انتقل إلى المحتوى

مستخدم:929 Sara - Ahmed/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

الرياضيات في عصر الحضارة الإسلامي

كان لعلماء المسلمين في عصر الحضارة الإسلامية فضل كبير في تقدم علم الرياضيات، فقد أثروه وابتكروا فيه وأضافوا إليه وطوّروه، استفاد العالم أجمع من الإرث الذي تركوه. في البداية، جمع العلماء المسلمون نتاج علماء الأمم السابقة في حقل الرياضيات، ثم ترجموه، ومنه انطلقوا في الاكتشاف والابتكار والإبداع، ويُعد المسلمون أول من اشتغل في علم الجبر وأول من كتب فيه الخوارزمي، وهم الذين أطلقوا عليه اسم «الجبر»، ونتيجة الاهتمام الذي أولوه إليه، فقد كانوا أول من ألَّف فيه بطريقة علمية منظمة. كما توسعوا في حساب المثلثات وبحوث النسبة التي قسموها إلى ثلاثة أقسام: عددية وهندسية وتأليفية، وحلّوا بعض المعادلات الخطية بطريقة حساب الخطأين، والمعادلات التربيعية، وأحلّوا الجيوب محل الأوتار، وجاءوا بنظريات أساسية جديدة لحل مثلثات الأضلاع، وربطوا علم الجبر بالأشكال الهندسية، وإليهم يرجع الفضل في وضع علم المثلثات بشكل علمي منظم مستقل عن علم الفلك، ما دفع الكثيرين إلى اعتباره علماً عربياً خالصاً.

أما بالنسبة للأرقام العربية فقد قامت على النظام العشري الذي طوره المسلمون عن الهنود واستخدموه في حساباتهم ومعاملاتهم مبكراً، وباستخدام الأرقام والصفر صار حل المسائل الحسابية وتدوين الكسور العشرية والعادية وبناء المعادلات الرياضية من مختلف الدرجات سهلاً. ومن ناحية أخرى، توصّل الرياضيون المسلمون إلى طرائق ميسّرة لإجراء شتى العمليات الحسابية، فاستخدموا في القسمة والضرب طرائق عدة يكاد بعضها يطابق ما هو مستخدم اليوم. وعلى صعيد المتتاليات الحسابية والهندسية بأنواعها فقد عرفها العلماء المسلمون، فذكروا قوانين خاصة لجمعها، وبنوا قواعد لاستخراج الجذور ولجمع المربعات المتوالية والمكعبات، وبرهنوا على صحتها.

  • الأعداد وعلم الحساب

الرياضيات ضرورية في العمل والاستخدام اليومي، وجوهرية بوجه خاص في أنظمة العد. الكل يعرف اليوم نظام عد واحداً، هو ذاك الذي يبدأ بالصفر ويستمر إلى البلايين ، أما البلدان الإسلامية فقد كانت تستخدم في القرن العاشر ثلاثة أنماط من الحساب هي: النظام الأصبعي، والنظام السنتي، والنظام العشري، وعند نهاية القرن كان مؤلفون مثل عبد القاهر البغدادي يكتبون نصوصاً في مقارنة هذه الأنماط. جاء النظام الأصبعي من استخدام أعداد مكتوبة كلها بالكلمات وكان إحصاؤها على الأصابع شائعاً في مجتمع الأعمال، وكتب علماء الرياضيات من أمثال أبي الوفاء البوجان في بغداد في القرن العاشر مقالات استعملوا فيها هذا النظام. كان أبو الوفاء خبيراً في الأعداد العربية ولكنه قال: «...إنها لم تطبق في دوائر الأعمال ولا عند سكان الخلافة الشرقية مدة طويلة من الزمن». أما النظام السنتي فكان يستخدم أعداداً يدل عليها بالأبجدية العربية، وجاءت أساساً من البابليين، واستخدمها علماء الرياضيات العرب في العمل الفلكي. وتطور حساب الأعداد العربية مع ظهور النظام العشري؛ إذ وائم المسلمون الأرقام الهندية من 1 إلى 9، وطوروها إلى الأرقام الحديثة التي تُستخدم اليوم في الغرب، وهي تتميز بأنها بُنيت على عدد الزوايا التي يحملها كل رقم، ولكن الرقم سبعة 7 يخالف القاعدة لأن الشارحة التي تقطع الخط العمودي من الوسط يرجع تطورها إلى القرن التاسع عشر. ولقد أصبحت تستخدم هذه الأعداد اليوم في أوروبا وشمال أفريقيا تمييزاً لها عن الأعداد الهندية التي ما زالت تستخدم في بعض البلدان الشرقية من العالم الإسلامي. في العدد 1 مثلاً زاوية واحدة، وفي العدد 2 زاويتان، وفي العدد 3 ثلاث زوايا، وبوصول هذه الأعداد إلى أوروبا انتهت المشكلات التي كانت تواجهها الأعداد اللاتينية المستخدمة حينذاك. وكان يشار إلى الأعداد العربية بالأعداد الغبارية (ghubari) لأن المسلمين كانوا يستخدمون الألواح الغبارية في حسابهم بدلاً من المعداد.

