انتقل إلى المحتوى

الحملة العثمانية على الأحساء 1871

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
الحملة العثمانية على الأحساء
خط سير الحملة العثمانية باللون الأحمر
معلومات عامة
التاريخ 1871
الموقع منطقة الأحساء اقليم البحرين الجزيرة العربية
النتيجة انتصار الدولة العثمانية
المتحاربون
 الدولة العثمانية
الكويت إمارة الكويت
المنتفق
السعودية الدولة السعودية الثانية
القادة
مدحت باشا
الكويت عبدالله الصباح
الكويت مبارك الصباح
ناصر السعدون
السعودية عبدالله آل سعود
السعودية سعود آل سعود
القوة
الدولة العثمانية 5000 جندي[1]
الدولة العثمانية فرقة فرسان[2]
الدولة العثمانية 9 سفن حربية
1000 من المنتفق[2]
الكويت 1000 من الكويت
الكويت 80 سفينة شراعية
غير معروف


الحملة العثمانية على الأحساء هي حملة عسكرية شنها العثمانيون بقيادة والي بغداد مدحت باشا سنة 1871 على شرق الجزيرة العربية بهدف الاستيلاء على مدينتي الاحساء والقطيف التابعتين لإمارة نجد والتي كانت تعاني من حرب أهلية دائرة بين أبناء الإمام فيصل. فقد أدركت السلطات العثمانية بعد انسحاب القوات المصرية من الجزيرة العربية سنة 1840-1843م أهمية تلك الأراضي الاستراتيجية، فراودهم الأمل بالعودة لاحتلالها من جديد. لكن ولاة العراق لم يحاولوا تغيير الأوضاع المحلية داخل الجزيرة العربية، حتى أتى مدحت باشا الذي وجد في الصراع بين الأخوين عبد الله وسعود أبناء الإمام فيصل بن تركي آل سعود على الحكم فرصة سانحة لاحتلال الأحساء ونجد، وجعل الأحساء قاعدة للتوسع وفرض الهيمنة على مياه الخليج في مقارعة للنشاط الإنجليزي هناك. انطلقت الحملة بعد طلب عبد الله بن فيصل المساعدة في استعادة السيطرة على نجد من أخيه سعود، وضمت معها حاكم الكويت الشيخ عبدالله الصباح وشقيقه الشيخ مبارك الصباح وشيخ المنتفق ناصر باشا السعدون وانتهت بسقوط الاحساء وتأسيس لواء نجد.[3]

خريطة قدبمة لسواحل الخليج العربي

البداية

[عدل]

النزاع بين الأخوين عبد الله وسعود

[عدل]

بعد وفاة الإمام فيصل بن تركي آل سعود تولى ابنه الأكبر عبد الله الحكم من بعده، إلا أن ذلك لم يكن ليرضي أخاه سعود الذي كان وقتها حاكمًا إقليميًا على جنوب الرياض وعاصمتها الخرج، فخرج على أخيه، فظهر جليًا أن البادية مع سعود، بينما الحاضرة والمدن التي تتبع الدولة السعودية وقفت مع عبد الله.[4] فاندلعت بينهما الحروب، حتى تمكن سعود من السيطرة على الأحساء والقطيف، فأنتزعها سنة 1287هـ/1870م، ثم ضيق على أخيه الخناق حتى استولى على الرياض وأخرجه من نجد، مما اضطر عبد الله إلى طلب المساعدة من الأمير بندر ابن رشيد في حائل الذي اعتذر، ثم طلب المساعدة من قبائل سبيع ومطير، ولكن جهوده لم تثمر بشيء. وعندما ضاقت به السبل لجأ إلى عبد الله الصباح شيخ الكويت كي يتوسط له عندالسلطات العثمانية في بغداد، فأمر مبعوثه إلى العراق «عبد العزيز بن عبد الله أبابطين» أن يمر في طريقه بالكويت كي يطلب المساعدة من شيخها الذي تربطه بسلمان بك متصرف البصرة روابط قوية. فزوده الشيخ بكتاب إلى المتصرف لمساعدته. فتابع الرسول سيره إلى البصرة حيث زوده المتصرف بوصية منه إلى مدحت باشا والي بغداد، وعندما قابل الوالي شرح له مهمته وسأله المساعدة لمواجهة تمرد سعود وانقاذ الإمارة مقابل التبعية للدولة العثمانية ودفع الخراج السنوي.[5] وقد كانت نتائج ذلك الصراع هو فتح الباب للتدخل الخارجي المتمثل بالدولة العثمانية والإنجليز وإمارة جبل شمر[6]

