سند (علم الحديث)

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
(بالتحويل من سند (حديث))

السند أو الإسناد في سياق علم الحديث هو سلسلة الرواة الذين نقلوا الحديث واحدا عن الآخر، حتى يبلغوا به إلى قائله،[1] بعبارة أخرى فالسند هو الطريق الموصل إلى متن الحديث، والسند في اللغة: ما ارتَفع من الأَرض في قُبُل الجبل أَو الوادي،[2] والسند: المعتمد، وسمي كذلك لأن الحديث يستند إليه ويعتمد عليه.[3]

أهمية السند[عدل]

يُمثل البحث في السند أحد الدعائم الأساسية لعلم الحديث، ويوصل إلى الهدف الأسمى والغرض المطلوب من هذا العلم ألا وهو تمييز الحديث المقبول من المردود.[4] ولذا اشتُرط فيه ثلاثة شروط من إجمالي خمسة شروط للحديث الصحيح، لذلك عني المحدثون بتحقيق الأسانيد، وبذلوا غاية الجهد في تتبعها ومعرفة رجالها وأحوالهم، ورحلوا في طلبها، وألفوا في ذلك المصنفات، لذلك نُقل عنهم أن الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء[5] ولما للسند من أهمية في رواية الحديث، فقد أفرد الإمام مسلم له باب سماه «باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز، بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة، بل من الذب عن الشريعة المكرمة»

شروط السند عند الحكم بصحة الحديث[عدل]

يشترط للحكم بصحة الحديث خمسة شروط منها ثلاثة في السند وهي:

  1. أن يكون السند متصلا
  2. أن يكون كل راو من الرواة عدل
  3. أن يكون كل راو من الرواة ضابط

أقسام السند[عدل]

يقسم السند بشكل عام إلى قسمين رئيسيين وهما:

السند المتصل[عدل]

السند المتصل وهو السند الذي فيه كل راو من رواته أخذ ممن فوقه حتى ينتهي إلى قائله، دون أن يسقط بينهم أحد الرواة.

ما رواه البخاري قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال:«الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله»

فنجد أن سند هذا الحديث قد نقل كل راو من رواته عمن يليه حتى وصل إلى رسول الله ، فهو على الشكل التالي:

راو ← عن راو ← عن راو ← عن راو ← عن رسول الله

وقد تُستخدم بعض المصطلحات في سياق السند المتصل لتُفيد مع اتصال السند وصفا آخر لهذا السند، كوصف بيان كيفية الاتصال، أو كوصف عارض له، ومن هذه المصطلحات:

المسند[عدل]

مصطلح يُفيد أن السند متصل، وأن الحديث مرفوع (أي أن القائل هو رسول الله ) ومثاله الحديث السابق، وهو على الشكل التالي:

سند متصل + متن مرفوع ⇐ حديث مُسنَد

المعنعن والمؤنن[عدل]

مصطلح المعنعن يُفيد أن السند متصل، وأن لفظ الأداء المستخدَم فيه هو «عن»، فيقال فيه: فلان عن فلان، من غير تصريح بالتحديث أو الأخبار أو السماع، ولكن بشرط لقاء الراوي لمن روى عنه بالعنعنة، وبراءة الراوي من التدليس، ومثاله

مارواه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون»

أما مصطلح المؤنن فيُفيد أن السند متصل، وأن لفظ الأداء المسُتخدم فيه هو «أن»، فيقال فيه: روى فلان أن فلانا...، وهو كالحديث المعنعن، ومثاله:

مارواه البخاري قال حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني ابن جريج أن نافعا أخبره أن ابن عمر أخبره قال: «كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النبي في مسجد قباء، فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد وعامر بن ربيعة»

العالي والنازل[عدل]

مصطلح الإسناد العالي يُفيد أن السند متصل، ويفيد قلة عدد رواته، أي قرب المسافة من رسول الله ، ومثاله:

مارواه البخاري قال حدثنا مكي بن إبراهيم قال حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: سمعت النبي يقول: «من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار»

فهنا نري أنه قد توسط بين البخاري وبين النبي ثلاثة رواة فقط فهو حديث عال.

وعكسه مصطلح الإسناد النازل الذي يُفيد أن السند متصل، ويفيد كثرة عدد رواته، أي بعد المسافة عن رسول الله ،

المزيد في متصل الأسانيد[عدل]

مصطلح المزيد في متصل الأسانيد يُفيد أن السند متصل، وأن هذا السند قد ذكر فيه راو لم يُذكر في غيره من الأسانيد.

