حصار حصن بابليون: الفرق بين النسختين

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
[مراجعة غير مفحوصة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
وسوم: تحرير من المحمول تعديل ويب محمول تعديل المحمول المتقدم
ط تدقيق لغوي
سطر 1: سطر 1:
{{معلومات نزاع عسكري
{{معلومات نزاع عسكري
| اسم_النزاع = حصار حصن بابليون
| اسم_النزاع = حصار حصن بابليون
| جزء_من = [[الفتح الإسلامي لمصر]] و[[الحروب الإسلامية البيزنطية]]
| جزء_من = [[الفتح الإسلامي لمصر]] و[[الحروب الإسلامية البيزنطية]]
| صورة =
| صورة =
| عرض_الصورة =
| عرض_الصورة =
| تعليق =
| تعليق =
| تاريخ = (أيار - كانون الأول [[640]] م)
| تاريخ = (أيار - كانون الأول [[640]] م)
| مكان = [[حصن بابليون]]، [[مصر]]
| مكان = [[حصن بابليون]]، [[مصر]]
| إحداثيات =
| إحداثيات =
| نوع_الخريطة =
| نوع_الخريطة =
| خريطة_تضاريس =
| خريطة_تضاريس =
| خط_عرض =
| خط_عرض =
| خط_طول =
| خط_طول =
| حجم_الخريطة =
| حجم_الخريطة =
| حجم_العلامة =
| حجم_العلامة =
| تعليق_الخريطة =
| تعليق_الخريطة =
| عنوان_الخريطة =
| عنوان_الخريطة =
|التغييرات_الحدودية=
|التغييرات_الحدودية=
| نتيجة = انتصار [[مسلم|المسلمين]]
| نتيجة = انتصار [[مسلم|المسلمين]]
| حالة =
| حالة =
| خصم1 = {{الخلافة الراشدة}}
| خصم1 = {{الخلافة الراشدة}}
| خصم2 = [[ملف:Labarum.svg|18px|border]] [[الإمبراطورية البيزنطية]]
| خصم2 = [[ملف:Labarum.svg|18px|border]] [[الإمبراطورية البيزنطية]]
| خصم3 =
| خصم3 =
| قائد1 = امير المؤمنين [[عمر بن الخطاب]]
| قائد1 = أمير المؤمنين [[عمر بن الخطاب]]<br>
[[عمرو بن العاص]]
[[عمرو بن العاص]]
| قائد2 = ثُيودور
| قائد2 = ثُيودور
| قائد3 =
| قائد3 =
| وحدات1 =
| وحدات1 =
| وحدات2 =
| وحدات2 =
| وحدات3 =
| وحدات3 =
| قوة1 = غير معروف
| قوة1 = غير معروف
| قوة2 = غير معروف
| قوة2 = غير معروف
| قوة3 =
| قوة3 =
| خسائر1 = غير معروف
| خسائر1 = غير معروف
| خسائر2 = غير معروف
| خسائر2 = غير معروف
| خسائر3 =
| خسائر3 =
| ملاحظات =
| ملاحظات =
| صندوق_حملة =
| صندوق_حملة =
}}
}}
{{الفتح الإسلامي لمصر}}
{{الفتح الإسلامي لمصر}}
سطر 44: سطر 44:
==أوضاع حصن بابليون عشيَّة الفُتوح الإسلاميَّة==
==أوضاع حصن بابليون عشيَّة الفُتوح الإسلاميَّة==
[[ملف:GD-EG-Caire-Copte074.JPG|تصغير|300بك|أطلال حصن بابليون.]]
[[ملف:GD-EG-Caire-Copte074.JPG|تصغير|300بك|أطلال حصن بابليون.]]
لم يبقَ بِأيدي البيزنطيين سوى [[حصن بابليون]] بعد [[معركة عين شمس]] و فتح الفيُّوم، فكان هدف عمرو التالي قبل أن يتوجَّه إلى [[الإسكندريَّة]] لِفتحها. إذ لم يشأ أن يُشتِّت قُوَّاته ويُضعفها لِيذر قسمًا منها على حصار الحصن ولِيسير بالقسم الآخر إلى الشمال حتَّى يبلغ الإسكندريَّة، ممَّا يُشكِّلُ خطرًا على إنجازاته التي حقَّقها حتَّى ذلك الحين من واقع رد فعل البيزنطيين الذين سوف يستغلّون هذه الفُرصة لِيقوموا بِحركاتٍ ارتداديَّةٍ يستعيدون بِواسطتها ما فقدوه من أراضٍ ويطردون المُسلمين من مصر، لِذلك ركَّز جُهوده العسكريَّة على فتح الحصن، فسار إليه في شهر شوَّال سنة [[19 هـ|19هـ]] المُوافق فيه شهر أيلول (سپتمبر) سنة [[640]]م وحاصره.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرابع|إصدار= الثانية|صفحة= 102|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ويقعُ حصن بابليون قُرب منف ومُقابل [[الروضة (القاهرة)|جزيرة الروضة]] التي تُحيط بها مياه النيل، وكان من أقوى الحُصون بعد الإسكندريَّة، وذلك بِسبب قربه من منف ولِمناعة أسواره، فهُو مبني [[طوب|بالطوب]] و[[حجر (توضيح)|الحجر]]، ويبلغ عرض جُدرانه نحو ثمانية أقدام وارتفاعها نحو ستين قدمًا، وأبراجه مُرتفعة، وهو مُحاطٌ بالخنادق ومياه النيل.