تخوف حكومة الخرطوم من ردة الفعل الإخوانية ولعنة الإسلامويين جميعهم لها، والذين يرون في السودان البلد الذي لا تفريط فيه، بعد ما أمكنهم الله فيه! وهنا ربما نتذكر ما قام به الرئيس البشير في تلك المفاصلة مع الشيخ الترابي، والذي نأمل أن يفهم الجميع أن ذلك شأن داخلي، في حدود التنظيم وحركته الإسلامية ولا غبار علي ذلك بينهما – والأيام تثبت بل أثبتت ذلك! فالنظام في الخرطوم، لا نعتقد أنه سيكون جادا في حظر وحصار الإخوان، ليس لأنه جزء منهم، بل من ردة فعلهم وتخوفه من تفريق أمرهم وكشف مستورهم – خشية مما يحدث الآن بمصر! وهذا ما يخيف الخرطوم من فتح جبهة أخري، هي ليست مضطرة لفتحها في ظل الموقف الأمني العام بالبلاد!

3. تهدئة غضب الأمريكان وتوالي منافع الإخوان: وهذا أيضا من الأولويات التي لا مجاملة فيها! ونجد أن الأمرين في حالة السودان مرتبطين بعضهما البعض، بالنسبة لنظام الخرطوم الذي نجح بجدارة في التوفيق بينهما، من تنازلاته المعلومة لمطالب أمريكا، في مقابل إحتفاظها بالإخوان كأدوات إستنفعت منهم أمريكا نفسها في تمرير أجندتها وإشعال فتنة الربيع العربي، وإنتفع منهم نظام الخرطوم بإستلام الودائع القطرية وركونهم من دعم كل محاولات الإضطراب المدني بالخرطوم (لا نتكلم عن ربيع عربي بالسودان!). فكانت تلك هي إحدي سمات حكومة الخرطوم التي ضمنت غضبة الأمريكان، من أي ردة فعل محتمل خاصة في قضية دارفور، ولم يبق لها سوي إستثمار مذهبياتها المتعددة، حتي وقع الإختيار موافقا لتمسكها بتنظيم الإخوان المسلمين. فالضغط الإقتصادي الذي يحتاج لكل تلك الودائع الخليجية المنهمرة علي البلاد – التي نقدر أن الشيخ القرضاوي هو المحرك لها، نكاية بمصر حسني ومصر السيسي، من خلال الزيارة المفاجئة للشيخ الترابي لقطر بعيد مصافحته البشير، وقد كانت هي ضربة البداية لتدفق الودائع الإخوانية علي نظام الخرطوم! فمعلوم أن دولة قطر ومن ورائها أمريكا لا ترضيان زوال تنظيم الإخوان المسلمين نهائيا علي من وجه الأرض، وقد رتبتا أن تجعلا منه، أداة الربيع العربي مع شركائها للتغيير بدول المنطقة، حتي قطر ضمنت لنفسها ونيابة عن أخواتها كل الشرور المرتقبة من ثورات الربيع العربي – بمفهمم تحويل التهديد إلي الغير (Threat Transfer) أي خارج دول مجلس التعاون الخليجي! فقطر تري أن السودان هو البديل والملاذ الأخير لجمع الإخوان وشتاتهم من كل البلاد المتنظر طردهم منها. فذلك الضغط الإقتصادي وجرعات حلوله القطرية، هو حقيقة ما يدفع بالدولة للتمسك بالإخوان خاصة أن قاعدة حكومة السودان نفسها تقوم علي هذا التنظيم.

أما العامل الآخر الذي ينصب في ذات المجال، فهو سكوت السعودية عن إخوان السودان، وكذا دعهما المالي لحكومة الخرطوم هي الأخري!. فالمكافأة هنا جاءت نتيجة لتخلي الخرطوم عن المشروع الإيراني الخاص بمد المذهب الشيعي بالمنطقة وتصديره إلي داخل أفريقيا، ومن وقوف السودان القوي مع التحالف العربي في حربه ضد الحوثيين وومليشيا الرئيس اليمني السابق علي عبدالله الصالح، والتي رأينا كيف بدأت مباشرة بعيد إنهاء البشير للقائة مع الملك سلمان بالرياض 20 مايو 2015م. فالمملكة السعودية قد حالفها التوفيق في فهم حقيقة النظام بالخرطوم، وفهم حقيقة إخوان السودان بالصورة الأدق – مبادئهم ومستوي حجمهم ومدي تأثيرهم، علي خلاف التصور المصري الذي نجده نسخة من نظرة الغرب قاطبة للسودان، من خلال نظرته لشخص الشيخ حسن عبدالله الترابي، وتقاربه المتزايد الآن من الرئيس البشير! وعلي ذكر المبادئ، فمعلوم أن عامل المصالح، هو ما تميزت به حكومة السودان الحالية، في تقرير علاقاتها المتحركة والثابتة والمتأرجحة! – ثم،