ما رواه الترمذي ← عن جرير بن حازم ← عن ابن إسحاق ← عن الزهري ← عن عمر بن عبد العزيز ← عن الربيع بن سبرة ← عن أبيه ← أن النبي نهى عن المتعة يوم الفتح

فهذا الحديث المتصل زاد فيه راو وهو عمر بن عبد العزيز وصوابه كما قال البخاري:

ما رواه الترمذي ← عن جرير بن حازم ← عن ابن إسحاق ← عن الزهري ← عن الربيع بن سبرة ← عن أبيه ← أن النبي نهى عن المتعة يوم الفتح

وقد ألف الخطيب البغدادي في هذا الباب كتابه «تمييز المزيد في متصل الأسانيد».

المسلسل[عدل]

مصطلح السند المسلسل يُفيد أن السند متصل، وأن الرواة تناقلوا الرواية عن بعضهم البعض بهيئة معينة، وذلك يقوي معنى الاتصال في الحديث، وللسند المسلسل أنواع، ومثله:

ما رواه البخاري قال حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى أن رسول الله قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه»

فكان كل واحد من الرواة عندما يروي هذا الحديث لمن بعده كان يشبك بين أصابعه كما فعل النبي ، فهذا حديث مسلسل بفعل تشبيك الرواي بين أصابعه، لأن الرواة تناقلوا الرواية بلفظ رسول الله وبمحاكاة هيئة النبي أثناء قوله. وقد أُلف في هذا الباب كتاب «المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة».

السند المنقطع[عدل]

الانقطاع في السند هو وقوع سقط في سلسلة الإسناد، فكل سند لا يتصل رواته فهو منقطع، وعليه يكون المنقطع أصلا عاما يندرج تحته أنواعا، وقد جعله بعض المتأخرين قسما خاصا، ومثله حديث رواه أبو داود، وذكر في سنده أن الحسن البصري روى عن عمر بن الخطاب

ما رواه أبو داود ← شجاع بن مخلد ← هشيم ← يونس بن عبيد ← الحسن ← ... ← عمر بن الخطاب جمع الناس...

والحسن مولود سنة إحدى وعشرين (21هـ)، ومات عمر في أواخر سنة ثلاث وعشرين (23هـ)، أو أول سنة أربع وعشرين (24هـ)، فلا يمكن للحسن أن يسمع من عمر.

وقد تُستخدم بعض المصطلحات في سياق السند المنقطع لتُفيد بجانب الانقطاع تحديدا لمكان هذا الانقطاع، ومن هذه المصطلحات:

المعضل[عدل]

السند المعضل هو ما سقط من إسناده اثنان أو أكثر في موضع واحد، سواء كان في أول السند أو وسطه أو منتهاه.

ما رواه مالك أنه بلغه أن رسول الله قال: «

استقيموا ولن تحصوا، واعملوا، وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن

»

فهنا نرى أنه قد سقط رجال السند بين مالك وبين النبي ، وهما رجلان على الأقل التابعي والصحابي، فهو حديث معضل، (كما أنه يصلح أن يسمى معلقا لأن السقط وقع في أول السند)، وهو على الشكل التالي:

مالك ← ... ← ... ← عن رسول الله

المرسل[عدل]

السند المرسل ما رواه التابعي عن رسول الله مباشرة دون راو بينهما، فيكون قد رفع الحديث لرسول الله ، ويكون موضع الانقطاع بين التابعي وبين رسول الله ، وهو على الشكل التالي:

← عن تابعي ← ... ← عن رسول الله

ومثله

ما رواه سعيد ← ابن جريج ← حميد الأعرج ← مجاهد ← ... ← رسول الله كان يظهر من التلبية لبيك اللهم لبيك ...

ولأن مجاهد هو أحد التابعين ولم يدرك النبي ولم يذكر اسم الراوي بينه وبين النبي فيكون الحديث مرسلا.

المرسل الخفي[عدل]

وهو الحديث الذي رواه راو عن راو آخر في عصره لكنه لم يلقه ولم يسمع منه، ولذا فهو منقطع إلا أن انقطاعه انقطاعا خفيا، لأن التعاصر بين الراويين يوهم مظنة اتصال السند بينهما.

المعلق[عدل]

وهو ما حُذف مبتدأ سنده، سواء كان المحذوف واحدا أو أكثر على التوالي، ولو إلى آخر السند، وسُمي هذا النوع معلقا لأنه بحذف أوله صار كالشيء المقطوع عن الأرض الموصول من الأعلى بالسقف.

