مستخدم:عباد ديرانية/بحث

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

عام[عدل]

أولاً: مقدمة[عدل]

منذ الأيام الأولى لعلم الفلك الإسلامي، عرفَ المسلمون حقيقة كرويَّة الأرض، فقد اقتبسوها من كتابات العلماء الهلنستيّين المترجمة. استمدَّ المسلمون معرفتهم هذه تحديداً من كتاب المجسطي لبطليموس وكتاب دا كايلو/في السماوات لأرسطو، اللَّذين كانا يعلمان بكرويَّة الأرض، إلا أنَّهما اعتقدا - رغم كرويتها - بأنَّها في الحقيقة مركز الكون.[1] كانت لهذين الكتابين أهميَّة شديدة في تطوُّر فكرة المسلمين عن شكل الأرض، حيث أنَّهما كانا من بين أكثر ثلاثة كتبٍ يونانية اهتمَّ علماء العرب بدراستها والتعليق عليها، حسبما يذكر المؤرّخ جمال الدين القفطي في مؤلَّفه أخبار العلماء بأخبار الحكماء.[2] مع أنَّ المسلمين أخذوا معارفهم الأولى حول كروية الأرض من الإغريق، لكنهم بدؤوا لاحقاً بالتدريج ببناء معرفة جديدة من بحوثهم الخاصَّة عن طبيعة الأرض، وجاؤوا بالمزيد من الأدلة على كرويتها بل ودورانها.[3]

عمل المسلمون على ترجمة أعمال بطليموس وغيره من العلماء - مثل أرسطو وبلاتو ومارينوس الصوري - الإغريق مراراً خلال العصر العباسي، ممَّا ضخَّ الدماء والنشاط في حركة البحث العلمي[4] وترك أثراً عميقاً جداً على فهمهم لعلم الفلك، وقد أخذوا من الإغريق جميع معارفهم وعلومهم تقريباً قبل أن يبدؤوا البناء عليها، بما فيها حقيقة كرويَّة الأرض. ورغم أنَّ المسلمين اعتمدوا اعتماداً كبيراً على العلم اليوناني كنقطة انطلاقٍ لهم، إلا أنَّهم لم يأسروا أنفسهم فيه ويأخذوه كحقيقة غير قابلةٍ للجدال قطّ، وكانوا دوماً ناقدين ومفكّرين في ما يأخذونه من اليونانيين، بما في ذلك ما يتعلَّق بشكل الكون وموقعهم فيه.[5]

مع أنَّ لدى المسلمين تراثاً واسعاً في علم الهندسة الكروية، إلا أنَّ معظم معادلاتهم الرياضيَّة التي تصل إلينا تصل دون توضيح الأغراض التي أعُدِّت لإجرائها تحديداً، ومنها مثلاً مسائل الخورازمي في علم الفلك الكرويّ، التي يستعمل فيها جداول حساباتٍ طويلة، لكنَّه لا يُوضِّح إلى ماذا ترجع هذه الحسابات والمعادلات.[6]

ثانياً: المشكلات[عدل]

من كلِّ المصادر العربيَّة والإسلاميَّة التي تصلنا من العصور القديمة، تركّز جميع هذه المصادر تقريباً على تناول العلوم بأسلوبٍ أكاديمي موسوعي، فهي بالدرجة الأولى تروي المعلومات التي يعرفها المؤلّف أو التي وضع النظريات حولها بسياقٍ جافّ، وليس بالضرورة أن تعطينا انطباعاً حقيقياً عمَّا اعتقده باقي الناس عن الموضوع في زمن تأليف الكتاب. فقد يكون بعض العلماء الرَّائدين - كالبيروني مثلاً - أتوا بأفكارٍ علميَّة برَّاقة قريبةٍ جداً إلى الواقع الذي نعرفه اليوم، مثل حقيقة دوران الأرض حول ذاتها عوضاً عن دوران السماوات حولها، لكن من الصَّعب جداً أنّ نعرف ما إذا كان باقي علماء عصره قد وافقوه على وجهة نظره أم اختلفوا معه فيها، لأن أسلوب التعليق على مؤلَّفات الغير لم يكن شائعاً كثيراً بين العلماء المسلمين، كما أنَّه حتى عندما يأخذ أحد المؤلفين معلومةً من كتابٍ لعالم آخر كان قد قرأه، فمن النادر نسبياً أن يَنسُبَ المعلومة إلى مصدرها الأصليّ. هذا الافتقار إلى المنهجية البحثية المنظَّمة عند المسلمين في العصور الوسطى، يجعل تقصِّي معرفتهم عن العلوم القديمة مسألة صعبة. أما عامَّة الناس، فإنَّه من شبه المستحيل الحصول على أيّ مصادر تصف مدى علمهم وثقافتهم بمسائل دقيقة كشكل الأرض وموقعها في الكون، وبالتالي فإنَّ محاولة التقصي بهذا الخصوص تكاد تكون غير مجدية.

