انتقل إلى المحتوى

مستخدم:تراث تيشيت/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
محمدو بن أحمدو الصغير ( ولد بابه)
معلومات شخصية
الميلاد 1832
تيشيت
الوفاة 1906
الحوض الشرقي - موريتانيا
مكان الدفن اوطفن قرب تنبدغة
المذهب الفقهي مالكي
العقيدة الإسلام

محمدو بن احمدو الصغير المسلمي التيشيتي

علم من أعلام المعرفة والتأليف فى القرنين  الثالث عشر والرابع (13/14) الهجريين فى تيشيت وتشهد مكتبات تيشيت على كثرة مطالعته وسعة علمه وتعدد مؤلفاته الكثيرة النافعة.

نسبه:

هو الشيخ العلامة الجليل أبو أحمدو محمدو بن أحمدو الصغير (العلامة  الولي الشهير القدوة) بن  حمى الله ، بن أحمد ، بن أحمد ، بنحمى الله ابن محمدو بن أحمدو بن حمى الله  بن شيخ التعليم الْشَغْ بن الفقيه محمد بن  مسلم بن يحي بن إبراهيم بن عثمان بن علي بن الحاج عبد الله بن جعفر بن سالم بن العاقب بن عقبة بن نافع رضي الله عنه.

مولده:

ولد سنة 1248هـ / 1832م بحاضرة أجداده تيشيت إحدى الحواضر العتيقة بموريتانيا.

الأسرة والنشأة:

نشأ شيخنا محمدو بن أحمدو الصغير في أحضان بيوتات عريقة في تيشيت، توارثت العلم والسيادة طويلاً،

أبوه: أبو العباس احمدو الصغير بن حمى الله: (1223 - 1272 هـ) وليُّ تيشيت اللامع وعالمها الورع ، وشيخها الصوفي الزاهد ، صاحب التآليف الغزيرة والمصنفات المتنوعة، يعد من ألمع أعلام بلاد شنقيط ، اتصل بأغلب علماء منطقته ، وأجازوه في مختلف معارفهم ، وصحب كبار رجالات التصوف المعاصرين له([1]) وقد كان دخوله في الطريقة التيجانية الحافظية، إيذانًا بفتح أبواب الحاضرة التيشيتية لها، حيث تصدر طائفتها بها حتى توفي رحمه الله([2])لعب أدوارًا سياسية كبيرة في شؤون تيشيت وجاب المنطقة في مصالحها ، وراسل العلماء والأمراء في شؤونها ، وكان متشوفًا لإيجاد سلطة مركزية في البلاد، وراسل العلماء والأمراء ، بخصوصها ([3])وكانت أسرة آبائه كذلك ، فوالده مدرس القرآن الخيِّر الصالح، المعدود من أهل العلم حمى الله، وجده أحمدو بن احمدو من أهل العلم والكرم وجده الأعلى حمى الله بن محمد سيري سيد تيشيت في زمانه من أهل العلم والمال يقول احمدو الصغير بن حمى الله:

«فكان جدنا حمى الله بن محمد سيري( 1117/ 1705 ) فيما بلغني عن الثقاة خلف تسعين أو مائة فرس، وكانت عيره تحط رحالها خارج القصر ، حتى تنفرد بيوم للدخول خوف الزحام مع رفقة سائر الطلبة ( أبناء الفقيه محمد مسلم )  وكانت مئونة داره لا يقوم بها إلا عشر إماء وبلغني أنه يُخرج زكاة الفطر عن ثلاث مائة نفس، ويشابهه في كثرة المال ابنه الحاج المختار ثم ابنه امبابه بن الحاج المختار...»( [4] ) ويكفى آل الفقيه محمد بن مسلم  التيشيتي ، من الاعتزاز والفخر ما حباهم الله به من  المكانة العلمية  والاجتماعية ودورهم  اللامع فى مدينة أسلافهم  التى أسسها جدنا الشريف الحسني التشيتي ، عبد المؤمن بن صالح  ما شهد لهم به تلميذ المؤلف العلامة الورع المنفق الشريف الحسني التشيتي حامل لواء العلم وكل مكرمة بمدينة أسلافه ، شيخنا بوي احمد بن بوعسري ، حيث يقول فيهم "أما سيادتهم ( أي آل الفقيه محمد بن مسلم ) فى قرننا هذا فلا يشك أحد من أهل عصرنا كلاً  فيها لأنهم القائمون بأمور قرية تيشيت أي القائمون بمسجدها ومصالحها والمعطون لفقرائها والمعلمون لمن أراد التعليم فيها و مناقبهم أكثر من الحصر"و ما وجد مكتوبا عن العلامة الصدر الكبير والعالم الشهير الشريف الحسني التشيتي محمدو بن فاضل اشريف  صاحب النوازل ، أنه لما ذكر بحضرته أن  آل حماد بن زيد بالعراق تردّد فيهم العلم ، كذا وكذا سنة قال:(( وكذالك أبناء الفقيه محمد مسلم تردد العلم فيهم ثلاث مائة  وخمسون سنة  )) وهو من أهل القرن الثاني عشر الهجري وأثنى عليهم غيره  من العلماء والباحثين .

وجدته لأبيه احمدو الصغير فهي بنت بيوت السيادة والشرف بتيشيت عائشة بنت الشيخ الفقيه الولي الشريف امْحمَّد: (1208/1793) الذي قال عنه احمدو الصغير بن حمى الله إنه « مشهور الولاية، سريع الإجابة، من أهل الشريعة والحقيقة»([5])، ابن الشيخ الفقيه الشريف أحمد بن الفقيه احمدو بن الإمام: (1178/1765)، أكبر الأخوة الثلاثة المشهورون بالعلم([6]).

