غض البصر

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

غض البصر هو صرف البصر عن المحرمات، فعن جرير بن عبد الله أنه قال: "سألتُ رسول الله عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري".[1]

غض البصر لغة[عدل]

غض البصر في اللغة يعني منعه من الاسترسال في التأمل والنظر.

قالَ ابنُ فارسٍ:[2]

"الغين والضاد يدلّان على كفٍّ ونَقْص، (مثل) غضُّ البصر، وكلُّ شيءٍ كففتَه فقد غَضَضْته".

وقالَ ابنُ منظورٍ:[3]

"وغَضَّ طَرْفَه وبَصره أي: كفَّه وخَفَضَه وكسره. وقيل: هو إِذا دانى بين جفونه ونظر".

غض البصر شرعًا[عدل]

غض البصر في الشرع له معانٍ واستعمالات متعددة، ومنها:

1- غض البصر عن عورات الناس، ومن ذلك غض البصر عن النظر للمرأة وزينتها، قالَ ابنُ تيمية:[4]

"والله سبحانه قد أمر في كتابه بغض البصر وهو نوعان: 1- غض البصر عن العورة، 2- وغضه عن محل الشهوة. فالأول كغض الرجل بصره عن عورة غيره. وأما النوع الثاني من النظر، كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية، فهذا أشد من الأول، كما أن الخمر أشد من الميتة والدم ولحم الخنزير، وعلى صاحبها الحد؛ لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تُشتَهَى الخمر".

2- غض البصر عن بيوت الناس وما أغلقت عليه أبوابهم، قالَ ابنُ تيمية:[5]

"وكما يتناول غض البصر عن عورة الغير وما أشبهها من النظر إلى المحرمات، فإنه يتناول الغض عن بيوت الناس، فبيت الرجل يستر بدنه كما تستره ثيابه، وقد ذكر سبحانه غض البصر وحفظ الفرج بعد آية الاستئذان، وذلك أن البيوت سُتْرَة، كالثياب التي على البدن".

وقالَ ابنُ قيِّمٍ الجوزيَّة:[6]

"ومن النظر الحرام: النظر إلى العورات، وهي قسمان: عورة وراء الثياب، وعورة وراء الأبواب".

3- غض البصر عما في أيدي الناس من الأموال والنساء والأولاد والمتاع ونحوها، قال الله تعالى: (لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحِجْر:88].

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره:[7]

" أي: لا تعجب إعجابًا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتع بها المترفون، واغترَّ بها الجاهلون، واستغنِ بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم".

وقال أيضًا:[8]

"أي: لا تمد عينيك معجبًا، ولا تكرر النظر مستحسنًا إلى أحوال الدنيا والمُمَتَّعين بها من المآكل والمشارب اللذيذة والملابس الفاخرة والبيوت المزخرفة والنساء المجملة فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابًا بأبصار المعرضين، ويتمتع بها -بقطع النظر عن الآخرة- القوم الظالمون، ثم تذهب سريعًا وتمضي جميعًا وتقتل محبيها وعشاقها فيندمون حيث لا تنفع الندامة ويعلمون ما هم عليه إذا قدموا في القيامة وإنما جعلها الله فتنةً واختبارًا ليعلم من يقف عندها ويغتر بها ومن هو أحسن عملًا".

الوسائل المعينة على غض البصر[عدل]

1- استحضار اطلاع الله عليك ومراقبة الله لك، فإنه يراك وهو محيط بك، فقد تكون نظرة خائنةً جارك لا يعلمها، لكنَّ الله يعلمها. قال الله تعالى: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) [غافر:19].

2- الاستعانة بالله والانطراح بين يديه ودعائه، قال الله تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) [غافر:60].

3- أن تعلم أن كل نعمة عندك هي من الله تعالى، وهي تحتاج منك إلى شكر، فنعمة البصر من شكرها حفظها عما حرم الله، قال الله تعالى: (وما بكم من نعمة فمن الله) [النحل:53].

4- مجاهدة النفس وتعويدها على غض البصر والصبر على ذلك والبعد عن اليأس، قال الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) [العنكبوت:69].

وقال رسول الله: (ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله) رواه البخاري (1400).

5- اجتناب الأماكن التي يخشى الإنسان فيها من فتنة النظر إذا كان له عنها مندوحة، ومن ذلك الذهاب إلى الأسواق والجلوس في الطرقات، قال رسول الله: (إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: مالنا بدٌّ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى) رواه البخاري (2333) ومسلم (2121).

6- الإكثار من نوافل العبادات، فإن الإكثار منها مع المحافظة على القيام بالفرائض، سببٌ في حفظ جوارح العبد، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري (6137).

7- تذكر شهادة الأرض التي تمارس عليها المعصية، قال الله تعالى: (يومئذ تحدث أخبارها) [الزلزلة:4].

8- تذكر الملائكة الذين يحصون عليك أعمالك، قال الله تعالى: (وإن عليكم لحافظين* كراماً كاتبين* يعلمون ما تفعلون) [الانفطار:10-12].

فوائد غض البصر[عدل]

قالَ ابنُ قيِّمٍ الجوزيَّة عن فوائد غض البصر:[9]

وفي غض البصر عدة منافع:

الأول: أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى، وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره.

الثاني: أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه.

الثالث: أنه يورث القلب أنسًا بالله، وجمعية على الله، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر، فانه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه.

الرابع: أنه يقوي القلب ويفرحه، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه.

الخامس: أنه يكسبُ القلبَ نورًا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة، ولهذا ذكر الله سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر، فقال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) [النور:30]، ثم قال إثر ذلك: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) [النور:35]، أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه، وإذا استنارَ القلبُ أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان.

السادس: أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل والصادق والكاذب، والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، فإذا غض بصره عن محارم الله عوضه الله بأن يطلق نور بصيرته، عوضًا عن حبسه بصره لله، ويفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة التي إنما تنال ببصيرة القلب، وضد هذا ما وصف الله به اللوطية من العُمْهِ الذي هو ضد البصيرة فقال الله تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر:72].

السابع: أنه يورث القلب ثباتًا وشجاعة وقوة، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة، كما في الأثر: "الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله". ومثل هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها ما جعله الله سبحانه فيمن عصاه، كما قال الحسن: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، فإن المعصية لا تفارق رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه".

الثامن: أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب، فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي، فيمثل له صورة المنظور إليه ويزينها ويجعلها صنمًا يعكف عليه القلب ثم يَعِدُهُ ويُمَنِّيه ويوقد على القلب نار الشهوة ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة فيصير القلب في اللهب، فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي يجد فيها وهج النار، وتلك الزفرات والحرقات، فإن القلب قد أحاطت به النيران بكل جانب، فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور، لهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أن جُعل لهم في البرزخ تنورٌ من نار.

التاسع: أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول عليه بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه، قال الله تعالى: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [الكهف:28].

العاشر: أن بين العين والقلب منفذًا أو طريقًا يوجب اشتغال أحدهما عن الآخر، وأن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده، فإذا فسد القلب فسد النظر، وإذا فسد النظر فسد القلب، وكذلك في جانب الصلاح".

انظر أيضًا[عدل]

المراجع[عدل]

  1. ^ صحيح مسلم (2159).
  2. ^ "معجم مقاييس اللغة" (4/307).
  3. ^ "لسان العرب" (7/196).
  4. ^ "مجموع الفتاوى" (15/414).
  5. ^ "مجموع الفتاوى" (15/379).
  6. ^ "مدارج السالكين" (1/117).
  7. ^ "تفسير السعدي" (434).
  8. ^ "تفسير السعدي" (516).
  9. ^ "الداء والدواء" (125).