كما ثمَّة مشكلات أخرى. فعلى الرغم من سعة علم المسلمين وحسنُ اطلاعهم قديماً، ومع أنَّهم تركوا وراءهم تراثاً مخيفاً من المؤلَّفات والمخطوطات في شتّى العلوم، فإنَّ إمكانية الوصول إلى هذه المصادر بالنسبة للعامّة من الناس ضئيلةٌ جداً. فنسبةٌ صغيرة جداً من هذه المخطوطات حُقِّقت ونشرت، وعددٌ أقل بكثير منها متاحٌ خارج البلدان العربيَّة التي طبعت فيها، وحتى بين هذه الكتب القليلة، تكاد تنعدم المخطوطات المتخصّصة بالعلوم - ومنها الفلك - انعداماً تاماً، حيث أنَّ الغالبية العظمى منها تتخصَّص بمجالاتٍ كاللغة والأدب والشريعة والتاريخ. فوق ذلك، فإنَّ ندرة المكتبات في العالم العربيّ تجعلنا مضطَّرين للاعتماد على شبكة الإنترنت بالدرجة الأولى كوسيلةٍ للحصول على المصادر، وهي لا تحتوي إلى مواقع قليلةً جداً توفّر مخطوطاتٍ عربية قديمة.

شكل الأرض[عدل]

القرنان 8 و9[عدل]

قد يكون من بنيهم الخوارزمي. توضّح هذه التجربة من غير شكٍّ كيف عرفَ العرب بالفعل في ذلك الزَّمن (على الأقلِّ المثقَّفون منهم) أن الأرض كانت كروية، إذ أنَّ هذا هو الأساس الذي تقوم عليه التجربة كلُّها، وكانت ستبطل تماماً من دونه.[7] من بعده، قال الكندي أيضاً بأنَّ الأرض كروية بما فيها المحيطات واليابسة، وصمَّم كرة مجسَّمة توضّح المواقع المفترضة لمسار الشمس والدوائر السماويَّة المختلفة.[8]

شهد القرن الثامن حركة ترجمةٍ كبيرة للعديد من الكتب الأجنبيَّة، كان من بينها الكتاب السنكسريتي الأريابهاتية للرياضياتي الهندي أريابهاتا لذي نقل للعربيَّة في عهد الخليفة أبو جعفر المنصور، وكانت إحدى الأفكار الجديدة التي يقدّمها هي أنَّ تقلب الليل والنهار اليومي وحركة السَّماء قد تكون بالحقيقة محض تأثير ظاهريٍّ ناتج عن دوران الأرض حول نفسها، لا تحرُّك أجرام السماء، كما اقترح أن كميَّة اليابسة والماء على سطح الأرض متساوية.[9]

  • ابن خرداذبة: كان من أوَّل العلماء المسلمين الذين قالوا بكرويّة الأرض، وذلك في عهد الخليفة المأمون، حيث ألَّف كتابه الشهير المسالك والممالك الذي يقول فيه: «إن الأرض مدورة كدوران الكرة، موضوعة كالمحة في جوف البيضة».
  • ابن رستة: جغرافي فارسي، قال في كتابه الأعلاق النفيسة: «إن الله جل وعز وضع الفلك مستديرًا كاستدارة الكرة أجوف دوَّارًا.. والأرض مستديرة أيضًا ومصمتة في جوف الفلك».

