مستخدم:George salloum/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

جمعة الحبّ أصبح يومُ الجمعةِ مختلفاً في هذه الآونة....فهناك جمعةُ الغضب وجمعة الرحيل وجمعة الكفاح وجمعة الرياح و.... وكنا نتلقى إشاراتِ كلّ جمعةٍ وتعليماتها عبرَ المواقع الالكترونية ثم ننطلق كالقطيع ....ننادي بشعاراتٍ مستوحاة من التسمية التي أطلقت على ذلك اليوم ,فنغضبْ إذا كنا في جمعة الغضب ...ونصبرْ ونعضُّ على الجراح إذا كنا في جمعة الصبر والثبات ...وقد نموتُ- بكل بساطة –إذا سمّوها جمعة الموت! - وماذا سيكون اسمُ الجمعةِ القادمة يا أبي؟ همسَ ابني الصغير خائفاً وقد تمسّك بثيابي خشية أن يلتقطهُ أحدٌ ما. - لا أدري يابني ...ما زلنا في يوم الاثنين وما زالت الجمعة بعيدة. وفي المساء ..بحثتُ في المواقع الالكترونية علّني أستشفّ شيئاً عن الجمعة القادمة ... نعم أصبحنا سجناء البيوت ...لكننا والحمد لله نتجوّل بحرية حول العالم أسرع بكثير من جدنا ابن بطوطة...فنتمرجحُ بين القنوات الفضائية حول الكرة الأرضية ...أو نغوصُ في الصفحات الالكترونية لنقرأ مايجري في بقاعِ الأرض..والأجملُ من ذلك أننا نعبّر بحرّية ونعطي رأينا فيما يجري في بلاد الواق الواق. ليس هذا فقط ..أنت الآن ياصديقي تستطيع أن تشتمَ وتلعن بل وتقاتل(بشكل إلكتروني) ! تذكّرت الفتوحات العربية المظفرة ..وكيف ركب أجدادنا خيول النضال ورفعوا راياتِ المجد ..عندها كانت تصطدم الخيل بالخيل في ساحة الوغى ويثور الغبار فوق رؤوس الفرسان ...ولن ترى عندها سوى لمعان السيوف وتطاير أسنّة الرماحْ . وتذكّر جدّي عنترة محبوبته عبلة في تلك اللحظة فهاجَ خاطره بالشعرِ الرقيق وقال: ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ منّ------ي وبيضُ الهند تقطرُ من دمي وقال آخر : ولقد ذكرتك والأسنة تصطلي فوق الجماجم والأكفّ تطيرُ هكذا إذن يتذكرون محبوباتهم بين زفراتِ الموت ولا سبيلَ إلى وصالها سوى بيت من الشعر لا يلبثُ أن يضيعَ بين سنابكِ الخيل. اشكر ربك يا أخي.. فأنت الآن وفي خضمّ معركتك الالكترونية ...حيث تحتدمُ السّجالات المكتوبة وتتضاربُ الكلمات المقروءة على الصفحات الالكترونية ..يمكنك إذا ما تذكرت محبوبتك أن تنتقل وبسرعة إلى مواقع ما يسمى (بالدردشة أو الفرفشة) فتفتح صفحتها الشخصية وتكحّل ناظريك بصورتها وتتمتع بالحديث معها كما تشاء ...مع متابعتك لحربك الطاحنة.. وليس هذا فحسبْ ....بل أصبح من المستبعد أن تساق إلى الجندية الإجبارية لتذود عن حمى الوطن ...لا داعي لذلك بكل ما فيه من المخاطر ...يمكنك الآن أن تتطوّع في جيش الوطن الالكتروني فتداهم صفحات الأعداء وتغلقها ..وتنشر ما يبيّض صفحة وطنك من أفلامٍ ومدوّنات ...وتظهر ما يسوّد صفحات العدى فتشلّ حركتهم وتفرّق شملهم ... لعمري لو جاءَ عنترة إلى هذا الزمان راكباً جوادهُ الأبجر ومتأبطا حاسوبه بدلاً من سيفهٍ الابتر ..لكان ذلك أسهلُ عليه …أما معلقته الشهيرة فلا داعي أن تعلق على جدار الكعبة ليقرأها الناس في سوق عكاظ ....الآن يكفي أن ينشرها في صفحته الالكترونية على أحد المواقع لتنتشر في كل الكرة الارضية ويبدي الناس إعجابهم بها. لنلتفت الآن إلى الدعواتِ الكثيرة الواردة إلينا حول يوم الجمعةِ القادم ... يا للعجب إنهم يطلقون عليها جمعة الحبّ !؟ نعمْ ... وسوف ينطلق جميع العشاق في مدينتي .. وما أكثرهم في وطني ...ينطلقون إلى ميدان المحبة ... حسب التوقيت المتفق عليه ...شباب ٌ مندفعون بعواطفهم الجياشة المكبوتة والمقيدة بجنازير الدّين والعرف والتقاليد ... وهناك سيلتقون بالمتظاهرات اللواتي أكثرنَ من التزيّن والتجمّل قبل أن يسرنَ باتجاه ميدان المحبة .. وقفت القنوات الفضائية تصوّر المظاهرتين اللتين تجوبا الشوارع في المدينة وتزداد أعداد كل منها باطرادٍ عجيب.. لم يحملوا لافتاتٍ منددةٍ بالنظام أو شعاراتٍ مطالبةٍ بشيء ما.. لم يحملوا أعلاما لأي فريقٍ سياسي أو حزبٍ ما ..بل رفعوا باقاتٍ من الأزاهير المتنوعة التي يحفلُ بها وطننا الحبيب ... ووقفت الأمهات على الشرفاتِ ينثرنَ على المتظاهرين الأرز وأوراق الورد ...ورأيت دموعا في عيون بعضهن .. وعندما سألت إحداهنّ عن السبب قالت : -إني أودّع ابنتي ..ستتزوج اليوم من أحد المتظاهرين في ميدان المحبة .. وقد لا أراها بعد ذلك فقد يخطفها ملاك الحب إلى عالمه المسحور. وفي ميدان المحبة تزاحم العشاق وسدّوا كل المنافذ .. هتفوا للحب .. وتبادلوا القبل وباقاتِ الوردْ .. وامتلأت أرجاءُ الميدان بآهاتهم وزفراتهم .... كانوا سعداءَ وكأنهم في الجنة .. ثم أحاط بهم رجال الأمن ورجال الدين لتيسير أمورهم ..وتزويج من رضي بالزواج منهم .....وما هي إلا ساعة حتى انفضّت التظاهرة بسلام .. وعاد الشباب إلى بيوتهم مكللين بأثواب السعادة والرضا ...


قال لي ابني : -مالي أراك ساهما حالما تحدّق في هذا الحاسوب ...وقد ركبتك أحلام اليقظة كعادتك ؟ -نعم يابني .. لقد أصبحت مريضا بأحلام اليقظة .. لكنه مرضٌ جميل يمنّ به الله على المحظيّين من رعيته .. فالأحلام علاجٌ يابني لهذا العالم المريض..تعال وانظر إلى واقعنا الحالي.. إنهم ويا للأسف يدعون إلى التظاهر في الجمعة القادمة وقد سميت (جمعة الويلِ والثبورْ وعظائمِ الأمورْ ).