صبحي بركات: الفرق بين النسختين

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
[مراجعة غير مفحوصة][مراجعة غير مفحوصة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
وسمان: تعديلات طويلة تحرير مرئي
وسمان: تعديلات طويلة تحرير مرئي
سطر 26: سطر 26:
}}
}}


'''صبحي بركات الخالدي''' ([[1889]] - [[1939]]) هو سياسي ترأس [[الاتحاد السوري (دولة)|الاتحاد السوري]] (1922-1925) الذي مهد الطريق لتأسيس [[الدولة السورية|دولة سوريا]] التي كان رئيسها الأول، فصبحي بركات بذلك هو أول رئيس للدولة السورية التي تأسست في [[الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان]] وما زالت مستمرة حتى اليوم.
'''صبحي بركات الخالدي''' ([[1889]] - [[1939]]) سياسي ترأس [[الاتحاد السوري (دولة)|الاتحاد السوري]] (1922-1925) الذي مهد الطريق لتأسيس [[الدولة السورية|دولة سوريا]] التي كان رئيسها الأول، فصبحي بركات بذلك هو أول رئيس للدولة السورية التي تأسست في [[الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان]] وما زالت مستمرة حتى اليوم.


كان صبحي بركات من الأعيان البارزين في [[أنطاكيا (تركيا)|أنطاكية]]، وكان زعيما للمقاومة ضد الفرنسيين في أنطاكية خلال [[ثورة الشمال السوري|الثورة]] التي مهدت [[الحرب التركية الفرنسية|للحرب التركية-الفرنسية]].<ref>فيليب خوري. 1997. سوريا والانتداب الفرنسي. صفحة 161.</ref> بعد انتهاء الحرب انتقل بركات إلى [[حلب]] (عاصمة دولة حلب التي كانت قائمة آنذاك) واتخذ منها مقرا لنشاطه السياسي.<ref name="نفس المصدر السابق">نفس المصدر السابق.</ref> لغة صبحي بركات التي تحدثها منذ ولادته كانت [[لغة تركية|التركية]]، ولم يكن يستطيع التلفظ بأكثر من بضع كلمات عربية متتابعة صحيحة القواعد.<ref name="نفس المصدر السابق"/>
كان صبحي بركات من الأعيان البارزين في [[أنطاكيا (تركيا)|أنطاكية]]، زعيماً للمقاومة ضد الفرنسيين في أنطاكية خلال [[ثورة الشمال السوري|الثورة]] التي مهدت [[الحرب التركية الفرنسية|للحرب التركية-الفرنسية]].<ref>فيليب خوري. 1997. سوريا والانتداب الفرنسي. صفحة 161.</ref> بعد انتهاء الحرب انتقل بركات إلى [[حلب]] (عاصمة دولة حلب التي كانت قائمة آنذاك) واتخذ منها مقرا لنشاطه السياسي.<ref name="نفس المصدر السابق">نفس المصدر السابق.</ref> لغة صبحي بركات التي تحدثها منذ ولادته كانت [[لغة تركية|التركية]]، ولم يكن يستطيع التلفظ بأكثر من بضع كلمات عربية متتابعة صحيحة القواعد.<ref name="نفس المصدر السابق"/>


كان صبحي بركات (كغيره من أعيان حلب البارزين آنذاك) بعيدا عن التيار الوطني في دمشق الذي كان يناضل ضد الانتداب الفرنسي بهدف تأسيس دولة سورية موحدة عاصمتها دمشق. لهذا السبب (وبسبب كونه حلبيا لا يعترف بدمشق كعاصمة لسورية) فإن صبحي بركات كان مكروها في مدينة دمشق،<ref>محمد فؤاد عنتابي ونجوى عثمان. حلب في مئة عام. الجزء 3 صفحة 78</ref> وخلال أحداث [[الثورة السورية الكبرى]] اتهمه الدمشقيون بتأييد القصف الفرنسي لدمشق، فطلب منه الفرنسيون أن يقدم استقالته من منصبه بهدف تهدئة الرأي العام الثائر في دمشق، فاستقال صبحي بركات من منصبه كرئيس لسورية في 21 كانون الأول 1925.<ref>{{مرجع ويب |المسار=https://hanisyria.files.wordpress.com/2015/11/aleppo_book.pdf |العنوان=العلاقة بين حلب ودمشق في التاريخ |الأخير1= |الأول1= |الأخير2= |الأول2= |التاريخ= |الموقع= |الناشر= |تاريخ الوصول=15/9/2016}}</ref>
كان صبحي بركات (كغيره من أعيان حلب البارزين آنذاك) بعيدا عن التيار الوطني في دمشق الذي كان يناضل ضد الانتداب الفرنسي بهدف تأسيس دولة سورية موحدة عاصمتها دمشق. لهذا السبب (وبسبب كونه حلبيا لا يعترف بدمشق كعاصمة لسورية) فإن صبحي بركات كان مكروها في مدينة دمشق،<ref>محمد فؤاد عنتابي ونجوى عثمان. حلب في مئة عام. الجزء 3 صفحة 78</ref> وخلال أحداث [[الثورة السورية الكبرى]] اتهمه الدمشقيون بتأييد القصف الفرنسي لدمشق، فطلب منه الفرنسيون أن يقدم استقالته من منصبه بهدف تهدئة الرأي العام الثائر في دمشق، فاستقال صبحي بركات من منصبه كرئيس لسورية في 21 كانون الأول 1925.<ref>{{مرجع ويب |المسار=https://hanisyria.files.wordpress.com/2015/11/aleppo_book.pdf |العنوان=العلاقة بين حلب ودمشق في التاريخ |الأخير1= |الأول1= |الأخير2= |الأول2= |التاريخ= |الموقع= |الناشر= |تاريخ الوصول=15/9/2016}}</ref>