القرنان 10 و11[عدل]

تضمَّنت أعمال البيروني دراساتٍ دقيقة ومنظَّمة جداً لسطح الأرض، فقد درس البيروني دوائر العرض وخطوط الطول، والنقاط المقابلة للأمكنة الجغرافية على الأرض، بل وتقدَّم على عصره بمراحل عندما اقترح نظريَّة تقضي بأنَّ الأرض تدور حول ذاتها وليست بالتالي جسماً ثابتاً.[10] وكما يمكن أن نرى فقد ارتكزت دراسات البيروني على فكرة كرويَّة الأرض، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تعطي أيَّ معنى لمحاولة اكتشاف النقاط المقابلة لمواقع على الكرة الأرضية أو لدراسة دوران الأرض.

يمكن القول أنَّه في عصر البيروني، أصبح العديد من العلماء المسلمين والمثقَّفين يعتبرون حقيقة كرويَّة الأرض أمراً بديهياً. فعلى سبيل المثال، يقول العالم ابن حزم الأندلسي الذي عاصر البيروني في خلال القرن الحادي عشر: «الأرض كرويَّة، على عكس الاعتقاد السائد».[10] إلا أنَّه يشير بوضوحٍ في هذه العبارة القصيرة إلى أنَّ عامَّة الناس من أهل عصره لم يكونوا مدركين جيّداً لهذه الحقيقة، على عكس المثقّفين. وهو يُضِيف لاحقاً: «والدليل هو أنَّ أشعَّة الشمس تكون دوماً ساقطةً عمودياً على بقعةٍ ما من بقع الأرض»، في إشارةٍ إلى أحد الأدلة التي اعتمد عليها.

  • شمس الدين المقدسي: كان أحد أهمُّ من كتب عن هذا الموضوع هو الجغرافيَّ العربي من منتصف القرن العاشر المقدسي، الذي قدَّم وصفاً عالي الدقَّة، عندما قال عن الأرض أنَّها كرة غير مثالية، وأن نصفها الشماليّ كان مكتظاً بكتل اليابسة أكثر من الماء.[11]
  • بهاء الدين العاملي: كتب في مخطوطته تشريح الأفلاك سنة 1033هـ يقول: «العالم الجسماني كرة من ثلاث عشرة كرةٍ متلاصقة، أعلاها الأطلس»، وهو يخطئ إذ يبالغ بوصف السماوات السبع بناءً على تصوُّراتٍ ضعيفة، حيث يُصوِّر السماوات المذكورة في القرآن على أنَّها السماوات المحيطة بـ: «السيارات السبع المشهورة»،[12] ويقصد بذلك الكواكب الخمسة المعروفة آنذاك مع الشمس والقمر، وقد استثنى الأرض على ما يبدو. وهو يصف تركيب الأرض وصفاً غريباً على أنَّها طبقات كرويَّة متعاقبة، لكنَّه يصيب بحقيقة كروية الأرض، حيث يقول: «ثمَّ كرة الهواء، وهي متناسبة الحدب، مضرَّسة القعر بالأمواج والجبال، ثمَّ كرة الماء ... ثم كرة الأرض، ومركز ثقلها مركز العالم». وهو يتحدَّث أيضاً عن دوران الأرض: «ولم يقم دليلٌ على بطلان تحرُّكها حركة وضعيَّة بطيئة، والتضاريس لا تخرجها عن الكروية الحسية، كما لا تخرج الماء والهواء».
  • المسعودي: من أشهر جغرافيّي العرب، قال في كتابه التنبيه والإشراف سنة 956م: «جعل الله عز وجل الفلك الأعلى وهو فلك الاستواء وما يشمل عليه من طبائع التدوير، فأولها كرة الأرض يحيط بها فلك القمر...».
  • الشريف الإدريسي: من مشاهير الجغرافيين العرب، قال في كتاب نزهة المشتاق: «وإن الأرض مدوَّرة كتدوير الكرة، والماء لاصق بها، وراكد عليها ركودًا طبيعيًّا لا يفارقها، والأرض والماء مستقرَّان في جوف الفلك كالمحة في جوف البيضة.. ووضعهما وضع متوسط، والنسيم يحيط بها (يقصد الغلاف الجوي) من جميع جهاتها»، وهو هنا يشير إشارةً مفصَّلة إلى حالة البحار والمحيطات على الكرة الأرضية، كما تحدَّث عنها فلكيُّون آخرون من قبله كمن أوردناهم آنفاً.