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= شبارو، عصام مُحمَّد|عنوان= الدولة العربيَّة الإسلاميَّة الأولى|إصدار= الثالثة|صفحة= 319|سنة= [[1995]]م|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> أدرك سُكَّان الحصن وأفراد حاميته أنَّ الحصار سوف يطول لِسببين: '''الأوَّل''' هو أنَّهُ بدأ في وقت [[فيضان النيل]] وارتفاع مياهه، فيتعذَّر على المُسلمين أن يجتازوه أو يُهاجموا الحصن، ولا بُدَّ لهم من الانتظار حتَّى هُبوط الفيضان؛ '''الثاني''' هو أنَّ مناعة الحصن ومتانة أسواره وما يُحيط به من الماء وضعف وسائل الحصار سوف يُشكِّلُ عائقًا أمام المُحاصرين من الصعب أن يجتازوه بسُرعة، وما غنموه من بعض آلات القتال لم يكن لهم خبرة باستعمالها أو بِطُرق إصلاحها إذا تعطَّلت، لِذلك استعدَّ الطرفان لِحصارٍ طويل. والواقع أنَّ الحصار لم يكن مُحكمًا، فقد ظلَّت طريق الإمدادات بين الحصن وجزيرة الروضة مفتوحة لِأنَّ عمرو لم يكن قد أحكم سيطرته على الطُرق المائيَّة بعد.<ref name="بابليون">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الخُلفاء الرَّاشدين: الفُتوحات والإنجازات السياسيَّة|إصدار= الأولى|صفحة= 303 - 304|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9953181012|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
لم يبقَ بِأيدي البيزنطيين سوى [[حصن بابليون]] بعد [[معركة عين شمس]] وفتح الفيُّوم، فكان هدف عمرو التالي قبل أن يتوجَّه إلى [[الإسكندريَّة]] لِفتحها. إذ لم يشأ أن يُشتِّت قُوَّاته ويُضعفها لِيذر قسمًا منها على حصار الحصن ولِيسير بالقسم الآخر إلى الشمال حتَّى يبلغ الإسكندريَّة، ممَّا يُشكِّلُ خطرًا على إنجازاته التي حقَّقها حتَّى ذلك الحين من واقع رد فعل البيزنطيين الذين سوف يستغلّون هذه الفُرصة لِيقوموا بِحركاتٍ ارتداديَّةٍ يستعيدون بِواسطتها ما فقدوه من أراضٍ ويطردون المُسلمين من مصر، لِذلك ركَّز جُهوده العسكريَّة على فتح الحصن، فسار إليه في شهر شوَّال سنة [[19 هـ|19هـ]] المُوافق فيه شهر أيلول (سپتمبر) سنة [[640]]م وحاصره.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرابع|إصدار= الثانية|صفحة= 102|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ويقعُ حصن بابليون قُرب منف ومُقابل [[الروضة (القاهرة)|جزيرة الروضة]] التي تُحيط بها مياه النيل، وكان من أقوى الحُصون بعد الإسكندريَّة، وذلك بِسبب قربه من منف ولِمناعة أسواره، فهُو مبني [[طوب|بالطوب]] و[[حجر (توضيح)|الحجر]]، ويبلغ عرض جُدرانه نحو ثمانية أقدام وارتفاعها نحو ستين قدمًا، وأبراجه مُرتفعة، وهو مُحاطٌ بالخنادق ومياه النيل.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= شبارو، عصام مُحمَّد|عنوان= الدولة العربيَّة الإسلاميَّة الأولى|إصدار= الثالثة|صفحة= 319|سنة= [[1995]]م|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> أدرك سُكَّان الحصن وأفراد حاميته أنَّ الحصار سوف يطول لِسببين: '''الأوَّل''' هو أنَّهُ بدأ في وقت [[فيضان النيل]] وارتفاع مياهه، فيتعذَّر على المُسلمين أن يجتازوه أو يُهاجموا الحصن، ولا بُدَّ لهم من الانتظار حتَّى هُبوط الفيضان؛ '''الثاني''' هو أنَّ مناعة الحصن ومتانة أسواره وما يُحيط به من الماء وضعف وسائل الحصار سوف يُشكِّلُ عائقًا أمام المُحاصرين من الصعب أن يجتازوه بسُرعة، وما غنموه من بعض آلات القتال لم يكن لهم خبرة باستعمالها أو بِطُرق إصلاحها إذا تعطَّلت، لِذلك استعدَّ الطرفان لِحصارٍ طويل. والواقع أنَّ الحصار لم يكن مُحكمًا، فقد ظلَّت طريق الإمدادات بين الحصن وجزيرة الروضة مفتوحة لِأنَّ عمرو لم يكن قد أحكم سيطرته على الطُرق المائيَّة بعد.<ref name="بابليون">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الخُلفاء الرَّاشدين: الفُتوحات والإنجازات السياسيَّة|إصدار= الأولى|صفحة= 303 - 304|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9953181012|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>


