مملكة دادان
دادان | ||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|
مملكة دادان ولحيان | ||||||||
|
||||||||
نظام الحكم | ملكي | |||||||
لغات مشتركة | الدادانية | |||||||
ملك | ||||||||
| ||||||||
التاريخ | ||||||||
| ||||||||
تعديل مصدري - تعديل |
دادان أو ددن كما تعرف باسم لحيان(خط المسند: ) هي مملكة قامت في مستوطنة دادان وتيماء ومدائن الأسود وجبل عكمة إقليم الحجاز، غرب شبه الجزيرة العربية، ويقع حاليًا في دولة المملكة العربية السعودية؛ كانت تسمى في الفترة الأولى ددان، ودامت ددان في مرحلتها الأولى في الفترة (700 ق.م - 100 ق.م)[1] وثم في مرحلتها الثانية في الفترة الممتدة بين سنة 107م و150م.[2]
في عصر ما قبل الميلاد أقامت جالية معينية قادمة من جنوب شبه الجزيرة العربية دولة وحضارة في ددان وتيماء شمال الحجاز، كانت تسمى مستوطنتهم ددن أو دادان، وفي فترة من الفترات اتخذ المعينيون من مدينة ددان عاصمة ثانية لهم في الشمال، وكانت لهم قوة ومنعة. وقد أسهمت حضارتهم بقدر وافر في حركة الفنون والكتابة والتجارة والمعمار، ولاتزال آثارهم و نقوشهم باقية هناك حتى اليوم.
النقوش المعينية
عرفت مملكة ددان في الكتابات والنقوش المعينيه باسم ددن، وكان يحكمها كبراء/أقيال/ملوك تابعون لمملكة معين.[3]
كان ملوك معين يعينون حكامًا على مستوطنة دادان باسمهم، وأن درجتهم هي درجة «كبر»؛ أي من الكبراء، حسب طريقتهم في تقسيم مملكتهم إلى «محافد» أي أقسام، يكون على كل محفد، أي قسم من المملكة، رئيس من الكبراء، يتولى الحكم باسم الملك في المسائل العليا، وفي جمع الضرائب التي يبعث بها إلى العاصمة، وفي المحافظة على القوافل التِجارية. وقد عثر على كتابات معينية كثيرة ذكرت فيها أسماء «كبراء» حكموا دادان باسم ملوك معين، وقد ورد اسم الملك المعيني «اليفع بشر» في كتابات عثر عليها في دادان، أمر بتدوين إحداها القيل «وهبال بن حيو ذعم رتنع»، من أعيان المعينيين في الشمال ومن «الكبراء» في دادان. وأما الكتابة الأخرى فتعود إلى «يفعن»«يفعان»، من رؤساء «ددان» كذلك. وقد كان هذان الرجلان من أسرتين كبيرتين، عرفتا في أيام معين المتأخرة، وورد اسم الأسرتين في عدد آخر من الكتابات في دادان.
وورد في النقش اسم الملك «وقهال نبط»، ملك معين الذي دبر موت العرب في مدينة «قرنو» عاصمة معين. في عهد «هنا يامن»، «هانئ يأمان»، الذي كان كبيرًا/ حاكمًا على مستوطنة دادان في منطقة الخريبة؛ أي في الأرض التي سكنها المعينيون الشماليون. والملك المذكور هو ابن الملك «اليفع بشر» وشقيق الملك «حفن ريام».
الكتب اليهودية
أطلقت الكتب اليهودية اسم الددانيين على المعينيين، نسبة لمستوطنة دادان في العلا، وتذكر المصادر اليهودية أن الددانيين هم أبناء عمومة السبئيين. وقد جعلت الكتب اليهودية أراضي شبه الجزيرة العربية المتاخمة لأرض أدوم ضمن سلطان الددانيين (المعينيين)، وذكر في الكتب اليهودية أن الددانيين كانوا من الشعوب الجزرية التي ترسل بضاعتها إلى بني إسرائيل.
13 (وحي من جهة بِلاد العرب: في الوعر في بلاد العرب تبيتين، يا قوافل الدادانيين)
14 (هاتوا ماء لملاقاة العطشان، يا سكان أَرض تيماء. وافوا الهارب بخبزه.)
