انتقل إلى المحتوى

مستخدم:مصطفى عمراوي/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

        عذرية اللغة فصحى اللغة العربية نموذجا[عدل]

  سؤال المعرفة[عدل]

إن مسألة المعرفة مسألة حيوية, من الحياة وإليها وهي كذلك من وجهة نظرنا. إنها الحقائق كما تتمظهر لنا على مسرح البيئة الطبيعية.

هل نحن من يصادفها؟ أم نحن جزء منها أو من ضمنها؟

إذا كنا من ضمن الحقيقة ومن صلبها فكيف يمكن لنا أن نتعرف الحقائق لذاتها  وعلى طبيعتها؟ إنه السؤال الواسع العريض, عليه تنبني المعرفة. فالإنسان يبني معارفه, عن وعي وانتقاء ومراحل هذا البناء ممتدة إلى غير نهاية.

عصرنا الحاضر أكثر العصور من حيث كثرة المظاهر المعرفية. كان السحر والأسطورة, وكان العلم والإحصاء, وكان الدين والفلسفة. ونحن الآن أمام المادي واللا مادي.

ما يطرح على الإنسان المعاصر مراجعة معارفه, أيها على الحقيقة, وأيها على الافتراض؟

هذا الاشكال يحيل المعرفة على اللغة,  لغة المفاهيم,لا مجال فيها للتخمين أو الافتراض, حيث مفاهيم اللفظ قارة وثابتة فيما تطلق عليه, على حين أن المعاني متعددة ومتغيرة.

إن علاقة المعرفة باللغة كعلاقة اللغة بالفكر, فالفكرهو مصدر اللغة واللغة هي أداة الإفصاح. بمعنى أن اللغة من الفكر وإليه وليس العكس, فاللغة لا تصنع الفكر, لكن الفكر هو من يصنع اللغة.

إن هذه الثنائية في بنية المعرفة من الأهمية بمكان, فحين نطرح ظاهرة الإبداع فإننا في نفس الوقت نطرح ظاهرة الوعي, حيث الوعي مركزالإحساس في كل ذات, وحيث الإبداع نتيجة تفاعل الذات مع البيئة الطبيعية, تبحث وتكتشف وتبني لا تخلق ولاتنتج.

في هذا الاتجاه نموقع الذات موقعها الصحيح على مسرح الحياة الطبيعية, إنها الذات العضوية التي تملك من خصائص العضوية ما به تواجه المحيط البيئي الذي تتواجد فيه, لكن المعرفة ليست من جوهر العضوية, لكنها حقائق لجذور لها في الطبيعة, تبقى رهن وعي الذات بها.

هذا الطرح لماهية الدور الذي تؤديه الذات على مسرح المعرفة, يجعلنا قادرين على فهم وجودنا, لا كفاعلين في البيئة الطبيعية, ولكن كمنفعلين بما تزخر به هذه الطبيعة من الحقائق, نطوره لصالحنا.

سيجد المتتبع الكريم في كتابنا المطروح على صفحات الويكيبيديا الشرح المستفيض لما تقدم ذكره وعرضه آنفا.

نقول لمن أقر به مرحبا بك في نادي بناة المفاهيم, منخرطا ومشاركا.

ونقول لمن ينكره: إنك لا تستطيع أن تكبح زمام بناة المفاهيم.

إن الاستراتيجية التي نؤسس لها من خلال هذا العمل هي استراتيجية تهدف أساسا إلى بناء علمي جدبد للغة العربية, لاخراجها من تأطيرها الصوري إلى تأطيرها على المفاهيم.

أملنا كبير في أهل الفكر المبدع الذين يقرءون ما على السطور, ولا يخرجون منها فارغي الوفاض, بل يتفحصون الأمر, ثم يستنتجون الهدف والغاية.

إننا ننتظر من هؤلاء مشاركة تتعزز بها هذه الاستراتيجية, المجددة على المديين المتوسط والبعيد.

ولتنفيذ هذه الاستراتيجية أعددنا لها في البداية كتيبا بعنوان  ( عذرية اللغة- فصحى اللغة العربية نموذجا).

في هذا الكتيب سيجد المتتبع -سواء اكان فردا أو هيئة- ما يعرف عذرية اللغة بمفهومهاالفينومولوحي.

ثانيا: أتبعنا هذا الكتيب بكتيب آخر بعنوان

( الكائن العارف من الوعي  إلى الإبداع ) نظرا لعلاقةالذات الواعية والمبدعة بتشكيل ألفاظ المغاهيم اللغوية وإنشاء اللغة.

ثالثا: نختم هذه السلسلة بكتيب عملي تطبيقي بعنوان ( لغة المفاهيم)  فيه نقدم البدائل لقواعد صورية لا تعرف الشمول ولا العمومية من ذلك قواعد الصيغ, والقياس, والإشتقاق, والجمع بأنواعه.

بدائل بديلة تختزل اللغة عامة في مفاهيم ثلاثة هي:

مفهوم الذات  ما هو مجسد وقابل للتجسيد.

مفهوم الإجراء  ما هو ممثل وقابل للتمثيل.

مفهوم الأداة  ما لا يمكن أن يجسد ولا يمكن أن يمثل.

سيجد المتتبع هذه الكتيبات منشورة تبعا على صفحات لويكيبيديا. أملنا كبير في أولئك الذين يمجون الصوري والمفترض والمؤول المحول في لغة التواصل,في حين يتذوقون فيه حلاوة المفاهيم التي تجعل من اللغة الكيان المعرفي بامتياز. هؤلاء هم لا محالة سيسهمون في خدمة اللغة العربية بما سيجعل من هذه اللغة لغة المفاهيم بامتياز.

وما التوفيق إلا من عند الله.


          مصطفى عمراوي

عذرية اللغة فصحى اللغة العربية نموذجا[عدل]

بسم الله الرحمن الرحيم

الكتابات المعاصرة ليست هي الكتابات المأثورة، ولا هي الكتابات التراثية. ومن هنا فإن الخوض في موضوع تراثي كاللغة، وبوجهة نظر معاصرة، ليس بالأمر السهل لأسباب جوهرية، تـخص ما درج عليه الناس، من المعهود الذي لا يقبل التغيير.

غير أن الكتابة المعاصرة، لا ينبغي أن تفهم على أنها عملية محو المعهود مما درج الناس عليه، لكن الذي يجب أن يفهم، هو كون المعاصرة تعني: مسايرة التطور الذي يطرأ على الناس، ويفرض عليهم فهما مغايرا لقضاياهم؛ وليست اللغة بالواقع الذي لا يتطور؛ بل هو الواقع الأجدر بالتطور. هنا تقع المشكلة (من يعلق الجرس؟). هل يعتبر من يحاول –ولو مجرد محاولة- أن يطور اللغة مقتحما للمحذور؟!

لكن لكل جديد أنصار ومعارضون؛ إنها بديهة لا تحتاج إلى دليل.

إنني أعتقد أن الباحث في أي ميدان عليه أن يـجسّد بحثه كما توصل إليه، وبالرؤية التي يراها. فإن كان على صواب، فلن يعدم الأنصار من بعده، وإن كان على خطأ، لن يعدم النقاد ينتقدونه فيما هو من الخطأ. هذا كل أمل الباحث المحايد.

هذه باختصار العبارات التي يمكن أن أقدم بها هذا الكتاب.

فيه سيجد القارئ من الآراء والمفاهيم مالا يـجده في غيره من الكتب؛ تراثية كانت أو حداثية.

بل قد أذهب به بعيدا، وأحلق به في أجواء، ليست متخيلة، ولا افتراضية بقدر ما هي قائمة وحاضرة للعيان، بل قد يفطن إلى أنها الواقع كما يعايشه.

إنني لا أدعي الكمال فيما قلته أو سجلته بين دفتي هذا الكتاب. يكفيني فيه أنني لم أستقيه من فراغ، بل نهجت فيه التتبع والتقصي اليومي لما هو قائم وموجود، كما نهجت فيه نهج الاختبارات الميدانية معززة ببراهين لاشك فيها.

إن هذا لهو ما يشفع لي بأن أقول: إنه عمل وفق العصر الحديث سوف يسهم في التطور المنتظر للغة العربية، التي تعاني الجمود منذ عهود، كما تعاني العداء والتهميش بل الإقصاء من أبنائها قبل أعدائها1، وما التوفيق إلا من عند الله.

الملـف الأول:إشكالية اللغة[عدل]

اللغة منا وإلينا[عدل]

اللغة وما أدراك ما اللغة؟! تلك المادة التي نستعملها ونستهلكها في نفس الوقت؛ أحيانا نجد لها مذاقا حلوا عذبا، وأحيانا نمجها ولا نكاد نستسيغها، أحيانا نقتصد فيها، وأحيانا نبذرها تبذيرا، أحيانا نجد أنفسنا داخل اللغة، وأحيانا أخرى نجد اللغة داخلنا. إنها مادة زئبقية كلما حاولنا أن نلمسها كلما برهنت لنا أنها غير قابلة للمس، وكلما حاولنا جمعها كلما أبت أن تجمع. أية مادة هذه؟ كلما ظننا في أنفسنا أننا أحطنا بها إحاطة المتمكنين كلما أثبتت لنا عجزنا. إننا أمام مادة عصية عن التعريف؛ لأنها هي المادة التي تعرّف وتأبى أن تعرّف. كيف إذن يكون لها هذه السيطرة على عقولنا؟ على أحلامنا؟ على جدنا وهزلنا؟! يبدو أننا نمتلكها بحجة أننا جميعا نتداولها فيما بيننا وبين ذواتنا؟ نتداولها، ونرى بعقولنا كيف أنها تعبر عن أشياء نراها ونحتك بها  ونعايشها؛ هي إذن منا وإلينا. كيف تكون اللغة إذن بالنسبة إلينا؟! ألا تكون هي عصب الحياة الذي نتشبث به ونتمسك به إلى حد الفناء فيه؟ ألا ترى أننا خارج اللغة لا نساوي شيئا؟ نحن نحي باللغة؛ وفي نفس الوقت  تحي بنا اللغة، من منا السابق؟ ومن منا اللاحق؟ سؤال يصعب الجواب عنه، فهو دليل آخر على أن اللغة بالنسبة لنا كالظل الذي كلما قلنا أننا أمسكنا به إلا وهو يفلت منا، بالرغم من أننا نستيقن منه. لكن هيهات أن نمسك به.

اللغة: الصدق أو الكذب؛ الصحة أو الخطأ، ما الذي يجعلنا ندرك ذلك ونميزه؟ أهو ذوق وإحساس؟! أم هو فهم وإدراك؟!.

لا يمكن أن نجزم. لأن هناك شيئا ما موصل. لاشك أنه اللغة، وليس غيرها. ما تقوله اللغة هو ما يبقى أما نحن فمهما أوتينا من حكمة، فإننا إلى زوال طال الزمن بنا أو قصر. كم من حكيم خلدته اللغة؟! وكم من جبار لم يفلت من عقاب اللغة؟ وأخيرا ألا تكون اللغة هي عصب الحياة؟ أية لغة، وقد تعددت اللغات؟ ما شكل هذه اللغة؟ وما لونها؟ وما أصولها؟ وما فروعها؟

لقد تعاقبت هذه الأسئلة عبر التاريخ سواء عند المناطقة، أو الفلاسفة، أو الأدباء أو اللسانيين، ولكل منهم رأي فيها:

منهم من لا يرى اللغة إلا سلوكا قابلا للتعزيز (سكينر) ومنهم من لا يرى اللغة إلا وحدات قابلة للبناء (سوسير) ومنهم من لا يراها إلا بنية قابلة للتفكيك (جاك دريدا) وهناك من لا يرى فيها غير البيان (الجاحظ). وهناك من لا يرى فيها سوى البرهان (عابد الجابري). وهناك من لا يرى فيها سوى ما تقوم عليه من نظم (الجرجاني) وبين هؤلاء وهؤلاء تبقى اللغة محصورة في الألسن؛ فحيثما وجد تفاهم وتواصل وإفصاح وبيان، فهناك لغة3. فاللغة إذن تتجسد في الوظيفة التي تؤديها بغض النظر عن كونها وحدات أو بنيات، فكونها وحدات وبنيات أمر محسوم يستحيل تجريدها منها، وإنما الجدل في مدى قدرة لسان ما على تواصل داخلي أو خارجي، مادامت قوة التواصل في قوة منطلقاته الصوتية أو اللفظية. (إن الكلام لفي الفؤاد. وإنما جعل اللسان له دليل). هذه قاعدة أيضا يستحيل فصلها عن منطق اللغة؛ فالفكر واللغة قرينان متلازمان لا ينبني التواصل إلا بهما معا. ومن يسعى إلى تجريد اللغة من حمولاتها الفكرية، كمن يسعى إلى تجفيف المياه من منابعها.

قد يقول قائل: أليس الفكر الإنساني من أبدع اللغة؟ فكيف أصبحت اللغة قرينة فكره؟ غير أن الجواب عن هذا السؤال، هو في كون القرينة ليست بالضرورة من باب الندية. فالحاسوب على سبيل المثال من إبداع الفكر الإنساني؛ أبدعه لا ليصبح ندّاً له، لكن ليكون في خدمته وحسب، ولن يقول بالندية في هذا الواقع سوى من سفه نفسه أو أنكر إنسانيته، أو نسي بدائع خلقه، وقارن الجبلة التي فيه والإحداثية التي في الآلة4.

أمام هذه الحقائق نخلص للقول بالبعد الإنساني للغة بعد يصاحبه التطوير وإدخال الجديد كلما دعت الحاجة إلى ذلك. فاللغة التي كانت ملكا مشاعا يختص به بنو البشر أصبح العقل الآلي الآن شريكا يقتسم مع الإنسان هذا الإرث الذي شيده بفكره وعقله لقرون خلت. أصبح يشاركه في كل مظاهر اللغة من نطق وقراءة، وإبداع وترجمة، بل أكثر من ذلك يلجأ إليه ليقوّم منه لسانه. ومعنى هذا في عرف اللغة هو أن على الإنسان المعاصر أن يفكر كثيرا قبل أن يتلكم قليلا، وإلا كان أول من سينتقده هو هذا العقل الآلي الذي أبدعه ليشاركه أفكاره ولغته.

واضح إذن أن وضع اللغة اليوم، ليس هو وضعها بالأمس القريب، فقد جدت على الساحة اللغوية قضايا، تفرض على مستعمل اللغة –أية لغة- أن يتعامل معها بشكل عقلاني ومنهجي، مما لم يعرفه من كان قلبه. ومن أهم هذه القضايا، نذكر:

أولا: العقل الآلي الذي يختـزن في ذاكرته كل ألوان المعرفة ويضعها في متناول كل من يطلبها.

ثانيا: التواصل الإلكتروني الذي اختـزل وحدات التواصل اللغوي بالكلمات والجمل إلى التواصل بالإشارات والرموز والعلامات.

ثالثا: الطلب الملح على اقتصاد المعرفة كما توضحه بجلاء الآية الكريمة ﴿لا خير في كثير من نجواهم، إلا من أمر بصدقة، أو معروف، أو إصلاح بين الناس﴾ .(سورة النساء  114-)

رابعا: الترجمة الفورية، التي تستوجب الدقة في المصطلح والدقة في العبارة، والقدرة على التحويل، والسرعة في الأداء.

كل هذه القضايا وغيرها تطرح على الساحة اللغوية أكبر التحديات، متمثلة في تعليم اللغة.

إن الطفولة البشرية هي المستهدفة، الشيء الذي سيجعل من هذه الفئة أناسا قل منهم من سيتحكمون في اللغة بأسلوب معاصر، بما تطرحه عليهم من التحديات.

وذلك ما سنحاول تقريب النظر فيه من خلال المواضيع التي سنثيرها ضمن صفحات هذا الكتاب ومن الله نستمد العون والتوفيق.

إشكالية ثلاثية الأبعاد:[عدل]

لغة،  تفكير،  تعليم.[عدل]

(حيثما يوجد تفكير توجد لغة( (ديكارت)، وحيثما توجد لغة يوجد تعليم. هذه الإشكالية ذات الأبعاد الثلاثة ظلت وستبقى تؤرق الإنسان الذي يتطلع إلى معرفة ما أودع الله في نفسه من آليات الحركة والتفاعل، تلك الآليات التي تفصح عن طبيعتها في مواقف شتى كالكلام، وتستعصي عن الإفصاح في مواقف  أخرى كالأحلام.

إن جوهر المسألة في إنسانية الإنسان، هو كونه كائنا حيا، متكلما ومفكرا، وهو في نفس الوقت، جهول وعالم، بدائي ومتطور، فرداني واجتماعي، وهو على هذا  الحال على مدى الزمن منذ آدم u كأول إنسان إلى آخر إنسان، هو في طي الغيب، لا يمكن التكهن من يكون؟. ولما تداخلت قضاياه بهذا الشكل، أصبح البحث في جانب منها بشكل منعزل بحثا لا يخلو من بعض التجاوزات، فالتقاطع بين قضياه أمر وارد يصعب معه ترجيح آلية على أخرى مهما توارت إحداهما خلف الأخرى. فإذا قيل إن الإنسان كائـن مفكر، فهو كذلك، وإذا قيل إن الإنسان كائن ناطق فهو كذلك لابد إذن من أن هناك تقاطعا ما بين كونه ناطقا ومفكرا يستحيل عزل آلية منها عن الأخرى.

قال الفيلسوف الفرنسي ديكارت قولته المشهورة "أنا أفكر إذن أنا موجود)). وأصبحت هذه القولة مسلمة، لا تخلو من الصدق، غير أن آخرين وإن لم يشككوا في القولة.. أبوا إلا أن يطرحوا السؤال عن ماهية آلية التفكير؟ وماهية صوره؟

لقد طرحت اللغة كنتيجة، وكصورة مجسدة لأي تفكير سواء في مستواه الداخلي (مونولوج) أو على مستواه الخارجي (الحوار).

ثم جاء سؤال آخر ليستجلي ما في الأمر من الإشكال. إذ يقول/ أي الآليتين أسبق في الظهور؟ اللغة أو التفكير؟ وقد تجلى للعيان ترابط الآليتين وتـزامنهما؛ ترابط الحتم واللزوم.

إن آلية التفكير كانت ومازالت الشغل الشاغل لدى علماء النفس. ما إذا كان الإنسان يفكر بعقله أم بلغته؟ وقد جاء الجواب ممثلا في الفصل بين تفكير عقلاني واللاعقلاني، بالرجوع إلى المقولات وافتحاص المنطق اللغوي فيها، وتبين بشكل لا يقبل الضحد مدى الترابط القوي بين الفكر واللغة5.

لقد عمق اللسانيون في إطار اللغة. ما إذا كانت اللغة شيئا يملكه الإنسان أم فعلا يفعله؟ (شومسكي/هالداي) فإذا كانت اللغة شيئا يملكه الإنسان، فأين تتجلى صورة هذا التملك؟ أما إذا كانت اللغة شيئا يفعله الإنسان فاين تتجلى صورة الفعل هذا؟.

الأولون يؤمنون بأن الإنسان مزود باستعداد طبيعي فطري داخلي معياري وداخلي، يوظفه عند أدائه اللغوي، ودليله كون الناس جميعا يشتركون في قاعدة. مثل: لكل فعل فاعل وكذا أن النفي يقابله الإثبات، وأن السؤال يقابله الجواب. فهذه القواعد وأمثالها يستعملها كل المتكلمين بلغاتهم الأصلية بالرغم من تباينات ألسنتهم الصوتية واللفظية، والإنسان حين يتكلم فهو يقوم بعمليات توليد عبارات وجمل معيارية يظهر من خلالها أنه متكلم مثالي وأصيل6.

أما الآخرون، فيقولون إن الإنسان لا يعرف اللغة، إلا حين يتداولها بلسانه أو قلمه، يتلقاها من ألسنة من سبقوه للحديث بها، ولا شيء منها يولده من داخله. وحين يتكلم. فهو يقوم بعمليات بناء عباراته وجمله من تلك الوحدات الصغرى التي تعلمها بدءا من الفونيم كأصغر وحدة صوتية وانتهاء بالنص في حجمه القصير أو الطويل7.

وفي خضم الجدل ما بين الفعل والامتلاك للغة، دخل علماء البيولوجيا على الخط للبحث عن مصدّر اللغة في المخ البشري. وقد أجمعوا على أن الجانب الأيسر8 في المخ هو المسؤول عن ذلك. كما تبين لهم عن طريق تشريح الآثار التي تتركها الأعطاب والجروح في هذه المنطقة من سوء الأداء اللغوي. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن باب البحث في اللغة مازال مفتوحا على مصراعيه. وسنحاول في الصفحات المقبلة أن نقترب ولو بقدر قليل من بعض المواقف اللغوية كما نفهمها، ولا نرى بأسا ما، إذا قدّمنا بعض الطروحات المغايرة.

ويبقى الكلام الفصل متروكا للغة، فهي التي تقبل أو ترفض ما نضفيه عليها من المعارف.

فإذا قلنا على سبيل المثال: اللغة أصوات ترسل. قالت اللغة نعم. أنا كذلك. وإذا قلنا اللغة لعاب يسيل. قالت اللغة لا. أنا لست كما تقول.

الملف الثاني:الظواهر المادية للغة[عدل]

الصوت لغة الفكر[عدل]

حينما نقول إن الصوت هو لغة الفكر، لا نفترض ذلك افتراضا، بمعنى أننا أمام فرضية ندرسها، ونبحث في إطارها لنتحقق من صحتها أو خطئها، بما نقدم في إطارها من البراهين المنطقية، أو من نتائج مخبرية، أو تحليلات فيزيائية، أو معطيات إحصائية، مما هو متعارف عليه علميا، في دراسة الفرضيات، تحتمل الصحة أو الخطأ، بل على العكس من كل هذا، فالأمر يتعلق بالصوت كظاهرة حيوية طبيعية، نعايشها معايشة محسوسة، إلى الحد الذي تعودناها، كآلية من الآليات الذاتية فينا، كآلية التنفس، وآلية خفقان القلب، هذه الآليات التي تجري في ذواتنا عن كثب وباستمرار، لا نملك إرادة في إلغائها، مثلها مثل عملية الأيض داخل الخلية الحيوية، ليس بإمكان الواحد منا أن ينكرها، أو ينفيها أو يحتاج إلى من يعرفه بها، مادامت هي الآلية التي تقدم نفسها بنفسها، مثل حركة لا تستكين إلا لتظهر من جديد.

لهذا ليس من الصعب على أي إنسان أن يعود إلى ذاته في لحظة تفكير رزين، ليتأكد من أن الصوت المنبعث من أي مصدر خارجي، سوف يجلب انتباهه، وأنه لابد من أن ينشغل به، ليعرف مصدره، ثم ليؤوله؛ ما إذا كان من كائـن حي، أو من كائـن جامد، هبّة نسيم عليل في ظل صمت مطبق، أو خشخشة حشرة تحت جو قائض، أو خطوات أقدام لإنسان أو حيوان، وليؤوله أيضا بشكل آخر؛ ما إن كان مقلقا أو مخيفا، أو مريحا ومطمئنا، ثم إنْ هو عاليا أو واطئا خافتا، ثم إنْ هو دال على شيء ما؟!.

كل هذه الظواهر وهو يترصدها، لا يمكنه أن يرجعها سوى إلى مرجعية إحساسه وتفكيره.

فالتفكير هاهنا يُفصح عن طبيعته، بمعنى أن الأصوات تثيره وتحركه، وتستفزه؛ فهي لغته التي بها يبني مداركه.

فلا غرابة إذن من القول بأن اللغة عبارة عن نسيج صوتي. أما كيف آلت إلى ألفاظ بمفاهيم ومعاني فشرح ذلك سوف يأتي في حينه. ضمن هذا الكتاب، إن شاء الله. –عند الحديث عن ظاهرة التشكيل اللفظي- وأما ما نستخلصه في إطار هذا السياق؛ فهو كون فعل الفكر يتمثل في إدراك الأصوات وتأويلها؛ حال الاستقبال أو حال الإرسال، وهذا دأبه في كل ذات لأي إنسان، تدب فيه اليقظة والحياة، ومن لا تحركه الأصوات لا تحركه المعاني.

إن بين الصوت والبيئة الطبيعية علاقة حضور؛ فالبيئة الطبيعية ليست خرساء، ومن البديهي جدا أن نجد الصوت قاسما مشتركا بين الأحياء من دون استثناء، ما يعني بالواضح الجلي أن كل كائن حي يملك مستوى من التفكير به يبني مداركه، غير أن قوة التفكير هذه أكثر وضوحا، عند هذا الكائن وأقل وضوحا عند ذاك، ما يجعل تجريد كائن حي مهما ضؤل من التفكير، أمرا متجاوزا. ﴿قالت نملة، يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون﴾ (النمل: 18) كذا حصر التفكير في الكائـن البشري خالصا له دون سواه، هو جانب من جوانب التقديس للذات وإلغاء الآخر، لم يعد يقول به سوى من قصر به تفكيره من أن يهتدي إلى طبعه الحيواني.

إن تفاوت القدرة الذاتية بين القوة والضعف، ظاهرة فيزيائية حاضرة، فعلى صعيد الذات الواحدة توجد فوارق من هذا النوع بين عضو وآخر، وأحرى أن توجد بين ذات وذات، أو بين جنس وجنس، وعلى أساس هذه المسلمة تبقى الطاقة المطلقة في كائن ما، غير موجودة، وحتى الكائن البشري الذي نـخصه بالسيادة، ليس هو كذلك في فردانيته، فقد ساد الإنسان في إطار جماعي، ما يسمح بالقول بأن قوة التفكير ليست على مستوى واحد لدى كل الأفراد، من أي جنس كان؛ فالتفاوت في قوة التفكير مطروحة على صعيد عام، وهو ما حدى بالإنسان أن يصف الموهوبين من أفراده بأنهم عباقرة، وأن يصف أفراد آخرين منه بانهم بلداء.

إن هذا التقدير منه ليس تقديرا اعتباطيا، بقدر ما هو تقدير من صميم حياة كل فرد على حدة، يكشف عنه عامل التفاعل بين الفرد وبيئته.

إن التفاوت بين العبقري والبليد تفاوت نسبي، مرجعيته تعود إلى دينامية الفرد في تفاعله مع ما حوله من الأشياء والأحداث، ولا غرابة من أن نلاحظ العباقرة بين العمي، بينما يقلون أو ينعدمون بين الأطارشة، فالأطرش أكثر تجاوبا مع المدركات المرئية، في حين أن الأعمى أكثر تجاوبا مع الصوتيات، وما ذلك إلا لكون الأصوات أكثر إثارة للفكر من المرئيات.

أعود وأقول: إن فعل الفكر قادر على أن يدرك الصوت مجردا مفردا (حرف/ مقطع)، أو منسوجا ومشكلا (لفظ/كلمة)، ومن الصوت تنشأ لدى الإنسان المفاهيم، فأقرب الناس إلى الإنسان أمه وأبوه، يستطيع أن يدرك صوتهما ولو كانا بين ألف من الصائتين، والأم أقرب الناس إلى أبنائها، فهي أقدر على إدراك أصوات أبنائها حتى وإن كانا توأمين، فهي أسرع من غيرها إلى التمييز بين الواحد والآخر، مهما تقاربت نبرات أصواتهما.

فهذه النبرة الصوتية، هي ما يقدم مفهوم التوأم (سعيد)، عن مفهوم التوأم الآخر (سَعْد)، ثم إنك أيها القارئ الكريم، تستقبل في اليوم الواحد عدة مكالمات هاتفية، وتميز بين أصحابها بنبرات أصواتهم، وقد تتقارب النبرات بين شـخصين، ومع ذلك وبفعل فكرك، قارئ النبرات الصوتية، تتوصل إلى الفصل. بين نبرة محمد من نبرة عبد الحميد، ونبرة وئام من نبرة مروة، ونبرة مذكر من نبرة أنثى وهكذا.

وإليك أمثلة أخرى، تتعلق بالمفاهيم التي تقدمها الألفاظ، وسوف تلاحظ أن صوتا واحدا هو العلة في تغيير مفهوم لفظ من لفظ. فحين تسمع، أو تقرأ ألفاظا مثل (بَذَرَ/بَصَرَ/بَـخَرَ/بَتَرَ/بــَرَزَ/بَكَرَ/بَهَرَ).

سوف تلاحظ أن الصوت (المقطع المفرد) الوسط، في هذه الألفاظ، هو وحده ما يغير المفهوم لهذه السلسة من الألفاظ بدليل أن الصوتين (المقطعين) الأول والأخير (ب/ر) بقيا ثابتين، ولم يتغيرا، ومنه ندرك أن المفاهيم مدركات صوتية، من نسيج صوتي، ففعل التفكير هو ما يميزها، ويقرأها قراءة صحيحة، وبها يميز مفهوما من مفهوم.

وإليك مثالا آخر؛ فإنك حين تسمع، أو تقرأ، عبارات مثل:

- ذهبت إلى السوق.

- ذهبت مع أبي.

- ذهبت عند الطبيب.

- ذهبت من أول لحظة.

سوف تدرك بالبداهة أن مفهوم القصد من الذهاب، مدرك من الأصوات (أدوات الربط)  بين طرفي العبارة، وهي على التوالي (إلى/ مع/ عند/ من).

وفي الجدول التالي بيان ذلك.

النسيج الصوتي اللفظ المفهوم
إ، لى إلى الغاية
م، ع مع المعية
ع، ن، د عند الظرفية
م، ن من البداية

والخلاصة التي يمكن الخروج بها هي: أن تحويل الأصوات إلى رموز (حروف)، هو إبداع من فعل الفكر الإنساني، وأن تضمين الألفاظ بالمفاهيم، هو كذلك أرقى ما توصل إليه الإنسان منذ وجوده حتى اليوم.