==بدء الحصار==
==بدء الحصار==
سطر 59: سطر 59:
{{شريط بوابات|الحرب|الإسلام|مصر}}
{{شريط بوابات|الحرب|الإسلام|مصر}}


[[تصنيف:640]]
[[تصنيف:640 في أفريقيا]]
[[تصنيف:640 في أفريقيا]]
[[تصنيف:640]]
[[تصنيف:تاريخ الإسكندرية العسكري]]
[[تصنيف:تاريخ الإسكندرية العسكري]]
[[تصنيف:حصارات الإمبراطورية البيزنطية]]
[[تصنيف:حصارات الإمبراطورية البيزنطية]]

نسخة 22:31، 2 نوفمبر 2022

حصار حصن بابليون
جزء من الفتح الإسلامي لمصر والحروب الإسلامية البيزنطية
 
معلومات عامة
التاريخ (أيار - كانون الأول 640 م)
الموقع حصن بابليون، مصر
30°00′22″N 31°13′47″E / 30.0061°N 31.2297°E / 30.0061; 31.2297   تعديل قيمة خاصية (P625) في ويكي بيانات
النتيجة انتصار المسلمين
المتحاربون
 دولة الخِلافة الرَّاشدة الإمبراطورية البيزنطية
القادة
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب

عمرو بن العاص

ثُيودور
القوة
غير معروف غير معروف
الخسائر
غير معروف غير معروف
خريطة

حصار حصن بابليون هي معركة حدثت بين القوات المسلمة تحت قيادة عمرو بن العاص وبين الإمبراطورية البيزنطية في مصر بعد حصار دام من أيار - كانون الأول 640 م.