مملكة ددان
بعد أن استوطن المعينيون في العلا شمال الجزيرة العربية أنشؤوا لهم بها مستوطنات حضرية صغيرة مثل تيماء ودادان، والتي هي مقاطعة فيدرالية/ مملكة صغيرة «مملكة مدينة»، لا تتعدى سيطرتها حدود تلك المدينة، وأسموها «ددن«، نسبة إلى تلك المدينة. وقد بدأت مستوطنة ددان هذه في القرن 7 ق.م واستمرت حتى القرن 1 ق.م على رأي عالم الآثار «وليام البرايت«. وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن الحميريين استولوا على ددن مواطن المعينيين الشماليين في حوالي سنة 115ق.م، فخضعوا بذلك لحكم الحميريين.[4]
مملكة ددان هي مقاطعة فيدرالية/ مملكة صغيرة تابعة لمملكة معين من القرن السادس ق.م، حتى بدايات الأول ق.م،[5] قامت في دادان وتيماء الأجزاء الشمالية الغربية من شبه الجزيرة العربية، يعتقد بعض الباحثين أن قبيلة «ذو لحين» إحدى قبائل اليمن التي سكنت في العلا بالعصر الحميري، وكانوا من سكان اليمن بالأصل، لورود نص يشير إلى قيل لحياني تابع لمملكة حمير في اليمن اسمه «أب يدع ذو لحيان» واستوطنت قبيلة لحين» جنوب ددان، فلما برزت سلطة الحميريين في اليمن وضعفت حكومة المعينيين في اليمن انفصل المعينيون الشماليون عن مملكة معين،[6] وأصبحوا تابعين لمملكة حمير، ويرى جواد علي أن المعينيين كوَّنوا مستعمرات في أعالي الحجاز منذ القرن السادس قبل الميلاد أيام قوة المعينيين، وهدف هذه المستعمرات هو تأمين القوافل التجارية والطرق التجارية من جنوب شبه جزيرة العرب إلى شمال شبه جزيرة العرب.[7] ووفقًا لورنر كاسكل:[8]
أغلب بضاعتهم القادمة من جنوب شبه الجزيرة العربية كانت موجهة لمصر واليونان، ويعتقد كاسكل أن المعينيين الشماليين (الددانيين/اللحيانيين) استقلوا عن مملكة معين في القرن الأول ق.م قرابة 100 ق.م عندما برز الحميريون في اليمن، كان المعينيون يسيطرون على دادان وأعالي الحجاز من القرن السادس ق.م بدلالة أن حكامهم كانوا تابعين لمملكة معين بشكل مباشر وفي القرن الأول قبل الميلاد استقل المعينيون الشماليون عن معين لما بدأت سلطة الحميريين بالتزايد في اليمن.[9] يرى جواد علي أن الددانيين اسم أطلقه اليهود على التجار المعينيين القادمين بقوافلهم من مستوطنة ددن واليمن، وقد عدهم بلينيوس الأكبر في جملة الشعوب الجزرية.[10]
يقول د/ عبد الرحمن الأنصاري: أعتقد أن ددان هي مقاطعة تابعة لمملكة معين مصرن. ومن هنا يتضح أن المعينيين هم الددانيين المذكروين في الكتب اليهودية.[11]، وحيث إنه لم تُجْرَ في المنطقة حفريات أثرية جادَّة تزوّدنا بتفاصيل أكثر عن هذه الفترة إلاّ ما قام به العالمان الفرنسيان «جوسن»Jaussen و» سافيناك»Savignac من دراسـة لبعض نقوش المنطقة الظاهرة على سطح الأرض ثم تحليلها والتي كشفت أسماء بعض حكام دادان في هذه الفترة:
- وقهال نبط ملك معن (ملك معين)
- كبرا* (ملك ددن)
- متعال بن كبرا* (متعال بن كبرا ملك ددن)
- عاصي فعل لطحن (ملك ددن)
- هناء يامن
- وهبال بن حيو ذعم رتنع
- منعي لذن بن هـنأس
- سلح
- شكر بن هشعت
وقد وثق حكام هذه الفترة علاقاتهم التجارية مع الدول المجاورة كالإدوميين والمصريين، لكن هذه العلاقة كانت أكثر عمقًا مع حكام مصر.[12]
حيث كان المعينيون يُصَدِّرُون لهم المواد العطرية والبهارات والخيول العربية الأصيلة، عبر ميناء (أمبليوني) المقام على السواحل المصرية باتفاق الدولتين، وعبر الميناء المعيني (لويكي كومي).
