التوراة في الإسلام: الفرق بين النسختين

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
[مراجعة غير مفحوصة][مراجعة غير مفحوصة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
وسمان: تمت إضافة وسم nowiki تحرير مرئي
اسفارة التوراة وبداية انتقالها للمسلمين وراي المسلمين في تحريفها
وسوم: تمت إضافة وسم nowiki تعديلات طويلة تحرير مرئي
سطر 2: سطر 2:
{{يتيمة|تاريخ=ديسمبر 2020}}
{{يتيمة|تاريخ=ديسمبر 2020}}
= التوراة في الإسلام =
= التوراة في الإسلام =
[[ملف:Mikraot Gedolot Jiddisch.jpg|تصغير|275x275بك]]
'''[[التوراة]]''' هي اسم للكتاب الذي أنزله الله تعالى على نبيه [[موسى]] عليه السلام، ويُسمَّى عند أهل الكتاب [[أسفار موسى الخمسة|بأسفار موسى الخمسة]]. وكان إنزال التوراة على موسى عليه السلام بعد إهلاك الله [[فرعون|لفرعون]] وقومِه ونجاة [[بنو إسرائيل|بني إسرائيل]]، فقال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص:43]. وجاء في تفسير [[شمس الدين القرطبي|القرطبي]] لمعنى كلمة التوراة أنها الضياء والنور، لقوله تعالى:( وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ). والإيمان بالتوراة هو أصل من أصولِ الإيمان، ولا يصح إيمان العبد إلا بالإيمان بأن الله أنزل التوراة على موسى عليه السلام.
'''[[التوراة]]''' هي اسم للكتاب الذي أنزله الله تعالى على نبيه [[موسى]] عليه السلام، ويُسمَّى عند أهل الكتاب [[أسفار موسى الخمسة|بأسفار موسى الخمسة]]. وكان إنزال التوراة على موسى عليه السلام بعد إهلاك الله [[فرعون|لفرعون]] وقومِه ونجاة [[بنو إسرائيل|بني إسرائيل]]، فقال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص:43]. وجاء في تفسير [[شمس الدين القرطبي|القرطبي]] لمعنى كلمة التوراة أنها الضياء والنور، لقوله تعالى:( وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ). والإيمان بالتوراة هو أصل من أصولِ الإيمان، ولا يصح إيمان العبد إلا بالإيمان بأن الله أنزل التوراة على موسى عليه السلام.


=== تسرب الثقافة اليهودية إلى المسلمين ===
اليهودية.

تسربت الثقافة اليهودية إلى المسلمين من طُرق أهمها: من دخل في الإسلام من اليهود، وخاصة مسلمة [[اليمن]]، [[كعب الأحبار|ككعب الأحبار]]، ووهب بن منبه وكذلك دخل في الإسلام من اليهود كثيرون، كان منهم بعض الصحابة و<nowiki/>[[تابعون|التابعين]]، ومنهم محدثون وقصاص وقُرَّاء، ومنهم أخباريون. أشهرهم " [[معمر بن المثنى|أبا عبيدة معمر بن المثنى]]".
أهم منبع للثقافة اليهودية التوراة، وقد ذُكرت في القرآن الكريم، ووُصِفت بأنها كتابٌ من كتب الله المنزلة: (أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) *[[سورة المائدة]]:44. وورد فيه أن [[عيسى بن مريم|عيسى عليه السلام]] أتى بعد مصدَّقاً لما في التوراة: (وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) *[[سورة المائدة|المائدة:4]]6. وقد نص القرآن على بعض أحكام وردت في التوراة: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلْأَنفَ بِٱلْأَنفِ وَٱلْأُذُنَ بِٱلْأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ)* المائدة:45.

فأما التوراة بالمعنى الصحيح فخمسة أسفار<ref>{{Cite book|title=ضحى الاسلام|publisher=الدار المصرية اللبنانية|author1=احمد امين|place=ج 1 317}}</ref>:
[[ملف:Bochum Synagoge 2.jpg|مركز|تصغير|488x488بك|كنيس بوخوم الجديد:مخطوطات التوراة في تابوب التوراة]]
السفر الأول: [[سفر التكوين]] أو الخلق، وقد ذُكر فيه خلق العالم، وقصة [[آدم]] و<nowiki/>[[حواء]] وأولادهما، و<nowiki/>[[نوح]] عليه السلام والطوفان وتبلبل الألسن، ثم قصة [[إبراهيم|إبراهيم عليه السلام]] وابنه [[إسحاق]] و<nowiki/>[[يعقوب]] ثم قصة [[يوسف]] عليهم السلام.