كان بركات تركيًا من ناحية الأصول، والمهنة، واللغة، أكثر مما كان سوريًا؛<ref>سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، ستيفن لونغريج، ترجمة بيار عقل، دار الحقيقة، ص.165</ref> كذلك كان بركات يتكلم [[لغة عربية|اللغة العربية]] بصعوبة، وأحاط نفسه بحاشية من التركمان، شغلت معظم الوظائف العامة العليا لاسيّما تلك المرتبطة مباشرة بالقصر الجمهوري، وعرف عنه تفضيله حلب لتكون عاصمة البلاد، وهو ما ساهم في تدني شعبيته رغم ما تمتع به "ذكاء وجاذبية" كما يقول ستفين لونغريج.<ref>سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.221</ref> فاز بركات بمقعد في المجلس التمثيلي لحلب عام 1922، ومقعد في البرلمان السوري خلال [[الانتخابات التشريعية في سوريا 1928|انتخابات 1928]]، و[[الانتخابات التشريعية في سوريا 1931|انتخابات 1931]]، وشغل منصب [[قائمة رؤساء مجلس الشعب السوري|رئيس البرلمان السوري]] منذ 1932 وحتى 1936.
كان بركات تركيًا من ناحية الأصول، والمهنة، واللغة، أكثر مما كان سوريًا؛<ref>سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، ستيفن لونغريج، ترجمة بيار عقل، دار الحقيقة، ص.165</ref> وكان بركات يتكلم [[لغة عربية|اللغة العربية]] بصعوبة، وأحاط نفسه بحاشية من التركمان شغلت معظم الوظائف العامة العليا لاسيّما تلك المرتبطة مباشرة بالقصر الجمهوري، وعرف عنه تفضيله حلب لتكون عاصمة البلاد، وهو ما ساهم في تدني شعبيته رغم ما تمتع به "ذكاء وجاذبية" كما يقول ستفين لونغريج.<ref>سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.221</ref> فاز بركات بمقعد في المجلس التمثيلي لحلب عام 1922، ومقعد في البرلمان السوري خلال [[الانتخابات التشريعية في سوريا 1928|انتخابات 1928]]، و[[الانتخابات التشريعية في سوريا 1931|انتخابات 1931]]، وشغل منصب [[قائمة رؤساء مجلس الشعب السوري|رئيس البرلمان السوري]] منذ 1932 وحتى 1936.


منذ سوريا العثمانية، كان يتمتبع بلقب "[[بك|بيك]]" واستمرّ يخاطب به، وأسس عام 1930 الحزب الدستوري بوصفه حزبًا محابيًا للفرنسيين؛ وكانت صداقته مع الجنرال سراي قد أهلته لشغل رئاسة الدولة السورية، على أنه انتهج سياسات أكثر تقاربًا مع [[الكتلة الوطنية (سوريا)|الكتلة الوطنية]] بعد 1932. ويقول المحامي علاء السيّد أنه قد عرف عنه "نظافة اليد".<ref>[http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=53087 دولة حلب ونوابها]، أخبار سوريا، 18 آب 2011. {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170328015553/http://syria-news.com/readnews.php?sy_seq=53087 |date=28 مارس 2017}}</ref>
منذ سوريا العثمانية، كان يتمتبع بلقب "[[بك|بيك]]" واستمرّ يخاطب به، وأسس عام 1930 الحزب الدستوري بوصفه حزبًا محابيًا للفرنسيين؛ وكانت صداقته مع الجنرال ساراي قد مهدت له إلى رئاسة الدولة السورية، على أنه انتهج سياسات أكثر تقاربًا مع [[الكتلة الوطنية (سوريا)|الكتلة الوطنية]] بعد 1932. ويقول المحامي علاء السيّد إنه عرف عنه "نظافة اليد".<ref>[http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=53087 دولة حلب ونوابها]، أخبار سوريا، 18 آب 2011. {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170328015553/http://syria-news.com/readnews.php?sy_seq=53087 |date=28 مارس 2017}}</ref>


== العمل السياسي ==
== العمل السياسي ==
=== قبل الرئاسة ===
=== قبل الرئاسة ===
مثل صبحي بركات أنطاكية في [[المؤتمر السوري العام]]، الذي انعقد عام 1919، وساهم في إعلان [[المملكة السورية العربية]]؛<ref>[http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=53629 محمد مرعي باشا الملاح أحد رواد العمل البرلماني في سورية]، أخبار سوريا، 18 آب 2011. {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170706133302/http://syria-news.com/readnews.php?sy_seq=53629 |date=06 يوليو 2017}}</ref> بعد دخول البلاد في [[الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان|الانتداب الفرنسي]] دعم بركات الفرنسيين، وانتهج سياسة المحاباة تجاههم، حسب الروايات فإن خلال بداية نشاطه العلني، كان صبحي بركات من الثوار على [[فرنسا]] ورفيقًا [[إبراهيم هنانو|لابراهيم هنانو]]، خصوصًا في الفترة الواقعة بين مايو 1919 ويوليو 1920، ثم توسط محمود الشركسي أحد وجهاء حلب لإيقاف قتاله فرنسا، ثم زار بركات بواسطة من الشركسي [[بيروت]] والتقى خلال زيارته [[هنري غورو]] ومذاك أخذ يميل بموقفه إلى جانب الانتداب حتى حُسب على المؤيدين لهم؛<ref>سوريا صنع دولة وولادة أمة''، وديع بشور، دار اليازجي، دمشق 1994.
مثل صبحي بركات أنطاكية في [[المؤتمر السوري العام]]، الذي انعقد عام 1919، وساهم في إعلان [[المملكة السورية العربية]]؛<ref>[http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=53629 محمد مرعي باشا الملاح أحد رواد العمل البرلماني في سورية]، أخبار سوريا، 18 آب 2011. {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170706133302/http://syria-news.com/readnews.php?sy_seq=53629 |date=06 يوليو 2017}}</ref> بعد دخول البلاد في [[الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان|الانتداب الفرنسي]] دعم بركات الفرنسيين، وانتهج سياسة المحاباة تجاههم، حسب الروايات فإنه في بداية نشاطه العلني، كان صبحي بركات من الثوار على [[فرنسا]] ورفيقًا [[إبراهيم هنانو|لابراهيم هنانو]]، خصوصًا في الفترة بين مايو 1919 ويوليو 1920، إلى أن توسط محمود الشركسي أحد وجهاء حلب لإيقاف قتاله فرنسا، ثم زار بواسطة من الشركسي [[بيروت]] والتقى [[هنري غورو]] ومذاك أخذ يميل بموقفه إلى جانب الانتداب حتى حُسب على المؤيدين لهم؛<ref>سوريا صنع دولة وولادة أمة''، وديع بشور، دار اليازجي، دمشق 1994.
ص.385</ref> وهو ما حوّل صداقته لهنانو لعداوة وتنافس شديدين، بل إنه اتهم بمعاداة فرنسا تأييداً لمصطفى كمال الرئيس التركي لأنه كان يخوض حرباً ضد قواتها في كيليكية، وإنه ما إن عقدت الهدنة بين الطرفين (1920) حتى تخلى عن الثورة ضدها. شارك في انتخابات المجلس التمثيلي [[دولة حلب|لدولة حلب]] عام 1922، وفاز عن أحد المقاعد؛ ثم انتخبه المجلس الأعلى للاتحاد السوري بمنصب رئيس الاتحاد - أي رئيس الدولة - بعد إعلان [[هنري غورو]] [[فيدرالية|اتحاداً فيدرالياً]] بين [[دولة دمشق]] و[[دولة حلب]] و[[دولة جبل العلويين]] في 22 يونيو 1922.
ص.385</ref> وهو ما حوّل صداقته لهنانو لعداوة وتنافس شديدين، بل إنه اتهم بمعاداة فرنسا تأييداً لمصطفى كمال الرئيس التركي لأنه كان يخوض حرباً ضد قواتها في كيليكية، وإنه ما إن عقدت الهدنة بين الطرفين (1920) حتى تخلى عن الثورة ضدها. شارك في انتخابات المجلس التمثيلي [[دولة حلب|لدولة حلب]] عام 1922، وفاز بأحد المقاعد؛ ثم انتخبه المجلس الأعلى للاتحاد السوري بمنصب رئيس الاتحاد - أي رئيس الدولة - بعد إعلان [[هنري غورو]] [[فيدرالية|اتحاداً فيدرالياً]] بين [[دولة دمشق]] و[[دولة حلب]] و[[دولة جبل العلويين]] في 22 يونيو 1922.