كما أعطى المجتمع المعيني في دادان حُرِّية التملك للمرأة، وقد ثبت هذا في نقوشهم. كما أنهم كانوا ينحتون جبال العلا، ويتخذونها مقابر لدفن موتاهم. وتتميز مدافنهم التي في مدائن الأسود عن مدافن أصحاب الحجر (النبط) التي في مدائن صالح (الحجر) بأنها شبه مربعة الشكل، لا تزيد فتحتها عن متر مربع واحد، وعمقها في داخل الصخر حوالي مترين. ومن أشهر المدافن «بيت الأسدين».
يقع المعبد المعيني وسط مدينة «ددان»، ويسمى حديثًا «معبد محلب الناقة» وله فناء واسعٌ، وينتشر فيه الكثير من النقوش بخط المسند، ويوجد بالمعبد مرر وضع فيه 16 تمثالًا ضخمًا نحتت بإتقان، وهذه التماثيل تظهر رجالًا يرتدون الزي السبئي الصحراوي/ الزي التهامي، وتحمل الطابع المعيني السبئي المتمثل في شكل الوجه والرأس واللبس، وتشبه لحد كبير التماثيل التي اكتشفت في الجوف ومأرب، ولم يعلن علماء الاثار بعد هل كانت ديانة الددانيين الرئيسية تقوم على عبادة الله أم وثنية أم تلبست بطقوس وثنية وشركية مع عبادة الله. وقد سجل بعض التجار القادمين من مملكة معين أسماء أوثان معين؛ مثل ود ونكرح في مدافنهم ومقابرهم الصخرية في مدائن الأسود (مقابر الأسود).
أمَّا لغتهم في ذلك العصر فهي اللغة المعينية، ولغتهم هي الاقرب إلى اللغة العربية واللغة السبئية المتأخرة، وخطهم هو الخط المسند الجنوبي. ويدل انتشار الكتابات المعينية بهذا الحجم الكبير في العلا وما حولها على أن طبقة متعلمة هاجرت من اليمن، مما يؤكد اهتمامهم بالقراءة والكتابة.
ظهرت الأنباط في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد، وقد قاموا باتخاذ الحجر (مدائن صالح) مقبرة لهم، ولا يوجد ما يدل على احتلال الأنباط لمدينة ددان أو تيماء، لكن وجدت نقوش باللغة العربية بالخط النبطي (ليس باللغة النبطية) على بعض واجهات المقابر في مدائن صالح، يذكر فيها اسم صاحب المقبرة واسم النحات والقبيلة واسم الملك النبطي حارثة، مما يدل على اتخاذ النبط الحِجر (مدائن صالح) كمقابر، ولا يعرف بالضبط من نحت الواجهات الصخرية النبط أم أناس من العلا تابعون للمملكة النبطية، لكن يتبين حسب لغتهم أنهم قوم جزريون يتحدثون بإحدى اللغات العربية البدائية وليس باللغة النبطية، وأسماؤهم يمنية؛ مثل كهلان وجندب ونحوه، ولم يكتشف أي نقش يدل على سيطرة النبط على تيماء أو ددان مستقر المعينيين، ولم يذكر النبط مدينة ددن في نقوشهم على الإطلاق.
وحيث إن المعلومات التي وصلتنا عن هـذه الفترة تعتبر ضئيلة جدًّا، إذا ما قورنت بالمعلومات التي وصلتنا عن طريق نقوش مملكة معين في الجوف، فإننا سنكتفي بهذه المعلومات إلى أن تُبْدي لنا الأيام القادمة ما خفي علينا من تاريخ مملكة ددان، خاصة عند إجراء الحفريات الأثرية الجادَّة، والْمُنْتَظَر القيام بها في المنطقة.