أمُّه: هي فاطمة بنت احمدو ( العلامة شيخ المشائخ ) بن امْحمد بن حمى الله بن محمدو بن المختار الشواف المسلمي التيشيتي ( القطب الشهير) المعروف باهمار اسري (1279هـ 1862م) أحد الإخوة المعروفين بالبدور الأربعة وهو الفقيه المدرس القائم بوظيفة قراءة صحيح البخاري في شهري رجب وشعبان بالمسجد، التي هي إحدى وظائف المسجد في تيشيت،أخذ عنه أغلب رجال تيشيت في عصره ، أمثال والد المؤلف ، احمدو الصغير بن حمى الله، والإمام أحمد بن الشريف أحمد ، وسيدي محمد بن محمد الصغير بن امبوجه ، وأخوه سيدي عبيدة بن محمد الصغير بن امبوجه وسيد عبد الله بن محمد الصغير بن انبوجه كما أخذ عنه الشيخ سيديَ بن المختار بن الهيبه ([7]) وكان سيد قومه، وإليه يرجع في كافة الأمور العامة، ينتمي إلى بيتي علم وسيادة، فوالده الفقيه امحمد بن حمى الله بن محمد بن المختار الشّوّاف ، وأمه الحسنية بنت الشريف امحمد بن فاضل الشريف أكبر الاخوين الفاضلين الشريفين. ([8]) وفي هذا المحيط الأسري العريق تربى الرجل فاستشعر ضخامة الإرث الثقيل الذي ينتظره، فشمر عن ساق الجد وهو لا يزال يافعا، وأمدته مواهبه الذاتية بما يكفل لـه الوصول إلى ما يصبو إليه، وتوفرت له وسائل التحصيل فكان له ما أراد في مدة وجيزة.

الدراسة والشيوخ:

يقول الفقيه محمد المختار بن امحمد بن امباله "ليس من المستغرب أن ينبغ في العلوم والمعارف من ينشأ في بيئة مثل البيئة التي نشأ فيها شيخنا محمدو بن أحمدو الصغير فقد نشأ في مدينة تيشيت التي قال فيها سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم لكل إقليم مدينة ومدينة إقليمنا تيشيت" نشأ والعلم يكتنفه من جهة أبيه وأمه ، فأبوه أحمدو الصغير صاحب العلوم والمعارف ، وجده لأمه أحمدو بن امحمد بن حمى الله الملقب "همارسر" أخو والدنا امباله (حمى الله) أكبر منه، اشتهر بين إخوته بالعلم والكرم والسياسة ، وكان عالم تيشيت وشيخ محظرتها في وقته) ([9]) لهذا لم يسافر شيخنا محمدو بن أحمدو الصغير للتعلم خارج تيشيت، على ما يبدو رغم أن مصادرنا لا تمدنا بمعلومات مباشرة عن ظروف دراسته لكننا نفترض بشيء من الاطمئنان أنه تلقى العلم من الشيوخ التاليين:

- جده لأمه العلامة أحمدو بن امحمد بن حمى الله المسلمي التيشيتي المعروف ب اهمار اسري شيخ محظرة تيشيت في عصره ، فلابد أنه تعلم على يديه كثيرا من علومه ، فمن المعروف أن العادة السائدة في البلاد تقتضي ارتباط الابن البكر للبنت بأسرة أجداده أكثر من ارتباطه بأسرة أبيه ، كما تدل المرويات التيشيتية عنهما على ارتباطه الوثيق به ، وطالما حدث عنه في كتبه، مثل قوله في كتابه إنارة المبهم والمظلم: «وقال لي جدي أحمدو بن امحمد بن حمى الله بن محمدو بن المختار الشواف أن أسلافنا سألوا جدنا عن نسبه فقال لهم نسبي التقى والمعرفة والعلم ، فمن قام بها منكم فذلك نسبه ومن لم يقم بها فقد ضيعه»([10]) خصوصا أن محظرة هذا الفقيه تعج بطلبة العلم والمتعلمين.

- أبوه أحمدو الصغير بن حمى الله: (المولود 1224هـ - 1807م /المتوفي 1272هـ1855م)، الفقيه الموسوعي، حيث يصفه بالشيخ، ولا بد أنه أخذ منه العلم والتصوف معا ،يقول محمدو في هذا الشرح «وحدثني الثقاة أن الشيخ المصنف رحمة الله عليه ورضوانه كان يأمرهم غير ما مرة بقول( اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي الحبيب العالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وصحبه وسلم ) ثلاث مرات ليلة الجمعة» ([11]) هذا مع العلم أنه أدرك من عمر والده أربعا وعشرين سنة، وخلال هذه الفترة لا بد أن يحرص الأب على تعليم ابنه الوحيد ما أمكنه تعليمه من معارفه الوفيرة ، رغم مشاغله العلمية والصوفية والسياسية وأسفاره الكثيرة فى حوائج أهله والمسلمين وهو أمر يترجمه اشتغال الابن محمدو بمؤلفات وآثار والده ، في وقت مبكر من حياته فقد جمع كناشه ورتبه في مؤلف بديع أسماه «منن العلي الكبير بفوائد أحمدو الصغير»  في مجلدين ضخمين، وأرفقه بإجازاته ،ومأذوناته، وإشادات علماء عصره بعلومه، كما شرح كتابه«تنوير القلوب، وتفريج الكروب، وتيسير المطلوب في الصلاة على النبي المحبوب» بمؤلف بديع سماه «نزهةأبصار ذوي الأفكار بالإسفار عما في التنوير من الأذكار» وتدل الترجمة الضافية التي حلاه بها في مقدمة شرحه هذا أنه كان شديد الالتصاق به والإعجاب به ومن الطبيعي أن يحصل ذلك لمثله مع عالم جليل من حجم أحمدو الصغير خاصة بعد أن تلقى منه العلوم والمعارف ، وكثيرا ما يستشهد بنقوله وآرائه وأنظامه ، ويحدث عنه في أكثرمن موضع من كتبه: مثل قوله في ترجمته في هذا الكتاب: «وقد حدثنا أنه كان مرة عند الولي الكبير، صاحب الكشف الشهير المصطفى  بن حماد المسومي »، وغالب الظن أنه أخذ أغلب علومه عنه فاستمع للابن يخاطب محمد عبد الله الملقب ناجم بن محمد المصطفى الحاجي التيشيتي تلميذ والده، في رسالة سنعرض لها لا حقا بالقول: «ليكن في كريم علمكم أنه لما كان أواخر عام إحدى وسبعين اشتغل شيخكم قدس الله روحه ونور ضريحه بوضع شرح على تنوير القلوب معكثرة الشواغل فكتب منه نحو كراسة منتهاها قوله في الخطبة، مرجو البركات في السكنات والحركات لاشتماله على الجوامع مع الكوامل منالصلوات إلخ، ثم سافر سفرته الأخيرة رحمة الله عليه ورضوانه، وقال لي اجمع ما تيسر لك من مواده...»([12]) فمن خلال هذا المقطع من الرسالة يتبين لنا أن الوالد اطمأن لمستوى الابن العلمي فجعله يكمل ما بدأه وهو لما يتجاوز الثالثة والعشرين منالعمر، ولعل من أهم مأخوذاته عنه علوم التصوف، ثم علم التوحيد الذي كان من أهم مشاغل الوالد، كما تدل على ذلك مؤلفاته الكثيرة فيموضوعه، ويعضد هذا الزعم ما يرويه التيشيتيون عن أحمد الملقب اهمارسري بن امحمد بن حمى الله جدُّ محمدو من أمه كان يقول له: «اعتن بأمور الناس لقد ملأك أبوك بعلم التوحيد» ويقال إنه منذ ذلك اليوم لم يصلّى الصبح إلا وسأل المصلين عن الجديد في الحاضرة حتى مات منشغلا بأمور حيه قاضيا حوائج من نابته حاجة ، ومهتما بمصالح العامة ، برورا لجده وقد خلف جده فى ذلك كله كما خلفه هو فى ذلك   تلميذه الذى لازمه جل فترته الزمنية الشريف الحسني التشيتي ، شيخنا بوي احمد بن بوعسري