أوضاع حصن بابليون عشيَّة الفُتوح الإسلاميَّة

أطلال حصن بابليون.

لم يبقَ بِأيدي البيزنطيين سوى حصن بابليون بعد معركة عين شمس وفتح الفيُّوم، فكان هدف عمرو التالي قبل أن يتوجَّه إلى الإسكندريَّة لِفتحها. إذ لم يشأ أن يُشتِّت قُوَّاته ويُضعفها لِيذر قسمًا منها على حصار الحصن ولِيسير بالقسم الآخر إلى الشمال حتَّى يبلغ الإسكندريَّة، ممَّا يُشكِّلُ خطرًا على إنجازاته التي حقَّقها حتَّى ذلك الحين من واقع رد فعل البيزنطيين الذين سوف يستغلّون هذه الفُرصة لِيقوموا بِحركاتٍ ارتداديَّةٍ يستعيدون بِواسطتها ما فقدوه من أراضٍ ويطردون المُسلمين من مصر، لِذلك ركَّز جُهوده العسكريَّة على فتح الحصن، فسار إليه في شهر شوَّال سنة 19هـ المُوافق فيه شهر أيلول (سپتمبر) سنة 640م وحاصره.[1] ويقعُ حصن بابليون قُرب منف ومُقابل جزيرة الروضة التي تُحيط بها مياه النيل، وكان من أقوى الحُصون بعد الإسكندريَّة، وذلك بِسبب قربه من منف ولِمناعة أسواره، فهُو مبني بالطوب والحجر، ويبلغ عرض جُدرانه نحو ثمانية أقدام وارتفاعها نحو ستين قدمًا، وأبراجه مُرتفعة، وهو مُحاطٌ بالخنادق ومياه النيل.[2] أدرك سُكَّان الحصن وأفراد حاميته أنَّ الحصار سوف يطول لِسببين: الأوَّل هو أنَّهُ بدأ في وقت فيضان النيل وارتفاع مياهه، فيتعذَّر على المُسلمين أن يجتازوه أو يُهاجموا الحصن، ولا بُدَّ لهم من الانتظار حتَّى هُبوط الفيضان؛ الثاني هو أنَّ مناعة الحصن ومتانة أسواره وما يُحيط به من الماء وضعف وسائل الحصار سوف يُشكِّلُ عائقًا أمام المُحاصرين من الصعب أن يجتازوه بسُرعة، وما غنموه من بعض آلات القتال لم يكن لهم خبرة باستعمالها أو بِطُرق إصلاحها إذا تعطَّلت، لِذلك استعدَّ الطرفان لِحصارٍ طويل. والواقع أنَّ الحصار لم يكن مُحكمًا، فقد ظلَّت طريق الإمدادات بين الحصن وجزيرة الروضة مفتوحة لِأنَّ عمرو لم يكن قد أحكم سيطرته على الطُرق المائيَّة بعد.[3]