قضى الرومان على الأنباط سنة 106م، وللموقف الودِّي الذي وفَفَهُ سكان العلا من الرومان أثناء حربهم مع الأنباط جعل الرومان يوقفون زحفهم عند نهاية الأراضي النبطية، ولم يتوغلوا في صحاري الجزيرة العرببة. ويبدو أن عدم رغبة الرومان في حكم صحاري الجزيرة العرببة القاحلة، وعلاقتهم الجيدة مع سكان دادان والعلا، شجع سكان العلا على إدارة شؤونهم والتحكم بالتجارة من جديد.
وتقع دادان والعـلا على الطريق التجاري الذي يربط المحيط الهنـدي بالبحر الأبيض المتوسـط، والمار بغرب الجزيرة العربية، وتمتـد العلا من السور الجنوبي المعروف اليوم في المنطقة بجدار السـبعة، وحتى السور الواقع شـمال جبل عكمة، وهي محصورة بين الجبل الشرقي والجبل الغربي، ومما ساعد على هـذا التحديد انتشـار الكتابات المسندية في هذه المنطقة، وترتفع العـلا 674 م فوق سـطح البحر.
وكذلك ما ذَكَرَتْهُ الْمَسَلَّة الآرامية عن وجــود الحاكم المعيني بتيماء، وقــد امتــد نفوذها إلى مدينـة «إســتريانا«، التي ذكرها بطليموس في كتابه، وشملت أيضًا بلدة «العُذَيب«الواقعة شـمال العـلا غرب ســكة حديد الحجاز، وذلك لوجود 40 نقشـًـا معينيًّا شماليًّا بها، يحمل أحدها اسـم الملك المعيني الشمالي «سلح«الموسـوم.
وقد تحدَّثت بعض النقوش المسندية، والتي منها النقوش عن التجار الذين قاموا بتقديم زكواتهم عن ممتلكاتهم التي تقع في (يمنت) بلاد الجنوب أي اليمن. ويقوم اقتصاد سكان دادان على عدَّة مقوِّمات وموارد تعتبر من الأهمية بمكان لإنعاش اقتصاد مدينتهم، ومن هذه المقوِّمات والموارد: الموقع، التجارة، الزراعة، الرعي.
الموقع
تُعَدُّ «ددان«من أهم المحطّات التجارية على طريق القوافل، مما جعل هذا الموقع يقوم بدور مهم في الحالة الاقتصادية للمجتمع المعيني. وتتميَّز العلا بقربها من ساحل البحر الأحمر؛ فهي لا تبعد عنه أكثر من مسيرة خمسة أيَّام، حيث يتوجَّه التجَّار إلى الموانئ القريبة لإجراء عمليات البيع والشراء، مع التجَّار الإغريق والمصريين وغيرهم.
وتَحْتَلُّ ددان العلا موقعًا استراتيجِيًّا على الطريق التجاري القادم من جنوب الجزيرة العربية، والمتَّجِهِ إلى بلاد الشام وسواحل البحر الأبيض المتوسط شمالًا، وإلى بلاد الرافدين في الشمال الشرقي.
التجارة
من المعروف أنَّ ددان تقع على طريق تجاري مُهِم يصل بين الجنوب والشـمال، تُنْقَلُ عَبْرَهُ البضائع المختلفة من بخور وعطور وبهارات وغيرها، إلى بلاد الشام ومصر وسواحل البحر الأبيض المتوسط وإلى بلاد الرافدين، مما أكسب المعينيين مكانة رفيعة في عالم التجارة؛ فمرور القوافل بددان العلا أعطاها حركة تجارية نشطة، ولِتَوَفُّر المواد الغذائية بالمنطقة من حبوب وتمور وغيرها جعل أصحاب القوافل يتاجرون مع سكان هذه المدينة أثناء توقُّفِهِم بها، مما جعل السكان يستفيدون من عائد الخدمات التي يقدِّمونها لتلك القوافل وأصحابها، من طعامٍ وشرابٍ وأعلافٍ لدوابِّهم، كما استفاد كبار القوم في دادان أيضًا من المكوسِ والأعشار التي يأخذونها من التجَّار المارِّين بأرضهم مما أنعش اقتصادهم.
