مستخدم:Osamah AL-shahrani/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

خاتم الأنبيــاء { محمد بن عبدالله } صلى الله عليه وسلم.


اسمه ونسبه الشريف :.

هو : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.. وعدنان من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام..

وهو عليه الصلاة والسلام ابن الذبيحيين:

كان عبدالله والد الرسول صلى عليه وسلم أحسن أولاد عبد المطلب وأعفهم وأحبهم إليه وهو( الذبيح)لما حفرعبد المطلب (جد النبي) بئر زمزم وبدت آثارها نازعته قريش فنذر لئن آتاه الله عشره أبناء وبلغوا ليذبحن أحدهم فلما تم ذلك أقرع بين أولاده .فوقعت القرعة على ولده عبد اللَّه(والد الرسول صلى الله عليه وسلم) فذهب به الى الكعبه ليذبحه فلما أراد ذبحه وأطاعه ابنه منعته قريش ولاسيما إخوانه وأخواله ففداه بمائة من الإبل فنُحرت فداءً لعبد اللَّه والذبيح الآخر هو إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام) حيث يعود نسب نبينا عليه الصلاة والسلام

وكان "عبدالله"أحسن أولاد عبدالمطلب واختار عبدالمطلب لابنه "عبدالله " "آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب" وكانت افضل نساء قريش شرفاَ وموضعاً فتمت الخطبه والزواج في مكة فحملت بالرسول صلى الله عليه وسلم

مكان الولاده:.

ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعب بني هاشم في مكة صبيحة يوم الاثنين الموافق الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل الموافق لسنة 571م توفي والد رسول الله صلوات الله عليه وسلامه قبل ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت قابلته أي دايته الشفاء بنت عمرو أم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ولما ولدته أمه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام،وأرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بولادته فجاء عبد المطلب مستبشراً مسروراً وحمله فأدخله الكعبة وشكر الله ودعاه وسماه "محمداً" رجاء أن يحمد،وعقّ عنه وختنه يوم سابعه وأطعم الناس كما كان العرب يفعلون.

وكانت حاضنته أم أيمن بركة الحبشية مولاة والده عبد الله و قد أسلمت وهاجرت وتوفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو ستة

وقد كان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لمواليدهمفي البوادي،إبعاداَ لهم عن أمراض الحواضر وليتقنوا اللسان العربي في مهدهم فجاءت نسوة من بني سعد بن بكر يطلبنَ أطفالًا يرضعنهم فعرض النبي صلى الله عليه وسلم فأبين أن يرضعنه لأجل يتمه ولم تجد إحدى النسوة وهي

"حليمة بنت أبي ذؤيب "رضيعاً فأخذته صلى الله عليه وسلم ،لتُرضعه مع ابنها "عبد الله" في بادية "بني سعد"،وزوجها هو "الحارث بن عبد العزى"،وكان لهما ابنتان أنيسة وجدامة ولقبها الشيماءوالتي كانت تحضن محمدًا صلى الله عليه وسلم مع أمّها

كان أوّل من أرضعته بعد رضاعه من أمّه ثويبة مولاة أبي لهب فأرضعت محمدًا لأيام بلبن ابن لها يُقال له مسروح،وكانت قد أرضعت قبله "حمزة بن عبد المطلب" و"أبا سلمة المخزومي "هم إخوانه صلى الله عليه السلام من الرضاعة

حادثة شق صدره عليه الصلاه والسلام

وهكذا بقي الرسول عليه السلام في "بني سعد "، حتّى إذا كانت السنة الرابعة أو الخامسة من مولده وقع حادث شقّ صدره روى مسلم عن أنس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان ، فأخذه فصرعه ، فشقّ عن قلبه ،فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة ،فقال هذا حظّ الشيطان منك ثمّ غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثمّ لأمه ثمّ أعاده إلى مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمّه فقالواإنّ محمداً قد قُتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتّى ردّته إلى أمّه فكان عند أمّه إلى أن بلغ ست سنين

وفاة أمّه وجدّه ورعاية عمّه أبو طالب له صلّى الله عليه وسلّم

ورأت آمنة وفاءًا لذكرى زوجها الراحل أن تزور قبره بيثرب فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ خمسمائة كيلو متراًومعهاولدها اليتيم محمّد صلّى الله عليه وسلّم وخادمتها أمّ أيمن وقيمها عبد المطّلب ،فمكثت شهراً،ثمّ قفِلت وبينما هي راجعة إذ يلاحقها المرض ويلحّ عليها في أوائل الطريق فماتت بالأبواء بين مكّة والمدينةعاد به عبدالمطلب إلى مكةوكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم الذي أصيب بمصاب جديد نكأ الجروح القديمة فرقّ عليه رقة لم يرقّها على أحد من أولاده فكان لا يدعه لوحدته المفروضة، بل يؤثره على أولاده قال ابن هشام كان يوضع لعبد المطلب فراض في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً له،فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه فيقول عبدالمطلب إذارأى ذلك منهم دعوا ابني هذا فوالله إنّ له لشأناً، ثم يجلس معه على فراشه ويمسج ظهره بيده ويسره ما يراه يصنع ولثمان سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلى الله عليه وسلم توفي جده عبد المطلب بمكة، ورأى قبل وفاته إلى بصرى وكان فيها راهبن يعهد بكفالة حفيده إلى عمّه أبي طالب شقيق أبيه ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمّه إلى ولده وقدمه عليهم واختصه بفضل احترام وتقدير وظلّ فوق أربعين سنة يعزّ جانبه ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله ورأت آمنة وفاءًا لذكرى زوجها الراحل أن تزور قبره بيثرب ، فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ خمسمائة كيلو متراً ، ومعها ولدها اليتيم محمّد صلّى الله عليه وسلّم وخادمتها أمّ أيمن ، وقيمها عبد المطّلب ،فمكثت شهراً، ثمّ قفِلت وبينما هي راجعة إذ يلاحقها المرض ويلحّ عليها في أوائل الطريق ، فماتت بالأبواء بين مكّة والمدينة. عاد به عبدالمطلب إلى مكة، وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم الذي أصيب بمصاب جديد نكأ الجروح القديمة، فرقّ عليه رقة لم يرقّها على أحد من أولاده، فكان لا يدعه لوحدته المفروضة، بل يؤثره على أولاده، قال ابن هشام: كان يوضع لعبد المطلب فراض في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً له،فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه فيقول عبدالمطلب إذا رأى ذلك منهم دعوا ابني هذا، فوالله إنّ له لشأناً، ثم يجلس معه على فراشه، ويمسج ظهره بيده ويسره ما يراه يصنع ولثمان سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلى الله عليه وسلم توفي جده عبد المطلب بمكة، ورأى قبل وفاته إلى بصرى وكان فيها راهب أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمّه أبي طالب شقيق أبيه ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمّه إلى ولده وقدمه عليهم واختصه بفضل احترام وتقدير، وظلّ فوق أربعين سنة يعزّ جانبه ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله


رحلته إلى الشام مع عمه أبي طالب

مّا بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 12 سنةارتحل به أبو طالب تاجراً إلى الشام حتّى وصل عُرِف بِـ " بحيرا " فلمّا نزل الركب خرج إليهم ، وأكرمهم بالضيافة ، وكان لايخرج إليهم قبل ذلك ، وعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصفته ، فقال وهو آخذ بيده هذا سيّد العالمين ، هذا يبعثه الله رحمةً للعالمين فقال أبو طالب وماعلمك بذلك ؟؟ فقال إنّكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولاشجر إلاّ وخرّ ساجداًولا تسجد إلاّ لنبيّ وإنّي أعرفه بخاتم النبوّة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة وإنّا نجده في كتبنا وسأل أبا طالب أن يردّه ، ولايقدم به إلى الشام خوفاً عليه من اليهود ، فبعثه عمّه مع بعض غلمانه إلى مكّة


حياة الكدح {عمله} عليه الصلاة والسلام

لم يكن لرسول الله عمل معيّن في أول شبابه، إلا أن الروايات توالت أنّه كان يرعى غنماً، رعاها في بني سعد، وفي مكة لأهلها على قراريط، ويبدو أنه انتقل إلى عمل التجارة حين شب، فقد ورد أنه كان يتجر مع السائب بن أبي السائب المخزومي فكان خير شريك له، لا يداري ولا يماري، وجاءه يوم الفتح فرحب به، وقال: مرحباً بأخي وشريكي. وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج تاجراً إلى الشام في مال خديجة، قال ابن إسحاق: كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قوماً تجاراً، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من "صدق حديثه"، و"عظم أمانته" و"كرم أخلاقه"بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج فيمال لها إلى الشام تاجراً، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار،مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام

زواجه بخديجة

ولما رجع إلى مكة ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلامها " ميسرة" بما رأى فيه صلى الله عليه وسلم من خِلالٍ عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين، وجدت ضالتها المنشودةوكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبى عليهم ذلك فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها" نفيسة بنت منبه"، وهذه ذهبت إليه صلى الله عليه وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضي بذلك، وكلّم أعمامه،فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقهاعشرينبكرة، وكانت سنها إذذاك أربعين سنة، وكانت يومئذ أفضل نساءقومها نسباً وثروة وعقلاً، وهي أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت. ان في حياة أمّ المؤمنين خديجة الكثير مما ينبغي التوقف عنده والإفادة منه ولعل أجلاه واهمه ما كان لها من دور مشهود في مؤازرة زوجها العظيم و تخفيف ما تكبده من أعباء مهولة في سبيل دعوة الحق وفي هذا قال ابن عباس: (كانت خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله ورسوله وصدقمحمدا في ما جاء به عن ربه وآزره على أمره فكان لا يسمع من المشركين شيئا يكرهه من رد عليه وتكذيب له إلا فرج الله عنه بها تثبته وتصدقه وتخفف عنه وتهون عليه ما يلقى من قومه)


أبناءه - صلّى الله عليه وسلّم

كان كلّ أولاده من السيّدة خديجة رضي الله عنهاسوى إبراهيم، ولدت له أولاً:القاسم ثم زينب،ورقيةوأم كلثوم،وفاطمة،وعبدالله،وكان عبدالله يلقّب بالطيب والطاهر، ومات بنوه كلهم في صغرهم أما البنات كلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن، إلا أنّهن أدركتهن الوفاة في حياته صلى الله عليه وسلم سوى فاطمة، فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت بها

في غار حراء ونزول الوحي

في غار حراء: لما تقاربت سنه صلى الله عليه وسلم الأربعين،وكانت تأملاته الماضية قد وسعت الشقة العقلية بينه وبين قومه،حبب إليه الخلاء، فكان يأخذ السويق والماء،ويذهب إلى غار حراء في جبل النور على مبعدة نحو ميلين من مكة وهو غار لطيف طوله أربعة أذرع،وعرضه ذراع وثلاثة أرباع ذراع منذراعالحديد، فيقيم في شهر رمضان ويقضي وقته في العبادة والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون وفيما وراءها من قدرةمبدعة،وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائدالشرك وكان اختياره لهذه العزلة طرفاً من تدبير الله له وقد تمت هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثلاث سنوات

جبريل ينزل بالوحي:

ولما تكامل له أربعون سنة بدأت طلائع النبوة تلوح وتلمع، فمن ذلك أن حجراً بمكة كان يسلم عليه، ومنها أنه كان يرى الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءتمثل فلق الصبح، حتى مضت على ذلك ستة أشهر، ومدة النبوة ثلاثة وعشرون سنة، فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاًمنالنبوة، فما كان رمضان من السنةالثالثة من عزلته بحراء شاء الله أن يفيض من رحمته على أهل الأرض فأكرمه بالنبوة، وأنزل إليه جبريل بآيات مالقرآن. أوّل مابُدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، ثمّ حُبّب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء..فيتعبّد فيه الليالي.. وجاءه الحقّ وهو في الغار ، فجاءه الملك فقال : اقرأ ،فقلت ما أنا بقارئ قال : فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد ، ثمّ أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطّني الثالثة ، ثمّ أرسلني فقال : [ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ (3)] فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال : زمّلوني زمّلوني ، فزمّلوه حتّى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة :مالي ، وأخبرها الخبر، لقد خشيتُ على نفسي ، فقالت خديجة: كلاّ والله ما يُخزيك الله أبداً ، إنّك لتصل الرحم ، وتحمل الكلّ وتُكسب المعدوم وتُقري الضيف وتُعين على نوائب الحقّ . فانظلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل ابن عمّها ، فأخبره الرسول خبر ما رأى فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزّله الله على موسى .وقد بقي صلّى الله عليه وسلّم كئيباً محزوناً..في فترة انقطاع الوحي لأيّام.. حتّى جاءه جبريل للمرّة الثانية روى البخاري عن جابر بن عبدالله أنّه سمع رسول الله يتحدّث عن فترة الوحي ، قال :فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء ، فرفعت بصري قِبَل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض ،فجثثتُ منه حتّى هويت إلى الأرض ، فجئت أهلي فقلت : زمّلوني زمّلوني ،فأنزل الله تعالى :يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)

زوجات الرسول - صلّى الله عليه وسلّم -:أسماء زوجات النبي صلى الله عليه وسلم هي كالتالي:

1 - خديجة بن خويلد رضي الله عنها. بعدها

-2سودة بنت زمعه رضي الله عنها.كان رحيل السيدة خديجةرضى الله عنهامثير أحزان كبرى فى بيت النبى صلى الله عليه وسلم وفى محيط الصحابة رضوان الله عليهم - إشفاقًا عليه من الوحدةوافتقادمن يرعى شئونه وشئون أولاده فى هذا المناخ.. مناخ الحزن والوحدة وافتقاد من يرعى شئون الرسول وشئون أولاده سعت إلى بيت الرسول واحدة من المسلمات تُسمى خولة بنت حكيم السلمية وقالت:له يا رسول الله كأنى أراك قد دخلتك خلّة لفقد خديجة فأجاب صلى الله عليه وسلم:أجل كانت أم العيال وربة البيت ] ،فقالت يا رسول الله: ألا أخطب عليك ؟فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ولكن – من بعد خديخة ؟! فذكرت له عائشة بنت أبى بكر فقال الرسول: لكنها ما تزال صغيره فقالت: تخطبها اليوم ثم تنتظر حتى تنضج.. قال الرسول ولكن من للبيت ومن لبنات الرسول يخدمهن ؟ فقالت خولة: إنها سودة بنت زمعة ،وعرض الأمر على سودة ووالدها:فتم الزواج ودخل بها صلى الله عليه وسلم بمكة. وكانت أول امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم بعد خديجة ، وكان ذلك فى رمضان سنة عشر من النبوة


3-عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها.الذى يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم إن من آمن الناس علىّ فى ماله وصحبته أبا بكر ، ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن أخوة الإسلام..".وأم عائشة هى أم رومان بنت عامر الكنانى من الصحابيات الجليلات ، وهي المرأة البكر الوحيدة التي تزوجهاالنبوة

4-حفصة بنت عمر رضي الله عنهاتوفى عنها زوجها حنيس بن حذافة السهمى وهو صحابى جليل من أصحاب الهجرتين - إلى الحبشة ثم إلى المدينة - وكان ممن شهد بدرا ومات بالمدينةوأصبحت حفصة بنت عمر بن الخطاب أرملة وهى شابة. وكان ترمّلها مثار ألم دائم لأبيهاعمر بن الخطاب الذى كان يحزنه أن يرى جمال ابنته وحيويتها تخبو يومًا بعد يوم.. وبمشاعر الأبوة الحانية وطبيعة المجتمع الذى لا يتردد فيه الرجل من أن يخطب لابنته من يراهأهلاً لهايقول عمرأتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة بنت عمر ، قال : قلت : إن شئت أنكحتك حفصة ، قال سأنظرفي أمري ، فلبثت ليالي ، ثم لقيني فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا ، قال عمر : فلقيت أبا بكر الصديق فقلت : إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر فصمت أبا بكر ، فلم يرجع إلي شيئا ، فكنت عليه أوجد مني على عثمان ، فلبثت ليالي ثم خطبها إلي رسول الله فأنكحتها إياه ، فلقيني أبو بكر فقال : لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصةفلم أرجع إليك شيئا ؟ قال عمر : قلت : نعم ! قال : فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك شيئا فيما عرضت علي ، إلا أني قد كنت علمت أن رسول الله قد ذكرهاولم أكن لأفشي سر رسول الله ولو تركها رسول الله قبلتها

5-زينب بنت خزيمة رضي الله عنهاهي زينب بنت خزيمة بنت الحارث بن عبدالله بن عمرو ..كانت تسمى في الجاهلية : أم المساكين لإطعامها إيّاهم ، وكانت تحت عبدالله بن جحش فقتل ، فتزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلّم في السنة 3 ، ولم تلبث عنده إلا يسيراً ثم توفيت ودفنت بالبقيع

6- أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية رضي الله عنها. من المهاجرين الأولين إلى الحبشة وكان زوجها (أبو سلمة) عبد الله ابن عبد الأسد المخزومى أول من هاجر إلى يثرب (المدينة) من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم جاءت إلى بيت النبى صلى الله عليه وسلم كزوجة بعد وفاة " بزمن غير قصير. سليلة بيت كريم ، فأبوها أحد أجواد قريش المعروفين بلقب زاد الراكب إذ كان لا يرافقه أحد فى سفر إلا كفاه زاد


7- زينب بنت جحش رضي الله عنها.لم أرَ امرأة قط خيرًا فى الدين من زينب ،وأتقى لله وأصدق حديثًا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد تبديلا إلا لنفسها فى العمل الذى تتصدق وتتقرب به إلى الله عز وجل ؟هكذا تحدثت أم المؤمنين عائشة - رضى الله عنها– عن " ضرّتها " زينب بنت جحش. والحق الذى كنا نود أن يلتفت إليه المبطلون الحاقدون على الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم.. هو أن زواج محمد صلى الله عليه وسلم من زوجة ابنه بالتبنى زيد بن حارثة إنما كان لحكمة تشريعية أرادها الإسلام لإبطال هذه العادة عادة التبنى ـ التى هى فى الحقيقة تزييف لحقائق الأمور كان لها فى واقع الناس والحياة آثار غير حميدة. ولأن هذه العادة كانت قد تأصلت فى مجتمع الجاهلية اختارت السماءبيت النبوة بل نبى الرسالة الخاتمة نفسه صلى الله عليه وسلم ليتم على يديه وفى بيته الإعلان العلمى عن إبطال هذه العادة.وتجدر الإشارة هنا إلى مجموعة الآيات القرآنية التى جاءت إعلاناً عن هذا الحكم المخالف لعادات الجاهلية وتفسيرًا للتشريع الجديد فى هذه ـ المسألة و فى موضوع الزواج بزينب حيث تقول:(مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)


8-أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها. أم حبيبة بنت أبى سفيان نجدة نبوية لمسلمة فى محنة: إنها أم حبيبة " رملة " بنت أبى سفيان كبير مشركى مكة وأشد أهلهاخصومة لمحمد صلوات الله وسلامه عليه. كانت زوجًا لعبيد الله بن جحش وخرجا معًا مهاجرين بإسلامهما فى الهجرة الأولى إلى الحبشة


9- جويرية بنت الحارث وكان اسمها برة،فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية. الأميرة الحسناء التى لم تكن امرأة أعظم بركة على قومها منها فقد أعتق الرسول صلى الله عليه وسلم بعد زواجه بها أهل مائة بيت من بنى المصطلق (التى هى منهم)


10- صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها. هي صفية حيي هي بنت سيد بني النضيرمن بني اسرائيل سبيت في خيبر فا صطفاها رسول الله لنفسه وعرض عليها الاسلام واسلمت فأ عتقها وتزوجهافي السنه 7 للهجره


11ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها.ميمونة بنت الحارث الهلالية أرملة يسعدها أن يكون لها رجل: اخر أمهات المؤمنين.. توفى عنها زوجها أبو رهم بن عبد العزّى العامرى فانتهت ولاية أمرها إلى زوج أختها العباس الذى زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث بنى بها الرسول فى " سرف " قرب " التنعيم" على مقربة من مكة حيث يكون بدء الإحرام للمعتمرين من أهل مكة والمقيمين بهاواختلف في ريحانة بنت زيد النضرية هل كانت من زوجاته أم من إمائه؟ فهؤلاء نساؤه المعروفات اللاتي دخل بهن، أما من خطبها ولم يتزوجها، ومن وهبت نفسها له، ولم يتزوجها، فنحو أربع أو خمس، وقال بعضهم هن ثلاثون امرأة. وأهل العلم بسيرته وأحواله لا يعرفون هذا، بل ينكرونه، والمعروف عندهم أنه بعث إلى الجونية ليتزوجها،فدخل عليها ليخطبها فاستعاذت منه فأعاذها ولم يتزوجها، وكذلك الكلبية، وكذلك التي رأى بكشحهابياضاً فلم يدخل بها،والتي وهبت نفسها له فزوجها غيره على سورالقرآن، وهذا هو المحفوظ. ا.هـ وراجع زاد المعاد 1/79. والله أعلم



صفاته- صلّى الله عليه وسلّم -:

إن الله تعالى قد خص رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بأجمل الصفات وأحسنها وأتمها ظاهراً وباطناًومما خصه به من صفات خَلْقية ( جسمانيّة ): ما روى البخاري عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: سمعت أنس بن مالك يصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كَانَرَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ وعن أنس رضي الله عنه قال: ما مسست حريراً ولا ديباجا ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم ولا شممت ريحا قط أو عرقاً قط أطيب من ريح أوعرق النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري وفي وصف كعب له قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سراستنار وجهه كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه رواه البخاري

رأسه صلى الله عليهِ وسلمْ ~ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس رواه أحمد والبزار وابن سعد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس عظيم العينين هدب الأشفار مشرب العين بحمرة كث اللحية أزهر اللون إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صعدوإذاالتفت التفت جميعا شثن الكفين والقدمين أمّا شَعْرُه صلى الله عليه وسلم فكان رَجِلاً لا جَعْدَ - (أي لا التواء فيه ولا تقبض)- وَلا سَبِطَ - أي ولا مسترسل) لونه صلى الله عليهِ وسلمْ ~

*عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما على وجه الأرض رجل رآه غيري قال: فكيف رأيته؟ قال: كان أبيض مليحًا مقصدًا. رواه مسلم

*وعن أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا آدم رواه البخاري ومسلم والأزهر: هو الأبيض المستنير المشرق، وهو أحسن الألوان

*وعن أبي الطفيل رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم أبيض مليحًا مقصدًا. رواه مسلم *وعن أبي جحيفة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب. رواه البخاري ومسلم

* وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم أبيض مشربًا بياضه حمرة رواه أحمد والترمذي والبزار وابن سعد وأبو يعلىوالحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وجهه صلى الله عليهِ وسلمْ ~ *كان صلى الله عليه وسلم أسيل الوجه مسنون الخدينولم يكن مستديراً غاية التدوير بل كان بين الاستدارة والإسالةهو أجمل عند كل ذي ذوق سليم وكان وجهه مثل الشمس والقمر في الإشراق والصفاء مليحاً كأنما صيغ من فضة لا أوضأ ولا أضوأ منه *كان صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر قال عنه البراء بن عازب: (كان أحسن الناس وجهًا و أحسنهم خلقاً) * عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ : " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لَيْلَةَ أُضْحِيَانِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُوَكُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَى الْقَمَرِ فَكَانَ فِي عَيْنَيَّ أَزْيَنُ مِنَ الْقَمَرِ " جبينه صلى الله عليهِ وسلمْ ~ * عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيل الجبين " الأسيل : هو المستوي أخرجه البيهقي ابن عساكر * وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان صلى الله عليه وسلم أجلى الجبهة إذا طلع جبينه من بين الشعر أوطلع في فلق الصبح أو عند طفل الليل أو طلع بوجهه على الناس تراءوا جبينه كأنه ضوء السراج المتوقد يتلألأ وكان النبي صلى الله عليه وسلم واسع الجبهة رواه البيهقي في دلائل النبوة وابن عساكرم

آنفه صلى الله عليهِ وسلمْ ~

كان النبي صلى الله عليه وسلم أقنى الأنف، أي: طويل الأنف مع دقة الأرنبة،والأرنبة: هي الجزء الأسفل من الأنف أو الأعلى، يعني: لم يكن أنفه غليظاً ولا دقيقاً، ولم يكن طويلاً متدلياً إلى أسفل.عينآه صلى الله عليهِ وسلمْ ~ .(كان النبي صلى الله عليه وسلم أكحل العينين أهدب الأشفار إذا وطئ بقدمه وطئ بكلّها ليس له أخمص إذا وضع رداءه عن منكبيه فكأنه سبيكة فضة)البيهقي وحسنه الألباني. وعن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم العينين، هَدِبُ الأشفار، مشرب العينين بحمرة. رواه أحمد وابن سعد والبزار.ومعنى مشرب العينين بحمرة:أي عروق حمراءرقاق. الأهدب: الطويل الأشفار الأَشْفارُ حروف الأَجفان التي ينبت عليها الشَّعر. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:كنت إذا نظرت إليه قلت: أكحل العينين وليس بأكحل صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي وأحمد والحاكم والطبراني. خدآه صلى الله عليهِ وسلمْ ~ .* عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: ‘كان رسولالله صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ عن يمينه وعن يساره حتى يُرى بياض خده’، أخرجه ابن ماجه وقال مقبل الوادي هذاحديث صحيح. قال يزيد الفارسي رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميل دوائر الوجه. رواه أحمد.ومسلم


أمّا فمه وآسنآنه صلى الله عليهِ وسلمْ ~


.فقد قال جابر بن سمرة :(كان رسول الله صلى الله علية وسلم ضليع الفم ،أشكل العين ، منهوس العقب " . قال شعبة :قلت لمالك : ما "ضليع الفم " ؟ قال : عظيم الفم . قلت : ما " أشكل العين " ؟ قال :طويل شق العين . قلت ما " منهوس العقب قال : قليل لحم العقب)

أمّا ريقه صلى الله عليهِ وسلمْ ~


فقد أعطاه الله تعالى خصائص كثيرة لريقه الشريف، ومنذلك أن ريقه صلى الله عليه و سلم فيه شفاء للعليل، ورواء للغليل وغذاء وقوة وبركة ونماء..فكم داوى صلى الله عليه وسلم بريقه الشريف من مريض فبرئ من ساعته! جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: لأعطِيَنَّ الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله.فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم يرجو أن يُعطاها، فقال صلى الله عليه وسلم: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه.قال: فأرسلوا إليه. فأُتِيَ به وفي رواية مسلم: قال سلمة: فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي، فجئت به أقوده أرمد فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، فبرئ كأنه لم يكن به وجع... وعن يزيد بن أبي عبيد قال:رأيت أثر ضربة في ساق سلمة فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة؟قال: هذه ضربة أصابتها يوم خيبر فقال الناس أصيب سلمة... فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيت حتى الساعة"

سمعه صلى الله عليهِ وسلمْ ~


عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: [ بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: "من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟".فقال رجل: أنا. قال: "فمتى مات هؤلاء؟". قال: ماتوا على الإشراك. فقال ": {إن هذه الأمة تبتلى في قبورها. فلولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه}. رواه مسلم


~صوته صلى الله عليهِ وسلمْ

عن أم معبد رضي الله عنها، قالت: كان في صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم صهل. رواه الطبراني في الكبير والحاكم وقالصحيح الإسناد ووافقه الذهبي. عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، قالت: "إني كنت لأسمع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على عريشي. يعني قراءته في صلاة الليل. "رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم والطبراني.قدماه - صلّى الله عليه وسلّم


~كان صلى الله عليه و سلم أشبَهَ النَّاس بسيدنا إبراهيم عليه السلام،


وكانت قدماه الشَّريفتان تشبهان قدمي سيدنا إبراهيم عليه السلام ..كما هي آثارها في مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام. فقد قال عليه السلام في حديث الإسراء في وصف سيدناإبراهيم عليه السلام: {ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به} صحيح البخاري وكان أبو جهم بن حذيفة القرشي العدوي الصحابي الجليل، يقول:"ما رأيت شبهًاكشبه قدم النبي صلى الله عليه وسلم بقدم إبراهيم التي كنا نجدها في المقام..."