عصر النهضة[عدل]

  • أبو عبد الله بن زكريا القزويني: عالم فلسفةٍ من قزوين عاش في العصور الوسطى المتأخّرة، قال في كتاب عجائب المخلوقات: «الأرض كرة.. والدليل على ذلك أن خسوف القمر إذا كان يُرى من بلدان مختلفة فإنه لا يُرى فيها كلها في وقت واحد بل في أوقات متعاقبة لأن طلوع القمر وغروبه يكونان في أوقات مختلفة في الأماكن المختلفة. والأرض واقفة في وسط الأفلاك كلها بإذن الله تعالى»، ونراه يذكر هنا نفس الحجَّة التي استدلَّ بها ابن حزم تقريباً، وهي أنَّ الظواهر الفلكية تظهر في أوقاتٍ مختلفة على بقاع الأرض المختلفة. وهو يرد على الكنيسة القائلة بأنَّ الأرض مسطحة ولو كانت كرة لسقط الناس منها: «إن الإنسان في أي موضع يقف على سطح الأرض فرأسه أبدًا مما يلي السماء، ورجله أبدًا مما يلي الأرض، وهو يرى من السماء نصفها.. وإذا انتقل إلى موضع آخر ظهر له من جانب السماء الذي أمامه بقدر ما كان قد خفي عنه من الجانب الآخر».
  • أحمد السرهندي: عالم بنجابي ألَّف في كتابه مكتوبات ملخَّصاً عن كافَّة العلوم الإسلامية في عصره، وذكر فيه ضمن الفقرة الثانية من الفصل الثالث بالقسم الأول من الجزء الرابع، حقيقة أنَّ الأرض كرويَّة.[13]

علماء الإسلام[عدل]