بدء الحصار

كان عددٌ من حُكَّام الروم من ضمن المُتحصنين في بابليون، وما أن عرفوا بِقُدوم المُسلمين وانتصارهم في إقليم منف ومُساعدة بعض المصريين لهم، بادروا بالخُروج إلى الإسكندريَّة، تاركين الحامية تتولّى مُهمَّة الدفاع عنه، ومما زاد في إحباطهم وخوفهم أنَّ بعض المصريين اعتنقوا الإسلام وانضموا إلى الجيش الإسلامي بِقيادة عمرو بن العاص، فكانوا له خير أعوان وأدلَّاء يصحبونه ويدُلونه على الطُرق والمواقع، ويُخبروه عن أسرار وأوضاع الروم.[4] يُشيرُ بعض المُؤرخين إلى أنَّ المُقوقس كان في جزيرة الروضة عندما ضرب المُسلمون الحصار على الحصن، وقيل كان في الحصن مع سائر القادة ولم يخرج منه إلَّا بعد شهر،[5] أمَّا قيادة الجيش فكانت للأعيرج. وتراشق الطرفان بالمجانيق من جانب البيزنطيين والسهام والحجارة من جانب المُسلمين، مُدَّة شهر، حيثُ بدأ فيضان النيل بالانحسار. وأدرك المُقوقس أنَّ المُسلمين صابرون على القتال وأنَّهم سيقتحمون الحصن لا محالة، كما يئس من وُصول إمدادات من الخارج، فاضطرَّ إلى عقد اجتماع مع أركان حربه للتشاور في الأمر، وتقرَّر بذل المال لهم ليرحلوا عنهم وأن يذهب المُقوقس بِنفسه للتفاوض مع عمرو في هذا الشأن بشكلٍ سريٍّ حتَّى لا يعلم أحد من المُدافعين عن الحصن، فتهن عزائمهم. فخرج من الحصن تحت جُنح الظلام مع جماعة من أعوانه، وركب سفينة إلى جزيرة الروضة. فلمَّا وصل إليها أرسل رسالةً إلى عمرو مع وفدٍ ترأسهُ أُسقف بابليون، يعرض عليه أن يُرسل وفدًا لِإجراء مُفاوضات بِشأن التفاهم على حلٍّ مُعيَّن.[3] تعمَّد عمرو بن العاص الإبطاء في الرَّد مُدَّة يومين وأبقى أعضاء الوفد عنده رغبةً منه أن يطَّلع المُقوقس وأهل مصر على بأس المُسلمين وحالهم. ومهما يكن من أمر، فقد عاد أعضاء الوفد بعد يومين يحملون رد عمرو يُخيِّرُ المُقوقس بين الإسلام أو الجزية أو القتال. كان من الصعب على المُقوقس وجماعته التخلّي عن المسيحيَّة واعتناق الإسلام، ذلك الدين الذي لا يعرفون عنهُ شيءًا، وبذلك رفضوا الشرط الأوَّل، وخشوا إن هُم قبلوا بدفع الجزية أن يستضعفهم المُسلمون، ويذُلُّوهم في الوقت الذي استبعدوا فيه فكرة الحرب خشية الهزيمة وبِخاصَّةٍ بعد أن وصف أعضاء الوفد وضع المُسلمين الجيِّد وتضامُنهم وجُهوزيَّتهم القتاليَّة. ومع ذلك فقد قبل المُقوقس الدُخول في الصُلح، وطلب من عمرو أن يُرسل إليه جماعةً من ذوي الرأي للتباحُث بِشُروطه، فأرسل إليه وفدًا بِرئاسة عبادة بن الصَّامت، فاستقبلهُ الروم والمصريّون حيثُ طمأنهم بأنَّهم سيكونون آمنين على أنُفسهم وأموالهم وكنائسهم وصُلبانهم ونسائهم وذراريهم إن هُم قبلوا دفع الجزية، ممَّا شجَّع المُقوقس على المضيّ في طريق الإذعان.[3]

بوَّابة «قصر الشمع»، وهي إحدى تسميات حصن بابليون، كما كانت تبدو سنة 1830م. يُعتقدُ بأنَّ تسمية الحصن بهذا الاسم سببها أنَّه في أوَّل كُل شهر كانت الشُموع تُضاء فوق بُرجٍ من أبراج الحصن،[6] والبعض يعتبر أنها تحريف لِلفظ «خيمي».[7]