والسفر الثاني: يسمّى [[سفر الخروج]]-اي خروج اليهود من [[مصر]]- وفيه قصة [[موسى|موسى عليه السلام]] من ولادته وبعثته، و<nowiki/>[[فرعون]] وخروج بني إسرائيل من [[مصر]]، وصعود [[موسى|موسى عليه السلام]] الجبل، وإيتاء الله له الألواح.

السفر الثالث: [[سفر اللاويين]]-أي الأخبار-وفيه حكم القُربان والطهارة وما يجوز أكله، وغير ذلك من الفرائض والحدود.

والسفر الرابع: [[سفر العدد]]، بعضه في الشرائع، وبعضه في أخبار [[موسى|موسى عليه السلام]] وبني إسرائيل في التيه و<nowiki/>[[سورة البقرة|قصة البقرة]].

والسفر الخامس: [[سفر التثنية]]-أي إعادة الناموس
[[ملف:First page of the first tractate of the Talmud (Daf Beis of Maseches Brachos).jpg|تصغير|157x157بك|الصفحة الاولى من تلمود اليهود]]
وفي العهد القديم غير التوراة، [[سفر يشوع|سفر يوشع]] و<nowiki/>[[سفر القضاة]]، ثم أربعة أسفار الملوك، وأما [[التلمود البابلي|التلمود]] فمجموعة من المناقشات الدينية الأولى، مع شروح  لرجال الدين من الأجيال المتعاقبة، فيه القوانين اليهودية، من عقوبات وقوانين مدنية، ويسجل افكار اليهود في حياتهم وتقاليدهم في نحو ألف عام. وقد جُمع في ثلاثة قرون، بدءاً من القرن الرابع للميلاد حتى نهاية القرن السادس. وحول هذه الكتب الدينية نُسجَ كثيرٌ من الأدب اليهودي والقصص والتاريخ والتشريع.


=== تسرًب الثقافة اليهودية إلى المسلمين ===
تسربت الثقافة اليهودية إلى المسلمين من طُرق أهمها: من دخل في الإسلام من اليهود، وخاصة مسلمة [[اليمن]]، [[كعب الأحبار|ككعب الأحبار]]، و<nowiki/>[[وهب بن منبه]] وكذلك دخل في الإسلام من اليهود كثيرون، كان منهم بعض الصحابة و<nowiki/>[[تابعون|التابعين]]، ومنهم محدثون وقصاص وقُرَّاء، ومنهم أخباريون. أشهرهم " [[معمر بن المثنى|أبا عبيدة معمر بن المثنى]]".


قد تسرَّبت الثقافة اليهودية إلى من جاورهم من العرب، فقد جاء في الحديث عن [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]]:" كان هذا الحيُّ-من الأنصار- وهم أهل وثنٍ مع هذا الحيَّ من اليهود، وهم أهل كتاب، فكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم، وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم"
قد تسرَّبت الثقافة اليهودية إلى من جاورهم من العرب، فقد جاء في الحديث عن [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]]:" كان هذا الحيُّ-من الأنصار- وهم أهل وثنٍ مع هذا الحيَّ من اليهود، وهم أهل كتاب، فكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم، وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم"
سطر 12: سطر 32:


== منزلة التوراة في الإسلام ==
== منزلة التوراة في الإسلام ==
ومما يدل على عِظم منزلتها، أن الله خطها بيده كما ورد في حديث مُحاجَّة آدم موسى، عن [[أبو هريرة|أبى هريرة]] عن النبى أنه قال: احتجَّ [[آدم|آدمُ]] [[موسى|وموسَى]] عليهما السَّلامُ فقالَ لَه موسَى يا آدمُ أنتَ أبونا خيَّبتَنا وأخرجتَنا منَ الجنَّةِ بذنبِك فقالَ لَه آدمُ يا موسَى اصطفاكَ اللَّهُ بِكلامِه وخطَّ لَك التَّوراةَ بيدِه أتلومني علَى أمرٍ قدَّرَه اللَّهُ عليَّ قبلَ أن يخلقني بأربعينَ سنةً فحجَّ آدمُ موسَى فحجَّ آدمُ موسَى فحجَّ آدمُ موسَى ثلاثًا. أخرجه [[محمد بن إسماعيل البخاري|البخاري]] (6614)، [[مسلم بن الحجاج|ومسلم]] (2652)، و[[ابن ماجه]] (80) واللفظ له.
ومما يدل على عِظم منزلتها، أن الله خطها بيده كما ورد في حديث مُحاجَّة آدم موسى، عن [[أبو هريرة|أبى هريرة]] عن النبى أنه قال: احتجَّ [[آدم|آدمُ]] [[موسى|وموسَى]] عليهما السَّلامُ فقالَ لَه موسَى يا آدمُ أنتَ أبونا خيَّبتَنا وأخرجتَنا منَ الجنَّةِ بذنبِك فقالَ لَه آدمُ يا موسَى
[[ملف:Charles Philibert de Lasteyrie - Interior of a synagogue (probably Nancy), ca 1816.jpg|تصغير|151x151بك|صلاة اليهود داخل كنيس يهودي 1816م]]
اصطفاكَ اللَّهُ بِكلامِه وخطَّ لَك التَّوراةَ بيدِه أتلومني علَى أمرٍ قدَّرَه اللَّهُ عليَّ قبلَ أن يخلقني بأربعينَ سنةً فحجَّ آدمُ موسَى فحجَّ آدمُ موسَى فحجَّ آدمُ موسَى ثلاثًا. أخرجه [[محمد بن إسماعيل البخاري|البخاري]] (6614)، [[مسلم بن الحجاج|ومسلم]] (2652)، و[[ابن ماجه]] (80) واللفظ له.


== التوراة في القرآن ==
== التوراة في القرآن ==
سطر 33: سطر 55:


=== الفرق بين القرآن و<nowiki/>[[التوراة]] في تفسير بعض الآيات<ref>{{Cite book|title=ضحى الاسلام|publisher=مؤسسة اقرا للنشر والتوزيع|author1=احمد امين|place=ج1-ص 317}}</ref> ===
=== الفرق بين القرآن و<nowiki/>[[التوراة]] في تفسير بعض الآيات<ref>{{Cite book|title=ضحى الاسلام|publisher=مؤسسة اقرا للنشر والتوزيع|author1=احمد امين|place=ج1-ص 317}}</ref> ===
التوراة والقرآن يتفقان في إيراد بعض المسائل، وخاصة قصص الأنبياء، ولكن القرآن يقتصر على مواضع العِظة، ولا يتعرض لتفصيل جُزئيات المسائل، فهو لا يذكر تاريخ الوقائع ولا أسماء البلدان التي حصلت فيها، ولا أسماء الأشخاص الذين جرت على يدهم بعض الحوادث، إنما يتخير ما يمسُّ جوهر الموضوع وموضع العبرة مثال ذلك  قصة [[آدم]]، في [[سورة البقرة]]: { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجنّة وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (35ـ39). فالقرآن هنا لم يتعرض لمكان الجنة، ولا نوع الشجرة التي نُهي [[آدم]] عليه السلام عن الأكل منها، ولا بيّن الحيوان الذي تقّمّصه الشيطان، ولا تفصيل الحوار بين الله تعالى و<nowiki/>[[آدم]]، ولكن التوراة تعرَّضت لكل ذلك وأكثر منه، فأبانت إن الجنة في [[جنة عَدَن|عَدَن]] شرقاً، وإن الشجرة التي نُهيا عنها كانت في وسط الجنة، وإنها [[شجرة الحياة (الكتاب المقدس)|شجرة الحياة]]، وإن الذي خاطب [[حواء]] هو الحية، وذكرت ما انتقم الله به من الحية التي أغوتهما بأن جعلها تسعى على بطنها وتأكل التراب، وانتقم من حواء بتعبها هي ونسلها في حبلها، فجاء المفسرون  للقرآن ينقلون عن مسلمة اليهود ما جاء في كتبهم ويضعونه شروحاً.
التوراة والقرآن يتفقان في إيراد بعض المسائل، وخاصة قصص الأنبياء، ولكن القرآن يقتصر على مواضع العِظة، ولا يتعرض لتفصيل جُزئيات المسائل، فهو لا يذكر تاريخ الوقائع ولا أسماء البلدان التي حصلت فيها، ولا أسماء الأشخاص الذين جرت على يدهم بعض الحوادث، إنما يتخير ما يمسُّ جوهر الموضوع وموضع العبرة مثال ذلك  قصة [[آدم]]، في [[سورة البقرة]]: { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجنّة وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (35ـ39). فالقرآن هنا لم يتعرض لمكان الجنة، ولا نوع الشجرة التي نُهي [[آدم]] عليه السلام عن الأكل منها، ولا بيّن الحيوان الذي تقّمّصه الشيطان، ولا تفصيل الحوار بين الله تعالى و<nowiki/>[[آدم]] عليه السلام، ولكن التوراة تعرَّضت لكل ذلك وأكثر منه، فأبانت إن الجنة في [[جنة عَدَن|عَدَن]] شرقاً، وإن الشجرة التي نُهيا عنها كانت في وسط الجنة، وإنها [[شجرة الحياة (الكتاب المقدس)|شجرة الحياة]]، وإن الذي خاطب [[حواء]] هو الحية، وذكرت ما انتقم الله به من الحية التي أغوتهما بأن جعلها تسعى على بطنها وتأكل التراب، وانتقم من حواء بتعبها هي ونسلها في حبلها، فجاء المفسرون  للقرآن ينقلون عن مسلمة اليهود ما جاء في كتبهم ويضعونه شروحاً.