=== الرئاسة ===
=== الرئاسة ===
==== العمل السياسي، والإداري ====
==== العمل السياسي، والإداري ====
بموجب قرار تأسيس الاتحاد فإن هيئة تأسيسية مؤلفة من خمسة عشر عضوًا وذلك خمس عن كل دولة يشكلون المجلس الاتحادي، شغل بركات أحد ممثلي دولة حلب، وفي نفس يوم إعلان الاتحاد التأم أعضاء الهيئة التأسيسية في [[حلب]] وانتخبوه رئيسًا للاتحاد. جمع رئيس الاتحاد مهام تشكيل ورئاسة الحكومة إلى مهامه، إلى جانب وجود مجالس تمثيلية وحكومات فيدرالية داخل المقاطعات الثلاث المكونة له، ولعل من أبرز إنجازات بركات خلال رئاسته الاتحاد، استحداث الدرك السوري وإصدار العملة الورقية السورية وذلك في أغسطس 1922 بموجب اتفاق مع دولة [[لبنان الكبير]] ودولة [[جبل الدروز]]. بعد استدعاء هنري غورو إلى [[فرنسا]] وتعيين ماكسيم فيغان مفوضًا فرنسيًا، طالب السوريون بالوحدة، وقد استجاب فيغان لطلبتهم وأعلن قيام "الدولة السورية" المكونة من دولتي دمشق وحلب، وذلك في 24 ديسمبر 1924، وقد جاء في مرسوم استحداث الدولة أن يكون بركات رئيسًا لها لمدة ثلاث سنوات أي حتى نهاية 1927؛ وكان أن شكل [[الحكومة السورية (يناير 1925)|حكومة بركات الثانية]] الجنرال سراي، ولم يعبّر الرئيس عن أي مقاومة أو امتعاض من "اقتراح" المفوض الفرنسي.
بموجب قرار تأسيس الاتحاد فإن هيئة تأسيسية مؤلفة من خمسة عشر عضواً، خمس عن كل دولة، يشكلون المجلس الاتحادي، وكان بركات أحد ممثلي دولة حلب، ويوم إعلان الاتحاد التأم أعضاء الهيئة التأسيسية في [[حلب]] وانتخبوه رئيسًا للاتحاد. جمع رئيس الاتحاد مهام تشكيل ورئاسة الحكومة إلى مهامه، إلى جانب وجود مجالس تمثيلية وحكومات فيدرالية داخل المقاطعات الثلاث المكونة له، ولعل من أبرز إنجازات بركات خلال رئاسته الاتحاد، استحداث الدرك السوري وإصدار العملة الورقية السورية وذلك في أغسطس 1922 بموجب اتفاق مع دولة [[لبنان الكبير]] ودولة [[جبل الدروز]]. بعد استدعاء هنري غورو إلى [[فرنسا]] وتعيين ماكسيم فيغان مفوضًا فرنسيًا، طالب السوريون بالوحدة، واستجاب فيغان لطلبهم وأعلن قيام "الدولة السورية" المكونة من دولتي دمشق وحلب في 24 ديسمبر 1924، وجاء في مرسوم استحداث الدولة أن يكون بركات رئيسًا لها لثلاث سنوات أي لنهاية 1927؛ وكان أن شكل [[الحكومة السورية (يناير 1925)|حكومة بركات الثانية]] الجنرال ساراي، ولم يعبّر الرئيس عن أي مقاومة أو امتعاض من "اقتراح" المفوض الفرنسي.


شهدت رئاسته تزايد في حرية العمل الساسي والاجتماعي التي وفرها المفوض الفرنسي الجديد الجنرال سراي، غير أن ذلك لم ينعكس لا من الناحية السياسية ولا من الناحية الإدارية أو الاقتصادية على الدولة، على العكس من ذلك "فقد ازدادت المحاباة، وتعيين الأقارب، وانتشار الرشاوى، في أروقة الحكومة، من أجل تعزيز مواقع أقطاب الحكم"،<ref>سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.195</ref> وفي المقابل قاد [[عبد الرحمن الشهبندر]] الذي أسس حزب الشعب - وهو الرحم الذي انبثق منه لاحقًا [[الكتلة الوطنية (سوريا)|الكتلة الوطنية]])- معارضة قوية ضد بركات، مناديًا بالسيادة، والوحدة الوطنية، والحرية الشخصية التامة، والإصلاحات سيّما في القضاء، وقد دعم الكساد الاقتصادي تأثرًا بالأوضاع الاقتصادية العالمية، معارضة الشهنبدر القوية لبركات.
شهدت رئاسته تزايداً في حرية العمل السياسي والاجتماعي التي وفرها المفوض الفرنسي الجديد الجنرال ساراي، غير أن ذلك لم ينعكس من أي النواحي السياسية أو الإدارية أو الاقتصادية على الدولة، بل على العكس "فقد ازدادت المحاباة، وتعيين الأقارب، وانتشار الرشاوى في أروقة الحكومة، من أجل تعزيز مواقع أقطاب الحكم"،<ref>سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.195</ref> وفي المقابل قاد [[عبد الرحمن الشهبندر]] الذي أسس حزب الشعب -وهو الرحم الذي انبثقت منه لاحقًا [[الكتلة الوطنية (سوريا)|الكتلة الوطنية]]- معارضة قوية ضد بركات، مناديًا بالسيادة، والوحدة الوطنية، والحرية الشخصية التامة، والإصلاحات لاسيّما في القضاء، وقد دعم الكساد الاقتصادي تأثرًا بالأوضاع الاقتصادية العالمية، معارضة الشهنبدر القوية لبركات.