رد فعل العثمانيين

[عدل]

بعد أن أرسل حاكم نجد عبد الله آل سعود إلى والي بغداد يستنجد به، أرسل العثمانيون إلى قائمقام الكويت الشيخ عبد الله الصباح الذي دخل في حماية العثمانيين حديثًا أن يزودها بمعلومات عن طبيعة هذا الصراع، فأرسل إليهم بأن عبد الله اتجه إلى مسقط مع جيش قوي، ولكنه لم يتجاسر على التقدم أكثر، فاضطر إلى التراجع نحو الأحساء. أما أخوه سعود وحليفه عزان فقد حصلا على دعم الإنجليز وشرعا في مواجهته. فاستجاب مدحت باشا لطلب الأمير عبد الله لإبعاد نجد عن تطلعات الإنجليز وتحجيم نفوذهم في الخليج، وأرسل الباشا عدد من ضباطه متنكرين بصفة تجار على متن سفينة إسمها عسير إلى سواحل الأحساء والبحرين للإطلاع على الأوضاع عن قرب، فوصلت السفينة إلى القطيف أولا في أكتوبر 1870م، والتقى الضباط في القطيف والبحرين وقطر ومسقط بعدد كبير من شيوخ القبائل، وتمكنوا من خلالها رصد تحرك قوات سعود ومعرفة حجم تلك القوات، والتعرف على طبيعة المنطقة ومعرفة المكان المناسب لنزول جنود الحملة العثمانية. وبعدها عاد الضباط إلى بغداد أواسط ديسمبر 1870 حيث عرضوا تقريرٌا مفصلا على والي بغداد، وذكروا أيضا أن بريطانيا تبث سمومها في المنطقة، فتشعل العداوة بين جميع زعماء المنطقة.[7][8] ولكي يسبغ الصفة القانونية على طلب الأمير عبد الله النجدة أرسل الباشا إلى الباب العالي يشتكي أنه لا توجد تعليمات لاتخاذ تدابير في مواجهة تحركات الإنجليز وكبح جماح سعود، وأنه لا يمكن نشر الأمن في نجد والأحساء إلا بإرسال عساكر إلى المنطقة، ودعم فرضيته بالتقرير التجسسي من السفينة عسير. فاستصدر إعلانًا من الباب العالي بتبعية نجد للدولة العثمانية واعتبار الأمير عبد الله قائمقام عليها.[9][10]

الدور البريطاني

[عدل]

أثبت الإنجليز أنهم كانوا يشجعون سعود بن فيصل على التمرد ضد أخيه أو على الأقل لم يقفوا عائقا أمام تحقيق أهدافه، ولقد أفاد أحد أتباع سعود إلى القنصل البريطاني في بغداد بأن سعود كان يكرر دائما قوله:« بأن سعود لن ينسى العطف الذي لقيه من قبل المسؤولين البريطانيين أثناء أقامته في البحرين».[11] واتهم عبد الله في رسالة منه إلى الخديوي إسماعيل بأن المقيم السياسي البريطاني في الخليج لويس بيلي يمد أخيه سعود بالذخيرة والنقود بواسطة أهل البحرين.[12] وقد قدم مدحت باشا والي بغداد تقريرًا إلى الباب العالي ذكر فيه:«أن سعود وعزان قد حصلا على دعم الإنجليز وشرعا في مواجهة عبد الله، لهذا الغرض أرسلت بريطانيا إلى سواحل الأحساء ست قطع بحرية».[13] وكان مدحت باشا على قناعة بأن سعود مدعوم ماديًا وفعليا من الإنجليز، وفي حال استيلائه على منطقة نجد، فإن سواحل الخليج الغربية حتى شط العرب سوف تنزع من أيدي العثمانيين، وبالتالي فإن استيلاء الإنجليز على المنطقة الواقعة مابين مسقط إلى البصرة يجعل من خليج البصرة وحتى مستقبل العراق رهينة بيدهم.[14]