== التوراة في السنة ==
== التوراة في السُنة ==
عن واثلة بن الأسقع- رضي الله عنه- أن [[محمد|رسول الله صلى الله عليه وسلم]] قال:  أُنزلت صُحف [[إبراهيم]] عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأُنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأُنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان ".[[السلسلة الصحيحة]] "(1575).
عن [[واثلة بن الأسقع الليثي|واثلة بن الأسقع]]- رضي الله عنه- أن [[محمد|رسول الله صلى الله عليه وسلم]] قال:  أُنزلت صُحف [[إبراهيم]] عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأُنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأُنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان ".[[السلسلة الصحيحة]] "(1575).


وقد أخبرنا الله عز وجل في كتابِه أن [[أهل الكتاب]] حرفوا التوراة والإنجيل وبدلوا كلام الله، فقال تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة: 75). وهذا التحريف يكون إما بتغيير اللفظ أو المعنى أوكلاهما. غير أن هذا التحريف لم يطل كل ما جاء في كتبهِم. ومما يدل على وجود أجزاء من التوراة لم يطلها التحريف حتى زمن الرسول، ما ورد عن [[عبد الله بن عمر بن الخطاب|ابن عمر]] أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ يَهُودَ، فَقَالَ: ( مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى ؟) قَالُوا: نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا، وَنُحَمِّلُهُمَا، وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا، وَيُطَافُ بِهِمَا، قَالَ : ( فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )، فَجَاءُوا بِهَا فَقَرَؤوهَا حَتَّى إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ الرَّجْمِ وَضَعَ الْفَتَى الَّذِي يَقْرَأُ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، وَقَرَأَ مَا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَمَا وَرَاءَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرْهُ فَلْيَرْفَعْ يَدَه، فَرَفَعَهَا فَإِذَا تَحْتَهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرُجِمَا ". رواه [[محمد بن إسماعيل البخاري|البخاري]] (7543)، ومسلم (1699) - واللفظ له.
وقد أخبرنا الله عز وجل في كتابِه أن [[أهل الكتاب]] حرفوا التوراة والإنجيل وبدلوا كلام الله، فقال تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة: 75). وهذا التحريف يكون إما بتغيير اللفظ أو المعنى أوكلاهما. غير أن هذا التحريف لم يطل كل ما جاء في كتبهِم. ومما يدل على وجود أجزاء من التوراة لم يطلها التحريف حتى زمن الرسول، ما ورد عن [[عبد الله بن عمر بن الخطاب|ابن عمر]] أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ يَهُودَ، فَقَالَ: ( مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى ؟) قَالُوا: نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا، وَنُحَمِّلُهُمَا، وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا، وَيُطَافُ بِهِمَا، قَالَ : ( فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )، فَجَاءُوا بِهَا فَقَرَؤوهَا حَتَّى إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ الرَّجْمِ وَضَعَ الْفَتَى الَّذِي يَقْرَأُ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، وَقَرَأَ مَا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَمَا وَرَاءَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرْهُ فَلْيَرْفَعْ يَدَه، فَرَفَعَهَا فَإِذَا تَحْتَهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرُجِمَا ". رواه [[محمد بن إسماعيل البخاري|البخاري]] (7543)، [[صحيح مسلم|ومسلم]] (1699) - واللفظ له.