استضاف عمرو - عقب هذا الصُلح - الروم ومن معهم من المصريين، وصنع لهم الثريد (الخُبز الذي يُفت ثُمَّ يُبل بالمرق[8]) والعراق (العظم الذي أُكل لحمُه[9]) وأمر أصحابه أن يقعُدون على رُكبهم إلى جانب الروم في مُحاولةٍ منه لِتهدئة روعهم والتأكيد على أنَّ المُسلمين لم يأتوا للاعتداء على الأهالي وسلبهم نفائسهم ومُقدَّساتهم.[10][11] ولكن يبدو أنَّ القُبول بِقرار الاستسلام لم يكن عامًّا، فقد وُجدت فئة من الجُند رفضت الصُلح مع المُسلمين، وكانت بِقيادة الأعيرج، وأصرَّت على المُقاومة المُسلَّحة، عند ذلك طلب المُقوقس من عمرو المُهادنة مُدَّة شهر للتفكير في الأمر، فمنحهُ ثلاثة أيَّام. ولم تلبث أنباء المُفاوضات أن انتشرت بين عامَّة الجُند، فثارت ثائرتهم ضدَّ المُقوقس. ولمَّا انتهت أيَّامُ الهدنة، استعدَّ الطرفان لاستئناف القتال، وأحرز المُسلمون بعض الانتصارات ممَّا دفع المُقوقس إلى تجديد الدعوة لِأركان حربه للاستسلام، فقبلوا مُكرهين، واختار المُقوقس خصلة دفع الجزية، واشترط موافقة الإمبراطور هرقل وتجميد العمليَّات العسكريَّة حتَّى يأتي الرد من القُسطنطينيَّة، وتبقى الجُيوشُ في أماكنها خِلال ذلك، وتعهَّد أن يبعث بِعهد الصُلح إلى القُسطنطينيَّة لِأخذ مُوافقة الإمبراطور.[12][13] غادر المُقوقس حصن بابليون وتوجَّه إلى الإسكندريَّة حيثُ أرسل عهد الصُلح إلى القُسطنطينيَّة وطلب مُوافقة هرقل عليه، لكنَّ الأخير لم يقتنع بِوجهة نظر المُقوقس بِشأن الصُلح مع المُسلمين، ورأى أنَّ العوامل القوميَّة والجُغرافيَّة التي ساعدت هؤلاء على فتح الشَّام غير مُتوفرة في مصر، وأنَّ بِحوزته - المُقوقس - قُوَّةٌ عسكريَّةٌ كبيرة تفوقُ في العدد قُوَّة المُسلمين، كما أنَّ الحصن كان متينًا يصعبُ على المُسلمين اقتحامه، فلا يُعقلُ والحالةُ هذه أن ينتصر المُسلمون، ولا بُدَّ من وُجود سر في الأمر أدَّى إلى هذه النكبة. واتَّهمهُ بالتقصير والخيانة والتخلّي للمُسلمين عن مصر،[14] ونفاهُ بعد أن شهَّر به،[15] ورفض عرض الصُلح مع المُسلمين. علِم المُسلمون بِرفض هرقل لِعهد الصُلح في شهر ذي الحجَّة 19هـ المُوافق فيه شهر كانون الأوَّل (ديسمبر) سنة 640م، فانتهت بذلك الهدنة واستأنف الطرفان القتال. كان المُدافعون عن الحصن قد قلَّ عددهم بسبب فرار كثيرٍ منهم إلى الإسكندريَّة، ولم تأتهم نجدة من الخارج، وبدأ المرض ينتشر بينهم، وانتهى فيضان النيل وغاض الماء عن الخندق حول الحصن، فأضحى بِمقدور المُسلمين الآن أن يُهاجموه. وتُشيدُ بعض المصادر التاريخيَّة بِجُهود الروم التي بُذلت للدفاع عن الحصن ومُقاومة الفتح الإسلامي. فقد ألقوا حسك الحديد في الخندق بدل الماء، وتراشقوا مع المُسلمين بالمجانيق والسهام.[11] وجاءهم وهُم على هذه الحال نبأ وفاة الإمبراطور هرقل في شهر ربيع الأوَّل سنة 20هـ المُوافق فيه شهر شُباط (فبراير) 641م،[16] ففتَّ ذلك في عضُدهم، واضطربوا لِموته، وتراجعت قُدرتهم القتاليَّة، ممَّا أعطى الفُرصة للمُسلمين لِتشديد الحصار قبل أن يقتحموا الحصن في 21 ربيع الآخر 20هـ المُوافق فيه 9 نيسان (أبريل) 641م. وقد اعتلى الزُبير بن العوَّام مع نفرٍ من المُسلمين، السُّور، وكبَّروا، فظنَّ أهلُ الحصن أنَّ المُسلمين اقتحموه، فهربوا تاركين مواقعهم، فنزل الزُبير وفتح باب الحصن لِأفراد الجيش الإسلامي فدخلوه. وفي رواية أنَّ الزُبير ارتقى السُّور، فشعرت حامية الحصن بِذلك، ففتحوا الباب لِعمرو وخرجوا إليه مُصالحين، فقبل منهم. ونزل الزُبير عليهم وخرج على عمرو من الباب معهم. واتفق أهلُ الحصن مع عمرو على رد ما أُخِذَ منهم عنوة والإبقاء على السبايا وأجروا من دخل في صلحهم من الروم والنوب مجرى أهل مصر، ويقول ابن الأثير أن الخليفة عُمر عاد ورد سبايا من لم يُقاتلهم. وكان صُلحُهم:[17]