وفي أبريل 1871م كتب سعود -حاكم الرياض- إلى بيلي يشكو إليه من أن الكويت انضمت إلى الحملة وأنها تقوم بعمليات عسكرية ضده، وهذا يتناقض مع السلم البريطاني، فطالبه بالتدخل لمنع الكويت من فعل ذلك. فإن ترك القنصل البريطاني الكويت تفعل ما تشاء في مياه الخليج ضد سعود، فعلى الإنجليز ألا يعترضوا على عمليات سعود ومن معه ضد الكويت. فأرسل بيلي إلى حكومة الهند مقترحًا بمنع الكويت من إرسال سفنها مع الحملة العثمانية، أما في حال السماح لها بذلك فقد اقترح أن يسمح لسعود القيام بعمليات بحرية عسكرية من جانبه. وهذا ما وافقت عليه حكومة الهند لأن الدولة العثمانية وشيخ الكويت وسعود غير متعاهدين مع بريطانيا، وليس من حق بريطانيا أن تعاملهم بمثل ما تعامل به البحرين التي أرغمتها على عدم الاشتراك في هذه الحرب. وفي الوقت نفسه تجاهلت السلطات البريطانية عرض سعود بن فيصل بوضع ساحل البحرين تحت حمايتها، وذلك لمنع الاشتباك المباشر مع العثمانيين.[15]

ما قبل الحملة العسكرية

[عدل]

سرية الحملة

[عدل]
مدحت باشا. والي بغداد 1868-1872

لكي ينجح مدحت باشا في حملته، أحاط اتصالاته بالأمير عبد الله بسياج من السرية، ومنع موظفيه من زيارة القنصلية البريطانية في بغداد خشية إفشاء الأسرار، وقد تمكن من منع وصول أخبار الحملة. إلا أن أخبار تلك الاتصالات سرعان ماوصلت إلى الإنجليز عن طريق خديوي مصر «الخديوي إسماعيل» الذي أخبر ستانتون القنصل العام البريطاني في ديسمبر 1870 بأن حملة تعد للإرسال إلى الخليج العربي لإقامة حكم تركي مباشر على بعض المناطق الواقعة على الساحل العربي للخليج، فطار القنصل بالخبر إلى لندن وإلى السفير البربطاني في الأستانة.[16] فبعث «جرانفيل» وزير خارجية بريطانيا إلى سفيره في الأستانة السير «هنري إليوت» والقنصل البريطاني في بغداد «هربرت» مستفسرُا عن ذلك. فأكد كلاهما في يناير 1871م أن لا أساس لصحة تلك المعلومات، حتى أن هربرت أعلم حكومته أنه لم يشاهد أي استعدادات في بغداد، ولكن هناك شائعات تدور حول إرسال أربعة سفن عثمانية إلى الخليج في وقت قريب.[17] فبعث إليوت برسالة إلى وزير خارجيته في 22 فبراير 1871م يخبره فيها أنه بناءً على الرسالة التي تلقاها من هربرت في بغداد، فقد قام بنفسه بسؤال الصدر الأعظم عالي باشا الذي أكد له بأن ليست هناك نية لاحتلال أي مركز في الخليج أو القيام بحملة عسكرية. ومع ذلك ظلت بريطانيا تساورها الشكوك، ثم تبين لسفيرها في الأستانة بعد مقابلته للصدر الأعظم أواخر مارس 1871م صحة تلك الشكوك، فقد أكد عالي باشا أن عبد الله قائمقام نجد، ولا يمكن للباب العالي أن ينظر دون اكتراث للعدوان الذي يواجهه. فأبرق إليوت في بداية أبريل إلى الخارجية البريطانية وإلى هربرت يخبرهم بموافقة الباب العالي على طلب المساعدة التي تقدم بها عبد الله آل سعود، إلا أن إليوت أكد في نفس الوقت أنه حصل من الصدر الأعظم على تأكيدات جديدة بأن العثمانيين لا ينوون القيام بعمليات بحرية في الخليج، ولكن نظرًا لصعوبة إرسال الحملة عبر الصحراء، لذا فإنها ستنقل قواتها بحرًا إلى وجهتها.[18]