4. التخوف الأكبر من إعلان حل تنظيم الإخوان وإنهيار النظام القائم بالبلاد: نعم أن الحكومة القائمة قد نحجت في لم الكل في وسط واحد – أذاب العناصر كلها في بوتقة واحدة، هو المؤتمر الوطني ظاهرا، وباطنا مؤتمر شعبي وشيعة وشيوعية، وصوفية وعلمانية، ووهابية وماسونية – في تجمع متباين ومتنافر ومتناقض متضاد – وحبكة قالوا إنها شجرة جامعة إلا لمن أبي! ففي هذا الصدد، فإن الحكومة لا يضيرها أن تتخلص منهم واحدا تلو الآخر، كما فعلت بالشيعة – عاصفة بالعلاقة مع إيران دون أدني تردد! وهذا بالطبع شأن مختلف لا يصلح للمقارنة مع التعامل مع تنظيم الإخوان المسلمين، المتمكن والمتجذر بكل مفاصل الدولة. فتمكن هذا التنظيم بالسودان، جعل منه الأنموذج المتفرد والوسط الجامع الذي تذوب فيه كل تلك المذهبيات وغيرها، لطالما أنه الباقي المستمر – حاميا يخشي الحكومة والحكومة تهابه وتحميه!

أما بالنظر للموقف المصري المحتمل من التهجم علي السودانيين بمصر، فيمكن تلخيصه في النقاط الآتية:

1- أولوية أمن مصر وأمن إقتصادها: تمسك نظام الخرطوم بالاسلاميين وتخوف مصر من تصديرهم لها لزعزعة أمنها وضرب إقتصادها – علي خلفية تصدير داعش لفدائييها من خلال موجات اللاجئين السوريين نحو أوربا! فهنا لا نقول أن عاملا سودانيا بمطار شرم الشيخ، هو من وضع القنبلة بتلك الطائرة المنكوبة! ولكن ربما يتصور شيئ من هذا القبيل للأخذ من السودانيين هناك، فإن كان هذا ما يدور، فهو أمر مقصود سياسيا لصرف أنظار المصريين ولو مؤقتا، نحو دخيل آخر، أولي بالمجابهة من المجابهة بين بعضهم بعضا!

2- إهتزاز الثقة ما بين البلدين والتخوف من تكرار السيناريو "داك - ذلك": خروج السودان من فوضي الربيع العربي، رغم توفر جميع المعطيات اللازمة للخروج، أمر أزعج بالضرورة المعارضة السودانية، كما أزعج لاحقا النظام القائم بمصر الآن، تحديدا لإهتمامه بزوال تنظيم الإخوان، وقد إنقض بلا هوادة عليهم هناك! فالجميع يعلم أن العلاقة مع مصر تشوبها تلك الحادثة (السيناريو ذلك)، التي كادت أن تودي بحياة الرئيس الأسبق حسني مبارك، ودخول مصر في فوضي مفاجئة لا يعلم مداها الا الله، إلا أنهم –أي الإخوان ذاتهم خرجوا بمهارة من تهمة التخطيط بتلك المظاهرات، التي انتظمت عددا من مدن مصر حينها! فزوال الرئيس البشير بالنسبة لمصر السيسي هو خير من بقائمة، لأجل قيام علاقة تقوم علي الثقة المتبادلة ما بين البلدين. صحيح أن الرئيس البشير فعل ما بوسعه لتصحيح مسار العلاقة، خاصة بعيد المفصالة مع الشيخ الترابي، إلا أن التقارب المتنامي مع ذات الرجل في السنتين الأخيرتين هذه، أعاد الأمر إلي مربعه الأول بالنسبة لمصر، وخاصة حكومة السيسي التي تاريخيا هي أول من أعلن الحرب علي تنظيم الإخوان المسلمين (نعلم أباه ولا نعلم مذهبه الذي يتبع، حيث الحديث يدور كثيرا عن إرتباطه بالماسونية العالمية)! فمفتاح هذه العلاقة بالنسبة للسودان هي حقيقة تنازل مصر عن ردة فعلتها من محاولة إغتيال الرئيس مبارك المتعلقة بإحتلال حلايب وشلاتين وخروجها الغير مشروط من هذين المنطقتين، وهذا هو مربط الفرس لإعادة الثقة من جانب السودان والنظام الحالي فيه، وكذا إبعاد الشكوك والمخاوف من تكرار ذات السيناريو ذلك بالنسبة لمصر!

