نقاش:صلاح الدين شروخ

محتويات الصفحة غير مدعومة بلغات أخرى.
أضف موضوعًا
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
مشروع ويكي سوريا  
أيقونة مشروع الويكيالمقالة من ضمن مواضيع مشروع ويكي سوريا، وهو مشروعٌ تعاونيٌّ يهدف لتطوير وتغطية المحتويات المُتعلّقة بسوريا في ويكيبيديا. إذا أردت المساهمة، فضلًا زر صفحة المشروع، حيث يُمكنك المشاركة في النقاشات ومطالعة قائمة بالمهام التي يُمكن العمل عليها.
 ؟؟؟  المقالة لم تُقيّم بعد حسب مقياس الجودة الخاص بالمشروع.
 ؟؟؟  المقالة لم تُقيّم بعد حسب مقياس الأهمية الخاص بالمشروع.
 
مشروع ويكي أعلام  
أيقونة مشروع الويكيالمقالة من ضمن مواضيع مشروع ويكي أعلام، وهو مشروعٌ تعاونيٌّ يهدف لتطوير وتغطية المحتويات المُتعلّقة بمقالات الأعلام في ويكيبيديا. إذا أردت المساهمة، فضلًا زر صفحة المشروع، حيث يُمكنك المشاركة في النقاشات ومطالعة قائمة بالمهام التي يُمكن العمل عليها.
 ؟؟؟  المقالة لم تُقيّم بعد حسب مقياس الجودة الخاص بالمشروع.
 

الشخصية القاعدية الشركسية

                                          التحدي والرد
                                                        د. صلاح الدين شروخ

   من الأمور الواضحة للعيان ، في عالم اليوم، وكذلك في عالم الغد، أن المشكلات، مهما كانت طبيعتها، لا يمكن حلها حلا ناجعا دون الاعتماد على العلم اعتمادا أساسيا، وبالاستفادة من الخبرة البشرية المتراكمة ،فهو الذي يسمح بالكشف عن خبايا المشكلة ، وتفسير المعطيات تفسيرا عقلانيا تؤكده البرهنة الدقيقة، وهو الذي يسمح بضبط الأمر والتحكم في الظاهرة،وبالتنبؤ الدقيق- بمقدار دقة البحث والتقيد الصارم بالمنهج-  بما سيكون عليه الحال في المدى المناسب لدقة العائد العلمي.
  وعلى الرغم من كثرة الأحكام التقديرية  المنتشرة على سطح حياتنا الثقافية الشركسية ، في دول الشتات، والتي لا يمكن الشك بحسن نوايا أصحابها كما لا يمكن التقليل من واجب الاحترام لكل من سعى إلى الحق، أخطأ أم أصاب، فإن القليل جدا من هذه الأحكام أنتج زبدة يمكن الثقة بها، وأما الغالب فهو الزبد الذي لا يفيد الباحث المتخصص، كما لا يفيد من يروم النظر العلمي الدقيق، والسبب – في الغالب الأعم- وجود الفارق الكبير جدا بين الحماس الشركسي المعروف لكل ماله علاقة بالقوم، وبين وجوب التقيد بالمنهج العلمي القائم على التقيد بالروح العلمية، ولهذا ترانا ، في مختلف دول الشتات، نميل إلى تمجيد الذات القومية تمجيدا لم نقدم الدليل العلمي على صحته، وبالتالي فإننا لا نجد سبيلا لحل المشكلات التي تعترض وجودنا حلا علميا يضمن الديمومة والنجاعة، بل على العكس من ذلك ، نجد أن كل مشكلة  عندنا تتفاقم  على نحو يزيد دوما من صعوبة الحل. فلا يبقى أمامنا غير اللجوء إلى الغيبيات والأماني راجين حلا لا يكون – أصلا - إلا بمقدار ما نعمل من أجل أن يكون. 
  وعليه فإن الحلول غير العلمية التي تقدم الآن ستكون، هي ذاتها،  بعض مشكلاتنا في المستقبل. سواء تعلق الأمر بسبل الحفاظ على الذات القومية، أو حماية المقومات الثقافية، أو العودة إلى الوطن الأم، أو العلاقة بالوطن الأم، أو حل المشكلات الناجمة عن هذا الشتات المتزايد في مختلف بلدان المعمورة، وفقدان الأجيال بصورة متزايدة لروح النارت، وغير ذلك كثير.... ومحصلة ما سبق هو أن لابد من تنفيذ مجموعة من البحوث العلمية الرصينة في مجال الواقع الشركسي ليكون عائدها سبيل مزيد من فهم الذات، وتكون معطياتها أساس التخطيط لمواجهة المشكلات الشركسية في مختلف دول العالم. ومبتدأ ذلك هو دراسة الشخصية القاعدية الشركسية.....
   وفي السطور التالية نعرف بموضوع بحثنا هذا، وأهمية البحث فيه، والمشكلات التي تعترض الباحث فيه وهي في حد ذاتها التحديات التي يجب التغلب عليها، ثم نبين الرد المناسب ، ذلكم لأن الأمم التي لا تحفظ ذاتها، ولا تبتكر الحلول المناسبة لمشكلاتها مكتوب عليها الفناء ، وأما المستقبل فهو ما نصنعه اليوم.