==== الثورة السورية الكبرى ====
==== الثورة السورية الكبرى ====
لم يدعم بركات [[الثورة السورية الكبرى]]، أو يقرّ مطالبها أو يؤيد البيان الذي أصدره [[سلطان الأطرش]]، ونبّه الورزاء والمدراء العامين وموظفي الحكومة للأمر ذاته،<ref>سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.201</ref> بل أصدر في 18 نوفمبر 1925 قانونًا يقضي بعقوبة السجن حتى سنتين وبالغرامة حتى خمسمائة ليرة على "كل من يلقي الذعر في نفوس الشعب، ويشوش الطمأنينة العامة في الصحافة أو المجتمع"،<ref>سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.124</ref> غير أن هذا القانون صدر بعد ثمانية أيام من استدعاء الجنرال ساراي إلى فرنسا وإنهاء مهامه في سوريا بعدما قصف دمشق بالمدفعية الثقيلة ما سبب دمارًا هائلاً في الأحياء المتاخمة للغوطة لاسيّما [[حي الميدان]]. هذا الاستدعاء كان دليل تغيير في السياسة الفرنسية وتراجع حظوة "المعتدلين" الذين يمثلهم بركات، لتفسح المفوضية الفرنسية لإمكانية التفاوض مع "الوطنيين". بكل الأحوال فإن بعض الشخصيات الوطنية البارزة ومنها [[هاشم الأتاسي]] رفضت الموافقة على استعمال العنف، أو جرّ البلاد إلى حرب استنزاف ضد فرنسا أو قوات جيش الشرق؛ لكن ذلك لم يمنع من أن يطغى على عهد بركات منذ يوليو 1925 طابع انتشار المعارك، والمتاريس، والفوضى، والخطب والمقالات الغاضبة في مختلف أنحاء الدولة السورية وحتى [[لبنان الكبير]]. خلال استقبال المفوض الجديد الكونت هنري دو جيفنيل في ديسمبر 1925، بدا واضحًا فقدان "الحرارة في اللقاء بين المفوض الفرنسي ورئيس الدولة"، ومع تحسن الوضع الأمني في العاصمة والدعوة لانتخابات مجلس تمثيلي، قدّم بركات استقالته في 21 ديسمبر 1925، بعدما فشل في إقناع الرأي العام، أو استمالته، وفقد جميع حظوته لدى المفضوية الفرنسية. [[يوسف الحكيم (سوريا)|يوسف الحكيم]] ذكر أنه في استقبال المفوض الفرنسي الجديد في بيروت، بدا الوجوم على وجه الرئيس، وبعد اللقاء مباشرة، استدعى بركات كبير مرافقي الوفد الرئاسي عبد القادر بازارباشي، وأمره بالعودة إلى دمشق مع الوفد بالسيارة الرئاسية فورًا، أما بركات فظلّ في بيروت، واتجه "سيرًا على الأقدام" إلى فندق النورموندي "بينما أعلنت المفوضية الفرنسية نبأ استقالة الرئيس"؛<ref>سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.128</ref> وتعيين بيير ألبيب حاكمًا عسكريًا مؤقتًا حتى مايو 1926، حين خلف بركات في رئاسة الدولة الداماد [[أحمد نامي]].
لم يدعم بركات [[الثورة السورية الكبرى]]، أو يقرّ مطالبها أو يؤيد البيان الذي أصدره [[سلطان الأطرش]]، ونبّه الورزاء والمدراء العامين وموظفي الحكومة للأمر ذاته،<ref>سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.201</ref> بل أصدر في 18 نوفمبر 1925 قانونًا يقضي بعقوبة السجن حتى سنتين وبالغرامة حتى خمسمائة ليرة على "كل من يلقي الذعر في نفوس الشعب، ويشوش الطمأنينة العامة في الصحافة أو المجتمع"،<ref>سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.124</ref> هذا القانون صدر بعد ثمانية أيام من استدعاء الجنرال ساراي إلى فرنسا وإنهاء مهامه بعدما قصف دمشق بالمدفعية الثقيلة ما سبب دمارًا هائلاً في الأحياء المتاخمة للغوطة لاسيّما [[حي الميدان]]. هذا الاستدعاء كان دليل تغيير في السياسة الفرنسية وتراجع حظوة "المعتدلين" الذين يمثلهم بركات، لتفسح المفوضية الفرنسية لإمكانية التفاوض مع "الوطنيين". بكل الأحوال فإن بعض الشخصيات الوطنية البارزة ومنها [[هاشم الأتاسي]] رفضت الموافقة على استعمال العنف، أو جرّ البلاد إلى حرب استنزاف ضد فرنسا أو قوات جيش الشرق؛ لكن ذلك لم يمنع من أن يطغى على عهد بركات منذ يوليو 1925 طابع انتشار المعارك، والمتاريس، والفوضى، والخطب والمقالات الغاضبة في مختلف أنحاء سوريا وحتى [[لبنان الكبير]]. خلال استقبال المفوض الجديد الكونت هنري دو جيفنيل في ديسمبر 1925، بدا واضحًا فقدان "الحرارة في اللقاء بين المفوض الفرنسي ورئيس الدولة"، ومع تحسن الوضع الأمني في العاصمة والدعوة لانتخابات مجلس تمثيلي، قدّم بركات استقالته في 21 ديسمبر 1925، بعدما فشل في إقناع الرأي العام، أو استمالته، وفقد جميع حظوته لدى المفوضية الفرنسية. [[يوسف الحكيم (سوريا)|يوسف الحكيم]] ذكر أنه في استقبال المفوض الفرنسي الجديد في بيروت بدا الوجوم على وجه الرئيس، وبعد اللقاء مباشرة، استدعى بركات كبير مرافقي الوفد الرئاسي عبد القادر بازارباشي، وأمره بالعودة إلى دمشق مع الوفد بالسيارة الرئاسية فورًا، أما بركات فظلّ في بيروت، واتجه "سيرًا على الأقدام" إلى فندق النورماندي "بينما أعلنت المفوضية الفرنسية نبأ استقالة الرئيس"؛<ref>سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.128</ref> وتعيين بيير ألبيب حاكمًا عسكريًا مؤقتًا حتى مايو 1926، حين خلف بركات في رئاسة الدولة الداماد [[أحمد نامي]].