ومثله

ما رواه الترمذي قال يُذكر أن النبي قضى بالدين قبل الوصية

فهنا نرى أن الترمذي قد أسقط كل رجال الإسناد من أوله حتى آخره.

نقد السند[عدل]

نقد السند هو التّأكُد من استيفاء شروط الصحة الخمسة، وهي التي اصطلح عليها العلماء للحكم بصحة السند:

  • اتصال السند (عدم وجود فراغات زمنية أو مكانية بين أفراد سلسلة الرواية)
  • عدالة الرواة (وهي أمر يتعلق بالتزام الراوي الأخلاقي)
  • ضبط الرواة (وتتعلق بحفظ الراوي ودقته بالنقل، بمقارنة المتن الذي يرويه مع روايات الثقات)
  • خلو الحديث من الشذوذ (الشذوذ في السند أو المتن)
  • خلو الحديث من العلة القادحة

وهذه الشروط الخمسة هي ثلاثة للسند واثنان للمتن، وهنالك تداخل بين الحكم بصحة السند وصحة المتن، لأن أحد أسباب الحكم بضعف الرواي وبالتالي ضعف السند هو روايته لمتون غير صحيحة، وبعض العلماء يطلقون على مجموع السند والمتن؛ «المروي» وينقدونهما معًا.

نقد السند مقارنة بنقد المتن[عدل]

ادعى بعض الناس أن علماء الحديث ركزوا على نقد السند أكثر من تركيزهم على نقد متن الحديث لكن رد على ذلك بأمور:

  1. شروط صحة الحديث تتضمن الحديث على المتن وهذا أمر مذكور في تعريف علم الحديث «قوانين يعرف بها أحوال السند والمتن» أو «معرفة القواعد المعرفة بحال الراوي والمروي»
  2. الحكم على ضبط الراوي لا يكون إلا بمقارنة المتون التي يرويها مع ما رواه الثقات
  3. هنالك اختصاصات في علم الحديث تتعلق بالمتن فقط؛ غريب الحديث، مختلف الحديث، الناسخ والمنسوخ
  4. لكل حديث متن واحد وسلسلة من الرجال في السند ومن الطبيعي أن يكون الكلام في نقد السند أطول من الكلام في نقد المتن
  5. وضع علماء الأحاديث قواعد لنقد المتون منها بلاغة اللفظ، وعدم مخالفة بديهة العقل، وعدم مخالفة صريح القرآن وصحيح السنة، وأن لا يخالف وقائع التاريخ، أن لا يكون مؤيدًا لمذهب الراوي، أن لا يحوي مبالغة مفرطة في الثواب أو العقاب.
  6. وضع المحدوثون قاعدة بأنه قد يصح السند ولا يصح المتن والعكس كذلك.[6]

أصح الأسانيد[عدل]

في الأصل لا يطلق على حديث معين بأنه أصح الأسانيد مطلقا لأن تفاوت مراتب الصحة مرتب على تمكن الإسناد من شروط الصحة ويعز وجود أعلى درجة قبول في كل فرد فرد ترجمة واحدة بالنسبة لجميع الرواة قال الحاكم في معرفة علوم الحديث لايمكن أن يقطع الحكم في أصح الأسانيد لصاحبي واحد وقال ابن الصلاح جماعة من أئمة الحديث خاضوا خمرة ذلك فاضطربت أقوالهم بحسب اجتهادهم.

قال البخاري أصح الأسانيد: ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر. وهذه السلسلة هي المعروفة عند المحدثين بسلسلة الذهب.[7]

إمساكنا عن حكمنا على سند
بأنه أصح مطلقا وقد
خاض به قوم فقيل مالك
عن نافع بما رواه الناسك
ولاه واختر حيث عنه يسند
الشافعي قلت وعنه أحمد

انظر أيضًا[عدل]

مراجع[عدل]

  1. ^ منهج النقد في علوم الحديث لنور الدين عتر
  2. ^ قاموس المعني
  3. ^ تيسير مصطلح الحديث لمحمود الطحان
  4. ^ منهج النقد في علوم الحديث لنور الدين عتر
  5. ^ عبدالله بن المبارك، مقدمة صحيح مسلم
  6. ^ موقع بيان الإسلام، الرد على دعوى أن نقد العلماء انصب على السند دون المتن نسخة محفوظة 2018-09-02 في Wayback Machine
  7. ^ "شرح ألفية العراقي المسماة بالتبصرة والتذكرة - المكتبة الوقفية للكتب المصورة PDF". waqfeya.com. مؤرشف من الأصل في 2017-01-12. اطلع عليه بتاريخ 2017-12-18.