أولا. التعريف بالشخصية القاعدية:

      في مصطلح الشخصية القاعدية خلف بين الباحثين، فبعض يفضل مصطلح الطابع القومي للدلالة على الشخصية القاعدية، حال د. حامد عبد الله ربيع . وبعض يستخدم مصطلح الخصائص الوطنية بدلا منه، ومن الطبع الوطني، حال أوتو كلينبرغ مثلا . وبعض  يقول بالخلق القومي، أو بالطابع القومي حال دينكن ميتشل مثلا ،   وكاردنر  وكاتب هذه السطور منهم، يستخدم مصطلح الشخصية القاعدية للدلالة على الصفات والخصال السلوكية التي تميز الشخصية ، والخصال الحضارية  التي تميز المجتمع، إضافة إلى الترابط بين خصال المجتمع وخصال الشخصية،ذلك لأن لكل شعب من الشعوب خصائصه التي يتميز بها من غيره .أو لنقل مع د. حامد عبد الله ربيع أن المقصود بهذه الكلمة هو مجموعة الخصائص والأنماط السلوكية والسمات بين أعضاء المجتمع الواحد التي تسوده العادات ذاتها، ويرتبط بعضه ببعض بالتقاليد ذاتها ـ ويسيطر عليه نظام ثقافي مشترك .
      وتوجد ست نظريات كبرى مازها أنكلز Ankles من دراسته لأدبيات تفسير الشخصية القاعدية، من أشهرها ، وربما أسهلها تطبيقا، نظرية كاردنر المولود عام 1891م ،من مدرسة علم الاجتماع النفسي   القائلة بأن كل مواطن في أي مجتمع متكامل بلغ درجة معينة من التناسق والاندماج في عناصره ومقوماته يملك حدا أدنى من حيث عناصر الشخصية في جانبها الاجتماعي، وهي العناصر التي  تبحث حسب  المقومات التالية :

أ‌. أدوات التفكير:

    ويقصد بها الطريقة التي يفكر بها المرء في ما يدور من حوله من ظواهر، والطريقة التي يتصرف بها بناء على ذلك.مثل الطريقة التي يفكر بها الشركسي في الموافقة على الصهر أو الكنة- إن كانا طلبا موافقته- ، أو الطريقة التي يفكر بها عند الموازنة بين موطن الإقامة وبين الوطن الأم.

ب‌. نظم الضمان:

ويقصد بها أدوات الدفاع النظامية التقليدية التي يلجأ إليها المرء في مقاومة حالات التوتر والقلق التي تخلفها عقد الذنب تجاه الأوضاع المادية  والاجتماعية، مثل النظام الذي يلجأ الشركسي إليه لمواجهة ضغوط الحياة.

ت‌. وسائل الحصول على احترام الآخرين وكسب صداقتهم:

    وهي مجموعة الاستجابات والتصرفات التي تعتبرها الجماعة مظهرا من مظاهر الكمال في صفات أفرادها، من حيث الجاه وغيره مما ينطوي تحت مفهوم الوجود الذاتي. ومنه الانتماء الذي يعزز الاحترام.مثل جمع المال، أو حيازة الشهادات العلمية، أو الملكية  العقارية، أو الانتماء إلى حزب أو عائلة... الخ.

