اقتصاد سياسي دولي

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

الاقتصاد السياسي الدولي هو أحد العلوم الاجتماعية التي تدرس التفاعل و التـأثير المتبادل بين الاقتصاد و السياسة على الساحة الدولية. يشكل أصله و معناه موضوع نقاش حاد بين العلماء.[1] على الرغم من هذه الخلافات، فإن معظمهم يعتبرون الأيديولوجيات «الكلاسيكية» الثلاث (القومية، الليبرالية و الماركسية) من بين أسس تطور هذا الميدان. و من جهة أخرى، ظهرت نظريات حديثة خلال السنوات الأخيرة مثل نظرية الاقتصاد المزدوج و نظرية النظام العالمي الجديد.[2]

كما يعتمد هذا الحقل الدراسي على مجالات أكاديمية عدة أهمها الاقتصاد و السياسة، و لكن أيضا التاريخ و القانون و علم الاجتماع. و يمكن تقسيم الاقتصاد السياسي الدولي إلى أربع فروع أساسية: نظام التجارة الدولية و نظام النقد الدولي و الشركات المتعددة الجنسية و التنمية الاقتصادية.[3]

تعريف[عدل]

ساهم انهيار نظام بْرِيتُونْ وُودْز (Bretton Woods) النقدي و أزمة حظر النفط عام 1973 في تطور الاقتصاد السياسي الدولي إلى علم مستقل و متميز.[4]

فمن قبل، تم اعتبار السياسة و الاقتصاد كعلمين منفصلين، حيث اعتمدت الأولى على القانون و التاريخ فحسب في حين بدا الآخر كعلم تجريدي و غير واقعي. و من أجل ملئ هذا الفراغ، اقترح الاقتصاد السياسي الدولي توافقا بين التحليل السياسي و الاقتصادي يهدف إلى معالجة الإشكالات الاجتماعية في السياق الحالي للعولمة.[4]

الأيديولوجيات التقليدية[عدل]

منذ أكثر من قرن و نصف، اهتمت دراسة الاقتصاد السياسي الدولي بثلاث أيديولوجيات أساسية تتعلق بالليبرالية، القومية و الماركسية. و الظاهر أن لكل منها نظرة مختلفة للاقتصاد العالمي، و تعالج مواضيع محددة كالتجارة و توزيع الثروات، و كذلك تأثير السياسة على المنافسة و العلاقات الدولية.[5] و تتعلق الاختلافات الأساسية فيما بينها بدور السوق و الدولة في تدبير المجتمع على المستوى المحلي و الدولي.

الليبرالية[عدل]

تطورت الليبرالية في بريطانيا خلال القرن الثامن عشر في اتجاه منافسة سيطرة الامبريالية.[6] و يتمثل دور هذه الحركة في مضاعفة القدرة الاقتصادية بغاية تحسين رفاه الإنسان باعتباره ركيزة المجتمع.[7] و لذلك ارتبطت هذه الايديولوجية بحرية السوق و الحد من تدخل الدولة ما عدا دورها في تسهيل المبدلات.

ففي رأي آدم سميث (Adam Smith) و كتابه ثروة الأمم، يعتبر الإنسان حيوانا اقتصاديا يتعامل بشكل عقلاني من أجل تحسين وضعيته بأقل كلفة ممكنة. و بتعامل الإنسان بهذا الشكل، يحسن وضعية المجتمع ككل و إن لم يتم ذلك بصفة متعادلة. و في نظر الليبراليين، يشكل السوق و مراقبة الأسعار[8]، أداتين هامتين كفيلتين بتدبير الاقتصاد المحلي و الدولي. و لذلك، ينبغي ألا تتدخل الدولة أو السياسة في القضايا الاقتصادية، ما عدا في حالة وجود فشل سوقي[9] أو لتحقيق الخير الجماعي.[10] فالأسواق تظهر طبيعيا و لا تحتاج إلى إدارة مركزية. لقد أصبحت الليبرالية نظرية سياسية و اقتصادية مهيمنة خاصة على مستوى الدول الغربية المتقدمة. و يجذر الذكر أنها تطورت عبر القرنين الأخيرين تحت أشكال مختلفة (الكلاسيكي، الكينزيي، النمساوي...) واستغرقت نظريات كثيرة كقانون العرض و الطلب[11] أو الرجوع الدائم للتوازن الاقتصادي.[12] و لقد ساهم في تطور هذه النظرية العديد من المؤلفين كدافيد ريكاردو (David Ricardo) و فريدريش فون هايك (Friedrich August von Hayek).