والمكوس: جمع مكس، والمكس هو: الضريبة التي يأخذها الماكس من بائعي السلع في الأسواق من التُّجَّار، والماكس هو: الجابي والجامع للمكوس (الضرائب). والأعشـار: جمع عُشْــرٍ، والعُشْــرُ هو: واحد من عشـرة من الأموال، أي عُشْر ما يُباع، والعَشَّـارُ هو: الجابي للعُشْرِ والقابض له. يقول كاسكل: إنَّ المعينيين الشماليين كانوا من أكثر الشـعوب تُجَّارًا؛ فقد كانت تجارتهم في الدرجة الأولى مع مصر.
الزراعة
مما لا شك فيه أنَّ الزراعة لا تقوم في مكانٍ ما إلَّا إذا توفرت لها المياه، سواءٌ أكانت هذه المياه جوفية يتم استخراجها عن طريق حفر الآبار، أم كانت ببناء السدود التي تحجز خلفها مياه السيول والأمطار، وعلى هذا الأساس قامت الزراعة في مدن شمال الجزيرة العربية كددان و تيماء وما جاورها.
وتشير النقوش المعينية التي وُجِدَتْ في العلا عامة إلى وجود محاصيل زراعية؛ أهمها ثمار النخيل، كما ورد ذلك في النقش «أبو الحسن 18«.
ويُعَد التمر مصدرًا رئيسيًّا في الغذاء للحاضرة والبادية، لاحتوائه على أهم العناصر الغذائية، وكذلك لسهولة تخزينه وقابليته للتخزين لمدَّة طويلة، وكذلك لسهولة نقله من مكان إلى آخر. وللنخيـل فوائد كثيرة؛ فمن سـعفه تُصْنـَعُ البُسُطُ، ومــن ليفه تُصْنَـعُ الحبال، ومــن جذوعه تُسْـقَفُ المنازل؛ فالنخيل كله فوائد، لذلك نرى المعينيين الشماليين اهتموا بزراعتـه في ذلك الوقت. وللقيام بالأعمال الزراعية لابد من وجود بعض المعاملات التي لها صلة بالزراعة لم تتطرق لها النقوش المسندية؛ فمن هذه المعاملات:
المحاقلة: أي اسـتئجار الأرض والمزارعة، وهي اتفاق بين صاحب الأرض وشــخصٍ آخر يقوم بزراعة الأرض مقابل نســبة مُعَيَّنَة من الثمر؛ كالثلث أو الربع مثلًا. والمساقاة، وهي أن يقوم شخصٌ بتوصيل الماء إلى أرض المســتفيد مقابل حصّة مُعَيّنـة من نتاج الأرض. كما أنشــأت الدولة المعينية شـبكة كبيرة من القنوات لسـحب المياه المخزونة في باطن الأرض، بطريقـة متقدِّمة تقنيًّا تُسَــمَّى في عصرنا الحاضر بالعيون.
{{ويقال إنَّ وادي العلا كان يجري به تسـعون عينًا للماء[بحاجة لمصدر]، قنواتـها محفورة في جوف الأرض، وتحت عُمق أكثر من عشـرة أمتار مطويَّة بالحجارة؛ فقد أَكَّدَ كثيرٌ ممن قام بحفر الآبار في المنطقـة وجود قنوات لتلك العيون، بعضها يجري فيـه الماء والبعض الآخر جافٌّ، وقد أعاد منها أهالي العـلا الحاليون سـتًّا وثلاثين عينًا أقاموا عليـها المزارع والحقول، ويرى بعض الدارسـين أنَّ تلك العيون التســعين يعود إنشــاؤها إلى عصر المعينيين الشماليين. وهــذا دليل على اهتمام المعينيين الشماليين بالزراعـة والري.