3- فرص تدفق الخطر الداعشي من البوابة الخلفية: توارد الأخبار عن إلتحاق أعدادا من السودانيين بتنظيم الدولة الإسلامية، يعطي صورة مكملة لمدي التوافق ما بين الإخوان والوهابية في أرض السودان! فالأول –أي تنظيم الإخوان إبتعد عن تخطيط وتمويل الربيع العربي بالسودان والثاني وجود الوهابية الذي أبعد تلقائيا خطر ظهور داعش بالسودان، وإبدال ذلك بما تواردته تلك الأخبار أعلاه. وهنا تهتم المخابرات الأجنبية بهذه المعلومات وترصد مقادير تدفق الشباب السوداني ومراقبة جهود الحكومة من منع مواطنيها ورعاياها من الإنضمام لهذا التنظيم المتطرف وغيره من تنظيمات إرهابية أخري. فالشواهد هنا كثيرة والمعلومات غزيرة، وأولي بالوقوف عليها هي المخابرات المصرية بسبب مساحة الحريات الأربع التي تسهل عبور المواطنيين بين البلدين. فما يهم الدولة في مصر وما يقلقها هو حقيقة الخطر الداعشي المهدد لضرب السياحة في مصر، وفضحها كدولة غير قادرة علي حماية مواردها وحماية رعايا المجمتع الدولي فيها. فتوارد المعلومات عن إنضمام عدد من السودانيين لتنظيم الدولة داعش – بدءا من سوريا ومرورا بالعراق وليبيا الآن، هو ما يقلق النظام المصري – الذي أري فيه قاب قوسين أو أدني، من إعلان مصر للسودان كدولة راعية للارهاب، تأسيا بأمريكا "من ذات السيناريو داك"، الذي عليه قامت بوضع السودان تحت قائمة الدول الراعية للإرهاب، منذ العام 1995م – حتي إشعار آخر!

وبعيدا عن تلك الأسباب، فالنظرة العامة لعوام المصريين بل ومثقفيهم للسودان والسودانيين باعتبارهم تبع لمصر، هي ربما المبعث المحرك ضد ما يرونه، من هو أقل شأنا وأضعف مكانة (تطلعات السودان الإقليمية وتعاقداته الإقتصادية الأكبر منه)! فهم جميعا يقولون أن السودان تاريخيا، ما هو إلا جزء تابع للدولة مصر! فالنجاح الذي حققته حكومة السودان بالمحافظة علي نظامها القائم من كل ما أحدق به من مخاطر، وبناء علاقات "تحتانية" ممتازة مع أمريكا، وعلاقات جيدة مع كل دول الخليج، إلي جانب إنهاء إرتباطها الروحاني مع الدولة الإيرانية، وإشارات التطبيع مع إسرائيل، وتوازن علاقتها مع الروس والصين، والهند ودول أمريكا اللاتينية، كل هذا الزخم الدولي تنظر إليه مصر، بإعتباره سحبا للبساط من تحتها – ككيان يري في نفسه الوصي التاريخي علي السودان وشأنه. ومن هنا نستنج أن تلك الهجمة علي السودانيين هي ردة فعل محتملة، ناشئة عن ترتيب نظام ودولة، وليست من تحرك شعبي مصري ضد الإنسان السوداني هناك!