ساقآه صلى الله عليهِ وسلمْ ~ وذرآعيـه

عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: "..وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى بيض ساقيه" أخرجه البخاري في صحيحه. و(كان صلى الله عليه وسلم أشعر، طويل الزندين(أي الذراعين)، سبط القصب (القصب يريد به ساعديه). وكان صلى الله عليه وسلم ضخم اليدين، ذو شَعرٍ جميل، ففي الخبر عن أَنَسٍ رضي الله عنه قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم ضَخْمَ الْيَدَيْنِ، لم أرَ بعده مثلة


منكباه - صلى الله عليهِ وسلمْ

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم بعيد ما بين المنكبين). رواه البخاري مسلم.كفّاه - صلى الله عليهِ وسلمْ - . عن أنس أو جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم" كان ضخم الكفين لم أر بعده شبهًا له".أخرجه البخاري. وعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال:(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء... وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه،فيمسحون بها وجوههم. قال: فأخذت بيده فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب رائحة من المسك).أخرجه البخاري..وعن عبد الله بن مسعود قال:(كنا نَعُد الآيات بَركة، وأنتم تَعُدونها تخويفاً، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقَلَّ الماء، قال عليه الصلاة والسلام: اطلبوا لي فضلة من ماء. فأدخَل يده في الإناء وقال: حَيّ على الطَّهورالمبارك، والبركة من الله.ويقول ابن مسعود: لقدرأيتُ الماء ينبع من بين أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يُؤكل)رواه البخاري.رائحته - صلى الله عليهِ وسلمْ عن أنس رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشا تكفأ، ومامسحت ديباجًا ولاحريرًا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكاً ولا عنبرًا أطيب من رائحة النبي صلى الله عليه وسلم). أخرجه البخاري ومسلم، وأحمد ، والدارمي والأزهر:المنير المضيء والمشرق. والزاهر والأزهر: الحسن الأبيض من الرجال وقيل هو الأبيض فيه حمرة .- وعن أنس أيضًا قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَال (أي نام) عندنا، فعرِقَ وجاءت أمي بقارورة فجعلت تَسلُتُ العَرَق، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أم سُلَيم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: عَرَق نجعله في طيبنا وهو أطيَب الطيب"،رواه مسلم. خاتم نبوته صلى الله عليهِ وسلمْ عن جابر بن سمرة قال: (رأيت الخاتم بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، غُدة حمراء مثل بيضة الحمامة يشبه جسده).اخرجه الترمذي ومسلم الغدة: قطعة اللحمة، والتشبيه ببيضة الحمامة في المقدار.وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَدُرْتُ هَكَذَا مِنْ خَلْفِهِ ، فَعَرَفَ الَّذِي أُرِيدُ ، فَأَلْقَى الرِّدَاءَ عَنْ ظَهْرِهِ ،فَرَأَيْتُ مَوْضِعَ الْخَاتَمِ عَلَى كَتِفَيْهِ ، مِثْلَ الْجُمْعِ حَوْلَهَا خِيلانٌ ،كَأَنَّهَا ثَآلِيلُ ، فَرَجَعْتُ حَتَّى اسْتَقْبَلْتُهُ ، فَقُلْتُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: وَلَكَ فَقَالَ الْقَوْمُ : أَسْتَغْفَرَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَلَكُمْ ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾. صحيح،اخرجه مسلم واحمد وابن ماجه الْجُمْعِ: بضم الجيم أي مثل جمع الكف.خِيلانٌ: جمع خال، نقطة تضرب إلي السواد تسمى شامة. ثَآلِيلُ: جمع ثؤلول وهو خراج صغير كالحمصة. يظهر علي الجسد له نتوء واستدارة


صفة ضحكه و بكائه صلى الله عليهِ وسلمْ


قال الله تعالى ( وَإنّك َلعَلَى خُلُق ٍعَظِيْم ْ)

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضحكى إلا تبَسُّماً وعن عبد الله بن الحارث قال: "ما رأيتُ أحداً أكثر تبسماً من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان رسول لله صلى الله عليه وسلم لايُحَدِّث حديثاً إلا تبَسَّم، وإن ضَحِك أصحابه صلى الله عليه وسلم عندها تبسُّموا اقتِداءً به وتَوقيراً له،وكان صلى الله عليه وسلم إذا جرى به الضحك وضع يده على فمه، وكان صلى الله عليه وسلم مِن أضحك الناس وأطيَبَهم نَفساًوكان صلى الله عليه وسلم ..إذا ضحك بانت نواجذه أي أضراسه من غير أن يرفع صوته وكان الغالب من أحواله التَّبَسُّم. وبكاؤه صلى الله عليه وسلم كان من جنس ضحكه، لم يكن بشهيق و رفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن تدمع عيناه حتى تنهملان ويُسمَع لصدره أزيز، ويبكي رحمة لِمَيِّت وخوفاً على أمَّته وشفقة عليها وكان يبكي من خشية الله تعالى وعند سماع القرآن وفي صلاة الليل. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مُستَجمِعاً قط ضاحكاً، حتى أرى منهلهاته، (أي أقصى حَلقِه)


خآتمه صلى الله عليهِ وسلمْ

الشمائل المحمدية / الرسول كأنك تراه ذكر خاتمه ( صلى الله عليه وسلم ): عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: (كان خاتم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من ورقٍ وكان فصُّه حبشياً)صحيح مسلم- ( 3/ 1658) رقم ( 2094)- كتاب اللباس – باب في خاتم الورق فصه حبشي. وعن ابن عمر- رضي الله عنه -"" أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اتخذ خاتماً من فضة،فكان يختم به ولا يلبسه). أخرجه أحمد (2/68) وقال الألباني في مختصر الشمائل (إسناده صحيح على شرط الشيخين) (57). وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه - قال"ان خاتم النبي (صلى الله عليه وسلم) من فضة، فَضُه منه).البخاري- الفتح-( 10/ 334) رقم ( 587كتاب اللباس، باب فص الخاتم. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (كان نقش خاتم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) محمد سطر ورسول سطر، و(الله) سطر). البخاري- الفتح(10/341) رقم ( 5878) كتاب اللباس باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر. وفي طريق أخرى: (أن النبي(صلى الله عليه وسلم)كتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي، فقيل له: إنهم لا يقبلون كتاباً إلا بخاتم، فصاغ رسول الله خاتماً حلقته فضة، ونقش فيه محمد رسول الله (فكأني أنظر إلى بياضه في كفه).صحيح مسلم(3/ 1657) رقم ( 2092) - اللباس والزينة- في اتخاذ النبي خاتماً لما أراد أن يكتب إلى العجم. وعن ابن عمر-رضي الله عنه-قال: (اتخذ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) خاتماً من ورقٍ، فكان في يده،ثم كان في يد أبي بكر ويد عمر، ثم كان في يد عثمان حتى وقع في بئر أريس نقشه: محمد رسول الله). البخاري- الفتح- كتاب اللباس – باب نقش الخاتم ( 10/ 336) رقم ( 5873)



أمّا صفاته الخُلُقيّة :


اتصف الرسول عليه السلام في سيرته قبل البعثة بصفات معينة منها :1 ] نفوره عليه السلام من الأوثان واجتنابه الرذائل : فقد كره رسول الله عليه السلام وهو لم يزل صبيا عبادة الأصنام الأوثان فلم يعظمها أو يسجد لها وما شارك قومه في عيد من أعيادها ولا ذاق من لحوم قرابينها بل كان ينفر منها ويبغضها بغضا شديدا .2] اشتهاره عليه السلام برجاحة العقل والأخلاق الكريمة :


كما كان عليه السلام أحسن الناس خُلقاً وأكرمهم وأتقاهم عن أنس رضي الله عنه قال" كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا" -الحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت "ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن ويقول تعالى مادحاً وواصفاً خُلق نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم (( وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ )) [ القلم 4 ] و لما سُئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه عليه الصلاة والسلام ، قالت : ( كان خلقه القرآن) صحيح مسلم فهذه الكلمة العظيمة من عائشة رضي الله عنها ترشدنا إلى أنّ أخلاقه عليه الصلاة والسلام هي اتباع القرآن وهي الإستقامة على ما في القرآن من أوامر ونواهي ، وهي التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها والبعد عن كل خلق ذمه القرآن. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخلقاً فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلقٍ جميل


عن عطاء رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا - رواه البخاري كان يمتاز بفصاحة اللسان، وبلاغة القول، وكان من ذلك بالمحل الأفضل، والموضع الذي لا يجهل، سلامة طبع، ونصاعة لفظ وجزالة قول، وصحة معان،وقلة تكلف، أوتي جوامع الكلم، وخص ببدائع الحكم، و علم ألسنة العرب، يخاطب كل قبيلة بلسانها، ويحاورها بلغتها، اجتمعت له قوة عارضة البادية وجزالتها،ونصاعة ألفاظ الحاضرة ورونق كلامها، إلى التأييد الإلهي الذي مدده الوحي


وكان الحلم والاحتمال، والعفو عند المقدرة، والصبر على المكاره، صفات أدبه الله بها، وكل حليم قد عرفت منه زلة، وحفظت عنه هفوة، ولكنه لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبراً، وعلى إسراف الجاهل إلا حلماً، وقالت عائشة: ما خُيّر رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها، وكان أبعد الناس غضباً، وأسرعهم رضا


وكان من صفة الجود و الكرم على مالا يقادر قدره،ان يُعطي عطاء من لايخاف الفقر ، وكان من الشجاعة والنجدة والبأس بالمكان الذي لايجهل، كان أشجع الناس ، حضر المواقف الصعبة وكان أشدّ الناس حياء وإغضاء ،قال أبو سعيد الخدري : كان أشدّ الناس حياء من العذراء في خدرها ، وإذا كره شيئاً عُرِف في وجهه


وكان أعدل الناس وأعفّهم وأصدقهم لهجة وأعظمهم أمانة ، اعترف له بذلك محاوروه وأعداؤه ، وكان يُسمّى قبل نبوّته "الأمين" ويتحاكم إليه في الجاهلية وكان أشدّ الناس تواضعاً ، وأبعدهم عن الكبر ، يمنع عن القيام له كما يقومون للملوك ، وكان يعود المساكين ، ويُجالس الفقراء ، ويُجيب دعوة العبد وكان أوفى الناس بالعهود ، وأوصلهم لرحم ، وأعظمهم شفقة ورأفة ورحمة بالناس ، أحسن الناس عشرة وأدباً وأبسط الناس خُلقاً ،أيعد الناس عن سوء الأخلاق ،لم يكن فاحشاً ولامتفحّشاً ، ولا لعّاناً ، ولا صخّاباً في الأسواق ولا يجزي السيّئة بالسيّئة ،ولكن يعفو ويصفح كان يخزن لسانه إلاّ عمّا يعنيه ، يؤلّف أصحابه ولا فرقهم ، ويكرم كريم كلّ قوم ، ويتفقّد أصحابه ،ويسأل الناس عمّا في الناس ، يحسّن الحسن ويقبّح القبيح ، معتدل الأمر غير مختلف وكان لا يجلس ولا يقوم إلاّ على ذكر ، وكان دائم البشر سهل الخلق ، ليّن الجانب ليس بفظّ ولا غليظ ، ولا فحّاش ولا عتّاب ولا مدّاح ، يتغافل عمّا لايشتهي

وعلى الجملة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم محلّى بصفات الكمال المنقطعة النظير، أدّبه ربه فأحسن تأديبه، حتى خاطبه مثنياً عليه فقال: "وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ " وكانت هذه الخلال ممّا قرب إليه النفوس، وحبّبه إلى القلوب، وصيّره قائداً تهوى إليه الأفئدة، وألان من شكيمة قومه بعد الإباء، حتى دخلوا في دين الله أفواجاً


{نماذج من أخلاقه - صلّى الله عليه وسلّم}

( من رحمته )

قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107)

وعندما قيل له ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم "إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة" - رواه مسلم.وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً ، فشقَّ عليهم ، فاشقُق عليه ، و من ولي من أمر أمتي شيئاً ، فرفق بهم ، فارفق به )

يقول تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ..) (آل عمران:159)

وقد قال في فضل الرحمة: (الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه الترمذي وصححه الألباني .

وقال صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة الذين أخبر عنهم بقوله: ( أهل الجنة ثلاثة وذكر منهم ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ) رواه مسلم


(ومن عفوه ) :عن أنس رضي الله عنه قال

كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت له والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به صلى الله عليه وسلم ، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال يا أنس أذهبت حيث أمرتك؟قلت نعم، أنا أذهب يا رسول الله – فذهبت" رواه مسلم وأبو داود.

وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءأعرابي ، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَه مَه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تزرموه، دعوه) ،فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلمدعاه فقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن) قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه. رواه مسلم

( ومن تواضعه )مسلم

أنّه كان يُجيب الدعوة، دعوة الحر والعبد والغني والفقير ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر.وكان عليه السلام سيّد المتواضعين

يتخلّق ويتمثّل بقوله تعالى

((تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ )) [ القصص 83 ]

وكان أبعد هم عن الكبر ، كيف لا وهو الذي يقول: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري. وقال : (آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد)رواه أبو يعلى وحسنه الألباني. وقال: (لو أُهدي إليَّ كراعٌ لقبلتُ ولو دُعيت عليه لأجبت)رواه الترمذي وصححه الألباني. وقال في التحذير من الكبر : ( لا يدخل في الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر)رواه مسلم


ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم

أنه كان يُجيب الدعوة ولو إلى خبز الشعير ويقبل الهدية.( ومن زهده- صلّى الله عليه وسلم -)أنّه كان أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة خيّره الله تعالى بين أن يكون ملكاً نبياً أو يكون عبداً نبياً فاختار أن يكون عبداً نبياوكان ينامُ على الفراش تارة، وعلى النِّطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة بين رِمَالهِ، وتارة على كِساء أسود. قال أنس بن مالك رضي الله عنه : ( دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مزمول بالشريط وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف ودخل عمر وناس من الصحابة فانحرف النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عمر أثرالشريط في جنبه فبكى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا عمر؟؟.. قال: ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا وأنت على الحال الذي أرى فقال يا عمر: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟؟. قال : بلى قال: هو كذلك ) وكان من زهده أنّ النّار لا توقد في بيته في الثلاثةأهلة في شهرين .فعن عروة رضي الله عنه قال: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت تقول: والله يا ابن أختي كنا لننظر إلى الهلال ثم الهـلال ثـلاثة أهله في شهرين ما أوقـد في أبيـات رسـول الله صلى الله عليه وسلم نار، قلت: يا خالة فما كان عيشكم؟ قالت: الأسودان ـ التمر والماءـ)متفق عليه.وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاءاً، وكان أكثر خبزهم الشعير) رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني.


ومن عدله


أنّه كان يُقيم شرع الله تعالى ولو على أقرب الأقربين

قال تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْعَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِالْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) (النساء:135

وقد كان يعدل بين نسائه صلى الله عليه وسلم ويتحمّل ما قد يقع من بعضهن من غيرة كما كانت عائشة ـ رضي الله عنها ـ غيورة. فعن أم سلمة ـ رضي الله عنها أنهاأتت بطعامٍ في صحفةٍ لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة... ومعها فِهرٌ ففلقت به الصحفة، فجمع النبي بين فلقتي الصحفة وهو يقول: (كلوا، غارت أُمكم ـ مرتين ـ ) ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أُم سلمة وأعطى صحفة أُم سلمة عائشة. رواه النسائي وصححه الألباني وقال عليه الصلاة والسلام في قصة المرأة المخزومية التي سرقت : ( والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد, لقطعت يدها).( ومن كرمه ) :أنه جاءه رجل يطلب البردة التي هي عليه فأعطاه إياها صلى الله عليه وسلم.. وعن أنس -رضي الله عنه- قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم – أحْسَنَ الناس، وأجْوَد الناس، وأشْجَعَ الناس) رواه البخاري ومسلم


(ومن صبره)


أنّه كان يصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه وأما إذا كان لله تعالى فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة.. وهذه الشدة مع الكفار والمنتهكين لحدود الله خير رادع لهم وفيها تحقيق للأمن والأمان


قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) الفتح:29


كما أنه عندما اشتد الأذى به جاءه ملك الجبال يقول:يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا، والأخشبان: جبلا مكة أبو قبيس وقعيقعان. وقد أخرج ابن سعد عن أنس رضي الله عنه قال : [ رأيت إبراهيم وهو يجود بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدمعت عينا الرسول فقال :[ تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا مايرضي ربنا ، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون)


( ومن تعاون النبي صلى الله عليه وسلم )

قال عليه الصلاة والسلام (مَنْ اسْتطاع منكم أَنْ يَنْفَعَ أَخاه فَلْيَنْفَعْه). (عن ابن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملةوالمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته) رواه النسائي والحاكم

قال تعالى( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً) [سورة النساء:69-70]


وقال تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)[سورة الأحزاب:21]

(ومن مزاحه )


روى أنس بن مالك قال : كان النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليخالطنا ـ أي : يلاطفنا ويمازحنا ـ حتى يقول لأخٍ لي (( يا أبا عُميرما فَعَلَ النُّغَير ؟ )) . وكان للصغير طيرٌ يلعب به ، فمات ، فحزن عليه وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمازح نساءه ، فهذه عائشة رضي الله عنها ، كان رأسها يؤلمها ، فقالت : وارأساه ، فأراد الرسول اللطيف أن يمازحها فقال :(( يا عائشة لو أنّك متِّ لساعتك ، وأنا حيَّ لاستغفرتُ لك ، وكفـّنتـُكِ وصليتُ عليك ، وهذا خير من أنْ تموتي بعدي ، ولن تجدي مثلي مَنْ يفعل ذلك )) . فنادت : واثكلياه أتريد أن أموت يارسول الله لتتخلّص مني ؟! أنتم هكذا يا معشر الرجال ، تريدون أن تموت نساؤكم لِتَرَوْا غيرهُنَّ ، ولو أني متُّ لما اهتممتَ بي ، ، ولأتيتَ إلى بعض نسائك في بيوتهن تلاعبهن وتداعبهن وأنا ما أزال مسجّاةً على فراش الموت وجاء رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأله أن يهبه دابّة يبلغ بها أهله فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إني حاملك على ولد الناقة )) قال : يا رسول الله ، ما أصنع بولد الناقة ؟وظنَّ أنه يعطيه ولد الناقة الصغير ، ونسي أن الناقة تلد الحُوارَ فيكبرحتى يصير جملاً .قال ـ صلى اللهعليه وسلم ـ : (( وهل يلدُ الإبلَ إلا النوقُ ؟!)


حتى إن أصحابه رضوان الله عليهم يمازحونه صلى الله عليه وسلم

فقد جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى خيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وكانت من جلدٍ صغيرةً لا تتسع إلا للقليل ، فسلّم عليه فردّ السلام على عوف وقال :(( ادخل يا عوف ))فقال عوف : أكـُلـّي أدخل يا رسول الله ؟ موحياًبصغر الخيمة ، فقال الرسول مبتسماً : (كـُلـّك) فدخل


أخلاقه صلى الله عليه وسلم (مع أهله)

كان صلى الله خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته من طيب كلامه وحُسن معاشرة زوجته بالإكرام والاحترام ، حيث قال عليه الصلاة والسلام: ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )) سنن الترمذي وكان من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أهله وزوجه أنه كان يُحسن إليهم ويرأف بهم ويتلطّف إليهم ويتودّد إليهم ، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم ، وكان من شأنه صلى الله عليه وسلم أن يرقّق اسم عائشة ـ رضي الله عنها ـ كأن يقول لها: (يا عائش )، ويقول لها: (يا حميراء) ويُكرمها بأن يناديها باسم أبيها بأن يقول لها: (يا ابنة الصديق)وما ذلك إلا تودداً وتقرباً وتلطفاً إليها واحتراماً وتقديراً لأهلها. كان يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم ،وكانت عائشة تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، فيقول لها: (دعي لي) ، وتقول له:دع لي. رواه مسلم وكانت إذا شربت من الإِناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عَرقاً وهو العَظْمُ الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حَجْرِها،ويقرأ القرآن ورأسه في حَجرِها، وربماكانت حائضاً، وكان يأمرها وهي حائض فَتَتَّزِرُثم يُباشرها، وكان يقبلهاوهوصائم، وكان من لطفه وحسن خُلُقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب.

(عن الأسود قال :سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قال : كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة) رواه مسلم والترمذي.وعن عائشة رضي الله عنهاقالت: كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم - رواه أحمد.قال صلى الله عليه وسلم "إن من أعظم الأمور أجرًا النفقة على الأهل" رواه مسلم.عن عائشة رضي الله عنها قالت "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره،وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس :اقدموا فتقدموا، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك فسبقته،فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي : تعالي أسابقك فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول هذا بتلك" رواه أحمد.


(وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم وضع ركبته لتضع عليها زوجه صفية رضي الله عنها رجلها حتى تركب على بعيرها) رواه البخاري.ومن دلائل شدة احترامه وحبه لزوجته خديجةرضي الله عنها، إن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها (صديقاتها)، وذلك بعد مماتها وقد أقرت عائشة رضي الله عنهابأنها كانت تغير من هذا المسلك منه - رواه البخاري


أخلاقه ( مع الأطفال )

وعن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم - رواه البخاري واللفظ له ومسلم.وكان صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه.كما كان صلى الله عليه وسلم يحمل ابنة ابنته وهويصلي بالناس إذا قام حملها وإذا سجد وضعهاوجاء الحسن والحسين وهما ابنا بنته وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما حتى ووضعهما بين يديهثم قال صدق الله ورسوله (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (لأنفال:28) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما

(خلقه صلى الله عليه وسلم في معاملة الصبيان)

فإنه كان إذا مر بالصبيان سلم عليهم وهم صغارأخلاقه صلى الله عليه وسلم ( مع الخدم) :ومع هذه الشجاعة العظيمة كان لطيفا رحيماً فلم يكن فاحشاً ولا متفحشا ولا صخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.عن أنس رضي الله عنه قال" خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أف قط،ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا"رواه الشيخان وأبو داود و الترمذي.وعن عائشة رضي الله عنها قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله.وفي رواية ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأةولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله -رواه مالك والشيخان وأبوداود.عن عائشة رضي الله عنها قالت "ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم"



عبادته ,, صلى الله عليه وسلم "

كان عليه الصلاة والسلام أعبد الناس ، و من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان عبداً لله شكوراً فإن من تمام كريم الأخلاق هو التأدّب مع الله رب العالمين وذلك بأن يعرف العبد حقّ ربه سبحانه وتعالى عليه فيسعى لتأدية ما أوجب الله عز وجل عليه من الفرائض ثم يتمم ذلك بما يسّر الله تعالى له من النوافل ، وكلما بلغ العبد درجةً مرتفعةً عاليةً في العلم والفضل والتقى كلما عرف حق الله تعالى عليه فسارع إلى تأديته والتقرب إليه عز وجل بالنوافل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العالمين في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه إن الله تعالى قالى: وما يزال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه،فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها،وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه رواه البخاري


وقد كان صلى الله عليه وسلم يعرف حق ربه عز وجل عليه وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر على الرغم من ذلك كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ ويسجد فيدعو ويسبّح ويدعو ويثني على الله تبارك وتعالى ويخشع لله عز وجل حتى يُسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل فعن عبدالله بن الشخير ـ رضي الله عنه ـ قال:(أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء) رواه أبو داود وصححه الألباني


وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) رواه البخاري وكان مـن تـمثله صلى الله عليه وسلم للقـرآن أنه يذكر الله تعالى كثيراً، قال عز وجل :((وَالذّاكِـرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ لَهُـم مّغْفِرَةًوَأَجْراًعَظِيـماً )) [ الأحزاب 35 ] ومن تخلقه صلى الله عليه وسلم بأخلاق القرآن وآدابه تنفيذاً لأمر ربه عز وجل أنه كان يحب ذكر الله ويأمر به ويحث عليه، قال صلى الله عليه وسلم : (لأن أقول سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم : (ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله) أخرجه الطبراني بسندٍ حسن وكان عليه الصلاة والسلام أكثر الناس دعاءً، وكان من أكثر دعائه أن يقول: (اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) متفق عليه وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنه كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل) رواه النسائي وصححه الألباني


دعوته- صلّى الله عليه وسلّم -

لقد شملت دعوته جميع الخلق، فكان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أكثر رسل الله دعوة وبلاغـًا وجهادًا ، لذا كان أكثرهم إيذاءً وابتلاءً ، منذ بزوغ فجر دعوته إلى أن لحق بربه جل وعلا وقد ذكر كتاب زاد المعاد حيث قال أن دعوة النبي عليه الصلاة والسلام كانت على مراتب المرتبة الأولى: النبوة الثانية: إنذار عشيرته الأقربين الثالثة: إنذار قومه الرابعة: إنذار قومٍ ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة الخامسة: إنذارُ جميع مَنْ بلغته دعوته من الجن والإِنس إلى آخر الدّهر وقد قال الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وهذا أيضا من أخلاقه عليه الصلاة والسلام ، ومن أخلاق أهل العلم جميعا ، أهل العلم والبصيرة أهل العلم والإيمان أهل العلم والتقوى ومن ذلك شفقته بمن يخطئ أو من يخالف الحق وكان يُحسن إليه ويعلمه بأحسن أسلوب ، بألطف عبارة وأحسن إشارة ، من ذلك لما جاءه الفتى يستأذنه في الزنى فعن أبي أُمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: إن فتىً شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه فقال له: (ادنه)، فدنا منه قريباً، قال: (أتحبّه لأمّك؟) قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: (ولا الناس يحبونه لأمهاتهم) قال: (أفتحبه لابنتك؟) قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لبناتهم) قال: (أفتحبه لأختك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لأخواتهم) قال: (أفتحبه لعمتك؟) قال: لا والله، جعلني الله فداءك قال:(ولا الناس جميعاً يحبونه لعماتهم) قال: (أفتحبه لخالتك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لخالاتهم) قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصّن فرجه) فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء رواه أحمد


وقد انتهج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في دعوته ولطيف أسلوبه للناس كلهم حتى شملت الكافرين ، فكان من سبب ذلك أن أسلم ودخل في دين الله تعالى أفواجٌ من الناس بالمعاملة الحسنة والأسلوب الأمثل ،كان يتمثل في ذلك صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل: (( ادْعُ إِلِىَ سَبِيــلِ رَبّــكَ بِالْحِكْـمَةِ وَالْمَـوْعِظَـةِ الْحَسَنَـةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) [ النحل:12]إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أُسيء إليه يدفع بالتي هي أحسن يتمثل ويتخلق بقوله تعالى: (( ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقّاهَا إِلاّ الّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقّاهَآ إِلاّ ذُو حَظّ عَظِيم )) [ فصلت 34-35 ] الحبيب وسط الأزمات الرسول مع أصحاب الأزمات وكم شعر النبي صلى الله عليه وسلم بأصحاب الأزمات وعاش معهم معاناتهم بل وبذل وسعه في اخراجهم من أزماتهم ، وعلى سبيل المثال :يقول د /راغب السرجاني : " ومن أهم الأزمات التي لا بد لكل بشر أن يقع فيها أزمة المرض" ويقول : " كان الرسول إذا سمع بمريض أسرع لعيادته في بيته، مع كثرة همومه ومشاغله، ولم تكن زيارته هذه مُتكلَفة أواضطرارية، إنما كان يشعر بواجبه ناحية هذا المريض كيف لا، وهو الذي جعل زيارة المريض حقًّا من حقوقه؟! قال رسول الله : "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ" متفق عليه