الرعي
يُعْتَبَرُ الرَّعْيُ أحد روافد الاقتصاد في المجتمع المعيني الشمالي، لتوفُّر مراعٍ لا بأس بها في منطقة دادان التي تنمو أعشابها في مواسم الأمطار، وحيث إنَّ المعينيين الشماليين يمتلكون كثيرًا من النعم كالأغنام والأبقار والإبل، فإنَّ وجود مثل هذه النعم، خاصة الإبل، في هـذا المجتمع لها أهمية اقتصادية كبيرة؛ حيث إنها تمدُّهم بالحليب واللحوم، ويصنعون من أشعارها وأصوافها وأوبارها ما يحتاجونه من ملابسَ وبُسُـطٍ يفترشونها، والبدو منهم يصنعون منها بيوت الشَّـعْرِ التي يسكنون فيها، وكذلك يسـتخدمون بَعْرَهَا في طهو الطعام والتدفئة.
وقد ذُكِرَت هذه النعم كثيرًا في نقوشـهم؛ مثل: النقش «أبو الحسن 10، 74، 76»، إضافة إلى ذلك؛ تُعَدُّ الإبل في ذلك الوقت الوسيلة الوحيدة والأساسـية في المواصلات ونَقْل البضائع من مكان إلى آخر، وكانت ثروة الرجل في الجزيرة العربيـة تُقَدَّرُ بعدد ما يملكه من إبل. وقد ورَدَتْ لفظة «رع» والتي تأتي بمعنى «الرعي» في النقش «أبو الحسن 189»، وهـذا دليل على وجود حرفة الرعي عنـد ذلك المجتمع. وبهذه المقوِّمات من تجارة وزراعة ورعي ازدهر الاقتصاد اللحياني في ذلك الوقت.
المقايضة والعُمْلة في دادان
وَجَدَ الباحثون نقشًا بالمسند يُشِـيرُ إلى «أنَّ رَجُلًا اشترى عشرة مناهل من المياه بـ 40 سلعت (سلعة) من بضاعته. عُثِرَ في دادان وصنعاء على عملات بها بعض العلامات والحروف المعينية. ويظهر أنها عُمْلة معينية حَمَلَهَا التُّجَّارُ من اليمن إلى دادان أثناء متاجرتهم. ويَرَى «تارن» أنَّ العُمْلة المعينية في دادان الموجودة الآن بجامعة «أبردين» في اسـكتلندا قد ضُرِبَتْ في اليمن، وأنَّ قطعة العُمْلة هذه تماثل العُمْلة الإسكندرية التي تساوي أربعة دراهم.
حقيقة مملكة ددان
لاشــك أنَّ وجود المعينيين في «ددان» العــلا كان قديمًا، ولا شك أنَّ وجودهم فيها كان وجودًا تِجاريًّا بحتًا كما عرفنا ذلك ســابقًا.
إنَّ المعينيين بعد هجرتهم من منطقة الجوف من اليمن إلى العلا أقاموا مستوطنة «ددان» لتكون محطة القوافل القادمة من اليمن، وبعـد بروز الحميريين وضعف مملكة معين في القرن الأول قبل الميلاد قرروا الاستقلال عن معين، وأنشـؤوا لهم بها مملكة صغيرة، «مملكة مدينة»، لا تتعدى سـيطرتها حدود تلك المدينة. كثير من المؤرِّخين والباحثين الغربيين يعتقدون أن هناك قبيلة كانت تسمى ددان، أنشـأت مستوطنة ددان بسبب ذكر ددان في كتب الأنساب اليهودية التي جعلت ددان أخا سبأ.
أصل الددانيين
ترجع أصول المعينيين الشماليين (الددانيين) إلى اليمن، منطقة الجوف تحديدًا، وكانوا يتحدثون باللغة المعينية العربية، ولغتهم هي الأقرب إلى اللغة العربية الشمالية الفصحى (لغة العدنايين) واللغة السبئية المتأخرة. وقد أطلقت الكتب اليهودية اسم الددانيين على المعينيين نسبة إلى مستوطنة ددن، المكان الذي تستريح فيه القوافل المعينية القادمة من اليمن. وحسب ما ورد في سلسلة النسب فإن ددان هو شقيق سبأ، وأباهم هو يقشان، وعمهم هو مدين. وقد يكون المقصود ب «يقشان» قبيلة فيشان التي منها ملوك سبأ الأوائل.