وهذا التحرك المفاجئ المريب ضد الإنسان السوداني بمصر، لا نعلم له مبررا مقنع، يدفع الحكومة المصرية للتشفي منهم! فطبيعي أن تكون ردة الفعل علي من أعلن المسؤولية عن أي جرم ارتكب! فهاهم الروس يكثفون هجماتهم ضد داعش وينسقون بعمل أكبر ضدها لمجرد إعلانها المسؤولية عن إسقاط طائرتهم، وكذلك الفرنسيون يفعلون الأمر ذاته ضد داعش مباشرة كرد فعل علي هجوم إستاد باريس الدموي! فما ذنب الإنسان السوداني في هذا الشأن! إنهم فعلا "يرون الفيل ويطعنون ظله!" ولكن ربما يكون هذا المثل في معناه اللفظي ودلالته الظرفية، أصدق من أن يكون مثلا لمجرد "السخرية" من الفعل ضد الجالية السودانية بمصر، وذلك قياسا بأعداد السودانيين الملتحقين بداعش، إلي جانب وصف غالبهم بالإتجاه الإسلامي ونظامهم المرتبط بتنظيم الإخوان هو الآخر! بهدف إحراج العلاقة المتطورة بين السودان وروسيا حتي ينقلب الروس علي السودان وتتفرد مصر بتطوير تلك العلاقة معهم! ولكن يظل التمسك بـ (لا تزر وازرة وزر أخري)، هي الحجة التي يصدقها سلوك سواد السودانيين –هناك في مصر، أم داخل بلدهم السودان، أم في أي دولة من بلاد العالم، بسبب بعدهم عن أي تطرف وعمل إرهابي! حيث أن الحقيقة المؤلمة هنا، أن جميع ما تم ضبطهم أو تسربت إخبار مقتلهم بدءا من أفغانستان سابقا، العراق، ليبيا وسوريا الآن، هم من الإتجاه الإسلامي – إخوانيون ووهابية! فسواد السودانيين وعامتهم داخل البلاد وخارجها لا علاقة لهم بالتطرف أو التنظيمات الإرهابية، بل حتي أن نسب إقبال الإخوان والوهابيين السودانيين أو تحولهم للتنظيمات المتطرفة، هي النسبة الأقل دائما، مقارنة بأعداد الخارجين منهم من أراضي السعودية ومصر واليمن وغيرها. ومن هنا نقول لمصر، أن تلك هي داعش من أعلنت المسؤولية عن إسقاط الطائرة الروسية وليس أي إنسان سوداني!

وفي شأن آخر متصل بمصير علاقة مصر بالسودان، نجد أن العقبة بينهما كؤود –أولا: التباين والتناقض التام بين الحكومتين! فمصر السيسي حكومة شبه علمانية متحررة، والسودان حكومة إسلامية مصنفة تحت قائمة التطرف والإرهاب. وثانيا: فقدان الثقة ما بينهما – من إحتلال مصر لحلايب وشلاتين ومن تمسك السودان بالإسلاميين الذين حكمت عليهم مصر بالإرهابيين وعطلت نشاطهم تماما. فذلكم التناقض وفقدان الثقة هي أيضا مبعث قلق حاد، لا يزول إلا بزوال أحد النظامين، أو تفكيرهما الجاد في إيجاد مخرج أوسع يحفظ مصالحهما المشتركة ومصالح المنطقة العربية ككل. وأعتقد أن الحكومة في الخرطوم ستضطر للقيام بالفعل ذاته – التخلص من الإخوان كما تخلصت من الشيعة، إذا ما لم يلزمها إلا خيار البقاء – فالنفس فعلا – أولي من الصاحب! فقد فعلها الرئيس نميري وقضي علي الشيوعيين وأسكتهم حتي رحيله، إلا أن ذات التنظيم هو من رحل به من حيث لا يدري! فالتحدي كبير بالنسبة لنظام الخرطوم، بل هو الخيار الأخطر علي أمن البلاد، من تكرار مخطط الرئيس الأسبق النميري للإطاحة بالإخوان، وردة الفعل التي قضت عليه بإنتفاضتهم أبريل 1985م. ولكن إذا ما نظر النظام القائم إلي ما حوله أخذا بحجم السواد الأعظم للسودانيين وبعدهم عن تنظيمات التطرف وما شابهها، والمعطيات الجارية ضد هذا التطرف والإرهاب، إلي السند الكبير المحتمل إقليميا ودوليا في هذا الصدد، فيمكنه فعل الأمر ذاته بنجاح أكبر – تماما كما فعل النميري بيشيوعيته من قبل، وكما تفعل مصر السيسي بتنظيم إخوانها دون تردد الآن! ولإكتمال الدائرة في المقابل الآخر، لا بد من تخلص السعودية والسودان معا، من وهابيتهم أيضا، ككيان محتمل كامن لتمدد تنظيم الدولة داعش، تماما كما فعلت تشاد بهم، وضيقت عليهم مصر ذاتها من قبل! فالدواعش الأكثر إحتمالا (الوهابية والإخوان)، هما الرديف والحليف المعادي لأمريكا والغرب ظاهرا، والمتودد الوديع مع إسرائيل باطنا! وعلي ذلك يكون المخرج متسعا، وتصبح الوجهة واضحة ما بين مصر والسودان والسعودية – هي خلق تكتل إقليمي جديد برعاية مصر وتمويل السعودية وتسليح الروس وحلفائهم!

عبدالرازق أنقابو angabo7@hotmail.com