إن الواقع المفهومي بهذه الصورة، لا يدع مجالا للشك، بأن الإنسان حينما يستعمل اللغة؛ إنما هو يتداول جملة من المفاهيم، ثم إن المفاهيم هذه ممثلة في صورة ذوات أو إجراء خارج الذات المفكرة، في نفس الوقت هي بؤر التلاقي، يلتقي عندها كل من المتكلم والمستمع، ولو لم يكن الأمر على هذا النحو ما فهم أحدهما عن الآخر، ولما كان التواصل ظاهرة اجتماعية.

إن الطبيعة الصوتية للغة، تقتضي من حيث التداول فعل الكتابة، مقابل فعل التلفظ، وفعل القراءة، مقابل فعل الاستماع. فالتلفظ عمل إجرائي بحت، وهو الحركة والأداء الفعلي للغة، ولا يعني بالضرورة الفينومولوجيا كعلم الأصوات.

لذا يمكن مقابلته بفعل الكتابة؛ أي رسم اللغة برموز حرفية، ما يجعل من هذين الفعلين فعلين محسوسين، وليسا فعلين افتراضيين، وهذا الأمر يثبته ويؤكده كل من الفعلين الآخرين؛ القراءة والاستماع، حيث لا يقرأ إلا ما هو مرئي ولا يسمع إلا ما هو صوتي.

ثم إن فعل التلفظ تصاحبه ظواهر اقتضائية من طبيعة صوتية منها:

[1]

إن ما يهمنا من كل ما تقدم؛ هو أن نسجل بكل وثوقية أن التلفظ هو أول الكلام، وظاهرة من ظواهره، ووحدة قياس، لقوة اللغة أو ضعفها لدى أي متكلم يتكلم، ثم إن التلفظ لهو أول ما يظهر من الكلام عند الصبيان، منهم من ينطلق في التكلم انطلاقة سريعة وسليمة، ومنهم من يتأخر، ومنهم من يتوسط، وبالمثل منهم من يتعثر لسبب من الأسباب، يعتري جهازه الصوتي، كالتأتأة واللثغة، والحبسة أو الحصر، ومنهم من يلازمه البكم، وهو علة من العلل يتعذر علاجها.

إن الأطفال في هذه المرحلة العمرية من صباهم لا يخلقون اللغة من عندياتهم، ولا يملكون القدرة على اختلاقها، وإنما هم يكتسبونها ممن يتولون تنشئتهم من أمهات أو مربيات أو حاضنات مرضعات، فينشؤون على لغتهن، بما تتصف بها من البساطة أو التعقيد، حيث إن الأداء هو آداء صوتي أولا وأخيرا، إما مدّاً، وإما قصراً، وإما تحريكا أو إسكاناً، وإما شدّا أو رخاوة فإذا امتلك الأطفال هذه الظواهر الاقتضائية  للتلفظ فقد امتلكوا بنية التشكيل اللفظي، وأصبح بإمكانهم أن يتلفظوا بكل وضوح، وصاروا أقدر على تشكيل الألفاظ ما سمعوا منها وما لم يسمعوا، ثم إن اكتسابهم المعجم الذهني من الألفاظ، في هذه المرحلة العمرية والفكرية من ها هنا يبدأ.


(المفهوم هو التصور الذهني الذي تثيره الألفاظ في الأذهان سواء أكانت من قبيل الموجودات الأعيان المنظور إليها، أو من قبيل المعدوم أو الممتنع).

(أون إسلام ومسلم أون لاين)

http :www onislam.net,/arabic Madarik


خط مفاهيم (شكل 2)

ركب: مفهوم ممثل في الخارج في صورة إجراء

تلازم الفكر واللغة[عدل]

أعتقد أنه لم يعد هناك الجدل قائما حول موضوع تلازم الفكر واللغة، فالأمر محسوم لفائدة التلازم بينهما، إذ بات من البديهي أن اللغة دليل على وجود الفكر، وأن وجود الفكر دليل على وجود اللغة، وبات من البديهي أيضا أن اللغة ليست مجرد تداول للألفاظ، بقدرما هي تداول للأفكار، وما اللفظ سوى ترجمان لفكرة خطرت على البال، وما إمعان التفكير في الأشياء والأحداث، سوى لترجمتها إلى لغة في صورة أصوات وألفاظ، ثم إن أي لغة لا تعبر عن رؤية فكرية بوضوح وجلاء؛ إنما هي مجرد هراء، وكذا يكون كل فكر محصور لغويا مجرد خرس، والناس في هذا اللون من تلازم الفكر واللغة فئات ونماذج، فما أكثر التمويهات اللغوية المسيطرة على الأفكار؟! وما أكثر الألفاظ المحرفة التي بلدت الأذهان؟! وحولت معظم الناس إلى مجترين لما يسمعون، إلتبس عليهم التمييز بين ما هو من القول الفصل، وما هو من الإدعاء، وما هو من فن القول، وما هو من الهراء، وما هو من الإبداع، وما هو من الاتباع، إن بين الفكر واللغة أطوارا تكاد فيها اللغة أن تسيطر على الفكر، بما يؤازرها من وسائط التفوق؛ المنطوقة والمكتوبة، أكثر بكثير مما يؤازر الفكر من وسائط التفوق، من وعي وإبداع، ما جعل الفكر لدى الغالبية من الناس يستأنسون بالإتباع دون الإبداع.

إن الفكرة والمعلومة هما أهم القضايا في حياة الإنسان، سواء من حيث هو فرد او من حيث هو جماعة، إذ لا يمكن التسوية بين إنسان مفكر، أضاء بأفكاره أفكار الناس، وبين إنسان مارق، أطاح برقاب كثير من الناس، ولا بين حضارة قوم أشاعوا الأمن والسلم، وبين حضارة قوم أشاعوا الحرب والخراب.

بديهي أن لكل من هؤلاء وأولئك لغة تميزهم، وفكر يوجههم، ليس هناك شك في أن الإنسان يفكر حين يتكلم، وهو أكثر تفكيرا حين يكتب، وليس هناك شك في أنه يوازن بين فكرة وفكرة قبل أن يبوح بما يفكر فيه، إذ الفكر ليس مجرد لغة، مهما تكن بليغة أو فنية، لأن بين الفكر واللغة علاقة تلازم دائمة، لا يمكن فصل أحدهما من الآخر.

إن اللغة المركزة والفكرة النيرة، هما قطبا الرحى، في عملية التواصل، وإننا إذ نقول بالتشكيل اللفظي؛ نقول في نفس الوقت بعدم محدوديته؛ فالتحكم في القول إذن مرهون بالتحكم في الفكرة، وأن إيصال الفكرة إلى متلقيها، لا يقل أهمية من إنتاجها، فإذا استطاع المتكلم أن يوصل فكرته لمن ينشدها، فقد امتلك ناصية اللغة.

ومن هاهنا نصل إلى سؤال جوهري، هو ما إذا كانت الفكرة في حد ذاتها تـختصر، أو هي قابلة للاختصار؟ أم أن الأمر يتعلق باللغة لا بالفكرة؟!.

وإن الجواب عن هذا السؤال يكمن فقط في التسليم بأن تلازم الفكرة واللغة وارد، لا غبار عليه، ومن الخطأ أن نتبنى تغليب جانب على آخر حين نتكلم أو نكتب.

غير أن الإشكال المطروح هو في التنشئة اللغوية للإنسان، بأية وتيرة تتم؟ وبأية كيفية؟ وما الوسائل التي تمكنه من اكتساب كفاية فكرية لغوية في صورة تلازمهما؟

ذلك ما سنحاول الكشف عنه من خلال المواضيع التي سنطرحها تبعا في هذا الكتاب.

كموضوع: لغة المفهوم والمعنى مثلا وكموضوع: من التركيب إلى الجملة النصية.

اللغة والهوية[عدل]

لماذا نتخذ اللغة سندا نستند عليه لإثبات هويتنا؟

- ألأن اللغة تتضمن ضمير الغائب (هو) في إشارة إلينا؟

- ألأن اللغة وعاء لثقافتنا ومعتقداتنا؟

- ألأن اللغة ديوان أحلامنا، ونظم معيشتنا؟

- ألأن اللغة نبرة صوتية لجغرافية سكانية نحن من بينها؟

أليس إذن البحث عن الهوية هو الإشكال المطروح؟! فلا السؤال الأول ولا الثاني ولا هذه الأسئلة مجتمعة بالتي تعرفنا بهويتنا.

لاشك أننا سوف نضيع في البحث عن الهوية ما دمنا نبحث عنها في غير ما جانب. ولأجل هذا نعيش تجاذبا هوياتيا يتأرجح بنا بين ذواتنا ووجودنا. في أيهما تتحقق لنا الهوية الحقة؟! ولحد الآن ما زلنا لم نستقر على رأي نطمئن إليه. ونعتبر أنفسنا أننا حققنا فيه الهوية التي ترضينا ككائنات متميزة. عاقلة ومفكرة، عارفة ومبدعة؟

إن التماس الأكثر تجاذبا في تعدد الهويات هو ما تمثله الأسئلة السابقة. حيث التماس بين مفهوم الذات الآناوية (أنا) ومفهوم نمط العيش يستحوذان علينا ويتعذر علينا، أن نفصل أحدهما عن الآخر ثم نثبت هويتنا في جانب من هما دون الآخر. فالآناوية ذات. ونمط العيش وجود فأين تتحقق الهوية من بين هذين المفهومين؟ أو بالأحرى الظاهرتين؟!.

أليست الهوية مفهوما عائما في بحر من المفاهيم تتماس في أكثر من جانب؟!

- هوية الذات: (أنا، أنت، هو، هي)

- هوية التفكير: (أحلام، إبداع، اكتشاف)

- هوية الثقافة: (آداب، فنون، علوم)

- هوية اللغة: (عربية، فرنسية، أنجليزية)

- هوية الجغرافيا: (شرق، غرب، شمال، جنوب)

- هوية التاريخ: (ما قبل الميلاد، ما بعد الميلاد)

- هوية المعتقد: (إسلام، مسيح، يهود، لاديني)

- هوية الجنس: (مؤنث، مذكر)

أرأيت أننا لا نستطيع أن نـختـزل الهوية أمام هذه الهويات كلها؟!

وإذا كان الأمر يبدو مستحيلا، أو على الأقل متعذرا. أو كما يبدو ذلك قبل الإمعان في الأمر، ألا يمكن أن نـختـزل هذه المفاهيم كلها في جانب واحد وموحد، هو جانب التفكير، بالصيغة التي اختـزلها فيه المفكر الفرنسي ديكارت في المقولة الشهيرة المنقولة عنه حيث قال: (أنا أفكر إذن أنا موجود).

ثم أليس كبار المفكرين وكبار المبدعين وحدهم، من أعطى للهوية الإنسانية صورة الوجود الفعلي؟! وقد يسأل أحد. ما الوسيلة التي اتـخذها هؤلاء للوصول إلى إثبات الهوية (هوية الإنسان)؟! في صورة كائن عارف ومبدع.

أقول: إن المعرفة التي أسسها هؤلاء تبرهن لوحدها أنها بنيت من دعامتين أساسيتين هما: التفكير واللغة.

فالإنسان إذن لا يفكر حين يفكر إلا بلغته.

بهذا نجد السند الواقعي للفكر في اللغة، كذا نجد اللغة من الفكر وإليه. إنها مسلمة لا تحتاج إلى دليل.

وبعد كل هذا، ألا تكون الرموز الصوتية التي بها نشكل ألفاظنا ولغتنا، والتي تتناقلها الأجيال منا جيلا عن جيل هي بالذات ما يمثل هوية أي منا؟ وبحكم أن الأوائل من قومنا هم من أبدع الرموز الحرفية، لكل صوت من الأصوات التي نتفوه بها! فكون العربي عربي بأبـجدية رموزه الحرفية، إذ ستبقى هذه الأبـجدية الحرفية تسمه أينما حل وارتحل. وبالتالي هي ما يجسم هويته كعربي. فرع عن أصل.

الرمز واللغة[عدل]

لا ندري كم أتى على الإنسان من الدهر، وهو يرمز بالإشارة، أو الإماءة، أو الإيحاء، أو الإجراء؟ حين أعوزته اللغة عن التعبير عما يختلج في نفسه؛ من إحساس، أو شعور، ليشعر به من حوله من أبناء جنسه، وليُفهمهم ما يقصد،أوما يبتغي من وراء ذلك؟ فيفهمون منه، ويشاطرونه قصده ومبتغاه؟ لاشك أن أمد هذا الطور قد امتد به طويلا، وإن التغلب عليه، لم يكن من السهولة بمكان. ثم إن الانتقال منه لم يكن طفرة موقعية، تنتهي عند اجتياز الموقع العقبة، وينتهي الأمر، بل كانت طفرة زمانية تعد بالسنين والأعوام، ما يجعلنا نؤكد التدرج الحتمي للوصول إلى منظومة رمزية تـختـزل هذه الأمور، واحدة بعد أخرى.

ليس بوسعنا إلا أن نمثل لهذا الطور بمسطح دائري مركزه نواة صوتية، سميها إن شئت دبدبة. تفرعت منها نويات صوتية، أو الأحرى دبدبات صوتية عالية نسبيا. هي في صورة التحريك والمد، وصرعان ما انبثق من بينها الصوت التام الكامل، صار مقطعا وليدا؛ التحم فيه الصائت بالصامت الشيء الذي مكن الإنسان من حصره ورسمه في صورة حروف هجائية: على النحو التالي:

(شكل3)

نلاحظ من خلال الشكل (3) ما يلي:

- الدائرة الصغرى في المركز هي نواة الصوت (دبدبة).

- الدوائر الصغيرة المحيطة بها هي نويات صوتية (حركات ومدود).

- الرموز في محيط الدائرة الكبرى هي رموز حرفيه (مقاطع صوتية).

وإذا صدق هذا التمثيل لن يعوزنا الفهم؛ كيف نشأت الرموز الحرفية؛ حيث إنها:

- لم يتم تمثيلها دفعة واحدة.

- لم يسهم بها شـخص واحد، ولا جيل واحد.

- خضعت للتقويم؛ إقرارا، أو إلغاء، إثباتا أو إبدالا.

- خضعت للتجسيد رسما وخطا.

- أثبتتها عوامل التداول والاستعمال.

  ثم أسفرت عن النتائج التالية:

- حولت الكلام من اللسان إلى القلم.

- حولت الكلام من الشفاهة إلى الكتابة.

- حولت اللغة من الاكتساب إلى التعلم.

- أقرنت السمع بالبصر والحضور بالغياب.

- علّبت اللغة وجعلتها قابلة للتحويل والتخزين.

إن اللغة على هذا الأساس مرت بأطوار، لم تكن فيها على مستوى الثبوت، بمعنى أن تداولها تراوح بين الضيق والاتساع، وأن التجديد فيها من طبيعة نشأتها، وأن الأجيال البشرية توارثتها لتضيف إليها من الألفاظ ما يـتجاوب مع حاجاتهم الشخصية؛ وما يتجاوب مع مطالب زمانهم الثقافية10. وفي المقابل من ذلك تخطوا من الألفاظ ما لم يعد لهم به حاجة.

إن اللغة على هذا الأساس فعل إنساني؛ فالإنسان وحده من طبعها بطابعه وطبعه، وهو من صاغها وفق مقتضيات لسانه وإصاتته، وبهذا لا توجد لغة إنسانية عالمية واحدة.

ومن يحاول أن يقنـن اللغة على غير هذا الأساس لاشك أنه سوف يبوء بالفشل، مهما يبذل من الجهد في سبيل ذلك.

إن العرف اللغوي يقتضي تعدد اللغات. وبذلك فإن لكل قوم لسانا نشؤوا عليه وتطبعوا به11. ومن هنا فإن الرموز ذات الأصوات المقطعية. خاصة بقوم أنشؤوها وأبدعوها،

فليست الصوتيات العربية نفسها الصوتيات الفرنسية أو الإسبانية وكذلك الحروف العربية ليست هي الحروف اللاتينية. ما يجعل من كتابة اللغتين الفرنسية والإسبانية بالحروف العربية أو العكس غير صحيح، فكتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية عمل شاذ وغير سليم،  لابد وأن يخلق مشاكل صوتية، وأخرى كتابية، في وجه الإنسان العربي، أو العكس.

إن الرموز الحرفية؛ لا تقل تمثيلية للغة من الأصوات المنطوقة12. ثم إن الرموز الحرفية، لا تقل تمثيلية للفونيمات التي أبدعتها، ومهما يكن التعدي على اللغة؛ فإنه لا ينال منها، مادامت رموزها الحرفية موجودة، وأصواتها محفوظة.

إن الهيكل العظمي لذات اللغة تجسده رموزها الحرفية. وأن تقويض اللغة لا يأتي من تقويض ألفاظها أو هجرتها، بقدر ما يأتي من تقويض أبجديتها، والإخلال بأصواتها، إن الذي يحمد لعلماء اللغة العربية حين أطَّروها فأطروا معها حروفها، ووصفوها بدقة قل نظيرها في مجال الترميز، إذ ميزوا منها:

- ما هو صامت، وما هو صائت.

- ما هو مرقق، وما هو مفخم.

- ما هو مجهور وما هو مهموس.

- ما هو صحيح وما هو معتل.

- ما هو أصلي وما هو مبدل.

- ما هو مُعجم وما هو مهمل.

    ولعمري إنه لتأطير اعتباري سواء من حيث النطق، أو

من حيث الكتابة، أو من حيث النوعية.

أخيرا إننا لا نتصور لغة قائمة وحاضرة. إلا في إطار أصواتها المنطوقة وحروفها المقروءة13.

النسيج الصوتي[عدل]

لقد سبق لنا أن قلنا إن إدراك الطفل لبعض مقتضيات التلفظ، تمكنه من إنتاج الكثير من الألفاظ، حتى تلك التي لم يسمعها من قبل.

هذه الظاهرة من ظواهر التلفظ، تبدأ مبكرة لدى الإنسان، في شكل أصوات، وهذه المرحلة من عمر الإنسان هي مرحلة حركية ذاتية، سريعة التطور، مرحلة تتـزامن فيها آلية التحرك، في شكلها الطبيعي، إرادية ولا إرادية، يتـزامن بعضها مع بعض، إلى حد عدم الإكتراث بها؛ فالإنسان لا يعرف كيف ينام، ولا كيف يستيقظ، ولا كيف يبكي، ولا كيف يضحك، ومع هذا فهو يفعل ذلك.

إن طبيعة التلفظ الصوتية، تطغى على المرجعيات التي تصدر منها؛ لذا فإننا نعرف الظاهرة الصوتية؛ في حين نجهل ما وراءها. مما هو مصدر لفعل التلفظ.

إن فعل التلفظ في هذه المرحلة يتم من وراء ستار، إلى حين تبدأ فيه مرحلة التكلم، آن ذاك تبدأ معالمه في الظهور، وهي مرحلة موالية مباشرة لمرحلة النسيج الصوتي15.

إن الطفل يتحكم في أصواته: يمددها، ويسكِّنها، يعليها ويخفضها، يهمس أو يصرخ بها، إن هذه الظواهر، من ظواهر النسيج الصوتي، تنشأ مع الأطفال نشأة الحياة فيهم، بمعنى أنها جبلة وهندسة خلق.

حين يولد الطفل، يولد مهيئا للتنفس، مهيئا للرضاعة، مهيئا للاصاتة، قبل أن نقول مهيئا للتكلم، فالتكلم عملية نمو، كباقي المؤهلات الحيوية، التي يمتاز بها الكائن الإنساني.

فالذين يقولون بفعل الكلام، لا يخطؤون الحقيقة، وأن فعل الكلام ينمو ويتطور، ليصل بالفرد إلى مرتبة ودرجة راقية، يمثلها القدرة على بناء نص، أو نظم قصيدة، أو إنشاء مسرحية، أو إبداع ما لم يكن يدور في خلد إنسان من قبل.

إن ظاهرة النسيج الصوتي، تبقى علامة إشارية تعلن عن طبيعتها الصوتية، لا تنحصر في الضحك، ولا في البكاء، ولا في الصياح، ولا في الأنين، ولا في الشهيق، ولا في الزفير، بل فيها كلها؛ والتنغيم الذي يرافق هذه الأصوات، هو وحده ما يميز الواحد منها من الآخر، وفي الكل يبقى الجوهر الطبيعي لها هو الصوت.

علينا أن نسلم بأن الإصاتة ليست خاصية يختص بها كائن دون سواه؛ سواء أكان حيا، أو جامدا، سائلا أو جامدا، متحركا أو ساكنا، الأصوات كلها ذاتية المصدر، ولنا في الأشياء كلها خير مثال: أصوات الحيوانات تـختلف من حيوان لآخر، وصوت الرعد يختلف عن صوت الإنفجار، وصوت الحجر يختلف عن صوت الحديد، وصوت الوتر يختلف عن صوت الطبل وهكذا.

إن موضوع الأصوات موضوع واسع للقراءة، ونسيج هذا الصوت هو ما يكشف لنا عن ذاتية المصوت ومصدره.

أخيرا يبقى أن نذكر بأن التكنولوجيا الحديثة قطعت أشواطا كبيرة في قراءة الأصوات، خاصة في مجال ريادة الفضاء، وإرساليات المركبات الفضائية، والإنصات إلى ما يأتي من الأصوات ذات دلالات من الآفاق البعيدة، حيث يمتد هذا الكون إلى أبعد مدى، هذا مع الإشارة إلى أن العلم الحديث اتـخذ الصوت وحدة لقياس السرعة، قبل أن يتخذ الضوء وحدة أسرع منه.

قد يتبادر إلى الذهن أمام هاتين الظاهرتين سؤال. ما إذا كان للصوت طاقة تحركه؟ كما للضوء الذي هو نفسه طاقة؟ هذا بغض النظر عما يسمى المغناطيسية كفاعل ومتحرك أيضا؟ سوف يكون للجواب عن هذا السؤال كبير أهمية، في فهمنا للغة وتداولها، وإلى ذلك الحين سوف نكتشف كثيرا من الحقائق مازال إنسان اليوم يـجهلها.

تصور، أنك تجول بذهنك في بحر من اللغة، كيف تستطيع أن تستحضر لفظا وتغيب آخر في زمن بالنسبة إليك غير محسوب؟ ألا يستوجب ذلك منك وقفة للتأمل؟!

أنت تقرأ نصا تستقبل فيه ألفاظا وأفكارا، وفي ذات الوقت تستحضر أو تستبعد ألفاظا وأفكارا، وتأتي بأخرى بسرعة لا تدخل في حسبانك، حتى إذا توقفت مليا، وجدت نفسك في لحظة غير التي كنت عليها من قبل؛ أشواطا قطعت، وعوالم رأيت، واللحظة لحظة ثالثة، إما أنك مع، وإما أنك ضد، وإما أنك بين بين؛ وهكذا تستبدل حالا بحال، ولحظة بأخرى. والأصوات في أعماقك تتفاعل، إنك قد لا تحسم في نتائجها فتخبو وتنسحب، غير أنها سرعان ما تظهر في لحظة ما من اللحظات، كمن يذكرك بشيء ما؛ وهكذا تعيش لحظات زمانية ما دمت إنسانا يفكر، وجملة القول هو: أن الأصوات في داخلك هي ما يحركك بين الموضوع والموضوع، في شكل تموجات، أحيانا تنفلت عن سيطرتك، وأحيانا أخرى يزدحم بعضها ببعض، حتى أن موضوعين في داخلك يغيبان ويحضران بالتعاقب في لحظة من اللحظات، وما إن تصحو حتى تقدم أحدهما على الآخر، وذلك بالتركيز الذي هو وحده ما يضبط اهتماماتك.                                                            بعد كل  هذا، هل بإمكانك أن تجرد لغتك من أصواتها؟

وبالتالي، هل يمكنك أن تجد ألفاظا بدون أصوات؟ أو بإمكانك أن تنسج ألفاظا من لعاب؟

التشكيل المقطعي[عدل]

تجدر بنا الإشارة إلى مفهوم التشكيل على النحو الذي نقوم فيه بتوظيفه، كمصطلح مفاهيمي:

التشكيل تصوير وتمثيل، على خلاف التركيب، إن التركيب يحمل على الاعتقاد بأن شيئا ما ينضم إلى الآخر، أما التشكيل فليس بهذه الكيفية؛ مسألة التشكيل المقطعي، مسألة أدائية تنبعث من مصدرها من غير أن تخضع لأية عملية تدخل، (مادة خام).

الأطفال هكذا ينطقون: النطق بالمقطع المفرد، أو المقطع المزدوج، أو حتى المقطع الثلاثي شيء واحد، (ما دام كل منها يمثل وحدة قائمة بذاتها). ويبقى السؤال المطروح، ما المراد بالمقطع في هذا المجال؟

المقطع المفرد: حرف متحرك، أو ممدود، أو ساكن

مثل:

سَ، سُ، سِ/ سَا، سو، سي.

سْ سْ سْ/ خْ. خْ خْ

المقطع المزدوج: حرف متحرك متلو بحرف ساكن كحروف المعاني وما ينطق قياسا عليها مثل:

لَنْ، كَيْ، أَنْ، عَنْ، يَعْ، يَخْ. بَعْ

المقطع الثلاثي: حرف ممدود متلو بحرف ساكن، كأصوات الحيوانات أو الطيور. أو ما ينطق قياسا عليها، مثل:

عَاوْ، هَاوْ، نَاوْ، مَاوْ، عَاق. فينْ. وينْ، هَايْ.

المقطع الثلاثي يمثل حركة صوتية مديدة، يفترض في الناطق به أن يكون قادرا على النطق بكل فونيمات اللغة، ويبدو جليا أن عدم اكتمال نمو هذه القدرة؛ أن الناطق يبدّل ويغير في المقاطع من هذا النوع، أو يتخطاها إلى حين، ويلاحظ ذلك في الأطفال الذين لم يتمكنوا بعد من النطق ب(القاف) فيبدلونه ب(الكاف)، وينطقون (كّدْ) بدل (قد)، وكذا يبدلون كلاً من (الذال) و(القاف). ب(الدال) و(الكاف) وينطقون (دُكْ) بدل (ذق). هذه الأمثلة وغيرها، في نوعيتها توضح الصورة الحقيقية لظاهرة التشكيل المقطعي، كأبسط صورة لمنطلقات التلفظ، كما توضحه لنا اللغة بطبيعة أصواتها: المتحرك القصير، والمتحرك المديد والطويل، وفي نفس الوقت تكشف لنا عن فعل الفكر المتواري خلف كل ما يلفظ أو ينطق. فالطفل حينما يدرك بفكره مقتضيات هذا النسيج الصوتي يبدأ في تشكيل المقاطع، وحينما نغيّب ظاهرة التشكيل المقطعي؛ نلجأ إلى تـأويل اللغة، فهي شكل من أشكال الإلهام، أو هي شكل من أشكال الاغتراف من النبع، أو هي شكل من أشكال القراءة من صفحة، وقد ذهب البعض منا بعيدا في هذا الاعتقاد إلى الحد الذي قالوا فيه إن فكر الطفل يشبه صفحة بيضاء نكتب عليها ما نشاء16، متغافلين عن الجبلة التي جبل الإنسان بها، ألا وهي الذاتية في التشكيل المقطعي بخاصة، والتشكيل اللفظي بعامة، أقول: إنك إذا أردت أن تكوِّن إنسانا معاصرا، قادرا على تجاوز تحديات تكنولوجيا المستقبل، فاجعل منه إنسانا مدركا لأسرار النسيج الصوتي، والتشكيل اللفظي، في صورتهما الرمزية، فإن إنسان المستقبل سوف يواجه تحديات الأصوات والرموز، في إرساليات تـأتيه من قريب، أو من بعيد، من متكلم ناطق أو من جامد مصوت.

التشكيل اللفظي[عدل]

لعل ظاهرة التشكيل اللفظي هي الظاهرة التي نتغافل عنها، بحكم الألفة والتعود، وبحكم التطور السريع للنمو العضوي؛ والبطيء في نفس الوقت، حيث يتدرج المتلفظ في تلفظه تدرج نموه العضوي والفكري.

وحيث إن إدراك مفاهيم الألفاظ يتأخر لدى الأطفال إلى حين استكمال قدرتهم على النسيج الصوتي، واستكمال قدرتهم على التشكيل المقطعي، ليصيروا من بعدها متحكمين في عناصر اللغة، ومكوناتها الأساسية. إن أول ما يدركه الأطفال من المفاهيم، هو التمييز ما بين الألفاظ من فوارق مدركة؛ بعضها ذوات أشياء حاضرة، وبعضها إجراءات ممثلة، وبعضها الآخر أدوات رابطة، ثم يتعودون عليها ويتبنونها في تكلمهم، من غير أن يقعوا في الخلط، ما بين اسم ينطقون به: (ماما، بابا، هذا، كأس، خبز، ماء) وبين فعل إجراء يقومون به (آكل، أشرب، أنام، أقف، أجلس) أو الخلط بين الأداة يدركون معناها (مع، إلى، في) أو ضمير يدركون من المشار إليه به (أنا، أنت، هو، هي). إن الأطفال يتلقون ذلك من الكبار. ويتمثلونه، وبه يهتدون، وفق حبلة جبلوا عليها، أي الانطلاق في تشكيل الألفاظ، بعد التمكن مباشرة من تشكيل المقاطع.

سوف نلاحظ من خلال هذا العرض، وبكل وضوح، ما للتشكيل المقطعي من دور في إخراج اللفظ إلى الوجود، وسنلاحظ تدرج الأطفال في هذا المجال، من كونهم كانوا يعتمدون الإصاتة لذاتها، في مراحل عمرهم الأولى، بينما هم في مرحلة التلفظ، يوظفون المقاطع؛ مزدوجة أو ثلاثية، قصد التلفظ بلفظ بعينه، اسما كان أو فعلا، أو أداة. ولا يلقون في هذا الإجراء أية صعوبة، وتمثل لديهم هذه المرحلة؛ مرحلة إدراك المدركات؛ فإدراك المدركات لديهم أسبق من فهم المفاهيم.

فهم لا يرون في لفظ (بابا) أو (ماما) سوى شـخصين معينين لذواتهما، ولا يرون في لفظ (آكل) سوى ما يفعلونه من الأكل، كما لا يرون في لفظ (أنا) سوى ذواتهم المشار إليها.