أزمة الحجر الأسود


يقول العلامة د/علي جمعة : " كان عليه السلام بفطنته ينهي منازع الخلاف بشكل قاطع, مع حماية المجتمع الإسلامي من آثار الأزمة, بل يعمل على الاستفادة من الموقف الناتج عن الأزمة في الاصلاح والتطوير, واتخاذ اجراءات الوقاية لمنع تكرار الأزمة أوحدوث أزمات مشابهة لها. وإنك لتري آثار هذه الحكمة في تلك المعالجات في السيرة النبوية الشريفة قبل البعثة وبعدها " وهنا يقول ابن هشام في سيرته : " أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وكان عائذ أسن قريش كلها قال : يا معشر قريش ،اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ، ففعلوا فكان أول داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛فلما رأوه قالوا : هذا الأمين ، رضينا ، هذا محمد ؛ فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر ، قال صلى الله عليه وسلم : هلم إلي ثوبا ، فأُتي به ، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال : لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم ارفعوه جميعا ،ففعلوا : حتى إذا بلغوا به موضعه ، وضعه هو بيده ، ثم بنى عليه "ويعلق فضيلة العلامة د علي جمعة على ذلك :- " وبهذا التفكير السليم والرأي الصائب حسم صلى الله عليه وسلم الخلاف بين قبائل مكة, وأرضاهم جميعا, وجنب بلده وقومه حربا ضروسا شحذت كل قبيلة فيها أسنتها "


كارثة التبول في المسجد

وإليك كارثة وقعت أمام خير الورى محمد بن عبد الله ، بال الأعرابى في المسجد ،نعم بال ، كارثة ، تخيلتها حقيقة وصعب عليّ تخيلها ، ولكن تراه صلى الله عليه وسلم فاق حد التخيل في رد فعله ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد ، فزجره الناس ، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قضى بوله أمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأُهْرِيق عليه لقد تجاوز النبى صلى الله عليه وسلم أزمة كادت أن تراق فيه دماء ، ولكنه صلى الله عليه وسلم علم الرجل أمر دينه بكل رفق ولين " وهنا يكتب أحد المبدعين : " لقد أبعد عليه الصلاة والســلام الحاجز الضبابي عن عين المخطئ : المخطئ أحياناً لا يشعر أنه مخطئ ، وإذا كان بهذه الحالة وتلك الصفة فمن الصعب أن توجه له لوماً مباشراً وعتاباً قاسياً ، وهو يرى أنه مصيب إذن لابد أن يشعر أنه مخطئ أولاً حتى يبحث هو عن الصواب؛ لذا لابد أن نزيل الغشاوة عن عينه ليبصر الخطأ،وعندما نعرف كيف يفكر الآخرون ، ومن أي قاعدة ينطلقون ، فنحن بذلك قد عثرنا على نصف الحل اول أن تضع نفسك موضع المخطئ ، وفـكــــر من وجهة نظره هو ،وفكر في الخيارات الممكنة التي يمكن أن يتقبلها ، فاختر له ما يناسبه "عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


الأمر للقيام بالدعوة "ثلاث سنوات من الدعوة السرّيّة"

بعد نزول آيات سورة المدثر..والتي أشارت آياتها إلى أمور هي خلاصة الدعوة المحمدية والحقائق الإسلامية التي بُني عليها الإسلام كله، وهي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والوحدانية والإيمان باليوم الآخر وتطهير النفوس ودفع الفساد عن الجماعة وجلب النفع


بدأها الرسول عليه السلام سرّاً وكان من الطبيعيً أن يبدأ بأهل بيته و أصدقائه وأقرب الناس إليه وذلك لأنّ أن قومه جفاة لا دين لهم إلا عبادة الأصنام والأوثان، ولا حجة لهم إلا أنه ألفوا آباءهم على ذلك، ولا أخلاق لهم إلا الأخذ بالعزة والأنفة، ولا سبيل لهم في حل المشاكل إلا السيف، وكانوا مع ذلك متصدّرين للزعامة الدينية في جزيرة العرب، ومحتلين مركزها الرئيس،ضامنين حفظ كيانها، فقد كان من الحكمة تلقاء ذلك أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرية،لئلا يفاجئ أهل مكة بما يهيجهم


أول من آمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- النساء، بل أول من آمن به على الإطلاق السيدة خديجة -رضي الله عنها-، فكانت أول من استمع إلى الوحي الإلهي من فم الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، و أول من تلا القرآن بعد أن سمعته من صوته عليه السلام وأوّل من تعلم الصلاة عن الرسول -، فبيتها هو أول مكان تُلي فيه أول وحي نزل به جبريل على قلب المصطفى عليه السلام بعد غار حراء " ثمّ دخل علي بن أبي طالب في الإسلام، فكان أول من آمن من الصبيان، وكان عمره إذ ذاك عشر سنين، وقد أنعم الله عليه بأن جعله يتربى في حجر رسوله -صلى الله عليه وسلم- قبل الإسلام ، حيث أخذه من عمه أبي طالب وضمه إليه وكان علي –رضي الله عنه- ثالث من أقام الصلاة بعد رسول الله وبعد خديجة -رضي الله عنها-،ثم أسلم زيد بن حارثة -رضي الله عنه- وهو أول من آمن بالدعوة من الموالي


وكذلك سارع إلى الإسلام بنات النبي -صلى الله عليه وسلم-، كل من زينب وأم كلثوم وفاطمة ورقية، فقد تأثّرن قبل البعثة بوالدهن في الاستقامة وحسن السيرة، والتنـزّه عما كان يفعله أهل الجاهلية من عبادة الأصنام والوقوع في الآثام، وقد تأثرن بوالدتهن فأسرعن إلى الإيمان،وبذلك أصبح بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أول أسرة مؤمنة بالله تعالى منقادة لشرعه في الإسلام، ولهذا البيت النبوي الأول مكانة عظمى في تاريخ الدعوة لإسلامية، لما حباه الله به من مزايا وخصّه بشرف الأسبقية في الإيمان وتلاوة القرآن وإقام الصلاة


وكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أول من آمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من الرجال الأحرار والأشراف، فهو من أخصّ أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة، وفيه قال-صلى الله عليه وسلم-: ((ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردّد ونظر، إلا أبا بكر،ما عكم حين دعوته ولا تردّد فيه)) فأبو بكر صاحب رسول الله، وهو حسنة من حسناته -عليه الصلاة والسلام- لم يكن إسلامه إسلام رجل، بل كان إسلامه إسلام أمة، فهو في قريش كما ذكر ابن إسحاق في موقع العين قال فيه -عليه الصلاة والسلام-: ((أرحم أمتي بأمتي أبو بكر)) تحرك الصديق بعد ذلك في دعوته للإسلام واستجاب له صفوة من خيرة الخلق وهم: عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله،وكان هؤلاء الأبطال الخمسة أول ثمرة من ثمار الصديق –رضي الله عنه- دعاهم إلى الإسلام فاستجابوا، وجاء بهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فرادى فأسلموا بين يديه،فكانوا الدعامات الأولى التي قام عليها صرح الدعوة، وكانوا العدّة الأولى في تقوية جانب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبهم أعزه الله وأيده، وتتابع الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، رجالًا ونساءً


إنّ تحرّك الصديق –رضي الله عنه- في الدعوة إلى الله تعالى يوضح صورة من صور الإيمان بهذا الدين والاستجابة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، صورة المؤمن الذي لا يقرّ له قرار ولا يهدأ له بال، حتى يحقق في دنيا الناس ما آمن به، دون أن تكون انطلاقته دفعة عاطفية مؤقتة سرعان ما تخمد وتذبل وتزول، وقد بقي نشاط أبي بكر وحماسته إلى أن توفاه الله -جل وعلا-لم يفتر أو يضعف أو يمل أو يعجز


الدعوة سرية وفردية ..جاء بعد ذلك دور الدفعة الثانية بعد إسلام الدفعة الأولى، فأول منأسلم من هذه الدفعة: أبو عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة، والأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، وعثمان بن مظعون الجمحي، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وسعيد بن زيد، وفاطمة بنت الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر، وخباب بن الأرت -رضي الله عنهم- ثم أسلم عمير بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، و عياش بن أبي ربيعة، وامرأته أسماء بنت سلامة، وعبد الله بن جحش، وجعفر بن أبي طالب،وامرأته أسماء بنت عميس، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وعمّار بن ياسر، وصهيب بن سنان ومن السابقين إلى الإسلام أيضًا: أبو ذر الغفاري، وبلال بن رباح قال ابن إسحاق: "ثم دخل الناس في الإسلام أرسالاً من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام في مكة وتُحدِّث به


استمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوته السرية يستقطب عددا من الأتباع والأنصار من أقاربه وأصدقائه، وخاصة الذين يتمكن من ضمهم في سرية تامة بعد إقناعهم بالإسلام، وهؤلاء كانوا نعم العون والسند للرسول -صلى الله عليه وسلم- لتوسيع دائرة الدعوة في نطاق السرية وهذه المرحلة العصيبة من حياة الدعوة ظهرت فيها الصعوبة والمشقة في تحرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن آمن معه بالدعوة، فهم لا يخاطبون إلا من يأمنوا من شره ويثقون به، وهذا يعني أن الدعوة خطواتها بطيئة وحذرة، كما تقتضي صعوبة المواظبة على تلقي مطالب الدعوة من مصدرها، وصعوبة تنفيذها، فالداخل في هذا الدين ملزمًا منذ البداية بالصلاة و دراسة ما تيّسر من القرآن مثلًا، ولم يكن يستطيع أن يصلي بين ظهراني قومه، ولا أن يقرأ القرآن، فكان المسلمون يتخفون في الشعاب والأودية إذا أرادوا الصلاة



الدعــوة جهــارًا(أول أمـر بإظهار الدعـوة )


نزل الوحى يكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعالنة الدعوة، ومجابهة الباطل بالحسنى. وأول ما نزل بهذا الصدد قوله تعالى: {وَأَنذِرْعَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]،وقد ورد في سياق ذكرت فيه أولًا قصة موسى عليه السلام، من بداية نبوته إلى هجرته مع بني إسرائيل، وقصة نجاتهم من فرعون وقومه، وإغراق آل فرعون معه، وقداشتملت هذه القصة على جميع المراحل التي مر بها موسى عليه السلام، خلال دعوةفرعون وقومه إلى الله وكأن هذاالتفصيل جىء به مع أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بجهر الدعوة إلى الله ؛ ليكون أمامه وأمام أصحابه مثال لما سيلقونه من التكذيب والاضطهاد حينما يجهرون بالدعوة،وليكونوا على بصيرة من أمرهم منذ البداية. ومن ناحية أخرى تشتمل هذه السورة على ذكر مآل المكذبين للرسل، من قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة عدا ما ذكر من أمر فرعون وقومه ـ ليعلم الذين سيقومون بالتكذيب عاقبة أمرهم وما سيلقونه من مؤاخذة الله إن استمرواعليه، وليعرف المؤمنون أن حسن العاقبة لهم وليس للمكذبين .


الدعـوة في الأقربين


ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيرته بني هاشم بعد نزول هذه الآية، فجاءوا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، فكانوا نحو خمسة وأربعين رجلًا.فلما أراد أن يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بادره أبو لهب وقال: هؤلاء عمومتك وبنو عمك فتكلم، ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبةطاقة، وأنا أحق من أخذك، فحسبك بنو أبيك، وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش، وتمدهم العرب، فمارأيت أحدًا جاءعلى بني أبيه بشر مما جئت به، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتكلم في ذلك المجلس.

ثم دعاهم ثانية وقال: (الحمد لله، أحمده وأستعينه،وأومن به، وأتوكل عليه.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له)ثم قال: (إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو، إنى رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون،ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدًا أو النار أبدًا)فقال أبوطالب: ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقًا لحديثك. وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به. فوالله لاأزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسى لا تطاوعنى على فراق دين عبد المطلب. فقال أبو لهب:هذه والله السوأة، خذوا على يديه قبل أن يأخذغيركم، فقال أبو طالب: والله لنمنعه ما بقينا


{على جبل الصفا}

وبعد تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلغ عن ربه، صعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفافعلا أعلاها حجرًا، ثم هتف: (يا صباحاه)وكانت كلمة إنذار تخبر عن هجوم جيش أو وقوع أمر عظيم. ثم جعل ينادى بطون قريش،ويدعوهم قبائل قبائل(يا بني فهر، يا بني عدى،يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبد مناف،يا بني عبد المطلب). فلما سمعوا قالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد. فأسرع الناس إليه، حتى إن الرجل إذا لم يستطع أن يخرج إليه أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبولهب وقريش. فلما اجتمعوا قال: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادى بسَفْح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مُصَدِّقِىَّ؟).

قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبًا، ما جربنا عليك إلا صدقًا.قال: (إنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد، إنما مثلى ومثلكم كمثل رجل رأي العَدُوّ فانطلق يَرْبَأ أهله)( أي يتطلع وينظر لهم من مكان مرتفع لئلا يدهمهم العدو) (خشى أن يسبقوه فجعل ينادى: يا صباحاه) ثم دعاهم إلى الحق، وأنذرهم من عذاب الله ، فخصّ وعمّ فقال:


(يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله ، أنقذوا أنفسكم من النار، فإنى لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنكم من الله شيئًا. يا بني كعب بن لؤى، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا. يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من الناريامعشر بني قصى، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًايا معشر بني عبد مناف،أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنكم من الله شيئًا. يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار يا معشر بني عبد المطلب، أنقذوأنفسكم من النار، فإنّي لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنكم من الله شيئًا، سلونى من مالي ماشئتم، لا أملك لكم من الله شيئًايا عباس بن عبد المطلب، لا أغنى عنك من الله شيئًا. يا صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ، لا أغني عنك من الله شيئًايا فاطمة بنت محمد رسول الله ، سلينى ما شئت من مالي، أنقذى نفسك من النار، فإنى لا أملك لكضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنك من الله شيئًاغير أن لكم رحمًا سأبُلُّها بِبلاَلها)أي أصلها حسب حقها. ولما تم هذاالإنذار انفض الناس وتفرقوا، ولا يذكرعنهم أيردة فعل، سوى أن أبا لهب واجه النبي صلى الله عليه وسلم بالسوء، وقال:تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [سورة المسد:1]

كانت هذه الصيحـة العالية التي أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلات بينه وبينهم، وأن عصبة القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار الآتى من عند الله ولم يزل هذا الصوت يرتجّ دويه في أرجاء مكة

حتى نزل قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94]

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالدعوة إلى الإسلام في مجامع المشركي ونواديهم، يتلو عليهم كتاب الله ، ويقول لهم ما قالته الرسل لأقوامهم: {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ الله َ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59]،وبدأ يعبد الله تعالى أمام أعينهم، فكان يصلّي بفناء الكعبة نهارًا جهارًا وعلى رؤوس الأشهاد. فنالت دعوته مزيدًا من القبول، ودخل الناس في دين الله واحدًا بعد واحد. وحصل بينهم وبين من لم يسلم من أهل بيتهم تباغض وتباعد وعناد


أساليب شتى لمجابهة الدعوة

حتى فرغت قريش من الحج فكّرت في أساليب تقضي بها على هذه الدعوة في مهدها. وتتلخص هذه الأساليب فيما يلي:السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب والتضحيك: قصدوا بها تخذيل المسلمين،وتوهين قواهم المعنوية،فرموا النبي صلى الله عليه وسلم بتهم هازلة، وشتائم سفيهة، فكانوا ينادونه بالمجنون

{وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر:6]

وقد أكثروا من السخرية والاستهزاء وزادوا من الطعن والتضحيك شيئًا فشيئًا حتى أثّر ذلك في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم،

كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} [الحجر:97]


ثم ثبته الله وأمره بما يذهب بهذا الضيق فقال: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:98، 99]

إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة

وقد أكثروا من ذلك وتفننوا فيه بحيث لا يبقى لعامة الناس مجال للتدبر في دعوته والتفكير فيها، فكانوايقولون عن القرآن: {أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} [الأنبياء:5]يراها محمد بالليل ويتلوها بالنهار، ويقولون: {بَلِ افْتَرَاهُ} من عند نفسه وأحيانا قالوا: إن له جنًا أو شيطانًا يتنزل عليه كماينزل الجن والشياطين على الكهان وأحيانًا قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه مصاب بنوع من الجنون، فهو يتخيل المعانى، ثم يصوغها في كلمات بديعة رائعة كما يصوغ الشعراء،فهو شاعر وكلامه شعر.بالرغم من اعترافهم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وأمانته وغاية صلاحه وتقواه،إلاّ أنّهم كانوا يعتقدون أن منصب النبوة والرسالةأجلّ وأعظم من أن يُعطى لبشر، فالبشر لا يكون رسولًا،والرسول لا يكون بشرًا حسب عقيدتهم. فلما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبوته، ودعا إلى الإيمان بهتحيروا وقالوا:

{مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ}[الفرقان: 7]</font

وقالوا: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم بشر،ومَا أَنزَلَ الله ُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ}[الأنعام: 19]<فقال تعالى ردًا عليهم:{قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ} وكانوا يعرفون ويعترفون بأنّ موسى بشر

الحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن، ومعارضته بأساطير الأولين:كان المشركون بجنب إثارة الشبهات يحولون بين الناس وبين سماعهم القرآن ودعوة الإسلام بكل طريق يمكن، فكانوا يطردون الناس ويثيرون الشغب والضوضاء ويتغنون ويلعبون، إذا رأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يتهيأ للدعوة، أو إذا رأوه يصلّي ويتلو القرآن

قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:26]

حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتمكن من تلاوة القرآن عليهم في مجامعهم ونواديهم إلا في أواخر السنة الخامسة من النبوة، وذلك أيضًا عن طريق المفاجأة، دون أن يشعروا بقصده قبل بداية التلاوة


{موقف المشركين من رسول الله صلى الله عليه وسلم }


رسول الله رجلًا شهمًا وقورًا ذا شخصية فذة، تتعاظمه نفوس الأعداء والأصدقاء بحيث لا يقابل مثله إلا بالإجلال والتشريف، ولا يجترئ على اقتراف الدنايا والرذائل ضده إلا أراذل الناس وسفهاؤهم، ومع ذلك كان في منعة أبي طالب، وأبو طالب من رجال مكة المعدودين، كان معظمًا في أصله، معظمًا بين الناس،فكان من الصعب أن يجسر أحد على إخفار ذمته واستباحة بيضته، إو هذا الوضع أقلق قريشًا وأقامهم وأقعدهم، ودعاهم إلى تفكير سليم يخرجهم من المأزق دون أن يقعوا في محذور لا يحمد عقباه، وقد هداهم ذلك إلى أن يختاروا سبيل المفاوضات مع المسئول الأكبر: ابي طالب، ولكن مع شيء كبير من الحكمة والجدية، ومع نوع من أسلوب التحدي والتهديد


وفد قريش إلى أبي طالب

قال ابن إسحاق: مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب، فقالوا: ياأبا طالب، إن ابن أخيك قد سبّ آلهتنا، وعاب ديننا، وسَفَّه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيه، فقال لهم أبو طالب قولًا رقيقًا وردهم ردًا جميلًا، فانصرفوا عنه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه، يظهر دين الله ويدعو إليه.ولكن لم تصبر قريش طويلًا حين رأته عليه السلام ماضيًا في عمله ودعوته إلى الله ، بل أكثرت ذكره وتذامرت فيه، حتى قررت مراجعة أبي طالب بأسلوب أغلظ وأقسى من السابق فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: يا بن أخي، إن قومك قد جاءونى فقالوا لي كذا وكذا،فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحملنى من الأمر ما لا أطيق، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمه خاذله، وأنه ضعُف عن نصرته، فقال: (يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ـ حتى يظهره الله أو أهلك فيه ـ ما تركته) ثم استعبر وبكى، وقام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فلما أقبل قال له: اذهب يا بن أخي، فقل ما أحببت، فو الله لا أُسْلِمُك لشىء أبدًا


ولما فشلت قريش في هذه المفاوضات، ولم توفق في إقناع أبي طالب بمنع الرسول وكفه عن الدعوة إلى الله ، قررت الاعتداء على ذات الرسول صلى الله عليه وسلم


الإعتداءات على رسول الله صلى الله عليه وسلم


لم تصبر قريش طويلاً، فمدّت يد الاعتداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع ما كانت تأتيه من السخرية والاستهزاء والتشوية والتلبيس والتشويش وغير ذلك وكان أبو لهب في مقدمتهم وعلى رأسهم، فهو أحد رؤوس بني هاشم، فلم يكن يخشى ما يخشاه الآخرون،وكان عدوًا لدودًا للإسلام وأهله، وقد وقف موقف العداء من رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم الأول وكان أبو لهب قد زوج ولديه عتبة وعتيبة ببنتيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم قبل البعثة، فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما بعنف وشدة حتى طلقاهما وعندما مات عبد الله ـ الابن الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ استبشر أبو لهب وذهب إلى المشركين يبشرهم بأن محمدًا صار أبتر


وكانت زوجته ـ أم جميل أروى بنت حرب بن أمية، أخت أبي سفيان ـ لا تقل عنه في عداوة النبي ،فقد كانت تحمل الشوك، وتضعه في طريقه صلى الله عليه وسلم وعلى بابه ليلًا، وكانت امرأة سليطة تبسط فيه لسانها، وتطيل عليه الافتراءوالدس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حربًا شعواء عليه صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك وصفها القرآن بحمالة الحطب فعل أبو لهب كلّ ذلك وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاره، كان بيته ملصقا ببيته، كما كان غيره من جيران الرسول يؤذونه وهو في بيته


وكان وازداد عقبة بن أبي مُعَيْط في شقاوته وخبثه، فقد روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس؛ إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجىء بسَلاَ جَزُور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم [وهو عقبة بن أبي معيط] فجاء به فنظر، حتى إذا سجد النبي وضع علىظهره بين كتفيه، وأنا أنظر، لا أغنى شيئًا، لو كانت لي منعة، قال: فجعلوا يضحكون، ويحيل بعضهم على بعضهم [أي يتمايل بعضهم على بعض مرحًا وبطرًا] ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال: [اللهم عليك بقريش] ثلاث مرات،فشق ذلك عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة،ثم سمّى:

(اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط)

وعد السابع فلم نحفظه ـ فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القَلِيب، قليب بدر وكان أمية بن خلف إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه وفيه نزل:

{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} [سورة الهمزة:1]

وكذلك أخوه أبي بن خلف والأخنس بن شَرِيق الثقفي ممن نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان على الرسول في هذه الظروف المتأزمة أن يختار موقفًا حازمًا ينقذ به المسلمين عماد همهم من البلاء، ويخفف وطأته بقدر المستطاع، وقد اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوتين حكيمتين كان لهما أثرهما في تسيير الدعوة وتحقيق الهدف، وهما:


1-اختيار دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي مركزا للدعوة ومقرًا للتربية واختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجتمع فيها بالمسلمين سرًا، فيتلو عليهم آيات الله و يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة؛ وليؤدّي المسلمون عبادتهم وأعمالهم، ويتلقوا ما أنزل الله على رسوله وهم في أمن وسلام، وليدخل من يدخل في الإسلام ولا يعلم به الطغاة من أصحاب السطوة والنقمة


ـ2 أمر المسلمين بالهجرة إلى الحبشة


قصة الاسراء

قال تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) لقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وهو بيت المقدس ، وقد فشا الإسلام بمكة في قريش والقبائل كلها ، فأسرى به سبحانه وتعالى كيف شاء ليريه من آياته ما أراد, ومن قدرته التي يصنع بها ما يريد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : بينما أنا نائم في الحطيم إذ جاني جبريل فهمزني بقدمه ، فجلست فلم أرى شيئاً ، فعدت إلى مضجعي ، فجاءني الثانية فهمزني بقدمه ، فجلست فلم أر شيئاً ، فعدت إلى مضجعي ، فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه ، فجلست ، فأخذ بعضدي ، فقمت معه ، فخرج بي إلى باب المسجد فإذا دابة بيضاء يقال لها البراق ، بين البغل والحمار في فخديه جناحان يحفر بهما رجليه يضع يده في منتهى طرفه ، وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله ، فحملني عليه ، ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته ، حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء ، فأمامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ، وقيل ثم أتي بإناءين في أحدهما خمر وفي الآخر لبن ، فأخذت إنا اللبن فشربت منه ، فقال جبريل عليه السلام : هُديت للفطرة وهديت أمتك يا محمد وفي رواية أخرى قيل بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم في الحطيم مضجعاً إذ أتاني آتٍ فقد ما بين هذه إلى هذه فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيماناً نقل قلبي بماء زمزم ثم حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار ابيض يقال لها البرق فحملت عليها فانطلق بي حتى انتهى إلى بيت المقدس ,,,الخ


قصة المعراج

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما فرغت مما كان في بيت المقدس ، أتى بالمعراج ،ولم أر شيئاً قط أحسن منه ، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حُضر ، فأصعدني صاحبي فيه ، حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة ، عليه ملك من الملائكة ، يقال له إسماعيل ، تحت يديه اثنا عشر ألف ملكٍ,فقال وأتى بي إلى السماء الدنيا فاستفتح قيل: من هذا ؟ قال : جبريل قيل : من معك ؟ قال : محمد, قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل مرحباً به فنعم المجيء جاء , ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم ، فقال : هذا أبوك آدم فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد السلام ثم قال :مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح قال ثم رأيت رجالاً لهم مشافر كمشافر الابل ، في أيديهم قطع من نار كالأفهار (حجر علي مقدار ملء الكف) يقذفونها في أفواههم ، فتخرج من أدبارهم ، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء أكلت أموال اليتامى ظلماً قال ثم رأيت رجالاً لهم بطون لم أر مثلهما قط بسبيل آل فرعون يمرون عليهم كالإبل المهيومة (العطاش) حين يعرضون على النار ،قال : قلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء أكلة الربا ثم قال رأيت نساء معلقات بثديهن ، فقلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء اللاتي أدخلن على رجال من ليس من أولادهم قال : ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فتكرر نفس الحديث ، فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما أبناء خاله ، قال : هذا يحي بن زكريا وعيسى بن مريم فسلم عليهما ،فسلمت وردا السلام ثم قالا :مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح قال ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح وتكرر نفس الحديث ، فلما خلصت فإذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة البدر ، قال : قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال هذا أخوك يوسف بن يعقوب فسلم عليه ، فسلمت فرد السلام ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح قال : ثم صعد بي إلى السماء الرابعة ، فإذا فيها رجل فسألته : من هو ؟ قال هذا إدريس قال : ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فاستفتح ، وتكرر نفس الحديث ، فلما خلصت إذا فيها رجل كهل أبيض الرأس واللحية عظيم العثنون (اللحية) ، لم أر كهلاً أجمل منه قال : قلت من هذا ياجبريل ؟ قال هذا المحبب في قومه هارون بن عمران فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد ثم قال : مرحباً يالأخ الصالح والنبي الصالح قال ثم صعد بي إلى السماء السادسة فاستفتح ، وتكرر نفس الحديث ، فلما خلصت قال هذا أخوك موسى بن عمران فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد السلام ، ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ،

فلما تجاوزت بكى ، قيل ما يبكيك ؟ قال : أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل من أمتي قال ثم صعد بي إلى السماء السابعة ، فاستفتح وتكرر نفس الحديث ، إذا فيها رجل كهل جالس على كرسي على باب البيت المعمور فقلت : يا جبريل ما هذا ؟ قال هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك وإذا خرجوا منه لا يعودون إليه قال : قلت من هذا يا جبريل ؟ قال هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد السلام ، فقال مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح ،قال ثم رُفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وورقها مثل آذان الفيلة ، قال : هذه سدرة المنتهى ثم انتهيت إلى ربي ، وفرضت علىّ خمسون صلاة كل يوم ،

