انتقل إلى المحتوى

كارثة الزيوت المسمومة في المغرب 1959

هذه المقالة يتيمة. ساعد بإضافة وصلة إليها في مقالة متعلقة بها
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
كارثة الزيوت المسمومة في المغرب 1959
معلومات عامة
البلد
بتاريخ
1959 عدل القيمة على Wikidata

كارثة الزيوت المسمومة في المغرب 1959 هي حادثة تسمم جماعي وقعت خلال شهري سبتمبر وأكتوبر من سنة 1959 بالمغرب،[1][2] حيث ظهرت حالات تسمم عند ما يقارب 20 ألف شخص، منهم من توفي ومنهم من أُصيب بأمراض مزمنة وإعاقات دائمة، وذلك في مدن مختلفة، خاصة في مكناس، وسيدي سليمان، وسيدي قاسم، والخميسات، وغيرها من المدن.[3]

حدث الأمر حينما استهلك الضحايا زيوت طبخ كانت تحتوي على مادة ثلاثي كريسيل الفوسفات، ومصدرها زيوت تشحيم طائرات حربية اشتراها تجار من سماسرة في القواعد العسكرية الأميركية الموجودة بالمغرب، وخلطوها بزيوت نباتية، وبيعت للمغاربة بأثمان بخسة.[4][5]

كانت تلك الزيوت عبارة عن مادة كيميائية سامة ليس لها لون أو رائحة، مُزجت بزيت طعام عادي يستعمل في الطبخ. وتُعرف تلك الزيوت في أمريكا باسم ثلاثي كريسيل الفوسفات (TOCP)، كانت تستعمل في محركات الطائرات العسكرية، ونظرا لكمية السموم التي تحتويها فإن مجرد استنشاقها يؤدي إلى ظهور بعض الأمراض.[5] وتعتبر هذه الحادثة ثاني أكبر كارثة عرفها المغرب بعد زلزال أكادير.[3]

خلفية تاريخية

[عدل]

في سنة 1942، خلال الحرب العالمية الثانية، تدخلت أمريكا لمساعدة الحلفاء من أجل إيقاف المد الألماني بقيادة أدولف هتلر. كما قامت بإنزال عسكري مكثف في المغرب، وذلك بحكم الموقع الاستراتيجي المهم، إذ كان المغرب هو نقطة انطلاقها لمواجهة النازية الألمانية في الجبهة الجنوبية لأوروبا وشمال إفريقيا. وشهد تاريخ 8 نونبر 1942 أكبر إنزال للقوات العسكرية الأمريكية على السواحل المغربية. وذلك في كل من الدار البيضاء، آسفي، مراكش، أكادير والمحمدية، وسميت هذه العملية بعملية الشعلة.

وبعد بضع سنوات، لم تعد الوضعية الداخلية بالمغرب تسمح لأمريكا بالمكوث هناك. وفي سنة 1956، كانت المملكة تسعى لاستكمال وحدتها الترابية. وعقب ذلك، طالبت بانسحاب أمريكا من القواعد. وقد تطلب الأمر سنة كاملة من أجل قبول أمريكا للجلوس مع المغرب في طاولة المفاوضات. ثم سنة ثانية لقبول مطلب الإجلاء. ثم سنة ثالثة للاتفاق على موعد الإجلاء. لينجح المغرب في الأخير بإقناع الولايات المتحدة الأمريكية بالرحيل التام سنة 1963.[3]

تسلسل أحداث الكارثة

[عدل]

بعدما غادرت القوات العسكرية الأميركية قواعدها، تركت مواد كيميائية تستعمل لصيانة محركات الطائرات، وكان من ضمنها زيوت تشحيم المحركات النفاثة المحتوية على ثلاثي كريسيل الفوسفات (TOCP) معبأة في براميل، فاستولى عليها 5 أفراد من قاعدة جوية أمريكية في النواصر،[6] وخلطوها بزيت الطهي (كان يُسمّى "الغزال") وبيعت في قوارير انطلاقا من الدار البيضاء، لتُغرق أسواق مدن مكناس وسيدي سليمان وسيدي قاسم والخميسات ومناطق أخرى، حيث أقبل على شرائها الكثير من العائلات لثمنها البخس.[7][8]