اضفاء الشرعية

[عدل]

أضفى مدحت باشا صفة رسمية وشرعية على حملته، وذلك بادعائه إنقاذ عامل من عمال الدولة العثمانية تعرض إلى خطر، أما الهدف الحقيقي من الحملة فهو ضم الأحساء ونجد إلى ممتلكات الدولة العثمانية.[19] في حين كانت بريطانيا تراقب التحركات بعد أن عقدت سنة 1861م اتفاقية حماية مع إمارات الساحل المهادن ومسقط والبحرين، فمكنها من الهيمنة على مياه الخليج بحجة منع القرصنة وتجارة الرقيق، لكنها رأت أن القوة العثمانية في هذه المنطقة ستنازعها في هيمنتها، لذا اتخذت كل ما من شأنه تحييد الحملة على الأحساء ومنع خروجها، إلا أن الوقت قد فات. فبناءًا على المعلومات التي أرسلها هربرت إلى الحكومة البريطانية في الهند بتاريخ 17 أبريل 1871م أن تجهيز الحملة قد اكتمل وأن العد التنازلي لانطلاقها قد بدأ. فاقتنع الإنجليز بأن الحملة سوف تشمل السواحل ومنطقة نجد، لذلك فإن جهودهم ستنصب في مراقبة الحملة العثمانية لمنع امتدادها إلى البحرين أو مناطق نفوذهم. فما دام العثمانيون لم يتعرضوا لتلك السيادة أو تلك البلدان، فإن موقف الإنجليز في الخليج هو موقف المراقب.[20][21]

تجهيز الحملة

[عدل]

بدأ مدحت باشا التحضيرات بنفسه، فقام بجلب عساكر من حلب والدير إلى بغداد، فتمكن من جمع ثلاثة طوابير من الطلائع (3000) وطابورين من المشاة (2000 جندي) ومئة من الفرسان وعدد من الضبطية، وقيل أن الحملة تكونت من 3000 جندي نظامي وألفين من الفرسان العرب وتسعة مدافع ميدان،[22] وقيل احتوت القوة البرية على فرقة من الفرسان، وخمسة طوابير من المشاة معززة بعدد من رجال المدفعية، كما خرج مع الحملة عدد كبير من رجال العشائر العراقية فيهم نحو ألف من المنتفق بقيادة ناصر باشا السعدون.[2] ومقدر لتلك العساكر أن تنتشر في المناطق الخالية التي تبعد 5-6 ساعات عن القطيف، وبما أن نقلهم يكون عن طريق القوارب والدواب، فقد أرسلت الحكومة مع العساكر 300 من بغالها.[23] في الوقت نفسه كانت الباخرتان العثمانيتان «لبنان» و«الإسكندرية» تسرعان عبر قناة السويس وباب المندب إلى الخليج للمشاركة في نقل الحملة إلى رأس تنورة.[24] أما أبرز السفن العثمانية في القوة البحرية فكانت «بورصة» وهي مسلحة ب 23 مدفعًا، والسفينة «نينوى» وعلى ظهرها أربعة مدافع كبيرة، وباخرة خشبية قديمة استخدمت للحراسة «خوجة بك» عليها 18 مدفعًا،[25] بالإضافة إلى 3 سفن وهي آثور وآلوس «كانت قد تعطلت ثم أصلحت لاحقا في البصرة» وهوجدبت نوروتي،[26][27] فتسليحها كان 4-6-12 مدفعًا.[28] كما انضم إلى الحملة إسطول الكويت المؤلف من سفن شراعية لنقل المؤنة واللوازم الحربية -ذكر لوريمر ان عددها 300 سفينة أهلية[29] في حين ذكر خزعل أنها 80 سفينة[30]- ولكنها كانت على جانب كبير من الأهمية للحملة لخبرة الكويتيين بمياه الخليج.[31] ثم أتت الأوامر من الباب العالي بأن يتحرك نافذ باشا بجنده من بغداد ويتجمع في الفاو، وبعد شحن المؤونة والذخيرة الموجودة في البصرة يتوجهون بواسطة السفن إلى سواحل القطيف.[1]