  • فخر الدين الرازي: قال في كتاب مفاتيح الغيب رداً على من ادَّعى بأن آيات القرآن في الأرض تصفها بالتسطُّح: «لأرض جسم عظيم، والكرة إذا كانت في غاية الكبر كأن كل قطعة منها تشاهد كالسطح... المراد من كون الأرض مهداً أنه تعالى جعلها بحيث يتصرف العباد وغيرهم عليها بالقعود والقيام والنوم والزراعة وجميع وجوه المنافع».
  • ابن تيمية: يُقَال أنَّه استدعي مرَّة للبتِّ في خلال رجلين يتناقشان حول شكل السماوات والأرض، حيث قال أحدهما بكروية الأرض والسماء بينما أنكر الآخر مدعياً أنَّ لا أصل لها. فأجابَ ابن تيمية بأنَّ السَّمَاوَاتِ مُسْتَدِيرَةٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ حَكَى إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ، بل وقال أنَّه لا يعرف من أنكر هذه الحقيقة إلا من الجهَّال والمغرضين، وأنَّ جميع العلماء القديرين متَّفقون عليها، لكنَّه أيضاً قال أن نسبةً صغيرة لا تثبت كروية الأرض كحقيقة فتقول أنه من الجائز أن تكون مربعة مثلاً دون أن تنفي قطعياً إمكانية أن تكون كرة.[14] ويُبيّن هذا الخلاف أن معرفة حقيقة كروية الأرض رغم انتشارها بين بعض طبقات المجتمع، لكنها لم تكن بالضرورة المعرفة الغالبة على عامّة الناس، ومن الواضح قلَّة علم معظم الناس بالأمر لعدم تدخُّلهم في الخلاف بل لجوئهم إلى ابن تيمية.
  • ابن حزم الأندلسي: قال ناقلاً عن علماء المسلمين الآخرين في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل: «إنَّ البراهين قد صحَّت بأن الأرض كرويَّة، والعامَّة تقول غير ذلك، وجوابنا وبالله تعالى التوفيق: إن أحدًا من أئمة المسلمين المستحقِّين لاسم الإمامة بالعلم لم ينكروا تكوير الأرض، ولا يُحفَظ لأحدٍ منهم في دفعه كلمةٌ، بل البراهين من القرآن والسُّنَّة قد جاءت بتكويرها، قال الله : {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} [الزمر: 5]. وهذا أوضح بيانٍ في تكوير بعضها على بعض، مأخوذ من: كوَّر العمامة، وهو إدارتها، وهذا نصٌّ على تكوير الأرض»،[15] وفي كلامه إشارة واضحةٌ جديدة إلى أنَّ العامة لم يدركوا هذه الحقيقة. لكنه من الواضح أيضاً من قوله أنَّ الاعتماد في حسم هذه القضية كان راجعاً في معظمه أو على الأقل بدرجةٍ كبيرة إلى علماء الدين، لا علماء الفلك الحقيقيِّين.
  • ابن الجوزي: من العلماء المسلمين الذين قالوا بوجود الإجماع على كرويَّة السماوات والأرض،[14] وقد قال في ذلك: «لا اختلاف بين العلماء في أنَّ السماء مثال الكرة، وأنها تدور بجميع ما فيها من الكواكب كدور الكرة على قطبين ثابتين غير متحركين، أحدهما في ناحية الشمال، والآخر في ناحية الجنوب. وكذلك أجمعوا على أن الأرض مثل الكرة».
  • عبد الله بن عمر البيضاوي: عالم تفسير، قال في شرح آية "الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشًا" بكتاب أنوار التنزيل: «أي مهيّأة لأن يقعدوا ويناموا عليها، كالفراش المبسوط. وذلك لا يستدعي كونها مسطحة، لأن كروية شكلها مع عظم حجمها لا يأبى الافتراش عليها».

شكل الكون[عدل]

القرنان 8 و9[عدل]

بعد أن عيَّن المأمون الخورازمي ليكون فلكياً رسمياً، بدأ هذا بإجراء دراساتٍ أكثر تفصيلاً، فعمل على حساب حركة الكواكب السيارة، وقاس مدى انحراف مسار الشمس، بل وقد درس حتى هندسة الجيوديسي. أما الكندي، فقد تمكَّن - بناءً على دراساته في علم الهندسة - من إثبات أن حجم الكون نهائيٌّ، وأنَّه كروي هو الآخر. وقد كان البتاني أوَّل عالمٍ من أيام بطليموس يعمل على حساب الازدياد في دائرة عرض الأوج الشمسيّ، وقاسه بنحو 16ْ درجة، واكتشف أثناء قيامه بالقياس ظاهرة القبا الشمسي، كما أعاد قياس انحراف مسار الشمس ليحدِّده بنحو 23 درجة و35 دقيقة قوسية، كما استعمل قانوناً هندسياً بسيطاً لتحديد المسافات القصوى بين الأرض والشمس بحوالي 1146 و1108 و1170 ضعف قطر الأرض، وبذلك لم يخطئ إلا بنحو 20 قطر أرضي.[8]

وقد أخذ من بعده قياساتٍ مشابهة العالم الفرغاني ابن كثير، الذي قاس المسافة بين الأرض والقمر والكواكب السيارة، وقد توصَّل - بمقياس الأقطار الأرضية - إلى معطيات 64.166 للقمر (خطأ حوالي 0.2)، و8,841 للمريخ (خطأ حوالي 30)، بل وقد قاس أحجام الكواكب السيارة جميعها تقريباً، وهي كلها إنجازاتٌ مدهشة بحقّ، وأنجزت بدقة هائلة. اكتشف عالمٌ مسلم فارسي، هو أبو الوفاء البوزجاني، تذبذباً في حركة القمر حول الأرض، وهو نفس الاكتشاف الذي حقَّقه بعده بقرونٍ الفلكي الدنماركي تايكو براهي.[16]