فبعد استهلاك تلك الزيوت المسمومة بأيام، أو حتى ساعات معدودة، اكتظت المستشفيات -على قلّتها آنذاك- بحالات التسمم الخطيرة والقاتلة، ووجد الأطباء أنفسهم أمام جيش من المرضى بمرض قاتل ومجهول. وأحدث هذا الحادث المجهول هلعا وسط الساكنة، حيث كثرت الآراء حول الموضوع، فهناك من اعتقد أن الحادث متعلق بالجن، وهناك من هرول إلى مدن أخرى، معتقدين أن ما أصاب الآخرين هو مرض معد.[3]

لتكون النتيجة إصابة آلاف الأشخاص عند تناول تلك الزيوت بأمراض، كانت تبدأ بارتفاع كبير في درجة الحرارة، وفي كثير من الأحيان كانت تؤدي المضاعفات إلى شلل بعض الأطراف، وقضى كثيرون بسبب تلك السموم، وأصيب من بقوا على قيد الحياة بأمراض مزمنة، وعانى كثيرون من إعاقة دائمة.[4]

التجاوب

[عدل]

محليا

[عدل]

قامت السلطات بتقديم إعانات للمتضررين من الحادث من الزيت والطحين والحليب، وغيرها من المواد الغذائية الأساسية. وأصدر الأمير الحسن الثاني ظهيرا شريفا رقم 231 – 60 – 1 الصادر بتاريخ 07 دجنبر 1960 في الجريدة الرسمية عدد 2517، ينص على عقوبة الإعدام على الجناة، وكذا السجن المؤبد على المشاركين في الجريمة. كما نص هذا الظهير على تخصيص تعويضات لصالح الضحايا، معتبرا إياهم أبناء للقصر الملكي، مثلهم تماما مثل ضحايا زلزال أكادير؛ حيث صدر قرار حينها ينص على منح مستحقات تنبر أربعة دراهم، يثبت في البطاقات الرمادية للسيارات والشاحنات لصالح الضحايا، كما تم فتح حساب بنكي منذ ذلك الحين، وإلى حدود اليوم لا يُعرف مصيرها، إذ لم يتوصل الضحايا بمستحقاتهم وظلوا يحتجون لأعوام من أجل المطالبة بحقوقهم، والمطالبة بالتسوية المالية.[3][9]

دوليا

[عدل]

عيّن كل من الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر ومنظمة الصحة العالمية الدكتور غوستاف جينجراس على رأس بعثة دولية مسؤولة عن مساعدة المغرب، على فهم ومعالجة وباء الشلل الذي ظهر في منطقة مكناس، حيث أُصيب 10000 شخص بذلك.[10][11]

وبعد 18 شهرًا من جهود إعادة التأهيل والجراحة، بقي 120 شخصًا فقط مصابين بالشلل.[12] وشارك في هذا الجهد عبد المالك فرج، مدير معهد النظافة بالرباط آنذاك. وفي عام 1961، تأسست الرابطة المغربية لضحايا الزيوت المسمومة.

وقد عملت الحكومات والوكالات الخاصة على إرسال مساعدات مادية، حيث إنه منذ بداية دجنبر 1959، تم إرسال مساعدات ضخمة إلى المغرب جوّا".[13]

تم حل الأزمة بمساعدة من منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر، وعملت السلطات المغربية على سحب المنتوج الخطير من جميع أسواق البلاد.[13]

الأسباب

[عدل]

لمعرفة أسباب تفشي المرض، أرسلت منظمة الصحة العالمية عالميْ أوبئة في أكسفورد، هما سبالدينغ (J. M. K. Spalding) وأونور سميث.[14]

وكشفت التحقيقات التي أجراها الطبيبان مع بعض المصابين، أن مصدر المرض مرتبط ببعض المنتجات الغذائية. وبحسب الصحفي الكندي، ديسبارات (Peter Desbarats) فإن "إحدى الدلائل المهمة هي أن التفشي بدا محصوراً في طبقة الحرفيين المغاربة". وأشارت دراسة أجراها الفريق البريطاني إلى أنه "لم يصب أي شخص من مئتي ألف يهودي مغربي، والأوروبي الوحيد الذي أصيب في مكناس هو رجل تبنى أسلوب الحياة العربية" مؤكدًا أن "اليهود والمسيحيين والعرب (المسلمون) يأكلون بشكل مختلف في المغرب". كما اكتشف الفريق أنه لم تسجل أية إصابة في صفوف القوات التي كانت تعيش في الثكنات ولا السجناء.[13]