تعود الأعمال الأولى التي كُتبت بالعربية في علم الحساب إلى محمد بن موسى الخوارزمي في القرن التاسع للميلاد، وهي عبارة عن رسالتين صغيرتين: الرسالة الأولى لم تصل إلينا إلا عبر ترجمتها اللاتينية، أما الثانية وعنوانها «الجمع والتفريق» فمشار إليها في المراجع العربية، وقد ورد ذكرها في أحد الأعمال العربية في الحساب. وأولى الكتابات العربية في علم الحساب والتي وصلتنا سليمة هي من أعمال أحمد بن إبراهيم الإقليدس من القرن العاشر للميلاد. في هذا العمل يناقش المؤلف نظاماً هندياً للحسابات، كما يرجع إلى نظامين آخرين: النظام الأصبعي والنظام السنتي. إن هذه النظم الثلاثة، إضافة إلى عِلم الحساب اليوناني - الذي يحتوي في الواقع بدايات نظرية الأعداد - شكّلت العناصر الأساسية لعِلم الحساب، وأفسحت المجال وتطورات لاحقة.

  • النظام الأصبعي

يُسمى هذا النظام في الأعمال العربية حساب "الروم" (أي البيزنطيين) والعرب، ونجهل تاريخ دخوله إلى العالم الإسلامي وكيفية ذلك، لكنْ بالإمكان الافتراض أن التجار والباعة العرب، حتى قبل الإسلام، قد تعلموا من جيرانهم العدّ بواسطة الأصابع، ونجد في بعض الأحاديث النبوية الشريفة ما يشير إلى استخدام الرموز الأصبعية للإشارة إلى الأعداد مما ميّز هذا النظام. والاحتساب في هذا النظام كان يجري ذهنياً، لكن ذلك يستدعي حِفظ بعض النتائج الوسيطة، وهذا ما كان يقوم به المحتسب بواسطة طي أصابع يديه في وضعيات مختلفة تسمح بتمثيل الأعداد من 1 إلى 9999، وهذه الوضعيات المختلفة موجودة في «حساب» الإقليدسي. تسمى هذه الوضعيات «العقود» (نسبة إلى عقد الأصبع)، وامتداداً، سُمِّي هذا النظام «حساب العقود».

ويعود العمل الأقدم الذي نعرفه حول نظام الجُمَّل لأبي الوفاء البوزجاني (القرن العاشر). وبعده بقليل نجده عند الكرجي في «الكافي في الحساب». وليس هناك من عمل جدي آخر تناول هذا النظام الذي بدأ استعماله يتضاءل مع التوسع في استخدام النظام الهندي، بحيث لم يبق منه سوى وسائل عملية في القسمة والضرب إضافة إلى مفهوم عربي في الكسور.

  • النظام السنتي

يشار إلى هذا النظام في الأعمال العربية على أنه النظام الحسابي لعلماء الفلك، الذي يحوي القِسم الأكبر من العمليات الحسابية في النظام الستيني. وهذا النظام ينحدر من قدماء البابليين، وقد وصل إلى العالم الإسلامي عبر أقنية سريانية وفارسية. وليس لدينا أعمال سابقة مكرسة لهذا النظام، لكننا نجده حاضراً في كل الأعمال الحسابية ممزوجاً مع أحد، أو مع كلا النظامين، العشري أو الأصبعي، أما في الأعمال اللاحقة فلا يوجد إلا في مظهره الحسابي البحت ومن دون ما يشير إلى تطوراته العربية. ويعتبره الاختصاصيون حالياً أكثر ملاءمة من النظام العشري فيما يتعلق بالحسابات الفلكية في العصور الوسطى، ولكنه الآن أضحى خارج التداول عامة إلا فيما خص أجزاء الساعة أو درجات الزوايا.