=== بعد الرئاسة ===
=== بعد الرئاسة ===
رشّح بركات نفسه في [[الانتخابات التشريعية في سوريا 1928|انتخابات الجمعية التأسيسية]] عام 1928 وفاز بأحد المقاعد عن حلب، وبعد إعلان [[دستور سوريا|الدستور السوري]] عام 1930، أعلن بركات تأسيس الحزب الدستوري في شمال سوريا، غير أن دعمه للفرنسيين، وانخراطه في محاباة التحالفات العائلية جعلت الحزب قليل الجماهيرية.<ref>سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.232</ref> عاد وشارك في [[الانتخابات التشريعية في سوريا 1931|انتخابات 1931]] وفاز بأحد المقاعد أيضًا، وتعرض منزله خلال الحملة الانتخابية للهجوم من قبل مناصري الكتلة الوطنية بعد إعلان نتائج الانتخابات، وقد أدى الهجوم إلى ثمانية إصابات؛ هذا الهجوم جاء بعد خسارة الكتلة الوطنية ذات الزعامات الشعبية الواسعة في حلب - مثل إبراهيم هنانو و[[سعد الله الجابري]] - أمام بركات، وهو ما ينحو عدد من المؤرخين لاعتباره ناتجاً عن تدخل فرنسي لمصلحة بركات في الانتخابات.<ref>[http://parliament.sy/forms/cms/viewPage.php?id=49&mid=31&cid=106 المجالس النيابي 1932]، موقع مجلس الشعب السوري، 18 آب 2011.</ref> بكل الأحوال، فقد اعتدى أنصار الكتلة الوطنية على بركات بالضرب بعد أيام قليلة في أحد فنادق حلب؛<ref>سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.241</ref> وحاول أكرم حوراني ورفاقه اغتياله في [[بيروت]]، في العام نفسه.<ref>[http://www.asharqalarabi.org.uk/center/rijal-akram.htm أكرم حوراني]، مركز الشرق العربي للدراسات، 18 آب 2011. {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20150923175213/http://www.asharqalarabi.org.uk/center/rijal-akram.htm |date=23 سبتمبر 2015}}</ref>
رشّح بركات نفسه في [[الانتخابات التشريعية في سوريا 1928|انتخابات الجمعية التأسيسية]] عام 1928 وفاز بأحد المقاعد عن حلب، وبعد إعلان [[دستور سوريا|الدستور السوري]] عام 1930، أعلن بركات تأسيس الحزب الدستوري في شمال سوريا، غير أن دعمه للفرنسيين، وانخراطه في محاباة التحالفات العائلية جعلت الحزب قليل الجماهيرية.<ref>سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.232</ref> عاد وشارك في [[الانتخابات التشريعية في سوريا 1931|انتخابات 1931]] وفاز بأحد المقاعد أيضًا، وتعرض منزله للهجوم من قبل مناصري الكتلة الوطنية بعد إعلان نتائج الانتخابات، وأدى إلى ثمانية إصابات، وقد جاء بعد خسارة الكتلة الوطنية ذات الزعامات الشعبية الواسعة في حلب - مثل إبراهيم هنانو و[[سعد الله الجابري]] - أمام بركات، وهو ما ينحو عدد من المؤرخين لاعتباره ناتجاً عن تدخل فرنسي لمصلحة بركات في الانتخابات.<ref>[http://parliament.sy/forms/cms/viewPage.php?id=49&mid=31&cid=106 المجالس النيابي 1932]، موقع مجلس الشعب السوري، 18 آب 2011.</ref> بكل الأحوال، فقد اعتدى أنصار الكتلة الوطنية على بركات بالضرب بعد أيام قليلة في أحد فنادق حلب؛<ref>سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.241</ref> وحاول أكرم حوراني ورفاقه اغتياله في [[بيروت]]، في العام نفسه.<ref>[http://www.asharqalarabi.org.uk/center/rijal-akram.htm أكرم حوراني]، مركز الشرق العربي للدراسات، 18 آب 2011. {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20150923175213/http://www.asharqalarabi.org.uk/center/rijal-akram.htm |date=23 سبتمبر 2015}}</ref>