ث‌. الاتجاهات الدينية:

   ويقصد بها مختلف التصورات المترابطة والمتعلقة بالعلاقة بين الفرد والجماعة والمقدس.، وقوة العلاقة به، وأثر ذلك في السلوك. وهل هو من عوامل اكتساب المكانة، وغير ذلك.
والمقومات الأربع السابق ذكرها ترتبط ارتباطا وثيقا – حسب د. حامــــد عبد الله ربيع – بالحقيقية الحضارية، وبالنظم القائمة في المجتمع، وبصورة متبادلة التأثير. ولسوف نناقش إشكالية هذه المقومات في الحال الشركسي المعاصر.
   ثانيا.أهمية البحث في الشخصية القاعدية الشركسية:
  والبحث في الشخصية القاعدية الشركسية على غاية الأهمية،من النواحي العلمية والإنسانية / القومية.
   فمن الناحية العلمية- يقول د. حامد عبد الله ربيع -  إن الشخصية القاعدية عبارة عن مفهوم عام مجرد يرتبط بواقع اجتماعي معين ، وبالتالي فإنه أحد عناصر التحديد بالسلوك الفردي ، أكثر من كونه صورة محددة للسلوك الفردي.
    وهو مفهوم جماعي على الرغم من كونه إطارا فكريا للسلوك الفردي والجماعي ، و أحد مقومات السلوك الفردي من جانب ، كما يعكس مفهوما مجردا للسلوك الجماعي من جانب آخر.
     ومفهوم الشخصية القاعدية يفترض نوعا من الاستقرار والثبات  ومقاومة التغير حتى ليمكن أحيانا ربطه بمجتمع معين وقد ألغي مفهوم عامل الزمان،  ثم، أن مفهوم الشخصية القاعدية  لا يرتبط، ولا يعبر إلا  عن الشخص العادي من جانب ، والناضج من جانب آخر، فهو لا يرتبط ولا يعبر عن الشخص الذي يمثل الاستثناء سواء في أبعاد قوة أو ضعف الشخصية ، فالشخصية القاعدية هي شخصية الرجل العادي common man ولذا فإنه يفتقد تفسير تطور الشخصية من الطفولة إلى مرحلة النضج والاكتمال. ولكنه الثبات الذي قد يتغير بسرعة كما سنوضح لاحقا.
  ومما يبين الأهمية البالغة للبحث في الشخصية القاعدية جملة الوظائف الهامة التي تقوم بها، في المجالات العلمية والإنسانية والقومية التي نوجزها على النحو التالي:

1. بيان واقع الشخصية القاعدية على أسس علمية يسمح بتحديد إمكانات التعاون الدولي بين الشركس في مختلف دول الشتات، وبين الشركس ودول الشتات، وبين الشركس والوطن الأم، وبين الوطن الأم ومختلف دول الشتات.واستقلالا أيضا عن السياسات الرسمية التي تتبعها الدولة التي تتحدث باسم الشركس، سواء كانت الوطن الأم، أم غيره. وعلى نحو ما بينت دراسة العالمين بوخانان Bahaman وكانتريل Cantril.فمن البين أن الشركس الذين يعيشون اليوم في أكثر من 47 دولة من دول العالم، يتعلق نشاطهم بالدول التي يعيشون فيها، وبالأنظمة الاجتماعية والسياسية والتربوية والقانونية لتلك الدول، وبالتالي فإن الشركس يعيشون واحدا من أعقد وأصعب الظروف التي عاشها أي قوم عبر التاريخ. 2. وتسمح دراسة الشخصية القاعدية الشركسية بحسن التنبؤ برد الفعل تجاه العوامل التي ذكرنا في الفقرة 1 السابقة، أي تجاه أي أمر يتعلق بالشركس، بل وتسمح بوضع الأمور في نصابها الحق بحيث يتحقق العدل في الحكم على الشركس، أو الحكم لهم، في الجوانب المرتبطة بالتاريخ والاجتماع المشتركين مع دول وشعوب الشتات، كما يسمح بالاقتصاص من الذين ظلموا الشركس عبر تاريخهم، فإذا كانت ايطاليا اعترفت بما ارتكبت بحق الليبيين ، واعتذرت للشعب الليبي وعوضته، فإن على روسيا أن تعتذر وتعوض الشركس عن الظلم الذي لا مثيل له الذي أحاقنه بالشركس. وفي دراسة الشخصية القاعدية الشركسية، والدراسات المنجزة للشخصية القاعدية الروسية ما يقدم العون لحسن التنبؤ بردود الأفعال تجاه الأمور المختلف حولها مثلا. 3. وتسمح دراسة الشخصية القاعدية بتخطيط وإدارة الصراع، وبصورة خاصة في الأمور المتعلقة بالعمل السياسي والدعائي، والتعاون بين أعضاء الجماعة الشركسية. وخاصة أن الشركس – حتى الآن- لم يقدروا على تطوير نظام فعال للتعاون يسمح بتحويل الضعف الناجم عن التشتت إلى قوة فعالة تحفظهم وتطور حياتهم ، وفي الوقت نفسه تثري حياتهم القومية والثقافية بحيث تبقى الشخصية القاعدية قائمة وبما يتناسب مع التطورات الحاصلة في العالم. 4. ومما يمكن الاستفادة منه، ويعطي مبحث الشخصية القاعدية أهمية أكبر إتاحة الفرصة لتخطيط الحراك الاجتماعي ، والتغير داخل الجماعة الشركسية ، في عالمنا الذي يعرف تغييرات سريعة جدا يصعب حصرها وتصورها، وبخاصة في مجال الثورة المعرفية التي تجعل بعض الجماعات الصغيرة قوية جدا على نحو يسمح لها بالتحكم بمن يفوقها قوة وعددا،إضافة إلى قصر الفاصل بين النظرية والتطبيق الذي يجعل نتاج الفكر يتحول إلى سلعة اقتصادية تزيد في قوة من يمتلكها .

     ومن المؤكد أن الشركس حيثما كانوا في حاجة إلى مثل ذلك، ولسوف يزداد شعورهم ، وبتأثير ما للواقع والتغير من سلطان، بأنهم مهددون فعلا بالضياع كجماعة ، وربما كأفراد، في الكتلة المحيطة إن لم يخططوا لأمورهم على نحو يسمح بحسن الخلاص.
  ولا أقول هنا بأن مجرد دراسة الشخصية القاعدية سيقدم حلا سحريا، فقيمة الحل مرتبطة بحسن الفعل. ودراسة الشخصية القاعدية تقدم أداة علمية قوية لمن أراد الحل الصحيح للمشكلات، ولكن من الضروري التنبيه إلى أن وراء كل مشكلة مستفيدون من بقائها، وهم فاعلون دوما على حماية المشكلة ،  وعلى بقائها ، وبحماسة تتناسب طردا مع الفائدة والمصلحة من بقائها، وفي ظل السببية ( لكل معلول علة) فإن كل سلوك مستغرب أو مستهجن، يحقق للذي يقوم به مصلحة ما، وإلا ما قام به، فتراه يدافع عنه دفاع المستميت ،ويختلق لدفاعه وسائل يبتكرها، ويطلب من الذين يدرسون حاله التقيد بمبادئ غير التي بني العلم عليها، وما يدافع إلا عن غلط يعرفه كذلك، لكنها المغالطة التي تستشري ، وما كان المغالطون طلاب الحق أبدا، إنما أمرهم أنهم في غيهم يعمهون.وعلى نحو يبينه قانون الأثر عند ثوروندايك . أو مجموعة قوانين السلوك في علم النفس الوظيفي  .
   وموجز ما سبق هو أن درس الشخصية القاعدية الشركسية أمر بالغ الأهمية، لكن    فائدته مرتبطة بحسن استخدام العائد العلمي للبحث. 