إن تشكيل ألفاظ لمدركات من هذا النوع، لهي بداية التكلم، من أجل التكلم، فلا يمكن أن يقال: إن الأطفال يرون في لفظ (بابا) ذاتا لذكر جنس بشري، ولا في لفظ (آكل) لفظا دالاً على حدث وزمن، ولا في لفظ (أنا) ضمير إشارة لمتكلم ولا في لفظ (مع) رباطة المعية.

إن الراشدين وحدهم، هم الذين يرون ذلك، لأنهم شبوا عن الطوق، واكتملت لديهم اللغة بكل مدركاتها، وكل مفاهيمها، حتى أصبحوا يتقنون التشكيل اللفظي، بين المادي والمعنوي، وبين المجسد والمجرد، وبين الواقعي والأسطوري...إلخ وسوف نرى لاحقا كيف أمكن التشكيل اللفظي الإنسان من بناء صرح لغته.

ولتتضح الرؤيا فيما يخص التشكيل اللفظي لدى الأطفال، أقدم في ما يلي بحثا رصدت من خلاله تطور هذه الظاهرة لدى حفيدتي (هاجر)، في الشهر السابع عشر من عمرها، والجداول التالية توضح ذلك.

تلفظ تام تلفظ تقريبي تجليات التشكيل وما يمكن ملاحظته
وِئامْ ئامْ -أدركت الصبية ضرورة تـخطي هذا المقطع وتـخطته إجرائيا (ئام).

- أدركت الصبية قوة المقطع المزدوج (ئام) واحتفظت به إجرائيا.

- هذه الإدراكات تفصح عن فعل الفكر المتواري خلف فعل التلفظ.

خَديجَهْ ديجهْ - أدركت الصبية قوة المقطعين المزدوجين الأخيرين (ديـ/جه) واحتفظت بهما إجرائيا.
سَبَّاطْ بَّاطْ - أدركت الصبية صعوبة التلفظ بالمقطع المفرد الأول (السين المفتوحة/ سَ) وتجنبته إجرائيا.

- أدركت الصبية قوة المقطعين الأخيرين المزدوج (بّا) والمفرد (طْ) واحتفظت بهما إجرائيا (بّاط)

- أدركت الصبية قوة الشد في المقطع المزدوج (بّا) واحتفظت به إجرائيا.

حَلْوَهْ لَوَّ - أدركت الصبية صعوبة التلفظ بالمقطع المفرد الأول (الحاء المفتوحة/حَ) وتجنبته إجرائيا.

- أدركت الصبية صعوبة التلفظ بالمقطع  الساكن مع (اللام الساكنة/لـْ) فأبدلته إجرائيا بمقطع متحرك (لام مفتوحة/لَـ)

- أدركت الصبية توالي حركتين (ح،لْ) وأدغمت الواحدة في الأخرى بالشد (لَوَّ)

أمال ما مال - أدركت الصبية صعوبة التلفظ بمقطعين مفردين شبه متجانسين ومتقاربين (آ) (ما)

أبدلت أحدهما بالآخر إجرائيا (ما مال)

رايْبـي لابـي - أبدلت الصبية المقطع المفرد الأول (را) صعب، بمقطع مفرد (لا) سهل وتلفظت به إجرائيا (لا).

- تـخطت الصبية المقطع المفرد (ياء ساكنة/يْ) لصعوبته. ولم تتلفظ به إجرائيا، واحتفظت بالمقطع المفرد الموالي (بـي) لسهولته وتلفظت به إجرائيا (عملية تلفظ واضحة) (لابي)

كاطو كاكو - أدركت الصبية صعوبة النطق   بالمقطع المفرد الأخير (طو) وأبدلته
بالمقطع المفرد السهل (كو) إجرائيا في عملية تلفظ إجرائية واضحة (كاكو).

إن الواقع اللغوي لدى هذه الصبية ما بين السابع عشر والثالث والعشرين شهرا من عمرها اقتضى مني وقفة تقص موضوعي حيادي؛ الغاية منه الوقوف عند ظاهرة التلفظ الصادر من فكر حاضر، ويقظ يملك قوة الموازنة بين الأصوات، والمقارنة بينها بشكل جلي وواضح، يتخطى الصعوبات، ويأتي بالبدائل، ويدرك أبعاد التواصل بالمدركات كما يراها، أو كما يسمعها، ويظهر جليا مسايرته للجهاز الصوتي الذي لم يكتمل بعد نموه، بما يسعف هذا الفكر على إرسال اللفظ في نسقه التام، إلا أن هذا الفكر مع ذلك يُـجري تعديلات مقاربة بين المقاطع، ليرسل المدرك في صورة تقريبية تلفظية إجرائية مضبوطة، خالية من أي إبهام، كما فصّلت ذلك في الجداول أعلاه.

أقول بالمدركات ولا أقول بالمفاهيم، لأن الطفل بصفة عامة في هذا العمر، لا يتواصل بالمفاهيم، كما نعتقد بل على خلاف من ذلك يتواصل بالمدركات أسماء أو أفعالا، وبالصيغة التي يلتقطها بها من الكبار، والغريب في الأمر أننا ننظر إلى الطفل وكأنه قاصر، غير أن الواقع يكشف عن قصورنا نحن الذين نتغافل ردود أفعاله، ولا نقدرها تقديرا وازنا، نموقعها مواقعها الصحيحة.

لذا ننبه من خلال هذه الدارسة المتواضعة إلى ضرورة اعتبار فكر الطفولة، فكرا فاعلا ومنفعلا مع محيطه، بشكل كبير، وننبه في ذات الوقت، إلى أن هذه المرحلة من عمر الطفل، أهم مرحلة في إكسابه الخبرة، ليس فقط في المجال اللغوي، ولكن في المجالات الحيوية الأخرى، الطبيعية والاجتماعية، العادات والسلوكات، على حد سواء.

كل هذه عن طريق الملاحظة والتتبع، اللذان ينهجهما الطفل، مع بداية اتصاله بالآخرين، فهو لا يغفل عن شيء يقع تحت سمعه أو بصره، لذا يمكننا أن نكتشف مدى إمكانيات الأم الثقافية، واللغوية، والسلوكية؛ القويمة منها أو المنحرفة، من خلال أطفالها، فهم ينشؤون في الغالب على ما يتلقونه منها، من قول أو فعل صادرين منها، على قدر من الذكاء، أو على قدر من الغفلة والغباء.

إن الجداول التي قدمتها هنا تمكن الأم والأب على السواء، من الوقوف على طريقة التفكير عند أطفالهم، قياسا بتشكيلات ألفاظهم الأولى.

إن التشكيل اللفظي بالمقاطع الصوتية لهو اللبنة الأولى في انفتاح الفكر عند الأطفال، لا يمكن التغافل عنه، ومنه تكون الصوتيات عوامل انفتاح الطفل على عالمه الإنساني، فلا يترك الطفل معزولا أو منعزلا في هذه المرحلة من عمره، داخل مكان مغلق، أو بين كائنات غير إنسانية، أو بين يدي أم لا تلبي لوليدها سوى رغباته، من رضاعة، ونوم طول الوقت، ظانة أنه لا يتكلم، ولا يمكن تكليمه، وغير ناطق ولا يمكن إنطاقه، فإن ترديد الأصوات المقطعية، يستمع إليها الطفل وينتبه لها يكون بإمكانه أن يعيدها ويرددها بدوره، وكلما كانت الأم واعية بهذه الحقيقة، كلما كانت غير مترددة في إكساب طفلها هذه المهارة، معززة بابتسامة الرضى، والتقبيل والإصغاء إليه؛ وستلاحظ أن طفلها سوف يستجيب، ويظهر المرح، والسعادة، وهو يردد من المقاطع الشيء الكثير؛ حتى في حالات انشغالها عنه، وسيتضح لها أن طفلها قادر على استرجاع ما تعلمه منها، وهو بذلك مرح وسعيد.

إن أطفال الحضانة في هذا العمر المبكر، يـجب إشباع رغباتهم الصوتية، بما تقدمه الحاضنة من تمثيل صوتي مقطعي، وغناء أبـجدي، وحركات مشفوعة بالتلفظ والإشارات، والتلميحات بالعين وقسمات الوجه، كلها أعمال وأنشطة تقوي لدى الطفل روح المبادرة لتشكيل المثيل.

إنك سوف تندهش كثيرا، إن أنت حاولت مع طفلك أن يتقمص حركة ما من الحركات، أن لديه قوة إدراكية قادرة على التمثل والتمثيل لهذه الحركة، أنت من يمثلها أمامه، وستلاحظ عليه علامات الرضى، إن أنت أبديت الإعجاب بحسن أدائه.

كثير من الناس غاب عنهم أهمية مداعبة أطفالهم، وبذلك ينشؤون أطفلا محايدين، وانطوائيين، بل قلقين ومنفعلين، وبصعوبة كبيرة يندمجون مع الآخرين كبارا كانوا أو صغارا.

إن مرحلة الطفولة المبكرة، هي أهم مرحلة في تنشئة شـخصية الطفل، تحتاج منا إلى عناية كبيرة، وفهم صحيح، ومبادرات هادفة تجنب الطفل حب الذات وكراهية الآخر، وتقوي فيه الجرأة، والصراحة، والإندماج السوي مع الآخرين من أنداده، وإخوانه، سواء أكان في البيت أم كان في دور الحضانة.

إنني أريد من هذا البحث أن أقرب للآباء والمربيات واقع الطفولة المبكرة، ولو بكيفية جزئية، حسب تجربتي المتواضعة في التربية والتعليم، وحسب إمكانياتي البسيطة في التقصي والتتبع لكثير من الأطفال، ولا أدعي أن كل ما أقدمه هنا هو كل ما في هذه المرحلة العمرية للطفولة من أسرار، بل الموضوع أوسع من ذلك بكثير، والبحث فيه يتطلب من الباحث الأناة، وطول نفس، إنني أقدر كثيرا الباحثين النفسيين، والباحثين اللغويين الذين سبقوني في هذا المجال، لا أخالفهم فيما قالوا به، بل أنا وإياهم نلتقي معا في كثير من الآراء، حتى وإن بدا المنهج الذي اتبعته والمنطلقات التي انطلقت منها جديدين ومغايرين (تقصى واستقصاء)، لا يخلوان من الطابع العلمي القائم على الحجة والمثل وتحليل المعطيات وتعليلها، بما لا يمكن الطعن في نتائجها، وكفى بي أن أكون قد أدليت برأيي بين الآراء وفي ذلك، عزاء لي إن كنت قد أخطأت في جانب من الجوانب.

إن غيرتي على الطفولة العربية وغربتها عن لغتها القومية، هو ما حدى بي إلى اقتحام هذا الموضوع الشائك والصعب، لأفتح فيه الطريق لمن يأتي من بعدي ليزيد البحث فيه تطويرا وتوسيعا، من غير أن يكون مقلدا أو ناقلا لما قاله آخرون عن أطفالهم، ومن غير أن يلبس أطفالنا لباسا قد على قد أطفال الآخرين، ممن يتكلمون لغة غير لغتنا، ويعيشون في أوطان، وبين أسر مغايرة لأوطاننا وأسرنا، وفي مجتمع بثقافة غير ثقافتنا.

إن اللغة العربية مستهدفة، والناطقون بها مستهدفون، ومن ذلك يكون الفكر العربي هو المستهدف، ألا يكون من حقنا أن نكتب لأنفسنا وبلغتنا؟! سؤال نطرحه على أنفسنا قبل أن نطرحه على غيرنا، كفانا عيشا تحت مظلة الآخرين وبأية ذريعة يتذرع بها المترددون المشككون في كل ما هو منا وإلينا.

إن التشكيل اللفظي الذي أقول به ليس بالأمر الغريب. لعلة واحدة هي أن موت اللغة أو إحياؤها يأتي من هذا الجانب. ويكفي أن أضرب لذلك مثلا بلفظ واحد يحتمل تلفظات متعددة لكل. منها مفهوم خاص.

قد يقول قائل إنها كلمة مركبة من عدة حروف، وقد يبدو الأمر كذلك، إذا تعلق الأمر بالتركيب بمعنى إضافة حرف إلى حرف، في شكل سلسلة مترابطة الحلقات، وهذا صحيح إن كانت هذه البنية المركبة ذات رؤيا خطية. وليست بنية ذات مفهوم،/ هذا من جانب ومن جانب آخر. فإن المركب يقرأ قراءة واحدة، على صورته من غير أن تطاله يد التغيير. لكن كونه لفظا مشكلا فلا يعتبر لفظا واحدا بل هي ألفاظ متعددة شكل كل منها تشكيلا مقطعيا خاصا يؤول كل منها إلى مفهوم خاص. وما دامت الصورة الخطية لهذه الألفاظ واحدة   

ح   /   م   /   م

فإن المفهوم لا تقدمه الصورة الخطية لوحدها، بقدر ما تقدمه المقاطع الملفوظة، فالفرق ما بين تلفظ وتلفظ وما بين قراءة وقراءة يعود إلى الأصوات المقطعية؛ متحركة أو ممدودة أو ساكنة أو مشددة أو منونة،

حَ  /   حُ  /   حِ  /   ما   /   مّا   /   مٌ

وعليه فإن المقطع في اللغة العربية نطقا وتلفظا وقراءة، مما يجب التركيز عليه، وإدراكه في أصواته المتغيرة، فحينما يدرك المتكلم أو القارئ طبيعة المقطع الصوتية، سهل عليه أن يقرأ أو يتلفظ باللفظ وهو مدرك للمفهوم الذي يقدمه، أما إن غاب عنه شكل الإصاتة في أي مقطع من مقاطع اللفظ، قلاشك أنه سيقع في الحيرة والتردد، ولن يخرج منه ما لم يكن قد حسم أمره من قبل في تحديد المفهوم الذي يروم تقديمه:

أهو بحاء مفتوحة – حَمام؟

أهو بحاء مرفوعة – حُمام؟

أهو بحاء مكسورة – حِمام؟

أهو بميم مشددة – حمّام؟

                     أهو بميم منونة - حَمامٌ. حُمامٌ. حِمامٌ حَمَّامٌ؟

بعد هذا أمامك لفظ آخر (مال). كيف تقرأه؟

إن أنت قراته بفتح اللام فالمفهوم حينئذ إجراء ممثل في الخارج. (زال عن استوائه) أما إن أنت قرأته بلام منونة فالمفهوم حينئذ ذات ممثلة في الخارج (ثروة).

واضح إذن أن المقطع الأخير الذي هو اللام هو ما يغير المفهوم والمعنى ويحولهما بل يضبطهما ويقيدهما.

ولعل القارئ الكريم قد وجد في هذين المثالين.

ما يميز ظاهرة التركيب، وهي ظاهرة بنيوية من ظاهرة التشكيل وهي ظاهرة مفهومية.

إن هذه الإشكالية ينبغي أن تحل في إطار المقطعية، حين يكون العربي على بينة من ظواهر التشكيل اللفظي، فإنها ستختصر عليه كثيرا من التخريـجات المتشعبة التي ترهق الفكر وتضلله.

معالم التشكيل اللفظي[عدل]

بديهي أن الفكر الإنساني لم يبن صرح لغته في زمن قياسي، وليس في وسعنا أن نحدد له بداية ولا نهاية، كذلك ليس بوسعنا أن نسلم بأن البناء فيه توقف.

على العكس من هذا، فإن بناء صرح اللغة له امتدادات عبر العصور، لأن لكل عصر مستجداته ومستحدثاته، وأن انحصار اللغة يأتي من عدم مواكبة اختلاف العصور، وأن اللغة العربية من اللغات التي تواجه انحصارا من هذا القبيل، وهو انحصار فرضه العصر الذي نحن فيه، حيث لم نستطع أن نواكب فيه ما استجد من المستجدات، ولا ما استحدث من المستحدثات، نتيجة التخلف الفكري والثقافي، الذي هيمن على حياتنا، جراء التحكم في مصائرنا من طرف المستعمر الأجنبي، ومعه حكامنا المستبدين، المتخلفين.

إن الوقوف على الطريقة التي بني عليها هذا الصرح، يقتضي منا اقتفاء أثره من خلال المادة اللغوية التي بين أيدنا، وهو اقتفاء من يتقصى العمل الفكري الذي أنتجه وأقامه.

فالفكر يعمل وفق خطة من إبداعه، إما أن تتقدم به، وإما أن تتخلف به، لكنه مع ذلك يقومها على الدوام وباستمرار، إلى أن يتم له من خلالها ما يبلغه مبتغاه، وهو إنتاج لغة بلسان قويم.

فالقوامة في اللسان هي هذا الصرح اللغوي الذي نتحدث عنه الآن.

فما هي إذن معالم هذا الصرح؟ وما هي الخطط التي اتبعها الفكر العربي في بنائه؟

تلك هي الأسئلة التي سأحاول الإجابة عنها من خلال إبراز معالم التشكيل اللفظي العربي على النحو التالي:


تُشكل ألفاظ اللغة العربية لثلاث غايات يعبر الإنسان العربي بها عن مداركه: ذوات وإجراءات وأدوات (إشارية)

فالمدركات من الذوات تستلزم تمايز ذات من ذات مفهوميا كما هي متمايزة مادة عضوية. فلا يشك أحد في أن ذوات الأشياء رافقت الإنسان منذ ظهوره على مسرح الحياة، فالأرض بما عليها، والسماء بما فيها، سبق ظهورهما على ظهور الإنسان بكثير (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا). (1-الإنسان). ولقد كان الإنسان وفق الجبلة مهيئا ليشكل لكل ما حوله من ذوات الأشياء ألفاظا ترتبط بها مفهوما، بإمكانه تداولها والتعريف بها بين أفراد جنسه، ولقد وجد الإنسان نفسه مطلقا ليشكل للمكان الذي وجد نفسه فيه لفظ (الأرض)، وللفضاء الذي يحيط به لفظ (السماء)، وللضوء الذي يضيئ طريقه لفظ (الشمس)، وللنور الذي يذهب عنه ظلمة الليل لفظ (القمر)، وللذات التي يميز بها نفسه عن بقية الأحياء لفظ (إنسان) وهكذا كان للفكر العربي مواصلة مشواره عبر التاريخ يمحو ويثبت إلى أن اجتمع له زاد  لفظي كان الأس الأساس في بناء صرح لغته العربية.

أقول: الفكر العربي، لأنه الفكر منشـئ اللغة العربية بألفاظ وصيغ، ورموز، وأصوات، لا يمكن ردها إلى فكر غيره.

من هنا بدأ اختلاف الألسنة باختلاف التجمعات البشرية، والانتماءات العرقية، والمواقع الجغرافية، وكان لكل قوم لسانهم، يمثل هويتهم التاريخية، سواء من حيث المنطلق أو من حيث المنتهى، إن اللسان العربي؛ ليس بلسان وليد اليوم، ولا بلسان هجين، جاء في طور زماني متأخر، بل هو لسان عريق، أصيل ضارب في عمق التاريخ، والذين يتنكرون له اليوم ليسوا من بُناته وليسوا من أهله، وكفى بهم هونا أنهم أفراد انسلخوا من جلدتهم، إن في معجم اللغة العربية راهنيا ألفاظا كثيرة شكلت وفق هذه المقاربة (بيان الذات). مثل: الجمل، والحجر، والمطر، والثلج، والشجر، والنار، والتراب.. إلخ.

أما المدركات الإجرائية فهي بدورها تستلزم تمييز إجراء من إجراء بالصورة التي يتم بها تمييز أحدهما من الآخر، ولقد كان الصيد مصدرا من مصادر اقتيات الإنسان الأول، ما جعله يحصي حركات الطرائد التي يتربص بها، فها هي الطريدة ترعى، وها هي تشرب، وها هي تجثو وها هي تقف، وها هي تمشي، وها هي تقترب، وها هي تبتعد، وقد شكل الإنسان العربي الأول لكل هذه الإجراءات، ألفاظا تميز إجراء من إجراء، يؤديه هذا الكائن أو ذاك، أهو نائم أو يقظ؟ أهو واقف أو قاعد؟ أهو قريب أو بعيد؟

إن في معجم اللغة العربية راهنيا ألفاظ كثيرة شكلت وفق مقاربة (بيان الإجراء) مثل: حَمَلَ، وحَمْلٌ، وصل، ووصول هرب وهروب، ووثب ووثوب. وفضيلة ورذيلة. وقيمة ومقام. ثم إن المدركات الأداتية ولئـن كانت لا تـخلو من الأجرأة، فإنها مع ذلك يستحيل أن تختص بمفهوم مدرك غير الذي تشير إليه، من ذات، أو إجراء. وقد تمكن الفكر العربي من أن يخصها بصوت مقطعي، يميز به إشارة من إشارة إنها الأداة بما تؤديه من وظائف، وليست لفظا بما يؤديه من مفاهيم.

إن العربي ينشأ في بيئته اللغوية على توظيف الأداة من غير أن تلتبس عليه أداة التوقع من أداة النفي ولا أداة التوكيد من أداة الاستثناء، ولا أداة النداء من أداة الاستدراك. ولا ضمير الإشارة من ضمير الشخص. وقد أسلفت القول في ذلك بان الطفل حين يدرك الفوارق اللفظية ينطلق في الكلام. ويتكلم بطلاقة.

بعد كل هذا التوضيح لم يبق إلا أن أقدم خصائص اللفظ17 على النحو التالي:

-اللفظ وحدة عضوية لغوية تشكل بنيويا ومفهوميا ومعنى في آن.

-اللفظ في بنيته كتلة صماء، بينما هو في منطوقه لغة مفهومة.

-اللفظ له ظاهر وله باطن إن صح التعبير، أو على الأصح له بنية وله مفهوم ومعنى.

هذا وقد تدرج الإنسان العربي في تشكيل ألفاظ لغته باعتبار هاتين الخاصيتين. فلا يعتبر اللفظ لفظا من غير بنية ولا يعتبر اللفظ لفظا من غير مفهوم ومعنى، وتجد في الخططات الآتية تبيانا لذلك كما أسلفت.

هذا من جانب تشكيل بيان أما من جانب تشكيل مقطعي فبيانه كالتالي:

1-   التوالي: يعني توالي المقاطع وتتابعها، كما حال الألفاظ الآتية: إسطا نبول/ إسكافي/ إسماعيل / هند/ قلم/قميص/               دراجة.

2-   التقارب: تعني تقارب المقاطع، وتماثلها

   مثل: قال. يقول. قول. قولة. قائل

3-   التعاقب: تعنى تعاقب مقطعين مزدوجين.(أي ما لا يتم        إجراؤه دفعة واحدة بل على دفعات متعاقبة بعضها لبعض).

    مثل: دندن، ولول، كبكب، حنحن.

4-   الأداة: تعني تفاوتا في المقاطع، فردية/ ثنائية/ ثلاثية...إلخ

    مثل: في، على، قد، س، ب، ما، من.



توضيح

قد يسأل سائل:

لماذا أقول بالذات وبالأجرأة والأداة؟

الجواب:

أقول بذلك لأقدم اللغة في عذريتها وأجنبها تلك التخريـجات التي أفقدتها هذه العذرية.

التنشئة اللغوية[عدل]

الفكر يرتبط باللغة عبر الصوت، والصوت كائن صدى طبيعي، متعدد بتعدد الأشياء الطبيعية، كل الأشياء الطبيعية لها صدى صوتي خاص، يصدر منها، إمّا ذاتيا كصوت الأحياء، وإما اصطناعيا كصوت الجمادات، يتفاوت خفوتا ووضوحا، فالنجوى على سبيل المثال، تقع داخل النفس البشرية، لا تسمع لكنها تجري مجرى الصدى الصوتي داخل الفكر، والفكر هو منشئها، وبالنسبة إليه، هي لغة مدركة منطوقا ومفهوما، -أجد نفسي هنا مطالبا بأن أذكر القارئ الكريم أنني حينما أقول الفكر، أعني مادة عضوية كامنة في المخ البشري، ولست أعني به المقولات مثالية كانت أو برجماتية- هذه العضوية التي يحتار العلم في ماهيتها ومكانها، غير أنه سيأتي لا محالة زمن ينكشف سترها، وسيعلم الناس علم اليقين أنهم أمام خلق عجيب، وأنهم أعجزما يكونون من خلق مثله ولو اجتمعوا له.

فعلى سبيل مثال آخر: نجد لتأكسد الحديد تحت أشعة الشمس صدى ينبعث منه في شكل أصوات تسري في الهواء، في تموجات السراب، يمكن أن تسمع بشكل أو بآخر، وهكذا نجد ما يسمى الأثير ناقلا للأصوات عبر مسافات بعيدة، وبكل وضوح، وتصل إلينا عبر أجهزة إلكترونية من راديو، أو هاتف نقال أو تلفاز، أو أنترنيت، لغة كاملة الوضوح.

إن اللغة على هذا الأساس هي مدخل الفكر ومخرجه في ذات الوقت. وأي فكر لا يحسن الإنصات. أو لا يحسن التكلم، هو فكر يمكن وصفه بما وصفه به القرآن الكريم في الحالة الأولى (أن به وقرا) ﴿وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب. فاعمل إننا عاملون﴾ (سورة فصلت - 5). وفي الحالة الثانية بما وصفه به من أنه (خشب) (خشب مسندة)، ﴿وإن يقولوا  تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة﴾ (سورة المنافقون- 4).

وهذا ما يعني بالواضح، من أن اللغة هي ما يشحذ الفكر، ويجعله يفيد ويستفيد، يتعلم، ويعلم، يتطور ويتقدم، يـجدد ويتجدد في مسار مستمر ودائم، ولو لم يكن الأمر على هذا الحال، ما كانت للمعارف أية قيمة في حياة البشر، فنقل المعارف، وتداولها وإغناؤها بالجديد لا يتم إلا عبر اللغة، وكل الكتب السماوية جاءت في صورة رسائل لغوية،  ولو لم تكن كذلك ما كانت لتنسب للذات الإلهية، ولما كانت قادرة على الثبات أمام تقلبات العهود والآزمنة ولما كانت فاصلة بين الناس فيما هم فيه يختلفون، وما أكثر المبطلون في زمن تدنى فيه فعل التفكير، وفي زمن أصبح فيه الزيف يغشى الحقيقة ويحجبها بما أوتي من زخرف القول.

ولهذا نؤكد من أن بناء المفاهيم كيفما كانت قوة حجتها إنما هي من فعل الفكر الذي أنتجها، هناك فكر لا يقدر المسافات، ولا يدرك الأبعاد، حيث إنه يـجهر بالسوء، من غير أن يقدر مدى تأثير ذلك على الآخرين، بل قد يقدر ذلك ويتعمده، وما هذا إلا سر من أسرار لغة الفكر وفعله، وبالمقارنة نجد فكرا يقتحم الضيق ويندفع في الزحام، ويسرع في المنعرجات ولا يبالي، وهو يتسبب في كوارث بشرية، من القتل العمد، وإهلاك نفوس بريئة.

إنه الفكر الذي لم تصنعه اللغة، فكر تعدى منطق اللغة إلى حيث لا لغة؛ العجمة والبهيمية بل هو أضل.

أعتقد أننا الآن أمام مسألة من أهم المسائل التي تشغل بال كل واحد منا، مسألة إنسانية قبل أن تكون مسألة اجتماعية، مسألة تعلم وتعليم، ونسائل أنفسنا، هل فقد الفكر فينا مواقع اللغة فيه؟ أم أن لغتنا أصبحت مجرد طلاسيم مستعصية على الفهم، أم أننا نتلقى اللغة في طفولتنا، من غير أن تنفذ إلى أعماق فكرنا، موسومة بالأوهام، والتسطيح ما جعل منا أناسا نتكلم خواء، ونتصرف عبثا؟!

لابد من أن نراجع أنفسنا في هذه المسألة الحيوية، فلا يـجدينا أن ندفن رؤوسنا في الرمال، ونـزيد أوهاما إلى أوهامنا لنتوهم أننا قد خرجنا من بداوتنا، ونحن في الواقع ما زلنا غارقين فيها إلى القاع.

يـجب أن نعترف وبكل شجاعة وموضوعية أننا متخلفون في التنشئة الاجتماعية لأطفالنا، أطفالنا لم يجدوا بعد أنفسهم في حضانة جادة وواعية، ولم يجدوا في المدارس فلسفة تربوية نابعة من نظرة مستقبلية، ذات أبعاد إنسانية، تؤهلهم لحياة حاضرة، يجدون أنفسهم غرباء فيها بلا مؤهلات لغوية، ولا مؤهلات نفسية، ولا مؤهلات تقنية، ولا معارف معاصرة، إلا ما يأتيهم من بيئات مخالفة، بل متناقضة مع بيئتهم اللغوية، والاجتماعية والثقافية، فلا هم يعيشون حاضرهم، بكل معطياته العلمية والتقنية، ولا هم يتطلعون إلى مستقبل بين يدي أمناء واعين بمسؤوليتهم، لهم إرادة صادقة للخروج بهم من هذه الشرنقة، التي وجدوا أنفسهم فيها، يواجهون فيها الحياة المعاصرة بمؤهلات قديمة، وعقليات متخلفة، أو تحت وطأة تجارب مستوردة من هنا أو هناك، من غير إخضاعها للفحص والتمحيص، ما إذا هي تناسبهم، أو على العكس ترهقهم وتـزيد ضغوطا عليهم، إلى ضغوط متطلبات الحياة من حولهم، كيف يمكن تفسير حالة متخرجين من معاهد ومدارس تعتبر متخصصة، حتى إذا دخلوا معترك العمل، خيبوا آمال المشغل؛ بكونهم أطر غير منتجة، وقليلوا الخبرة؟! لاشك أن من وراء هذه الوضعية تنشئة غير سليمة، تنشئة الأطفال ليس معناها ترك الحبل على الغارب للطفل، ليفعل ما يشاء، ويلهو بما يشاء، ويبدد الوقت كيف يشاء، ويتكلم بما يشاء، وكيف يشاء!.