انتخب المجلس النيابي لعام 1932 بركات رئيسًا له في 11 يونيو بأغلبية 51 صوتًا مقابل 17 صوتًا لهاشم الأتاسي، وذلك بموجب تسوية صاغها [[جميل مردم]] نصت على تشكيل حكومة مناصفة بين الانتدابيين (المعتدلين) والكتلة الوطنية، وانتخاب رئيس جمهورية محايد ورئيس مجلس نيابي محسوب على المعتدلين، وما ساهم بوصول بركات هو دعم كتلة "نواب الشمال" المؤلفة من 28 عضوًا لترشيحه،<ref>سوريا صنع دولة وولادة أمة''، وديع بشور، دار اليازجي، دمشق 1994.
انتخب المجلس النيابي لعام 1932 بركات رئيسًا له في 11 يونيو بأغلبية 51 صوتًا مقابل 17 صوتًا لهاشم الأتاسي، وذلك بموجب تسوية صاغها [[جميل مردم]] نصت على تشكيل حكومة مناصفة بين الانتدابيين (المعتدلين) والكتلة الوطنية، وانتخاب رئيس جمهورية محايد ورئيس مجلس نيابي محسوب على المعتدلين، وما ساهم بوصول بركات هو دعم كتلة "نواب الشمال" المؤلفة من 28 عضوًا لترشيحه،<ref>سوريا صنع دولة وولادة أمة''، وديع بشور، دار اليازجي، دمشق 1994.
ص.394</ref> لكن ذلك لم يسهم بعودة بركات للسلطة التنفيذية مطلقًا ولم يشكل أي حكومة ثالثة. يشار إلى أنه في أعقاب تشكيل [[الحكومة السورية (يونيو 1933)|حكومة حقي العظم الثالثة]] في 3 يونيو 1933 أخذ بركات يميل نحو الكتلة الوطنية، ووقف معها في معارضة الحكومة في مجلس النواب، وفي 24 نوفمبر 1934 عندما أصدر المفوض الفرنسي شارل دي مارتيل قرارًا بإيقاف عمل البرلمان بعد رفضه التصديق على معاهدة الصداقة والتحالف مع فرنسا، شكلت الكتلة الوطنية "لجنة عمل" كان بركات أحد أعضائها،<ref>سوريا صنع دولة وولادة أمة، مرجع سابق، ص.396</ref> وخلال [[الإضراب الستيني]] عام [[1936]] في أغلب المدن السورية، والذي أفضى لتشكيل وفد من الكتلة الوطنية مهمته السفر إلى باريس للتوصل إلى اتفاقية جديدة ومنصفة مع فرنسا، اعتكف بركات في [[أنطاكية]] ريثما تتضح معالم الاتفاقية، ولم يعد إلى دمشق، وعندما تم فصل [[لواء إسكندرون]] عن سوريا كان بركات مقيمًا في أنطاكية وعندما توفي كان اللواء قد ضم إلى [[تركيا]]، وهو ما عارضه بركات بشدة.
ص.394</ref> لكن ذلك لم يسهم بعودة بركات للسلطة التنفيذية مطلقًا ولم يشكل أي حكومة ثالثة. يشار إلى أنه في أعقاب تشكيل [[الحكومة السورية (يونيو 1933)|حكومة حقي العظم الثالثة]] في 3 يونيو 1933 أخذ بركات يميل نحو الكتلة الوطنية، ووقف معها في معارضة الحكومة في مجلس النواب، وفي 24 نوفمبر 1934 عندما أصدر المفوض الفرنسي شارل دي مارتيل قرارًا بتعليق عمل البرلمان بعد رفضه التصديق على معاهدة الصداقة والتحالف مع فرنسا، شكلت الكتلة الوطنية "لجنة عمل" كان بركات أحد أعضائها،<ref>سوريا صنع دولة وولادة أمة، مرجع سابق، ص.396</ref> وخلال [[الإضراب الستيني]] عام [[1936]] في أغلب المدن السورية، والذي أفضى لتشكيل وفدٍ من الكتلة الوطنية مهمته السفر إلى باريس للتوصل إلى اتفاقيةٍ جديدةٍ ومنصفةٍ مع فرنسا، اعتكف بركات في [[أنطاكية]] ريثما تتضح معالم الاتفاقية، ولم يعد إلى دمشق، وعندما تم فصل [[لواء إسكندرون]] عن سوريا كان بركات مقيمًا في أنطاكية وعندما توفي (1939) كان اللواء قد ضم إلى [[تركيا]]، وهو ما عارضه بركات بشدة.


== انظر أيضًا ==
== انظر أيضًا ==

نسخة 16:23، 16 مارس 2018

صبحي بركات

رئيس الدولة السورية
في المنصب
1 يناير 192521 ديسمبر 1925
منصب مستحدث
رئيس المجلس النيابي
في المنصب
7 يونيو 19328 ديسمبر 1932
الرئيس محمد علي العابد
-
معلومات شخصية
الميلاد 1889
أنطاكية، ولاية حلب،  الدولة العثمانية
الوفاة 1939 بعمر: 50 عام
أنطاكية،  تركيا
مواطنة الدولة العثمانية (1889–1918)
المملكة العربية السورية (1918–1920)
الاتحاد السوري (1922–1925)
الدولة السورية (1925–1930)
الجمهورية السورية المنتدبة  [لغات أخرى] (1930–1938)
دولة حطاي (1938–)  تعديل قيمة خاصية (P27) في ويكي بيانات
الديانة مسلم
الحياة العملية
المهنة سياسي  تعديل قيمة خاصية (P106) في ويكي بيانات
الحزب مستقل، مقربّ من الانتداب
اللغة الأم التركية[1]  تعديل قيمة خاصية (P103) في ويكي بيانات
اللغات العربية،  والفرنسية  تعديل قيمة خاصية (P1412) في ويكي بيانات

صبحي بركات الخالدي (1889 - 1939) سياسي ترأس الاتحاد السوري (1922-1925) الذي مهد الطريق لتأسيس دولة سوريا التي كان رئيسها الأول، فصبحي بركات بذلك هو أول رئيس للدولة السورية التي تأسست في الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان وما زالت مستمرة حتى اليوم.

كان صبحي بركات من الأعيان البارزين في أنطاكية، زعيماً للمقاومة ضد الفرنسيين في أنطاكية خلال الثورة التي مهدت للحرب التركية-الفرنسية.[2] بعد انتهاء الحرب انتقل بركات إلى حلب (عاصمة دولة حلب التي كانت قائمة آنذاك) واتخذ منها مقرا لنشاطه السياسي.[3] لغة صبحي بركات التي تحدثها منذ ولادته كانت التركية، ولم يكن يستطيع التلفظ بأكثر من بضع كلمات عربية متتابعة صحيحة القواعد.[3]

كان صبحي بركات (كغيره من أعيان حلب البارزين آنذاك) بعيدا عن التيار الوطني في دمشق الذي كان يناضل ضد الانتداب الفرنسي بهدف تأسيس دولة سورية موحدة عاصمتها دمشق. لهذا السبب (وبسبب كونه حلبيا لا يعترف بدمشق كعاصمة لسورية) فإن صبحي بركات كان مكروها في مدينة دمشق،[4] وخلال أحداث الثورة السورية الكبرى اتهمه الدمشقيون بتأييد القصف الفرنسي لدمشق، فطلب منه الفرنسيون أن يقدم استقالته من منصبه بهدف تهدئة الرأي العام الثائر في دمشق، فاستقال صبحي بركات من منصبه كرئيس لسورية في 21 كانون الأول 1925.[5]

كان بركات تركيًا من ناحية الأصول، والمهنة، واللغة، أكثر مما كان سوريًا؛[6] وكان بركات يتكلم اللغة العربية بصعوبة، وأحاط نفسه بحاشية من التركمان شغلت معظم الوظائف العامة العليا لاسيّما تلك المرتبطة مباشرة بالقصر الجمهوري، وعرف عنه تفضيله حلب لتكون عاصمة البلاد، وهو ما ساهم في تدني شعبيته رغم ما تمتع به "ذكاء وجاذبية" كما يقول ستفين لونغريج.[7] فاز بركات بمقعد في المجلس التمثيلي لحلب عام 1922، ومقعد في البرلمان السوري خلال انتخابات 1928، وانتخابات 1931، وشغل منصب رئيس البرلمان السوري منذ 1932 وحتى 1936.