ثالثا.تحديات دراسة الشخصية القاعدية الشركسية:

      إذا كانت دراسة الشخصية القاعدية بالغة الأهمية على نحو ما ذكرنا سابقا،فإن دراستها دراسة علمية تسمح بعائد  رصين يمكن الاعتماد عليه في تحقيق الوظائف التي سبق بيانها، أقول أن دراستها على  ذاك النحو،  من الصعوبة بمكان، وليس الذي جرب مثل الذي سمع. ويمكن إيجاز أهم تلك الصعوبات/ التحديات في ما يلي:

1. لا توجد ، على حد علمنا المتواضع جدا، أية دراسة علمية للشخصية القاعدية الشركسية.وكل أدبيات البحث المتاحة- في هذا المجال- ليست أكثر من انطباعات مدفوعة بما يصعب حصره من أسباب. وكلها مما لا يمكن إبعاد تأثير العواطف عنها، حتى تلك التي تدخل في إطار البحث العلمي الأكاديمي المحكم. وبخاصة ذاك المتصل بالتاريخ، فما من أحد يمكنه أن يدرس تاريخ شعبه دراسته لضفدع كما يقول أحد المفكرين الجزائريين. وبالتالي فلا وجود لدراسة علمية سابقة لطرق التفكير الشركسي، أو أساليب كسب الاحترام، أو نظم الضمان، أو الاتجاهات الدينية. وبالتالي فالباحث لا يقدر على البت العلمي بوجود شخصية قاعدية شركسية واحدة موحدة، أو بوجود عدد من الشخصيات الشركسية القاعدية. سواء تعلق الأمر بشراكسة الدياسبورا، أو بشراكسة الوطن الأم. فنحن لا نعرف ما حل بهذه الشخصية نتيجة لتقسيم الوطن الأم إلى مجموعة من الكيانات السياسية كجمهوريات آديغيا ،والقبرتاي بلقار، والشركس قرشاي، وغير ذلك من كيانات. كما لا نعرف بالدقة العلمية تأثير الفروق اللغوية، ونظم التربية ، والتعايش الإجباري مع القرشاي والبلقار وغيرهم، ولا نعرف تأثير الوضع الإقليمي الخاص لمنطقة الشابسيغ على الشخصية القاعدية.

   وأما على مستوى دول الشتات، فالشراكسة يعيشون ومنذ العصور الوسطى بين شعوب كثيرة كأقلية عرقية حينا، وأقلية دينية حينا آخر، وهم يخضعون لنظم اجتماعية وتعليمية وقانونية شتى، وفي حين يتلقى بعضهم تعليما قوميا يغاير قوميتهم في بعض البلدان، نجدهم يتلقون تربية علمانية طورا نية في تركيا، وتربية دينية في السعودية، وتربية يهودية في إسرائيل، وتربية لائكيه في ألمانيا وأمريكا، وكانوا خضعوا للتربية السوفيتية حسب فلسفة مكار نكو يوم كان الاتحاد السوفيتي قائما. فهل بقوا بعد ذلك كله على شخصية قاعدية واحدة؟ أمر يصعب تقديم إثبات له من الناحية العلمية، وكذلك تقديم نفي، وبالتالي هل توجد شخصية قاعدية شركسية واحدة، أم شخصيات؟ وما طبيعة العلاقة بين الشخصيات المتعددة إن كانت كذلك؟ تحد حقيقي لا جواب عنه حتى الآن في الأدبيات المتاحة.