ومن نصارى العرب الذين أسلموا في عهد النبى، الجارود بن عمرو، وكان سيدًا في قومه بني عبد آلاف ورئيسًا فيهم، وكان يسكن [[البحرين]]، فقد وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة تسع من الهجرة، وفرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بمقدمه، وقد كان صلبًا في إسلامه، وقد ثبت على الإسلام بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن تبعه من قومه، ولم يرتد مع من ارتدوا . [ابن عبد البر، في كتاب الاستيعاب 1/263، والإصابة 1-441 ].
ومن نصارى العرب الذين أسلموا في عهد النبى صلى الله عليه وسلم، الجارود بن عمرو، وكان سيدًا في قومه بني عبد آلاف ورئيسًا فيهم، وكان يسكن [[البحرين]]، فقد وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة تسع من [[الهجرة النبوية|الهجرة]]، وفرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بمقدمه، وقد كان صلبًا في إسلامه، وقد ثبت على الإسلام بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن تبعه من قومه، ولم يرتد مع من ارتدوا . <ref>{{Cite book|title=الاستيعاب|author1=ابن عبد البر|place=1\263}}</ref>[<nowiki/>[[ابن عبد البر]]، في [[الاستيعاب في معرفة الأصحاب|كتاب الاستيعاب]] 1/263، والإصابة 1-441 ].


وأشير في الأحاديث إلى التوراة، وذُكرَ فيها بعض أحكامها.  من ذلك ما روى أبو داود عن ابن عمر، قال:  أتى نفر من يهود ، فدعوا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى القف ، فأتاهم في بيت المدارس ، فقالوا : يا أبًا القاسم ! إن رجلا منا زنى بًامرأة ، فاحكم بينهم ، فوضعوا لرسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وسادة ، فجلس عليها ، ثم قال ائتوني بًالتوراة ، فأتي بها ، فنزع الوسادة من تحته ، فوضع التوراة عليها ، ثم قال : آمنت بك وبمن أنزلك ، ثم قال : ائتوني بأعلمكم . فأتي بفتى شاب – ثم ذكر قصة الرجم.
وأشير في الأحاديث إلى التوراة، وذُكرَ فيها بعض أحكامها. من ذلك ما روى [[عبد الله بن عمر بن الخطاب|أبو داود عن ابن عمر]]، قال:  أتى نفر من يهود ، فدعوا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى القف، فأتاهم في بيت المدارس ، فقالوا : يا أبًا القاسم ! إن رجلا منا زنى بًامرأة ، فاحكم بينهم ، فوضعوا لرسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وسادة ، فجلس عليها ، ثم قال ائتوني بًالتوراة ، فأتي بها ، فنزع الوسادة من تحته ، فوضع التوراة عليها ، ثم قال : آمنت بك وبمن أنزلك ، ثم قال : ائتوني بأعلمكم . فأتي بفتى شاب – ثم ذكر [[عزير|قصة الرجم]].


== تحريف التوراة ==
== تحريف التوراة ==
ومما لا شك فيه أن التوراة المتواجدة الآن قد دخلها التحريف بكل أنواعه سواء بزيادة أو نقصان أوتغيير المعنى، ومن الدليل على ذلك:
ومما لا شك فيه أن التوراة المتواجدة الآن قد دخلها التحريف بكل أنواعه سواء بزيادة أو نقصان أوتغيير المعنى، ومن الدليل على ذلك:


1- الإختلاف الواضح بين نسخ التوراة المتواجدة، فالتوراة الحالية ليست نسخة واحدة مُجمعًا عليها اليهود والنصارى، وإنما هي ثلاث نسخ مختلفة: التوراة العبرية، التوراة السامرية، التوراة اليونانية. وقد قال تعالى في محكم آياته: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا.
1- الإختلاف الواضح بين نسخ التوراة المتواجدة، فالتوراة الحالية ليست نسخة واحدة مُجمعًا عليها اليهود والنصارى، وإنما هي ثلاث نسخ مختلفة: التوراة العبرية، التوراة السامرية، التوراة اليونانية. وقد قال تعالى في محكم آياته:( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)*[[سورة النساء]]:82.