منذ سوريا العثمانية، كان يتمتبع بلقب "بيك" واستمرّ يخاطب به، وأسس عام 1930 الحزب الدستوري بوصفه حزبًا محابيًا للفرنسيين؛ وكانت صداقته مع الجنرال ساراي قد مهدت له إلى رئاسة الدولة السورية، على أنه انتهج سياسات أكثر تقاربًا مع الكتلة الوطنية بعد 1932. ويقول المحامي علاء السيّد إنه عرف عنه "نظافة اليد".[8]

العمل السياسي

قبل الرئاسة

مثل صبحي بركات أنطاكية في المؤتمر السوري العام، الذي انعقد عام 1919، وساهم في إعلان المملكة السورية العربية؛[9] بعد دخول البلاد في الانتداب الفرنسي دعم بركات الفرنسيين، وانتهج سياسة المحاباة تجاههم، حسب الروايات فإنه في بداية نشاطه العلني، كان صبحي بركات من الثوار على فرنسا ورفيقًا لابراهيم هنانو، خصوصًا في الفترة بين مايو 1919 ويوليو 1920، إلى أن توسط محمود الشركسي أحد وجهاء حلب لإيقاف قتاله فرنسا، ثم زار بواسطة من الشركسي بيروت والتقى هنري غورو ومذاك أخذ يميل بموقفه إلى جانب الانتداب حتى حُسب على المؤيدين لهم؛[10] وهو ما حوّل صداقته لهنانو لعداوة وتنافس شديدين، بل إنه اتهم بمعاداة فرنسا تأييداً لمصطفى كمال الرئيس التركي لأنه كان يخوض حرباً ضد قواتها في كيليكية، وإنه ما إن عقدت الهدنة بين الطرفين (1920) حتى تخلى عن الثورة ضدها. شارك في انتخابات المجلس التمثيلي لدولة حلب عام 1922، وفاز بأحد المقاعد؛ ثم انتخبه المجلس الأعلى للاتحاد السوري بمنصب رئيس الاتحاد - أي رئيس الدولة - بعد إعلان هنري غورو اتحاداً فيدرالياً بين دولة دمشق ودولة حلب ودولة جبل العلويين في 22 يونيو 1922.

الرئاسة

العمل السياسي، والإداري

بموجب قرار تأسيس الاتحاد فإن هيئة تأسيسية مؤلفة من خمسة عشر عضواً، خمس عن كل دولة، يشكلون المجلس الاتحادي، وكان بركات أحد ممثلي دولة حلب، ويوم إعلان الاتحاد التأم أعضاء الهيئة التأسيسية في حلب وانتخبوه رئيسًا للاتحاد. جمع رئيس الاتحاد مهام تشكيل ورئاسة الحكومة إلى مهامه، إلى جانب وجود مجالس تمثيلية وحكومات فيدرالية داخل المقاطعات الثلاث المكونة له، ولعل من أبرز إنجازات بركات خلال رئاسته الاتحاد، استحداث الدرك السوري وإصدار العملة الورقية السورية وذلك في أغسطس 1922 بموجب اتفاق مع دولة لبنان الكبير ودولة جبل الدروز. بعد استدعاء هنري غورو إلى فرنسا وتعيين ماكسيم فيغان مفوضًا فرنسيًا، طالب السوريون بالوحدة، واستجاب فيغان لطلبهم وأعلن قيام "الدولة السورية" المكونة من دولتي دمشق وحلب في 24 ديسمبر 1924، وجاء في مرسوم استحداث الدولة أن يكون بركات رئيسًا لها لثلاث سنوات أي لنهاية 1927؛ وكان أن شكل حكومة بركات الثانية الجنرال ساراي، ولم يعبّر الرئيس عن أي مقاومة أو امتعاض من "اقتراح" المفوض الفرنسي.

شهدت رئاسته تزايداً في حرية العمل السياسي والاجتماعي التي وفرها المفوض الفرنسي الجديد الجنرال ساراي، غير أن ذلك لم ينعكس من أي النواحي السياسية أو الإدارية أو الاقتصادية على الدولة، بل على العكس "فقد ازدادت المحاباة، وتعيين الأقارب، وانتشار الرشاوى في أروقة الحكومة، من أجل تعزيز مواقع أقطاب الحكم"،[11] وفي المقابل قاد عبد الرحمن الشهبندر الذي أسس حزب الشعب -وهو الرحم الذي انبثقت منه لاحقًا الكتلة الوطنية- معارضة قوية ضد بركات، مناديًا بالسيادة، والوحدة الوطنية، والحرية الشخصية التامة، والإصلاحات لاسيّما في القضاء، وقد دعم الكساد الاقتصادي تأثرًا بالأوضاع الاقتصادية العالمية، معارضة الشهنبدر القوية لبركات.

الثورة السورية الكبرى

لم يدعم بركات الثورة السورية الكبرى، أو يقرّ مطالبها أو يؤيد البيان الذي أصدره سلطان الأطرش، ونبّه الورزاء والمدراء العامين وموظفي الحكومة للأمر ذاته،[12] بل أصدر في 18 نوفمبر 1925 قانونًا يقضي بعقوبة السجن حتى سنتين وبالغرامة حتى خمسمائة ليرة على "كل من يلقي الذعر في نفوس الشعب، ويشوش الطمأنينة العامة في الصحافة أو المجتمع"،[13] هذا القانون صدر بعد ثمانية أيام من استدعاء الجنرال ساراي إلى فرنسا وإنهاء مهامه بعدما قصف دمشق بالمدفعية الثقيلة ما سبب دمارًا هائلاً في الأحياء المتاخمة للغوطة لاسيّما حي الميدان. هذا الاستدعاء كان دليل تغيير في السياسة الفرنسية وتراجع حظوة "المعتدلين" الذين يمثلهم بركات، لتفسح المفوضية الفرنسية لإمكانية التفاوض مع "الوطنيين". بكل الأحوال فإن بعض الشخصيات الوطنية البارزة ومنها هاشم الأتاسي رفضت الموافقة على استعمال العنف، أو جرّ البلاد إلى حرب استنزاف ضد فرنسا أو قوات جيش الشرق؛ لكن ذلك لم يمنع من أن يطغى على عهد بركات منذ يوليو 1925 طابع انتشار المعارك، والمتاريس، والفوضى، والخطب والمقالات الغاضبة في مختلف أنحاء سوريا وحتى لبنان الكبير. خلال استقبال المفوض الجديد الكونت هنري دو جيفنيل في ديسمبر 1925، بدا واضحًا فقدان "الحرارة في اللقاء بين المفوض الفرنسي ورئيس الدولة"، ومع تحسن الوضع الأمني في العاصمة والدعوة لانتخابات مجلس تمثيلي، قدّم بركات استقالته في 21 ديسمبر 1925، بعدما فشل في إقناع الرأي العام، أو استمالته، وفقد جميع حظوته لدى المفوضية الفرنسية. يوسف الحكيم ذكر أنه في استقبال المفوض الفرنسي الجديد في بيروت بدا الوجوم على وجه الرئيس، وبعد اللقاء مباشرة، استدعى بركات كبير مرافقي الوفد الرئاسي عبد القادر بازارباشي، وأمره بالعودة إلى دمشق مع الوفد بالسيارة الرئاسية فورًا، أما بركات فظلّ في بيروت، واتجه "سيرًا على الأقدام" إلى فندق النورماندي "بينما أعلنت المفوضية الفرنسية نبأ استقالة الرئيس"؛[14] وتعيين بيير ألبيب حاكمًا عسكريًا مؤقتًا حتى مايو 1926، حين خلف بركات في رئاسة الدولة الداماد أحمد نامي.