«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملَّتهم وأموالهم وكنائسهم وصُلبهم وبرِّهم وبحرهم، لا يزيد شيء في ذلك ولا ينقص ولا يُساكنهم النُّوب وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصُلح وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف وعليه ممن جنى نُصرتهم، فإن أبى أحد منهم أن يُجيب رفع عنهم من الجزى بقدرهم وذمتنا ممن أبى برية وإن نقص نهرهم من غايته إذا انتهى رُفع عنهم بقدر ذلك ومن دخل في صُلحهم من الروم والنًّوب فله ما لهم وعليه ما عليهم ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه ويخرج من سُلطاننا وعليهم ما عليهم أثلاثًا في كُلِّ ثُلثٍ جباية ثُلُث ما عليهم على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله وذمة الخليفة أميرُ المؤمنين وذمم المُؤمنين وعلى النُّوبة الذين استجابوا أن يُعينوا بكذا وكذا رأسًا وكذا وكذا فرسًا على أن لا يغزوا ولا يُمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة. شهد الزُبير وعبدُ الله ومُحمَّد، إبناه، وكتب وردان وحضر»

دخول حصن بابليون

ساعد بعضُ المصريين عمرو بن العاص في أثناء حصاره للحصن، فقد تقدَّم إليه فريقان - على التوالي - أحدهُما بِقيادة شخص يُدعى مينا (ميناس)، والآخر بِقيادة قُزما (قُزماس) بن صموئيل، وقد قدموا على عمرو من الشاطئ الغربي للنيل، وكان هدفهم الكيد للروم، وهُم من أهالي إقليم الفيُّوم.[18] وكانت المُعاونات التي يُقدِّمُها المصريّون للمُسلمون تدعمُ جُهودهم، وتُضعفُ من مُقاومة الروم، وتُحرج موقفهم، وتُقلل من هيبتهم. واتخذت المُساعدات التي قدَّمها المصريّون للجيش الإسلامي أثناء حِصار الحصن صُورًا عديدة، منها رفض أهل سمنود قتال المُسلمين عندما طلب منهم القائد ثُيودور ذلك كي يصرف انتباه عمرو عن الحصن بعض الشيء، كما قيل بأنَّ المصريّون من أعضاء الحامية الذين فتحوا أبواب الحصن لِعمرو رؤا في ذلك خير انتقامٍ لهم من الروم الذين لم يُراعوا حُرمة عيد الفُصح، فأخرجوا في هذا اليوم المصريين الذين كانوا في سجن الحصن - لِرفضهم اتباع مذهب الإمبراطور الديني - وأساؤا مُعاملتهم، فانهالوا عليهم ضربًا بالسياط وقطَّعوا أيديهم.[19]