لقد سلمنا أمور أطفالنا إلى أنفسهم، ليس لحبنا لهم، ولكن لعجزنا عن فهمهم أولا، وثانيا لكوننا لا نعلم عنهم شيئا نؤسس عليه تعليمهم، من منا يعرف ميول طفله الفنية؟ أو العلمية؟

ليس لدينا علم نفس الأطفال؛ إلا ما أخذناه من غيرنا، وليس لدينا رؤية مستقبلية لطفل عربي في المستقبل، إلا ما نرى الآخرين يعدّون له أبناءهم، إن الطفل العربي لا يحتل مركز اهتمام، سواء لدى ذويه، أو لدى سلطات وطنه.

وإن بقي أمر الطفولة العربية على هذا الحال، سوف تـزداد أعباء الحياة المستقبلية للدول العربية سوءا إلى سوء، وتـخلفا إلى تـخلف.

وحتى نقرب القارئ الكريم من الوضع اللغوي لأطفالنا، دعنا  نقدم فيما يلي نتائج بحث ميداني قمت به، شمل مائة طفل من بنين وبنات في العاشرة من أعمارهم، يتمدرسون بمدارسنا العمومية، في مستوى السنة الثالثة من التعليم الابتدائي، من خمس مدارس: ثلاثة منها في المدينة، واثنتان في القرية، من كل مؤسسة عشرون طفلا، أجريت عليهم اختبارا، هذه حيثياته:

- عامل الجنس غير وارد في المجموعة، فهي مشكلة من الجنسين، ذكورا وإناثا، مع عدم مرعاة نسبة المشاركة من كل منهما، فالمجموعة تشكل عينة موحدة.

- وحدة الموضوع والسؤال المطروح لا يختلف بين مؤسسة وأخرى.

- النتائج واحدة لا فرق بين طفل في المدينة أو في القرية فلا أنظر إلى الطفل إلا أنه في مجتمع عربي، وأنه في مستوى دراسي واحد.

- موضوع الاختبار اختير على أساس الحياة المدرسية للطفل، وعلى أساس الرصيد اللغوي المفترض أن يكون رائجا في الوسط المدرسي، بحكم أنشطة التعليم والتعلم، وحكم الخطاب اليومي للمعلم. وما يمكن أن يشكله هذا الخطاب من تطور في لغة الطفل المتمدرس.

- حددت صيغة السؤال كالتالي:

(في حجرة الدرس تقوم باعمال كثيرة، يمكنك أن تذكر منها عشرة أفعال تفعلها داخل حجرة الدرس).

- حددت مفردات المعجم (الفعل داخل حجرة الدرس) في حدود خمسة وستين فعلا، نذكر منها على سبيل المثال: أقرأ، أكتب، أرسم، ألون، أسطر، أصحح، انتبه...إلخ. افترضت أن هذا المعجم يمثل الحد الأقصى، وكان لابد من أن أفترض الحد الأدنى منه، باعتبار مستويات الأطفال، حددته فقط في عشرة أفعال، بمعنى أن طفلا متمدرسا في العاشرة من عمره، لا يمتلك عشر مفردات الفعل داخل حجرة الدرس، هو طفل متأخر لغويا، أو بالأخرى أن أساليب الفعل البيداغوجي داخل حجرة الدرس غير مجدية، والجدول التالي يكشف النتائج:

عدد الإجابات بعدد المشاركين المجموع النسبة
عدد المفردات المؤسسات
الأولى الثانية الثالثة الرابعة الخامسة
صفر مفردة 0 0 0 0 2 02 2%
مفردة واحدة 0 1 0 0 1 02 2%
مفردتان 1 4 0 2 1 08 8%
ثلاث مفردات 0 3 1 2 4 10 10%
أربع مفردات 3 1 1 2 1 08 8%
خمس مفردات 5 4 4 3 4 20 20%
ست مفردات 4 2 3 2 1 12 12%
سبع مفردات 2 4 3 5 0 14 14%
ثماني مفردات 1 1 3 0 4 09 9%
تسع مفردات 1 0 1 2 0 04 4%
عشر مفردات 3 0 4 2 2 11 11%
الجميع 20 20 20 20 20 100 100%


من خلال الجدول نلاحظ أن:

- 2% من الأطفال لم يذكروا ولو مفردة واحدة، (صفر مفدرة).

-  2% من الأطفال ذكروا مفردة واحدة .

- أن 8% من الأطفال ذكروا ما بين 1 إلى 4 مفردات.

- 20% من الأطفال ذكروا ما بين 3 إلى 4 مفردات.

- 9% من الأطفال ذكروا 8 مفردات.

%11  من الأطفال استوفوا مفردات اللائحة بعشر مفردات

  إنها نتائج تكشف مدى ضعف المعجم اللغوي لدى الأطفال.

  وبحكم الطابع اللغوي الذي لا ينحصر فيه المعجم في الأفعال وحسب، رأيت أيضا ضرورة قياس المخزون المعجمي من الأسماء، في ذهن هؤلاء الأطفال، وكان علي أن أختار الموضوع المناسب والذي يفترض أن يكون الطفل قد أحاط به، ولو إحاطة معجمية محضة، والذي يفترض أن تسهم في أغنائه الأم والأسرة من جانب، والمجتمع وما فيه من المعاملات في الأسواق، والباعة المتجولون، بالإضافة إلى الكتاب والمدرسة من جانب آخر، فكان أن وقع اختياري على الخضروات.

حددت منها معجما أقصاه ثلاثون اسما (حسب المشهور) على سبيل المثال: الجزر، واللفت، والبطاطيس، والخرشف...إلخ وكان علي أن أحدد معجما أدنى في عشرة أسماء، افترضت أن يكون الطفل في العاشرة من عمره، وفي السنة الثالثة من التعليم الابتدائي قد امتلكها.

وهكذا حددت الموضوع في صيغة السؤال التالي: (في السوق أنواع من الخضروات نشتري منها كل يوم ما نحتاج إليه، أذكر عشر من الخضروات التي تعرفها).

والجدول التالي يبين النتائج.

عدد المفردات عدد الإجابات بعدد المشاركين المجموع النسبة
المؤسسات
الأولى الثانية الثالثة الرابعة الخامسة
صفر مفردة 1 1 0 1 3 06 6%
مفردة واحدة 0 0 0 0 0 00 0%
مفردتان 4 1 0 3 2 10 10%
ثلاث مفردات 1 3 1 4 4 13 13%
أربع مفردات 3 3 2 0 1 09 9%
خمس مفردات 2 8 8 5 4 27 27%
ست مفردات 6 1 3 4 4 18 18%
سبع مفردات 3 1 3 3 1 11 11%
ثماني مفردات 0 2 1 0 1 04 4%
تسع مفدرات 0 0 2 0 0 02 2%
عشر مفردات 0 0 0 0 0 00 0%
الجميع 20 20 20 20 20 100 100%

من خلال الجدول نلاحظ ما يأتي:

- ثلاثة أطفال من عشرين طفلا في المؤسسة الخامسة لم يذكروا ولو مفردة واحدة من اللائحة.

- ثمانية أطفال من عشرين طفلا في المؤسستين الثانية والثالثة تمكنوا من ذكر ثماني مفردات  اللائحة.

- طفلان من عشرين طفلا في المؤسسة الثالثة تمكنوا من ذكر تسع مفردات اللائحة.

- لا أحد من أفراد المجموعة تمكن من استيفاء مفردات اللائحة. (عشر مفردات)

ولتكتمل لدينا الوضعية اللغوية، التي يعيشها الأطفال المتمدرسون في التعليم الابتدائي، اقتضى ذلك منا أن نـختبرهم أيضا، على مستوى التركيب اللفظي، وقد اعتبرت الوصف أقرب إلى الطفل يلتقطه من فعل التكلم المتداول في وسطه الاجتماعي. من غير أن أغفل أن هذه القدرة نفسها تمر بمراحل النمو، والتوسع حسب العمر الزمني والعقلي لدى الطفل، غير أن هذه البنية حين تستقر في ذهن المتكلم، لم تعد لتشكل عائقا ظاهرا في تكلمه، اللهم إلا إذا كان نبع الوسط الاجتماعي نفسه جافا، والتداول نادرا أو قليلا، ومن المفروض أن تكون بنية تركيب الوصف مستعملة بكثرة في الحياة اليومية المدرسية في خطاب المعلم والمتعلم على حد سواء، فيمدحون، أو يذمون في أكثر من موقف.

على هذا الأساس اخترت (التلميذ) موضوعا للوصف فهو تلميذ مجتهد، أو تلميذ كسلان أو تلميذ متفوق، أو تلميذ متوسط، أو تلميذ ضعيف، أو منتبه، أو غافل أو مهذب، أو مشاغب....إلخ.

حددت صيغة السؤال على الشكل التالي:

"نحن نصف الأشياء من حولنا بأوصاف حسنة أو سيئة فنقول عن البرتقال مثلا –برتقال حلو، أو برتقال حامض، حاول أن تعطي عشرة أوصاف حسنة أو سئة للتلميذ". والجدول التالي يبين النتائج:

عدد التراكيب عدد الإجابات بعدد المشاركين المجموع النسبة
المؤسسات
الأولى الثانية الثالثة الرابعة الخامسة
صفر تركيب 0 1 0 2 0 03 3%
تركيب واحد 2 2 3 1 0 08 8%
تركيبان 3 2 4 0 4 13 13%
ثلاثة تراكيب 4 5 2 3 3 17 17%
أربعة تراكيب 2 3 1 5 1 12 12%
خمسة تراكيب 5 4 6 4 5 24 24%
ستة تراكيب 3 1 2 3 4 13 13%
سبعة تراكيب 1 2 2 2 3 10 10%
ثمانية تراكيب 0 0 0 0 0 0 00%
تسعة تراكيب 0 0 0 0 0 0 00%
عشرة تراكيب 0 0 0 0 0 0 00%
المجموع 20 20 20 20 20 20 100%

من خلال الجدول نلاحظ ما يلي:

- ثلاثة من الأطفال في المجموعة لم يقدموا أي تركيب. واحد منهم في المؤسسة الأولى، وآخر في المؤسسة الثالثة. والثالث في المؤسسة الخامسة.

- أربعة وعشرون طفلا من المجموعة هم من تمكنوا من تقديم معدل تراكيب اللائحة (خمسة تراكيب) ما يعني أن أزيد من 50% قدموا أقل من ذلك و23% وحدهم من قدم فوق ذلك.

- إن أعلى معدل وصله المختبرون هو في حدود سبعة تراكيب. ويتواجدون بقلة في كل المؤسسات ما بين 1 إلى 3 من عشرين.

- أن لا أحد من أفراد المجموعة استوفى عشرة تراكيب المطلوبة.

إن هذه النتائج بالإضافة إلى نتائج سابقة، تقتضي، منا كمجتمع عربي؛ مراجعة أنفسنا حول تنشئة أطفالنا اللغوية؛ وبشكل جدري. خاصة في مجال التعليم، فهو المجال الذي يمكن السيطرة عليه.

فعل التكلم[عدل]

حينما نقول التكلم، لا نقول اللغة بمفهومها الأكاديمي، فالتلكم آلية طوع الجميع، صغيرهم، وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم، كل حسب قصده ومبتغاه، وعلى هواه، الإنسان ينشأ على التكلم قبل أن ينشأ على اللغة. اللغة بناء أكاديمي أما التكلم،، فهو أداء عرفي، بمعنى أنه شائع بين الأفراد وهم أكثر تمسكا به إلى حد الذوبان فيه، حينما نقول بفعل التكلم، لا نستثني أحدا من بني البشر،  لا يتكلم إلا الأبكم.

هناك من يستعجل صاحبه على التكلم، تكلم! أنطق! ماذا تريد أن تقول؟ وهو في عجلة من أمره، يريد أن يعرف حالا قصد المتكلم حيث إن قصد المتكلم جاهز في غالب الأحيان، لأنه القصد الذي لا يتقيد سوى بقيود اعتبارية، فكما للغة قواعدها، فللتكلم اعتباراته؛ وهي اعتبارات عرفية، من بينها الحشمة والوقار والمناسبة: عرس أو موت، وما إلى ذلك.

فعل التكلم يكشف عنه الشارع: البائع والشاري، السائح والمتجول، الغادي والرائح، العارف والجاهل، الصادق والكاذب، المتيقن والمدعي، ليس بالوسع الحد من فعل التكلم.

إن السؤال المطروح هو، ما إذا كان هناك وجه للمقاربة بين فعل التكلم واللغة؟ وأن الجواب عن هذا السؤال يمتد بنا إلى الثنائية التي أرقت اللغويين وهي: ما الفواصل التي بين العامية والفصحى؟! قد يبدو السؤال مغلقا إلى حدما، غير أن المتتبع للقيم المشتركة بين اللسانين، سرعان ما ينتبه إلى المنشأ الذي ينشأ فيه المتكلم، أي إلى لغة الأم.

والسؤال المطروح لتوضيح هذا الجانب: هل المجتمع  المضري أو الحميري أو مجتمع تميم الذي أخذ منه اللسان العربي الفصيح، هل كانت الأم فيه تتكلم بغير لسان عربي فصيح؟ ثم ماذا كانت النتيجة؟ متكلمون فصحاء، وهل هناك من يشكك في ذلك؟!

حينما نقول اللسان نترك اللغة والكلام جانبا ونتجه مباشرة نحو فعل التكلم، ففعل التكلم بحر لا ساحل له، الخلاف بين الناس، ليس في الكلام ولا في اللغة. فالفعلية والفاعلية والمفعولية توجد في كل لغة، هي أصول لغوية مشتركة وأصول كلام في كل كلام، غير أن الألفاظ تختلف باختلاف الألسنة، ومن هنا يأتي التشكيل اللفظي في الدرجة الأولى من فعل التلكم وطبيعة اللسان. لذا نقول إن المتكلم ينشأ في ظل تشكيلات لفظية خاصة، ما يميز لسانه عن لسان غيره.

حينما أشرنا إلى ظواهر التشكيل اللفظي في بناء صرح اللغة، إنما لنبين للمهتم باللغة العربية الفواصل التي بين فصحى وعامية، ونقول إن تعدد العاميات العربية خرجت من رحم التشكيل اللفظي، ولهذا السبب، وهو سبب جوهري، لم يتمكن أي لسان عربي عامي من بناء صرح لغوي له، يحل محل اللسان العربي الفصيح، حتى ولو أن هناك غالبية الألفاظ من أصل فصيح متداولة بين العامية والفصحى، وهو ما يشكل تقاربا كبيرا بين اللسانين، ما جعل العرب يفهمون عامية بعضهم بعضا، إلى حد كبير.

قد يرى البعض في هذه الازدواجية اللغوية عند العرب مشكلا لغويا ولسانيا معرقلا يقف في وجه تقدمهم الفكري والثقافي والإبداعي، وكثيرا ما نسمع دعوات تدعو إلى العامية لسانا ولغة كتابه، إلا أنها تبقى دعوات متطرفة، ونظرة قاصرة تتغافل عن كثير من الظواهر اللغوية، التي تؤسس للغة العلم والأدب، ولعل الذي أشرنا إليه سابقا من ظواهر التشكيل اللفظي في بناء صرح اللغة، كاف للرد على عدمية هذه الدعوات، وبنظرة محايدة لا نرى أن هناك أفضلية للغة على أخرى، غير أن الإشكال المطروح هو إشكال الازدواج اللغوي؟ نقول: لا يمكن اعتبار الازدواج اللغوي بالنسبة للفرد إلا إذا كان يتكلم من صرحين لغويين متباينين، ويـجيد النسيج الصوتي، والتشكيلين المقطعي واللفظي من كلا اللغتين. أما أن يكون المتكلم يتكلم من صرح لغة واحدة بلسان عامي أو فصيح فلا يعتبر في نظرنا مزدوج لغة، لقد قال أحد الدارسين الأمريكيين المعاصرين: إن اللغة العامية العربية عاشت جنبا إلى جنب مع الفصحى عبر العصور، وان الشعراء العرب هم من كان يتميز عن عامتهم بلغة مصقولة وفنية ما يسمى الفصاحة والبيان. إذن، فإن أمر التمييز بين عامية وفصحى قد حسم، وما العودة إليه وإثارته من جديد إلا تلهية واجترارا. لا يعود إليه إلا المبطلون.

فإذا أحس العربي ثقلا في لغته الفصحى في زمنه هذا، فليعلم. أن الثقل ليس في لغته، وإنما الثقل الذي يعاني منه هو ثقل قريحته وثقل عزيمته التي تبلدت إلى حد أنه ينهش في ذروته بأنيابه وأسنانه، بدل أن يواجه عالمه بما يتطلبه منه من الاقتدار على المنافسة والإبداع، إن الإنسان الذي جبل على التلكم، يتكلم بلسان طليق وصريح منذ الصغر، وبمجرد ما يكتسب القدرة على التشكيل المقطعي واللفظي، وبمجرد ما يميز بين  وحدات اللغة من ذات وإجراء وأداة، كما أسلفنا القول في ذلك؛ فلا يختلط عليه لفظ (آكل) كإجراء يقوم به، ولا لفظ (خبز) كدات لمادة عضوية بين يديه، ولا لفظ (لماذا؟) كأداة للاستفهام، ولا لفظ (آه)؛ كأداة للإقرار، ولا لفظ (لا) كأداة للنفي، ولا لفظ (نعم) كأداة للتصديق، ولا لفظ (يا) كأداة للنداء، ولا لفظ (واي) كأداة للتأوه والتوجع.

نحن إذن أمام واقع لغوي تام المعالم ومكتمل حين نحصي لغة الطفل ونفسرها تفسيرا صحيحا، ما يجعلنا مشدوهين أمام هذه القدرة. قدرة يصاحبها فعل فكر حاضر، إنها جبلة وهندسة خلق لا تضاها.

إنني في هذا المجال تتبعت وأحصيت هذه القدرة في تكلم حفيدتي (هاجر) بمساعدة والديها وهي تنطلق في فعل التكلم. مع بداية شهرها الثالث والعشرين من عمرها الزمني: أعرضه هنا على الشكل التالي:


تكلم الصبية بالعامي معناه بالفصيح ظواهر فعل التكلم
(أ)فين مش بابا؟

علاش؟

فين امشات واوا؟

أين ذهب أبي؟

لماذا؟

أين ذهبت مروة؟

استعمال أداة الاستفهام (فين؟) يعني (أين؟) أداة الاستفهام في الصدارة.

استعمال أداة الاستفهام (علاش؟) يعني (لماذا؟)

استعمال أداة استفهام/ ثم استعمال ضمير الغائب في كل من الإجراءين (ذهب بابا/ ذهبت مروة).

مع ملاحظة امتداد ظاهرة النسيج الصوتي في لفظ (واوا) تعني (مروة)

(ب)واش طيبتنا؟ ماذا تطهين لنا؟ استعمال أداة الاستفهام (واش؟) تعني (ماذا) استعمال إجراء مقرون بضمير المتكلمين (طيبتنا) (نا) يعني ضمير المتكلمين.

استعمال إجراء مقرون بضمير المخاطبة (طيبت) (التاء) للمخاطبة المفدرة.

استعمال ظاهرة التشكيل اللفظي.

اللفظ المفرد. كتلة منطوقة. (طيبتنا).

(ج)أعطيني كاكو يا ماما

ياك! ياك!

عفاك! عفاك!

اعطيني كعكة يا ماما

عافاك!

استعمال إجراء طلب مقرون بضمير المتكلم (اعطيني) (ياء المتكلم).

استعمال أداة النداء (يا) استعمال ظاهرة التشكيل اللفظي اللفظ المفرد. كتلة منطوقة (اعطيني) إجراء مقرون بضميرين: المتكلم والمخاطب.

ملاحظة امتداد ظاهرة النسيج الصوتي (كاكو) يعني (كاطو) (كعكة)

استعمال الإلحاح والتأكيد اللفظي. ياك، ياك.

استعمال الدعاء والتأكيد اللفظي عفاك، عفاك.

استعمال اللفظ المفرد مقرونا بضمير المخاطبة (الكاف) كتلة منطوقة. (عافاك)

(د)بسِّ لي كاتي فيسع

ماما نصلي معك

إلبسي لي معطفي بسرعة.

ماما أصلي معك

استعمال طلب إجراء مقرون بضمير المخاطبة (الياء). (البسي).

استعمال أداة الملكية (المضاف) (اللام) مقرونة بضمير المتكلم (الياء) (لي).

استعمال طلب إجراء مقرونا بأداة وزمان (فيسع) يعني (بسرعة).

استعمال طلب إجراء مقرونا بأداة المعية (مع) وضمير المخاطبة (الكاف) (معك).

الاستنتاج:

مما تقدم نستنتج النتائج الآتية:

- لغة الأم أو الأحرى لسانها هو الذي ينشأ عليه أطفالها.

- دور الأم في التنشئة اللسنية للأطفال دور رئيس.

- الأم التي لا تكلم وليدها ترتكب في حقه ظلما شنيعا.

- مرحلة الطفولة المبكرة مرحلة حاسمة في اكتساب لغة اللسان.

- اللسان أو التكلم ذو طابع تكاملي؛ اللفظ والأداة يكتسبان في صورة تكاملية عن طريق التلفظ والتكلم.

- لسان الطفل لسان طلب وليس لسان إخبار بمعنى أنه لسان استيضاح واستفسار. لالسان إخبار أو حكي.

- الأصوات المقطعية هي ما يقرر صورة اللفظ بين ما يسمى الفصيح أو العامي (الخبز/ الكومير).

- لسان الطفل لسان مدركات وليس لسان مفاهيم، تنتقل المدركات إليه عبر التلفظ كما يسمعه من الكبار.

- دور الأم في التنشئة اللسانية يمكن أن تضطلع به الحاضنة أو المربية عوضا للأم/ بإمكان الحاضنة أو المربية أن تطور لسان الطفل، من العامي إلى الفصيح؛ إذا خلصت نوايا الجميع لمثل هذا العمل، ومن هنا تأتي أهمية مؤسسات الحضانة ورياض الأطفال، فلا ينبغي أن تكونا خارج الرقابة ولا دون برامج مدروسة.

- المسؤولية على هذه المؤسسات، واجب من واجبات الدولة، لامن واجبات المنظمات، ولا من واجبات الجمعيات، ولا من واجبات الأفراد.

- إعداد برامج هذه المؤسسات من مهمات المختصين؛ في دولة واعية بأهمية التنشئة اللسانية لأجيالها في المستقبل.

كل هذا الذي تقدم؛ يهم التلقي والاكتساب ، لأن الإنسان الذي نشأ على لسان ما، فإن هذا اللسان يبقى مصاحبا له مهما بلغ به العمر.

لاحظ في ما يلي شيخا في السبعين من عمره، وهو رجل أعمال وعقار، يتكلم مع مستمعيه بلسان عامي ويقول:

«هذا التجارب الّي أنعاودها ليكم، أنا خسرت عليها لفلوس، والصبر. والهمْ. أنا كنعاودها ليكم باطل، سمعوها، ربما تلقاو بحالها واتسلكوها بلا خسارة عليكم».

ويمكن تقريب التكلمة هذه بالفصيح كالتالي:

«تجاربي التي أحدثكم عنها قد كلفتني تكاليف مالية ومعاناة نفسية، وصبرا وأناة، وها أناذا أحكيها لكم بالمجان، فقد تصادفكم مشاكل مثلها فتخرجون منها بأقل الخسائر».

نستنتج من هذا النص (التكلمي) ما يلي:

- أن جبلة التشكيل اللفظي جبلة واضحة المعالم لدى أي إنسان، وبأي لسان.

- أن المفاهيم هي أهم ما تحمله الألفاظ.

- أن الألفاظ تـختلف بين لسان ولسان بينما تبقى المفاهيم واحدة.

- أن المتكلم دائما يتبع في تلفظه خط التشكيل؛ لا خط التركيب، وخط التكلم، لاخط اللغة. (ونعني بخط اللغة، اعتبار الجملة صغرى أو كبرى معربة أو غير معربة).

(ونعني بخط التلكم التتابع والتسلسل في سلسلة لفظية متماسكة).

(ونعني بخط التشكيل اختيار الألفاظ كما نعني بخط التركيب، اعتبار ما يسمى الجملة العربية من فعل وفاعل ومفعول به).

- أن التركيب ذو طابع بنيوي. وأن التشكيل ذو طابع مفهومي.

- أن اللسان تكاملي ظاهر في ما ينطق به وواضح في لسان الأطفال كما تقدم في تكلم الصبية التي قدمناها سابقا وواضح في لسان الكبار كما هو في تكلم هذا الشيخ الذي قدمناه أخيرا سواء بسواء18.

- أن ما ينطبق في هذه الحال على اللغتين؛ عامية وفصحى ينطبق تمام الانطباق على سائر اللغات ( وحدة المفاهيم واختلاف الألفاظ).

الملف الثالث:لغة المفهوم والمعنى[عدل]

أولا: سؤال الماهية[عدل]

ماهية اللغة؟ سؤال ما زال الإنسان يبحث له عن جواب، وكلما استأنس الإنسان بجواب؛ كلما برز من بين الممارسة الفعلية واليومية للغة سؤال آخر أكثر إحراجا، وأكثر إشكالا؛ في البحث عن ماهية اللغة؟ بحث في المنطق، وبحث في المعنى، وبحث في التغيّر، وبحث في التعدد، وبحث في الرموز، وبحث في الوظيفة، وبحث في البنية والتركيب، وبـحث في الدلالة، وبحث في الاكتساب والتعلم؛ وما إلى ذلك، بحوث شتى؛ مواضيعها اللغة، بحوث أشبه بالمنعرجات، التي لا تنتهي، فكيف إذن يمكن تحديد الماهية لشيء يصعب حصره؟ مبتداه وامتداده، ومنتهاه؟! والمتفرع إلى مواضيع شتى كالتي تقدمت؟

إن البحث في ماهية اللغة، هو السؤال؛ السؤال الذي صاحب الإنسان منذ نشأ على النطق والتكلم، وقد بقي قائما مادام هذا الإنسان يفكر، ولا يفكر إلا باللغة وفي إطارها، فلا غرو إذن إن بقي يتطلع إلى جواب شاف ونهائي، يقدم له اللغة في صورتها الحقيقية، ومادتها العضوية؟ إن البحث في ماهية اللغة، من المواضيع الشائكة فلسفيا وعلميا. الباحث فيه لا يعدو أن يكون في أحد إلاتجاهين: الاتجاه الأول: اتجاه تنظيري فلسفي، مع الإشارة إلى أن هذا الاتجاه كاد يستنفذ ما في جعبته من الآراء إن لم يكن قد استنفذها بالفعل بعد القول: "إن اللغة ألفاظ تواضع الناس على استعمالها فيما بينهم"[i]

الاتجاه الثاني: اتجاه لسني يفيد (بأن اللغة أصوات يعبر بها الإنسان عن حاجاته). وبين هؤلاء وأولئك. يطرح السؤال التالي: هل يمكن اعتبار اللغة مادة، وإلى أي حد يصدق عليها هذا الاعتبار؟!

أليست المادة هي ما يشغل حيزا من الفراغ؟! كم من المادة اللغوية يمكن أن يشغل حيزا فارغا سعته سنتيمترا مكعبا واحدا؟!

سؤال يبدو واضحا والجواب عنه أوضح. أليست أنواع المادة مصنفة إلى مواد صلبة، وأخرى سائلة، وثالثة غازية، ففي أي منها توجد اللغة؟!

قد يقول قائل جوابا عن سؤال سابق: هناك أقراص ممغنطة بالإمكان أن تسع آلاف الصفحات اللغوية في حيز مكاني أقل من الحيز الذي افترضته.

أقول: نعم، لكن في نفس الوقت أقول: هل في هذا ما يدل على مادية اللغة؟ّ أو ما يبرهن عليه؟!

بإمكان المرء أن يسمع لغة، وبإمكانه أن يرى لغة مكتوبة، كما بإمكانه أن يقرأ كتابة لغوية، غير أنه لا، ولن، يلمس لغة كمادة صلبة، أو سائلة، أو غازية.

وبعد هذا التوضيح ليس بالوسع والحالة هذه إلا الرجوع إلى تصنيف المادة، لتصنيفها من جديد، وذلك بإضافة صنف جديد إلى أصنافها الثلاثة السابقة، ألا وهي المادة الصوتية.

إنها المادة التي فرضت ذاتها بعد الكشف عن المكونات الجزئية الصغرى للمادة، بالشكل والصورة التالية:

- الذرة: جزئية صغرى للمادة الصلبة.

- الجينوم: جزئية صغرى للمادة العضوية.

- الإلكترون: جزئية صغرى للمادة الكهرومغناطيسية.

- الفونيم: جزئية صغرى للمادة الصوتية؟!

إن هذا الكشف الجزئي للمادة لم يعد معه مجال للتشكيك في مادية الصوت، وبالتالي التشكيك في مادية اللغة:

فهي مادة قابلة للتفكيك (فونيم، مرفيم، لفظ)

وهي مادة قابلة للتشكيل (نسج صوتي، تشكيل مقطعي، تركيب لفظي، تأليف جملي).

ثم إنها:

- مادة قابلة للتحويل (ترجمة).

- مادة قابلة للتداول (تواصل).

- مادة قابلة للتناول (تعلم واكتساب).

- مادة قابلة للانضغاط (قرص ممغنط).

- مادة قابلة للانتشار (رجع الصدى).

سواء سلمنا بمادية اللغة أم لا. فهي تبقى حاضرة ومتميزة، وموجودة بالفعل، وتتحدانا، ونحن نجتهد لندرك ماهيتها على حقيقتها؟.

لقد أصبح مطلوبا منا أن نتعرف هذه الحقيقة، لأنها جزء من كينونتنا، ودليل على وجودنا، ورابط يربطنا بالحياة.

إن ماهية اللغة ليست بالماهية الهلامية. تتمنع على التناول وتستعصي على الاستعمال. فما هي إلا الصوت الذي نسمعه، وأن الصوت إذا استعصى على التلمس؛ فلا يستعصي على الإدراك، وما وجود حاسة السمع فينا؛ سوى دليل على أن اللغة تقع تحت الحس.