2- اشتمالها على سبِّ الأنبياء والطعن فيهم.
2- اشتمالها على سبِّ الأنبياء والطعن فيهم.


3- اشتمالها على إلحاق النقص بالله وتشبيهه بالمخلوقين، ومن ذلك قولهم : " إن الله تصارع مع يعقوب ليلة كاملة فصرعه يعقوب !. وقد ورد العديد من التناقضات في [[سفر التكوين]].
3- اشتمالها على إلحاق النقص بالله وتشبيهه بالمخلوقين، ومن ذلك قولهم : " إن الله تصارع مع [[يعقوب]] ليلة كاملة فصرعه يعقوب !. وقد ورد العديد من التناقضات في [[سفر التكوين]].


4- الإختلاف مع الحقائق العلمية والتاريخية، ومن الكتب التي تناولت هذا الموضوع كتابان هما : " أصل الإنسان " و " التوراة والإنجيل والقرآن بمقياس العلم الحديث " للعالم الفرنسي الطبيب " موريس بوكاي " حيث أثبت وجود أخطاء علمية في التوراة والإنجيل، وأثبت في الوقت نفسه عدم تعارض القرآن مع العلم الحديث وحقائقه.<ref>{{استشهاد ويب
4- الإختلاف مع الحقائق العلمية والتاريخية، ومن الكتب التي تناولت هذا الموضوع كتابان هما : " أصل الإنسان " و " التوراة والإنجيل والقرآن بمقياس العلم الحديث " للعالم الفرنسي الطبيب " موريس بوكاي " حيث أثبت وجود أخطاء علمية في التوراة والإنجيل، وأثبت في الوقت نفسه عدم تعارض القرآن مع العلم الحديث وحقائقه.<ref>{{استشهاد ويب
سطر 60: سطر 82:
| تاريخ الوصول = 2020-12-05
| تاريخ الوصول = 2020-12-05
| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20181018035642/http://www.dorar.net/adyan/208 | تاريخ أرشيف = 18 أكتوبر 2018 }}</ref>
| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20181018035642/http://www.dorar.net/adyan/208 | تاريخ أرشيف = 18 أكتوبر 2018 }}</ref>

=== نظرة المسلمين في تحريفها<ref>{{Cite book|title=ضحى الاسلام|publisher=الدار المصرية اللبنانية|author1=احمد امين|place=ج1\330}}</ref> ===
وقد اختلفت أنظار المسلمين إلى التوراة على أقوال ثلاثة، فقال قوم: إنها كلها أو أكثرها مُبَّدلَّةٌ مُغيَّرة، ليست هي التوراة التي أنزلها الله على [[موسى|موسى عليه السلام]]. وتعرض هؤلاء لتناقضها، وتكذيب بعضها لبعض<ref>{{Cite book|title=الملل والنحل|author1=ابن حزم}}</ref>. وذهبت طائفة أخرى من أئمة الحديث والفقه والكلام إلى أن التبديل وقع في التأويل لا في التنزيل، وذهب [[محمد بن إسماعيل البخاري|البخاري]] في صحيحه:"يُحرّفُون الكلم عن مواضعه": يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتابٍ من كُتب الله تعالى، ولكنهم يتأولونه على غير تأويله، وهذا هو ما اختاره [[فخر الدين الرازي|الرازي]] في تفسيره. "ومن حجة هؤلاء أن التوراة قد طَبَّقت مشارق الأرض ومغاربها، ولا يعلم عدد نُسخها إلا الله، ومن الممتنع أن يقع التواطؤ على التبديل والتغيير في جميع تلك النسخ، بحيث لا يبقى في الأرض نسخة إلا مبدلة مُغيّرة، والتغيير على منهاج واحد، وهذا ما يحيله العقل ويشهد ببطلانه، قالوا: وقد بيّن الله تعالى لنبيه عليه السلام محتجَّا على اليهود بها: (قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَىٰةِ فَٱتْلُوهَآ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ)*[[سورة آل عمران|آل عمران]]:93 وذهبت طائفة ثالثة إلى أنه قد زيدَ فيها، وغُيَّرَ ألفاظٌ يسيرة، ولكنَّ أكثرها باقٍ على ما أُنزل عليه، والتبديل في يسيرٍ منها جدّاً. وممن اختار هذا القول [[ابن تيمية]] في كتاب"الجواب الصحيح لمن بدَّلَ دين المسيح"<ref>{{Cite book|title=اغاثة اللهفان في مصايد الشيطان|author1=شمس الدين ابن القيم|place=ص415}}</ref>. ومثّل لذلك بما جاء فيها: "إن الله سبحانه وتعالى قال لإبراهيم عليه السلام: اذبح ولدك بكرك أو واحدك إسحاف" فإسحاق زيادة منهم في لفظ التوراة.