الخلاصة[عدل]

  • كروية الأرض: ليس من الواضح كيف كان ينظر العرب في الجاهليَّة إلى شكل الأرض، لكن منذ الأيام الأولى لظهور حركة الترجمة في مطلع العصر العباسي أو منتصف العصر الأمويّ، والمسلمون مدركون جيداً لحقيقة كرويَّة الأرض، نقلاً عن الإغريق. ما قام به المسلمون بالدرجة الأولى هو إعادة تدوير العلوم الإغريقية عن هيئة الأرض، وإعادة إجراء تجارب الإغريق القدماء، بما فيها قياس محيط الأرض في عهد الخليفة المأمون. ساعد المسلمون على صون هذا العلم الإغريقي وحفظه حتى تمكَّن من إيجاد طريقه إلى أوروبا في عصر النهضة، وانتقل منها إلى سائر أرجاء الأرض. طوال العصور الإسلامية، كان المثقَّفون المسلمون من فلكيِّين وفيزيائيِّين وفقهاء وطلبة علمٍ في مجملهم عارفين بحقيقة كرويَّة الأرض جيداً، إلا أنَّه يبدو أنَّ عامة الناس كانوا يجهلون هذه الحقيقة، ولم يستطع العلماء - رغم جهودهم - أن ينقلوا هذه المعلومة إلى شريحةٍ واسعةٍ من المجتمع العربي والمسلم في ذلك الحين.

المراجع[عدل]

  1. ^ Ragep, F. Jamil: "Astronomy", in: Krämer, Gudrun (ed.) et al.: Encyclopaedia of Islam, THREE, Brill 2010, without page numbers
  2. ^ دراسات في الفلك عند العرب، الجزء 1، ص49. مركز إحياء التراث العلميّ العربي في بغداد، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وجامعة بغداد. الطبعة الأولى 1989.
  3. ^ Studies in Islamic Civilization: The Muslim Contribution to the Othman Ali 2010. The International Institue of Islamic Thought. ISBN 978-1-56564-350-5.
  4. ^ Science and Islam, 37p. Muẓaffar Iqbāl 2007.
  5. ^ دراسات في الفلك عند العرب، الجزء 1، مرجع سابق، ص48.
  6. ^ The Mathematics of the Heavens and the Earth: The Early History of Trigonometry, 167p. Glen Van Brummelen 2009. Princeton University Press. ISBN 987-0-691-12973-0.
  7. ^ Great Muslim Mathematicans, 21p. Mohaini Mohamed. Editor; Mohd Razili. Malaysia 2000. ISBN 983-52-0157-9.
  8. ^ أ ب The Touch of Midas: Science, Values, and Environment in Islam and the West, 75p. Ziauddin Sardar 1984. Manchester University Press. ISBN 0-7190-0974-X.
  9. ^ Science and Islam, 36p. Muẓaffar Iqbāl 2007.
  10. ^ أ ب 1001 Inventions: Muslim Heritage in our World, p239. Chieft Editor; Salim Al-Hassani. Co-Editors; Elizabeth Woodcock & Rabah Saoud. Foundation for Science, Technology and Civilisation 2007. ISBN 978-0-9552426-1-8.
  11. ^ Encyclopaedia of the History of Science, Technology, and Medicine in Non-Western Cultures, 356p. Helaine Selin 1997. Kluwer Academic Publishers.
  12. ^ مخطوطة تشريح الأفلاك، ص1-2. بهاء الدين العاملي. تحقيق ونشر جامعة الملك سعود. رابط.
  13. ^ Endless Bliss First Fascicle, 271p. M. Siddik Gumus 2001.
  14. ^ أ ب [ الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 / 4 ].
  15. ^ الفصل في الملل والأهواء والنحل، ج2، ص241. ابن حزم الأندلسي.
  16. ^ The Touch of Midas: Science, Values, and Environment in Islam and the West, 76p. Ziauddin Sardar 1984. Manchester University Press. ISBN 0-7190-0974-X.