الحملة

[عدل]

بدء الحملة

[عدل]

في يوم 2 صفر 1288هـ/20 أبريل 1871م تحركت الحملة من بغداد بواسطة السفن النهرية «الموصل» و«ديالى» والإشلبات.[32] ثم توقفت الحملة في مدينة العمارة، فجرى تعزيزها بألف مقاتل من المنتفق، وبعدها تحركت في 23 أبريل إلى البصرة حيث أفرغت البواخر النهرية حمولتها. ولم يمض إسبوع حتى اكتمل تجمع قوات الحملة،[25] فتحركت برًا إلى الفاو، حيث قامت السفن البحرية بتحميلهم ونقلهم في 6 مايو،[33] فحملت باخرة حربية عثمانية عددًا يتراوح من 400-500 جندي على ظهرها في طريقها نحو الكويت، فتبعتها باقي السفن تحمل عددًا أكبر من المشاة. ثم التقت القوات البحرية مع البرية من المدفعية والخيالة في الكويت يوم 8 مايو 1871م، فعند وصولها خرج إليها شيخ الكويت وكافة الأهالي والعشائر واستقبلوا العساكر على ساحل البحر، وذبحوا الأغنام فرحًا لقدومها، وخيمت الحملة في الجهة الشرقية من مدينة الكويت، وبقيت فيها يومًا واحدًا تحمل الفرسان المتطوعين من عرب الكويت، وقاد حاكمها الشيخ عبد الله إسطوله لمساعدة الحملة لنقل المعدات والذخائر، في حين تولى أخوه الشيخ مبارك الصباح قيادة القوة البرية.[25][22][34] فتولى قيادة البحرية نافذ باشا يرافقه محمد سعيد أفندي ابن نقيب أشراف البصرة ومعهم شيخ الكويت يقود سفنه.[30] ووصل الإسطول البحري إلى رأس تنورة يوم 23 صفر 1288هـ/13 مايو 1871م فأنزل قواته والتقى مع القوة البرية ثم توجهت الحملة نحو القطيف.[28]

احتلال القطيف

[عدل]

تحركت الحملة صوب القطيف في محل يسمى الخنزية، فوصلتها يوم 7 ربيع الأول/26 مايو فلم يجدوا أمامهم مقاومة تذكر، فاستسلمت القطيف ودخلوها سلمًا عدا قلعتها التي تحصن بها «عبد العزيز السديري» عامل سعود الذي رفض الاستسلام وانه مصر بالدفاع عن القلعة، وإمعانًا في الدفاع عن المدينة هدم كل المباني المحيطة بالقلعة كي يعيق تقدم القوات العثمانية. فأرسل إليه الباشا نقيب زاده سيد محمد سعيد أفندي مبعوثًا عنه مرتين في محاولة لإيجاد سبيل للتفاهم ولكن لا نتيجة. وبعدها أرسل مجموعة من الضباط بلباس مختلف حتى يتمكنوا من جمع المعلومات، وبعد التقصي اتضح أن قوات السديري غير كافية إلا أنه شديد الوفاء لسعود، وبالتالي لا يمكن تسليم القرية بدون قتال. فحاصر نافذ باشا القطيف بواسطة بالقوات البرية من الجهات الثلاث وبدأ بقصفها بالمدفعية. وساعده بالقصف من جهة البحر الباخرة آلوس عبد الله الصباح الذي وصل قبل يوم واحد إلى رأس تنورة.[35] وبعد ثلاث ساعات من القصف المتواصل تمكنت الحملة من دخول المدينة بعد ان فر قائد حاميتها السعودي إلى الدمام، وكان ذلك يوم 3 يونيو 1871م.[36][37] وقيل أنه أسر ونقل إلى يغداد عبر الباخرة «بورصة».[38] أما الجيش العثماني الذي ما إن فرغ من الاستيلاء على المدينة ومخازن العتاد والذخيرة حتى قام قائدها بقراءة إعلان إلى الأهالي من الباب العالي:[39]