مصادر

  1. ^ الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير؛ تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم (1387هـ - 1967م). تاريخ الرُسل والمُلوك، الجُزء الرابع (ط. الثانية). القاهرة - مصر: دار المعارف. ص. 102. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  2. ^ شبارو، عصام مُحمَّد (1995م). الدولة العربيَّة الإسلاميَّة الأولى (ط. الثالثة). بيروت - لُبنان: دار النهضة العربيَّة. ص. 319. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  3. ^ أ ب ت طقّوش، مُحمَّد سُهيل (1424هـ - 2002م). تاريخ الخُلفاء الرَّاشدين: الفُتوحات والإنجازات السياسيَّة (ط. الأولى). بيروت - لُبنان: دار النفائس. ص. 303 - 304. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  4. ^ عامر، فاطمة مُصطفى (2000). تاريخ أهل الذمَّة في مصر الإسلاميَّة (من الفتح العربي إلى نهاية العصر الفاطمي)، الجُزء الأوَّل. القاهرة - مصر: الهيئة المصريَّة العامَّة للكِتاب. ص. 79 - 80. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  5. ^ شبارو، عصام مُحمَّد (1995م). الدولة العربيَّة الإسلاميَّة الأولى (ط. الثالثة). بيروت - لُبنان: دار النهضة العربيَّة. ص. 320. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  6. ^ المتحف القبطي، حصن بابليون نسخة محفوظة 6 فبراير 2009 على موقع واي باك مشين.
  7. ^ الشيَّال، جمالُ الدين (2000). تاريخ مصر الإسلاميَّة، الجُزء الأوَّل. القاهرة - مصر: دار المعارف. ص. 32. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  8. ^ مُصطفى، إبراهيم؛ الزيَّات، أحمد؛ عبدُ القادر، حامد؛ النجَّار، مُحمَّد (1998). المُعجم الوسيط، الجُزء الأوَّل (ط. الثالثة). القاهرة - مصر: مجمع اللُغة العربيَّة بالقاهرة. ص. 94. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  9. ^ مُصطفى، إبراهيم؛ الزيَّات، أحمد؛ عبدُ القادر، حامد؛ النجَّار، مُحمَّد (1998). المُعجم الوسيط، الجُزء الثاني (ط. الثالثة). القاهرة - مصر: مجمع اللُغة العربيَّة بالقاهرة. ص. 602. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  10. ^ ابن عبد الحكم، أبو القاسم عبدُ الرحمٰن بن عبد الله عبدُ الحكم بن أعيُن القُرشيّ المصريّ؛ تحقيق: مُحمَّد الحُجيري (1416هـ - 1996م). فُتُوح مصر وأخبارها (ط. الأولى). بيروت - لُبنان: دار الفكر. ص. 55 - 56. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  11. ^ أ ب ابن بطريق، أفتيشيوس المُكَّنى بسِعيد (1905). التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق. بيروت - ولاية بيروت، الدولة العُثمانيَّة: مطبعة الآباء اليسوعيين. ص. 22. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  12. ^ البلاذريّ، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود (1988م). فُتوح البُلدان، الجزء الأوَّل. بيروت - لُبنان: دار ومكتبة الهلال. ص. 220. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  13. ^ بتلر، ألفرد؛ ترجمة وتحقيق: مُحمَّد فريد أبو حديد بك (1990). فتح العرب لِمصر (ط. الأولى). القاهرة - مصر: مكتبة مدبولي. ص. 290. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  14. ^ بتلر، ألفرد؛ ترجمة وتحقيق: مُحمَّد فريد أبو حديد بك (1990). فتح العرب لِمصر (ط. الأولى). القاهرة - مصر: مكتبة مدبولي. ص. 292. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  15. ^ Ostrogorsky, George Alexandrovič (1969). History of the Byzantine state. translated from the German by Joan Hussey ; with a foreword by Peter Charanis. New Brunswick, NJ: Rutgers University. ص. 101.
  16. ^ العريني، السيِّد الباز (1989). تاريخ أوروپَّا - العُصور الوُسطى (ط. الأولى). القاهرة - مصر: دار النهضة العربيَّة. ص. 137. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  17. ^ الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير؛ تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم (1387هـ - 1967م). تاريخ الرُسل والمُلوك، الجُزء الرابع (ط. الثانية). القاهرة - مصر: دار المعارف. ص. 108 - 109. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  18. ^ La Chronique de Jean de Nikioû, Zotenberg, H., 1883. p: 440
  19. ^ La Chronique de Jean de Nikioû, Zotenberg, H., 1883. p: 447