مستخدم:Boudaoud2020/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

المجاهد المرحوم بوداود عبد القادر - رحمه الله -

بعد أن أحب التعلم والكتاب، وعمره 14 سنة، غادر قريته ''ذراع الزقـــــا'' بسيدي عيسى وهدفه المنشود الارتواء من ينابيع المعرفة لدى جمعية العلماء المسلمين بقسنطينة فكانت الفرصة كبيرة بالنسبة إليه للحصول على ما يريد· وبعد مدة لم يكفه هذا فودع الوطن هذه المرة باتجاه القاهرة ليلتحق بالأزهر سنة 1940 ذلك الصرح الثقافي المهم الذي يتمناه كل شاب في عمره أراد بكل طموح الذهاب بعيدا···

وفي سنة 1943 التحق به الرئيس الراحل هواري بومدين، وبعد أن كان قد استقر هناك حوالي ثلاث سنوات، فقام عبد القادر بوداود بالعمل على انضمام بومدين إلى المعهد الجامع ليصبحا زميلين ورفيقين، وواصل الدرب، درب النضال من أجل الوطن ولما عاد سنة 1944 سجن ونفي إلى جنان بورزفا ثم إلى مفتاح حتى سنة 1950 تاريخ عودته إلى العاصمة· وبعد اندلاع الثورة التحريرية ألقي عليه القبض سنة 1958 وحكم عليه بالإعدام، وفي جانفي 1962 أطلق سراحه·

ولكن بعد أداء الواجب، ما قصة الحاج عبد القادر بوداود مع الكتاب؟

كان بإمكان الرجل كالبقية، أن يتاجر بأي شيء بعد الاستقلال يأتي بالمال، لكن حبه للمعرفة والكتاب أدى به إلى أن يعمل جاهدا مع رفيق عمره مرازفة بإنشاء مكتبة لها أهميتها بالعاصمة· وكان له ذلك· فمن منا لا يعرف مكتبة مرازفة بوداود بباب عزون التي مرت منها أجيال وأجيال!

كان المقر قبل سنة 1963 مخصصا لمؤسسة ''نزيار'' الفرنسية لبيع البن المعروف، وعمل المرحوم على شرائه بعد أن تم ذلك صدر قانون التأميم الخاص بالأجانب ولكن الإشكال حل بعد تدخل الرئيس بومدين رحمه الله، وبدأ العمل وأصبح صرحا له مكانة في نفوس المتعلمين والمثقفين بالجزائر وشهرة بدول المشرق العربي فتعاملت مع المكتبة دور: دار العلم للملايين، الحياة، الآداب، وغيرها· كما كسب علاقات وصداقات مع أهل صناعة الكتاب بعد أن زار مصر، لبنان، الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، اليابان، والقصد من ذلك الإطلاع على الخبرات والتجارب في هذا الميدان الجميل الذي لا يتعلق به إلا مثقّف ذواق·

إلى جانب ذلك ظهر مجهود الرجل في طبع ونشر العديد من المؤلفات الجزائرية· وبما أنه ابن جمعية العلماء، فقد لعب دورا هاما في نشر كتاب ''حياة ابن باديس وآثاره'' من تحقيق الدكتور عمار طالبي؛ حيث أوكل المهمة إلى دار العلم للملايين، ثم استطاع بفضل هذا التواصل أن يأتي بأمهات الكتب العربية وثمرات مطابعها لتقسم كمياتها بين مكتبة باب عزون وعدة مكتبات عبر أرض الوطن· وبذلك بقيت هذه المكتبة رافدا من روافد فضاءات الكتاب مدة طويلة من تاريخنا الثقافي، لاسيما في وقت نقص فيه الاهتمام بهذا العنصر المهم في عملية التثقيف والتكوين، بعد أن حولت العديد من دور الكتب إلى محلات لبيع السلع الاستهلاكية السريعة وأصبح الكتاب في عيون الناس من الكماليات· وبذلك قل العارفون به والذين يحسنون الاختيار والنوعية التي يحتاجها المتعلم والمثّقف· وهكذا بعد رحيل هذا العميد يتولى المهمة الابن ''محمد'' مواصلا المهمة النبيلة التي عرف بها والده·

حافظ المرحوم على علاقة جيدة بالكتاب، فكانت الكميات المعروضة للبيع متنوعة ولم تقتصر على القديم، فكان الجديد يأتي في وقته· وبذلك عمل بوعي على الاختيار والتنقية في هذا، فوضع أمام القارئ التراث والمعاصرة إلى غير ذلك· ومن هنا كان دوره أكثر من دور الدولة في بعض الأحيان، سواء في إحضار الكتاب أو توزيعه أو مبادرة اقتراح ما ينشر على بعض أصحاب المطابع·

بباب عزون بالعاصمة اليوم حيز منير أنار الشموع منذ أربعين سنة، فرسم في ذاكرة أهل الكتاب أجمل الذكريات· ولا شك أن الكثير يحتفظ ببعض أمهات المطابع ولاسيما القديمة منها عندما كنا في أشد الحاجة إلى الكتاب العربي خاصة·

·· هنا أيضا كان يجالس الفقيد الكثير من المثقفين، خاصة من جمعية العلماء من الأئمة وممن امتهنوا التدريس، فكان ناديا للنقاش وإبداء لآراء في شتى المواضيع· وبالطبع كانت للكتاب الأهمية الأولى في ذلك·

أما هناك خارج الرقعة، فمن الصداقات التي كونها ومتّنها ورافقها بمراسلات، كانت مع الدكتور طه حسين، الهرم الأدبي الكبير صاحب الثورات والمعارك الفكرية التي بقيت شواهدها إلى اليوم··

وتعرف عن قرب على الكاتب الكبير وصاحب دار الآداب ''سهيل إدريس'' الذي ربطته به أكثر من علاقة عمل· ذلك كله من أجل الكتاب الذي لم يغادره قط إلا بعد أن ودعنا مؤخرا رحمه الله، والحمد لله، على أن هناك خلفا يؤمن أيضا بـ:''وخير جليس في الأنام كتاب"


                                                                        براردي أحمد / سيدي عيسى