و بخصوص تأثير الاقتصاد السياسي الدولي، يعتبر جون مينارد كينز (John Maynard Keynes) و نظريته الليبيرلية من ضمن مؤسسي نظام بْرِيتُونْ وُودْز (Bretton Woods) الذي دام من سنة 1944 إلى 1971. فقد تبنى توافقا بين السلطة العمومية و الخاصة معتمدا على الصندوق النقدي الدولي.[13] فإن أحد أدوار هذا الأخير يتمثل في مراقبة السياسات الاقتصادية الكلية للدول قبل تمكينها من الحصول على قرض. و لقد أعاد هايك و ميلتون (Milton Friedman) النظر في هذه النظرية التي فقدت العديد من أنصارها بعد انهيار نظام برتون وودز. فمع أن المفهوم الليبرالي يشجع الفصل بين الدولة و السوق، فإن التطبيق يثبت أن هناك توافقا بين الايديولوجيات القومية و الليبرالية حول العلاقات الخارجية.[14] و بالرغم من ذلك، فإن الأزمات المالية المتكررة منذ عام 2008 دفعت إلى مطالبة مجموعة من زعماء العالم بتجديد نظام برتون وودز.[15] و مع أن الليبيرالية سمحت بتحسين الروابط الاقتصادية و التجارية[16]، فإن إشكالية التوزيع الغير العادل للثروات ساهمت في جعل القومية و الماركسية مذهبين منافسين.

مراجع[عدل]

  1. ^ غلبين، روبرت، (1987). الاقتصاد السياسي للعلاقات الدولية، (المجلدات ص 24-25). دار نشر جامعة برنستون (مركز الخليج للأبحاث (2004)، المترجمون)
  2. ^ غلبين، روبرت، (1987). الاقتصاد السياسي للعلاقات الدولية، (المجلدات ص 92). دار نشر جامعة برنستون (مركز الخليج للأبحاث (2004)، المترجمون)
  3. ^ Oatley, Thomas (2011). International Political Economy, p. 3. (5th International Ed) Longman Pearson, London
  4. ^ أ ب Veseth, Michael. “International Political Economy”, International Relations - Vol.II March 2007, p. 2. Print
  5. ^ Oatley, Thomas (2011). International Political Economy, p. 20. (5th International Ed) Longman Pearson, London
  6. ^ Oatley, Thomas (2011). International Political Economy, p. 9. (5th International Ed) Longman Pearson, London
  7. ^ غلبين، روبرت، (1987). الاقتصاد السياسي للعلاقات الدولية، (المجلدات ص 46). دار نشر جامعة برنستون (مركز الخليج للأبحاث (2004)، المترجمون)
  8. ^ غلبين، روبرت، (1987). الاقتصاد السياسي للعلاقات الدولية، (المجلدات ص 47). دار نشر جامعة برنستون (مركز الخليج للأبحاث (2004)، المترجمون)
  9. ^ Baumol, William J. (1965). Welfare Economics and the Theory of the State. (2nd Ed) Harvard University Press, Cambridge
  10. ^ Olson, Mancur (1965). The Logic of Collective Action: Public Goods and the Theory of Groups. Harvard University Press, Cambridge
  11. ^ Becker, Gary S (1976). The Economic Approach to Human Behavior, p. 6. University of Chicago Press, Chicago
  12. ^ غلبين، روبرت، (1987). الاقتصاد السياسي للعلاقات الدولية، (المجلدات ص 49). دار نشر جامعة برنستون (مركز الخليج للأبحاث (2004)، المترجمون)
  13. ^ Lelart, Michel (2011). Système Monétaire International, p.28. (8ème Ed) La découverte
  14. ^ Johnathan Kirshner (1999). "Keynes, capital mobility and the crisis of embedded liberalism". Review of International Political Economy. 6:3, Autumn: 313–337.
  15. ^ George Parker, Tony Barner and Daniel Dombey. "European call for Bretton Woods II", Financial Times, 16 October 2008. Retrieved 3 April 2013 نسخة محفوظة 17 سبتمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  16. ^ Hicks, John (1969). A Theory of Economic History. Oxford University Press, Oxford