- أبو بكر بن الشريف أحمد بن الشريف امحمد بن محمد بن فاضل الشريف المتوفي (1279/1862) المعروف بـ«العالم»، وهو حفيد الفقيه الشهير محمد بن فاضل الشريف، أكبر الاخوين الفاضلين الشريفين ووريث محظرة آبائه العريقة، كان فقيها ومدرسا، وقد أخذ منه محمدو بن أحمدو الصغير حيث يقول بالحرف «وقد سمعت أنه رأى في النوم ليلة أنه دخل هو وشيخنا أبو بكر بن الشريف أحمد بن محمد بن الشيخ الكبير الفاضل الشهير محمد بن فاضل، متعنا الله ببقائه، في بيت، فوجدا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ([13]) ومن الثابت عند كبار من أدركنا من أهل العلم في تيشيت أن الفقيه محمدو بن أحمد الصغير أخذ جل علومه من المطالعة والتحصيل، وقدتربى بين مكتبات تيشيت الزاخرة بالمصادر والمراجع في شتى نواحي المعارف الإسلامية، خصوصا منها مكتبة أبيه أحمدو الصغير بن حمى الله التي كانت فيما يبدوا غنية بالكتب، حيث ذكر أحمدو الصغير في كتابه فتح الكريم في حكم الموات والحريم، أنه رجع خلال تأليفه إلى خمسين كتابا سطر لائحة بأسمائها، وإذا كان فيها هذا القدر من الكتب في موضوع واحد فلا بد أنها كانت غنية بالكتب، رغم أن المتبقي منها اليوم غير كثير وقد قال في رسالة الى احد اعلام عصره

من نحو خمسين كتابا جمعا

                            وحكم ارض الله كلا جمعا

أما المكتبة الأخرى فهي مكتبة أخواله آل امحمد بن حمى الله التي ما تزال من كبريات المكتبات القديمة في البلد، وقد كانت تحت وصايةجده لأمه أحمد ابن امحمد بن حمى الله المتقدم الذكر ثم ورث هو هذه الوصاية من جده، يقول محمد المختار بن انمباله: (وكانت مكتبة أخواله آل امحمد بن حمى الله بن الشواف أكبر مكتبة في تيشيت وأغناها بالمراجع على الإطلاق، وقد جعلها عم والدته جدنا [حمى الله الملقب امباله] تحت يده عندما خرج من تيشيت بموجب وثيقة مكتوبة بخط امباله له ما زالت موجودة)([14]) وتدل تقييداته وتوقيفاته على أغلب كتب هاتين المكتبتين سعة مطلاعته، ودوامه على القراءة، فلا تكاد تفتح منها دفة كتاب إلا ووجدت له تنبيها أو توقيفا، أو إفادة، ويقول محافظ هذه المكتبة المؤرخ داد بن ييد إن محمدو كان يطالع  فيها عشر سنين لم يُرَ في ساعة من ليل أو نهارنائما أو مضجعا أو مستلقيا، بل يوجد أحيانا منكبا على كتاب، أو بيده كراسات([15]) وقد عاصر محمدو مجموعة من أعلام تيشيت، من أمثال:

01-عم والدته الفقيه حمى الله الملقب امباله بن امحمد بن حمى الله المسلمي المتوفى بعد( 1290/1873 )، الذي درس في محظرة أبيه امحمد بن حمى الله، ثم رحل إلى علامة عصره سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم، ونهل من معارفه، وأجازه فيها، وهو شيخ ومدرس ومؤلف له عدة مؤلفات في البيان والفقه والفلك ,لكنه نزح الى بادية الحوض واسس بها محظرته ([ 16 ])  