وذهب علماء الأوبئة إلى فرضية التسمم الغذائي، وأثناء تحليل الأطعمة التي يحتمل أن تكون سامة، لفت طبيب من مكناس انتباه سميث وسبالدينغ نحو زيت يستعمل في الطهي. وأضاف أن الطبيب "كان يعرف عائلة كانت تشكك في زيت داكن، وأعطت منه لكلبها، وبعد ذلك بدا كل شيء على ما يرام، وقرروا استعمال الزيت في الأكل. وفي غضون أيام قليلة، أصيب الجميع بمرض غريب وكذلك الكلب".[13]

ومن خلال جمع المعطيات، أدرك الفريق أن الأمر كله يتعلق بزيت الطهي ذو اللون الداكن، الذي كان لا يزال يباع في المدينة القديمة في مكناس. ومن ثم اكتشف سبالدينغ وسميث السبب وراء الكارثة، ويرجع الأمر إلى زجاجة ملونة تحمل اسم (Le Cerf)، وهي علامة تجارية لزيت الطهي، وبعد إرسالها إلى معهد الصحة بالرباط، تم رصد السم، وهي مادة كيميائية صفراء عديمة الرائحة تسمى ثلاثي فوسفات الكريسيل، إحدى عائلات الزيوت التجارية التي يطلق عليها اسم (TOCP) في أمريكا الشمالية.[13]

وجاء في وثيقة تحمل عنوان "نتائج التسمم بالفوسفات الأرثوذكسييل الممتص من ملوثات زيت الطهي، كما يظهر في 4029 مريضاً في المغرب"[15] أنّ السم الذي يمثل 67٪ من قارورة الزيت "يتداخل مع العملية الطبيعية لاستخلاص الدهون وامتصاصها وقد يصيب الجهاز العصبي المركزي".[13]

التحفيق ومحاكمة المتورطين

[عدل]

أفضى تتبع سلسلة التجار الذين كانوا يبيعون تلك الزيت إلى تاجر قطع غيار السيارات وزيوت المحركات بمدينة الدار البيضاء، هذا الأخير نفسه حصل عليها من قاعدة النواصر العسكرية، التابعة للقوات الجوية الامريكية آنذاك، فقد كان التجار يشترون تلك الزيت (كانوا يُسمّونها "زيت الطيارة") من الدار البيضاء ويمزجونها بزيوت المائدة وزيت الزيتون.[16] وقد حمّل التحقيق المسؤولية لخمسة تُجار من الدار البيضاء ومكناس وفاس، حيث أُدينوا ببيع 15 طناً من الزيوت المغشوشة خلال أشهر قليلة في جميع أنحاء البلاد. وقد نفى جميعهم تمامًا أن تكون لديهم أي نية لتسميم زبنائهم بأي شكل من الأشكال.[17]

أثناء محاكمة الجناة، طرح إشكال قانوني في مسألة تكييف التهم التي تتناسب والأفعال الجرمية التي ارتكبها الجناة. فالقانون الجنائي الذي تركه المستعمر الفرنسي، كان يعاقب على جريمة التسميم، من ستة أشهر إلى 3 سنوات حبسا نافذا، وهو ما جعل القضاة يحتارون أمام التكييف الملائم للجرائم المقترفة التي لا بمكن أن تخرج عن دائرة القتل عن سبق الإصرار والترصد.[7]

هذا الإشكال لم يتركه الأمير الحسن الثاني يسيح في متاهات التفسير القضائي، حيث طالب من المجلس الاستشاري (البرلمان حاليا)، من سن قانون يعاقب على جريمة التسميم في الأقصى بالإعدام، كما أمر بتطبيق هذا القانون بأثر رجعي ليشمل مرتكبي هذه الكارثة.[7] حُكم على المتورطين الخمسة بالإعدام، لكن لم يتم تنفيذ الحكم عليهم.[18]

الانعكاسات الحالية

[عدل]