فرجعت فمررت على موسى بن عمران فقال : بما أمرت ؟ قلت :أمرت بخمسين صلاة كل يوم ، قال :إن الصلاة ثقيلة ، وإن أمتك ضعيفة ، فأرجع إلى ربك ، فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك فرجعت فوضع عني عشراً ، فرجعت إلى موسى فقال مثله ، وتكرر ذلك إلى أن أمرت بخمس صلوات كل يوم ،فرجعت إلى موسى ، فقال : بماأمرت ؟ قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم ، فقال لي مثل ذلك ، فقلت : قد راجعت ربي حتى استحيت منه ، فما أنا بفاعل , فمن أداهن منكم إيماناً بهن واحتساباً لهن ، كان له أجر خمسين صلاة مكتوبة


هجرة المسلمين إلى الحبشة

اشتد البلاء و الاعتداء على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- في أواسط السنة الخامسة، وجعل الكفار يحبسونهم ويعذبونهم، بالضرب والجوع والعطش ورمضاء مكة والنار، ليفتنوهم عن دينهم، فمنهم من يفتتن من شدة البلاء وقلبه مطمئن بالإيمان،ومنهم من تصلّب في دينه وعصمه الله منهم،أخذوا يفكرون في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الأليم، وفي هذه الظروف نزلت سورة الزمر تشير إلى اتخاذسبيل الهجرة، وتعلن بأن أرض الله ليست بضيقة {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ الله ِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]


رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية لحفظ الله له، ولمكانته من عمه أبي طالب ومحبته له، وأنه لا يقدر على أن يمنع أصحابه مما هم فيه من البلاء، قال لهم: ((لو خرجتم إلى أرض الحبشة؛ فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل لكم فرجًا مما أنتم فيه))وهو أصْحَمَة النجاشى وهوملك عادل، لا يظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا إليها فرارًا بدينهم ..فكانت أول هجرة كانت في الإسلام كانت الخطة الأمنية للرسول -صلى الله عليه وسلم-تستهدف الحفاظ على الصفوة المؤمنة، ولذلك رأى الرسول-صلى الله عليه وسلم- أن الحبشة تعتبر مكانًا آمنًا للمسلمين ريثما يشتد عود الإسلام وتهدأ العاصفة، وقد وجد المهاجرون في أرض الحبشة مأمنهم وطمأنينتهم، وفي ذلك.تقول أم سلمة -رضي الله عنها-: "لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي،أَمِنَّا على ديننا وعبدنا الله تعالى لا نؤذى"


وتم اختيار الحبشة دون غيرها من الأماكن؛ لأن قبائل العرب في تلك الفترة تدين بالولاء والطاعة لقريش، وتسمع وتطيع لأمرها في الغالب؛ إذ لها نفوذ عليها،وكانت القبائل في حاجة لقريش في حجها وتجارتها ومواسمها، وفوق ذلك كانوا يشاركون قريشًا في حرب الدعوة وعدم الاستجابة للنبي -صلى الله عليه وسلم-،هذا في داخل الجزيرة، أمّا خارجها فلم يكن هناك بلد أكثر أمنًا من بلاد الحبشة، فهي بعيدة عن سطوة قريش و لا تدين لها بالاتباع كغيرها من القبائل غادر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مكة في رجب من السنة الخامسة للبعثة، وكانوا عشرة رجال وخمس نسوة.أما الرجال فهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، ومصعب بن عمير، وأبو سلمة، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة،وسهيل بن بيضاء، وأبو سبْرة بن أبي رُهم بن عبد العزى وأما النساء فهن: رقية بنت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسهلة بنت سهيل بن عمرو، وأم سلمة، وليلى بنت أبي حثمة، وأم كلثوم بنت سهيل بن عمرو حاولت قريش أن تدركهم لتردهم إلى مكة، وخرجوا في أثرهم حتى وصلوا البحر، ولكن المسلمين كانوا قد أبحروا متوجهين إلى الحبشة ولما وصل المسلمون إلى أرض الحبشة أكرم النجاشي مثواهم، وأحسن لقاءهم ووجدوا عنده من الطمأنينة بالأمن ما لم يجدوه في وطنهم وأهليهم إن المتأمل في أسماء الصحابة الذين هاجروا لا يجد فيهم أحدًا من الموالي الذين نالهم من أذى قريش وتعذيبها أشد من غيرهم، كبلال وخباب وعمار -رضي الله عنهم- بل نجد غالبيتهم من ذوي النسب والمكانة في قريش، ويمثلون عددًا من القبائل فالأذى شمل ذوي النسب والمكانة كما طال غيرهم، ولكنه كان على الموالي أشد، في بيئة تقيم وزنًا للقبيلة وترعى النسب


وبالتالي فلو كان الفرار من الأذى وحده هو السبب في الهجرة،لكان هؤلاء الموالي المعذبون أحق بالهجرة من غيرهم لكن هناك سبب آخر للهجرة غير النجاة من أذى قريش، وهو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يبحث عن قاعدة أخرى غير مكة،قاعدة تحمي هذه العقيدة وتكفل لها الحرية، ويتاح فيها أن تتخلص من هذا التجميد الذي انتهت إليه في مكة، حيث تظفر بحرية الدعوة وحماية المعتنقين لها من الاضطهاد والفتنة عاش المسلمون ثلاثة أشهر من بدء الهجرة، وحدث تغير كبير على حياة المسلمين في مكة،وهناك ظروف نشأت لم تكن موجودة من قبل، بعثت في المسلمين الأمل في إمكان نشر الدعوة في مكة، حيث أسلم في تلك الفترة حمزة بن عبد المطلب عمُّ النبي-صلى الله عليه وسلم- عصبية لابن أخيه، ثم شرح الله صدره للإسلام، فثبت عليه


وكان حمزة أعزّ فتيان قريش وأشدهم شكيمة، فلما دخل في الإسلام عرفت قريش أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد عزّ وامتنع وأن عمه سيمنعه ويحميه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه ثمّ أسلم عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-، وكان عمر ذا شكيمة لا يرام، فلما أسلم امتنع به وبحمزة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-كان إسلام الرجلين العظيمين بعد خروج المسلمين إلى الحبشة، فكان إسلامُهما عزةً للمسلمين وقهرًا للمشركين وتشجيعًا لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المجاهرة بعقيدتهم قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إنّ إسلام عمر كان فتحًا، وإن هجرته كانت نصرًا، وإن إمارته كانترحمة، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشًا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه"لقد أصبح المسلمون إذًا في وضع غير الذي كانوا فيه قبل الهجرة إلى الحبشة، فقد امتنعوا بحمزة وعمر -رضي الله عنهما-، واستطاعواأن يصلوا عند الكعبة بعد أن كانوا لا يقدرون على ذلك، وخرجوا من بيت الأرقم بن أبي الأرقم مجاهرين حتى دخلوا المسجد، وكفت قريش عن إيذائهم بالصورة الوحشية التي كانت تعذبهم بها قبل ذلك، فالوضع قد تغير بالنسبة للمسلمين، والظروف التي كانوا يعيشون فيها قبل الهجرة قد تحولت إلى أحسن ففرح المسلمون في أرض الحبشة بذلك كثيرًا، وحنّوا للعودة إلى الوطن ورغبت نفوسهم في العودة إلى حيث الوطن العزيز مكة أم القرى، وإلى حيث يوجد الأهل والعشيرة، فعادوا إلى مكة في ظل الظروف الجديدة والمشجعة، وتحت إلحاح النفس وحنينها إلى حرم الله وبيته العتيق رجع المهاجرون إلى مكة؛ بسبب ما علموا من إسلام حمزة وعمر، واعتقادهم أن إسلام هذين الجليلين سيعتز به المسلمون وتقوى شوكتهم ولكن قريشًا واجهت إسلام حمزة وعمر -رضي الله عنهما- بتدبيرات جديدة يتجلى فيها المكر والدهاء من ناحية،والقسوة والعنف من ناحية أخرى، فزادت في أسلحة الإرهاب التي تستعملها ضد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- سلاحًا قاطعًا، وهو سلاح المقاطعة الاقتصادية، وكان من جراء ذلك الموقف العنيف أن رجع المسلمون إلى الحبشة مرة ثانية(الهجرة الثانية )، وانضم إليهم عدد كبير ممّن لم يهاجروا قبل ذلك، وكانوا ثلاثة وثمانين رجلًاوثماني عشرة امرأة، ذلك عدا أبنائهم الذين خرجوامعهم صغارًا، ثم الذين ولدوا لهم فيها


ولما رأت قريش أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أمنوا واطمأنوا بأرض الحبشة،وأنهم قد أصابوا بها دارًا واستقرارًا، وحسن جوار من النجاشي، وعبدوا الله لا يؤذيهم أحد، ائتمروا فيما بينهم أن يبعثوا وفدًا للنجاشي لإحضار من عنده من المسلمين إلى مكة بعد أن يوقعوا بينهم وبين ملك الحبشة، إلا أن هذا الوفد خدم الإسلام والمسلمين من حيث لا يدري، فقد أسفرت مكيدته عند النجاشي عن حوار هادف دار بين أحد المهاجرين وهو جعفر بن أبي طالب وبين ملك الحبشة، أسفر هذا الحوار عن إسلام النجاشي، وتأمين المهاجرين المسلمين عنده



مفاوضات رؤساء قريش ومساومتهم للرسول-صلّى الله عليه وسلّم -وحصارهم للمسلمين :

هدّد رؤساء قريش الرسول عليه السلام أشد التهديد، وقالوا:أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وانصرف إلى أهله حزينًا أسفا وقد كان يرجو خيرًا من قومه ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم خاطبهم أبو جهل وتوعّد بقتله وضربه بالحجر إذا سجد ، ولكنّه حين دنا وأراد قذف الحجر عرض له عارض , قال ابن إسحاق: فذكر لى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ذلك جبريل عليه السلام لو دنا لأخذه)

ولما فشلت قريش في تهديدها،وكذلك أبا جهل في خطّته ،توصّلوا إلى حلّ وأرادوا مساومة الرسول في أمور الدين ،فيتركوا بعض ما هم عليه، وطالبوه بترك بعض ما هو عليه،فأنزل الله :

{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}

السورة كلها وأخرج ابن جرير وغيره عنه أن قريشًا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة،فأنزل الله :

{قُلْ أَفَغَيْرَ الله ِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر:64]

وأظلمت أمام المشركين السبل بعد فشلهم في هذه المفاوضات والمساومات والتنازلات، واحتاروا فيما يفعلون فنصحهم النضر بن الحارث أن يتّصلوا باليهود حتى يتأكدوا من أمره صلى الله عليه وسلم،وذهبوا لهم فقال أحبارهم: سلوه عن ثلاث، فإن أخبر فهو نبى مرسل، وإلا فهو متقول؛ سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول،ما كان أمرهم؟ فإنّلهم حديثًا عجبًا ، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح، ما هي؟ فلما قدموا إلى مكة سألت قريش رسول صلى الله عليه وسلم عن الأمور الثلاثة، فنزلت بعد أيام سورة الكهف، فيها قصة أولئك الفتية، وهم أصحاب الكهف، وقصة الرجل الطواف،وهو ذو القرنين،ونزل الجواب عن الروح في سورة الإسراء وتبين لقريش أنه صلى الله عليه وسلم على حق وصدق، ولكن أبي الظالمون إلا كفورًا ولمّا رأى أبو طالب أنّ قريش يريدون قتل الرسول صلّى الله عليه وسلّم ،جمع بني هاشم وبني المطلب إلى القيام بحفظ النبي صلى الله عليه وسلم، فأجابوه حَمِيَّةً للجوار العربي، وتعاقدوا وتعاهدوا عليه عند الكعبة


زادت حيرة المشركين إذ نفدت بهم الحيل، ووجدوا بني هاشم وبني المطلب مصممين على حفظ الرسول ،فاجتمعوا في خيف بني كنانة من وادى المُحَصَّبِ فتحالفوا على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم،ولا يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، حتى يسلّموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للقـتل، وكتـبوا بذلك صحيـفـة فيها عهود ومواثيق وعُلّقت الصحيفة في جوف الكعبة،وحبسوا في شعب أبي طالب، ومكثوا فيه ثلاثة أعوام ، اشتدّ فيها الحصار عليهم وقطعت عنهم الميرة والمادة، فلم يكن المشركون يتركون طعامًا يدخل مكة ولا بيعًا إلا بادروه فاشتروه، حتى بلغهم الجهد، والتجأوا إلى أكل الأوراق والجلود، وحتى كان يُسمع من وراء الشُعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع،وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرًا وبعد مرور ثلاثة أعوام على الحصار نُقضت الصحيفة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب


بعد ذلك مرض أبو طالب، فلم يلبث أن وافته المنية،وكانت وفاته في رجب سنة عشر من النبوة، بعد الخروج من الشعب بستة أشهرثمّ توفيت أم المؤمنين خديجة- رضي الله عنها- وقعت هاتان الحادثتان المؤلمتان خلال أيام معدودة، فاهتزت مشاعر الحزن والألم في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم تزل تتوالى عليه المصائب من قومه ، فقد تجرأوا عليه وكاشفوه بالنكال والأذى بعد موت عمّه أبي طالب، فازداد غمًا على غم، حتى يئس منهم، وخرج إلى الطائف رجـاء أن يستجيبوا لدعوتـه، أو يؤووه وينصـروه على قومــه وكذلك اشتدت وطأة أهل مكة على أصحاب الرسول فالتجأ رفيقه أبو بكرالصديق رضي الله عنه إلى الهجرة عن مكة، فخرج يريد الحبشة ولأجل توالي مثل هذه الآلام في هذا العام سمّيَ بعام الحزن



رحلة الرسول صلَّى الله عليه وسلّم إلى الطائف

بعد أن تكالبت الأحزان على النبي صلى الله عليه وسلم وزادت عليه همومه خاصة بعد وفاة أمّ المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وعمه أبي طالب في عام واحد، استغلّت قريش غياب أبي طالب فزادت من إيذائها للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو لهب من أكثر الناس كراهية للدعوة وصاحبها صلى الله عليه وسلم ،حتى إنه كان يلاحق النبي في موسم الحج ،وفي الأسواق يرميه بالحجارة ويقول : " إنه صابئ كذاب "، ويحذر الناس من اتباعه، فضاقت مكة على رسول الله وأشتد به الحال، حتى فكر في أن يتخذ أسلوبا آخر في دعوته بتغيير المكان، علَّه أن يجد قبولاً، فاختار الخروج للطائف، التي كانت تمثل مركزاً مهماً لسادات قريش وأهلها، ومكانا استراتيجيا لهم، حيث كانوايملكون فيها الأراضي والدور، وكانت راحة لهم في الصيف

فعزم على الخروج إليها راجياً ومؤملاً أن تكون أحسن حالاً من مكة، وأن يجد من أهلها نصرة، فخرج على أقدامه حتى لا تظن قريش أنه ينوي الخروجمن مكة، وكان في صحبته زيد وهو مولى الرسول صلى الله عليه وسلم،وكان بمثابة الحامي والحارس له وبعد أن أمنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع السبل،وأخذ الحيطة والحذر، أقبل على الطائف وكله أمل أن تكون أرض خير وإسلام، لكن كانت المفاجأة!!


بدأ صلى الله عليه وسلم بسادات القوم الذين ينتهي إليهم الأمر، فكلمهم عن الإسلام ودعاهم إلى الله، فردّوا عليه رداً قاسياً، وقالوا له: اخرج من بلادنا، ولم يكتفوا بهذا الأمر، بل أغروا به سفهاءهم وعبيدهم فتبعوه يسبونه ويصيحون به ويرمونه بالحجارة، فأصيب عليه الصلاة السلام في قدميه حتى سالت منها الدماء، وأصابه من الهم والحزن والتعب ما جعله يسقط على وجهه الشريف ،ولم يفق إلا و جبريل قائم عنده، يخبره بأنّ الله بعث ملك الجبال برسالة يقول فيها: إن شئت يا محمد أن أطبق عليهم الأخشبين، فأتى الجواب منه عليه السلام بالعفو عنهم قائلاً: ( أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري


واستمر أهل الطائف في إيذائه صلى الله عليه وسلم حتى اضطروه إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة من سادات أهل الطائف، فجلس في ظل شجرة يلتمس الراحة والأمن،ثم دعا الله سبحانه وتعالى قائلا:

اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، ياأرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربى ،إلى من تكلني ، إلى بعيد يتجهمني ؟ أو إلى عدو ملكته أمري ، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحلّ علي غضبك ،أو أن ينزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك )

بعدها تحركت العاطفة في أهل ذلك البستان، فصرفوا عن رسول الله الأوباش والسفهاء، ثم جاءوا بغلام لهم نصراني يُدعى (عداساً) ليعمل على خدمة النبي، فحمل معه قطفاً من العنب، فلما وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مد يده إليه وقال: (بسم الله) ثم أكل،فقال عداس إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (من أي البلاد أنت؟) قال أنا نصراني من نينوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟) قال عداس: وما يدريك مايونس؟ قال عليه الصلاة والسلام: ( ذلك أخي كان نبياً وأنا نبي ) ،فأكب (عداس) على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدميه يقبلهما، فقال ابنا ربيعة، أحدهما للآخر: أما غلامك فقد أفسده عليك ! فلما جاء (عداس) قالا له :ويحك ما هذا؟ قال لهما ما في الأرض خير من هذاالرجل، فحاولا توهين أمر النبي عليه الصلاة والسلام،كأنما عز عليهما أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف بأي كسب...!!!


ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليستأنف خطته الأولى في عرض الإسلام وإبلاغ الرسالة للوفود والقبائل والأفراد، وزادت قريش من أذاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلعت جلباب الحياء والمروءة، فراح بعض رجالاتها يلاحقونه في الأسواق والمواسم يرمونه بالكذب، ويحذرون العرب من اتباعه


عرض الإسلام على القبائل:

في ذي القعدة سنة عشر من النبوة عاد رسول الله إلى مكة ليستأنف عرض الإسلام على القبائل والأفراد، ولاقتراب الموسم كان الناس يأتون إلى مكة فانتهز الرسول هذه الفرصة ليعرض عليهم الإسلام، وقد بدأ يطلب منهم في هذه السنة أن يؤووه وينصروه ويمنعوه حتى يبلغ ما بعثه الله به ومن بين هذه القبائل: بنو عامر بن صعصعة، ومحارب بن خصفة، وفزارة، وغسان، ومرّة وحنيفة، وسليم، وعبس، وبنو نصر، وبنو البكاء، وكندة، وكلب، والحارث ابن كعب، وعذرة، والحضارمة، فلم يستجب منهم أحد

بيعة العقبة الأولى:

وفي موسم حج سنة 12 من النبوة جاء اثنا عشر رجلاً فيهم خمسة من الستة الذين كانوا قد التقوا برسول الله في العام السابق، والسادس الذي لم يحضر هو جابر بن عبدالله وسبعة سواهم وهم:

معاذ بن الحارث، ذكوان بن عبد القيس، عبادة بن الصامت، يزيد بن ثعلبة، العباس بن عبادة، (من الخزرج)، أبو الهيثم بن تيهان، عويم بن ساعدة، (من الأوس)

التقى هؤلاء الرجال برسول الله عند العقبة بمنى فبايعوه


بيعة العقبة الثانية:

وفي موسم الحج في السنة (13) من النبوة حضر لأداء مناسك الحج بضع وسبعون نفساً من المسلمين من أهل يثرب، جاءوا ضمن حجاج قومهم من المشركين، فلما قدموا مكة جرت بينهم وبين النبي اتصالات سرية أدت إلى اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا في أوسط أيام التشريق في الشعب الذي عند العقبة حيث الجمرة الأولى من منى، وأن يتم الاجتماع في سرية تامة في ظلام الليل ومن بنود البيعة:

قال جابر: قلنا يا رسول الله، علام نبايعك؟ قال:"على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر، وعلى أن تقوموا في الله، لاتأخذكم في الله لومة لائمة، وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة"

وبعد إقرار بنود البيعة، وبعد هذا التأكيد والتأكد بدأ عقد البيعة بالمصافحة وبعدها طلب رسول الله أن يختاروا اثني عشر زعيماً يكونون نقباء على قومهم، وكانوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس وهم:

{نقباء الخزرج}

1 – أسعد بن زرارة بن عدس،

2– سعد بن الربيع بن عمرو،

3 – عبدالله بن رواحة بن ثعلبة،

4 – رافع بن مالك بن العجلان،

5 – البراء بن معرور بن صخر،

6 – عبدالله بن عمرو بن حرام،

7 – عبادة بن الصامت بن قيس،

8 – سعد بن عبادة بن دليم،

9 – المنذر بن عمرو بن خنيس.


{نقباء الأوس:}

1- أسيد بن حضير بن سماك،

2 – سعد بن خيثمة بن الحارث،

3 – رفاعة بن عبدالمنذر بن زبير.


ولما تم اختيار هؤلاء النقباء أخذ عليهم النبي ميثاقاً بصفتهم رؤساء مسئولين قال لهم: "أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء، ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم، وأنا كفيل على قومي" يعني المسلمين، قالوا نعم.

{هجرة النبي صلى الله عليه وسلم}:


{أخذ المشركون يحولون بين هجرة المسلمين وبين} خروجهم، لما يحسون به من الخطر.. ومع هذا كله وبعد شهرين وبضعة أيام من بيعة العقبة الكبرى لم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله وأبو بكر وعلي، أقاما بأمره لهما، وإلا من احتبسه المشركون كرهاً، وقد أعدّ رسول الله جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج، وأعدّ أبو بكر جهازه. وقد اجتمعت قريش ودبّرت لقتل الرسول في سرّية وكان هذا مكراً من قريش، ولكن خيبهم الله من حيث لا يشعرون، فقد نزل جبريل إلى النبي بوحي من ربه تبارك وتعالى فأخبره بمؤامرة قريش، وبيّن له خطة الرد على قريش فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك.وذهب النبي في الهاجرة (حين يستريح الناس في بيوتهم) إلى أبي بكر ليبرم معه مراحل الهجرة، ثم أبرم معه خطة الهجرة ورجع إلى بيته، وقد استمر في أعماله اليومية حسب المعتاد حتى لم يشعر أحد بأنه يستعد للهجرة، اتّقاء مما قررته قريش. وقد اختاروا لتنفيذ الخطة أحد عشر رئيساً من أكابر قريش وهم: أبو جهل بن هشام، الحكم بن أبي العاص،عقبة بن أبي معيط، النظر بن الحارث، أمية بن خلف، زمعة بن الأسود، طعيمة بن عدي، أبو لهب، أبي بن خلف، نبيه بن الحجاج، أخوه منبه بن الحجاج. كان من عادة رسول الله أن ينام في أوائل الليل بعد صلاة العشاء، ويخرج بعد نصف الليل إلى المسجد الحرام، يصلي فيه قيام الليل، فأمر علياً تلك الليلة أن يضطجع على فراشه، ويتسجى ببرده الحضرمي الأخضر، وأخبره أنه لا يصيبه مكروه. فلما كانت عتمة الليل ونام الناس جاء المذكورون إلى بيت النبي سراً، واجتمعوا على بابه يرصدونه، وطوّقوه . وهم يظنونه نائماً حتى إذا قام وخرج وثبوا عليه ونفذوا ما قرروا فيه. وقد كان ميعاد تنفيذ المؤامرة بعد منتصف الليل في وقت خروج النبي من البيت فباتوا متيقظين ينتظرون ساعة الصفر. وقد فشلت قريش في خطتهم فشلاً ذريعاً، إذ خرج الرسول من البيت، واخترق صفوفهم وأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رؤوسهم وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه، وهو يتلو (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ})

ومضى إلى بيت أبي بكر،وكان ذلك في ليلة 27 من شهر صفر سنة 14 من النبوة الموافق 12-13سبتمر سنة 622م فخرجا من دار أبي بكر ليلاً حتى لحقا بغار ثور... وبقي المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر، بينما هم كذلك جاءهم رجل ورآهم ببابه فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: محمداً، قال:قد مر بكم وذرّ على رؤوسكم التراب وانطلق ! ولكنهم تطلعوا من صير الباب فرأوا علياً، فقالوا: والله إن هذا محمداً نائماً، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، وقام علي عن الفراش، وسألوه عن النبي فقال لا أعلم. وكان الرسول وأبي بكر ، فد غادرا وخرجا من مكة على عجل قبل أن يطلع الفجر. وسلك الرسول الطريق المتجه إلى اليمن الذي يقع جنوب مكة، سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور.


دخل أبو بكر قبل الرسول لكي يطمئن على المكان، وعند اطمئنانه أدخل رسول الله، وقد لدغ أبا بكر في رجله من جحر داخل الغار، فتفل عليه رسول الله فذهب ما يجده. وبقيا في الغار ثلاثة ليال، ليلة الجمعة والسبت والأحد، وكان عبدالله بن أبي بكر يبيت عندهما، وكان يرعى عليهما عامرة بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حيث تذهب ساعة من العشاء. أما قريش فقد جن جنونها حينما تأكد لديها إفلات الرسول صباح ليلة تنفيذ المؤامرة، فأول ما فعلوا بهذا الصدد أنهم ضربوا علياً، وسحبوه إلى الكعبة، وحبسوه ساعة، علهم يظفرون بخبرهما. وضعت قريش جميع الطرق تحت المراقبة الشديدة، وقررت إعطاء مكافأة ضخمة قدرها مائة ناقة بدل كل واحد منهما لمن يعيدهما حيين أو ميتين. وقد وصل المطاردون إلى باب الغار، روى البخاري أن أبي بكر قال: كنت مع النبي في الغار، فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله، لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال "أسكت يا أبا بكر، اثنان، الله ثالثهما"، وفي لفظ: "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما". وقد استمر البحث عنهما ثلاثة أيام، وقد تهيأ رسول الله وصاحبه للخروج إلى المدينة. وكانا قد استأجرا عبدالله بن أريقط الليثي، وكان على الشرك، وقد واعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما، فلما كانت ليلة الاثنين غرة ربيع الأول سنة (1) هـ/ 16 سبتمبر 622م جاءهما عبدالله بن أريقط بالراحلتين، ثم ارتحل رسول الله وأبو بكر وارتحل معهما عامر بن فهيرة، وأخذ بهم الدليل – عبدالله بن أريقط- على طريق السواحل. وأول ما سلك بهم عند الخروج من الغار أنه أمعن في اتجاه الجنوب نحو اليمن، ثم اتجه غرباً نحو الساحل، حتى إذا وصل إلى طريق لم يألفه الناس، اتجاه شمالاً على مقربة من شاطئ البحر الأحمر، وسلك طريقاً لم يكن يسلكه أحداً إلا نادراً. وفي الطريق لقي النبي بريدة بن الحصيب الأسلمي، ومعه نحو ثمانين بيتاً فأسلم وأسلموا، وصلى رسول الله العشاء الآخرة فصلوا خلفه، وأقام بريدة بأرض قومه حتى قدم على الرسول بعد أحد


وبينما هم في الطريق إذ لحقهم سراقة بن مالك المدلجى؛ لأنه سمع في أحد مجالس قريش قائلا يقول: إني رأيت أسودة بالساحل أظنها محمدا وأصحابه. فلما قرب منهم عثرت فرسه حتى سقط عنها، ثم ركبها وسار حتى سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وهو لايلتفت وأبوبكر يكثر الالتفات، فساخت قوائم فرس سراقة في الأرض فسقط عنها، ولم تنهض إلا بعد أن استغاث صاحبها بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد شاهد غباراً يتصاعد كالدخان من آثار خروج قوائم فرسه من الأرض، فداخله رعب شديد ونادى بطلب الأمان، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه حتى جاءهم وعرض عليهم الزاد والمتاع فلم يقبلا منه شيئاً؛ وإنما قالا له: اكتم عنا، فسألهم كتاب أمن؛ فكتب له أبو بكر ما طلب بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاد سراقة من حيث أتى كاتما ما رأى، وقد أخبر أبا جهل فيما بعد، وقد أسلم سراقة يوم فتح مكة وحسن إسلامه.