  • تعتبر نجد وملحقاتها جزءا من الدولة العثمانية، تمامًا كما هو الحال في العراق واليمن ومصر.
  • أن سبب الحملة هو تمرد «سعود» على أخيه «عبد الله» المعين قائمقام عثماني للبلاد، وأن هدف الحملة هو إعادته للسلطة.
  • سيصدر عفو عام عن سعود واتباعه إذا استسلم واعتذر عما بدر منه من سوء تصرف.
  • إذا رفض سعود الانصياع فستقوم القوات العثمانية بتدميره مع أتباعه، وكل من يقدم إليه المساعدة.[39]

وكان مدحت باشا قد أرسل تلغراف إلى نافذ باشا يوم 2 يونيو مبينًا قلق بغداد من سير العمليات، وأن الولاية غير مرتاحة من بطئ وصول المعلومات. فرد نافذ باشا يوم 4 يونيو موضحًا أن تأخر نقل المعلومات كان للأسباب التالية: أن عبد الله الصباح غادر الكويت ووصل رأس تنورة في اليوم الرابع متأخرًا بسبب سوء الأحوال الجوية، وأن أخيه مبارك الصباح الذي تحرك من البر برفقة فرسان المنتفق وعنزة قد جرى اعتراضه من قبل عشائر مطير، فاضطر للرجوع لزيادة عدد قواته. وهكذا فمن غير المنتظر أن تصل البواخر عبر البحر والفرسان عبر البر في الوقت المحدد.[40]

الزحف نحو الدمام

[عدل]

في يوم 4 يونيو تحركت أربع قطع مدفعية وطابوران مشاة بقيادة ميرلواء حمدي باشا نحو الدمام، وفي طريقهم استولوا على قلعة عنك التي كانت تتحصن بها القوات السعودية، وعندما علم «عبد العزيز بن سعود» باقتراب العسكر من الدمام هرب ليلاً من المكان. وعندما وصل العسكر الدمام ضربوا عليها حصارًا، وأرسلوا إلى طحنونة رجل سعود في قلعة الدمام طالبين منه تسليم القلعة وإطلاق سراح محمد بن فيصل، فأطلق سراحه وسلم القلعة، فسقطت المدينة دون مقاومة يوم 5 يونيو.[41] وبعد الاستيلاء على المدينة وجد العثمانيون فيها أحد عشر مدفعًا وكميات كبيرة من الذخيرة، ووجدوا أن المدينة محصنة بثلاث خطوط دفاعية قوية، ويبدو أن قائد الحامية أدرك أن قدرة القوات العثمانية تفوق قدرته، وأنه لا جدوى من الدفاع بعدما رأى ما حصل في القطيف وآثر الاستسلام. وبعدها وضع العثمانيون حامية تتكون من سريتين من الجنود، وفي 7 يونيو عاد الباقي إلى القطيف مصطحبين معهم محمد بن فيصل الذي سجن في الدمام في أعقاب معركة جودة سنة 1870. وكانت خطة العثمانيين أن يركزوا وجودهم على الساحل حتى يحافظوا على خطوط مواصلاتهم، ومن بعدها ينطلقون إلى الداخل نحو الهفوف والرياض. وكان سعود يرمي إلى استدراج القوات العثمانية إلى داخل البلاد حيث الصحراء، حيث العمل مع اتباعه من العجمان يكون أكثر سهولة من مواجهة في معركة مباشرة مع العثمانيين على الساحل.[42]