في سنة 2010، تم توقيع اتفاقية بمقر وزارة الاقتصاد والمالية بالرباط من أجل إنصاف الضحايا، وهي الاتفاقية التي كانت مجرد حبر على ورق.[3] حيث لا يزال ضحايا الزيوت المسمومة يحجون للرباط للاحتجاج أمام مقر وزارة الاقتصاد والمالية، للمطالبة بالتسوية المالية لملفهم، وعددهم لا يتجاوز 331 شخصاً، لم تشملهم الاستفادة، ومنهم من توفى.[7]

انظر أيضا

[عدل]

مراجع

[عدل]
  1. ^ "Cooking Oil 'Poisoned' In Morocco". Winnipeg Free Press. 5 نوفمبر 1959. ص. 24.
  2. ^ "The Malady of Meknes". TIME. 30 نوفمبر 1959. مؤرشف من الأصل في 2008-03-08.
  3. ^ ا ب ج د ه و "مأساة حادثة الزيوت المسمومة في المغرب". www.ekkopost.com. اطلع عليه بتاريخ 2024-07-27.
  4. ^ ا ب "حين سببت زيوت مسمومة موت وشلل آلاف المغاربة.. رواية حديثة تعيد سرد الفاجعة". الجزيرة.نت. اطلع عليه بتاريخ 2024-07-27.
  5. ^ ا ب "قضية \"الزيوت السامة\" تطفو مجددا في المغرب". www.akhbarona.com. اطلع عليه بتاريخ 2024-07-27.
  6. ^ Hunter، D. (1968). "Book Reviews: Triaryl-Phosphate Poisoning in Morocco 1959. Experiences and Findings". British Journal of Industrial Medicine. ج. 25 ع. 4: 330–331. DOI:10.1136/oem.25.4.330. PMC:1008817.
  7. ^ ا ب ج د "زيوت "الغزال"...حينما ركض المغاربة نحو قدرهم المحتوم". www.febrayer.com. اطلع عليه بتاريخ 2024-07-27.
  8. ^ "في ذاكرة المغرب: خمس فواجع قاتمة تأبى النسيان من الزيوت المسمومة الى تازمامارت وغالفان". www.alifpost.org. اطلع عليه بتاريخ 2024-07-27.
  9. ^ ""أبناء القصر" .. منكوبون مغاربة منذ 60 سنة ينتظرون هبة ملكية". هسبريس. 29 يوليو 2017. اطلع عليه بتاريخ 2024-07-27.
  10. ^ Segalla, Spencer (2011). "The 1959 Moroccan Oil Poisoning and US Cold War Disaster Diplomacy." Journal of North African Studies. Accessible en ligne à https://dx.doi.org/10.1080/13629387.2011.610118
  11. ^ "Dr Gustave Gingras - Une crise au Maroc". مؤرشف من الأصل في 2009-05-06.
  12. ^ "Renseignements/information pour l'opération des Forces canadiennes (FC) Maroc 1959". مؤرشف من الأصل في 2016-03-03.
  13. ^ ا ب ج د ه و "تاريخ: حينما تسبب زيت للطبخ في إصابة آلاف المغاربة بمرض غامض". www.yabiladi.com. اطلع عليه بتاريخ 2024-07-27.
  14. ^ Hockaday، Judith (25 فبراير 1995). "Dr Honor Smith". ذي إندبندنت. اطلع عليه بتاريخ 2017-11-01.
  15. ^ باميلا ليندون ترافرز (يناير 1962). "The results of intoxication with orthocresyl phosphate absorbed from contaminated cooking oil, as seen in 4,029 patients in Morocco". Proceedings of the Royal Society of Medicine. 55(1): 57–60. PMC:1896416. PMID:13922340. {{استشهاد بدورية محكمة}}: تأكد من صحة قيمة |مؤلف-وصلة= (مساعدة) وروابط خارجية في |مؤلف-وصلة= (مساعدة)
  16. ^ "أزوكاح يكتب: أخطر من كورونا.. تقرير الشامي وذكرى الزيوت المسمومة بمكناس". www.adyare.ma. 8 يونيو 2020. اطلع عليه بتاريخ 2024-07-27.
  17. ^ "LES TRAFIQUANTS EN HUILES DE MEKNES COMPARAISSENT LUNDI DEVANT LEURS JUGES". لو موند. 11 أبريل 1960. اطلع عليه بتاريخ 2024-07-27.
  18. ^ Hughes، Stephen O. (2006). Morocco Under King Hassan. Ithaca Press. ص. 83.