وفي يوم الاثنين 8 ربيع الأول سنة 14 من النبوة، وهي السنة الأولى من الهجرة الموافق 23/سبتمر622م نزل رسول الله بقباء. قال ابن القيم: وسمعت الوجبة والتكبير في بني عمرو بن عوف، وكبر المسلمون فرحاً بقدومه، وخرجوا للقائه، فتلقوه وحيوه بتحية النبوة، فأحدقوا به مطيفين حوله و السكينة تغشاه، والوحي ينزل عليه: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ). ونزل رسول الله بقباء على كلثوم بن الهدم. ومكث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكة ثلاثاً حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس، ثم هاجر ماشياً على قدميه حتى لحقهما بقباء، ونزل على كلثوم بن الهدم. وأقام رسول الله بقباء أربعة أيام: الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسس مسجد قباء وصلى فيه، وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة، ولما كان اليوم الخامس (يوم الجمعة) ركب بأمر الله له، وأبو بكر ردفه، وأرسل إلى بني النجار أخواله فجاءوا متقلدين سيوفهم، فسار نحو المدينة وهم حوله، وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي، وكانوا مائة رجل.


سكان المدينة وأحوالهم عند الهجرة:

لم يكن معنى الهجرة التخلص والفرار من الفتنة فحسب، بل كانت الهجرة تعنى مع هذا تعاونًا على إقامة مجتمع جديد في بلد آمنكان رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام والقائد والهادى في بناء هذا المجتمع ،حيث كان يضمّ ( أصحابه الصفوة الكرام البررة) رضي الله عنهم وقد كانت ظروف المدينة بالنسبة إليهم كانت تختلف تمامًا عن الظروف التي مروا بها في مكة، فهم في مكة وإن كانت تجمعهم كلمة جامعة وكانوا يستهدفون هدفًا واحدًا، إلا أنهم كانوا متفرقين في بيوتات شتى، مقهورين أذلاء مطرودين، لم يكن لهم من الأمر شيء، وإنما كان الأمر بيد أعدائهم في الدين،أما في المدينة فكان أمر المسلمين بأيديهم منذ أول يوم، ولم يكن يسيطر عليهم أحد من الناس،وكان هذا أعظم ما واجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمسلمين، حيث كانوا على قسمين:

قسم في أرضهم وديارهم وأموالهم، لا يهمهم من ذلك إلا ما يهم الرجل وهو آمن في سِرْبِـه، وهم( الأنصار)، وكان بينهم تنافر مستحكم وعداء مزمن منذ أمد بعيد

وقسم آخر فاتهم كل ذلك، ونجوا بأنفسهم إلى المدينة، وهم (المهاجرون)، فلم يكن لهم ملجأ يأوون إليه، ولا عمل يكسبون به ما يسد حاجتهم، ولا مال يبلغون به قَوَامًا من العيش، وكان عدد هؤلاء اللاجئين غير قليل،ثم كانوا يزيدون يومًا فيوما؛ إذ كان قد أوذن بالهجرة لكل من آمن بالله ورسوله

ومعلوم أن المدينة لم تكن على ثروة طائلة فتزعزع ميزانها الاقتصادى، وفي هذه الساعة الحرجة قامت القوات المعادية للإسلام بشبه مقاطعة اقتصادية، قَلَّت لأجلها المستوردات وتفاقمت الظروف وأيضاً يوجد (المشركون) الذين لم يؤمنوا بعد، وهم من صميم قبائل المدينة وكان فيهم من يبطن العداوة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، وأيضاً ( اليهــود)وكانوا مَهَرَةً في فنون الكسب والمعيشة، و أصحاب دسائس ومؤامرات وعتو وفساد، ومن أشهرها :


ـ1 بنو قَيْنُقَاع : وكانوا حلفاء الخزرج، وكانت ديارهم داخل المدينة

ـ2 بنو النَّضِير: وكانوا حلفاء الخزرج، وكانت ديارهم بضواحى المدينة

ـ3 بنو قُرَيْظة: وكانوا حلفاء الأوس، وكانت ديارهم بضواحى المدينة


وهذه القبائل هي التي كانت تثير الحروب بين الأوس والخزرج منذ أمد بعيد، وطبعًا فإن اليهود لم يكن يرجى منهم أن ينظروا إلى الإسلام إلا بعين البغض والحقد؛ وهذه هي الظروف والقضايا الداخلية التي واجهها الرسول صلى الله عليه وسلم حين نزل بالمدينة

حيث أوْجَــدَ التـَّعـاوُن بَـيْـنَ عَـناصِر هَـذا المُـجْـتـمَـع، ذلِـكَ أنـَّهُ حَـرَّرَ وَثـيـقـة كـانـَت بــمَـثـابة قـانـون يَـخْـضَع لـَهُ الجَـميع وقـَدْ نـَصّـتْ هـذه الوَثـيـقة عَـلى نـَبـْذ العَـصَـبـية القـَبَلـة وتـَعْـويضِها بـِـالمُـؤاخـاة والمَـحَـبّـة، وعـلى أنَّ الدِّفــاع عَـن المَـديـنة شَـيْء مَـفـروض عَـلى الجَـمـيـع، كـَما نـَظـَّـمَ في هـذه الوَثـيـقـة عَـلاقـاتِـهِ مَعَ الـيَـهـود فـَـتـَرَكَ لـَهُـمْ حُـرِّية العِـبـادة وعَـقـَدَ مَـعَـهُـمْ حِـلـْـفـًا دِفـاعِــيـًا عَـسْـكـَريـًا لِــصَـدّ كـُـلّ هُـجـوم عـلى المَـديـنة كـَما فـَتـَحَ الطـَّريـق لِـكـُلّ مَـن يَـرْغـَب في الإلـْـتِـحـاق بـِـالأمّـة الإسْـلامـيـة

أما من ناحية الخارج فكان يحيط بها من يدين بدين قريش، وكانت قريش ألـدّ عـدو للإسلام والمسلمين، جربت عليهم طوال عشرة أعوام ـ حينما كان المسلمون تحت أيديها ـ كل أساليب الإرهاب والتهديد والمضايقة والتعذيب، والمقاطعة والتجويع، وأذاقتهم التنكيلات والويلات، ولما هاجر المسلمون إلى المدينة صادرت أرضهم وديارهم وأموالهم، وحالت بينهم وبين أزواجهم وذرياتهم، بل حبست وعذبت من قدرت عليه، بل تآمرت على الفتك بصاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم، والقضاء عليه وعلى دعوته

وكان من حق المسلمين أن يصادروا أموال هؤلاء الطغاة كما صودرت أموالهم، وأن يكيلوا لهؤلاء الطغاة صاعًا بصاع حتى لا يجدوا سبيلًا لإبادة المسلمين


بناء مجتمع جديد وأعماله - صلّى الله عليه وسلّم -


قد أسلفنا أن نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في بني النجارثمّ انتقل إلى بيت أبي أيوب رضي الله عنه..وقام بعدّة أعمال منها :


(بناء المسجد النبوي)

وكان أوّل خطوة خطاها رسول الله صلى الله عليه ، واختار له المكان الذي بركت فيه ناقته صلى الله عليه وسلم، فاشتراه من غلامين يتيمين كانا يملكانه، وأسهم في بنائه بنفسه، فكان ينقل اللبِن والحجارة ويقول:

(اللهم لا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخرة ** فاغْفِرْ للأنصار والمُهَاجِرَة)

وبني بجانبه بيوتًا بالحجر واللبن، وسقفها بالجريد والجذوع، وهي حجرات أزواجه صلى الله عليه وسلم،وبعد تكامل الحجرات انتقل إليها من بيت أبي أيوب ولم يكن المسجد موضعًا لأداء الصلوات فحسب، بل كان جامعة يتلقى فيها المسلمون تعاليم الإسلام وتوجيهاته، ومنتدى تلتقى وتتآلف فيه العناصر القبلية المختلفة التي طالما نافرت بينها النزعات الجاهلية وحروبها، وقاعدة لإدارة جميع الشئون وبث الانطلاقات، وبرلمان لعقد المجالس الاستشارية و التنفيذية، وسكن لعدد كبير من فقراء المهاجرين اللاجئين الذين لم يكن لهم هناك دار

وفي أوائل الهجرة شرع الأذان، وقد تشرف برؤيته في المنام أحد الصحابة الأخيار عبدالله بن زيد بن عبد ربه، فأقره النبي وقد وافقت رؤياه رؤيا عمربن الخطاب فأقره النبي


(المؤاخاة بين المسلمين):

إن النبي صلى الله عليه وسلم بجانب قيامه ببناء المسجد ، آآخى بين المهاجرين والأنصار، قال ابن القيم:ثم أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلًا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، أخي بينهم على المواساة، ويتوارثون بعد الموت دون ذوى الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عز وجل:

{وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75]

رد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة

وقد قيل: إنه أخي بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية والثبت الأول، والمهاجرون كانوا مستغنين بأخوة الإسلام وأخوة الدار وقرابة النسب عن عقد مؤاخاة فيما بينهم، بخلاف المهاجرين مع الأنصار ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية، وتسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يكون أساس الولاء والبراء إلا الإسلام

وقد امتزجت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة وإسداء الخير في هذه الأخوة، وملأت المجتمع الجديد بأروع الأمثال روى البخاري: أنهم لما قدموا المدينة أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن وسعد ابن الربيع، فقال لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالًا، فاقسم مالى نصفين، ولى امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي، أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، وأين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقِطٍ وسَمْنٍ، ثم تابع الغدو، ثم جاء يومًا وبه أثر صُفْرَة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَهْيَمْ؟) قال: تزوجت. قال: (كم سقت إليها؟) قال: نواة من ذهب

وروى عن أبي هريرة قال: قالت الأنصار للنبى صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل. قال: (لا)،فقالوا: فتكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة قالوا: سمعنا وأطعنا وهذا يدلنا على ما كان عليه الأنصار من الحفاوة البالغة بإخوانهم المهاجرين، ومن التضحية والإيثار والود والصفاء، وما كان عليه المهاجرون من تقدير هذا الكرم حق قدره، فلم يستغلوه ولم ينالوا منه إلا بقدر ما يقيم أودهم " وحقًا فقد كانت هذه المؤاخاة حكمةً فذةً، وسياسةً حكيمةً،وحلًا رشيدًا لكثير من المشاكل التي كان يواجهها المسلمون


(ميثاق التحالف الإسلامي):

وكما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد هذه المؤاخاة بين المؤمنين، قام بعقد معاهدة أزاح بها ما كان بينهم من حزازات في الجاهلية، وما كانوا عليه من نزعات قبلية جائرة، واستطاع بفضلها إيجاد وحدة إسلامية شاملة وفيما يلى بنودها ملخصًا:

ـ1 أنّهم أمة واحدة من دون الناس

-2 المهاجرون من قريش على رِبْعَتِهم يتعاقلون بينهم، وهم يَفْدُون عَانِيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وكل قبيلة من الأنصار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين

ـ3 وإن المؤمنين لا يتركون مُفْرَحًا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل

ـ4 وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دفع ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين

ـ5 وإن أيديهم عليه جميعًا، ولو كان ولد أحدهم

ـ6 ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر

ـ7 ولا ينصر كافرًا على مؤمن

ـ8 وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم

ـ9 وإن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم

ـ10 وإن سلم المؤمنين واحدة؛ لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم

ـ11 وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله

ـ12 وإنه لا يجير مشرك مالًا لقريش ولا نفسًا، ولا يحول دونه على مؤمن

ـ 13وإنه من اعتبط مؤمنًا قتلًا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول

ـ14 وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه

ـ15 وإنه لا يحل لمؤمن أن ينصر محدثًا ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صَرْف ولا عَدْل

ـ 16وإنكم مهما اختلفـتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله ـ عز وجل ـ وإلى محمـد صلى الله عليه وسلم


بنود المعاهدة مع اليهود:

– 1إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، وكذلك لغير بني عوف من اليهود

– 2وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم

–3 وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة

–4 وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم

–5 وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه

–6 وإن النصر للمظلوم

–7 وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين

–8 وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة

–9 وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أواشتجار يخاف فساده مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

–10 وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها

–11 وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم

–12 وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم


سرايا وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم

(غزوة بدر الكبرى )


تعد غزوة بدر الكبرى أول معركة في الإسلام قامت بين الحق والباطل؛ لذلك سميت يوم الفرقان، عندما هاجر الرسول والمسلمون إلى المدينة شرعوا في تكوين دولتهم الوليدة وسط مخاطر كثيرة وتهديدات متواصلة من قوى الكفر والطغيان في قريش التي ألبت العرب كلهم على المسلمين في المدينة، وفي هذه الظروف الخطيرة أنزل الله تعالى الإذن بالقتال للمسلمين لإزاحة الباطل وإقامة شعائر الإسلام


واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم سياسة حكيمة في القتال تقوم أساسًا على إضعاف القوة الاقتصادية لقريش بالإغارة على القوافل التجارية المتجهة للشام، وبالفعل انطلقت شرارة السرايا بسرية سيف البحر بقيادة حمزة بن عبد المطلب و سرية رابغ و سرية الخرّار وغزوة الأبواء أو ودان غزوة بواط و غزوة سفوان غزوة ذي العشيرة سرية نخلة


وتوالت السرايا والتي اشترك في بعضها الرسول بنفسه، مثل: الأبواء وبواط، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعتمد على سياسة بث العيون وسلاح الاستخبارات لنقل الأخبار بحركة القوافل التجارية وقد نقلت له العيون بأن قافلة بقيادة أبو سفيان راجعة من الشام محملة بثروات هائلة تقدر بألف بعير فندب الرسول الناس للخروج لأخذ هذه القافلة فتكون ضربة قاصمة لقريش ولم يعزم على أحد فاجتمع عنده ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً كان أبو سفيان قائد القافلة في غاية الذكاء والحيطة والحذر وكان يتحسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان حتى عرف بخروج الرسول والصحابة لأخذ القافلة فاستأجر رجلاً اسمه ضمضم بن عمرو الغفاري وكلفه بالذهاب إلى قريش ليستنفرها لنجدتهم، فثاروا جميعًا وأسرعوا للإعداد لحرب المسلمين،وكان عدد جيش قريش ألف وثلاثمائة ومعهم مائة فارس وستمائة درع، وكان معهم إبليس على صورة سراقة بن مالك سيد بني كنانة استخدم أبو سفيان ذكائه وحذره الشديد حتى استطاع أن يعرف موقع جيش المسلمين بـبدر ويحول هو خط سير القافلة نحو الساحل غربًا تاركًا الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار،وبهذا نجا بالقافلة وأرسل رسالة جيش قريش يخبرهم بنجاة القافله فهمّ الجيش بالرجوع ولكن فرعون هذه الأمة أبو جهل صدهم عن ذلك


وقعت المعركة الهائلة والملائكة تقتل وتأسر من المشركين، والمسلمون يضربون أروع الأمثلة في الجهاد في سبيل الله والدفاع عن دينهم ورسولهم حتى انتهت المعركة بفوز ساحق للمسلمين بسبعين قتيلاً وسبعين أسيرًا، ومصرع قادة الكفر من قريش، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بطرح جيف المشركين في قليب خبيث في بدر، ونزل خبر هزيمة المشركين في غزوة بدر كالصاعقة على أهل مكة، حتى إنهم منعوا النياحة على القتلى؛ لئلا يشمت بهم المسلمون، فحين جاءت البشرى لأهل المدينة فعمتها البهجة والسرور، واهتزت أرجاؤها تهليلاً وتكبيرًا، وكان فتحًا مبينًا ويومًا فرق الله به بين الحق والباطل


مشكلة التعامل مع الأسرى


وبعد الانتهاء من المعركة برزت مشكلة وهي كيفيّة التعامل مع الأسرى ،فقد استشار النبي – صلى الله عليه وسلم – صحابته في شأنهم ، فكان رأي أبي بكر رضي الله عنه أخذ الفدية من الكفّار ليتقوّى المسلمون بها ، ولعلّ في ترك قتلهم فرصةً للمراجعة والتفكير بالإسلام ، بينما أشار عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بقتلهم ،لأنهم أئمة الكفر ، وفي التخلّص منهم ضربةٌ قويّة لأهل مكّة ومال النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى رأي أبي بكر رضي الله عنه ، فحسم الخلاف واختار الفديةفجعل الأسرى يفتدون أنفسهم بما يملكون من المال ، فمنهم من كان يدفع أربعة آلاف درهم ، ومنهم من كان يدفع أكثر من ذلك ، أما الذين لم يكونوا يملكون شيئاً فكان فداؤهم تعليم أولاد المسلمين الكتابة


وأرادت زينب بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – افتداء زوجها أبي العاص بقلادة لها كانت عند خديجة رضي الله عنها ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ لها رقّةً شديدة ، وقال لأصحابه :( إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها ) فوافقوا على ذلك ، رواه أبو داود


وفاة رقية بنت رسول الله رضي الله عنها

كانت رقية بنت النبي صلى الله وسلم مريضه حين خرج لغزوة بدر وكانت تحت عثمان بن عفان فأمره أن يتخلف عن الغزوه ليمرضها وله أجر من حضر بدر فتوفيت قبل رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم من بدر


(بين غزوة بدر وغزوة أحد )

ترك انتصار المسلمين في بدر أثارَا كبيرة في اليهود والمنافقين بالمدينة ، وفي قريش بمكة


إجلاء يهود بني قينقاع

قلنا أن اليهود وقفوا من الرسول صلى الله عليه وسلم موقفًا حاقدًا معاديًا منذ هاجر إلى المدينة، وقد برز هذا الحقد والعداء للمسلمين بصورة مضاعفة بعد انتصار المسلمين في غزوة بدر؛ فقد انضموا بعواطفهم وألسنتهم ودعايتهم ضد محمد وأصحابه وأظهروا للرسول الحسد والبغي


وفي فرحة المسلمين بانتصارهم في غزوة بدر لم يستح أولئك اليهود أن يقولوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يغرنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، أما والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس، وظل عناد اليهود وحقدهم يتواصل حتى حدثت حادثة التعدي على إحدى نساء الأنصار


ولم يبق بعد ذلك إلا مقاتلتهم فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة واستسلموا فأجلاهم إلى أذرعات الشام


{غزوة السويق}


لم يكن من المتوقع أن يتلقى أهل مكة هزيمتهم منالمسلمين بالقبول والاستسلام، ولذلك فإنهم منذ عادوا من بدر أعلنوا أن يوم الانتقام قريب ولذلك تعجل أبو سفيان القيام بعمل سريع يعيدبه إلى قريش كبرياءها ومكانتها التي فقدتها في بدر، وينال به من المسلمين إرضاء لنزعه الحقد والغيظ التي ملكت القرشيين جميعًا ضد المسلمين وضاعفتها هزيمة بدر.فخرج في مائتي راكب من قريش وذلك في ذي الحجة، أي بعد غزوة بدر بشهرين، وبعث رجالاً من قريش إلى المدينة فأتوا ناحية منها يقال لها العريض في طرف المدينة فحرقوا نخلاً بها وقتلوا رجلاً من الأنصار وحليفًا له في حرث لهما ثم كروا راجعين،ورأى أبو سفيان أنه قد بر بيمينه في غزو المسلمين


{سرية زيد بن حارثة إلى القردة:}

أرسالت قريش عيرا لهم لتجارة عن طريق العراق،بقيادة صفوان بن اميه وعلم بذالك الرسول صلى الله عليه وسلم وارسل لهم زيد بن حارثة في مائة راكب فداهمها زيد فاستولى على العير بكل ما فيها..وكانت اوجع ضربه تلقتها قريش بعد غزوة بدر


{غزوة أحد}

لم تهدأ ثائرة قريش بعد هزيمتهم المنكرة في غزوة بدر ، وما خلّفه ذلك من مقتل خيرة فرسانها ، وجرحٍ لكرامتهاوزعزعةلمكانتها بين القبائل ، فأجمعت أمرها على الانتقام لقتلاها ، وألهب مشاعرها الرغبة الجامحةفي القضاء على الإسلام وتقويض دولته لهذا وذاك ، قام أبو سفيان في قومه يؤلّب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم ويجمع القوّات ، حتى بلغ لديه قرابة ثلاثة ألف رجل ومائتي فارس ، من قريش وما حولها من القبائل العربية ، ثم أمرأبو سفيان الجيش بأخذ النساء والعبيد حتى يستميت الناس في الدفاع عن أعراضهم ،وانطلقوا ميمّمين وجوههم شطر المدينة واجتمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم بأصحابه ، وشاورهم في الخروج من المدينة للقاء العدو أو البقاء فيها والتحصّن بداخلها ، فاختار بعضهم البقاء في المدينة ،ومال النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الرأي ، بناءً على أن جموع قريش لن تقوى على القتال بين الأزقة والطرقات ،ويمكن للنساء والأبناء المشاركة في الدفاع عن المدينة من شرفات البيوت وأسطحها ، كما أنّ التحصّن فيها سيتيح فرصة استخدام أسلحةٍ لها أثرهافي صفوف العدوّ كالحجارة ونحوها


بينما اختار الخروجَ إلى العدوّ الرجالُ المتحمّسون الذين حرموا من شهود يوم بدر وتاقت نفوسهم إلى الجهاد في سبيل الله ،وطمعوا في نيل الشهادة ، فألحّوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج لقتالهم فقبل الرسول صلى اللع عليه وسلم وفي ليلة الجمعة تأهّب الناس للخروج واستعدّوا للقتال


وعيّن النبي صلى الله عليه وسلم من يقوم بحراسة المدينة ، ثم تحرّك الجيش المكوّن من ألف رجل واستمرّ الجيش في مسيره حتى بلغوا بستاناً يُقال له " الشّوط " ، عندها انسحب عبدالله بن أبي بن سلول بحركة ماكرة ومعه ثلث الجيش يريد أن يوهن من عزائم المسلمين ويفتّ في عضدهم ، ويوقع الفرقةفي صفوفهم وفي يوم السبت وصل الجيش إلى جبل أحد وعسكر هناك ،واختار النبي - صلى الله عليه وسلم - أرض المعركة وقام بتقسيم أفراد الجيش إلى ثلاث كتائب : كتيبةالمهاجرين بقيادة مصعب بن عمير رضي الله عنه وكتيبة الأوس بقيادة أُسيد بن حضير رضي الله عنه وكتيبة الخزرج يحمل لواءها الحُباب بن المنذر رضي الله عنه ثم عرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه فانتخب منهم خمسين رامياً ، وأمّر عليهم عبدالله بن جُبير رضي الله وجعلهم على جبل يُقال له " عينيْن "يقابل جبل أحد ، وقال لهم إن رأيتمونا تخْطفنا الطير فلا تبرحوامكانكم هذا حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هَزَمْناالقوم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ، وانضحوا عنابالنبل لا يأتونا من خلفناإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم ثم تقدّم النبي - صلى الله عليه وسلم إلى الصفوف فسوّاها ووضع أشدّاء المؤمنين في مقدّمتهم وبدأت المعركة بمبارزة فريدة تبعها التحام بين الصفوف واشتدّ القتال وبدأت ملامح النصر تظهر من خلال المواقف البطوليّة التي أظهرها المسلمون واستبسالهم في القتال ، ومع تقهقر قريش وفرارهم أوّل الأمرظنّ الرماة انتهاء المعركة ،ورأوا ما خلّفته من غنائم كثيرة فتحركت نفوسهم طمعاً في نيل نصيبهم منهافقال أميرهم عبد الله بن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم

ووجد خالد بن الوليد في ذلك فرصةً سانحةكي يدير دفّة المعركة لصالح المشركين وبالفعل انطلق مع مجموعة من الفرسان ليلتفّواحول المسلمين ويحيطوا بهم من كلا الطرفين ففوجئ المسلمون بمحاصرتهم ، واستحرّ القتل فيهم وتساقط الكثير منهم جرحى وفي هذه الأثناء انقطع الاتصال برسول الله صلى الله عليه وسلم وبينما كان المسلمون في محنتهم تلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يواجه الموت ، فقد خلُص إليه المشركون فكسروا أنفه وسِنّه ، وشجّواوجهه الشريف حتى سالت منه الدماءفجعل يمسح الدم عنه ويقول

وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم أن الأمور لن تعود إلى نصابها إلا بكسرهذا الطوق المحكم الذي ضربه المشركون فصعد إلى الجبل ومعه ثُلّة من خيرة أصحابه واستبسلوا في الدفاع عنه ، وخلّد التاريخ قتال ابي طلحة رضي الله عنه حتى شُلّت يمينه وأثخنته الجراح ،ووقفة نسيبة بنت كعب رضي الله عنهاوهي ترمي بالقوس تدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وتصدّي سعد بن أبي وقّاص للذود عنه ورميه للمشركين بالنبال ، وحماية أبي دجانة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث جعل نفسه ترساً له عليه الصلاة والسلام حتى تكاثرت السهام على ظهره ومضى النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه يشقّون الطريق نحو المشركين ، فأبصره كعب بن مالك رضي الله عنه فنادى بأعلى صوته : " يا معشر المسلمين أبشروا فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسكته النبي - صلى الله عليه وسلم لئلا يتفطّن إليه المشركون ، لكن الخبركان قد وصل إلى المسلمين ، فعاد إليهم صوابهم ، وارتفعت معنويّاتهم لتعود المعركة أشدّ ضراوة من قبل ،وأقبل أبي بن خلف على فرس له هاتفاًبأعلى صوته أين محمد ؟ لا نجوت إن نجا " ، فهبّ إليه قومٌ ليقتلوه لكن النبي صلى الله عليه وسلم منعهم من ذلك ،ولما اقترب منه طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترقوته ،فاحتقن الدم فيه ، وجعل يصيح ويقول قتلني والله محمد ، فقال له المشركون :ما بك من بأس ، فقال :والله لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين فلم يلبث قليلاً حتى مات وانكشفت المعركة عن مقتل سبعين صحابيّاً وجرح العديد منهم ، بعد أن انصرف المشركون مكتفين بالذي حقّقوه ، و لحقت الهزيمة بالمسلمين لأوّل مرة في تاريخهم نتيجة مخالفتهم أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم


{الرجوع إلى المدينة بعد أُحد ، ونوادر الحب والتفاني:}


لما فرغ رسول الله من دفن الشهداء والثناء على الله والتضرع إليه، انصرف راجعاً إلى المدينة، وقد ظهرت له نوادر الحب والتفاني من المؤمنات الصادقات، كما ظهرت من المؤمنين في أثناء المعركة.بات المسلمون في المدينة وهم في حالة الطوارئ..وقد أنهكهم التعب، يحرسون المدينة ومداخلهاويحرسون رسول الله، وقد فكر في أن يرجعوا من الطريق لغزو المدينة مرة ثانية، و مطاردةالجيش المكي منها.فأقام رسول الله بحمراء الأسد سنة 3هـ..وكانت .( غزوة حمراء الأسد ) و هي جزء من غزوة أحد، وتتمة لها. ثم عاد بعدها إلى المدينة.