الهفوف

[عدل]
«الباعث لتحرير هذا الكتاب، هو أنه قبل هذا أرسلنا لطرفكم مكاتيب مخصوصة، وملفوفة بطيها إعلانات مطبوعة، متضمنة بيان أسباب كيفية مأموريتنا، وخلاصة أفكار صاحب الدولة العلية، وزبدة مافي ضمير حضرة السلطنة السنية إنها مجرد إرجاع أمن البلاد ليستريح الناس ويصرفوا أوقاتهم في مكاسبهم وازدياد ثرواتهم، واستجلاب دعواتهم الخيرية لدوام أيام الدولة، وقد فهمتموه مفصلا، ولأجل ذلك صرفنا النظر في هذه الدفعة عن الاطناب والاسهاب في بيان ذلك، واقتصرنا على إخباركم بمجيئنا هذا اليوم، ووصلنا «القطار»، وغدا إن شاء الله نرحل ونتوجه إلى الأحساء، فمن استقبلنا بالطاعة نقابله بعهد الله وأمانه على نفسه وماله ونبذل دونه الرعاية والحماية، ومن بستقبلنا بالعصيان وعدم الطاعة فسنسحقه بحول الله وقوته بسنابك الخيل ونجعل داره تدعو عليه بالثبور والويل، وبناء على ما بلغنا أنكم اليوم في أسوأ حال من جراء ما لقيتموه من شدائد الظلم والوبال، وتمنيكم سرعة مجيئنا لأجل استخلاصكم من ذلك سارعنا للمجيء، فإذا أحاط علمكم بذلك فتوكلوا على الله واستقبلونا بالمواجهة، ولكم عهد الله وأمانه على الأنفس والأموال وسوف ترون إن شاء الله مايسركم، ويكفيكم شاهدا على هذا ما بلغكم من حسن معاملتنا لأهل القطيف وملحقاتها من أهل القرى والعشائر ليكون معلومكم، ولأجل ذلك بادرنا بتحريره -ثمانية عشر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين ومأتين وألف!»
(إعلان القائد العثماني وجهه إلى أهالي الهفوف)[43]

في بداية يوليو بدأت القوات العثمانية تزحف نحو الهفوف عاصمة الإقليم، وقد استغرق الطريق معهم أكثر من أسبوعين رغم عدم وجود مقاومة عنيفة، إلا أن الشمس المحرقة كانت تعوق تقدمهم، وكذلك الأمراض التي تفشت بين الجنود خاصة الملاريا والكوليرا الذي فتك بحوالي 400 جندي منهم، وكان حوالي 1000 جندي قد أصيب بالمرض من مجموع القوات الزاحفة نحو واحة الأحساء والتي قدرت بحوالي 2500 رجل، ولم يكن الجنود الذين ظلوا في حاميات القطيف والدمام بأحسن حال، إذ تفشى المرض بينهم أبضًا. ومهما يكن من الأمر فقد وصلت طلائع القوات الزاحفة إلى مشارف الهفوف فقام القائد العثماني بتوجيه إعلانًا لأهالي المدينة مشابها لذلك الذي أعلنه في القطيف. وقد ادرك السكان أن لا فائدة من المقاومة، حيث الأحوال كانت سيئة، فأتباع سعود من العجمان قد أساؤوا معاملة سكان المدينة عندما سيطروا على الإقليم، بالإضافة إلى انضمام قسم كبير من سكان الواحة من بني خالد إلى القوات العثمانية بعد أن لاحت لهم بارقة امل بعودة ادارة الإقليم إليهم. لذا دخلت القوات العثمانية الهفوف عاصمة إقليم الأحساء بعد أن هرب «فرحان ابن خير الله» نائب سعود منها، وكان ذلك يوم 19 ربيع الآخر 1288هـ/24 يوليو 1871.[44]

وهكذا بدا أن تقدم الحملة نحو الرياض صار شبه مستحيل، بالمقابل لا يزال القتال حول الرياض محتدمًا بين الأخوين عبد الله وسعود، وكانت النتيجة هزيمة عبد الله الذي لجأ إلى المعسكر العثماني في الهفوف.[45]

انظر أيضا

[عدل]