ثانيا: سؤال التكوين.[عدل]

كيف تجسدت اللغة وصارت مادة قابلة للتداول؟ إن البحث في هذا الأمر يستوجب استنطاق الأثر اللغوي نفسه، كما هو في تواجده؛ طبيعته وخصائصه، مكوناته العضوية، التي جعلت منه كيانا قائما مسموعا ومرئيا.

إنه بالعودة إلى ما بين الصوت واللغة من  اتصال يكون الفصل بينهما من اقتضاء المنهج التحليلي للقضايا؛ ذلك المنهج الذي يفك المشكل من تشكيله ويحرر المدمج من اندماجه، بحيث يتضح كل عنصر على طبيعته، فما اللغة سوى من تركيب لفظي، وما الصوت سوى من تشكيل مقطعي، ما يعني أننا أمام مجسد لغوي يشكل تشكيلا اندماجيا، من مقطع ولفظ، يعبر به عن مفهوم ذات، أو إجراء، أو أداة.

وحتى نتمكن من تقريب هذا التجسيد بوضوح، دعنا نسوق الآية الكريمة من كتاب الله العزيز؛ ذات الصلة بالموضوع. ومنها ننطلق إلى الكشف عن كيف تجسدت اللغة، أو بعبارة أخرى؛ من الذي جسد اللغة؟ ومن الذي أسسها؟

قال الله تعالى: ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك، ونقدس لك؟! قال: إني أعلم مالا تعلمون، وعلم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة فقالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال: ألم أقل لكم إنني أعلم غيب السماوات والأرض، وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾ (سورة البقرة: 30-33).

يهمنا من هذه الآية الكريمة أمران هما:

الأول: القضية كما طُرحت: ﴿علم آدم الأسماء كلها﴾.

الثاني: النتيجة كما تحققت: ﴿قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال: ألم أقل لكم إنني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾.

إن القضية ﴿علم آدم الأسماء كلها﴾ في رأينا أنه علمه كيفية تشكيل الألفاظ، وليس ألفاظا بعينها؛ والأسماء من بينها، وهو ما يعني أن آدم الإنسان، ومن نسل من نسله، كيفما يكن من أمر أو شيء مستحدث، يصبح بمقدوره أن يشكل لفظا خاصا بهذا الأمر أو هذا الشيء.

أما النتيجة في رأينا كذلك، فهي في استحضار الأسماء في الوقت الذي لم تكن فيه لغة سابقة –اللا لغة بالمعنى المطلق- والذي استطاع فيه آدم الإنسان، أن يشكل أسماء لذوات ماثلة أمامه، فقال لواحدة من تلك الذوات (هذا ملاك). ثم قال للأخرى، (هذا شيطان). فصار الأمر كما قال، ولو أنه سمى أسماء غيرها لنفس الذاتين لصح الأمر.

ويعني هذا بكل وضوح، أن آدم أمام الله والملائكة، برهن على فعالية التشكيل اللفظي التي جبل عليها، من غير تردد، ثم إنه أنتج التلفظ الذي لم تكن له صورة شكلية إلى ذلك الحين، إنه في رأينا ما يمثل الانطلاقة الأولى للغة والتكلم، ولقد صار اليوم بالإمكان ترصد هذه الجبلة في الإنسان عبر الأزمنة التي مر بها حتى يومنا هذا.

فمن خصائص اللغة –أية لغة- نذكر ما يلي:

أولا: ليس هناك كما عدديا أو حصريا للألفاظ.

ثانيا: ليس هناك استباقا لمسميات لم تستحدث بعد.

ثالثا: هناك ما يمكن أن يرجع إلى عمل الإنجاز، فيه ما هو فصيح وبيّن، وفيه ما هو غامض وهدرمة.

رابعا: هناك جبلة التشكيل ظاهرة المعالم لدى كل إنسان، ولدى كل الأجيال، فأجدادنا على سبيل المثال، شكلوا ألفاظا ميزوا بها عضوا من عضو. فقالوا: (كوع/بوع). وشكلوا ألفاظا ميزوا بها موقفا من موقف، فقالوا: (مقبول/مرفوض)، وفي حاضرنا نميز علما من علم ونقول: (فيزياء/ كيمياء)، وألفاظا نميز بها حقيقة من حقيقة ونقول (شفرة/إيقونة).

خامسا: ليس بالإمكان إرجاع لفظ ما إلى من شكله أول مرة، فظاهرة التشكيل اللفظي جبلة إنسانية عامة.

سادسا: أنشئت القواميس والمعاجم في اللغات الكتابية حفاظا على الموروث اللفظي الإنساني من الضياع، وهو في نمو مطرد أنشئت لأجله موسوعات في كل المجالات.

سابعا: غنى اللغة في غنى معجمها اللفظي واتساعه، وفقرها في ضيقه وانحصاره.

ثامنا: إن لغة ما يعبر فيها عن مستحدث واحد بألفاظ عديدة؛ لغة لا تـخلو من الحشو، وسوء في الإنجاز19.

أخيرا نقول: إن التشكيل اللفظي لا يتم اعتباطا.

فلا يخلو اللفظ من شحنات مفهومية، هي من فعل الفكر، تضفي على اللفظ المشكل، أحقية التداول.

ولتوضيح هذا الأمر ندعو القارئ الكريم أن يتتبع معنا ما يحمله لفظ (أتوماتيك) من شحنات مفهومية شكل على أساسها. وفق تكتك اعتمد فيه واضعه على مفاهيم علمية سابقة، تـخص السير والحركة؛ هذا بيانها:

أولا: هناك علاقة مفهوم بين السير والسيارة (أوطو).

ثانيا: هناك قاعدة رقمية تنظم السير اعتمادا على العد التنازلي، تـحيـّن لحظة الانطلاق؛ على الشكل التالي:


ثالثا: الصفر بداية مباشرة السير، ليس قبلها ولا بعدها.

رابعا: صار لفظ (أوتوماتيك) لفظا يميز نوعا من الحركة الآلية منضبطة بنقطة البداية، وبهذا أخذ هذا اللفظ أحقية التداول في المجال الميكانيكي.

وهكذا يتضح أن التشكيل اللفظي ليس تشكيلا اعتباطيا بل يؤسس على مفاهيم، بمثابة تموجات صوتية، تعمل في الفكر عملها بأسرع مما نتصوره، تتجمع في النهاية في اللفظ المشكل؛ وتتحول إلى بؤرة إدراك خارجي.

ثالثا: سؤال وحدة المفاهيم واختلاف الألفاظ[عدل]

ليس هناك شك في أن اللغات تتعايش فيما بينها؛ تعايشا فيه الوحدة في المفاهيم، وفيه الاختلاف في الألفاظ، فعلى سبيل المثال نجد مسميات للحركة في كل اللغات تعبر عن المشي أو الجري أو السير أو الطيران وهي في كل اللغات مفاهيم بالتواضع، لكن لكل لغة ألفاظ خاصة بكل حركة من هذه الحركات.

ما يعني أن اللغات مهما تعددت تتقارب بالمفاهيم فيما بينها، وتتباعد عن بعضها البعض بالأفاظ، ونستخلص من هذا أن التعدد اللغوي لساني لفظي لا غير، ولكل قوم لسانهم وألفاظهم، يعبرون بها عن أي مفهوم، ومن مثل ذلك. لفظ (أتوماتيك) الذي سبق الحديث عنه.

إن من لا يدرك الاختلافات في الألفاظ بين لسان وآخر، لا يدرك بالتالي الفجوة الفارقة بين قوم وقوم، وعلى آية حال. سوف نبقى في حدود لفظ (أتوماتيك) ونسأل عما إذا كان من الممكن إدراجه ضمن ألفاظ معجم اللغة العربية أولا؟

فالملاحظ هو أن تداوله في اللسان العربي يتم بالفعل من غير تحوير أو تدوير، ويُتتداول بشكل غير سليم، فيقولون:

- حركة أوتوماتيكية.

- إقلاع أوتوماتيكي.

- آلية أوتوماتيكية.

غير مدركين ولا عابئين بأن الحركة والإقلاع والآلية والتلقائية في اللغة العربية في مقابل (أوتوماتيك) وهم في هذا كمن يشرح الماء بالماء، وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على الخلط في الاستعمال وازدواجية غير متكافئة بين لفظ عربي وآخر عجمي، اِلتبس فيه المفهوم لدى الطرف العربي الجاهل بلغته، ومع هذا قد نصادف عربيا، لا يصدق بأن لفظ (الإقلاع) مثلا يقابل مفهوم (أوتوماتيك) مفهوما ومعنى؛ وقد يصر على التخلي عنه والإمساك بالآخر.

إن هذا هو ما يمثل بحق (الصواب المهجور) في لغة العرب الحاليين. ولهذه الاعتبارات، فإن إدراج هذا اللفظ ضمن ألفاظ المعجم العربي إدراج تعسفي وغير ممكن. لهذه الأسباب كلها.

لقد سقت مع لفظ (أوتوماتيك) لفظا آخر هو لفظ (تَكْتِكْ) وهو لفظ يعبَّر به عن بيان إجراء متدرج لا يتم دفعة واحدة، كما سبق شرح ذلك عند الحديث عن (ظاهرة التعاقب).

أقول إن إدراج هذا اللفظ في المعجم العربي ممكن، مادام قد توفر فيه شرط التعاقب في التشكيل المقطعي بالإضافة إلى أن هذا اللفظ ورد في اللسان العربي حيث يقال: (تكتك الفرس) بمعنى مشى وكأنه يطأ على شوك أو نار (المعجم الوسيط). ولك أيها القارئ الكريم أن تقرأ معي هذا النص المترجم: (...قشرت نانا البرتقالة بسرعة وفاعلية بسكين الفاكهة التي جلبتها معها، أخذت ما رياما، من دون قول كلمة، قطعة البرتقال ومدت يدها بأتوماتيكية للتي بعدها فقضت على البرتقالتين).

كريستـن تورب. رواية (إله الصدفة) ترجمة (أ.دنى غالي) إبداعات عالمية العدد 396 أغسطس 2013 صفحة 53 والسؤال المطروح: ألا يكون اللفظ (تلقائيا) عوض (أوتوماتيكيا) هو اللفظ العربي الأصح والأفصح في هذا المقام؟ّ! فلماذا التمادي في هجرة الصواب وتهجين اللسان العربي من أبناء العرب ومثقفيهم أنفسهم؟!

رابعا: سؤال التركيب والتشكيل: هل يتعارضان؟[عدل]

إن التشكيل اللفظي لا يتعارض مع التركيب أو البنية المادية للفظ، وإنما يتقدمه وسابق عليه، حيث التفكير في الشيء سابق على البوح به، ولكل منهما خصائصه وضوابطه، ومواقع تطبيقاته، فالمفكر فيه داخلي والمركب أو المبني أو المعبر عنه خارجي.

إن الألفاظ، هي الأرضية، وهي الأساس، عليها تقوم اللغة، وإليها تعود، وعليها تبنى المعارف، إنها المادة البانية، وهي الصورة الشكلية المادية للغة.

خذ على سبيل المثال لفظ (إنسان). فالإنسان كائن حي ممثل في الخارج في صورة ذات، وخذ كذلك لفظ (دراما) حيث الدراما تمثل إجرائيا في الخارج وعلى خشبة المسرح، فالألفاظ هذه تحيل إلى أشياء تتموقع في المكان والزمان لا تحيل إلى أشياء تتموقع في الأذهان. ما يؤكد أن المفاهيم التي تقدمها الألفاظ لها صور مجسدة وممثلة في الخارج، وبعبارة أوضح فإن الأذهان ليست خزانا تكدس فيها الألفاظ. إن الألفاظ بهذه الصورة تمثل بؤرا ونقطا خارجية يلتقي عندها المتكلم والمستمع، حيث يفهم الواحد منهما الآخر، ولو كانت اللغة غير هذا، ما استطاع الواحد منا أن يفهم الآخر، ولكانت لكل واحد منا لغة داخلية، لا يفهمها إلا هو. ألا ترى أنك لا تعلم ما يدور في خلد مخاطبك حتى ينطق؛ فإذا نطق أحالك على شيء مدرك ومفهوم كما هو في مجرى الحياة، حيث إن الحياة مجموعة من ذوات وحيث إنها مجموعة من الإجراءات، ولا يوجد فيها سوى ذلك، مهما حاول الإنسان أن يخمن أو أن يتكهن.

إن طبيعة التشكيل المقطعي للفظ طبيعية بنيوية مركبة، لكن طبيعة المفهوم صوتية بالأساس، فهي ما يحدث في الفكر تموجات، تؤدي بها إلى درجة الاستحسان، أو الاستهجان، وإلى درجة التمثل أو عدم التمثل؛ وقد يحدث هذا الأمر  بوضوح في حالة الاستماع إلى لغة أجنبية مجهولة، أو في حالة الاستماع إلى تركيب هراء يفتقر إلى المفاهيم، حتى وإن كان يسمع في صورة منطوق صوتي، إن اللفظ المفرد، هو حامل المفهوم، وقد يتوقف عليه مفهوم الكلية المركبة، ولو كانت من عدة ألفاظ، ولك في التركيب التالي خير مثال:

(ومن لم يذق ذل التعلم ساعة  **  عاش أبد الدهر في ذل الجاهل)

اللفظ الذي يحيلك إلى معنى هذا التركيب هو مفهوم (الذل) هذا المفهوم يحدث في فكرك تموجات الصدى الصوتي الذي يحيلك إلى ما في الحياة من أحوال وأطوار.

إن الازدواج الذي يندمج فيه التركيب والتشكيل يستوجب التمييز بين مفهوم اللفظ ومعناه.

حيث إن معنى اللفظ في التعريف به أو التنظير له، ومفهومه محصور في حد اللفظ وحده. ولك المثال في لفظ (الصلاة). حيث إن مفهوم الصلاة إجراء يمثل في الخارج، أوبصورة أخرى. فلا هي: زكاة ولا هي صيام. أما معناها ففي التعريف بها أو في التنظير لها مسبوقة بالنية متلوة بتكبرة الإحرام، فقراءة قرآن، فركوع، فسجود فتحية فسلام.

خذ كذلك لفظ (إنسان) على أنه كائن حي، أو أنه جنس بشري. أو أنه كائن عاقل، أو ناطق، أو صانع الأدوات، فالأمر في هذا الحال أمر معنى، وكونه ذات طبيعية بخصائص تميزها. فهذا الحال حال مفهوم.

ومن هذين المثالين نخلص إلى القول:

- إن المفاهيم محصورة، وإن المعاني مطلقة.

- إن المفاهيم ثابتة وإن المعاني متغيرة.

- إن المفاهيم مفردة، وإن المعاني مركبة.

فحين نتقصى طبيعة اللفظ نجد أنفسنا في مواجهة المعنى جنبا إلى جنب مع المفهوم في مكون واحد هو اللفظ. فاللفظ في جوهره وحدة لغوية لا تـخلو من مفهوم وفي ذات الوقت لا تـخلو من معنى، حيث إن اللفظ هو صورة للمفهوم، وحيث إن المفهوم صورة للمعنى فلا نجد مفهوما ما خارج اللفظ، ولا نجد معنى ما خارج المفهوم.

ولعل اللوحة الآتية توضح هذا الازدواج في لفظين مختلفين. متقاربين (الربا) و(الفائدة).


الربا

تعريف (المعجم الوسيط) تعريف (المؤلف)
الربا: (في علم الاقتصاد) المبلغ يؤديه المقترض زيادة على ما اقترض تبعا لشروط خاصة الربا: زيادة جزافية في رأس مال يؤديها المدان به إلى الدائن في أجل يتفقان عليه
المفهوم: مفهوم الربا ممثل

إجرائيا في سوق المال.

المعنى:معنى الربا مفصل                  

في التعريفين أعلاه.  

الفائدة

تعريف (المعجم الوسيط) تعريف (المؤلف)
الفائدة: ربح المال في

زمن محدد بسعر محدد

الفائدة: نسبة مئوية

مسعرة تؤدى زيادة على رأس مال مقترض من بنك أو مودع فيه لزمن محدد

المفهوم: مفهوم الفائدة

ممثل إجرائيا في سوق

المال

المعنى: معنى الفائدة مفصل       

في التعريفين أعلاه.

بالمقارنة بين الربا والفائدة مفهوما ومعنى نلاحظ:

- المفهوم إفراد                - المعنى تعدد

- المفهوم يُشكل               - المعنى يُركب

- المفهوم يَثبت                - المعنى يَتغير

- لمفهوم يُحصر              - المعنى يُوسّع

- اللفظ مرجع المفهوم - المفهوم مرجع المعنى

وبالمقارنة أيضا نلاحظ أن:

- مفهوم الربا يُقارب مفهوم الفائدة معنى لا لفظا.

- الربا مفهوم مشكل لمستحدث سابق.

- الفائدة مفهوم مشكل لمستحدث مستجد ولاحق.

والنتجية المستخلصة من المثالين هي:

- كون المفهوم والمعنى مختلفين وإن كانا متلاحمين في لفظ واحد.

- كون اللفظ اللاحق لا يمحو لفظا سابقا عليه حتى وإن تقاربت المعاني بينهما20.

- كون المفاهيم تتطور وتجدد في كل اللغات.

خامسا: سؤال الإنجاز: إلى أي حد يكون الإنجاز اللغوي مناسبا أوغير مناسب؟[عدل]

لحد ما قدمناه حتى الآن، نستيقن أن الإنسان جبل على التحكم في لغته كمادة مرنة، يتصرف فيها كيف يشاء، تشكيلا وتركيبا، ويبقى التفاوت في قوة الإنجاز وضعفه كخاصية من طبائع الأفراد ومؤهلاتهم الشخصية الذاتية، فكرا وثقافة، متعلما وغير متعلم، والأمثلة الآتية توضح أوجه التفاوت والاختلاف في المنجز اللغوي بين فرد وآخر.

تقول الشاعرة: ماريتا تسفيتاييفا:

"هو ذا ظل، وأما أنا فلست موجودة".

"أنا ظل لأحد ما".

"أنا نفسي ظل، ظل".

_موضوع _(كبرياء جريح) عن الشاعرة الروسية ماريتا تسفيتاييفا للكاتب: على شاوش (مجلة دبي الثقافية العدد 100 سبتمبر 2013، ص: 77).

أقول: إن مفهوم الظل هو "ذات ترى وليست بشيء".

وحينما تطلق الشاعرة على ذاتها (أنا ظل) مجازا لا يفقد هذا اللفظ مفهومه كبيان ذات ترى وليست بشيء، وكأننا بها تقول: أنا ذات ترى وليست بشيء. فهي تغيب ذاتها تعييبا مطلقا، وعند هذه النقطة نلتقي معها، ونفهم منها ما تقصده، لأنها تحيلنا إلى ما يمثل في الخارج في صورة ذات، وإجراء في آن، وتتضمن هذه الإحالة تموجات صوتية مدركة ومفهومة، تفعل فعلها في أفكارنا (تغيب الذات). ولأجل هذا فنحن نتعاطف وإياها، من غير أن نتوسل بقارئ آخر يدلنا إلى قصدها.

وكمثال آخر: يقول الشاعر أدنيس

«تعلم كيف تقرأ الظل، لكي تعرف كيف تكتب الشمس» نفس المرجع أعلاه. لاحظ جيدا لفظي (تقرأ) و(تكتب) شكلا لبيان إجراء.

وقد أفُرغا من هذا المفهوم، حتى وإن وُظفا مجازا في تركيب مراوغ نتج عنه ما يلي:

-الانحراف عن نقطة التلاقي بين الكاتب والقارئ، وهيهات أن يلتقيا عند نقطة مفهوم مشترك، لما يقصده الشاعر. وفي هذا خسارة للجانبين لا ينكرها إلا من أراد أن ينفرد برأيه، أو من أراد أن يحمّل الألفاظ مالا تحمله، من المعاني المدركة والمفهومة.

إن المسألة هنا لا تتعلق بإطلاق اللفظ على الحقيقة أو على المجاز، بقدر ما تتعلق بوضوح القصد وبيان المراد. وإبلاغ الرسالة، وحصول التعاطف.

ولك مثال آخر: فيما اصطلح عليه بالتفكيكية، ما إذا كان هذا اللفظ (المصطلح) يعبر عن مفهوم مقابل للمصطلح Déconstruction الفرنسي أم لا؟           

         

إن قارئا ناقداً موضوعيا ومحايدا لا يفته ما بين المفهومين البيانيين الإجرائيين من خلاف جوهري يتمثل في الحلقة المفرغة التي في لفظ التفكيك، حيث إن مفهوم الفك لا يخلو من الهدم، غير أن مفهوم البناء فيه غائب، فكيف تكون التفكيكية معبرة عن مفهومين متضادين هما البناء والهدم في آن كما هو الأمر في اللفظ الفرنسي؟ لقد جاء الجواب سريعا من الدكتور فريد أمعضشو[i]:

(مجلة الآزمنة الحديثة ص: 213 العدد 6-7 صيف خريف 2013) فقد تعرض لإشكالية ترجمة هذا المصطلح والذي قال فيه: (إن كثيرا من النقاد العرب في اختلاف واضح حول ترجمة هذا المصطلح.

وفي نفس الوقت يذكر بعض هؤلاء والترجمة التي رآها كل منهم وارتضاها، اقترحها أو استعملها:

التشريحية – عبدالله محمد الغدامي

التفكيكية – عزت محمد جاد

اللابناء – شكري عزيز ماضي

النقض – عابد خز ندار

الهد بناء – السعيد بوطاجين

الانزلاقية – عبدالوهاب لمسيري.

التقويض – عبدالمالك مرتاض

ثم يختم مقاله هذا بقول الناقد السعودي سعد عبد الرحمن البازعي إذ يقول: المفترض هنا أن عبارة (تفكيك) هي المقابل الدقيق لكلمة (Deconstruction)   ولكنها ليست كذلك، فبما أن الكلمة الأجنبية تعني نقض البناء أو هدمه (أي اللابنائية) فلعل عبارة (التقويضية) هي الأدق، ولكننا سنستمر مع ذلك في استخدام عبارة (تفكيكية) لشيوعها على أن يفهم المقصود الاصطلاحي بها). (انتهى)

من جانبي ومن رأيي أن نترك هذا الأمر كما رآه نقادنا المحترمين، نـزولا لشيوعه وتداوله، غير أن هذا لا يمنع من أن نواصل البحث فيما أسميناه التشكيل اللفظي، وهو غير الترجمة، وقد سبق لي أن قلت إن التشكيل اللفظي استدعته المستجدات المستحدثة في الميادين المعرفية؛ من علمية وأدبية وفنية، وتكنولوجية وميكانيكية، وتاريخية وفلسفية وتربوية، واجتماعية وسياسية واقتصادية وصناعية، ففي هذه الميادين تستحدث أشياء وقضايا، لم تكن إلى حد قريب معلومة، ففي هذه الميادين تستجد كل يوم مستجدات كثيرة، نظرا لحركية التطور التي تدفع بها نحو الأمام، ومن المفروض أن تسايرها اللغة بألفاظ بيان، تكون هي ذاتها مستجدة ومستحدثة تواكب هذا التطور، ما سيجعل قاموس اللغة غير جامد، تضخ فيه ألفاظ جديدة إلى حد ما، حيث اللغة تتطور من هذا الجانب، وإلا حوكمت بالعقم والانغلاق.

أقول: إن المصطلح الفرنسي Déconstruction بيان إجراء يعني مواكبة الهدم للبناء، أو ما سماه جاك دريدا نفسه (تصدع الكل)21.

تذكرت مثلا كنا نتداوله في أحادثينا العامة، نصف به كل شـخص يعمل عملا ثم ينقضه، أو يقول قولا ولا يصدقه، أو يقدم وعدا ويخلفه، أو يصاحب شـخصا ولا يوفي له، أو يبيع بيعا ثم يتراجع عنه، أو يشتري حاجة ثم يبدلها أو يردها.

كنا نقول عن شخص كهذا: (ما صو مغنية، يبني في الصباح ويهدم في لعشيا).

(ماصو) تعني البنّاء.

(مغنية) قرية حدودية بين المغرب والجزائر.

فالبناء هذا، لا يبني إلاّ ليهدم دواليك بين صباح ومساء. إنها فلسفة التقويض بحذافرها، كما سماها جاك دريدا. أقول: إن هذه الحثيات المقدمة للمصطلح هي شحنات مفهومية، لها مفعول الإثارة في فكر الإنسان العربي، وعليه فإن مصطلح "البناء مغنية" في نظري هو المصطلح المقابل للمصطلح الفرنسي آنف الذكر مفهوما ومعنى (حيث المعنى يتحقق في المفهوم) ثم إن العودة بهذا المفهوم إلى ظواهر التشكيل اللفظي نجده ضمن تشكيل بيان إجراء، وبالعودة إلى معجم اللغة العربية فإننا نصادف بنية تشكيل من هذا القبيل مثل: الجبال أوتاد، الشمس ضياء، القمر نور.

وبعد هذا أذكّر بما قلت به آنفا أنني لا أقدم هذا المصطلح بديلا للتفكيكية، وإنما أقدمه من أجل التذكير بمفعول التشكيل اللفظي، ومنهجيته العلمية، إن صح التعبير؛ وهي منهجية لا يمكن إغفالها في تطوير معجم اللغة العربية، ومسايرة ألفاظه لمستحدثات العصر الحاضر ومستجداته وبما يؤثر في الفكر العربي، ويخلق فيه تموجات المفهوم.

ثم لا يفوتني أن أذكر كل من يتطلع إلى لغة عربية معاصرة سهلة وميسرة بأن اللغة العامية ذاتها، من تشكيل الفكر العربي، ومن اليسر بمكان إدماجها في الفصحى، والقضاء على هذه الثنائية التي تعزل الفرع عن الأصل، وتعطل حركة  التطور اللغوي العربـي، شريطة اتباع المنهج القويم بهذا الإدماج، ومنه احترام ظواهر التشكيل اللفظي، التي أسلفنا الحديث عنها، ثم البحث عن نظائر مماثلة في ما عندنا من الفصيح الموروث إن وجد كشرط إضافي وحسب. ولاشك أن عملا كهذا يحتاج إلى حسن النوايا، وما التوفيق إلا من عند الله.

سادسا: سؤال رَسَّ اللفظ في الذهن:[عدل]

كيف يُرسّ اللفظ في الذهن؟ وكيف يُستحضر عند الحاجة؟ وكيف يُنسى؟

إن اللفظ كما أسلفنا الذكر، كتلة مكتملة شكلا وصورة، ومادة صوتية، قابلة للتجسيد، إرسالا أو استقبالا، الشكل التالي:

اللفظ يجسد بالصوت أو الرموز ويُرسّ في الذهن عن طريق السمع أساسا.

اللفظ لا يسكن الذهن وإن ما يسكن الذهن هو المفهوم. ولا يتم استحضار اللفظ إلا في إطاره الممثل في الخارج، فعلى سبيل المثال: حينما تستحضر لفظ (الذئب) يتمثل أمامك في صورة ذات، وحينما تستحضر لفظ (الجلوس) يتمثل أمامك في صورة إجراء.

أما نسيان اللفظ فليس آلية، محو، بقدر ما هو آلية فتور عصبي ذهني.

إن الدراية لهي أوضح المواقف التي لا يعبر عنها إلا بواسطة ألفاظ مختارة، حيث إن هذه الألفاظ وحدها ما يبين مدى الدراية أو مدى عدم الدراية بالموضوع الذي يخوض الفكر فيه.

إن الدراية بهذا المعنى، ليست وحيا يوحى، بقدر ما هي نتيجة تفاعل الفكر مع محيطه، بوعي وببصيرة، وهو قادر على النقد، قادر على الاختلاق، قادر على الاكتشاف، ومن ثم قادر على الإبداع.

إن الدراية بالموضوع، تعني الكفاية في اختيار الألفاظ المعبرة عنه، والعكس من هذا الأمر صحيح، فمن خانته الدراية خانته الألفاظ، ما يعني بالواضح أن المفهوم هو أُسْ اللفظ ومرجعيته.

بقي أن نفهم أن اللفظ المفرد الذي نقول به ليس ذلك المفرد العدد، كما يعرّف صرفيا. فاللفظ المفرد تشكيل بنية، حتى وإن كان يُقدم في صورة فيها أكثر من علامة واحدة.

فاللفظ المفرد مثل (أناسي) لا يختلف إفرادا عن اللفظ المفرد (إنسان)، واللفظ المفرد (رجال)، لا يختلف إفرادا عن اللفظ المفرد (رجل)، واللفظ المفرد (جاؤوا)، لا يختلف أفرادا عن اللفظ المفرد (جاء)، كلاها ألفاظ مفردة، تلفظ دفعة واحدة، حيث المسألة، مسألة تشكيل، وليست مسألة تركيب.

إن ما نقول به على هذا النحو، سوف يختـزل كثيرا من التخريـجات التي تعودنا عليها، عودتنا الدراسات اللغوية المؤسسة على التراكيب. (الوصفية والمعيارية).

كثيرا ما شغلتنا التراكيب عن المفاهيم، وبرمجت أفكارنا. ما جعل منا أناسا نقدم الشكلانية على المفهومية، هذا الوضع وسمنا بتعطيل الفكر والتفكير، نتلقى ونتبع، وقلما ننتقد أو نـأتي بالبديل، بل منا من  لايقبل النقد، ولا يبقل المخالفة، ويذهب أبعد من هذا إلى معاداة الفكر والتفكير، وقد أغلق على نفسه الباب أمام أي تغيير لما درج عليه، ولو كان بسيطا، ولا يفهم أن سنة التغيير من سنـن الحياة، بما فيها حياة اللغة.

حالنا هذا لا ننفك منه إن لم نحاول أن نتمرد على القولبة اللغوية التي آلت بنا إلى هذا المآل.

العمل الفكري، أهم شيء يمكن أن نربـي عليه الأجيال الصاعدة، في أي درس تعليمي نظامي، حيث إن العمل الفكري يؤسس على المفاهيم، قبل أن يؤسس على البنيات والتراكيب.