  • النظام العشري

يدين المسلمون لنظام الحساب الهندي بالكثير فيما يخص التمثيل الكتابي العادي للأعداد، ويبدو أنه سابقٌ للقرن التاسع وهو القرن الذي كتب فيه الخوارزمي؛ ففي القرن السابع للميلاد، وفي دير كِنشر على الفرات، عاش أسقف عالم اسمه «سفيروس سبوخت»، وقد كتب هذا الأسقف في مواضيع عدة، وفي بعض المقاطع من كتاباته التي وصلتنا والمؤرخة في العام 662م، يُعبِّر عن إعجابه بالهندوس مقارنة مع الإغريق على الشكل التالي:

«لن أتحدث عن علم الهندوس... عن اكتشافاتهم الحذقة،... الاكتشافات الأكثر براعة من تلك العائدة للإغريق أو للبابليين؛ عن طرقهم الحسابية القيّمة وعن برامجهم الحسابية التي تفوق كل تصور. لكني أشير فقط إلى أن هذه الحسابات تجري فقط بواسطة تسعة رموز.»

يتميز هذا النظام بقدرته على تمثيل أي عدد، مهما كان كبيراً بواسطة أرقام تسعة إضافة إلى الصفر، في السُلم العشري الذي كان يُستخدم في الحياة اليومية. ويتم هذا التمثيل بفضل الفكرة التي نسبت قيمة لكل منزلة من منازل الرقم: فالرقم 1 يساوي الواحد عند وضعه في منزلة الآحاد، ويساوي عشرة عند وجوده في منزلة العشرات، ومائة عند وضعه في منزلة المئات... وهكذا دواليك. سمح هذا النظام بالقيام بالحسابات بشكل أسهل، وكان اليونانيون قد طوروا علم الهندسة بشكل يثير الإعجاب، إلا أن الرياضيات كانت بحاجة إلى أدوات جديدة من أجل دفعها إلى الأمام: إلى الجبر وإلى وسائل احتساب متطورة، وهنا كان إسهام المسلمين بفضل إدخال الحساب الهندي