غزوة بني النضيرسنة 4هـ

بعد واقعة أحد بدأ اليهود يتجرؤون، فكاشفوا بالعداوة والغدر، وأخذوا يتصلون بالمنافقين وبالمشركين من أهل مكة سراً، ويعملون لصالحهم ضد المسلمين وصبر النبي حتى ازدادوا جرأة وجسارة بعد (وقعة الرجيع وبئر معونة)، حتى قاموا بمؤامرة تهدف القضاء على النبي وقتله ونزل جبريل فأخبره بما أرادوا..فتوجه إلى المدينة، وقد فرض عليهم الحصار

فالتجأ بنو النضير إلى حصونهم، فأقاموا عليها يرمون بالنبل والحجارة، وكانت نخيلهم وبساتينهم عوناً لهم في ذلك، فأمر بقطعها وتحريقها، و دام الحصار ست ليال حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، وخرجوا من المدينة حيث تمّ الإستيلاء علىأسلحتهم و أرضهم وديارهم وأموالهم


غزوة الأحزاب

خرج عشرون رجلاً من زعماء اليهود وسادات بني النضير إلى قريش بمكة، يحرّضونهم على غزو الرسول ويوالونهم عليه، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم، فأجابتهم قريش، وكانت قريش قد أخلفت موعدها في الخروج إلى بدر، وانضمت لهم غطفان وبعض الوفود من العرب و خرجت من الجنوب قريش وكنانة وحلفاؤهم من أهل تهامة وقائدهم أبو سفيان،في أربعة آلاف ووافاهم (بنو سليم بمر الظهران)،وخرجت من الشرق قبائل غطفان( بنو فزارة)و(بنو مرة) و(بنو أشجع) و ( بنو أسد) وغيرها واتجهت هذه الأحزاب وتحركت نحو المدينة ،وبعد أيام تجمع حول المدينةوبلغ عدد جيوشهم عشرة آلاف مقاتل، يزيد عددهم على من في المدينة استشارالرسول سلمان الفارسي ،:فاقترح حفر الخندق


وأسرع رسول الله إلى تنفيذ هذه الخطة، وكان النبي يعلم أن زحف مثل هذا الجيش الكبير، ومهاجمته المدينة لا يمكن إلا من جهة الشمال، اتخذ الخندق في هذا الجانب وخرج الرسول في ثلاثة آلاف من المسلمين، والخندق بينهم وبين الكفار، ولم يستطع المشركون المهاجمة لوجود الخندق فلجأوا إلى الحصار،وكانت غزة الخندق في (سنة5) من الهجرة في شهر شوال ،وقد حاصر المشركون الرسول شهراً، لم تكن الأحزاب معركة خسائر، بل كانت معركة أعصاب، لم يجر فيها قتال، إلا أنها من أحسم المعارك في تاريخ الإسلام، وحينها قال رسول الله: "الآن نغزوهم، ولا يغزونا، نحن نسير إليهم",


غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع (في شعبان سنة 5 أو 6 هـ)


كانت هذه الغزوة في شعبان سنة خمس عند عامة أهل المغازي، وسنة ست على قول ابن إسحاق وسببها أنه بلغ الرسول أن رئيس بني المصطلق الحارث بن أبي ضرار سار في قومه ، ومن قدر عليه من العرف يريدون حرب رسول الله فبعث بريدة بن الحصيب الأسلمي لتحقيق الخبر فأتهم ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه، ورجع إلى رسول الله فأخبره الخبر فندب الرسول الصحابة وأسرع في الخروج، وكان خروجه لليلتين خلتا من شعبان، وخرج معه جماعة من المنافقين، وكان الحارث بن أبي ضرار قد وجه عيناً ليأتيه بخبر الجيش الإسلام، فألقى المسلمون عليه القبض وقتلوه

ولما علم الحارث ومن معه مسير رسول الله وقتله عينه، خافوا خوفاً شديداً وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهى رسول الله إلى(المريسيع ) فتهيأوا للقتال، وكانت راية المهاجرين مع أبي بكر و راية الأنصار مع سعد بن عبادة، فتراموا بالنبل ساعة، ثم أمر رسول الله فحملوا حملة واحد، فكانت النصرة وانهزم المشركين، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد، قتله رجل من الأنصار بالخطأ وكان من السبي: جويرية بنت الحارث سيد القوم، وقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها،فأدى عنها رسول الله وتزوجها، فاعتق المسلمون بسبب هذا التزويج مائة من أهل بيت من بني المصطلق قد أسلموا، وقالوا أصهار رسول الله


دور المنافقين في غزوة بني المصطلق

قول المنافقين: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"

كان رسول الله بعد الفراغ من الغزوة مقيماً على المريسيع، ووردت واردة الناس، ومع عمر بن الخطاب أجير يقال له: جهجاه الغفاري، فازدحم هو وسنان بن وبر الجهني على الماء فاقتتلا، فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار، وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين، فقال رسول الله: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة"، وبلغ ذلك عبدالله بن أبي بن سلول فغضب – وعنده رهط من قومه، فيهم زيد بن أرقم غلام حدث – وقال: أو قد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما نحن وهم إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيدكم لتحولوا إلى غير داركم

لم يصبر زيد بن أرقم على هذا الهراء فأخبر زيد بن أرقم عمه بالخبر، فأخبر عمه رسول الله صلى الله عليه وعنده عمر،فقال عمر: مُرْ عَبَّاد بن بشر فليقتله. فقال: (فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؟ لا ولكن أَذِّنْ بالرحيل)، وذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها، فارتحل الناس،فلقيه أسيد بن حضير فحياه، وقال: لقد رحت في ساعةمنكرة؟ فقال له: (أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟) يريد ابن أبي، فقال: وما قال؟ قال:(زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)، قال: فأنت يا رسول الله، تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم مشي بالناس يومهم ذلك حتى أمسي، وليلتهم حتى أصبح، وصَدْر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مَـسَّ الأرض فوقعوا نياماً. فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث


أما ابن أبي فلما علم أن زيد بن أرقم بلغ الخبر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحلف بالله ما قلت ما قال، ولا تكلمت به، فقال من حضر من الأنصار: يا رسول الله عسي أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل. فصدقه، قال زيد: فأصابني هَمٌّ لم يصبني مثله قط، فجلست في بيتي، فأنزل الله:

{إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ} إلى قوله: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا} إلى {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: 1 ـ 8]

فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها علي. ثم قال: (إن الله قد صدقك) وكان ابن هذا المنافق ـ وهو عبد الله بن عبد الله بن أبي ـ رجلاً صالحاً من الصحابة الأخيار،فتبرأ من أبيه، ووقف له على باب المدينة، واستل سيفه، فلما جاء ابن أبي قال له: والله لا تجوز من هاهنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم،فإنه العزيز وأنت الذليل،فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أذن له فخلي سبيله، وكان قد قالعبد الله ابن عبد الله بن أبي: يا رسول الله، إن أردت قتله فمرني بذلك، فأنا والله أحمل إليك رأسه


حديث الإفك

وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك، وهي أن عائشة كانت قد خرج بها رسول الله معه في هذه الغزوة بقرعة أصابتها، وكانت تلك عادته مع نسائه، فلما رجعوا من الغزوة نزلوا في بعض المنازل، فخرجت عائشة لحاجتها، ففقدت عقداً لأختها كانت أعارتها إياه، فرجعت تلتمسه في الموضع الذي فقدته فيه في وقتها، فجاء النفر الذين كانوا يرحلون هودجها فظنوها فيه فحملوا الهودج، ولم ينكروا خفته، فرجعت عائشة إلى منازلهم، وقد أصابت العقد، فإذا ليس به داع ولا مجيب، فقعدت في المنزل، وظنت أنهم سيفقدونها فيرجعون في طلبها، فنامت، فلم تستيقظ إلا بقول صفوان بن المعطل: إنا لله وإنا إليه راجعون، زوجة رسول الله؟ فاسترجع وأناخ راحلته، فقربها إليها، فركبتها، وما كلمها كلمة واحدة، ولم تسمع منه إلا استرجاعه، ثم سار بها يقودها، وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة فلما رأى ذلك الناس تكلم كل منهم بشاكلته، ووجد الخبيث عدو الله أبن أبي متنفساً، فجعل يستحكي الإفك

أما عائشة فلما رجعت مرضت شهراً، وهي لا تعلم عن حديث الإفك شيئاً، سوى أنها كانت لا تعرف من رسول الله اللطف الذي كانت تعرفه حين تشتكي، فلما نقعت خرجت مع أم مسطح وأخبرتها الخبر فرجعت عائشة واستأذنت الرسول لتأتي أبويها وتستيقن الخبر ثم أتتهما حتى عرفت الأمر، فجعلت تبكي، فبكت ليلتين ويوماً، لم تكن تكتحل بنوم، وبعد ذلك نزل الوحي قال تعالى:

"إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم .."

وجلد من أهل الإفك مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، جلدوا ثمانين، ولم يحد الخبيث عبدالله بن أبي مع أنه رأس أهل الإفك وهكذا وبعد شهر أقشعت سحابة الشك والارتياب والقلق والاضطراب عن جو المدينة،وافتضح رأس المنافقين

{عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة 6 هـ:}

رأى رسول الله في المنام، وهو بالمدينة، أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأخذ مفتاح الكعبة، وطافوا واعتمروا، وحلق بعضهم وقصر بعضهم، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا، وحسبوا أنهم داخلوا مكة عامهم ذلك، وأخبر أصحابه أنه معتمر فتجهزوا للسفر.فاستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي ليخرجوامعه، أما هو فغسل ثيابه وركب ناقته، وخرج من المدينة يوم الاثنين غرة ذي القعدة سنة 6هـ ومعه زوجته أم سلمة في ألف وأربعمائةويقال ألف وخمسمائة، ولم يخرج معه بسلاح، إلا سلاح المسافر: السيوف في القُرُب.وتحرك في اتجاه مكة، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة،ليأمن الناس من حربهن وبعث بين يديه عيناًله من خزاعة يخبره عن قريش، حتى إذاكان قريباً من عسفان أتاه عينه، فقال: إني تركت كعب بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، وحاولت قريش صد المسلمين عن البيت بقيادة خالد بن الوليد لكنّ المسلمي قد بدّلوا طريقهم اجتناباً للقاء الدامي..وقد جاء نفر من خزاعة إلى رسول الله فقال الرسول :"إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، ..."،وهنا حاول بعض شباب قريش التسلل إلى معسكر المسلمين، غير أنّهم تمكنوا من اعتقالهم ..ثمّ أطلق النبي سراحهم وعفا عنهم.فأرسل عثمان بن عفان سفيراً إلى قريشليخبرهم أنّهم جاءوا معتمرين..احتبسته قريش،وقد شاع بين المسلمين أن عثمان قتل، فدعا الرسول أصحابه إلى ( بيعة الرضوان ) فبايعوه على ألا يفروا، وبايعته جماعة على الموت ، أخذ الرسول هذه البيعة تحت شجرة، و التي أنزل الله فيها (لقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)

عرفت قريش ضيق الموقف، فأسرعت إلى بعث سهيل بن عمرو لعقد الصلح، وأكدت له ألا يكون في الصلح إلا أن يرجع عنا عامه هذا، لا تتحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً

{قواعد الصلح:}

1-يرجع الرسول من عامه فلا يدخل مكة، وإذاكان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثاً، معهم سلاح الراكب، السيوف في القُرُب، ولا يتعرض لهم.

2– وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين،يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض.


3 – من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.

4 – من أتى محمداً من قريش من غير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يرد عليه.ثم جاء نسوة مؤمنات فسأل أولياؤهن أن يردهن عليهم بالعهد الذي تم في الحديبية،فرفض طلبهم هذا، بدليل أن الكلمة التي كتبت في المعاهدة بصدد هذا البند هي: "وعلى أن لا يأتيك منارجل، وإن كان على دينك إلا رددته علينا"، فلم تدخل النساء في العقد رأساً.وفي سنة 7 هـ وبعد هذا الصلح أسلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة، ولما حضروا عند النبي قال: "إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها".وقد كان صلح الحديبية بداية طور جديد في حياةالإسلام والمسلمين وأعطتهم فرصة كبيرة لنشرالدعوة الإسلامية وإبلاغها، فتضاعف نشاطهم في مجال الدعوة، أو مكاتبة الملوك والأمراء وفي النشاط العسكري

{مكاتبة الملوك والأمراء}

ففي أواخر السنة السادسة حين رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية كتب إلى الملوك يدعوهم ، واختار من أصحابه رسلاً لهم معرفة وخبرة، وأرسلهم إلىيهم، من ذلك كتب إلى النجاشي ملك الحبشة وأرسل إليه عمرو بن أمية الضَّمْرِي ، وأسلم وكتب إلى المقوقس ملك مصر وأرسل إليه حاطب بن أبي بَلْتَعَة. ولم يسلم وكتب إلى كسرى ملك فارس وأرسل إليه عبد الله بن حذافة السهمي، وأسلم .وكتب إلى قيصر ملك الروم وأرسل إليه دَحْيَة بن خليفةالكلبي وكتب إلى المنذر بن ساوي حاكم البحرين وأرسل إليه العلاء بن الحضرمي منهم من أسلم أما اليهود فأقام عليهم الجزية وكتب إلى هَوْذَة بن على صاحب اليمامة وأرسل إليه سَلِيط بن عمرو العامري،وأسلم وكتب إلى الحارث بن أبي شَمِر الغساني صاحب دمشق ، وأرسل إليه شجاع بن وهب من بني أسد بن خزيمة ولم يسلم وكتب إلى ملك عُمَان جَيْفَر وأخيه عبد ابني الجُلَنْدَي وأرسل إليهما عمرو بن العاص رضي الله عنه فأسلما


{النشاط العسكري بعد صلح الحديبية}


غزوة الغابة أو غزوة ذي قَرَدهذه الغزوة حركــة مطـاردة ضد فصيلة من بني فَزَارة قامت بعمل القرصنة في لِقَاحِ رسول الله صلى الله عليه وسلموهي أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية، وقبل خيبر

{غزوة خيبر ووادي القرى في المحرم سنة 7هـ}

كانت خيبر هي وكرة الدس والتآمر ومركزالاستفزازات العسكرية، والتحرشات وإثارة الحروب، حيث أن أهل خيبر هم الذين حزبوا الأحزاب ضد المسلمين، وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة، ثم أخذوا في الاتصالات بالمنافقين،وبغطفان وأعراب البادية، وكانوا هم أنفسهم يتهيئون للقتال.حين رجع الرسول من الحديبية أقام بالمدينة ثمّ خرج إلى خيبر. ومعه من يرغب بالجهاد ..فلم يخرج إلا أصحاب الشجرة وهم ألف وأربعمائة.وقد قام المنافقون يعملون لليهود، فقد أرسل رأس المنافقين عبدالله بن أبي إلى يهود خيبر: إن محمداًقد قصدكم، وتوجه إليكم، فخذوا حذركم،ولا تخافوا منه فإن عددكم وعدتكم كثيرة، وقوم محمد شرذمة قليلون، عزّل، لا سلاح معهم إلا قليل..سلك الرسول طريق اسمه مرحب. وبات المسلمون الليلة الأخيرة التي بدأ في صباحهاالقتال قريباً من خيبر، ولا تشعر بهم اليهود، فخرج أهل خيبر بمساحيهم ومكاتلهم، بل خرجوا لأرضهم، ولما رأوا الجيش ولّووا هاربين.

{وكانت خيبر منقسمة إلى شطرين، طرفيها خمسة حصون:}

1 – حصن ناعم

2– حصن الصعب بن معاذ،


3 – حصن قلعة الزبير ،

4 – حصن أبي، 5 – حصن النزار.

والحصون الثلاثة الأولى منها كانت تقع في منطقة

يقال لها: "النطاة" وأما الحصنان الآخران فيقعان في منطقة تسمى بالشق.أما الشطر الثاني، ويعرف بالكتيبة،ففيه ثلاثة حصون فقط:

1 – حصن القموص (وكان حصن بني أبي الحقيق من بني النضير)،


غزوة2– حصن الوطيح،


غزوة 3 – حصن السلالم.


ودار القتال المرير في الشطر الأول منها، أما الشطرالثاني فحصونها الثلاثة مع كثرة المحاربين فيها سلمت دونما قتال.فتح المسلمون حصن ناعم ، وحصن الصعب بن معاذ، وحصن قلعة الزبير ، ثمّ حصن قلعة أبي،وأخيراً حصن النزار،كان هذا الحصن أمنع حصون الشطر.أمّا في الشطر الثاني من خيبر، عندما جاء الرسول اإليها فرض على أهلها أشد الحصار، ودام الحصار أربعة عشر يوماً، واليهود لا يخرجون من حصونهم، فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول الله الصلح. وأراد الرسول أن يجلي اليهود من خيبر، فقالوا: يا محمد، دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها فنحن أعلم بها منكم، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع، ومن كل ثمر.فقسم أرض خيبر على ستة وثلاثين سهماً، جمع كل سهم مائة سهم، فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم، فكان لرسول الله والمسلمين النصف من ذلك وهو ألف وثمانمائة سهم، لرسول الله سهم كسهم أحد المسلمين وعزل النصف الآخر، لنوائبه وما يتنزل به من أمورالمسلمين،وإنما قسمت على ألف وثمانمائة سهم لأنها كانت طعمة من الله لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب، وكانوا ألفاً وأربعمائة، وكان معهم مائت فرس، لكل فرس سهمان، فقسمت على ألف وثمانمائةسهم، فصار للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم واحد.جملة من استشهد من المسلمين في معارك خيبر ستة عشر رجلاً،أربعة من قريش وواحد من أشجع، وواحد من أسلم، وواحد من أهل خيبر والباقون من الأنصار.أما قتلى اليهود فعددهم ثلاثة وتسعون قتيلاً

{غزوة ذات الرقاع سنة 7هـ}

وكان سببها ما ظهر من الغدر لدى كثير من قبائل نجد بالمسلمين، ذلك الغدر الذي تجلى في مقتل أولئك الدعاة السبعين الذين خرجوا يدعون إلى الله تعالى، فخرج -صلى الله عليه وسلم- قاصدًا قبائل محارب وبني ثعلبة،عندما جاءه الخبر أن بني محارب وبني ثعلبة من غطفان قد جمعوا الجموع لحرب المسلمين، فما كان منه صلى الله عليه وسلم- إلا أن سار إليهم في عقردارهم على رأس أربعمائة مقاتل وقيل: سبعمائةمقاتل، ولما وصل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ديارهم خافوا وهربوا إلى رؤوس الجبال،تاركين نساءهم وأطفالهم وأموالهم، وحضرت الصلاة فخاف المسلمون أن يغيروا عليهم، فصلىرسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف،وعاد بعدها إلى المدينة.وعندما هلّ ذو القعدة أمر الرسول أصحابه ان يعتمروا قضاء عمرتهم،( عمرة القضاء )وألا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية، فخرجواإلامن استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين، فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان.وساق ستين بدنة،وأحرم من ذي الحليفة،ولبى، ولبى المسلمون معه،وخرج مستعداً بالسلاح والمقاتلة، خشية أن يقع من قريش غدر، فلما بلغ يأجج وضع الأداة كلها: الحجف والمجان والنبل والرماح، وخلف عليهاأوس بن خولي الأنصاري في مائتي رجل، ودخل بسلاح الراكب: السيوف في القُرُب.وأقام الرسول بمكة ثلاثاً، فلما أصبح من اليوم الرابع أتوا علياً فقالوا: قل لصاحبك: أخرج عنا فقد مضى الأجل، فخرج النبي ونزل بسرف فأقام بها.ولما أراد الخروج من مكة تبعتهم ابنة حمزة، تنادي ياعم يا عم، فتناولها علي واختصم فيها علي وجعفر وزيد، فقضى النبي لجعفر لأن خالتها كانت تحته.وفي هذه العمرة تزوج النبي بميمونة بنت الحارث العامرية.وسميت هذه العمرة بعمرة القضاء، إما لأنهاكانت قضاء عن عمرية الحديبية، أو لأنها وقعت حسب المقاضاة (أي المصالحة) التي وقعت في الحديبية، وهذه العمرة تسمى بأربعة أسماء: القضاءوالقضية والقصاص والصلح


{غزوة مؤتة سنة 8 هـ}

في شهر جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرةجهز رسول الله عليه وسلم جيشاً للقصاص ممن قتلوا الحارث بن عمير الذي كان رسول الله عليه وسلم قد بعثه إلى أمير بصرى داعياً له إلى الإسلام .وأمر على الجيش زيد بن حارثة ، وقال عليه الصلاة والسلام إن أصيب زيدٌ فجعفر بن أبي طالب ، وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة ، فإن أصيب عبد الله فخالد بن الوليد"وانطلق الجيش وبلغ عددهم ثلاثة آلافٍ من المهاجرين والأنصار . وأوصاهم الرسول بأن لا يقتلوا امرأةً ولا صغيراً ، ولا شيخاً فانياً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً .ووصل الجيش إلى مكان يدعى " معان " في أرض الشام . وكان هرقل قد حشد مائتي ألف مقاتل لقتال المسلمين .والتقى الجيشان غير المتكافئين عدداً أو عدة . وقاتل المسلمون قتال الأبطال . وصمدواأمام هذا الجيش الضخم . وقاتل زيد بن حارثة حامل اللواء حتى استشهد ، فتولى القيادة جعفر بن أبي طالب ، وحمل اللواء بيمينه فقطعت ،ثم حمله بشماله فقطعت فاحتضنه بعضديه حتى ضربه رجلٌ من الروم فاستشهد ، فسمي بذي الجناحين حيث أبدله الله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء .ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة وقاتل حتى استشهد فأخذ الراية خالد بن الوليد . واستعمل دهاءه الحربي ، حتى انحاز بالجيش ، وأنقذه من هزيمة منكرة كادت تقع . فانتهز خالد فرصةقدوم الليل فغير نظام الجيش فجعل ميمنة الجيش ميسرة ، وميسرته ميمنة ، كما جعل مقدمة الجيش في المؤخرة ، ومؤخرة الجيش في المقدمة فلما أطل الصباح ، أنكرت الروم ما كانوايعرفون من راياتهم ، وسمعوا من الجلبة وقعقعة السلام فظنوا أنهم قد جاءهم مدد . فرعبوا وانكشفوا وما زال خالد يحاورهم ويداورهم والمسلمون يقاتلونهم أثناء انسحابهم بضعة أيامٍ حتى خاف الروم أن يكون ذلك استدراجاً لهم إلى الصحراءفتوقف القتال .وهكذا تبدلت هزيمة جيش المسلمين إلى نصرٍ وأينصرٍ أكبر من صمود جيشٍ يبلغ عدده ثلاثة آلاف مقاتلٍ أمام جيشٍ عدده مائتا ألف مقاتلٍ ؟؟.ستشهد من المسلمين اثنا عشر رجلاً، أما الرومان فلم يعرف عدد قتلاهم، وقد كان لهذه المعركة كبير الأثر لسمعة المسلمين،فأسلمت بنو سليم وأشجع وغطفان وذبيان وفزارة


{سرية ذات السَّلاسِل}


ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموقف القبائل العربية ـ التي تقطن مشارف الشام ـ في معركة مؤتة من اجتماعهم إلى الرومان ضد المسلمين، شعر بمسيس الحاجة إلى القيام بحكمة بالغة توقع الفرقةبينها وبين الرومان، وتكون سبباً للائتلاف بينهاوبين المسلمين، حتى لا تتحشد مثل هذه الجموع الكبيرة مرة أخري.واختار لتنفيذ هذه الخطة عمرو بن العاص ؛ لأن أم أبيه كانت امرأة من بَلِي.فبعثه إليهم في جمادي الآخرة سنة 8 هـ على إثرمعركة مؤتة ؛ ليستألفهم..


{..سرية أبي قتادة إلى خضرة}

كانت هذه السرية في شعبان سنة 8 هـ ؛ وذلك لأن بني غَطَفَان كانوا يتحشدون في خَضِرَة ـوهي أرض مُحَارِب بنَجْد ـ فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة في خمسة عشر رجلاً، فقتل منهم، وسَبَي وغنم، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة.


{.. فتح مكة:}

لما كان من بنود صلح الحديبية أن من أرادالدخول في حلف المسلمين دخل ومن أراد الدخول في حلف قريش دخل ، دخلت خزاعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ودخلت بنو بكر في عهد قريش وقد كانت بين القبيلتين حروب وثارات قديمةفأراد بنو بكر أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم فأغاروا عليها ليلاً ، فاقتتلوا ، وأصابوا منهم وأعانت قريش بني بكر بالسلاح والرجال ، فأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بغدر قريش وحلفائهاوأرادت قريش تفادي الأمر فأرسلت أبا سفيان إلى المدينة لتجديد الصلح مع المسلمين ، ولكن دون جدوى حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتهئ والاستعداد ، وأعلمهم أنه سائر إلى مكةكما أمر بكتم الأمر عن قريش من أجل مباغتتها في دارها .وفي رمضان من السنة الثامنة للهجرة غادرالجيش الإسلامي المدينة إلى مكة ، في عشرة آلاف من الصحابة بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن استخلف على المدينةأبا ذر الغفاري رضي الله عنه ولما كان بالجحفة لقيه عمه العباس بن عبدالمطلب وكان قد خرج بأهله وعياله مسلماً مهاجراًوركب العباس بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ، يبحث عن أحد يبلغ قريشاً لكي تطلب الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل مكةوكان أبو سفيان ممن يخرج يتجسس الأخبارفوجده العباس ، فنصحه بأن يأتي معه ليطلب له الأمان من رسول الله ، فجاء به راكباً معه حتى أدخله على رسول الله ، فقال له الرسول( ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ ....ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله)فقال العباس : ويحك أسلم ، فأسلم وشهدشهادة الحق ، ثم أكرمه الرسول فقال (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) رواه مسلم .ولما تحرك الجيش لدخول مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي ،حتى تمر به جنود الله فيراهافمرّت القبائل على أبي سفيان ، و العباس يخبره بها ، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء ، فيها المهاجرون والأنصار ، فقال أبو سفيان : سبحان الله ؟ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة . ثم أسرع إلى قومه ، وصرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ، هذا محمد ، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فتفرق الناس إلى دورهم ، وإلى المسجد


ودخل رسول الله مكة متواضعاً لله الذي أكرمه بالفتح ، وكان قد وزع جيشه إلى مجموعات

أو كتائب احتياطاً لأي مواجهة (جَاءَالحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} ( الإسراء :81 )


{ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} (سبأ : 49)


والأصنام تتساقط على وجوهها ، ثم طاف بالبيت ثم دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبةفأمر بها ففتحت ، فدخلها فرأى فيها الصور فمحاهاوصلى بها ، ثم خرج وقريش صفوفاً ينتظرون مايصنع

فقال : ( يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟)

قالوا:أخ كريم وابن أخ كريم ، قال ( فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه{لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} اذهبوا فأنتم الطلقاء )

وأعاد المفتاح ل عثمان بن طلحة ، ثم أمر بلالاً أن يصعد الكعبة فيؤذن ، وأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ دماء تسعة نفرمن أكابر المجرمين ، وأمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة وفي اليوم الثاني قام الرسول عليه السلام ،وألقى خطبته المشهورة ، وفيها( إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة ،لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحلل لي قط إلاساعة من الدهر ، لا ينفر صيدها ، ولا يعضد شوكها ، ولا يختلى خلاها ، ولا تحل لقطتهاإلا لمنشد) رواه البخاري .وخاف الأنصار بعد الفتح من إقامة الرسول بمكة ،فقال لهم : ( معاذ الله ، المحيا محياكم ، والممات مماتكم )رواه مسلم ثم بايع الرجال والنساء من أهل مكة على السمع والطاعة ، وأقام بمكة تسعة عشر يوماً ، يجددمعالم الإسلام ، ويرشد الناس إلى الهدى ويكسرالأصنام


وبهذا الفتح حصل خير كثير فبه أعز الله الإسلام وأهله ، ودحر الكفر وأصحابه كمابث سراياه للدعوى إلى الإسلام ومنها

1– بعث خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة 8هـ ليهدمها.

2 – بعث عمرو بن العاص في نفس الشهر إلى سواع ليهدمه.

3 – وفي الشهر نفسه بعث سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة ليهدمها

4 – بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة داعياً إلى الإسلام لا مقاتلاً، فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فانتهى إليهم فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنافجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتلهم ويأسرهم، فذكر ذلك للرسول فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد".