حسب النقوش كان المعينيون الشماليون (الددانيون) يسكنون في اليمن بالأصل، وانتقلوا إلى مستوطنة ددان للتجارة، وقد كان المعينيون الشماليون (الددانيون) في ددان يتحدثون باللغة المعينية، لكنهم استعملوا أيضا كلمات وقواعد لغوية منتشرة بين السبئيين في اليمن القديم، ويظهر من تماثيلهم أنهم كانوا يرتدون الزي السبئي الشائع باليمن القديم. وكان يوجد في اليمن قبيلة تسمى (بني كعدان - بني ددن) وتابعة لهمدان، وتقطن في منطقة عِمران، ولا يعرف بالضبط علاقتهم بمستوطنة ددن التي أقامها المعينيون؛ قد تكون قبيلة بني كعدان - بني ددن إحدى قبائل ددن.
وقد ذكر في نقوش خط المسند «اب يدع ذو لحيان» أحد أقيال لحيان، وكان تابعًا للدولة الحميرية. في اللغة السبئية اسم لحيان يتكون من مقطعين: «لحي» الاسم، و«ان» أداة تعريف باللغة السبئية. وعبر التاريخ ذكرت ثلاث قبائل تسمى لحيان: قبيلة «ذو لحيان» في نقوش المسند اليمنية، و«بنو لحيان» في العصر النبوي، وقبيلة «لحيان» المعاصرة؛ أما قبيلة بني لحيان في العصر الإسلامي فكانت منازلهم في وادي غران بين أمج وعسفان إلى أرض يقال لها ساية، وأما قبيلة لحيان المعاصرة فتنتشر بين مكة وجدة. ويرى عالم الآثار وليام البرايت أن «ذو لحي-ن» أسرة ظهرت بالعلا في العصر الحميري وليست قبيلة.
الزي
كان المعينيون في دادان يرتدون الزي السبئي الصحراوي، (الزي التهامي)، وهو الزي الشائع في اليمن القديم. وقد استحدث المعينيون في ددان الغترة والعقال لحماية أنفسهم من حرارة الشمس والغبار، وكان في ذالك الوقت قطعة قماش تربط بحبل.
الخط المعيني الشمالي
الأبجدية الددانية المعينية هي ذاتها خط المسند، لكن طريقة كتابة النقش وبعض الأحرف تغيرت قليلا.
اعتمد المعينيون الشماليون (الددانيون) في كتابتهم على ثلاث طرق؛ هي: طريقة إبراز الحرف، وتتم هذه الطريقة بتفريغ ما حول الحرف وإبرازه. وعادة ما تكون الحروف المكتوبة بهذه الطريقة منسقة في أسطر متوازية أكثر من غيرها، وتوضع خطوط أفقية للفصل بين الأسطر، ووجد عدد منها داخل براويز. والطريقة الثانية هي طريقة الحز، وتتم هذه الطريقة بحز الأحرف على الصخرة بأداة حادة فتكون الأحرف فيها غائرة. وأما الطريقة الثالثة فهي طريقة النقر، وتتم هذه الطريقة بنقر الأحرف على الصخر، وعادة ما تكون الأحرف فيها سميكة، والنقوش المكتوبة بهذه الطريقة عادة ما تكون مخربشات غير مكتملة وناقصة وتفتقد إلى الأسلوب الجيد في الكتابة. وهذه الطرق وهذه الحروف هي التي كتب بها المعينيون الددانيون حضارتهم في ددان العلا، وآثار حضارتهم لا تزال باقية هناك حتى اليوم.
المكتشفات الأثرية في دادان
- مدفن الملك (كبرا* ملك ددن)
- قصر الحاكم
- 16 تمثالًا ضخمًا بارتفاع 3-4 أمتار
- قناع ذهبي للحاكم ومجوهرات ذهبية للزينة
- معبد محلب الناقة
- 3000 نقش معيني
- 700 مقبرة في جبال دادان
- بئر ماء تم طمره بكمية كبيرة من التماثيل المكسرة والنقوش والكتابات والآثار التي تم تكسيرها بشكل متعمد
- أعمدة ضخمة تم نحتها بإتقان
- أحواض صخرية تستعمل للطهارة والوضوء والاستحمام
- عملات معدنية
- المحجر الذي تقص به الحجارة للبناء العمراني أو لصناعة التماثيل
- المستوطنة الشرقية في دادان أو المنطقة الثالثة؛ (لم يتم التنقيب بها بعد)
- مدائن الأسود؛ (مقابر الأسود)
- آثار جبل عكمة
إتلاف الآثار
استعملت حجارة مدينة ددن في بناء بلدة العلا القديمة؛ حيث قام السكان المحليون بهدم المباني البارزة، ونقل الحجارة والطوب إلى العلا لاستعمالها في البناء، وقد قام بعض الزوار والعابثون بإتلاف بعض النقوش، وبالكتابة بالعربية عليها.