02 - سيدي محمد بن محمد الصغير بن امبوجه العلوي التيشيتي (ت1275/1858) الفقيه القاضي الشاعر، الصوفي القادري ثم التجاني المؤلف المكثر، ( [17] )  يقول محمدو في "نزهة أبصار ذوي الأفكار" «حدثنا شيخنا وقدوتنا فريد العصر ووحيد الدهر القاضي أبو عبد الله سيدي محمد بن محمد الصغير ابن انبوجه أبقاه الله متعة متمتعين ونزهة مستمتعين أن الشيخ الإمام الهمام الجليل النبيل العالم العلامة الدراكة الفهامة المتقن المتفنن الصالح الزاهد العابد الولي العارف بالله صاحب الكشوفات والكرامات أبا العباس الطالب أحمد بن اطوير الجنة بن عبد الله بن الصائم الواداني الحاجي الصائمي المتوفى يوم الاثنين ثاني رمضان عام خمسة وستين ومائتين وألف رحمه الله تعالى ورضي عنه حدثهم أن من قال: (اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي الحبيب العالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وصحبه وسلم) كل ليلة جمعة  ثلاث مرات يعد من المكثرين من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتحضره عند الوفاة روحه صلى الله عليه وسلم » ويشي النص بالعلاقة الصوفية بين الرجلين، لكنه يمكن أن يكون قد أخذ عنه بعض العلوم الأخرى.

03 – سيدي عبيدة بن محمد الصغير بن امبوجه العلوي التيشيتي المتوفي (1284/1867)، الشيخ القاضي المؤلف  أخو سيدي محمد بن امبوجه الأصغر وتلميذه الذي كاد يشتهر عليه([18])، والأدلة على تعلم ابن أحمدو الصغير على سيدي عبيدة كثيرة، منها قول محمدو بن أحمدو الصغير قلت سألت شيخنا وبركتنا العارف بالله أبا الفتح سيدي عبيدة بن محمد الصغير بن أمبوجه رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به أرضى رضاه، عن قوله صلى الله عليه وسلم «من صلى علي في يوم الجمعة ثمانين مرة غفر الله له ذنوب ثمانين سنة» وأشباهه([19]) وقد قرظ سيدي عبيدة بن محمد الصغير بن امبوجه كتاب "نزهة أبصار ذوي الأفكار" هذا بأبيات منها:                                                                  إنَّ التَّقايِيدَ إنْ أحْبَبْتَ تَقْييدَا ** هِيَ الْقلائدُ مَهْمَا رُمْتَ تَقْليدَا

أَكْرِمْ بِهَا مِنْ تَقايِيدٍ مُفَصَّلَةٍ **. صحَّتْ أسَانِيدُهَا لَمْ تَلقَ تَفْنيدَا

وهي أمور كلها تدل على العلاقة الوطيدة بين هذه الأسرة العلمية الكبيرة والمؤلف مما يقوي احتمال تلقيه العلم والتصوف على أيديهم،خصوصا أنهم تلقوا كلهم العلم في محظرة جده أحمد بن امحمد بن حمى الله، وكانوا على علاقة وطيدة بأبيه أحمدو الصغير الذي ظل يتصدر الطائفة التجانية في تيشيت حتى وفاته كما تدل عليه مراسلته  للشيخ محمد الحافظ بن الطلبة شيخ التجانية في المنطقة كلها خلال تلك الفترة، في ما تعرف ردود الشيخ عليه من خلال الرسالة التي بدأها وتوفي في أثنائها، وأتمها خليفته محمدي (بدي) بن سدينا،يقول فيهاردا عليه:}يصل الكتاب إلى يد حبيبنا وصفينا أحمدو ابن حمى الله نسأل الله تعلى جلت عظمته وتقدست أسماؤه أن يسلك بك حالا و مآلا مسالك أوليائه المتقين وأن يوقفك بين يديه مواقف أحبائه العارفين في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادرعليه {وقد أدى تشابه الأسماء بين هاتين الأسرتين التيشيتيتين: (آل أحمدو الصغير المسلميين، وآل محمد الصغير العلويين) إلى خلط شديد لدى المهتمين بالأعلام التيجانية، والأعلام الشنقيطية على حد السواء، وقد أرجع الدكتور النابه أحمد ولد الحسن مرد هذا الخلط إلى اشتراكالاسرتين في الصيت والعلم والعصر والموطن والطريقة الصوفية، وقال «واتضح لنا أن أول مصدر ظهر فيه هذا الخلط كان في كتاب الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، إذ عقد مؤلفه ترجمة لابن امبوجه فسماه سيدي أحمد بن محمد الصغير»([20])كما كانت للمؤلف علاقة وطيدة بمجموعة من علماء وادان الذين نزحوا إلى تيشيت وسكنوها أو ترددوا عليها، من أمثال محمد بن محمد الأمين بن اطوير الجنة بن عبد الله بن محمد بن الصائم الحاجي الواداني المتوفي(1273-1856)، الذي كان يجيز في تيشيت بالقراءات السبع([21]) وله آثار من التوثيق بتيشيت.

الآخذون عنه:

ورث محمدو ابن أحمدو الصغير مدرستين إحداهما من أبيه والأخرى من جده ,كما تقدم فكان عليه القيام مقامهما، ففعل وأخذ طلاب العلم يفدون إليه، وقد أخذ عنه كثيرون، لعل من أشهرهم:

- ابنه أحمدو الملقب حدو بن محمدو بن أحمد الصغير المتوفي (1360/1941).

- إمام مسجد تيشيت الشريف عبد المؤمن بن الإمام المتوفي (1376/1956)

- الشريف محمد بن محمد بن المختار الشريف بن الشريف أحمد بن فاضل الشريف: (ق 14 هـ).

-الفقيه محمد المختار بن أحمد بن حمى الله الملقب: (امباله)المتوفي (1364/1944).

- الشيخ الشريف بوي أحمد بن الشريف المختار بن محمد الملقب بوعسريه المتوفي(1381/1961) وعشرات من طلاب العلم المعروفين وغير المعروفين , بل ربما مئات منهم.