بعد الرئاسة

رشّح بركات نفسه في انتخابات الجمعية التأسيسية عام 1928 وفاز بأحد المقاعد عن حلب، وبعد إعلان الدستور السوري عام 1930، أعلن بركات تأسيس الحزب الدستوري في شمال سوريا، غير أن دعمه للفرنسيين، وانخراطه في محاباة التحالفات العائلية جعلت الحزب قليل الجماهيرية.[15] عاد وشارك في انتخابات 1931 وفاز بأحد المقاعد أيضًا، وتعرض منزله للهجوم من قبل مناصري الكتلة الوطنية بعد إعلان نتائج الانتخابات، وأدى إلى ثمانية إصابات، وقد جاء بعد خسارة الكتلة الوطنية ذات الزعامات الشعبية الواسعة في حلب - مثل إبراهيم هنانو وسعد الله الجابري - أمام بركات، وهو ما ينحو عدد من المؤرخين لاعتباره ناتجاً عن تدخل فرنسي لمصلحة بركات في الانتخابات.[16] بكل الأحوال، فقد اعتدى أنصار الكتلة الوطنية على بركات بالضرب بعد أيام قليلة في أحد فنادق حلب؛[17] وحاول أكرم حوراني ورفاقه اغتياله في بيروت، في العام نفسه.[18]

انتخب المجلس النيابي لعام 1932 بركات رئيسًا له في 11 يونيو بأغلبية 51 صوتًا مقابل 17 صوتًا لهاشم الأتاسي، وذلك بموجب تسوية صاغها جميل مردم نصت على تشكيل حكومة مناصفة بين الانتدابيين (المعتدلين) والكتلة الوطنية، وانتخاب رئيس جمهورية محايد ورئيس مجلس نيابي محسوب على المعتدلين، وما ساهم بوصول بركات هو دعم كتلة "نواب الشمال" المؤلفة من 28 عضوًا لترشيحه،[19] لكن ذلك لم يسهم بعودة بركات للسلطة التنفيذية مطلقًا ولم يشكل أي حكومة ثالثة. يشار إلى أنه في أعقاب تشكيل حكومة حقي العظم الثالثة في 3 يونيو 1933 أخذ بركات يميل نحو الكتلة الوطنية، ووقف معها في معارضة الحكومة في مجلس النواب، وفي 24 نوفمبر 1934 عندما أصدر المفوض الفرنسي شارل دي مارتيل قرارًا بتعليق عمل البرلمان بعد رفضه التصديق على معاهدة الصداقة والتحالف مع فرنسا، شكلت الكتلة الوطنية "لجنة عمل" كان بركات أحد أعضائها،[20] وخلال الإضراب الستيني عام 1936 في أغلب المدن السورية، والذي أفضى لتشكيل وفدٍ من الكتلة الوطنية مهمته السفر إلى باريس للتوصل إلى اتفاقيةٍ جديدةٍ ومنصفةٍ مع فرنسا، اعتكف بركات في أنطاكية ريثما تتضح معالم الاتفاقية، ولم يعد إلى دمشق، وعندما تم فصل لواء إسكندرون عن سوريا كان بركات مقيمًا في أنطاكية وعندما توفي (1939) كان اللواء قد ضم إلى تركيا، وهو ما عارضه بركات بشدة.

انظر أيضًا

المراجع

  1. ^ https://books.google.com/books?id=MmptAAAAMAAJ. {{استشهاد ويب}}: |url= بحاجة لعنوان (مساعدة) والوسيط |title= غير موجود أو فارغ (من ويكي بيانات) (مساعدة)
  2. ^ فيليب خوري. 1997. سوريا والانتداب الفرنسي. صفحة 161.
  3. ^ أ ب نفس المصدر السابق.
  4. ^ محمد فؤاد عنتابي ونجوى عثمان. حلب في مئة عام. الجزء 3 صفحة 78
  5. ^ "العلاقة بين حلب ودمشق في التاريخ" (PDF). اطلع عليه بتاريخ 15/9/2016. {{استشهاد ويب}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ الوصول= (مساعدة)
  6. ^ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، ستيفن لونغريج، ترجمة بيار عقل، دار الحقيقة، ص.165
  7. ^ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.221
  8. ^ دولة حلب ونوابها، أخبار سوريا، 18 آب 2011. نسخة محفوظة 28 مارس 2017 على موقع واي باك مشين.
  9. ^ محمد مرعي باشا الملاح أحد رواد العمل البرلماني في سورية، أخبار سوريا، 18 آب 2011. نسخة محفوظة 06 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين.
  10. ^ سوريا صنع دولة وولادة أمة، وديع بشور، دار اليازجي، دمشق 1994. ص.385
  11. ^ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.195
  12. ^ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.201
  13. ^ سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.124
  14. ^ سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.128
  15. ^ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.232
  16. ^ المجالس النيابي 1932، موقع مجلس الشعب السوري، 18 آب 2011.
  17. ^ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.241
  18. ^ أكرم حوراني، مركز الشرق العربي للدراسات، 18 آب 2011. نسخة محفوظة 23 سبتمبر 2015 على موقع واي باك مشين.
  19. ^ سوريا صنع دولة وولادة أمة، وديع بشور، دار اليازجي، دمشق 1994. ص.394
  20. ^ سوريا صنع دولة وولادة أمة، مرجع سابق، ص.396
سبقه
حقي العظم
(حاكم دولة دمشق، رئيس الوزراء)
رؤساء سوريا

28 يونيو 1922 - 21 ديسمبر 1925

تبعه
فرانسوا بيير أليب (حاكم عسكري فرنسي مؤقت منذ 8 فبراير)
أحمد نامي بك