ليس هناك من عمل للفكر، إلا واللغة حاضرة، إما وسيلة إنارة وبيان، وإما وسيلة تعمية وتعتيم. إذ أن ثبات المفهوم في اللفظ المفرد، لا يسمح بانكساره عند شرحه أو التعريف به، ما يمنحه مصداقية التداول.

وكل لفظ مفرد على هذا الأساس صريح في عبارته، واضح في منطوقه، فالإنسان المتكلم، أو المستمع يُرسّ اللفظ في ذهنه مما يؤطر هذا اللفظ من جوانب ثلاثة هي:

جانب المفهوم، وجانب البنية، وجانب المعنى، فيها مجتمعة يُرسّ اللفظ في الذهن، ولتوضيح هذه السيرورة نقدم النماذج الآتية:


إذا فهم منا ما نقصده باللفظ المفرد حتى وإن كان في صورة لأكثر من علامة، أمكننا بعد ذلك أن نفهم الحشو وانضغاط اللفظين كما هو الحال في صورة اللفظ المفرد (الرجل الأسد).

كثيرا ما قرأنا وسمعنا (رأيت أسدا) (استعارة اللفظ والمفهوم مجازا) لا يخلو من الحشو وضغط لفظ بشكل ممجوج يأباه التشكيل السليم للفظ المفرد، ويأباه الذوق السليم للغة.

ولا يعبر عن مفهوم قابل للرسّ في الذهن. وهذا وجه من وجوه التعتيم على المدركات والمفاهيم.

الملف الرابع:اللغة نتاج فكري[عدل]

تجليات الفكرة[عدل]

لاشك أن من يحاور شـخصا ما، أنه يـحاوره في موضوع ما، بغض النظر عن فحواه ومضمونه، فهو يحاور من أجل إيصال فكرة ما، هي موضوع الحوار، والدافع إليه، وحتى الذي يحاور ذاته فهو يلتف حول موضوع شغل باله، سره أو أساءه، أو شغله على أية حال، وحينما يخرج الحوار هذا عن ذي موضوع، لاشك يصبح مرضا.

ثم إن مراسلا يراسل الآخر، لا يراسله إلا وموضوع  المراسلة حاضر في ذهنه، بكل تفاصيله، ويدرك تمام الإدراك أن المراسلة إن لم تكن دقيقة وواضحة لن يتحقق الهدف الذي تحرر من أجله.

إن الشفاهة وإن كانت أخف قيودا من الكتابة، في اللف والدوران حول موضوع الحوار، فإنها تؤدي بالمحاور إلى نوع من الالتـزام بمقتضى المقام والمقال على السواء.

هب أن إنسانا يفكر، ففي ما يفكر فيه؟! وهب أنه يحلم، فماذا يحلم؟! لاشك أن تفكيره وأحلامه ذات موضوع، وهب أنه يهدي! وتلك آفات الحوار في اللاموضوع.

إن مواضيع الحوار لا حدود لها، وليس من المنطق، ولا من الصواب أن نجعل لموضوعات الحوار ضوابط تلتـزمها، ما عدا الوضوح، نقول بوضوح الرؤيا، كما نقول بوضوح الألفاظ، ونقول أيضا بوضوح الفكرة، فمن لم يستطع أن يبلغ فكرته أو أن يعبر عنها بوضوح فلن يكون محاورا جيدا.

الفكرة هي أم القضايا في معادلة التواصل البشري، وقد تكون اللغة أداة التواصل الأساسية أو القناة الحاملة للرسالة التواصلية؛ لكن الفكرة في غاية المطاف هي موضوع التواصل.

وهي مادة المبادلة ما بين مرسل ومرسل إليه، ولو كانت اللغة هي الموضوع لذاتها، لكان كل المتحاورين على سواء ما دامت اللغة ملك الجميع، غير أن الأفكار ليست كذلك، ولو كان أمر التواصل محصورا في اللغة لكان الهزل والجد سواء، ولكان الغموض والوضوح على درجة واحدة، ما دام كل محاور ينطق لغة، لكن الأفكار تستعصي على التقليد كما هي اللغة.

يمكن لشخص ما أن يقلد شـخاصا آخر في لغته، ويمكنه أن يتعلم منه لغته، ويصير مثيلا أو نداً له في التلفظ والكلام، غير أنه يستحيل عليه أن يكون ناطقا بفكره، فالأفكار ليست موضوعا للمماثلة بقدر ما هي موضوعا للموافقة أو المخالفة، فإذا وافق شـخص شـخصا آخر على فكرته، فليس معناه أنه ملك فكره، بل على العكس هو من صادف الفكرة التي وافقه فيها.

إن الأفكار تبادلية بين كل المتحاورين، والفكرة النيرة دائما في الكفة الراجحة، وهي بالتالي الفارقة بين حوار وحوار، إن رجحان الفكرة على اللغة، باد وواضح في كون المعرفة والخبرة وليدة الفكرة.

الناس ليسوا سواء في قوة التفكير، وليسوا سواء في الإنتاج الفكري، وهذا وحده وجه الاختلاف بين الناس، وإلا فما معنى تصنيف الأفراد بين جاهل وعالم؟! وما معنى تصنيف الأمم والدول بين متقدمة ومتأخرة؟! كم من أناس قدمهم فكرهم! وكم من أناس أخرهم فكرهم! وكم من أناس عاشوا على الهامش! وأناس في ذلك أفرادا وجماعات على سواء.

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: هل يمكن أن يحاسب الناس على أفكارهم؟ هناك من يعتقد ذلك، بل هناك من يسمح لنفسه فرض الرقابة على أفكار الآخرين؛ غير أن حق الأفراد في حرية التفكير، لا يسمح بذلك. فكل شـخص حرفي ما يفكر فيه، ومع هذا فحريته الفكرية لا تسمح له بالعدوان على أفكار الآخرين.

إن كل مغال في فكره، لا بد له وأن يصطدم بأفكار الآخرين واعتقاداتهم، مادام الاختلاف في التفكير قائما وحاضرا بين الناس، والمنافسة الفكرية بينهم سجال، إلى حد الاصطدام، هكذا تبدو الفكرة أم القضايا، فإما أن تجلب الفكرة على قائلها المجد والخلود، وإما أن تجلب عليه الويل والثبور، هذا ما إن لم تكن شرارة تهلك الحرث والنسل. إن الشخص الحر في أفكاره؛ هو ذلك الشخص الذي يحكم عقله وليس هواه، وهو الذي يقدم أجود فكرة، جلية ناصعة يهتدي بها كل من أعوزه فكره عن الإتيان بمثلها، فالفكرة الجيدة تعيش لصاحبها وقائلها كما تعيش للناس جميعا، والتاريخ يسجل أفكارا خالدة لمفكرين خالدين، فلا ينبغي أن نسوي بين الناس فيما يطرحون، من الأفكار، لكن من حق أي منا أن يقول لمن أجاد أجدت، ولمن أساء أسألت.

التاريخ يتقدم، والأجيال تتعاقب، والحضارات تبنى، وأكبر التحديات في كل هذه هي التحديات الفكرية.

إن أسوأ صورة يتقمصها الفرد أو الجماعة هي صورة المقتبس لأفكار الآخر من غير نقد، أو اعتراض، حتى في الحالات الاغترابية حيث تهدم الأصول، وتهد الكيانات. ويبدو المقتبس في هذه الحال كائنا تكشف الأيام عن بلادته، إذ تهوي به بلادته إلى أسفل سافلين من الانحطاط والتدني، رهين تبعيته لا يـجد لنفسه منها مخرجا.

قلنا آنفا إن الفكرة تبادلية بين الناس، الند بالند، وقلنا إن الفكرة الجيدة، سيدة الموقف، لا تلقى المعارضة، في حين تكون الفكرة السيئة وبالا على صاحبها وعلى من اهتدى بهديها.

إن أخطر التبعات من هذا القبيل ظاهرة إقحام الأنظمة التعليمية في متاهة التبعية، التي لا مخرج منها بعد الإقحام فيها، فكم من أعمار تفنى؟ وكم من أموال تهدر؟ وكم من جهد يذهب سدى؟ من غير  جدوى. لا تحصد منها الأجيال إلا الجهل والفقر، نتيجة فكرة فاسدة مفسدة يتبناها أفراد ليس لديهم من الحس الفكري إلا ما اقتبسوه من غيرهم.

إن من يطالع النشرات التعليمية، أو المجلات التربوية في البلدان العربية يصاب بصعقة، حين يستعرض المراجع التي يعتمدها مروجو الفكر التربوي، كلها أجنبية، لا يعثر فيها الإنسان العربي ولو لصورة جزئية من كيانه الفكري.

المشكلة ليست في عملية الاقتباس في حد ذاتها، فقد سبق أن قلنا إن الفكرة الصائبة لا تلقى المعارضة، لكن المشكلة هي في كون المقتبس الذي يسيء إلى الفكرة المقتبسة ذاتها، والذي لا يملك من الفكر ما يمكنه من توظيف الفكرة التوظيف الصحيح، ويؤقلمها التأقلم الصحيح، مع محيط غير المحيط الذي نشأت منه، فعلى سبيل المثال، ليس هناك في عالم اليوم من لم تصله الدعوة  إلى احترام شـخصية الطفل، باعتباره طفلا لا رجلا مصغرا، غير أن المشكلة ليست هاهنا، بقدر ما هي في كون الكثير من الناس لا يعرفون أطفالهم معرفة صحيحة.

فمن ذا الذي بإمكانه أن يقنعنا بقدرات الطفل المغربي أو العربي اللغوية أو الفكرية؟

إن الطفل العربي بصفة عامة، يلاقي في تعلم اللغة العربية من الإحباط، ما لا يلاقيه طفل آخر في عالم آخر، وهو يتعلم لغته القومية، أليس هذا ضعفا فكريا صارخا يتحمل العرب جميعهم تبعاته؟!

يكفي أن نطرح سؤالا جوهريا في هذا المجال، ونقول: كيف هو الوضع اللغوي في العالم العربي؟ وما حظ الأطفال فيه؟ هل يمكن القول أن الطفل العربي يتكلم لغته العربية بطلاقة؟ وهل يستطيع بها أن يبلغ فكرته بوضوح؟ أسئلة لاشك أنها تؤرق من له إحساس بالانتماء للعرب. الفكرة إذن هي جوهر اللغة، وهي جوهر الثقافة، وهي الأساس الذي ينبني عليه كل عمل يتطلع به إلى التحرر.

فالدعوة إلى التحرر هي نفسها فكرة، ولا أعتقد أنها تلقى المعارضة من أحد، إلا لمن نشأ على التبعية، أو ممن يفكر بهواه ولا يفكر بعقله.

لابد هنا من العودة إلى العلاقة الترابطية بين الفكر واللغة؛ فالفكرة لا يـجسدها سوى اللغة، فإذا كانت الفكرة داخلية مرتبطة بالذات المفكرة، فإن اللغة خارجية، مكوناتها رموز وألفاظ حاملة لمفاهيم ومعاني، وبـإمكان الإنسان المفكر أن يوظفها بحسب ما أوتي فكره من قدرة على التمثيل اللغوي، وتـأليف الجملة، والتأليف صناعة، والصناعة خبرة ومهارة، ومن هذا تـأخذ اللغة أحقية في الأخذ أو الرد، إما أن تكون في تأليف مقبول وإما أن تكون في تأليف مرفوض، وليس الرافض هنا سوى الإنسان المفكر، واضع اللغة، والمتواضع عليها.

لقد احتلت اللغة هذا الموقع في حياة الكائن البشري لا يـجد عنها مصرفا، فإذا أجاد استعمالها أفاد وإذا أساء استعمالها تاه وضل، من غير هدى، ويفقد أهم شيء تحمله إليه اللغة، ألا وهي الفكرة التي بها يهتدي في دروب الحياة المتشابكة.

إن الفكرة في تجلياتها هي تلك التي يلتقي عندها الجميع بأقل الألفاظ وأوضحها، ولا يحتاج الواحد إلى الاستـزادة، عملا بالفكرة القائلة "إذا اتضح المعنى فلا حاجة إلى التكرار".

ولك المثل في الخطاب الذي يوجهه الله تعالى إلى الرسول محمد r في الآيات البينات من سورة المدثر وهي: ﴿يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجس فاهجر، ولا تمنـن تستكثر، ولربك فاصبر﴾ (سورة المدثر: 1-7).

ترى في هذا الخطاب تجليات الفكرة في كل جزئية من جزئياته، "قم فأنذر" الفكرة واضحة طلبية لا تحتاج إلى الاستـزادة، لغتها مختصرة واضحة مدركة المفاهيم، مدركة المعاني، لا يختلف في ذلك اثنان، فهي فكرة لا تلقى التعارض، والتعارض هنا ليس أن ينذر أو لا ينذر، بل الفكرة كفكرة ممثلة لغويا في تجل لا إشكال فيه، ولنأخذها فقط من هذا الجانب.

فعلى كل من أراد أن يخاطب الآخرين شفاهة أو كتابة أن يلتـزم تجلي الفكرة في خطابه ووضوحها، بها يكون الأديب أديبا يحق، والعالم عالما بحق، إلا أنه مع ذلك لمن أراد أن يشتري لهو الحديث، فالمرء بأصغريه قلبه ولسانه (حديث).

إننا لن نبحث كثيرا لنستدل على أن الناطق أو الكاتب مهما يكن بليغا؛ أي لغويا سليقيا –إن صح التعبير- يستطيع أن يؤثر في الناس بلسانه، إن لم يؤثر فيهم بأفكاره.

وفي الأمثلة الآتية يتبين ذلك بوضوح.

المثال الأول: نقدم فيه ترنيمة نثرية لخليل جبران يقول فيها.

"... ياإخوتي وجيراني!... لقد أحببتكم كثيرا، وفوق الكثير، قد أحببت الواحد منكم كما لو كان كلكم، وأحببتكم جميعا كما لو كنتم واحدا. ففي ربيع قلبـي كنت أترنم في جنانكم، وفي صيف قلبي كنت أحرس بيادركم". (عن فاروق شوشة: مجلة العربي ص: 164 عدد 625 ديسمبر 2010).

أقول: أنظر كيف يقدم هذا الإنسان الكاتب، والأديب بل الفيلسوف المستنير، أفكارا مشبعة بالعواطف، والأحاسيس إزاء الناس جميعا، واضحة جلية في جمل نصية مكتملة التأليف، وقعها في المتلقى بليغ وعميق؟!.

المثال الثاني: نقدم فيه جزء من قصيدة (وشم النهر على خرائط الجسد). للشاعر: محمد عفيفي مطر: يقول فيه:

(هي الشمس

هل كانت الأرض رُمانة تتحلق فيها أجنّتها الخُضر؟ وهل كان ما في عروقي غمامة؟

تفتحها الريح، تجدلُها موسماً يتفتح في سترة الأرض.

تنسجها حمرة تتكشّف.

تنسجها رحما ومشيمة؟!). (عن فاروق شوشة: مجلة العربي ص: 166 العدد 627 فبراير 2011).

أقول: أنظر كيف غيب الشاعر مفاهيم الألفاظ؟ وكيف خلخل تأليف الجمل النصية؟ إلى أن توارت الفكرة خلف تشابيك لفظية لم يأتلف بعضها مع بعض.

المثال الثالث: نقدم فيه من قصيدة (تسابيح برق مهيض الشوق) للشاعر: المنجي ابن الطاهر السليماني.

هذه اللوحة الفنية الرائعة يقول فيها:

أناجيك منذ انبلاج الظلام.

(هنا...

ذات فجر..

لقيتك يا وطني المستباح.

شريدا.

كما نـخلةٍ في كثيب...

غريبا

كما غيمة في طبق...

وحيداً

كما وَجَّهَتْك الرياح...

وسنبلة لم تزل تحترق...)

(مجلة الفيصل الأدبية المجلد الأول، العدد الرابع ص: 123. أكتوبر، ديسمبر 2005).

أقول: لوحة فنية، وهي كذلك، رسمت بقلم شاعر وكأنها رسمت أيضا بريشة فنان. فأنت تقرأها بألفاظ ذات أغوار مفهومية عميقة التأثير في النفس.

هنا/ مستباح/ شريد/ غريب/ وحيد.

وجمل نصية بأفكار مدركة، غنية عن أي توضيح: ذات فجر/ لقيتك يا وطني المستباح/ كما نـخلة في كثيب/ كما غيمة في طبق/ كما وجهتك الرياح/ وسنبلة لم تـزل تحترق.

وأنت تتخيل مشاهدها تمثل أمام عينك، وترتسم بألوان الطيف لا تـخطؤها العين البصيرة ولا الفكر اليقظ.

ومن هذا الذي تقدم نستخلص أن الجملة النصية هي الجملة التي تكتمل فيها الفكرة باللغة، وأن جملة خالية من الفكرة مهما تكن محبوكة، فإنما هي نفاية من سقط الصناعة.

كذا عذرية اللغة تتجلى في عذرية مكوناتها الأساسية، بدءا من تناغم مقاطعها الصوتية، وتـآلف ألفاظها، وانتهاء بنصية جملها.

الطلب والخبر: مقتضيات التكلم[عدل]

أعتقد مع كثير من الحياد والتجرد أن أمر اللغة قد تموقع موقعه الصحيح، بعد الإقرار بماديتها. كسائر المواد الطبيعية، قابلة للتشكيل والتداول؛ تشكيل لا تـخطئه العين البصيرة.

هذا الإقرار من صلب ذاتها، وليس افتراضا نفترضه، بقدر ما هو حقيقة ثابتة ملموسة ومجسدة، ومحسوسة من أصواتها وألفاظها، مرئية ومشاهدة من رموزها وأبـجديتها وخطيتها، وبهذا صارت محررة من الذاتية البشرية، التي احتوتها لعقود من الزمن طويلة، والتي توهمت أنها هي مصدر فبركتها في قوالب نصية من عنديتها، بحيث أصبحت هذه الفبركة وهذه النصوص هي اللغة بذاتها؛ وما هي في حقيقة الأمر كذلك.

فعلى سبيل المثال حين تقول: (السماء تمطر) ليس هذا الإجراء متوقفا عليك، ولا أنت من ينـزل المطر، بل هو إجراء يمثل في الطبيعة، وأنت مجرد من يخبر به، أو حين تقول لمخاطبك (استمع إلي جيدا) إنما ذلك إجراء يمثل في الخارج، وأنت مجرد من يطلبه.

فاللغة إذن مادة صوتية لفظية، تعبر بها عن طلب أو إخبار فكل من الطلب والإخبار وحدهما هما مقاصدنا في تكلمنا.

فحين يدرك الطفل الغرض من الطلب، يشرع في التكلم وينطلق فيه، وأول كلامه تعابير طلبية، ولا يدخل الطفل في التعبير عن إخبار إلا في المراحل المتقدمة من عمره.

إن الإخبار أكثر تداولا بين الأفراد، وبذلك يصنف في مقدمة المقاصد، فإذا أنت سمعت خبراً ما، أصبح بإمكانك أن تصدقه أو تكذبه، وإذا سمعت طلبا ما أصبح بإمكانك أن تستجيب له، أو أن تمتنع.

كل من الخبر أو الطلب تجسدهما الجملة النصية، وهي الجملة التي تكتمل فيها الفكرة باللغة، ويمتـزج فيها القصد باللفظ وما الفكرة في عموميتها سوى تصور واع من فكر منفعل بالمحيط الخارجي، وأما الألفاظ فقد سبق لي أن بينت ظواهر التشكيل اللفظي، تشكيل بيان أو تشكيل مقطعي أو تشكيل أداة، كما بينت ظواهر رسّ اللفظ في الذهن في:

- إدراك المفهوم

- إدراك البنية

- إدراك المعنى

كما أوضحت ما المراد باللفظ المفرد: أي  صورة كلية منطوقة مقرونة أو غير مقرونة بأداة (علامة) تؤول إلى مفهوم إضافي تكميلي.

وتبقى الجملة النصية، هي الجملة أو العبارة التي لا تـخلو من هذه المعالم اللفظية من جهة، ومن جهة ثانية حاملة للفكرة القصد منها إما الطلب وإما الخبر.

التركيز على القراءة[عدل]

القراءة نشاط فكري قبل أن يكون نشاطا لفظيا وأداء حرفيا، الفكر مجبول على القراءة، لا يقرأ الرموز الحرفية وحسب، بل يقرأ أيضا الملامح، والأصوات، كما يقرأ الإشارات والعلامات، والنوطات، والإماءات والنبرات، يقرأ البيئة الطبيعية والاجتماعية، يقرأ الزمن الماضي والحاضر، ويخمن للسمتقبل، يحلم ويتكهن، يتصور، ويتوقع، يتخيل ويؤوّل.

القراءة صورة انعكاسية للتلفظ، القراءة مدخل الفكر، والتلفظ مخرجه، فالتغذية الراجعة لا تكون من غير قراءة؛ قراءة المسموع، أو قراءة المنظور المشاهد.

اللغويون لم يهتموا بهذا الجانب كثيرا اعتقادا منهم أنه جانب يخص الدرس التعليمي.

الباحث اللغوي، أو الباحث اللساني جادل كثيرا فيما يخص العلامة والرمز (السميوطيقا)، وجادل كثيرا فيما يخص النظم والتأليف، والحقيقة والمجاز (البلاغة)، وما يخص التفكيك والتأويل (الدلالة)، وفي الفصل بين القول والمقولة، وبين الشعر والنثر، وبين النص والجملة، وبين القصة والرواية، وما إلى ذلك، حيث أغلبية الكتابات تنصب على الأجناس الأدبية شكلا ومضمونا، صورة ومحتوى، وأخيرا احتدم النقاش حول المؤلف والقارئ. أيهما أولى بالآخر؟ أيهما الفاعل وأيهما المنفعل؟ وإلى أي حد يتأثر هذا بذاك؟ وكيف أصبح القارئ طرفا فيما أصبح يسمى التناص. ثم كيف أصبح النص فاصلا يفصل بين الجانبين، حتى أن النص غيبهما معا، إذ أصبح يمثل البؤرة التي يحتدم حولها النقاش، ومع هذا ما تـزال إشكالية القارئ تطرح نفسها بقوة كإشكالية لم تحسم بعد لصالح النص أو المؤلف، وما ذلك سوى لكون القراءة لا يضبطها ضابط مفهومي على الأرجح، وما القول: (بأن القراءة الجيدة تتوج النص بينما القراءة السيئة تنـزع منه تاجه) بالتي يمكن تجاهلها.

القراءة إذن تدخل علم اللغة بأسلحة جديدة، حيث لم تعد تجري على هوى القارئ، ولا كما أرادها المؤلف أن تجري عليه، أو من المفترض فيها أن تكون كذلك؛ فالقراءة حركة فكرية والفكر إنساني بطبعه لا يقبل المزايدات، فهو وعي، والوعي ما يدرك الحقائق على حقيقتها.

نعود إلى الدرس التعليمي، وهو ما يجب أن نهتم به لخلق كاتب قارئ ملتـزم، حينما يتوجه للقراءة أو للكتابة عليه أن يتجرد من هواه، ويتمسك بالحقائق الموثوقة كما هي. وكما تمنحها الأشياء عن ذاتها، فلا يضفي الباحث على الأشياء، ولا على الأحداث من المعارف مالا يستقيم وطبيعتها، فيصبح مفتريا أو كاذبا أو خارج المفاهيم المدركة، التي ترتبط بالأشياء والأحداث ارتباط الحتم واللزوم، وبمعنى آخر، لا يحكم فيها ذاتيته، ولا ما يمليه عليه هواه، حتى إذا قال "الشمس قارئة" قالت له بلسان حالها. لا لست قرائة، إنها الشمس نفسها ترفض إضفاء هذه المعرفة عليها مهما حاول هذا القائل أو ذاك أن يبرر قوله. فالحقائق الموثوقة تكتشف من ذوات الأشياء، أو الأحداث نفسها، وليست من قول قائل مهما ادعى العلمية. إن هندسة التعليم من أعقد القضايا التي تواجه إنسان اليوم، وكم من جناية ترتكب ضد الطفولة بعامة، والطفولة العربية بخاصة، في ظل نظام تعليمي فاسد، يتجاهل مكونات الفكر، ووسائل شحذه، والانتقال به من حالة ركود إلى حالة فعل، أو بعبارة أخرى إلى مستويات عالية من الإدراك، في حالة التلقي أو في حالة الإرسال.

إن قيمة المتعلم قيمة اعتبارية، إما أنه حاضر الفكر فيما يتلقاه أو يرسله، وإما أنه تبيع في انتظار ما يأتي به الآخر. كثيرا ما كان التعليم يربـي على التبعية، (قل ولا تقل)، (قل كما قال من سبقوك القول). (إن القول ما قالته حدامي). وأن الشعر (ما شعر ابن هاني).

واضح أن مسألة التعليم من الأهمية بمكان، غير أن منطلقاته إما أن تكون منطلقات فكرية بانية للفكر، حاثة على التفكير وإما أن تكون منطلقات لا تقوم على أسس فكرية، ولا تسهل على الفكر العبور إلى الدراية.

فالتعليم المؤسس على المعارف ليس تعليما: كمٌّ من المعارف الدينية، وكمٌّ من المعارف التاريخية، وكمٌّ من المعارف العلمية، وكمٌّ من المعارف اللغوية، وكمٌّ من المعارف الرياضية. تعليم موسوعي أكاديمي لا طائل من ورائه، هذا بالإضافة إلى تعدد اللغات.

كنت دائما أسأل نفسي، وأنا رجل تعليم، كيف يتمكن الطفل لم يتجاوز من العمر ثلاث سنوات من إتقان لغة الأم؟ وكيف يعجز عن تعلم لغة مدرسية في ستة عشر عاما أو يزيد؟

المشكلة مشكلة تعليم، لا يشك في ذلك أحد، وليعلم القائمون على التعليم، أن المعلومة، مهما تكن قيمتها المعرفية، لم تعد مطلوبة لذاتها، وليعلموا أن ذلك العقل أو الذهن الذي كان خزان معلومات، خزان معارف لم يعد أمره اليوم كذلك، أمام الأقراص المدمجة، وأمام شاشة الانترنيت، وشاشة الهاتف النقال، حيث أصبحت المعلومة في متناول من يطلبها لحظة بلحظة، وأصبحت المعلومة متاحة للجميع، وأمام هذا التحول المعلوماتي، ماذا ينتظر المجتمع من المدرسة أن تقوم به؟ لتنشئة أجيال من البشر يسايرون عصر العولمة هذا؟

إن أول شيء نراه ملحا هو أن يغير القائمون على المدرسة المغربية نظرتهم إلى المهمة التي وكلت إليهم، وأن يتجردوا بداية من مخلفات المدرسة القديمة التي سجنوا فيها أنفسهم، وهو يـجتهدون في سجن أبناء الأمة فيها إلى مدى بلغ فيه السيل الزبى.

وما الإخفاقات المتتالية، لعقود من زمن الإنسان المغربـي، في المدرسة المغربية، إلا نتيجة حتمية لاختيارات غير مسؤولة، تجلت في بناء مدرسة تعددت فيها المعارف وتراكمت، وقل فيها بناء الإنسان وتـأهيله وإعداده لحياة معاصرة، تتطلب منه الكفاءة في الأداء، والتفكير العقلاني، قبل أن تطالبه باستعراض ما تلقاه من قواعد، ونظريات، وما اكتنـزه من المحفوظات والمرويات، وأخبار وحكايات، وشتان بين أن تتصدى المدرسة لمهام تـخريج الإنسان الكفء، وبين أن تتولى حشر الكم من المعارف وبناء هرم منها، يقضي المتعلم نهاره وليله في امتلاكها، بدعوى أن المتعلم يجب أن يعرف كل شيء. كيف يعرف المتعلم كل شيء وهو يفتقد الوسيلة إلى المعرفة؟ ألا وهي اللغة؛ لغة القراءة والكتابة والتواصل، لا لغة امتلاك الشاذ والغريب؟ ما نسي أو يفترض فيه ان ينسى؟! في بداية التسعينيات من القرن الماضي دعوت إلى العمل التشاركي في التعبير والتواصل. لكنها كانت صحية في واد، (انظر دفتر الإنشاء. السنة السادسة من التعليم الأساسي – مطبعة فجر السعادة الدار البيضاء 1992). ولحد الآن لم تستطع المدرسة المغربية أن ترقي بالمتعلمين إلى هذا المستوى. وعلى الرغم من أن كل النيابات السابعة والعشرين في ربوع المملكة قد توصلت بنسخة منه.

المسألة هنا ليست في خسارة كتاب بل الخسارة الكبرى هي خسارة زمن المتعلمين. خرجوا من المدرسة كما دخلوها، لا يقدرون على تحرير رسالة قصيرة، ولا يستطيعون أن يصمدوا  في الحوار، إلا وهم يتلعثمون، تنقصهم اللغة وتنقصهم الشجاعة، وتغيب عنهم الفكرة، والخسارة الكبرى أيضا أن تكون المدرسة مؤسسة تبدد زمن الأطفال، زمن الطفل وزهرة صباه، حيث إنها تفتعل مبررات خاطئة تعتقد أنها تنظيمية، وليست في الواقع كذلك.

في بداية السبعينات من القرن الماضي احتدم النقاش حول موضوع تعليم القراءة للمبتدئين من التلاميذ. ما إذا كان تعليمهم بالطريقة الجزئية (الصوتية) أم بالطريقة الكلية (الجملة)، أم بالطريقة المزجية (من الكلية إلى الجزئية) وهي الطريقة المتبعة إلى يومنا هذا.

لست هنا يصدد تفضيل طريقة على أخرى، ما أريد قوله هو:

أولا: تغيب التلميذ في النقاش مع أنه الطرف المستهدف، (تحديد إمكانياته في التلقي).

ثانيا: تغيب طبيعة اللغة كمادة صوتية بنيوية (المدركات فيها سابقة على المفاهيم).

ثالثا: التبعية، واستيراد ما عند الآخرين (النموذج الفرنسي).