== أثر التوراة على المسلمين<ref>{{Cite book|title=ضحى الاسلام|publisher=الدار المصرية اللبنانية|author1=احمد امين|place=330 \ج1}}</ref> ==
قد عني المسلمون بنقل تاريخ بني أسرائيل وأنبيائهم، كما فعل [[محمد بن جرير الطبري|الطبري]] في تاريخه، وكما فعل [[ابن قتيبة]] في كتابه "المعارف". وكان لليهود أثر غير قليل في بعض المذاهب الإسلامية. ودخلت كتب الأدب نصائح يهودية تُروى عن أنبيائهم كالذي روي أن شعيا قال لبني أسرائيل: " إن الجسد إذا صلح كفاه القليل من الطعام، وإنَّ القلب إذا صلحَ كفاه قليلٌ من الحكمة!. "<ref>{{Cite book|title=الوافي بالوفيات|publisher=دار احياء التراث|author1=صلاح الدين الصفدي|place=ج1\ص73}}</ref>.

وقد واجه اليهود كثيرا من المسائل وبحثوا عنها واختلفوا فيها، فقد بحثوا في النَّسخ،وقالوا إن الشريعة لا تكون إلا واحدةً، وقد بدأت بموسى وتمت به، فلا يجوز النّسخ، لأن النّسخ في الأوامر بداءٌ، ولا يجوز البداء على الله.

وتكلموا في التشبيه؛ لأنهم وجدوا  التوراة مملوءة بألفاظ تشعر بالتشبيه، مثل الصورة والمشافهة، والتكلم جهرا، والنزول على [[الطور (مصر)|طور سيناء]]، وجواز الرؤية وتعرّضوا للرجعة، أي رجوع بعض الأفراد للحياة بعد الموت، وجاءهم في ذلك من أن عزيزا أماته الله مائة عام ثم بعثه. وقالوا إنه مات وسيرجع<ref>{{Cite book|title=الملل والنحل|author1=الشهرستاني|place=ص85\86}}</ref>.

كذلك انتقل إلى المسلمين ما دار بين اليهود في التشبيه. فقد وضِعت للبحث الآيات القرآنية التي تُشعر بذلك، مثل : ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾* [[سورة الفتح|الفتح]]:10. الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)*[[سورة طه|طه]]:5. وما ورد في الحديث كقوله: " قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن". وقد انقسم المسلمون فيها أقساماً، فقال قوم من السلف نؤمن بذلك ولا نتعرض للتأويل بعد أن نعلم قطعاً أن الله لا يشبه شيئاً من المخلوقات، ويقول الشهرستاني إنهم أجرووٌا الاحاديث الواردة في ذاك على ما يُتعارف في صفات الأجسام، وزادوا في الأخبار ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثرها مقتبس من اليهود.

وقد قال الرسول عن [[أبو سعيد الخدري|أبي سعيد]] رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ))؛ قلنا: يا رسول الله؛ اليهودُ والنَّصارى[1]؟ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((فَمَن؟!))؛ رواه الشيخان[2].