{غزوة حنيـن 8 هـ}


في يوم السبت 6 شوال سنة 8هـ غادر رسول الله مكةخرج في اثني عشر ألفاً من المسلمين، عشرة آلاف ممن كانوا خرجوا معه لفتح مكة، وألفان من أهل مكة،وأكثرهم حديثو عهد بالإسلام واستعار من صفوان بن أمية مائة درع بأداتها، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد.وفي طريقهم إلى حنين رأوا سدرة عظيمة خضراء يقال لها: ذات أنواط، كانت العرب تعلق عليها أسلحتهم، ويذبحون عندها ويعكفون،فقال بعض الجيش إجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط فقال: "الله أكبر، قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى: اجعل لناإلها كما لهم آلهة وقد كان بعضهم قال نظراً إلى كثرة الجيش: لن نغلب اليوم، وكان قد شق ذلك على رسول الله.الجيش الإسلامي يباغت بالرماة والمهاجمين:وصل الجيش إلى حنين الليلة التي بين الثلاثاءوالأربعاء لعشر خلون من شوال، وكان مالك بن عوف قد سبقهم، فأدخل جيشه بالليل في ذلك الوادي، وفرّق كمناءه في الطرق و المداخل والشعاب والأخباء والمضايق،وأصدر إليهم أمره بأن يرشقوا المسلمين أول ما طلعوا، ثم يشدوا شدة رجل واحد، وعند دخول المسلمين الوادي إذا تمطر عليهم النبال، وإذا كتائب العدو قد شدت عليهم،فانشمر المسلمون راجعين لا يلوي أحدعلى أحد، وكانت هزيمة منكرة.وانحاز رسول الله جهة اليمين وهو يقول:"هلموا إليّ أيها الناس، أنا رسول الله أنا محمد بن عبدالله"، ولم يبق معه إلاعدد قليل من المهاجرين والأنصار.رجوع المسلمين واحتدام المعركة:فأمر رسول الله عمه العباس أن ينادي الصحابة وقال بأعلى صوته: أين أصاحب السمرة؟ حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس واقتتلوا.وصرفت الدعوة إلى الأنصار: يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة في بني الحارث بن الخزرج،وتلاحقت كتائب المسلمين واحدة تلو الأخرى كما كانوا تركوا الموقعة، وتجالد الفريقان مجالدة شديدة، ونظر رسول الله إلى ساحة القتال، وقد استحر واحتدم، فقال: "الآن حمي الوطيس"، ثم أخذ قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم وقال: "شاهت الوجوه"،فما خلق الله إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً من تلك القبضة.وما هي إلا ساعات قلائل – بعد رمي القبضة –حتى انهزم العدو هزيمة منكرة، وقتل من ثقيف وحدهم نحو السبعين، وحاز المسلمون ما كان مع العدو من مال وسلاح وظعن.ولما انهزم العدو صارت طائف منهم إلى الطائف، وطائفة إلى نخلة، وطائفة إلى أوطاس، فأرسل النبي إلى أوطاس طائفة من المطاردين يقودهم أبو عامر الأشعري، فتناوش الفريقان القتال قليلاً، ثم انهزم جيش المشركين وقتل في المناوشة أبو عامر الأشعري. وطاردت طائفة أخرى من فرسان المسلمين فلول المشركين الذين سلكوا نخلة، فأدرت دريد بن الصمة فقتله ربيعة بن رفيع.وأما معظم فلول المشركين الذين لجأوا إلى الطائف، فتوجه إليهم الرسول بنفسه بعد أن جمع الغنائم.وهي من السبي ستة آلاف رأس، والإبل أربعة وعشرون ألفاً، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة، أمر رسول الله بجمعها، ثم حبسها بالجعرانة، ولم يقسمها حتى فرغ من غزوة الطائف.وكانت في السبي الشيماء بنت الحارث السعدية، أخت رسول الله من الرضاعة، فما جيء بها إلى الرسول عرفت له نفسها، فعرفها بعلامة فأكرمها،وبسط لها رداءه وأجلسها عليه، ثم من عليها، وردها إلى قومها.


{غزوة الطائف شوال سنة 8هـ.}


وهي امتداد لغزوة حنين، حيث أن معظم فلول هوازن وثقيف دخلوا الطائف مع القائد العام مالك بن عوف النصري، وتحصنوا بها، فسار إليهم الرسول بعد فراغه من حنين وجمع الغنائم في الشهر نفسه شوال سنة 8هـ.وقدم خالد بن الوليد على مقدمته طليعة في ألف رجل، ثم سلك رسول الله إلى الطائف، وكان هناك حصن لمالك بن عوف فأمر بهدمه، فنزل قريباً من حصنه وعسكر هناك وفرض الحصار على أهل الحصن.ودام الحصار مدة غير قليلة، ووقعت في هذه المدة مراماة، ومقاذفات، فالمسلمون أول ما فرضوا الحصار رماهم أهل الحصن رمياً شديداً، حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة، وقتل منهم اثنا عشر رجلاً،واضطروا إلى الارتفاع عن معسكرهم إلى مسجدالطائف اليوم، فعسكروا هناك.ونصب النبي المنجنيق على أهل الطائف، وقذف به القذائف، حتى وقعت شدخة في جدارالحصن، فدخل نفر من المسلمين تحت دبابة.ودخلوا بها إلى الجدار ليحرقوه، فأرسل عليهم العدو سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرموهم بالنبل وقتلوا منهم رجالاً.وأمر رسول الله بقطع الأعناب وتحريقها، فقطعها المسلمون قطعاً ذريعاً، فسألته ثقيف أن يدعها لله والرحم، فتركها.ولما طال الحصار واستعصى الحصن، استشارالرسول نوفل بن معاوية الديلي فأشار عليه برفع الحصار والرحيل، فأمر عمر بن الخطاب فأذن في الناس إنا قافلون غداً فثقل عليهم، وقالوا: نذهب ولا نفتحه؟ فقال الرسول: "اغدوا على القتال"، فغذوافأصابهم جراح فقال: "إنا قافلون غداً إن شاء الله"،فسروا بذلك وأذعنوا، وقيل ادعوا على ثقيف فقال: "اللهم اهد ثقيفاً ائت بهم".لما عاد رسول الله بعد رفع الحصار عن الطائف مكث بـ (الجعرانة ) بضع عشرة ليلة لا يقسم الغنائم، ويتأنى بها، يبتغي أن يقدم عليه وفد هوازن تائبين فيحرزوا ما فقدوا، ولكنه لم يجئه أحد فبدأ



{غزوة تبوك في رجب سنة 9هـ}

بعد فتح مكة ودخول الحجاز كلها في الإسلام ،خشي العرب التابعون للروم من المسلمين في بلاد الشام من قوة الإسلام . فقرر الرومغزو المسلمين . وجهزوا جيشاً كبيراًعسكروا جنوب بلاد الشام .وصلت الأخبارإلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فدعا إلى تجهيز جيش قوي يصد غزو الروم .وكان الرسولصلى الله عليه وسلم يعلم أن الظروف التي يمر بها صعبة ، وأن الأيام أيام قيظٍ وقحط . فبعث الرجال يحثون القبائل على الاشتراك في الجيش ،وحث الأغنياء على أن يجودوا بمالهم ، فتبرع عثمان بن عفان بعشرة آلاف دينار وتسعمائة بعيرٍ ، ومائة فرس.كما تبرع أبو بكرٍ الصديق بكل ماله . وتبرع عبد الرحمن بن عوف بأربعين ألف دينار . وتبرعت النساء بحليهن وزينتهن من الذهب .و تحرك جيش المسلمين إلى تبوك في شهر رجب من العام التاسع بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان عددهم ثلاثين ألفاً تقريباً .و أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم اللواءلأبي بكرٍ الصديق . وعسكر النبي صلى الله عليه وسلم بجيشه في ثنية الوداع .وكان الحر شديداً للغاية ، وعانى المسلمون من عسرة الماء والزاد ، حتى اضطروالذبح إبلهم وإخراج ما في كروشها فيعصرونه ويشربونه . لذلك سميت الغزوة بغزوة العسرة .وقضى المسلمون في تبوك حوالي عشرين يوماً ،ولكن لم يجدوا هناك أحداً من الروم الذين رجعوا من حيث أتوا ، حينما علموا بمسيرالجيش المسلم الذي يؤثر الموت على الحياة .واستشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في مجاوزة تبوك إلى ما هو أبعد منها من ديار الشام . فأشار عليه الفاروق عمر بالعودة إلى المدينة . فاستحسن الرسول صلى عليه وسلم رأيه وعادوا إلى المدينة ..وقد كان لهذه الغزوة أعظم أثر في بسط نفوذالمسلمين وتقويته على جزيرة العرب، فقد تبين للناس أنه ليس لأي قوة من القوات


{حَجَّة الوداع}


عندما فُتِح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة ، وأتم إبلاغ الرسالة ،وفرض الله الحج على الناس في أواخر السنة التاسعة من الهجرة ،قال الله تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } (آل عمران: من الآية97) ..فعزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الحج وأعلن ذلك ..وعُرِفت هذه الحجة بحجةالإسلام ، وحجة البلاغ ، وحجة الوداع لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودع الناس فيها ،حتى قال لمعاذ ـ رضي الله عنه ـ حين بعثه إلى اليمن في السنة العاشرة ـ التي حج فيها ـ :( يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ) رواه أحمد


قال النووي : " فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته -صلى الله عليه وسلم - ، وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه ، وانتهاز الفرصة من ملازمته وتعلم أمور الدين ، وبهذا سُميت حجة الوداع " . وأجمع الأحاديث الصحيحة في بيان حجة النبي صلى الله عليه وسلم ـما رواه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله ـرضي الله عنه ـ قال : ( إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث تسع سنين لم يحج ،ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ حاج ،فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -ويعمل مثل عمله ، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفةفولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبى بكر ،فأرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف أصنع قال : اغتسلي واستثفري(شدي عليكِ) بثوب وأحرامي.

فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء ، نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به


فأهلَّ بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك لبيك ، لا شريك لك ،لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .. وأهلَّ الناس بهذا الذي يهلون به ،فلم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -عليهم شيئا منه ، ولزم رسول الله تلبيته

قال جابر - رضي الله عنه - : لسنا ننوى إلا الحج لسنا نعرف العمرة ـ ، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن ، فرمل ثلاثا ومشى أربعا ، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً }(البقرة: من الآية125) ،فجعل المقام بينه وبين البيت ، فكان أبى يقول ـ ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : كان يقرأ في الركعتين : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } (الإخلاص:1) و { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ }(الكافرون:1) ،ثم رجع إلى الركن فاستلمه ،ثم خرج من الباب إلى الصفا ،فلما دنا من الصفا قرأ : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ }(البقرة: من الآية158) : أبدأ بما بدأ الله به ..)

فبدأ بالصفا فرقى عليه ، حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره ، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ،وهو على كل شيء قدير ،لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدنا مشى ، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال : لو أنى استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة


أن تعيش في العرب سوى قوة الإسلام.ولذلك لم يبق للمنافقين أن يعاملهم المسلمون بالرفق واللين، وقد أمر الله بالتشديد عليهم،حتى نهى عن قبول صدقاتهم، وعن الصلاة عليهم، والاستغفار لهم والقيام على قبرهم.ومن أثر هذه الغزوة أيضاً تتابع الوفودوتكاثرها بلغ إلى القمة بعد هذه الغزوة.منها:

(وفد عبد القيس... وفد دوس...وفد رسول فروة بن عمرو الجذامي ..وفد صداء...قدوم كعب بن زهير بن أبي سلمى ،كان من بيت الشعراء، وكان يهجو النبي، وتاب وأسلم.وفد غذرة... وفد بلي..... وفد ثقيف...ورسالة ملوك اليمن ....وفد همدان...وفقد بني فزارة... وفد نجران...وفد بني حنيفة...وفد بني عامر بن صعصعة.. وفد تجيب... وفد طيء..)وهكذا تتابعت الوفود إلى المدينة في سنتي وِ10وتأخر بعضها إلى 11 للهجرة.


بقسمة المال، ليسكت المتطلعين من رؤساء القبائل وأشراف مكة، فكان المؤلفة قلوبهم أول من أعطى وحظي بالأنصبة الجزلة.وقد كانت هذه القسمة مبنية على سياسة حكيمة، لكنها لم تُفهم أول الأمر، فأطلقت ألسنة شتى بالاعتراض.فما علم الأنصار بحقيقة الأمر قالوا: رضينابرسول الله قسماً وحظاً.وبعد توزيع الغنائم أقبل ( وفد هوازن) مسلماً،وهم أربعة عشر رجلاً ورأسهم زهير بن صرد، وفيهم أبو برقان عم الرسول من الرضاعة،فأسلمواوبايعوا الرسول وردّ لهم السبيّ..وبعد أن فرغ الرسول من قسمة الغنائم في الجعرانة،أهلّ معتمراً منها، فأدى العمرة وانصرف بعدذلك راجعاً إلى المدينة بعد أن ولى على مكةعتاب بن أسيد، وكان رجوعه إلى المدينة ودخوله فيها لست ليال بقيت من ذي القعدة سنة 8هـ.


حجّة الوداع

فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله : ألعامنا هذا ، أم لأبد ؟ ، فشبك رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أصابعه واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة في الحج - مرتين – لا ، بل لأبد أبد .وقدِم علىّ من اليمن بِبُدْن النبيَ ،فوجد فاطمة رضي الله عنها - ممن حلّ ولبست ثيابا صبيغاواكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : إن أبى أمرني بهذا ، قال : فكان على ـ رضي الله عنه ـيقول بالعراق ، فذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُحَّرِشا على فاطمة للذي صنعت ، مستفتيا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكرت عنه ، فأخبرته : أنى أنكرت ذلك عليها ، فقال : صدقت ، صدقت ، ماذا قلت حين فرضت الحج ؟ ،قال :قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسولك ، قال : فإن معي الهدى فلا تحل ، قال : فكان جماعةالهدى الذي قدم به علىّ من اليمن ، والذي أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة - قال :فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - من كان معه هدى .فلما كان يوم التروية توجه واإلى مِنى فأهلوابالحج ، وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بها الظهر والعصروالمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمربقبة من شعرتضرب له بنَمِرة ، فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية .فأجاز رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ،فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له ، فأتى بطن الوادي

فخطب الناس وقال : "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ،ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ،ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربانا ، ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله ..فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ،ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداتكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مُبَرِّح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ،كتاب الله ، وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون ؟ ، قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتهاإلى الناس : اللهم اشهد ،اللهم اشهد ـ ثلاث مرات


ثم أذن بلال ، ثم قام فصلى الظهر ،ثم قام فصلى العصر ، ولم يصلِّ بينهما شيئا ، ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الموقف ، فجعل بطن ناقته القصواءإلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، واستقبل القبلة فلم يزل واقفاحتى غربت الشمس وذهبت الصفرةقليلا حتى غاب القرص ، وأردف أسامة خلفه ، ودفع رسول الله وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رَحْلِه ، ويقول بيده اليمنى : أيها الناس السكينة ، السكينة كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفةفصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح (يصلىصلاة تطوع) بينهما شيئا ..ثم اضطجع رسول الله حتى طلع الفجروصلى الفجر بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة ، فدعاه وكبره وهلله ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر(أضاء) جدا ،فدفع قبل أن تطلع الشمس ..حتى أتى بطن محسر ، فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرةالكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات ، يُكَّبر مع كل حصاة منها ـ مثل حصى الخذْف ،رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ، ثم أعطى عليا فنحر ما غَبَر(ما بقي) وأشركه في هديه ،ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قِدْر فطبخت ، فأكلا من لحمهاوشربا من مرقها .ثم ركب رسول الله فأفاض إلى البيت ،فصلى بمكة الظهر ، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال : انزعوا (استقوا)بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ، فناولوه دلوا فشرب منه..وهكذا أدى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم الحج قبيل وفاته ليلحق بالرفيق الأعلى ،فأرى المسلمين مناسكهم .


قرب أجل الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومرضه


إنّ موت النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم المصائب التي أُصيب بها المسلمون ولذلك قال: "إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب " فالمصيبة بموته أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم لأنّ بموته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة وانقطعت النبوات وكان بموته أول ظهور الشر والفساد بارتداد الذين ارتدوا عن الدين من الأعراب

العلامات التي أشارت إلى قرب انتهاء أجله - صلى الله عليه وسلم-

من بينها ,,

*أنّ النبي صلى الله عليه وسلم للحج في السنة العاشرة وقال "خذوا عنى مناسككم لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا وطفق يودع الناس"

*ونزل عليه بعرفات ,, قوله تعالى :

"حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " المائدة 3

*وعندما نزلت عليه صلى الله عليه وسلم الآية :

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)

فسمعها عمر بكى فقيل :مايبكيك؟ قال : إنّه ليس بعد الكمال الا النقصان

*وفى ثاني يوم التشريق نزل عليه قوله عز وجل :

"إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا " النصر 1-3

*وروى الطبراني عن أم سلمة قال: يا رسول الله أنّي أراك تكثر أن تقول " سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك" ، فقال: " إنّي أُمرت بأمر فقرأ

{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}"

ومن هذه العلامات أنّه صلى عليه وسلم خرج إلى أُحد فصلى على الشهداء كالمودع للأحياء والأموات

*وأيضاً زيارته لأهل البقيع وإستغفاره لهم: عن أبى مويهبه مولى رسول الله صلى عليه وسلم: "بعثني رسول الله صلى عليه وسلم من جوف الليل فقال: (يا أبا مويهبه إنى قد أُمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع فأنطلق معي) فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال: "السلام عليكم يا أهل المقابر ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى ثم أقبل علىٌ) فقال: "يا أبا مويهبه إنى قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فخُيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة" قال: فقلت: بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة قال: "لا والله يا أبا مويهبه لقد اخترت لقاء ربى والجنة" ثم أستغفر لأهل البقيع ثم أنصرف فبدأ برسول الله صلى عليه وسلم وجعه الذي قبضه الله فيه


بداية مرضه صلى الله عليه وسلم واستئذانه أن يُمرض في بيت عائشة


فى اليوم التاسع والعشرين من شهر صفر سنة 11 هـ يوم الإثنين شهد رسول الله صلى عليه وسلم جنازة في البقيع فلما رجع وهو في الطريق أخذه صداع في رأسه وربط رأسه بعصابة عن عائشة رضي الله عنها قالت: أول ما "أشتكى رسول الله صلى عليه وسلم في بيت ميمونة فاستأذن أزواجه أن يُمرض في بيتها وأذنٌ له ",, وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "دخلت على رسول الله صلى عليه وسلم وهو يوعك فمسسته فقلت يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديداً فقال رسول اللهصلى عليه وسلم: "أجل إنّي أوعك كما يوعك رجلان منكم" قال: فقلت: ذلك أن لك أجرين – فقال رسول الله صلى عليه وسلم "أجل" ثم قال رسول الله صلى عليه وسلم: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حطّ الله به سيئاته كما تحطّ الشجرة ورقها" ,, وقالت عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت رجلاً أشدّ عليه الوجع من رسول الله صلى عليه وسلم "


كانت عائشة رضي الله عنها تمسحه صلى الله عليه وسلم بيدها وقد قالت رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت انفث عليه وأمسحه بيد نفسه لأنها كانت أعظم بركة من يدي" ,, وكانت عائشة زوج النبي صلى عليه وسلم تحدث: "أنّ رسول الله صلى عليه وسلم لما دخل بيتي وأشتد به وجعه قال: "وهريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلّي أعهد إلى الناس" فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصبّ عليه من تلك القرب حتّى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن قالت:ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم"


وفاته صلى الله عليه وسلم

في اليوم الثامن أو التاسع والعشرين من شهر صفر سنة 11هـ (وكان يوم الاثنين) شهد رسول الله جنازة في البقيع فلما رجع وهو في الطريق أخذه صداع في رأسه، واتقدت الحرارة وقد صلى النبي بالناس وهو مريض 11 يوماً وجميع أيام المرض كانت 13 أو 14, قضى عند عائشة آخر أسبوع من حياته، وكانت تقرأ عليه وتنفث على نفسه، وتمسحه بيده رجاء البركة

ويوم الأربعاء قبل خمسة أيام من الوفاة، اتقدت حرارة العلة في بدنه، فاشتد به الوجع وغمى، فقال "هريقوا علي سبع قرب من آبار شتى، حتى أخرج إلى الناس، فأعهد إليهم"، فأقعدوه في مخضب وصبوا عليه الماء حتى طفق يقول: "حسبكم حسبكم" وعند ذلك أحس بخفة، فدخل المسجد متعطفاً ملحفة على منكبيه، قد عصب رأسه بعصابة دسمة حتى جلس على المنبر، وكان آخر مجلس جلسه، فحمد الله وأثنى عليه، ونادى بالناس وقال: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وقال "لا تتخذوا قبري وثناً يعبد"

وفي يوم الخميس اشتد به الوجع قال:"هلموا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده"،وفي البيت رجال فيهم عمر فقال عمر: قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبكم كتاب الله، فاختلفوا أهل البيت واختصموا، فلما أكثروا اللغط والاختلاف قال رسول الله : "قوموا عني"

وأوصى بذلك اليوم بثلاث:


أوصى بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب، وأوصى بإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزهم، أما الثالثة فنسيه الراوي


وكان النبي مع ما كان به من شدة المرض كان يصلي بالناس جميع صلواته حتى في هذا اليوم وقد صلى بالناس ذلك اليوم صلاة المغرب، وعند العشاء زاد ثقل المرض فصلى أبو بكر بالناس صلاة العشاء وصلى تلك الأيام (17) صلاة في حياة النبي


قال جابر: سمعت رسول الله قبل موته بثلاث وهو يقول: "ألا لا يموت أحد منكم إلا وهو يحسن الظن بالله" ويوم السبت أو الأحد وجد النبي في نفسه خفة، فخرج بين رجلين لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلي بالناس فأجلساه إلى يسار أبي بكر، فكان أبي بكر يقتدي بصلاة رسول الله ويسمع الناس التكبير


وقبل يوم من وفاته (يوم الأحد) أعتق النبي غلمانه، وتصدق بستة أو سبعة دنانير كانت عنده، ووهب للمسلمين أسلحته، وفي الليل أرسلت عائشة بمصباحها امرأة من النساء وقالت: أقطري لنا في مصباحنا من عكتك السمن، وكانت درعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من الشعير ,, روى أنس بن مالك: أن المسلمين بينما هم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلي بهم لم يفاجئهم إلا رسول الله كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم، وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبيه، ليصل الصف، وظن أن رسول الله يريد أن يخرج إلى الصلاة، فقال أنس: وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم، فرحاً برسول الله، فأشار إليهم بيده رسول الله أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر


وبدأ الاحتضار فأسندته عائشة إليها، وكانت تقول: إن من نعم الله علي أن رسول الله توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته توفي الرسول حين اشتدت الضحى من يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ، وقد تم له ثلاث وستون سنة وزادت أربعة أيام


غسله علي بن أبي طالب، وعمه العباس، والفضل بن العباس، و قثم بن العباس، وأسامة بن زيد، وشقران مولياه، وحضرهم أوس بن خولي الأنصاري ) من غير أن يجردوه من ثيابه، وقد غسل ثلاث غسلات بماء وسِدْر، وغسل من بئر يقال لها: الغَرْس لسعد بن خَيْثَمَة بقُبَاء وكان يشرب منها وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية من ثياب سحول - بلدة باليمن - ليس فيها قميص ولا عمامة وصلى عليه المسلمون أفذاذًا، لم يؤمهم عليه أحد , وقد اختلفوا في موضع دفنه، فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله يقول: "ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض"، فرفع أبو طلحة فراشه الذي توفي عليه، فحفر تحته، وجعل القبر لحداً


ما خص الله-عز وجل- نبيه محمداً -صلّى الله عليه وسلَّم- بخصائص عن أُمَّته

-1اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بجوازِ الوِصالِ في الصَّومِ

فعن أنس-رَضيَ اللهُ عنهُ- عن النَّبيِّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, قال:" لا تواصلوا. قالوا: إنّك تُواصل قال: لستُ كأحدٍ منكم، إني أُطعم وأُسقى أو إني أبيت أُطعم وأُسقى" البُخاريّ- الفتح (4/238) رقم (1961) كتاب الصوم باب الوصال

-2اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بالجمعِ بين أكثرِ من أربعِ نِسوةٍ

فعن أنس بن مالك قال: كان النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يَدورُ على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهُنَّ إحدى عشرة قال: قلت لأنس: أو كان يُطيقه؟ قال: كنّا نتحدث أنه أُعطي قوة ثلاثين وقال سعيدٌ عن قتادة إنّ أنساً حدّثهم: تسعُ نسوة)


-3اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بأنَّ عينَهُ تنامُ ولا ينامُ قَلبُهُ

عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشةَ-رَضيَ اللهُ عنهُا-: كيف كانت صلاة رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصلِّي أربعَ ركعات فلا تسألْ عن حُسنهن وطولهن ثم يُصلِّي ثلاثاً فقلتُ: يا رسولَ الله تنامُ قبل أن تُوتر؟ قال:" تنامُ عيني ولا ينام قلبي"

-4اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأنَّ الكذبَ عليه ليسَ كالكذبِ على غيرِهِ

عن أنس-رَضيَ اللهُ عنهُ- قال: (إنه ليمنعني أن أُحدِّثكم حديثاً كثيراً أن النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ --قال:"مَن تعمَّد عليَّ كذباً فليتبوأ مقعده من النار" البُخاريُّ- الفتح (1/243) رقم (108) كتاب العلم, باب إثم من كذب على النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وعن عليٍّ,قال:قال النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لا تكذبُوا عليَّ، فإنّه مَنْ كَذَبَ عَليَّ فليلجِ النَّارَ) البُخاريُّ- الفتح (1/241) رقم الحديث (106) كتاب العلم ,باب إثم مَنْ كَذَبَ على النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - وقال- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:"إنَّ كَذِباً عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمَنْ كَذَبَ عليَّ مُتعمِّداً فليتبوأ مقعدَهُ من النَّارِ"

-5اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بوجوبِ محبتِهِ

قالَ الله تعالى-:

قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24) سورة التوبة

قال القرطبي-رَحِمهُ اللهُ تعالى- وفي الآية دليل على وجوب حبِّ الله ورسوله، ولا خلافَ في ذلك بين الأمة وأنَّ ذلك مقدَّمٌ على كل محبوب) الجامع لأحكام القرآن (8/95) وعن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ-: أن رسولَ الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- قال: (فوالذي نفسي بيده لا يُؤمنُ أحدُكم حَتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والدِهِ وولدِهِ))البُخاريُّ “ الفتح (1/74-75) رقم (14) كتاب الإيمان “ باب: حُبُّ الرَّسُول-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -من الإيمان وعن أنسٍ-رَضيَ اللهُ عنهُ-,قالَ: قالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:" لا يُؤمنُ أحدُكم حَتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والدِهِ وولدِهِ والنَّاسِ أجمعينَ" المصدر السابق رقم (15)

-6اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّهُ يَرَى مِنْ وراءِ ظَهْرِهِ كما يَرَى مِنْ أَمَامِه

عن أنسٍ-رَضيَ اللهُ عنهُ-,قالَ: (أُقيمتِ الصَّلاةُ,فأقبلَ علينا رسولُ اللهِ بوجهِهِ,فقالَ: "أقيمُوا صفوفَكم وتراصوا، فإنِّي أراكُمْ مِنْ وراءِ ظهري"البُخاريُّ“ الفتح (2/243) رقم الحديث (719) كتاب الأذان- باب إقبال الإمام على النَّاس وعن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ-,قال: (صلَّى بنا رسولُ الله-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يوماً ثمّ انصرفَ، فقالَ: "يا فلانُ, ألا تُحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلِّي إذا صلَّى كيفَ يُصلِّي، فإنما يُصلِّي لنفسه، إني والله لأبصرُ مِن ورائي, كما أبصر من بين يديَّ" صحيح مسلم (1/319), رقم الحديث (423), كتاب الصلاة- باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها وعن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ رسولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,قالَ:"هل ترون قبلتي هاهنا؟ فو الله! ما يخفى عليَّ رُكوعُكم ولا سجودُكم؛ إني لأراكم مِنْ وراءِ ظهري" المصدر السابق رقم (424)

-7اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّهُ يسمعُ ما لا يسمعُهُ النَّاسُ