  • تطوير علم الحساب
  • إن أول الإنجازات الإسلامية تتمثل في تطوير النظام الحسابي العشري، ويُشير مؤلَّف الإقليدسي جزئياً إلى أولى المحاولات التي بُذلت في هذا المجال: استبدال اللوحة الحسابية (الغبارية) بالورق والحبر مما يسمح بحفظ مختلف مراحل العملية الحسابية وذلك للتمكن من مراجعتها. وقد يبدو لنا هذا التطور سهلاً، ولكنه لم يكن كذلك في الواقع؛ فقد لعب البطء في الاتصالات بين البشر كما لعبت العقليات المحافظة لدى من تأصَّل لديهم استخدام لوحات الغبار، دوراً أساسياً في تأخير هذا التبدل أجيالاً بأكملها. ولقد بدأ هذا التبدل، حسب الإقليدسي، في دمشق في القرن العاشر، من دون أن يكون معروفاً في بغداد. وفي القرن الثالث عشر نجد تلميحات إلى استعمال اللوحة الغبارية في كتابات ابن البناء المراكشي (1256-1321م). وبابتعاد قليل شرقاً، إلى مراغة نجد الرياضي نصير الدين الطوسي المتوفى عام 1274م، يُكرِّس مؤلفاً بأكمله حول استعمال اللوحات الغبارية. ومن قبله بنصف قرن تقريباً، قام سلفه شرف الدين الطوسي بمجهود كبير لحل معادلات الدرجة الثالثة بواسطة حساب اللوحات الغبارية. لكن نظام اللوحات هذا انتهى إلى الزوال، ولم يبق من هذا النظام سوى العمليات الحسابية التي تُدرَّس في المدارس، التي لم يطوها النسيان بعد، على الرغم من استعمال الحاسبات الإلكترونية. إن أهمية تحرير النظام الحسابي الهندي من اللوحات الغبارية لا تقل عن أهمية تفضيل المسلمين هذا النظام وتبنيهم له على حساب النظام الأصبعي، الذي استمر طويلاً عبر المفهوم العربي للكسور. ومن التعديلات العظيمة التي أدخلها علماء الرياضيات المسلمون على النظام الهندي التعريفُ والتطبيق الواسعان للصفر؛ إذ أعطوه خاصية رياضية تنص على أنه إذا ضرب بأي عدد آخر كانت النتيجة صفراً. وكان يُحدد له في السابق فراغ أو "لا شيء"، واستخدموه كذلك لتطبيق النظام العشري، ومن ثم أصبح ممكناً معرفة ما إذا كانت كتابة 23 مثلاً تعني 230 أو 23 أو 2300. لقد حقق علماء الرياضيات المسلمون معظم التقدم الذي حصل في الأساليب العددية بفضل هذا النظام من الحساب بالأعداد العربية؛ فتمكن بعضهم كأبي الوفاء وعمر الخيام من استخراج الجذور. إن اكتشاف الكرجي لنظرية "ذات الحدين للأسس الصحيحة" كان عاملاً كبيراً في تطور التحليل العددي القائم على النظام العشري. ورفد غياث الدين الكاشي في القرن الرابع عشر تطور الكسور العشرية، ليس فقط من أجل تقريب الأعداد الجبرية بل من أجل تقريب الأعداد الحقيقية كالنسبة الثابتة ط ()، وقد جاء رفده للكسور العشرية مهماً جداً وعدّه بعضهم ولسنوات هو مخترعها. ومع أن الكاشي لم يكن أول من فعل ذلك، إلا أنه قدّم نظام عددٍ عشري عربي لحساب الجذور القصوى (بالإنجليزية: nth root) تُعد حالةً خاصةً من الأساليب التي قدمها بعد قرون من الزمن كل من روفيني الإيطالي، وهورنر الإنجليزي، وكلاهما من القرن التاسع عشر.
  • تبني أوروبا الأعداد العربية

دخلت الأعداد العربية إلى أوروبا عن طريق ثلاثة أشخاص: الأول سلفستر الأول الذي درس أواخر القرن العاشر في قرطبة، ثم عاد إلى روما. والثاني روبرت أوف تشستر الذي ترجم في القرن الثاني عشر الكتاب الثاني من كتب الخوارزمي (ويشتمل على الأعداد العربية الغبارية الثانية)، وقد ذكر المؤرخ المعاصر كارل مينياجير طريق الأعداد العربية إلى أوروبا في كتابه «كلمات الأعداد ورموز الأعداد». أما الشخص الثالث فهو ليوناردو فيبوناتشي البيزي في القرن الثالث عشر؛ وهو الذي تعلم هذه الأعداد في القرن الثالث عشر وأوصلها إلى جماهير السكان الأوروبيين، إذ اطَّلع فيبوناتشي على هذه الأعداد عندما أرسله والده إلى بجاية بالجزائر ليتعلم الرياضيات على يد مدرس يدعى سيدي عمر، كان يُعلّم الرياضيات التي تعلّمها في مدارس بغداد والموصل (وكانت تشمل معادلات الجبر والمعادلات الآنية). كما زار فيبوناتشي أيضاً مكتبات الإسكندرية والقاهرة ودمشق، وألّف بعد ذلك كتاب الأباشي «Liber Abaci»، الذي عالج في فصله الأول الأعداد العربية، وقد عرَّف هذه الأعداد الجديدة بالكلمات الآتية: «الأعداد الهندية التسعة هي (من اليمين إلى اليسار): وبهذه الأعداد مع الإشارة "0"، التي يسميها العرب صفراً وسمّاها الأوروبيون صفروم (Cephirom) وكذلك صيافر (Cipher)، يمكن أن يكتب المرء أي عدد يريده».

المرجع https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6%D9%8A%D8%A7%D8%AA_%D9%81%D9%8A_%D8%B9%D8%B5%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9