الانتماء الصوفي:

لقد نشأ محمدو بن أحمد الصغير في بيئة فقهية مالكية أشعرية شديدة التمسك بظاهر الشرع ،ولاتقبل التغلغل في مضامين الخطاب الشرعي وانتزاع مفاهيم عميقة أوالخفاء،بل تأخذ من التصوف في حدود ما تسمح به النصوص الفقهية مما لا يتعارض مع ظاهرها، وقد كان والده أحمدو الصغير بن حمى الله يتصدر الطائفة التجانية بتيشيت في حياته كما أسلفنا، ومن هنا نشأ الابن نشأة صوفية، وتبوأ في وقت مبكر من حياته مكانة سامقة في هذه الطائفة، وأضحى مقدمها بتيشيت في وقت لم نستطع تحديده بالضبط، وكان من ضمن الشخصيات التي قامت بدور حاسم في استقطاب التيشيتيين في غالبيتهم إلى الدخول في التجانية، رغم بعد الشقة بينهم وبين مراكز زواياها في القطر الشنقيطي، وقد انتشرت في المنطقة على يده، وكان قد أخذها بواسطتين إحداهما عن والده أحمدو الصغير بن حمى الله عن الشيخ محمد الحافظ بن المختار بن  الحبيب العلوي:المتوفي (1265/184) عن الشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن المختار بن أحمد التجاني: (م1150/1737/ت1230/1814)، والثانية عن الشيخ الحاج عمر بن سعيد تال الفوتي: (ت1309/1891) عن محمد الغالي ابو طالب (ت1247/1831) عن الشيخ سيدي أحمد التجاني وكان له كثير من الأتباع، ومن مقدميه فيها ابنه وخليفته أحمدو الملقب (شيخنا حدُّو) بن محمدو بن أحمدو الصغير: (ت1360/1941)؛ والشريفين: إمام مسجد تيشيت الشريف عبد المؤمن بن الإمام: (ت1376/1956)؛ ومحمد بن محمد بن المختار الشريف بن الشريف أحمد بن فاضل الشريف: (ق 14 هـ)، والفقيه محمدي بن سيدي عثمان التاقاطي الولاتي: (ت1354/1936).

المؤلفات والنشاط العلمي:

لقد أوتي محمدو ابن أحمدو الصغير شخصية علمية فريدة، حيث جعل جل اهتماماته تنصب على المطالعة والدرس والتأليف إلى جانب اهتماماته الصوفية وقد كانت مؤلفاته تُتلقف بالقبول حيثما حلت، وكان الفقيه محمد يحي بن محمد المختار الداودي الولاتي: (ت1259 - 1330) يقول: أحمدو الصغير الفقيه وقال ابنه محمدو الورع، وقد جاء في رسالة بعثها الفقيه محمد يحيى بن محمد المختار  متحدثا عن كتاب «منن العلي الكبير بفوائد أحمدو الصغير» الذي جمع فيه محمدو بن أحمدو الصغير تقييدات وملاحظات والده أحمدو الصغير، ما يلي: (من كاتبه إلى أخيه في الله محمدو بن أحمدو الصغير، وقانا الله وإياه من كل شر وضير وأقول لك إني طالعت المجموع الذي ذكرت فوجدته من أنفس المجموعات وأصحها فما وجدت في كتب النوازل مثله في صحة النقل)([22]) وبصحة النقل هذه، وتحرير مسائل العلم، وطول اليد في مختلف المعارف، والورع الشديد اشتهر ابن أحمدو الصغير، ولمع اسمه وطار في الآفاق، حيث كان شديدا في أمور الشرع لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يجامل ولا يحابي، ويأخذ بعزائم الشرع أكثر من أخذه برخصه،لهذا كان لا يأكل إلا من حرثه، أو زرع من حمل جماله التي يبعثها مع من يثق به في قوافل تيشيت، ولا يشرب إلا ألبان ماشيته، ولا يقبل أن يدخلها فحل ليس منها تورعا وتطهيرا لممتلكاته من الشبهات وهذا الورع البالغ واتقاء الشبهات والإفتاء بذلك في النوازل جر عليه بعض انتقادات معاصريه من العلماء، سنعرض لهم لاحقا ومؤلفاته ما تزال قائمتها غير كاملة لتعذر ذلك حتى الآن بسبب عدم قيامه هو بذلك، ولا قيام أحد تلامذته به، ولا بكتابة ترجمته وسيرته.

فمنها:

في الفقه:

1. الاجتهاد وأحكامه؛

2. أحكام الردة،

3.  ثلاث رسالة في حكم في زكاة الحبس؛

4. استعمال الماء لمن ضاق عليه الوقت،

5. إعادة النصح عن سلم الطعام بالملح،

6. أقسام المجتهدين واختصاصاتهم

7. بحث في حكم النكاح من دون ولي

8. بحث في المدارات

9.       رسالة في بطلان نكاح البائنة المعتدة

10. تأليف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

11. تنزيه أهل البيت النبوي المطهرين من الأدناس عن أخذ ما حرم عليهم من الصدقات التي هي أوساخ الناس،

12. تأليف في رجال الغيث،

13.  تقييد في قصر الصلاة،

14.  تنبيه الغافل اللبيب على ما في رسالة الفاضل بن الحبيب.

15.  الجمعة وأحكامها

16.  رسالة الحج من بلاد شنقيط

17.  مكتوب في تربية الكلب

18.  المأخوذ من الناهب المستغرق الذمة

19.  ربا الفضل والنسيئة في النقود

20.  أوراق في شأن "ياجوج وماجوج"

21.  علة الربا في الطعام

22.  فوائد فقهية

23.  ما يلحق به الولد

24.  المكان الذي تجب فيه الجمعة

25.  مكتوب في شأن إلحاق الولد بأبيه

26.  منن العلي الكبير بفوائد أحمد الصغير جمع فيه تقييدات وتكنيشات وملاحظات والده أحمد الصغير في مجلدين ولا تخلو من تعلايقاتللجامعها محمد من وقت لآخر.

27.  نازلة في النكاح.

في اللغة:

1.  شرح الأجرومية.

وفي السيرة النبوية:

1.  درر الغائص في غرر الخصائص.

2.  نظم أسماء شهداء أحد.

3.  نظم أسماء شهداء بدر.