في لقاء وزير التعليم مع الطلبة على شاشة التلفزة شهر فبراير 2014 حول موضوع (مسار) قال أحد الطلبة ما مفاده: "نحن أبناء مغاربة بقدراتنا العالية، نريد تعليما وطنيا غير مستورد". لله ذرك أيها الشاب؟! لقد أصبت موطن الداء، وأمثالك هم من سيرد القطار إلى سكته، وسيعود الطفل المغربي في مركز الاهتمام، في أي تعليم ينتظر إصلاحه.

ولقد كانت لي تجربة في تعليم الأبـجدية اللغوية للأطفال. أسوقها للذكرى.

كنت معلما في السنة الأولى من التعليم الابتدائي، ولم يكن المعلم حين ذاك. يتقيد بطريقة تبليغ معينة سوى ما يراه بنفسه الأنسب والأفيد في تعليم صغار التلاميذ، مبادئ القراءة والكتابة، وكنت وضعت برنامجا أسبوعيا التـزمت فيه تحقيق جملة من مهارات الاكتساب. وحسن الأداء.

كان الأطفال عندنا يدخلون المدرسة الابتدائية في سن السابعة من العمر، خلاف ما عليه الأمر اليوم، سن السادسة، ولم يكن هناك تعليم أولي سابق يهيئ الأطفال للدرس النظامي كما هو الحال اليوم، وخلال ثمانية أسابيع من الأنشطة القرائية والكتابية المكثفة، صار الأطفال قد تعرفوا مبادئ التشكيل المقطعي معرفة تامة، وانـخرطوا في مرحلة التهجـي بطلاقة إلى حد كبير، لا تشوبها شائبة التعثر، والمخطط التالي يبين إلى حد ما تلك البرمجة. وهي على النحو التالي:


إن ما يمكن استخلاصه من خلال الخطاطة أعلاه هو كونها مؤسسة على عدة تدابير على النحو التالي:

تدبير عمليات التعليم والتعلم
من التهجي إلى القراءة.

التهجي ليس عملية قدحية، بل هي بداية أوليات القراءة.

التهجـي يتم وفق تكتيك تعليمي تعلمي: انتقالات سريعة من الإصاته إلى المقطعية فاللفظية ثم الاسترسال

تدبير رموز اللغة والنسيج الصوتي تدبير مواضيع التعلم والتعليم
النسيج الصوتي أهم شيء يتلقاه التلميذ في بداية تعلمه:

مقتضيات التلفظ: تحريك، إسكان، مد، تقويم اللسان.

أبـجدية اللغة رموز حرفية ترتيبها التعليمي نسبـي ونظري فقط.

حروف اللغة العربية 28 حرفا صامتا وستة  حروف صائتة يتلقاها التلميذ بالتوالي والتتابع.

جودة القراءة وحسن الأداء رهين باستيعاب مقتضيات التلفظ تحريكاً وإسكاناً ومداً..


تدبير قدرات التلقي لدى الأطفال تدبير الزمن المدرسي
التلاميذ أكثر قابلية على التلفظ المقطعي.

صورة الحرف العربي وجماليته أكثر ما يستهوي التلاميذ  ويرغبهم في امتلاك مهارة الخطية والكتابية.

الأسبوع أطول مدة زمنية يستغرقها التلاميذ في استيعاب مقطع صوتي واحد، ويتناقص هذا الزمن بالتدريج.

حصتان زمانيتان مدة كل منهما نصف ساعة خلال اليوم الواحد.

ثمانية أسابيع تعليم وتلعم يتمكن التلاميذ من خلالها من استيعاب ظواهر التشكيل المقطعي واللفظي.

سنة دراسية واحدة، تسعة شهور. يتخطى فيها التلاميذ مرحلة التهجـي.

زيادة في التوضيح أقدم في هذه الخطاطة لوحة جزئية يمكن أن تطبق على أي حرف من الحروف الثمانية والعشرين.

بَلح/يُلبل/ بئر/ شِبْر/ باب/ بوق/ طبيب/ عنباً/ عنبٌ/ عنبٍ/ هبَّ/ دُبٌّ/ بِحُبٍّ/ البّطل/ ابْتسم/ طوبى.

وقد سنحت لي فرصة ثانية عندما شاركت في تأليف الكتاب المدرسي لتلاميذ السنة الثانية من التعليم الابتدائي مع نـخبة من زملائي (في رحاب اللغة،السنة الثانية من التعليم الابتدائي – مكتبة السلام الجديدة الدار البيضاء 2003). أن قدمت بعض لوائح قرائية تحت عنوان (تصفيات الصعوبات القرائية)، وما هي في الواقع بصعوبات، ولكنها بالأساس نماذج مقطعية لسانية من صميم اللسان العربـي الفصيح، أردت أن يتمرسها التلاميذ ويستضمرونها، ويوقوّمون بها ألسنتهم نطقا وتلفظا.

وأنقل هنا واحدة من تلك اللوائح، لأبين مدى أهمية خدمة اللغة العربية من داخلها:

أقرأ وأكمل:

أقرأ أفصل فأقرأ أصل فأقرأ أقرأ ثم أكمل فأقرأ
كُبْرى كُبْ / رى كُبْرى بَ،بُ،بِ

...دْرٌ، لـَ....نٌ، كـ...ـرٌ

كُنْتُ كُنْـ / تٌ كُنْتُ تَ، تُ، تِ

أَنْـ...، صَوْ...، فا....

وَثَبَ وَ / ثَ / بَ وَثَبَ ثَ، ثُ، ثِ

ثلـ....، ....مٌ، رَ....

رَجَعَ رَ / جَـ / ـعَ رَجَعَ جَ،جُ، جِ

جـا...، يـ....ـولُ، تا....

حَمَلَ حَـ / مَـ / لَ حَمَلَ حَـ، حُـ ،حِـ

...بْلٌ، لَـ....ـمٌ، بَلَـ....

أُخْتي أخْـ / تي أُخْتي خَـ،خُـ،خِـ

نُـ...اعٌ، رُ...امٌ، بَـ...يلٌ

إن أهم ما في هذه اللوحة هو كونها تستضمر البنية السيميائية للفظ العربي الفصيح.

     أولا: المقاطع اللفظية تتشكل تشكلا صوتيا (كُبْ/رى)

  ثانيا:الإدغام ظاهرة مقطعية لا تتبدّى إلا في حالة الفك والفصل (شدّ) ش/ـدْ/دَ)

  ثالثا: التنوين ظاهرة مقطعية اندماجية لمقطعين اثنين لا يتبدّى الواحد منهما من الآخر إلا بالفك والفصل لٌ (لُـ، نْ)

  رابعا: بالمقطع يُتمّم اللفظ ويحدّ مفهومه (مِـ....مِـ...) (مشمش) (شين ساكنة)

أخيرا: إذا أمكن لنا أن نوجد مدارس ابتدائية تعلم بهذه الطريقة آن ذاك يمكن لنا أن نقول إننا بدأنا في إصلاح اللغة العربية الفصحى وتبسيطها.


الملف الخامس:تعليم اللغة وتعلمها[عدل]

كيف نعلم؟[عدل]

بداية نرى ضرورة الالتـزام بالميثاق الآتي، لنكون في مستوى التصدي لعمل تعليمي تعلمي بكل مستلزماته التربوية والتعليمية سواء بسواء. ألا وهو:

(إن الذي لا يتمكن من أن يفك الشيفرة التعليمية التعلمية التي تتضمنها الوضعية المعرفية، التي تقدم للمتعلم كخبرة من أجل التعلم، ليس له الحق في أن ينخرط في أي عمل تعليمي).

إن الشيفرة التعليمية التعلمية أوسع من أن تفهم من جانب واحد، قد يكون جانب الاكتساب، أو جانب المحتوى، أو جانب القيمة المعرفية المضافة إلى ما يعرفه المتعلم. إن الشيفرة التعليمية التعلمية أوسع من كل هذا، فأية وضعية معرفية ليست مفتوحة على الفكر، إنما هي مشغلة وملهاة للفكر، لا تشحذه، ولا تعلمه، بقدر ما تروضه وتنمطه، فينشأ على الاتباع من غير إبداع.

إن الوضعية المعرفية الجديرة بأن تقدم في درس تعليمي من الندرة بمكان، لأنها الوضعية المحايدة؛ علمية وعملية صرفة، فالوضعية المعرفية حسب (أكست كونت) تعني المعرفة القائمة على الواقع والتجربة. وبتغبير آخر هي الجواب عن السؤال. ماذا وراء هذه الوضعية من الخبرة؟ وما مفعولها في تطوير فكر المتلعم المتلقى لها؟.

بهذا الشكل (مدى التأثير على فكر المتعلم) تفك الشيفرة التعليمية التعلمية، وما هو غير ذلك فهو حشو وإملاء، ولنا مثال حي في أولئك الذين تعلموا بالتقليد والتبعية ليس بمقدورهم فهم الوضعية المعرفية، ولا بمقدورهم فك شيفرتها، حتى وإن رسمت أمامهم في شكل خطاطة بيانية. كم كبد هؤلاء الأجيال من الخسارة في تسطيح الفكر، لأن الوضعية المعرفية ابتكارية، لا يرقى إلى فهمها المقلدون أو التبعيون. وهل بمقدور هؤلاء أن ينتجوا وضعيات معرفية في المستوى التعليمي؟ والجواب عن هذا السؤال، في الوضع المزري الذي وصل إليه تعليمنا، فهل من يقظة ضمير؟.

كل من يتصدى لمهمة التعليم يفترض فيه أن يكون ذلك المعلم الذي يدرك مستوى الخبرة الذي سيحققه؛ وهو يمارس مع المتعلمين نشاطا تعليميا من نوع ما. فإن لم يكن على بينة من ذلك، فليس له الحق في أن يبدد زمن هؤلاء الأبرياء.

إن من يتصدى لتربية الأطفال عليه أن يعلم مسبقا إلى أي مستوى معيشي يؤهلهم إليه. إن الوعي بهذه المهمة هو نفسه فك للشيفرة التعليمية التعلمية.


مرحلة التعليم الابتدائي

إن مرحلة التعليم الابتدائي من أهم مراحل التعليم على الإطلاق، إنها مرحلة الانطلاق، تؤسس عليها المراحل المتعاقبة، فالخيارات في هذه المرحلة خيارات اكتساب مهارات الأداء، وكل ما ينمي في المتعلم روح المبادرة، هو الخيار الأمثل، وإذا نحن أدركنا هذا البعد في الشيفرة التعليمية التعلمية، نكون قد اهتدينا إلى أمر مهم؛ ألا وهو تـخريج متعلمين مزودين بآليات اقتحام الحياة العملية: فكر، لغة، وأسلوب عمل.

قد يتوهم البعض أن ما توحيه بطون الكتب من المعرفة؛ هو ما يجب أن نشحذ به ذاكرة المتعلم، وإن دلّ هذا على شيء، فإنما يدلّ على سوء التدبير المدرسي، الذي يقع فيه الكثيرون.

إن الاهتمام بشخصية المتعلم هي الأهم، وأن ما يجب أن تعمل عليه المدرسة، هو صناعة الإنسان الكفء، قبل صناعة المعرفة، فصناعة المعرفة نتيجة لصناعة الإنسان وليس  العكس.

ففي أي مجال معرفي يستطيع المتعلمون أن يجيبوا عن أسئلة المعلم، إذا كان المعلم نفسه قد عرفهم بها من قبل، ثم يطمئن بذلك إلى نتيجة عمله، وتلك هي الخدعة التي كثيرا ما أفشلت العمل المدرسي.

لكن المسألة ليست في الأجوبة وحسب بل المسألة في قدرة المتعلمين على طرح الأسئلة.

إنني أذكر موضوع (الجملة) وهو موضوع في المعرفة كنت طرحته في كتابي (المرشد في الإنشاء) بصيغة (تعبير بسيط). إنه مصطلح كثير التداول في الوسط المدرسي يتقبله الجميع، معلم وتلميذ، من غير أن يسألوا عن ماهية الجملة؟ ولو أنهم حاولوا، ماستطاعوا، يقول الدكتور صلاح فضل في كتابه (علم الأسلوب) صفحة 84، "فعلم اللغة مثلا يستخدم بنجاح بالغ مقولة الجملة، بالرغم من عدم اتفاق العلماء على تحديدها، حتى عكف بعض الباحثين على جمع مائة وثمانية وثلاثين تعريفا للجملة، ومع ذلك فهي بالغة الفائدة في جميع التحليلات اللغوية، ولا يمكن التخلي عنها". المتعلمون عندنا يعرفون فقط الجملة النحوية ويكتفون بها.

من غير أن يعرفوا كيف يرقون بها إلى إنتاج جملة نصية، فالجملة النصية، ليست عينة تركيب من فعل وفاعل ومفعول به، بقدر ما هي جملة اكتملت فيها الفكرة باللغة. وقد يرى البعض أن في الكم النوعي والموسوعي للمعارف أو ما يسمى بالثقافة العامة أهم شيء يميز شـخصا من شـخص، إن هذا القياس غير سليم، لأن القياس السليم هو قياس القدرات الإنتاجية، مما يبديه الشخص على الصعيد العملي، ما يجعل منه إنسانا متميزا، إن القياس الصحيح لتقييم شـخصية المتعلم يرتاح إلى هذا الأخير، ولا يرتاح إلى ذلك المتقدم.

فقد نعلم الأطفال الصغار الأبجدية الحرفية للغتهم العربية، لا لغاية التمييز بين الحروف الشمسية، من الحروف القمرية وحسب، فهذه غاية بسيطة جدا؛ إحصائية يمكن لأي طفل أن يسردها عن ظهر قلب، وأن يعدها حرفا بحرف، غير أن الغاية التي نروم تعليمهم إياها هي أن نجعل منهم قارئين كاتبين، متخطين مرحلة التهجي إلى مرحلة الاسترسال، ومتخطين مرحلة التعرف إلى مرحلة التوظيف.

إن الفوارق الفردية بين طفل وآخر، تتجلى هنا في الفرق بين طفل يقرأ ويسترسل، وطفل يقرأ ويتلعثم، وبين طفل يكتب ويحسن الخط، وطفل يكتب ويخربش.

هكذا إذن يتضح أن استعراض المادة المعرفية ليس هو التحكم في استثمارها.

إن التحكم في الأبجدية يتوضح من خلال ما يبديه الأطفال من قوة الملاحظة، وجودة في الأداء، وسلامة في التوظيف.

إننا مطالبون بتغيير أساليبنا التعليمية، بشكل نقدم فيه الأبـجدية الحرفية للأطفال كمادة للصناعة، بها يشكلون المقاطع الصوتية، وبها يشكلون ألفاظا ذات مفهوم.

سوف نتبين من خلال اللوحات التي سنعرضها هنا، مدى البعد التعليمي المبسط للغة على النحو الذي نراه والذي نتوقع منه أن يشكل طفرة نوعية لعمل تعليمي يعود باللغة إلى عذريتها، من غير ألوان ولا مساحيق التجميل، وبالتالي يـجعل متعلمها أكثر إقبالا عليها، وأكثر فهما لها، وأكثر إفهاما بها، وباختصار أكثر تداولا لها، والبداية ستكون من اللوحة التكميلية التي تعاضد اللوحات القرائية التي تحدثت عنها في ملف سابق، والتي قلت عنها، إنها تقدم حقائق فينومولوجية من  صلب اللغة بمنطوقها بين الفصل والوصل، وبين المقطع والمقطع، حال القراءة، وحال الكتابة، تشكيلا للفظ وإكماله.

إن هذه اللوحات هي نماذج لممارسات تعليمية تعلمية في آن واحد، من خلالها سيطور المتلعم قدراته على القراءة أولا، ثم على تشكيل اللفظ المفرد. وعلى إخراجه إلى الوجود ثانيا.

وإن هي إلا الوسائل التعليمية التعلمية، التي تدفع المتعلم إلى اختيار المقطع الصوتي، الذي بدونه لا يتحدد المفهوم، هذا وقد سبق لي القول بأن المقطع في اللفظ المفرد يحدد المفهوم. في مثل (بلغ/ بلع).

هذا من جانب ومن جانب آخر، وهو جانب مهم جدا، قد لا يفطن إليه البعض، ألا وهو: جانب الضعف المعجمي، والفقر في هذا الجانب كما يعاني منه أطفالنا بحدة، وهذه اللوحات سوف تستفز فكر المتعلمين للاستقواء باللفظ وامتلاكه، حيث يدعون إلى التشكيل اللفظي وإخراجه إلى الوجود، حسب اجتهادهم، ووعيهم بدور المقطعية في تشكيل اللفظ المفرد.

وإليك نموذج اللوحة المقصودة الآتية لوحة (أ) و(ب) إحداهما تكمل الأخرى.


لوحة (أ).

تشكيل اللفظ المفرد

أكملْ واملأْ الخانات الفارغة بالحرف الناقص –حرف واحد هو الصحيح في كل الخانات –ثم أكتب على جانب الجداول مكان النقط الألفاظ المفردة التي تم لك تشكيلها.

. ـثَـ ـبَ .......... دَ . نَ ..........
. ـجَـ ـبَ .......... عَـ . لَ ..........
. صَـ ـلَ .......... كَ . ـرَ ..........
هَـ . . ءٌ .......... . . حِـ ـدٌ
دَ . . ءٌ .......... . . قـِ ـفٌ
شِـ . . ءٌ .......... . . عـِ ظٌ


لوحة (ب)

املأ الخانات الفارغة بالحرف المناسب ثم اكتب الألفاظ التي تم لك تشكيلها:

. ـتَ ـبَ
كـِ . . بَـ ـةٌ
. . تِـ ـبٌ
مَـ كـْ . . بٌ
. ـتَـ ـبَ
يَـ . ـتُـ ـبُ
آ . ـتُـ ـبْ
كِـ . . بَـ ـةٌ
. ـتـ ا بٌ
. ـتـ ا بـ ا نِ
. ـتُـ ـبٌ
مَـ ـكْـ ـتَـ ـبَـ .

                                                     

. . تِـ ـبٌ
. . تِـ ـبـ ا نِ
. . تِـ ـبٌـ ـو ن
. . تِـ بـ ا تٌ
كِـ . . بُـ ـكَـ
كِـ . . بُـ ـه
كِـ . . بُـ . .


ما يمكن أن نستخلصه من اللوحتين (أ) و(ب) هو: كون التمرس التعليمي التعلمي في إطار اللوحتين شيء واحد: هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن ما تضمنته الشيفرة التعليمية التعلمية في كل لوحة يختلف عن الأخرى وهذا بيانه:

لوحة (أ)

أولا-تذكير المتعلمين بأن حرفاً واحداً هو المطلوب في جميع الخانات، عليهم أن يستوفوا به ملء الخانات الفارغة,.

ثانيا: تذكير المتعلمين بكتابة الألفاظ التي تمكنوا من تشكيلها على جانب الجدول مكان النقط.

ثالثا: تقدم اللوحة إسنادا يقرب المتعلمين من ظواهر التشكيل اللفظي وكيف يتم مقطعيا.

رابعا: كل ممارسة يمارسها المتعلم في إطار الجدول هي ممارسة تعلمية إنتاجية.

خامسا: الممارسة داخل اللوحة تعمل في ثلاث اتجاهات. القراءة والكتابة والتشكيل اللفظي.


لوحة (ب)

أولا: تتضمن اللوحة ما يميز الأداة من اللفظ ما يبصر المتعلمين بظاهرتي الإلحاق والإكمال مثل سابقة حرف المضارعة. ولاحقه الضمير المتصل.

ثانيا: تتضمن اللوحة ما يبصر المتعلمين بالظواهر الصرفية ودور المقطع في تشكيل هذا النوع من الصيغ. صيغة اسم الفاعل واسم المفعول على سبيل المثال.

ثالثا: الممارسة في إطار هذه اللوحة ممارسة أدائية؛ يُستحضر فيها الفكر بداية، ويُستخلص إلى نتيجة (شكل وصورة اللفظ المفرد).

رابعا: الممارسات في إطار هذه اللوحة، تهيء المتعلمين إلى الدروس النظرية. والقواعد النحوية والصرفية التي تنتظرهم بعد المدرسة الابتدائية.

خامسا: لا يفوتني أن أذكر بأن المتعلمين إذا تم لهم التعامل مع ما بين 24 و28 لوحة من النوعين (أ) و(ب) خلال السنة لن يغادروا المدرسة الابتدائية إلا وهم مدركون اللغة في عذريتها ووضوح معالمها المادية.

من التشكيل إلى التركيب[عدل]

لقد أفضت الحديث عن ظاهرة التشكيل اللفظي بما فيه الكفاية، أما التركيب فيظهر في صورة ضم لفظ إلى آخر –مركب ثنائي- من حيث الظاهر؛ أي المنطوق المنجز، كما يخرج إلى الوجود، أما من حيث فعل الفكر المصاحب له، فيعتبر مرحلة متقدمة نسبيا على التشكيل، الذي تغلب فيه المدركات على المفاهيم، حيث يظهر جليا في المركب، انتقال الفكر من الصور المدركة إلى الصور المجردة.

إن أول ما يظهر هذا النوع من المنطوق لدى الأطفال؛ يظهر في صورة تقدير وموازنة: (كبير)، (صغير)، (بعيد)، (قريب) (ساخن)، (بارد)، (حلو)، (مر). حيث تأتي طبيعة المنطوق في صورة ثنائي لفظي، في قول الطفل: (أنا كبير)، (أنت صغير) (حليب ساخن)، (ماء بارد)...إلخ.

أو في صورة تملك (إضافة)، في قول الطفل: (خبزْ ديالي)، (كرة دْيالي). (حذاء أبي)، (فستان أمي).

أو في صورة إجراء في قول الطفل: جاء أبي)، خفت الظلام)، أو في صورة وصف، في قول الطفل: (أبي جميل)، (برتقال حلو) أو في صورة طلب في قول الطفل: (اعطيني قلما)، (امسح لي أنفي)، أو في صورة سؤال في قول الطفل: (من هذا؟)، (شكون هذا؟) (أين ذهبت) (فين أمشيت؟) ..إلخ.

إن التركيب في صورة ثنائية لفظية ظاهرة واضحة المعالم في اللغة، ومن هذا تكون الأهمية الكبرى للتركيب الثنائي في تبيان القصد اللغوي للمتكلم، وهو ما أشار إليه الدكتور عابد الجابري في تعريفه للقصدية اللغوية بالقول: "القصدية اللغوية تعني مطامح الإبلاغ" (مجلة العلوم الإنسانية، ص: 15). إن التبليغ عند المتكلم العربي؛ في أسلوب منطوقة، أي كيف يوزع ألفاظه، وكيف ينسقها وكيف يرتبها، والطريقة التي بها يرسل كلامه.

إن هذا النوع من التركيب اللفظي الثنائي شائع في الأدبيات والمحكيات العربية، ويتضح بشكل لا غبار عليه في ما يسمى الترادف (حلو زلال) (عليل منعش). (جذاب أخاد) ..إلخ. وقد يرى البعض في هذا أي (الترادف) تكلفا زائدا، لكن طبع العربي، طبع ينشد الوضوح، طبع ينأى عن التلميح، إذا أمكن التصريح، طبعه يأبى تهجين اللفظ بما لا يستقيم مع موسيقى الأصوات أو الجمل العربية، أو سياق غير السياق الذي درج عليه في إصدار كلامه، وتجنب منه لهذه الاحتمالات يلجأ إلى هذا النوع من التركيب، إننا نرى ذلك جليا حين يعبر العربي عن مدركاته، ويأبى إلا أن يقدمها تقديما مقنعا مسنودا لفظا إلى لفظ مختارين بدقة، وذلك ما يلاحظ في الأمثلة الآتية:


أولا: حيث مطمح إبلاغ المتكلم يؤكده بالثنائية اللفظية، على الشكل التالي:

ثانيا: وحيث إن مطمح إبلاغ المتكلم في مواجهته للشك. التأكيد والنفي يلجأ إلى التوقع على الشكل التالي:


إن هذه الثنائية في التركيب إما أن يصحبها حرف رابط وإما أن تكون بدونه. مثل: (قل وأوجز) ثنائية بحرف رابط هو (الواو)، ومثل: (قولٌ وجيز) ثنائية بدون رابط. فإن المعنى واضح وجلي من الثنائية. كما هي مجسدة، وكما هي منطوقة.

إن هذا التركيب الذي نقول به، ليس بالتركيب الذي يقول به النحويون: إضافي، أو مزجي، أو  إسنادي، بل هو ظاهرة غير هذه الظواهر، ظاهرة مادية لفظية، لا تصف القول بقدر ما تجسده إنها اللغة العذراء كما أسمايناها. ما جُعلت إلا للبيان.

إن التركيب اللفظي الثنائي، بهذه الصورة؛ يقع بين

اللفظ المفرد والجملة فهو تكريب نووي وسط بينهما، ويمكن تقريبه من خلال تحليلنا لجملة نصية من تأليف (لوران غسبار) يقول فيها: (*)

(هذه الواقعة ظلت راسخة في ذهني، وكأن الأمر وقع البارحة).

هذه الواقعة

ثنائية (أ)

ظلت راسخة

ثنائية (ب)

في ذهني

ثنائية (ج)

كأن الأمر

ثنائية (د)

وقع البارحة

ثنائية (هـ)

أداة وإجراء إجراء وإجراء أداة وذات أداة وإجراء إجراء وذات

هكذا نرى من خلال الجملة السابقة، الدور الذي تؤديه الثنائية اللفظية، في تأليف الكلام – أيّ كلام- شفهيا كان أم كتابيا.

وللزيادة في توضيح هذه الظاهرة التركيبية اللفظية، نسوق المثال التالي لجملة نصية، من تأليف (خالد النجار) يقول فيها:

(ومع ذلك نجد كتابا كثيرين يعيشون بعيدا عن أوطانهم).

مع ذلك

ثنائية (أ)

نجد كتابا

ثنائية (ب)

كتابا كثيرين

ثنائية (ج)

كثيرون يعيشون

ثنائية (د)

يعيشون بعيدا

(ثنائية (هـ)

بعيداعن أوطانهم ثنائية (و)
أداة وأداة إجراء وذات ذات وإجراء إجراء وإجراء إجراء وإجراء إجراء وذات

(*)خالد النجار: سراج الرعاة, كتاب الدوحة فبراير 2014 صفحة 58


ومع ذلك                                      نجد كتابا

ثنائية (أ)                                      ثنائية (ب)

كتابا كثيرين                                 كثيرين يعيشون

ثنائية (ج)                                     ثنائية (د)

يعيشون بعيدا                                بعيداعن أوطانهم

ثنائية (هـ)                                    ثنائية (و)

الجملة النصية: ومع ذلك نجد كتاب كثيرين يعيشون بعيدا عن أوطانهم

يبدو النسيج اللغوي متماسكا ينسجه الفكر ويتلقاه ويفهمه في صورته المكتملة؛ صورة الجملة النصية؛ التي تكتمل فيها الفكرة باللغة.

لقد عرّفنا مقدما  ظواهر التشكيل اللفظي، وعلى هذا سوف لن يختلط علينا اللفظ في كونه:

- بيان ذات.

- أو بيان إجراء.

- أو بيان أداة.

وفي المقابل لن يلتبس علينا اللفظ المفرد، ولو كان حاملا لأكثر من علامة، ومن هذا، فإن التركيب اللفظي الثنائي يكون من:

- الذات والذات مثل: عمود الخيزران.

- الذات والإجراء مثل: السماء تمطر.

- الذات والأداة. مثل: الحمامة هذه.

- الإجراء والإجراء مثل: تكبّر وتجبّر.

- الإجراء والذات مثل: تجري الرياح.

- الإجراء والأداة مثل: اقترب مني.

- الأداة والأداة مثل: من هذا؟

- الأداة والذات مثل: هذه الوردة.

- الأداة والإجراء مثل: ما العمل؟

بعد هذا أذكر المتتبع والقارئ الكريم أنني أقدم ما أقدمه، في إطار ما ألزمت به نفسي: إطار عذرية اللغة، على قدر المستطاع، من غير أن أشغل نفسي بتخريـجات منطقية أو فلسفية أو جمالية، نحوية أو صرفية أو بلاغية، فهذه الأمور موجودة في الكتب والمصنفات. لمن شاء أن يتوسع في الدرس والبحث.

إنني في الواقع أعمل من أجل استنبات اللغة العربية من جديد، فهذه –اللغة من وجهة نظري- بقيت خارج التأطير المادي، ما أفقدها حركة التجدد والتطور، ثم أنني "أحميها من السقوط" –على حد تعبير الشاعر الفلسطيني محمود درويش- الذي آلت إليه حين تـخلى الكثيرون عن خدمتها.

إن استنباتها في أذهان الأطفال، يجب أن يتم عن طريق التعليم، ومن خلال الدرس النظامي، وبطريقة عملية سهلة المنال، مع إذكاء الفكر اللغوي في الناشئة، متمثلا في دعوتهم إلى المشاركة والانخراط في عمليات هذا الاستنبات، سوف يجدون الوسائل المحفزة على هذا الانـخراط، بمساعدة المعلم الكفء، الذي لا يملي عليهم القول، ولكن يساعدهم على إيجاد القول الصائب تشكيلا وتركيبا.

وسيلته في ذلك ما سنقدمه له من اللوحات تخدم هذا الغرض.

إننا نتوقع بأن التركيب اللفظي الثنائي حين يعرف على حقيقته سيطور لغة المتكلم العربي، ويرقى باللغة إلى مرتبة المنافسة في قوة التبليغ ، وجودة التواصل.

وفي ما  يلي نقدم بعض اللوحات المشار إليها على أمل أن تجد طريقها إلى المدرسة الابتدائية لترفع من قيمة الدرس اللغوي العربي وفي هذه المؤسسة الاجتماعية التي لها الدور الكبير في تنشئة الأجيال المقبلة. وعلى الله قصد السبيل.