عن أبي ذرٍّ-رَضيَ اللهُ عنهُ-,قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:"إني أرى ما لا ترون ,وأسمعُ ما لا تسمعون إنَّ السَّماءَ أطَّت وحقَّ لها أنْ تئطَّ؛ ما فيها موضعُ أربع أصابع إلا ومَلَكٌ واضعٌ جبهتَهُ ساجِداً لله والله لو تعلمون ما أعلمُ لضحكتُمْ قليلاً, ولبكيتُم كثيراً. وما تلذذتم بالنِّساءِ على الفُرُشات, ولخرجتُم إلى الصعدات تجأرون إلى اللهِ"

-8اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بتخييرِهِ قبلَ قبضِهِ بينَ الدُّنيا والآخرةِ

عن عائشة -رَضيَ اللهُ عنهُا- قالت: (سمعتُ رسولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,يقولُ: " ما من نبيٍّ يمرضُ إلا خُيِّر بين الدُّنيا والآخرة"، وكان في شكواه الذي قُبض فيه أخذته بُحَّةٌ شديدةٌ، فسمعتُهُ يقول: "مع الذين أنعم الله عليهم؛ من النَّبيّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين"، فعلمتُ أنه خُيِّر) البُخاريُّ “ الفتح (8/103) رقم الحديث (4586) كتاب التفسير باب (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النَّبيِّين)

-9اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّ الأرضَ لا تأكلُ جسدَهُ الشَّريفَ، وعرضُ صلاةِ أمتِهِ عليه في قبرِهِ

عن أوس بن أوس عن النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,قالَ: "إنّ أفضلَ أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلِقَ آدمُ-عليه السلام-, وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفخةُ، وفيه الصَّعقةُ، فأكثِروا عليَّ من الصَّلاةِ، فإنَّ صلاتَكُم معروضةٌ عليَّ". قالوا :يا رسولَ الله! وكيف تُعرَضُ صلاتُنا عليكَ، وقد أَرِمتَ؟ أي يقولون قد بَلِيتَ. قال:"إنَّ الله-عَزَّ وجَلَّ- قد حرَّم على الأرضِ أنْ تأكلَ أجسادَ الأنبياءِ- عليهم السلام-"

-10اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بطيبِ عَرَقِهِ, ولِيْنِ مَسِّهِ

عن أنس بن مالك-رَضيَ اللهُ عنهُ-,قالَ: (دخل علينا النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فقالَ (أي:نام القيلولة) عندنا، فعرقَ، وجاءت أُمِّي بقارورةٍ, فجعلتْ تسلتُ العَرَقَ فيها, فاستيقظَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,فقالَ: "يا أُمَّ سُليم, ما هذا الذي تصنعينَ؟!" قالت: هذا عَرقُك نجعلُهُ في طيبنا, وهو أطيبُ الطِّيبِ) صحيح مسلم (4/1814) رقم الحديث (2331) كتاب الفضائل-باب طيب عرق النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وعن أنسٍ, قال: "كان رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أزهرَ اللَّونِ,كأنَّ عَرَقَهُ اللؤلؤ, إذا مشى تكفَّأَ ولا مسستُ ديباجةً ولا حريرةً ألينَ مِن كفِّ رسولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,ولا شممتُ مِسْكةً ولا عَنْبرةً أطيبَ من رائحةِ رسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-) صحيح مسلم

-12اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّهُ يُدْفنُ في المكانِ الذي قُبِضَ فيهِ

عن عائشةَ-رَضيَ اللهُ عنهُا-,قالت: (لمَّا قُبِضَ رسولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- اختلفُوا في دفنِهِ، فقال أبو بكر: سمعتُ من رسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-شيئاً ما نَسيتُهُ, قال: "ما قَبَضَ اللهُ نبيَّاً إلا في الموضعِ الذي يُحِبُّ أنْ يُدفَنَ فيه" فدفنُوه في موضعِ فراشِهِ) صحيح التِّرمذيِّ للألباني (1/298), وانظر:" أحكام الجنائز" للألباني (ص137 -138)

-13اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأنَّ الله “تعالى-عَصَمَهُ من النَّاسِ


قالَ اللهُ-تعالى-:

يَا أَيُّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس (67) سورة المائدة

قال القرطبيُّ-رَحِمهُ اللهُ-: "معناه ما أظهِر التبليغ، لأنه كان في أوَّلِ الإسلام يخفيه خوفاً من المشركين،ثم أُمر بإظهاره في هذه الآية، وأعلمه الله أنه يعصمه من النَّاس" الجامع لأحكام القرآن (6/242) وعن جابرِ بن عبدِ اللهِ-رَضيَ اللهُ عنهُما-,قال: (غزونا مع رسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- غزوةً قبل نجد، فأدركنا رسولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- في وادٍ كثيرِ العِضاة، فنزل رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- تحتَ شجرةٍ, فعلَّق سيفَهُ بغُصنٍ من أغصانِها، وتفرَّقَ النَّاسُ في الوادي يستظلون بالشَّجرِ، قال: فقالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "إنَّ رجلاً أتاني -وأنا نائم- فأخذَ السَّيفَ، فاستيقظتُ وهو قائمٌ على رأسي, فلم أشعر إلا والسيف صلتاً في يده, فقال لي: مَنْ يمنعُكَ منِّي؟ قلتُ: الله قال: فشام السَّيفَ, فها هو ذا جالسٌ," ثم لم يعرضْ له رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-) صحيح مسلم

-14اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّ مَنِ استهانَ بهِ كَفَرَ

تضافرتِ الأدلةُ من الكتابِ والسُّنَّةِ وإجماع الأمة مُوضِّحة، ومجلية ما يجبُ لرسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- من الحقوقِ وما يتعيَّنُ له مِنْ برٍّ وتوقيرٍ وإكرامٍ وتعظيمٍ, ومن أجلِ هذا حَرَّم اللهُ-تبارك وتعالى- أذاه في كتابِهِ وأجمعتِ الأُمَّةُ على قتلِ منتقصِهِ وسابِّه قالَ اللهُ-تعالى-

:إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا(57) سورة الأحزاب

وقال“تعالى-:

وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) سورة التوبة

-15اختصاصُهُ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّهُ لا يُوْرَثُ ,وما تركَهُ صدقةٌ

الأنبياء “عليهم الصلاة والسلام-سفراءُ الله إلى عبادِهِ، وحَمَلةُ وحيه، مهمتهم إبلاغُ رسالاتِ اللهِ إلى عبادِهِ, والدَّعوة إلى اللهِ وإصلاحِ النفوس وتزكيتها، وتقويم الفكر المنحرفِ والعقائد الزائفة، وإقامة الحجة وسياسة الأمَّة ,فلم تكن وظيفتُهم اختزانَ الأموالِ ولا توريث التُّراثِ، وإنما ورَّثوا عِلْماً وشرعاً، وبلاغاً للنَّاسِ, فذلك ميراثُهم, وهو خيرُ ميراثٍ(2) ودليل ذلك قولُ الرَّسُول-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (لا نُورثُ , ما تركناه صدقة) البُخاريُّ مع الفتح

-16اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بإخراجِ حظِّ الشَّيطانِ منه

عن أنس بن مالك" أنَّ رسولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -أتاه جبريلُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وهو يلعبُ مع الغِلمان، فأخذه فصرعه فشقَّ عن قلبِهِ، فاستخرج القلبَ فاستخرج منه علقةً. فقال: هذا حظُّ الشَّيطانِ منك. ثم غسله في طستٍ من ذهب بماءِ زمزم، ثم لأَمَهُ (أي جمع وضمَّ بعضَه إلى بعضٍ) ثم أعاده في مكانِهِ, وجاء الغلمانُ يسعون إلى أمِّهِ (يعني ظئره) وهي المرضعة, فقالوا: إنَّ مُحمَّداً قد قُتِلَ فاستقبلوه وهو مُنتقع اللون “ قال أنس: وقد كنتُ أرى أثرَ ذلك المخيطِ في صدرِهِ"صحيح مسلم

-16اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بأنه لا ينبغي أنْ تكون له خائنةُ أعينٍ

وعن أنس بن مالك في حديث طويل قال: يا أبا حمزة، غزوت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ؟ قال: نعم، غزوت معه حنيناً، فخرج المشركون فحملوا علينا حَتَّى رأينا خيلناوراء ظهورها وفي القوم رجلٌ يحمل علينا فيدقمنا ويحطمنا، فهزمهم الله، وجعل يجاء بهم فيُبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب النَّبيّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (إن عليَّ نذراً إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه، فسكت رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -وجيء بالرجل، فلما رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، قال: يا رسول الله، تبت إلى الله، فأمسك رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -لا يُبايعه ليفي الآخر بنذره قال: فجعل الرجل يتصدَّى لرسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -ليأمره بقتله، وجعل يهاب رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -أن يقتله، فلما رأى رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -أنه لا يصنع شيئاً بايعه، فقال الرجل: يا رسول الله نذري، فقال: "إني لم أُمسك عنه منذ اليوم إلا لتُوفي بنذرك" فقال: يا رسول الله ألا أومضتَ إليَّ؟ فقال النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: "إنه ليس لنبي أن يُومض" “ أي الرمز بالعينوالإيماء بها" رواه أبو داود في سننه كتاب الجنائز باب أن يقوم الإمام من الميت إذا صلّى عليه

-17اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّهُ مَنْ سَبَّهُ رسولُ اللهِ؛ فإنَّ ذلكَ يكونُ قُربةً له

فعن أبي هُرَيْرة -رَضيَ اللهُ عنهُ- أنه سمع النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, يقولُ:"اللهم فأيما مؤمن سببته, فاجعلْ ذلك له قُربةً إليكَ يومَ القيامةِ" البُخاريُّ

-18اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأنَّ الصَّدقةَ مُحرَّمةٌ عليهِ وعلى آلِهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

عن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ-, قال: (أخذ الحسنُ بن علي -رَضيَ اللهُ عنهُما- تمرةً من تمرِ الصَّدَقةِ فجعلها في فيهِ، فقالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "كِخْ، كخ"، ليَطرحها, ثم قال:" أَمَا شَعرتَ أنّا لا نأكلُ الصَّدقةَ؟"البُخاريُّ

-19اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنه لا يأكلُ البصلَ أو الثَّومَ أو البُقُولَ التي تُثيرُ رائحةً مكروهة

قال البُخاريّ حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب زعم عطاءُ أن جابر بن عبد الله زعم أن النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قال: ( "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا" أو قال: "فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته"، وأن النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- أتي بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحاً، فسأل فأخبر بما فيها من البقول، فقال: قرِّبوها “ إلى بعض أصحابه كان معه- فلما رآه كره أكلها قال: "كل، فإني أُناجي من لا تناجي". البُخاريّ

-20اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّهُ لا يجوزُ التزوجُ بنسائِهِ بعدَ موتِهِ

قالَ اللهُ“تعالى-

(:وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ,وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً, إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا )(53) سورة الأحزاب

-21اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بجوازِ التبركِ بشعرِهِ وريقِهِ الشَّريفِ

فعن أنس -رَضيَ اللهُ عنهُ- قال: لما رمى رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- الجمرةَ، ونَحَرَ نُسكَهُ ,وحَلَقَ, ناول الحالق شقَّهُ الأيمن فحلقه، ثم دعى أبا طلحة الأنصاري، فأعطاه إيَّاهُ, ثم ناوله الشقَّ الأيسرَ، فقالَ: (احلقْ) فحلقَهُ، فأعطاه أبا طلحة، فقالَ: "اقسمْهُ بين النَّاسِ" البُخاريُّ

فضائله صلى الله عليه وسلم

قال تعالى :

{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَ مُبَشِّرًا وَ نَذِيرًا * وَ دَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرَاجًا مُّنِيرًا * وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللهِ فَضْلًا كَبِيرًا } ( الأحزاب )

{ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَ لَكِن رَّسُولَ اللهِ وَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } ( الأحزاب )

{ وَ مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } ( الأنبياء )

و قال صلى الله عيه و سلم :'أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، و أنا أول من يقرع باب الجنة' صحيح مسلم

و قال صلى الله عليه وسلم :' أنا أول شفيع في الجنة ، لم يُصدق نبي من الأنبياء ما صدقت ، و إن نبيًا من الأنبياء ما صدقه من أمته إلا رجل واحد ' صحيح مسلم

و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :' أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، و أول من تنشق عنه الأرض ،و أول شافعو مشفع ' صحيح مسلم

و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :' فُضلت على الأنبياء بِسِت: أُعطيت جوامع الكلم ، و نُصرت بالرعب ، وأُحلّت لي الغنائم ، و جُعلت لي الأرض مسجدًا و طهوراً ، و أُرسلت إلى الخلق كافة ، و خُتم بي النبيون 'رواه الترمذي و ابن ماجه و هو حديث حسن صحيح

و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :' إن مثلي و مثل الأنبياء قبلي ، كـمثل رجل بنى بنيانًا فـأحسنه و أجمله ، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه ، فـجعل الناس يطوفون به و يعجبون لـه ، و يقولون :هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال :فـأنا اللبنة ، و أنا خاتم النبيين ' رواه البخاري و مسلم

و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:' إني عند الله مكتوب خاتم النبيين ، و إن آدم لـمنجدل في طينته ، و سأخبركم بـأول أمري : دعوة إبراهيم ، و بشارة عيسى ، و رؤيا أمي التي رأت حين وضعتني ، و قد خرج لها نور أضاءت لها منه قصور الشام ' رواه أحمد و الطبراني و البيهقي و صححه ابن حبان( لـ منجدل : ملقى على الأرض )


هَدْيُهُ - صلى الله عليه وسلم - في الطَّعَامِ والشراب

( في الطعام )

1- كان لا يردُّ موجودًا ولا يتكلَّفُ مفقودًا, فما قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيباتِ إلا أَكَلَهُ إلَّا أَنْ تَعَافَهُ نَفْسُه؛ فيترُكَه مِنْ غَيْرِ تحريمٍ, ولا يَحْمِل نَفْسَهُ عليه على كُرْهٍ, وما عابَ طَعَامًا قَطُّ, إِنْ اشتهَاهُ أَكَلَهُ وإلا تَرَكَهُ, كما تركَ أَكْلَ الضَّبِّ لمَّا لم يَعْتَدْهُ

2- وكان يأكلُ ما تَيَسَّرَ, فَإِنْ أعْوَزَهُ صَبَرَ, حتى إنَّهُ ليربُط على بطنِه الْحَجَرَ من الجوعِ, ويُرى الهلالُ والهلالُ والهلالُ ولا يُوْقَد في بيتِه نَارٌ

3- ولم يَكُنْ مِنْ هَدْيه حبسُ النفسِ على نوعٍ واحدٍ مِنَ الأغذيةِ لا يَتَعدَّاهُ إلى مَا سواه

4- وَأَكَلَ الحلوى والعسَلَ, وكان يحبهما, وأَكَلَ لحمَ الْجَزُورِ, والضأنِ, والدَّجَاجِ, ولحم الْحُبَّارَى، ولحم حمارِ الوَحْشِ, والأرنبِ, وطعامَ البحرِ, وأَكَلَ الشِّواءَ,وأكلَ الرُّطَبَ والتَّمْرَ, وأكل الثَّرِيدَ؛ وهو: الخبزُ باللحمِ, وأكل الخبزَبالزيتِ, وأكل القثاءَ بالرطبِ, وأكل الدُّبَّاءَ المطبوخة وكان يحبُّها, وأكل القديدَ, وأكل التَّمرَ بالزُّبْدِ

5-وكان يُحِبُّ اللحمَ, وأحبُّه إليه الذراعُ ومَقْدِمُ الشاةِ

6- وكان يأكلُ من فاكهةِ بلدِه عندَ مجيئِها ولا يحتمي عَنْهَا

7- وكان معظمُ مَطْعمِه يُوضَعُ عَلَى الأرضِ في السُّفْرَةِ

8- وكان يأمُر بأكلِ باليمينِ, وينهى عن الأكلِ بالشمالِ, ويقول: ((إِنَّ الشيطانَ يأكلُ بِشِمَالِهِ, ويشربُ بشماله))

9- وكان يأكُلُ بأصابِعِه الثَّلاث, ويلعقُها إذا فَرَغَ

10- وكان لا يأكل مُتَّكئًا - والاتَّكَاءُ على ثلاثةِ أنواعٍ؛ أحدُها: الاتكاءُ على الجنبِ,والثاني: التربُّع, والثالث: الاتكاء عَلَى إِحْدَى يديه وأكلُه بالأُخرَى, والثلاث مذمومة-, وكان يأكلُ وهو مُقْعٍ -، والإقعاءُ: أنْ يجلسَ على أَلْيَتَيْهِ ناصبًا ساقَيْه - وقال: ((إنَّمَا أَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ وآكُلُ كَمَا يأكُلُ العَبْدُ))

11- وكان إذَا وَضَعَ يَدَهُ في الطعامِ قال: ((بِسْمِ اللهِ))، ويأمرُ الآكلَ بالتسميةِ, وقال: ((إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُم فليذكر اسْم اللهِ تعالى, فإِنْ نَسِي أَنْ يَذْكُرَ اسم اللهِ في أوَّلِهِ؛ فليقل: بِسْمِ اللهِ في أوَّلِهِ وآخرِهِ))

12- وقال: ((إِنَّ الشيطانَ ليستَحِلّ الطعامَ أَنْ لا يُذْكَر اسمُ الله عليهِ)) [م]

13- وكان يتحدَّثُ على طعامِه, ويُكَرِّرُ على أضيافِه عَرْضَ الأكلِ عليهم مِرارًا؛ كما يَفْعَلُه أهلُ الْكَرَمِ

14- وكان إذا رُفِعَ الطعامُ مِنْ بَيْنِ يديهِ يقول: ((الحمدُ للهِ حَمْدًا كثيرًا طيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ ولا مُوَدَّعٍ ولا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبُّنَا))

15- وكان إِذَا أَكَلَ عِنْدَ قومٍ لم يَخْرُج حَتَّى يدعو لهم, ويقول: ((أَفْطَرَ عِنْدَكُم الصَّائِمُونَ, وأَكَلَ طَعَامَكُم الأبْرَارُ, وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الملاَئكَةُ))

16- وكان يَدْعُو لِمَنْ يُضِيف المساكينَ وَيُثْنِي عليهم

17- وكانَ لا يأنَفُ مِن مُؤاكلة أحدٍ صغيرًا كان أو كبيرًا, حُرًّا أو عبدًا, أعرابيًّا أو مهاجرًا

18- وكان إذا قُرِّب إليه طعامٌ وهو صائمٌ, قال: «إِنِّي صائم» وأمَرَ من قُرِّبَ إليه الطعام وهو صائم أن يُصَلِّيَ؛ أي: يدعو لمن قَدَّمَهُ, وإِنْ كَان مُفْطِرًا أَنْ يأكلَ مِنْهُ

19- وكان إذا دُعِيَ لطعامٍ وَتَبِعَهُ أحدٌ أعلمَ به رَبَّ المنزلِ, وقال: ((إِنَّ هَذَا تَبِعَنَا؛ فَإِنْ شِئْتَ تأذَنُ له، وَإِنْ شِئْتَ رَجَعَ))

20- وأَمَرَ من شَكَوْا إليه أنهم لا يشبعُونَ أن يجتمِعُوا على طعامهم ولا يتفرَّقُوا, وأَنْ يذكُروا اسمَ اللهِ عليه يبارك لهم فيه

21- وقال: ((مَا مَلأَ آدمِيٌّ وعاءً شرًّا مِنْ بَطْنٍ, بِحَسْبِ ابنِ آدمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه؛ فإِنْ كانَ لَا بُدَّ فاعلًا، فثلثٌ لطعامِهِ, وثلثٌ لشرابِه, وثلثٌ لِنَفَسِهِ))

22- ودخلَ منزلَهُ ليلةً, فالتمسَ طعامًا فَلَمْ يجِدْه, فقال: ((اللَّهُمَّ أَطْعِم مَنْ أَطْعَمَنِي, واسقِ مَنْ سَقَانِي))


(في الشَّرَابِ)

1- كانَ هديهُ في الشرابِ من أكملِ هدي يُحْفَظُ به الصحةُ, وكان أحبُّ الشرابِ إليه الحُلْوَ البارِدَ. وكان يشربُ اللبنَ خالصًا تارةً, ومشوبًا بالماءِ أخرى، ويقول: ((اللَّهُمَّ باركْ لَنَا فيه وَزِدْنَا مِنْهُ, فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيءٌ يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ و الشَّرَابِ إلا اللَّبنَ))

2- ولم يَكُنْ مِنْ هديه أَنْ يشربَ على طعامِه, وكان يُنْبَذُ لَهُ أَوَّلَ الليلِ ويشربُه إذا أصبحَ يومَه ذَلِكَ، والليلةَ التي تجيءُ, والغَدَ والليلةَ الأخرى, والغَد إلى العصرِ؛ فَإِنْ بَقِيَ منه شيءٌ سقاه الخادمَ أو أمر به فَصُبَّ (والنبيذ: هو ما يُطْرَحُ فيه تَمْرٌ يُحَلِّيهِ ولم يكن يشربه بَعْدَ ثلاثٍ خوفًا من تَغَيُّرِه إلى الإسكارِ)

3- وكان من هديه المعتاد الشربُ قاعدًا, وزجرَ عن الشربِ قائمًا, وشربَ مرةً قائمًا, فقيل: لعذرٍ, وقيل: نسخ لنهيِه, وقيل: لجوازِ الأمْرَيْن

4- وكان يتنفسُ في الشرابِ ثلاثًا, ويقول: ((إِنَّهُ أَرْوَى وَأَمْرَأُ, وَأبْرَأُ)) ومعنى تنفسِه في الشرابِ: إبانتُه القَدَحَ عَنْ فيهِ وتنفُسِه خارجَه كما في جاء قوله: ((إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ في القَدَحِ, ولكِنْ لِيُبن الإِنَاءَ عَنْ فِيه)) ونَهَى أَنْ يُشربَ من ثُلمة القَدَح, ومِنْ في السقاءِ. «والثُّلَمَة: الفرجة والشق»

5- وكان يُسَمِّي إذا شرب ويحمد الله ذا فرغ, وقال: ((إِنَّ اللهَ ليرضَى عن لعبدِ يأكلُ الأَكْلَةَ يَحْمَدُه عليهَا, ويشربُ لشَّربةَ يحمدُه عَليهَا))

6- وكان يُسْتَعذَبُ لَهُ الماءُ ((وهو لطَّيِّبُ الذي لا ملوحةَ فيهِ)) ويختارُ البائتَ مِنْهُ

7- وكانَ إِذَا شَرِبَ ناولَ مَنْ عَلَى يمينه وإنْ كانَ مَنْ على يسارِه أكبرَ منهُ

8- وأمرَ بتخميرِ الإناءِ «أي: تغطيته»، وإيكائِه, وَلَوْ أَنْ يَعْرِضَ عَلِيهِ عُودًا, وأَنْ يذْكَرَ اسمُ اللهِ عِندَ ذلك. ((والإيكاءُ:ربطُ فتحةِ الوعاءِ وشدُّها))

من معجزاته - صلى الله عليه وسلم -

" تكثير الماء بين يدي النبي "

1- من معجزاته استسقاؤه عليه السلام ربه ز وجل لأمته حين تأخر المطر فأجابه إلى سؤاله سريعاً، بحيث لم ينزل عن نبره إلا والمطر ينزل على لحيته عن نس قال : إن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله( صلى الله عليه وسلم ) قائم يخطب فاستقبل رسول الله قائما فقال :يارسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا قال : فرفع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " يديه فقال : اللهم أسقنا اللهم أسقنا اللهم أسقنا قال أنس : فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا ولا بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال : فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت [ قلل : فما صلينا الجمعة حتى أهم الشاب القريب الدار الرجوع إلى أ هله ] قال : فو الله ما رأينا من الشمس شيئا

2 - الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم ومن المعجزات المتعلقة بالجماد : نبع الماء من بين أصابعه قال أنس بن مالك – رضي الله عنه - : " أتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم قال قتادة : قلت لأنس : كم كنتم ؟ قال : ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة متفق عليه والرواية المذكورة عن أنس بن مالك قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الإناء وأمر الناس أن يتوضئوا منه قال فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم )) قال أبو عيسى وحديث أنس حديث حسن صحيح وصححه الألباني في صحيج سنن الترمذي ثلاثمائة يتوضأون من وضوء رجل واحد لا غير ، فإذا ما نظرنا إلى معجزة موسى عليه السلام من نبع الماء من بين الحجر ، فإن معجزة النبي أعلى وأكمل وأتم ، فإن نبع الماء من بين الأصابع أعجب من نبعه من الحجر

3- (1400) يشربون من بئر لا ماء فيها عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي الْبِئْرِ فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ أَوْ صَدَرَتْ رَكَائِبُنَا ( صحيح البخاري)

4 - دلو الماء ينقلب نهراً يجري عن البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال : كنا مع رسول الله في سفر ، فأتينا على ركَيّ ذّمة ، يعني قليلة الماء ، قال : فنزل فيها ستة أناس أنا سادسهم ماحة ، فأدليت دلواًَ قال :ورسول الله على شفتي الرّكي ، فجعلنا فيها نصفها أو قرب ثلثيها ، فرفعت إلى رسول الله قال البراء : فكدت بإنائي هل أجد شيئاً أجعله في حلقي ؟ فما وجدت فرفعت الدلو إلى رسول الله فغمس يده فيها فقال ما شاء الله أن يقول وأعيدت لنا الدلو بما فيها . قال :فلقد رأيت أحدنا أخرج بثوب خشية الغرق قال : ثم ساحت ، يعني جرت نهراً الراوي: البراء بن عازب - خلاصة الدرجة: إسناده جيد قوي - المحدث:ابن كثير - المصدر: البداية والنهاية

" و شفاء المرضى على يديه "

من المعجزات التي أكرم الله بها نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم -، حصول الشفاء على يديه للكثير من أصحابه ببركته ودعائه، مما كان له كبير الأثر في تثبيت نفوسهم، وزيادة إيمانهم

فمن تلك المواقف ما حصل مع الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر، حين قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ) ، فبات الناس تلك الليلة يتساءلون عن صاحب الراية، وفي الصباح انطلقوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – لمعرفة الفائز بهذا الفضل، فإذا بالنبي – صلى الله عليه وسلم – يسأل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فذكروا له أنه مصاب بالرَّمد، فأرسل في طلبه، ولما حضر عنده بصق في عينيه ودعا له، فشفاه الله ببركة النبي صلى الله عليه وسلم، واستلم الراية، ثم قاتل حتى فتح الله على يديه، والحديث بتمامه في الصحيحين

والأعجب من ذلك ما رواه الإمام الطبراني عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه أنه قاتل يوم أحد، فأصابه سهمٌ أخرج إحدى عينيه من مكانها، فسعى إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو يحملها في يده، فأخذها – صلى الله عليه وسلم – وأعادها إلى موضعها ودعا له، فعادت إلى طبيعتها، وكانت أجمل عينيه وأقواهما إبصاراً


ومن معجزاته - صلى الله عليه وسلم -

شفاء المصاب ببركة نفثه عليه، كما حدث مع الصحابي سلمة بن الأكوع رضي الله عنه،فعن يزيد بن أبي عبيد قال : " رأيت أثر ضربة في ساق سلمة ، فقلت : يا أبا مسلم ما هذه الضربة؟ فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم- فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة " رواه البخاري

ومن معجزاته – صلى الله عليه وسلم –

كان يمسح على الكسر فيجبر، كما حصل مع الصحابي عبد الله بن عتيك رضي الله عنه حينما أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم – لقتل أبي رافع اليهودي،فانكسرت ساقه أثناء تلك المهمّة، فطلب منه النبي أن يبسط قدمه، فمسح عليها،فجبر الكسر الذي أصابه واستطاع أن يمشي عليها من لحظته، والقصة رواها الإمام البخاري