4.  نظم صيفة النبي صلى الله عليه وسلم .

5.  وسائل الاصطفاء في دلائل صفة ذات المصطفى.

في التصوف:

1.  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

2.  رجال الغيث.

3.  الرجاء.

4.  الدعاء وأحكامه.

5.  ردود على موقف الشيخ البكاي بن الشيخ سيد المختار الكنتي

من التجانية.

6. ضوء الظلام في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام (نظم).

7. ملقوط العرائس والفوائد من كتاب الفوائد والصلات والعوائد (اختصار لكتاب الفوائد والصلات والعوائد لأحمد بن عبد اللطيف الشرجياليمني في الأخلاق والأدعية والفوائد).

8. منة الوهاب بإيتاء الحكمة في فصل الخطاب في جواز التوسل بالصالحين والعلماء والأقطاب.

10    . منظومة في النصيحة

11    . نزهة أبصار ذوي الأفكار بالإسفار عما في التنوير من الأذكار، الذي نحن الآن بين يدي تقديمه

في التاريخ:

1. إنارة المبهَم والمظلم من أخبار بني عبد المؤمن وبني محمد مسلم.

2. المتحم في علماء أبناء عبد المؤمن ومحمد مسلم، وهو كتاب مفقود.

وفي التراجم:

1. قرة عين ذي النظر السديد في طبقات علماء التجديد (وهو المنشور في مشهد البحوث والمخطوطات).

وفي الشعر:

2. ديوان شعر مجموع.

منزلته في عصره وعلاقته بأعلامه:

لا يخفى على متتبع سيرة محمدو بن أحمدو الصغير المنزلة التي كان يتبؤها لا في تيشيت فحسب بل في أقليمه، حيث كانت الهدايا تأتيه من بلاد المغرب، وبلاد السودان حتى وفاته، حسب من أدركناه من كبار أهل العلم بتيشيت، وكان علماء عصره يجلونه ويوقرونه، ويتمسكون بآرائه، وهو فوق ذلك عالم تيشيت وشيخها في التصوف بلا منازع، حيث خلف والده أحمدو الصغير في المنزلة الصوفية والعلمية، وخلف جده أحمدو بن امحمد بن حمى الله في التدريس والإفتاء والسياسة العامة وقد كان أمراء منطقته يجلونه ويوقرونه، أمثال:

أحمد الكبير بن الشيخ الحاج عمر بن سعيد تال الفوتي: (ت1309/1891) خليفة أبيه في إمارته بمالي، الذي تراسل معه في قضايا كثيرة وتوجد نسخة من إحدى رسائلهما بمكتبة محمدو بن الإمام بتيشيت؛

كما كان يراسله أمير تكانت بكار بن أسويد أحمد (ت1323/1905)، وتوجد كثير من الاستفتائات الواردة عليه من طرف بكار وأسرته في مكتبات تيشيت وكان يتراسل مع أمير مشظوف أحمد محمود بن المختار بن المحيميد  (ت1301/1884) ومن ضمن هذه المراسلات رسالة أوردناها في أطروحتنا للدكتوراه، بشأن أحمدو بن حمى الله الملقب امباله([23]) الذي كان أحمد محموديجله ولا يفارقه، ولا ينصحه في أمر إلا استجاب له، وقد جاء فيها:

«يَا أَحْمَدْ مَحْمُودْ، جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى سَعْيَكَ مَشْكُورًا، وَذَنْبَكَ مَغْفُورًا، وَجُنْدَكَ عَلَى أَعْدَائِكَ مَنْصُورًا، وَبَلَدَكَ بِإِيوَائِكَ ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعْمُورًا،وَحُبَّكَ فِي قُلُوبِهِمْ مَوْقُورًا، لِمَا تَعَوَّدُوا مِنْ ذَبِّكَ لِلظُّلاَّمِ، عَنْ ضُعَفَاءِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ، حَقٌّ عَلَيْكَ - شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا مَنّ بِهِ عَلَيْكَ مِنْ مِنَّةِالإِيمَانِ، وَنِعْمَةِ الإِسْلاَمِ، وَاتِّبَاعِ مَا شَرَعَ مِنْ أَحْكَامِ الحَلاَلِ وَالحَرَامِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلاَمُ - أَنْ لاَ تَقُومَ فِي أَمْرٍ حَتَّى تَتَحَقَّقَ أَنَّهُ أَمَرٌ شَرْعِيٌ، مُرْتَضىً عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُحَقِّقِينَ، مُرَاعٍ لِمُوَّافَقَتِهِ لِلنَّصِّ الأَصْلِيِّ وَالْفَرْعِيِ، وَإلاَّ فَاللاَّئِقُ بِحَالِكَ وَمَا عُرِفَ مِنْ سِيرَتِكَ الْمَحْمُودَةِمَعَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْإِصْلاَحِ، لاَ سِيَّمَا بَيْنَ أَهْلِ الصَّلاَحِ، أَبْنَاءِ أَهْلِ الصَّلاَحِ، »([24]).

وقد كان دوره الاجتماعي والسياسي بارزا لذا نجد ضمن آثاره كثيرا مما يوحي بهذا الدور، من توسطه لدى الأمراء بالمراسلة لصالح مجموعته وغيرها من المجموعات، ومن رأب الخلافات التي تظهر بين المكونات الاجتماعية لساكنة تيشيت، ومن الأمثلة على هذا الدور قصيدته حين ترأس وفدا إلى مجموعة ودّه وحلف سلفه ، أبناء بله المرام ، لإيقاف الحرب التي شبت من جديد بعد خمودها ، حيث دبج قصيدته التي حث فيها المجموعة إلى السلم ونبذ الحرب ، يقول في مطلعها