هذه اللوحات تقدم في شكل وضعيات تعليمية تعلمية يمكن أن تتولد منها وضعيات لا محدودة بمفاهيم ومعاني متنوعة، في ذات الوقت الذي تحتفظ فيه بإطارها التركيبي، كعينة ضابطة وقالب للتشكيل؛ حيث إن كل لوحة من اللوحات التسع تقدم إطارا وقالبا من إطارات وقوالب من قوالب اللسان العربي الفصيح. حيث لا يوجد في هذه اللغة ما هو أزيد عليها.

  فالثنائيات اللفظية كما تقدمها هذه اللوحات هي صورة للتركيب اللفظي تداولي في هذه اللغة، إذ لا تعدو أية ثنائية لفظية فصيحة من أن تكون في صورة من الصور الآتية:

  - ذات وذات.                 على سبيل المثال:                        

  - ذات وإجراء.              فالثنائية اللفظية من ذات وذات

  - ذات وأداة.                 يمكن أن تعطي عددا لا محدودا

  - إجراء وإجراء.            من الثنائيات لا تشبه الواحدة منها

  - إجراء وذات.              الأخرى مفهوما ولا معنى.

  - إجراء وأداة.               ونفس الأمر ينطبق على كل

  - أداة وأداة.                  الثنائيات الأخرى.

  - أداة وذات.

  - أداة وإجراء.

   إن هذا الأمر نفسه هو ما يبرر إدراج هذه اللوحات في نشاط تعليمي تعلمي بامتياز، فإذا أدرك الطفل إطار وضعية منها سهل عليه أن ينتج وضعيات مماثلة لها وبلا حصر؛ وبها يصبح الطفل مع الممارسة متمكنا من لغته العربية الفصحى في يسر وسهولة.

من التركيب إلى الجملة النصية[عدل]

الجملة النصية هي جملة كلام، لبها وجوهرها الفكرة، جسدها ولحمتها اللفظ؛ اللفظ في صورة أصوات، وألفاظ وتراكيب، جملة شفاهة، وجملة كتابة، وجملة قراءة، وجملة إنشاء، وبالتالي جملة تواصل.

فأن تواصل معناه أن تبث رسالة، إلى من تتواصل معه. فحوى الرسالة ومضمونها؛ هي الفكرة التي تعبر عنها، لا يعتقدن أحد أن الفكرة تجسد من بيان واحد، أو من مفهوم لفظي أوحد. من مثل ذات أو إجراء، أو أداة وحسب.

فلا جملة نصية إلا وهي تراكيب لفظية من كل هذه المفاهيم إنها مجموعة تشترك في نسيجها، ينتهي بها التسلسل والتتابع إلى فكرة ما؛ هي الموضوع المتداول فيه وفي شأنه، وإذا كانت الفكرة غائبة في أي كلام؛ فلا يعتبر آنئذ جملة نصية.

الجملة النصية بهذه الصورة؛ قد تطول، وقد تتوسط وقد تقصر، فالطول والقصر؛ لا يدخلان في اعتبار الجملة النصية؛ فقد تكون الجملة النصية في حدود تركيب ثنائي أو تركيبين.

ما دامت الفكرة التي سيقت من أجلها واضحة، مدركة ومفهومة كما في قول الله تعالى موجها خطابه إلى رسوله r في سورة المدثر بالقول: ﴿يا أيها المدثر، قم فأنذر،﴾ سورة المدثر: 1-2.

وقد تتوسط الجملة النصية بين الطول والقصر في مثل قصيدة شعرية للشاعرة الهندية سلمى بعنوان (مكان مهجور) أوردها الدكتور شهاب غانم في كتاب (مطر الليل) ص: 105. كتاب دبي الثقافية عدد 107 يونيو 2014.

مكان مهجور

في وقت

ظننت فيه أنني أخفيت وحدتي داخلي

بعيدا عن أعين الفضوليين

تسألني

لماذا أنا وحيدة، في كل الأوقات.

بين كل السائرين، دون اهتمام،

متجاوزين أحزان وحدتي

أنت وحدك تسألني هذا السؤال

موقظا حزنا ظل دفينا

في أعماق ذاكرتي

زمنا طويلا.

أنت؛ تقرأ هذا النسيج النصي، وأنت تبحث فيه عن فكرة؛ فكرة تبعث في فكرك تموجات مفهومية، لتجعل منك شـخصا يتعاطف معها، فلا تجده إلا عند البوح بحزن دفين في أعماق ذاكرة الشاعرة لزمن طويل.

تلك هي الفكرة الجوهر في النص، إن النص يكتمل باكتمال الفكرة، إما أن يستأنف بنص موال، وإما أن يتوقف عند هذا الحد. هذا من جانب جلاء الفكرة، أما من جانب جلاء اللغة. فالأمر يتوضح من خلال التراكيب الثنائية التي يتعاضد يعضها مع بعض في نسيج النص. في تناسق وتماسك، وأن استجلاء متانة اللغة في شكلها الظاهر؛ يكفي أن نحلل جزءا من النص إلى تراكيب لفظية ثنائية على النحو التالي:

في وقت ظننت فيه           ثنائية (أ)

ظننت فيه أنني                ثنائية (ب)

أنني أخفيت                    ثنائية (ج)

أخفيت وحدتي                 ثنائية (د))

وحدتي داخلي         ثنائية (هـ)

داخلي بعيدا                    ثنائية (و)

بعيدا عن أعين                ثنائية (ز)

أعين الفضوليين               ثنائية (ح)

الفضوليين وتسألني           ثنائية (ط)

تسألني لماذا                   ثنائية (ي)

لماذا أنا                        ثنائية (ك)

أنا وحدي                      ثنائية (ل)

الجملة النصية حين تفكك بهذه الصورة؛ إلى مكوناتها النووية؛ أي التراكيب اللفظية الثنائية أنئذ تتوضح لغتها كما هي في عذريتها، ألفاظا ذات مفاهيم مفهومة ومدركة، كأنها أعضاء في جسد متناسق ومتماسك، فالجملة النصية من هذا القبيل تفرض نفسها كمكون أدبي جمالي، فكري ولغوي في آن؛ فهي كذلك في أي كلام، وفي أي خطاب وفي السرد وفي الحكي وفي التراسل، مهما طال أو قصر.

ومن عيوب اللغة أن تقدم في صورة ثنائيات لا انسجام بينها ولا ترابط مفهومي؛ كل لفظ فيها نشاز مع سابقه أو لاحقه، لا يفصح عن بيان يدرك ضمن التركيب الثنائي. وهذا ما يجعل فكر القارئ يعيش تيها؛ صوره مخاطبه، وهو نفسه لا يعرف ما يقول.

والشاعر أو الكاتب المقتدر يختار من الألفاظ ما يشكل منه ثنائية لفظية وازنة، تحرك الفكر وتأسره، حين ينسج بها وبأمثالها فكرة، قد لا تـخطر على بال أحد. هي صورة أو مشهد من الحياة. لكن شاعرا أو كاتبا يفتل اللغة كما تفتل حبال الدوم، تبقى الجملة النصية بائرة، لا جدوة فيها متقدة، رماد إلى رماد.

إن الجملة النصية، قد تطول حسب مقتضى الخطاب، وتأخذ صورة الطول من إكمال الفكرة التي تقدمها؛ حيث إن تجسيد الفكرة لا يتم إلا من مادة لغوية بانية، واضحة المعالم: ألفاظا وتراكيب ثنائية.

وفيما يلي نقدم مثالا لجملة نصية طويلة. للأستاذة تركية العمري، لموضوع لها بعنوان (المترجم الأدبـي) المجلة العربية. صفحة 15/16 العدد 451 يونيو 2014 تقول:

(( يقف المترجم الأدبي على تـخوم حساسية مفردات اللغات ومعانيها، وشاعريتها، وقسماتها الصارمة، فيبتكر تعادلات، يتحرر لحظات من تلك الحساسية، ويعود إليها في لحظات أخرى، تطارده، ويطاردها، يهادنها تارة، وتارة يثور عليها عندما تستعصي عليه وأخيرا يذعن لها من خلال لغة وسيطة، يفعل كل ذلك وهو يحمل في وجدانه وفكره الثقافي قلق مسؤولية التأثير الثقافي على المتلقي في لغته الأم، وجذبه نحو النص الذي حمله من أرض أخرى، وبملامح آخرين لا يشبهونه، ولا يشبههم إلا في إنسانيتهم وإبداعهم. في رحلة إبحاره يحاول أن يتجاوز المترجم الأدبـي مفردة الخيانة، فيجند كل إمكاناته الإبداعية والجمالية ممسكا بروح النص وكاتبه، وهنا تنهض أخلاق المترجم ممارسة الأمانة مع النص وكاتبه، فهو الحارس الأمين على اللغة الأخرى عندما يحتك بها واللغات الوسيطة بينهما، فالمترجم الجاد يرتبط بكاتب النص الأصلي ويشعر بانتمائه له وبأنه يشاركه فكره وكلماته، وتنشأ بينهما علاقة ألفة وصداقة)).

ولعل في تحليل هذه الجملة ما يبين المعنى والصورة التي نسجت به؛ وكيف اكتملت فيها الفكرة باللغة في آن على النحو التالي:

                       

والخلاصة هي أنه حين يتمكن الكاتب، أن يبقي في فكر القارئ  بيان إجراء قابل للتمثيل والتمثل، آنئذ يقال عنه إنه كاتب مقتدر، وإن ترجم فهو مترجم كفء.

أعتقد أن هذه اللوحة غنية عن أي أضافه، وأعتقد أنني قد مثلت لكل أنواع الجملة النصية. قصيرة ومتوسطة وطويلة كما أن الأمر لا يتعلق بطريقة تعليم وحسب، بل يتعدى الأمر ذلك ليشمل منهجا نقديا أدبيا من وجهة خاصة. ذلك لكون الشيفرة التعليمية التعلمية تفرض ذلك وأكثر ليلا نقيم تعليما على مبادئ وأسس واهية.

فإذا عرف القائم بالتعليم القاعدة التي يبني عليها تعليمه، فذلك لا يعفيه من أن يعرف القمة التي يشيدها.

    إن خدمة التلميذ تتطلب بذل مجهود معقلن، مريح وغير مرهق، لكنه مفيد، والوعي بهذا الأمر واجب.                        وسوف أقدم بعض النماذج لعمليات تعليمية تعلمية لا تروج لمعرفة من نوع ما، بقدر ما تعمل على الإثارة من أجل التعلم الذاتي.

أولا: كان أحد رجال القرية الجبلية، يقضي وقته في الغابة المجاورة لقريته وهو يبحث.

عن أي شيء كان يبحث؟

جواب................

ثانيا: وضعت الأم الفاكهة بعيدا عن متناول الأطفال.

لماذا؟

جواب:......

ثالثا: ذهب أحد الأطفال إلى المدرسة راكبا دراجة هوائية، ولما عاد إلى البيت عاد ماشيا على قدميه.

ماذا حدث؟

جواب:............

رابعا: وقف الرجل عند باب المنزل، لكنه لم يدخل.      ففي ما كان يفكر؟

جواب:........


ولنكون على بينة من الشيفرة التعليمية التعلمية التي تتضمنها مثل هذه التمارين نقول إنها:

1-   تدعو التلميذ إلى التفكير.

2-   تدعو التلميذ إلى التعبير.

3-   تدعو التلميذ إلى الكتابة.

4- تدعو التلميذ إلى الكشف عن ثقافة مجتمعه.

5- تدعو التلميذ إلى الاستقلال برأيه.

6- تدعو التلميذ إلى الاعتماد على نفسه.

7- تدعو التلميذ إلى تجنب النقل والتقليد.

8- تمرن التلميذ على تمرير الخطاب في جلاء عبارة ووضوح فكرة.

وللزيادة في التوضيح نقدم النموذج الآتي؛ كما الاحتمالات التي يأتي بها التلميذ، وقد يأتي بما هو أكثر من ذلك وأبين، إنما المهم أن يترك التلميذ يعالج الأمر بينه وبين نفسه بما أوتي من الكفاءة وقوة الملاحظة.

لم يكن في الطريق أحد سوى سليمان، سمع سليمان نداء يقول: أيها الطفل! أيا ولد! التفت سليمان خلفه، فإذا امرأة تلوح بيدها، وتقول: ألا فانتظر أيها الولد! وقف سليمان مليا يفكر؛ ماذا عساها أن تقول؟

الجواب:

هناك احتمالات كثير فيما ستقوله المرأة لسليمان نذكر منها على سبيل المثال:

- ما اسمك يا ولدي؟                    احتمال (أ)

- ما اسم عائلتك؟                       احتمال (ب)

- إلى أين أنت ذاهب؟                   احتمال (ج)

- أين تسكن؟                            احتمال (د)

- هل ضاع منك شيء ما؟             احتمال (هـ)

- أأنت ذاهب إلى المدرسة؟             احتمال (و)

- هل توجد صيدلية قريبة من هنا؟     احتمال (ز)

- الطريق يا ولدي خالية أريد أن أرافقك وترافقني أليس كذلك؟                                           احتمال (ح)

الشيء الذي يمكن الانتباه إليه هو أن الإجابات سوف لن تكون واحدة.

الفروق الفردية في التفكير سوف تطفو على السطح، كذا الفروق اللغوية، ثم فروق البحث عن الفكرة، والمعلم الكفء هو الذي سيحدد ما انتبه إليه التلميذ وما غفل عنه، ويدرك بالتالي أنه يكون شـخصية التلميذ وتميزه، وأن ينمي فيه هذا المبدأ. بالتوجيه والتشجيع.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن التعليم في إطار الجملة النصية على النهج الذي أوضحناه به آنفا يمكن الامتداد فيه بحيث يحوّل إلى نشاط إبداعي تشاركي بين الأطفال. وبالكيفية التالية:

- ينتظم الأطفال في مجموعات عمل من خمسة إلى ستة أفراد.

- ينتدبون من بينهم رساما ومحررا.

- يبدؤون العمل؛ بأن يقرأ كل طفل الجملة النصية التي أنتجها في الموضوع.

- يتم تخمين إجابات الطرف الثاني في الحوار من طرف أفراد المجموعة.

- يرتبون هذه الجمل ترتيبا متسلسلا؛ الأولى فالتي تليها.

- يتم رسم ما توحي به كل جملة على حدة رسما تقريبيا، يتعاون عليه أفراد المجموعة مع من انتدبوه للرسم.

- يتولى المحرر تحرير  الجمل على رأس كل رسمة.

- ترتب هذه الرسوم بجملها كموضوع حكائي مكتمل الحلقات، يأخذه كل تلميذ من المجموعة في دفتره الخاص كرسالة تواصل بين المدرسة والآسرة.


الهوامـــش

1 – ( لا يمكن أن توجد آداب للأمة إلا إذا كتبت بلغة الأمة(   وليم وريل الأمريكي. من كتاب: فتاوى الكتاب والأدباء.                       

  توطئة. سعيد بنكراد. كتاب الدوحة. دسمبر 2013.    

  ص: 129.

2 – ( اللغة في أي أمة من الأمم هي الوعاء الفكري الذي    يحمل فكر الأمة ويقدمها للآخرين. فلذلك تجد موقف    الأمم من اللغة يعكس شهودها الحضاري، وقد أشار إلى                                                          

   هذه المسألة المفكر الإسلامي ابن حزم عندما قال: إن    الأمم إذا ذهب سلطانها، فإن أول ما يظهر ذلك على    لغتها). ليلى خلف السبعان. مجلة العربي. العدد 664

   مارس 2014 ص:13.

3 – ( حيثما يوجد الفكر توجد اللغة ) . ديكارت. أنظر    موضوع: نظرية التكلم. أنطاوان كوليولي. ترجمة    زهور حوتي. مجلة. فكر ونقد عدد 89/90 يوتيو

   2007. ص: 97.

4 – أقول: إن الجبلة هندسة خلق، وهي ثابتة لا تتغير على     خلاف الفطرة التي هي حسب النشأة.

5 – ( الفكر هو الذي يشكل اللغة لا العكس ). نايف خرمة.     عالم المعرفة. ص: 121.

6 – مفهوم كفاية الأداء عند شومسكي ( إنسان قادر على     تطبيق قواعد لغة ما في كلامه ). أما إسكينر. فيعتبر     اللغة شكلا من أشكال السلوك. د. كمال بكداش. علم     النفس ومسائل اللغة.

7 – ( إن التفكير لا يصبح منتجا ومنهجيا إلا بعد أن يتم     اكتساب اللغة ). موضوع: بأي لغة يتم التفكير؟ ترجمة     عبد الله هلو، مجلة التنشئة. العدد الأول. السنة الأولى.

    أكتوبر 2005 ص: 36.

8 – ( في عام 1985 أعلن بروكا مقولته الشهيرة: نحن      نتحدث بالنصف الكروي الأيسر للمخ ). كريستين      تيميل. المخ البشري. ترجمة د. عاطف أحمد. مجلة

     عالم المعرفة. العدد 287 نوفمبر 2002 ص: 91.

9 – أقول: إن الهوية رموز لغوية، هذا وحده ما يعفينا من      التأويل نفيا أو إثباتا لآية هوية أخرى، كذا لا يستطيع      أحد ما أن يفلت من سلطة رموز لغته القومية،

     فالأجداد الأوائل هم من وسموه بها، إلى حد أن      الحرف العربي علامة على رؤوس العرب حيثما      وجدوا وبأية لغة نطقوا.

10 – ( اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ).

     ابن جني. د. بليغ إسماعيل. المجلة العربية العدد 413       مايو 2011 ص: 114.

11 – ( يستخدم الناس كل الناس اللغة التي بها نشؤوا       وعليها تربوا ). عبد السلام المسدي. فضاء التأويل.

      كتاب دبي الثقافية. عدد 68 سبتمبر 2012 ص:       260.

12 – ( إن العنف الرمزي حسب بيير بورديو: هو عنف       غير مرئي لطيف ولين وعذب يقوم على إلحاق       الضرر بآخرين عبر اللغة والتربية ). زهير قاسمي.

      جريدة: العرب الأسبوعي. السبت 18/12/2010

      13 – ( إذا تحاشيت الرمز ارتكس العلم ذاته ). عبد السلام       المسدي. فضاء التأويل. كتاب دبي الثقافية. العدد 68

      سبتمبر 2012 ص: 290.

14- ( إن لكل ثقافة منظومتها السيميائية ). عبد السلام      المسدي. نفس المرجع السابق. ص: 86.

15 – ( ما الذي يعرفه المتكلم/السامع حول لغته؟). يلزمه      بوجه عام، أن يعرف الأصوات المستعملة في هذه      اللغة، وكيف يجب ترتيب هذه الأصوات لبناء الكلمات

     وكيف يجب ترتيب هذه الكلمات لتكوين الجمل. كمال

     بكداش. علم النفس ومسائل اللغة. ص: 44.

     أقول: يجب التمييز ما بين التلفظ والتكلم: فالتلفظ نسيج      صوتي. بينما التكلم تركيب لفظي.

16 – ( كثيرا ما يعتبر لوك من أعلام التجريبيين     البريطانيين، ينعكس هذا التمسك بالتجريبية في مقولته      الشهيرة: إن العقل عند الولادة يكون شبيها بصفحة

     بيضاء خالية من أي شيء مكتوب عليها. دنكان        بريتشارد. ما المعرفة؟. ترجمة مصطفى ناصر. عالم

     المعرفة. العدد 404. سبتمبر 2013. ص: 124

17 – أقول: يجب الاِنتباه إلى الفرق الذي بين مصطلح      اللفظ. ومصطلح الكلمة: اللفظ مفهوم ومعنى، أما      الكلمة فصورة وشكل.

18 – ( الطفل يظل يشعر شعورا قويا بتركيب الأصوات     في لغة أبويه، واختلاف الصيغ والربط بين الكلمات     حتى تتم مراحل نمو اللغة عنده فيصبح وقد سيطر على            

   كل هذا سيطرة تامة، فلا يتردد، ولا يتلعثم، ولا يفكر    في خصائص تلك الأصوات وتلك العبارات، بل يرسل    القول على سجيته وبحسب ما تعود في صغره، فإذا تم

    له هذا تمت له السليقة اللغوية). د. إبراهيم أنيس. من    أسرار اللغة. ص: 35.

19 – ( إن الفيروز أبادي صاحب القاموس يضع كتابا في    أسماء العسل فذكر له أكثر من ثمانين اِسما).    وقد وجدنا السيوطي نظم منظومة يحصي فيها أسماء

   الكلب، وقدم لها قائلا: دخل يوما أبو العلاء المعري    على الشريف المرتضى فتعثر برجل، فقال الرجل:

   من هذا الكلب؟ فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف    للكلب سبعين اِسما. قلت وقد تتبعت كتب اللغة فحصيتها    في أرجوزة وسميتها: التبري من معرة المعري).

   اُنظر: موضوع: الترادف وسعة اللغة العربية للدكتور    أحمد عبد التواب عوض. مجلة العربي العدد 666    مايو 2014 ص:30.    أقول: كيف يكون عرب الأمس قادرين على تشكيل

   ثمانين اِسما للعسل وسبعين اِسما للكلب ويعجز عرب    اليوم على تشكيل عشرة أسماء لرغيف الخبز حسب ما    استجد عليه من الصناعة؟ لماذا لا يسلك عرب اليوم    نفس المسلك وهم أحوج إليه في غير ما موضوع؟

   (( التشكيل بدل التركيب)).

20 – أ- ( أكبر غلطة يرتكبها المؤرخ؛ هي إسقاط معنى   المفاهيم اللاحقة على المفاهيم السابقة). د. محمد    أركون. الهوامل والشوامل ص:102.

  ب – ( المقصود هو الإلحاح على أهمية إعادة تحديد   المفاهيم من خلال مراجعة ما وراء اللغات وعبر   الإشكاليات التي تؤطرها؛ حتى نتمكن من معاينة   التغيرات والإسهام في بلورة المفاهيم ولغات النقد في

  ضوء أسلة راهنة لا تكتمل صياغتها دون إعادة النظر   ضمنيا في اللغة والمفاهيم). محمد برادة مجلة فصول   عدد 1984 ص:11.

  ج – ( المشكلة الكبرى التي لا تزال تواجه البحث   اللغوي هي مشكلة المعنى. فنحن نتكلم، أي نتصل كلاميا   كي ننقل معنى ما. ولا يزال السؤال بلا جواب حقيقي. ما

  هو المعنى وكيف يتم نقله وكيف بتم استقباله؟). الدكتور   عبده الراجحي. موضوع: المواءمة والاتصال. عالم   الفكر ص:285. المجلد الثامن عشر. العدد الثاني يونيو/

  أغسطس/ سبتمبر 1987.

21 – ( ... إن المسألة مسألة انتقالات موضعية، ينتقل     السؤال فيها من طبقة معرفية إلى أخرى، ومن معلم     إلى معلم،حتى يتصدع الكل، وهذه العملية هي ما دعوته     بالتفكيكية). جاك دريدا. د. فريد أمعضشو. مجلة

    الأزمنة الحديثة. عدد 7،6 / 2013 . ص:202.

22 – ( التركيب دراسة العلاقة بين الكلمات بعضها مع     بعض). شارلز موريس. مجلة نوافذ. ص:32. العدد      42 يوليو/ 2013.


المراجع

   دكتور تمام حسان: اللغة العربية مبناها ومعناها، دار الثقافة الدار البيضاء[1]

   دكتور إبراهيم أنيس من إسرار اللغة، مكتبة الإنجلو المصرية - 1978

   الدكتور علي عبدالواحد وافي: علم اللغة، دار نهضة مصر – الطبعة السابعة القاهرة.

   الدكتور صلاح فضل: علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته، دار الآفاق الجديدة، بيروت.

   الدكتور عبده الراجحي: النحو العربي والدرس الحديث. بحث في المنهج ، دار النهضة العربية بيروت 1979

   الدكتور عبدالقادر الفاسي الفهري: اللغة والبيئة، أسئلة متراكمة، منشورات زاوية، مطبعة الأمنية –الرباط

   الدكتور إبراهيم السمرائي: فقه اللغة المقارن، دار العلم للملايين بيروت 1968.

   الدكتور عبدالسلام عشير: تطور التفكير اللغوي، مطبعة المعارف الجديدة الرباط 2010.

   كمال بكداش: علم النفس ومسائل اللغة، دار الطليعة بيروت 2002

   الدكتور عباس الصوري: في التلقي اللغوي والمعجمي، النجاح الجديدة الدار البيضاء 2004.

   الدكتور عبدالله البريدي: اللغة هوية ناطقة، كتاب المجلة العربية عدد 197.

   فاتح زيوان: نحو خطاب لساني نقدي عربي أصيل [كتيب] المجلة العربية [120] 2007.

   الدكتور عبدالسلام المسدي، فضاء التاويل. كتاب دبي الثقافية عدد 68، 2012

   خالد النجار: سراج الرعاة، كتاب الدوحة فبراير 2014-

   سعاد خليل إسماعيل: موضوع: أنماط التعليم غير النظامي، عالم الفكر. صفحة 113 المجلد التاسع عشر، العدد الثاني: يونيو –أغسطس- سبتمبر 1988

   طلعت منصور: موضوع: سيكولوجية الاتصال، عالم الفكر، المجلد الثالث عشر ديسمبر 1987 صفحة 59

   عبده الراجحي: موضوع –المواءمة- الاتصال والمعرفة، عالم الفكر المجلد الثامن عشر العدد الثاني ، سبتمبر 1987 صفحة 285

   أحمد محمد قدور: موضوع: من الدرس الدلالي للعربية الفصحى في العصر الحديث، نفس المرجع السابق. صفحة 169

   نبيل علي: موضوع اللغة العربية والحاسوب – عالم الفكر. المجلد الثالث عشر. دسمبر 1987 صفة 59.

   حافظ إسماعيل علوي: موضوع: اللسانيات العربية الحديثة، عالم الفكر، صفحة 142

   الدكتور أحمد كروم: موضوع: مفهوم البناء وأثره النظري في اكتساب المهارات المعرفية، عالم الفكر، المجلد 38 سبتمبر 2009 صفحة 177

   الدكتور عبدالفضيل ادراوي: موضوع: حقيقة البلاغة، عالم الفكر، المجلد 41 ديسمبر 2012 صفحة 319

   الدكتور زهير بن جنات: موضوع: من سوسيولوجيا الفعل إلى براديغم الفاعل الاجتماعي، عالم الفكر المجلد 41 مارس 2013، صفحة 271

   الدكتور نايف خرمة: اللغات الأجنبية، تعليمها وتعلمها، عالم المعرفة. العدد 126 يونيو 1988م

   دين كيث سايمنتـن: العبقرية والإبداع والقيادة، ترجمة: شاكر عبدالحميد، عالم المعرفة. العدد 176 آب 1993م

   والترج – أونج: الشفاهية والكتابية ترجمة د.حسن البنا عز الدين، عالم المعرفة. العدد 182. شباط 1994م

   جون جوزيف: اللغة والهوية ترجمة.د.عبدالنور خراقي، عالم المعرفة العدد 342 أغسطس 2007م

   مايكل كورياليس: في نشأة اللغة. ترجمة محمود ماجد عمر. عالم المعرفة. العدد: 325 ماري 2006.

   أبو عثمان الجاحظ: البيان والتبيين، المكتبة المصرية –بيروت 2003م

   الإمام عبدالقاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز في علم المعاني، المكتبة العصرية. بيروت 2000م

   الإمام ابن هشام الأنصاري: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، المكتبة العصرية. بيروت 1999م

   أحمد الهامشي: جوهر البلاغة، المكتبة العصرية. بيروت 2000م


المحتويات

المقدمة:                                              5

الملف الأول: إشكالية اللغة:                        7

- اللغة منا وإلينا.                                     9

- إشكالية ثلاثية الأبعاد.                              13

الملف الثاني: الظواهر المادية للغة:               17

- الصوت لغة الفكر.                                 19

- تلازم اللغة والفكر.                                28

- اللغة والهوية.                                      31

- اللغة والرمز.                                       34

- النسيج الصوتي.                                   39

- التشكيل المقطعي.                                  43

- التشكيل اللفظي.                                    45

- معالم التشكيل اللفظي.                             56

- التنشئة اللغوية.                                     64

- فعل التكلم.                                         76

الملف الثالث: لغة المفهوم والمعنى               87

- سؤال الماهية.                                      88

- سؤال التكوين.                                     92

- سؤال وحدة المفاهيم واختلاف الألفاظ.            96

- سؤال التركيب والتشكيل. هل يتعارضان؟        99

- سؤال الإنجاز. إلى أي حد يكون الإنجاز اللغوي مناسبا أو غير مناسب؟                                       103

- سؤال رسّ اللفظ في الدهن.                        108

الملف الرابع: اللغة نتاج فكري:                    113

- تجليات الفكرة.                                     114

- الطلب والخبر: مقتضيات التكلم.                  123 

- التركيز على القراءة.                              125

الملف الخامس: تعليم اللغة وتعلمها:              137

- كيف نعلم؟                                         139

- مرحلة التعليم الابتدائي.                            141

- من التشكيل إلى التركيب.                          149

- من التركيب إلى الجملة النصية.                   166

- الهوامش.                                           176

- المراجع.                                            181

- المحتويات.                                         184


تذكير لابد منه

  هذا الكتاب ستليه كتيبات تعليمية تعلمية، مفصلة لما جاء فيه على وجه الإجمال وهي التالية:

- كتيب التشكيل المقطعي.

- كتيب التشكيل اللفظ المفرد.

- كتيب الثنائية اللفظية.

- كتيب إنشاء الجملة النصية.

  كتيبات لاشك أنها ستحل مشكلة الضعف اللغوي لدى المتعلمين وستذلل الصعوبات التي يلاقونها في تعلم لغتهم العربية، وقد تساعد المتعلم غير العربي على تعلم هذه اللغة بيسر وسهولة لا تتوفر له في اللغات الأخرى. ثم إنها ستغير بشكل منهجي علمي منظور المهتمين باللغة.




  1. ^ تمام حسان. اللغة العربية مبناها ومعناها. الدار البيضاء: دار الثقافة الدار البيضاء.