كان المعينيون الشماليون (الددانيون) يقطنون في مستوطنة ددان وتيماء، وقد كانوا مثل النبط (الأنباط) ينحتون الجبال لاتخاذها مقابر، وأهم مواقعهم المنحوتة هو موقع مدائن الأسود؛ (مقابر الأسود)، وكانوا يجيدون النحت بالصخر بإتقان. وتبعد الحجر، (مدائن صالح النبطية)، مسافة 14 كم عن مدينة دادان، والفاصل الجغرافي هو سلسلة جبلية بين مستوطنة ددان ومقبرة الحجر النبطية؛ حيث تعمد المعينيون الشماليون إقامة مستوطنتهم بين الجبال، تيمنا بمدنهم في اليمن، وللحماية من أي هجمات محتملة من البدو أو أقوام معادية، وعلى الرغم من ذلك اكتشفت كمية كبيرة من التماثيل والكتابات المعينية والآثار التي تم تكسيرها بشكل متعمد وطمرها في بئر ماء في ددن، ولا يعرف من الذي قام بذلك؛ يحتمل أن القوات الرومانية والنبطية هي التي قامت بذلك في العام 25 ق.م، قبل انطلاق حملتهم العسكرية إلى اليمن، والتي باءت بالفشل، ويحتمل أيضا أن يكون الفاعلون من القوات البابلية؛ حيث اكتشفت نقوش آرامية تسجل غزو تيماء.
- (هو (الملك الأكدي) شق طريقا بعيدا، وحال وصوله قتل بتر ملك مدينة تيماء، وأراق (دماء) أنعام أهل المدينة (تيماء)، وأنعام أهالي المناطق المحيطة بها. أما هو نفسه فأقام في تيماء ومعه أقامت القوات الأكدية، وجمل المدينة (تيماء)، وبنى قصرا مشابها لقصر بابل وبنى.... وأودع ثروة المدينة (تيماء)، وثروة المنطقة المحيطة بها في .... والحرس يحيطون به..... ويتحسرون بصوت عالٍ (الأسرى)....... جعلهم (الأسرى) يحملون الطوب والسلال من جزاء العمل.....)
- (شهرين...... قتل الناس ..... رجالا و ..... نساء وصغارا وكبار..... أضاع مملكتهم.....الشعير الذي فيها (تيماء))
انظر أيضًا
مراجع
- ^ Al-Ansary 1999, p.192. نسخة محفوظة 25 ديسمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
- ^ "Liḥyān - ANCIENT KINGDOM, ARABIA". Britannica. مؤرشف من الأصل في 2018-06-16. اطلع عليه بتاريخ 2017-03-07.
- ^ معين مصران نسخة محفوظة 27 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
- ^ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الفصل الثاني والعشرون، مملكتا ديدان و لحيان، د. جواد علي.
- ^ Alexander Sima: The ancient name of Dedan. in: Biblical Notes 104 (2000), pp. 42-47.
- ^ المفصل ج 2 ص 201
- ^ المفصل ج 2 ص 202
- ^ Grimme – H. Grimme, Neubearbeitung der wichtigeren Dedanischen und Lihjanischen Inschriften, Le Muséon, vol. L, Louvain 1937 p.271
- ^ Werner Caskel,Die Bedeutung der Beduinen in der Geschichte der Araber Köln & Opladen : Westdeutscher Verl., (1953) p.94
- ^ جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج 2 ص 244
- ^ (د/ حسين أبو الحسن، قراءة لكتابات مسندية من جبل عكمة بمنطقة العلا، ص 7، 1997م)
- ^ المفصل ج2 ص 203 , دادان