سلام كريا المسك فاح شذىً ووردا **. سلام محب يبتغي نصحكم جدا

إليكم بني بِلَّه الأحباءَ، زادكم ** مواهبَ إحسان الإله لكم مدّا

و أولاكم شكرا على النعم التي ** يزيد إلهُ الشاكرين بها الرفدا

و لازلتم في طيب عيش مهنئ **. وعافية من ربنا لكم تهدى

و لازلتم حصنا لك مروع **. وجاركم لا يختشي الرقش و الأسدا

ولا زلتم في عصمة ووقاية **. من الشر والحرب الذي أهلَه أردى

وقد عاصر جملة من كبار علماء منطقته منهم علامة الحوض محمد يحيى بن محمد المختار الولاتي: (ت1259 - 1330) الذي كان يبادله الرسائل والفتاوى، وكان آخر المراجعات بينهما مسألة زكاة الحبس التي أوضحها محمدو بن أحمدو الصغير بالقول: «هذا فلتعلم أيها الأخ أبان الله تعالى لنا ولك معالم التحقيق، وسلك بنا وبك أنفع طريق أنك لما سافرت عن بلادنا إلى ما منَّ الله تعالى به عليك هنيئا لك والله يلطف بنا نحن، وانقطعت عنَّا الإفادة منك، في جميع ما يعرض لنا من النوازل التي بعضها من جملة المعضلات التي أستعيذ أن تنزل منها واحدة ولا أبا حسن لها لم نجد بعدك من المنتسبين للعلم من نرتضيه لشفاء ما في أنفسنا لما ينزل من النوازل كما نرتضيك أنت، لذلك فكان لسان حالنا إذا نزلت بنا نازلة يقول ما قال الإمام اليوسي في داليته:

لو كان عبد الله يسمع نوحتي **. ألقت عصاها رحلتي وتزودي

ثم لتعلم أنا لما منَّ الله تعالى علينا وعلى جميع أهل بلادنا بوصولك إلى بلادنا سالما وبلغنا أنك  غير ناوٍ الاستقرار فيها انتهزنا فرصة زمن الحرالذي يمنعك من السفر إلى البلاد الشاسعة ووجهنا إليك سؤالا في مسألة عمت بها البلوى في هذه البلاد وهي تحبيس الأنعام» غير أن الجواب الذي ردَّ به الفقيه محمد يحيى لم يحلّ المشكل لدى ابن أحمدو الصغير فراجعه فيه مراجعة أطالت بينهم النقاش، يقول ابن أحمدو الصغير في مستهل إحدى رسائله إلى الفقيه محمد يحيى:

إلى من له إفتاء مذهب مالك ** وإبداء ما يحوي من أقوى المسالك

سلام حكى بدر التمام وضاءة **. أضاءت به الآفاق بعد الحوالك

أبان بهم صوب الصواب إلهنا **. وجلا ظلام الجهل عن كل سالك

وبعث الفقيه محمد يحيى بن سليم الداودي اليونسي(ت1354/1935)، أبياتًا إلى ابن أحمدو الصغير مناصرا لرأيه في هذا هذه المسألة،منها:

مني إلى محمدُ بن أحمدِ **. تحية تفي بكل مطلب

لا زال بالأخبار هاد مهتد ** ينصرها نصر أب مؤيد

وبعث محمد المختار بن الفقيه محمد يحيى (ت1352/1933) إلى محمدو بن أحمدو الصغير يسترضيه نيابة عن والده، في إطار هذه المراجعة العلمية، يقول فيها:

«بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على نبيه الكريم وآله وصحبه، اللهم صل على سيدنا محمد وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة.

إنه السلام التام العام، والتوقير والاحترام، والتبجيل والإكرام، والرحمة والإنعام، والبركة والإعظام، والتنويه والاهتمام، مرور الليالي والأيام،والشهور والأعوام، ما ساح النعام، وترنم في أيكه الحمام، بما عجز عنه قس وأبو تمام.

من كاتبه إلى حضرة الشيخ الأجل، والهمام المفضل، واللوذعي الأكمل، شيخنا محمدو بن الفقيه الشهير، القدوة أحمدو الصغير.

أما بعد فاعلم أنما قضى الله لك به علينا من المحبة والاخاء، وصادق المودة والصفاء، يمنع كل من يتعلق بنا أن يفعل ما يوحشك أو يبعدك،فأحرى شيخنا الذي هو أعظم الناس رغبة في محبتك ومودتك، ولا تظن أنه يعمد إلى مثل ذلك في مثلك، كلا وحاشا ومعاذ الله، ولكنا لمراجعة في الأسئلة والأجوبة لا تضر فيها التخطئة، وإن ذلك مما يزيد الحق إيضاحا، ويثمر في قلوب المتراجعين المحققين مودة وأفراحا،مع أن الوالد في غاية الرضى عنك والإكرام، وأنه لا نظير لك عنده في تحقيق المسائل يذكر ذلك المرة بعد المرة، واعتذر لنا من وصفه لك في الكتاب بقوله "قال المعترض" بأن قال: إنه يعلم أنك في الحقيقة متثبت لا معترض ولا متعنت، ولكن يقول ظاهر السؤال الثاني الاعتراض،فيذكر الوصف وهو عن الموصوف به راض، وبمنزلته في العلم وتحقيقه قاض، وقد سمحت مني القريحة بأبيات في هذا المنوال المذكور، ونرجوا منكم تلقيها بالمودة والسرور، وسرعة الجواب دليل على الرضا، وجميل الصفح والإغضاء، فمثل جنابكم يعذر من اعتذر، وسارع إلى المعذرة وابتدر، وهاهي ذي:        [البسيط]

ظَنَّتْ أميمةُ بعضَ الظَّنِّ فِي كَلمِ ** قِلِّى وليْسَ قَلَى الْأحبابِ مِنْ شِيَمِ

لَا سيَمَا مَنْ بِها أنْسِي و مَفخرَتِي ** وبغيَتِي وهَوايَ وهيَ مُعتصَمِ

فلَا تَوحِّشَهَا مِنِّي مراجعَتِي ** لَها فَتنسبنِي للْبعدِ والسَّأَمِ

أنَّى وكَيْفَ وهَلْ يسلُوا الْمتيَّمُ عَنْ ** أطلَالِ أحْياءِ مَنْ لولَاهُ لَمْ يَهمِ