2. الشخصية القاعدية ذات ثبات نسبي، ولكن بعض الأحداث كالغزو والاحتلال قد تغيرها في زمان قصير نسبيا قد لا يتجاوز العشرين سنة ، ولقد عرف الشركس من المآسي والويلات ما يصعب تصوره ، وعرفوا الهجرة والتهجير والتشرد في مختلف بقاع العالم ، وما زالوا على ذلك، وسالت دماؤهم في غالبية بقاع العالم، وشاركوا في مختلف حروب العالم ، هجروا من الوطن الأم وصار الطريق إلى المنافي مقبرة متصلة من الشركس، ودفن الآلاف منهم في قاع البحر الأسود ، وكان لهم شرف الدفاع عن الوطن العربي والإسلامي قديما وحديثا،وكما شاركوا في معركة حطين، شاركوا في الحرب ضد إسرائيل وكان منهم شهداء رووا بالدم أرض العرب، وعرفوا الهجرة والتهجير من الجولان، وكذلك كان لهم شأن في الحرب العالمية الثانية، ولكن، ما أثر ذلك على الشخصية القاعدية الشركسية؟ سؤال لا جواب عنه في الأدبيات المتاحة. 3. وانتماء كلمة الشركس محل خلف ونزاع، وبالتالي فما يفهم من هذه الكلمة من قبل الشركس، وكذلك من قبل غيرهم، ليس موحدا،فالدكتور عادل عبد السلام حفظه الله للأمة علما، يقول مثلا بأن كلمة شركس يونانية الأصل، المحرفة لكلمة كركت الدالة على قبيلة كركت الشركسية التي اتصل اليونان بها قديما، وقال غيره غير ذلك ، وهم عنده الآديغة حصرا. يقول: فتسمية الشركس لا تنطبق إلا على الآديغة .في حين يذهب كثيرون اليوم إلى تحديد مفهوم كلمة شركس جامعا لعديد الشعوب القفقاسية الشمالية كالآديغة والوا يناخ، والداغستان،والأوسيتين . علما بأنها من الناحية السلالية مجموعة شعوب من السلالة البونتيكية التي تضم – حسب صونيا كول- كلا من الأديغي والداغستان ومجموعة تريك الوسطى . وهنا لا بد من البت في حدود الدراسة، فإن كان الجوار في الوطن الأم، والحرب ضد المحتل معا، والهجرة والتشتت في العالم من عوامل توحد الشخصية القاعدية من جهة، فإن خصوصية كل حال تستدعي من الباحث البت في مسالة نزاعية، وهو ما يخرج، في البداية ، عن حدود البحث. 4. كانت روث بندكت في كتابها : السيف والأقحوان عام 1946م وضحت أن الأخلاق القومية اليابانية أثرت في الحضارة اليابانية الحديثة التي تنعكس في بيئة اليابان الحضرية والصناعية، وأشارت إلى أن الأخلاق القومية اليابانية التي يلتزم بها اليابانيون المتحضرون هي امتداد للعادات والتقاليد اليابانية الكلاسيكية القديمة قبل التحول الصناعي والحضري،. وكان الأنثروبولوجي البريطاني جي. كوبر بين معتمدا على علم النفس الديناميكي أهمية المراحل الأولى من تكوين الشخصية ، وكذلك أهمية عمليات التأنس الاجتماعي في تكوين الشخصية . وأما عند البحث في الشخصية القاعدية الشركسية فإننا نواجه بأساليب كثيرة متنوعة في التنشئة الاجتماعية للأطفال الشركس ، وعلى نحو يدفع للاعتقاد باختلاف كبير فيها ، وحسب مناطق الشتات، والوطن الأم. فنحن لا نعرف مدى التقيد بالعادات الشركسية بصورة علمية يمكن الركون إليها. كما لا تعرف مدى الفروق في التنشئة الاجتماعية بين شراكسة دول الشتات، وكذلك في الوطن الأم، ولكن الملاحظات الإشكالية للسلوك الشركسي والتي لا تسر صديقا في كثير من الأحيان ، بعد أن صار سلوك بعض الأبناء مهينا للذي رباهم، تتراكم على نحو يدعو إلى تبرير فرضية التفسخ الاجتماعي في كثير من الأحيان والبلدان التي يعيش الشركس فيها. 5. يؤكد معظم علماء الاجتماع الارتباط والتكامل بين الحضارة والشخصية والنظام الاجتماعي، وفكرة الخلق القومي ، حسب بعضهم – عبارة عن افتراض قد يكون صائبا بالنسبة للمجتمعات البدائية ذات السكان الكثيرين ، ولكن الشخصية القاعدية تعرف اختلافات كبيرة جدا في المجتمع الصناعي الواحد ، وعند أخذ ذلك في الحسبان بالنسبة إلى النظر في حال الشركس نجد من الصعب جدا، من الناحية المنهجية العلمية، القول بالشخصية القاعدية الواحدة، أو الموحدة، فالشركس الأمريكيون يعيشون غير حياة الشركس في الدول الإفريقية، أو الدول العربية. مما يستلزم بناء منهج يتناسب مع ظاهرة بهذه الخصائص. 6. لم يألف الشركس العناية بالفكر الإجرائي والتخطيط لحياتهم ، وقد تأثر سلوكهم بعيشهم كأقلية ضعيفة الحال الاقتصادي، ومعانية لضغط الجماعة الكبيرة المحيطة فصار الغالب على سلوكهم أن يكون ردة فعل، أكثر من أن يكون تخطيطا للذي يريدون.كما أنه السلوك الذي تغلب عليه القدرية، وبالتالي فإن البحث في الشخصية القاعدية يصطدم بإرث متراكم من الشك في النوايا والنزعة إلى اعتبار البحث العلمي تدخلا في الحرية الشخصية، وكذلك اعتبار البحث في أي سلوك يتعلق بالأفراد أو الجماعة تهجما شخصيا ، إن حصل أن وصل الباحث إلى الذي لا يتفق مع رؤيتهم. فالبحث العلمي الهادف إلى التغيير المخطط ليس من الأمور المعتادة في المجتمع الشركسي، وبخاصة في ظل طغيان الأنا على النحن. ولذا فإن الباحث العلمي الذي يعنى بالنقد الابستمولوجي سبيلا، سيعتبر عمله تهجما قد يوصل إلى إعلان العداوة بدلا من أن يشكر عليه. وأما أن للباحث أجر المخطئ، إن هو أخطأ، فقليل من أصحاب الشخصية القاعدية الشركسية يفهمه ويقدره، وهو أمر مقلق للباحث الذي ينطلق من حبه للإنسان شركسيا كان أم غير شركسي، ومن إعلاء شأن الحقيقة أولا. 7. ومن المشكلات الكبيرة التي تعترض البحث العلمي في الشخصية القاعدية الشركسية عدم توافر التمويل اللازم لعمل بمثل هذه الضخامة. ليس لأن الشركس ، في مجملهم فقراء، وإنما لأن مالكي المال غالبا لم يجنوه بعلمهم وكدهم بحيث يعرفون أهمية البحث العلمي في تنمية مواردهم، وموارد الأمة، كما أنهم لم يجربوا بعد الاستثمار في البحث العلمي. ولقد يكون السبب أيضا عدم وجود قيادة قومية سياسية وعلمية تقود البحث الجاد . وهو أمر يحتاج أيضا إلى بحث علمي يســـتـــكــنــه الواقع والإمكانات والحلول.