الهوامش

[عدل]
  1. ^ ا ب قورشون 2005، صفحة 161.
  2. ^ ا ب ج نخلة 1980، صفحة 85.
  3. ^ آل ملا 1991، صفحة 325.
  4. ^ أبو حاكمة 1984، صفحة 249.
  5. ^ الخصوصي 1984، صفحات 108-112.
  6. ^ الركابي 2004، صفحة 108.
  7. ^ قورشون 2005، صفحات 149-151.
  8. ^ الركابي 2004، صفحة 134.
  9. ^ قورشون 2005، صفحات 148-149.
  10. ^ الخصوصي 1988، صفحة 112.
  11. ^ نخلة 1980، صفحة 74.
  12. ^ الخصوصي 1984، صفحة 110.
  13. ^ قورشون 2005، صفحة 148.
  14. ^ قورشون 2005، صفحة 155.
  15. ^ نوار 1968، صفحات 420-421.
  16. ^ نوار 1968، صفحات 416-417.
  17. ^ قورشون 2005، صفحة 158.
  18. ^ نخلة 1980، صفحات 81-82.
  19. ^ الركابي 2004، صفحة 133.
  20. ^ أبو حاكمة 1984، صفحات 250-251.
  21. ^ قورشون 2005، صفحة 160.
  22. ^ ا ب أبو حاكمة 1984، صفحة 251.
  23. ^ قورشون 2005، صفحة 156.
  24. ^ نوار 1968، صفحات 417-418.
  25. ^ ا ب ج الركابي 2004، صفحة 137.
  26. ^ الركابي 2004، صفحة 138.
  27. ^ رؤوف 2016، صفحة 35.
  28. ^ ا ب آل ملا 1991، صفحة 326.
  29. ^ لوريمر 1977، صفحة 1521.
  30. ^ ا ب خزعل 1962، صفحة 137.
  31. ^ نوار 1968، صفحة 420.
  32. ^ الركابي 2004، صفحة 137.:"الأشلبات والأشلب، والشلب هو ضرب من السفن له ماكنة."
  33. ^ رؤوف 2016، صفحة 36.
  34. ^ رؤوف 2016، صفحة 37.
  35. ^ قورشون 2005، صفحة 169.
  36. ^ الركابي 2004، صفحات 138-139.
  37. ^ الخصوصي 1988، صفحة 118.
  38. ^ رؤوف 2016، صفحة 46.
  39. ^ ا ب نخلة 1980، صفحة 86.
  40. ^ قورشون 2005، صفحة 170.
  41. ^ قورشون 2005، صفحة 171.
  42. ^ نخلة 1980، صفحة 87.
  43. ^ تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء القديم والجديد، محمد بن عبد الله آل عبد القادر، ط:الأولى. 1960. مطابع الرياض. ص:171
  44. ^ نخلة 1980، صفحات 87-88.
  45. ^ أبو حاكمة 1984، صفحة 252.

مصادر ومراجع

[عدل]
  • الخصوصي، بدر الدين عباس (1984). دراسات في تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر (ط. الثانية). الكويت: ذات السلاسل. ج. الأول.
  • آل ملا، عبد الرحمن بن عثمان (1991). تاريخ هجر، دراسة شاملة في أحوال الجزء الشرقي من الجزيرة العربية، الأحساء-البحرين.الكويت وقطر (ط. الثانية). الأحساء: مطابع الجواد. ج. الثاني.
  • قورشون، زكريا (2005). العثمانيون وآل سعود في الأرشيف العثماني (1745-1914م) (ط. الأولى). بيروت: الدار العربية للموسوعات.
  • الركابي، كريم طلال (2004). التطورات السياسية الداخلية في نجد 1283-1319هـ/1865-1902م (ط. الأولى). بيروت: الدار العربية للموسوعات.
  • نخلة، محمد عرابي (1980). تاريخ الأحساء السياسي (1818 ـ 1913) (ط. الأولى). الكويت: ذات السلاسل.
  • خزعل، حسين خلف الشيخ (1962). تاريخ الكويت السياسي. بيروت: دار ومكتبة الهلال.
  • أبو حاكمة، د أحمد مصطفى (1984). تاريخ الكويت الحديث 1163-1385هـ/1750-1965م. الكويت: ذات السلاسل.
  • نوار، عبد العزيز سليمان (1968). تاريخ العراق الحديث، من نهاية حكم داود باشا إلى نهاية حكم مدحت باشا. القاهرة: دار الكاتب العربي للطباعة والنشر.
  • لوريمر (1977). كتاب دليل الخليج، القسم التاريخي. ترجمة: قسم الترجمة بمكتب صاحب السمو أمير دولة قطر. الدوحة: مطابع علي بن علي. ج. 4.
  • رؤوف، د عماد عبد السلام (2016). الخليج العربي في تقارير مراسلي جريدة الزوراء. 1288-1316هـ/1870-1898م (PDF) (ط. الأولى). القاهرة: المكتب العربي للمعارف. مؤرشف من الأصل (PDF) في 2024-10-07.
  • مذكرات مدحت باشا، الدار العربية للموسوعات، ص.243