أمْ كيْفَ يُوجدُ نقضُ الْعْهدِ مِنْ دَنِفٍ؟ ** أوْ يَهْجُرُ الْحِبُّ صَافِي الْحُبِّ فِي الْقَدَمِ؟([25])

لَكِنْ أمُيْمةُ لَمَّا أنْ رَأتْ ولَعِي **. وفَارطَ الشَّوْقِ والْغرامِ والسَّقَمِ

تصامَمَتْ وأبَتْ إلَّا مُقاطعَتِي ** فَالآنَ أنْشدُها بالْعهدِ والذِّمَمِ

أنْ حاكمِينِي إلَى شَيْخِ الشُّيوخِ الرِّضَى ** مُحمَّدُ الْعدْلُ ذِي الْآدَابِ والشِّيَمِ

قُطْبِ السِّيادَةِ فِيْصلِ الخْصومِ ومَنْ ** هوَ الْمُؤمَّلُ  فِي الْإصْلَاحِ ذُو الْحكَمِ

وأحْلَمُ النَّاسِ كُلِّهَا وأجْملُهَا ** طَبْعاً وأعْظَمُها واللهِ فِي الْهمَمِ

وخَيْرُهَا وابْنِ خَيْرهِا وعالِمِها **. ونَجلِ عالِمِها وجَيْلَمُ الظُّلَمِ([26])

وغَوْثُها وابْنُ غَوثِها وسَيِّدُها ** ونَجْلُ سيِّدها والْغيْثُ ذُو الدِّيَمِ

ونُورُها وابْنُ نورِها ومَلْجؤُهَا ** ونَجلِ ملجئِها وخَيْرُ مُعتصِمِ

إنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ تُرَى مُحاكمَتِي ** فحَسْبُنَا اللهُ والْوثُوقُ بالْحَكَمِ

وها أنا أقف عجزا وإعياء، وأنشد استحياء:

يا كتابا بالله قبل يديه بدلا من فمي ففيه احتشام.

كتبه عبد ربه ورهين كسبه، محبكم في الله: محمد المختار بن شيخه محبكم محمد يحيى بن محمد المختار بن الطالب عبد الله، أمنهم الله والمسلمين آمين.

كما تراجع مع الفقيه محمد فاضل بن الحبيب اليعقوبي الذي رد بأمر من شيخه الشيخ محمد فاضل بن مامين على كتاب ابن أحمدوالصغير"إعادة النصح عن سلم الطعام بالملح" برسالة يقول فيها:

«أما بعد فقد وردت علينا رسالة جميلة جليلة من قبل المصرين المحروسين: تيشيت وآغريجيت، وأخبرنا أن قد ألفها، العالم العلامة، البحر الفهامة، النحرير الهمام، الكريم بن الكرام، محمدو بن أحمدو الصغير، كان الله لنا وله في الجليل من أمرنا والحقير، سماها: "رسالة النصح عن سلم الطعام بالملح" مقتضاها ما أشعر به اسمها، ودل به على حقيقته مسماها... فطلب مني شيخي الشيخ محمد فاضل أن أطلب لهم ما طلبوا من التوسعة، مما لا يخالف إجماع أهل الملة، ولا يعارض صريح الكتاب والسنة...»

فرد محمدو ابن أحمدو الصغير برسالة سماها: «تنبيه الغافل اللبيب على ما في رسالة الفاضل بن الحبيب».

أخلاقه:

لعل خير من لخص مآثر محمدو ابن أحمدو الصغير الفقيه الطالب بوبكر بن أحمد المصطفي المحجوبي الولاتي: (1352/1917) في كتابه منح الرب الغفور فيما أهمل صاحب فتح الشكور في حوادث سنة 1323هـ حيث قال: «كان فقيهًا فاضلاً نبيهًا، صدرًا من صدور العلماء و مفخرًا من مفاخر الأولياء النجباء، وأحد الفقهاء الأتقياء، لغويًّا بيانيًّا أصوليًّا منطقيًّا، وكان تقيًّا عابدًا زاهدًا ورعًا، ذا جد واجتهاد، ولزوم أدعية،وأذكار، وأوراد، يعمر أوقاته كلها بالعبادة يعمل لآخرته كأنه يموت غدا، دائم الأحزان، ليست له راحة، حسن الخَلْق والخُلُق كثير الإفادة،محببا عند العامة لا يراه أحد إلا أحبه وأثنى عيله بالثناء الحسن، وكان سنيا كثير الملازمة للمسجد، والصلاة في الجماعة، ويقول: المساجد هي بيوت الله في أرضه وهي التي أمر الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وفي الحديث إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾  [سورة التوبة آية: 18]، وكان جيد النظر للمسائل، وكان يسرد صحيح البخاري في قرية تيشيت في رجب وشعبان ورمضان مقبلا على ما يعنيه، معرضا عما لا يعنيه، وعلمه صحيح محرر، لا يشك أحد في فتواه إذا أفتى في مسألة حتى كادت رئاسة الإفتاء تنتهي إليه في تيشيت»([27]).

وفاته:

وتوفي يوم الاثنين 20/رجب الفرد، سنة: 1324هـ/1906م بمنطقة تدعى «أوطفن» على بعد سبعين كم شمال شرقي مدينة تنبدغه في الحوض الشرقي، وهو أثناء سفر، وقد أرخ لوفاته الشريف محمد بن آب بن شيرف قوره بقوله:

ومن بتقوى الله والعلم اشتهر ** وفاته كانت بعام "قد شكر"

في ليلة الاثنين كاف رجب ** وعمره إذ ذاك في رمز "عب"

أعـني محمـدو بـن أحمـدو الـصغيـر ** رضـي عـنهما الهُنا الـكبـــير

وهذا التاريخ بحساب الجمل على النحو التالي: 20، رجب، سنة 1324 هـ وأوضح أنه توفي وعمره 72 سنة