            وما سبق يؤدي بنا إلى أن البحث في الشخصية القاعدية الشركسية يحتاج إلى أن يقوم الباحث بابتكار الحلول المنهجية للتغلب على تلك المشكلات المتحدية. فلا مستحيل إذا توافرت المعرفة والإمكانات والإرادة بشكل كاف للحل.

رابعا.الرد على التحدي:

 كيف يمكن للباحث أن يتغلب على المشكلات التي سبق بيانها؟
	بداية لابد من قيادة قومية شركسية واعية ذات كفاءة ممتازة ، موثوق بها من قبل الشركس، قادرة على صياغة الأهداف بصورة ديموقراطية  مقبولة من قبل الشركس على مستوى العالم لما فيه الخير والسلم  وسيادة التعاون والاحترام المتبادل بين الشعوب والقبائل والدول. ينبثق عنها لجنة أو كيان  مشرف على البحث العلمي،يتولى  تحديد إدارة لمشروع البحث في الشخصية القاعدية ، لتقوم  بتخطيط دقيق للبحث في الشخصية القاعدية الشركسية آخذة بعين الاعتبار مختلف جوانب احتياجات البحث.إضافة إلى قيامه بتبيان وتيسير سبل الاتصال به.
	 وأما على المستوى العلمي فإن الرد على التحديات السابق ذكرها يكون كما يلي:

أ. على الباحث أن يدرك أن مبحث الشخصية القاعدية أمر يحتاج إلى أكثر من تخصص، وعليه فإن كفاءة الباحث مهما كانت جيدة في مجال علمي ما تبقى غير كافية للبحث في هذا الموضوع. وبخاصة أن أخطاء الدراسات السابقة فيه كانت نتيجة عدم تقيدها بالأسلوب العلمي في البحث، وابتعادها بالتالي عن الأخذ بالإحصاء كأداة بحث رئيسة، وكذلك عدم الالتزام بالمقارنة أسلوبا . وإذ كان البحث يتطلب الميز بين العامل النفسي الذي يفسر الخلق القومي بدراسة أنواع الشخصيات ، وبين العامل السيكولوجي الذي يفسر الخلق القومي عن طريق دراسة الرموز والنماذج الحضارية من جهة والبنيات الاجتماعية من جهة أخرى. فإن البحث في الشخصية القاعدية الشركسية يحتاج إلى تضافرعمل الإحصائي، والمؤرخ ، وعالم الاجتماع، وعالم النفس الاجتماعي، وعالم التربية ، والأنثروبولوجي، وعالم اللغة ، وعالم الاجتماع الديني، والقانوني المتفقه بالقانون المقارن للدول التي يقطنها الشركس، والباحثين في الفنون ،وغير هؤلاء من الذين يحتاجهم البحث. والحمد لله لأننا وهبنا ثلة نابهة من العلماء في التخصصات المختلفة، بل إن بعض علمائنا يقدر بمفرده أن يسد حاجة البحث لعديد الباحثين، شريطة أن يعرفوا اللغة العالمية المشتركة، و يجمعهم من يقدر على تذكيرهم بمسئوليتهم تجاه الحقيقة والأمة، لكي يقوموا بالبحث وتخطيطه وإعداد مستلزماته من مختلف النواحي. ب. يحتاج هذا البحث إلى عدد كبير من العاملين الموزعين في مختلف أرجاء المعمورة، والذين لا يشترط في تكوينهم أن يكونوا من ذوي الكفاية العلمية الراقية جدا.فالمطلوب منهم أن يكونوا قادرين على جمع المعلومات الدقيقة وإرسالها إلى الجهة التي تتولى جمع المعلومات الآتية من مختلف دول الشتات، وبصورة تطوعية. ويمكن تكوين وتدريب هؤلاء عن بعد على استخدام أدوات البحث العلمي المختلفة وذلك بالاعتماد على شبكة الانترنت. ت. يقوم المشرفون على البحث بإعداد استمارة البحث التي تتضمن كل ما يتعلق بالبحث من مختلف الجوانب، بحيث يسهل على المراسلين جمع البيانات، كما يسهل على الباحثين تفريغ البيانات المختلفة حول الموضوع. كما يمكن جمع المعلومات باستخدام أدوات البحث العلمي المختلفة. ث. وللقيام بمشروع البحث في الشخصية القاعدية الشركسية ، ومواجهة تحديات البحث السابق ذكرها، أرى أن أفضل السبل وأسرعها يكون ببناء موقع في الانترنت لهذا الغرض، يرسل إليه المراسلون المعلومات بناء على الاستمارات التي ترسل إليهم من قبل الموقع. كما يكون لكل فرد، شركسيا كان أو غير شركسي الحق في مناقشة المعلومات المجموعة وبيان الرأي في قيمتها من الناحية الابستمولوجية. ج. تقوم هيئة البحث بتقويم العائد العلمي دوريا ، ويتم نشر ذلك حتى يكون تحت تصرف الشركس وغيرهم. كما تقرر زمن اعتبار البحث مستكملا. ح. ونظرا لأن البحث في الشخصية القاعدية الشركسية، وكأي بحث مماثل في أي شخصية قاعدية أخرى ، يتطلب البت العلمي في القضايا التي سبق لنا ذكرها في تحديات البحث، فإن لجنة الإشراف قد تقرر القيام بأبحاث إضافية استكمالا للبحث ، في المجالات التي يفرزها البحث في هذا الموضوع، وبالطريقة ذاتها. خ. يتم التمويل عن طريق جمع التبرعات وإصدار العائد في كتب أو منشورات ذات قيمة مالية، وعن طريق قبول المساعدات من مختلف دول الشتات.

  وخلاصة ما سبق أن مبحث الشخصية القاعدية الشركسية  مهم جدا، ويجب القيام به، وأما الصعوبات التي تشكل التحديات فيمكن التغلب عليها. فالأمر أولا وأخيرا أن الله من وراء القصد.
                                                                   عنابة في 24/12/2008