== مراجع ==
== مراجع ==
{{مراجع}}
{{مراجع}}
{{شريط بوابات|أعلام|المسيحية|الإسلام}}
{{شريط بوابات|أعلام|المسيحية|الإسلام}}
[[ملف:Al-Tha`labi - Qisas al-Anbiya - Moses and Aaron.png|تصغير|صفحة من كتاب عرائس المجالس المسمى قصص الأنبياء لأبو إسحاق الثعلبي النيسابوري، يظهر فيها موسى وهارون. حوالي العام 1590م]]

{{شريط بوابات|اليهود}}{{شريط بوابات|الديانة اليهودية}}
[[تصنيف:التوراة]]
[[تصنيف:التوراة]]
[[تصنيف:كتب إسلامية]]
[[تصنيف:كتب إسلامية]]

نسخة 21:30، 18 فبراير 2021

التوراة في الإسلام

التوراة هي اسم للكتاب الذي أنزله الله تعالى على نبيه موسى عليه السلام، ويُسمَّى عند أهل الكتاب بأسفار موسى الخمسة. وكان إنزال التوراة على موسى عليه السلام بعد إهلاك الله لفرعون وقومِه ونجاة بني إسرائيل، فقال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص:43]. وجاء في تفسير القرطبي لمعنى كلمة التوراة أنها الضياء والنور، لقوله تعالى:( وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ). والإيمان بالتوراة هو أصل من أصولِ الإيمان، ولا يصح إيمان العبد إلا بالإيمان بأن الله أنزل التوراة على موسى عليه السلام.

اليهودية.

أهم منبع للثقافة اليهودية التوراة، وقد ذُكرت في القرآن الكريم، ووُصِفت بأنها كتابٌ من كتب الله المنزلة: (أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) *سورة المائدة:44. وورد فيه أن عيسى عليه السلام أتى بعد مصدَّقاً لما في التوراة: (وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) *المائدة:46. وقد نص القرآن على بعض أحكام وردت في التوراة: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلْأَنفَ بِٱلْأَنفِ وَٱلْأُذُنَ بِٱلْأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ)* المائدة:45.

فأما التوراة بالمعنى الصحيح فخمسة أسفار[1]:

كنيس بوخوم الجديد:مخطوطات التوراة في تابوب التوراة

السفر الأول: سفر التكوين أو الخلق، وقد ذُكر فيه خلق العالم، وقصة آدم وحواء وأولادهما، ونوح عليه السلام والطوفان وتبلبل الألسن، ثم قصة إبراهيم عليه السلام وابنه إسحاق ويعقوب ثم قصة يوسف عليهم السلام.

والسفر الثاني: يسمّى سفر الخروج-اي خروج اليهود من مصر- وفيه قصة موسى عليه السلام من ولادته وبعثته، وفرعون وخروج بني إسرائيل من مصر، وصعود موسى عليه السلام الجبل، وإيتاء الله له الألواح.

السفر الثالث: سفر اللاويين-أي الأخبار-وفيه حكم القُربان والطهارة وما يجوز أكله، وغير ذلك من الفرائض والحدود.

والسفر الرابع: سفر العدد، بعضه في الشرائع، وبعضه في أخبار موسى عليه السلام وبني إسرائيل في التيه وقصة البقرة.

والسفر الخامس: سفر التثنية-أي إعادة الناموس

الصفحة الاولى من تلمود اليهود

وفي العهد القديم غير التوراة، سفر يوشع وسفر القضاة، ثم أربعة أسفار الملوك، وأما التلمود فمجموعة من المناقشات الدينية الأولى، مع شروح  لرجال الدين من الأجيال المتعاقبة، فيه القوانين اليهودية، من عقوبات وقوانين مدنية، ويسجل افكار اليهود في حياتهم وتقاليدهم في نحو ألف عام. وقد جُمع في ثلاثة قرون، بدءاً من القرن الرابع للميلاد حتى نهاية القرن السادس. وحول هذه الكتب الدينية نُسجَ كثيرٌ من الأدب اليهودي والقصص والتاريخ والتشريع.


تسرًب الثقافة اليهودية إلى المسلمين

تسربت الثقافة اليهودية إلى المسلمين من طُرق أهمها: من دخل في الإسلام من اليهود، وخاصة مسلمة اليمن، ككعب الأحبار، ووهب بن منبه وكذلك دخل في الإسلام من اليهود كثيرون، كان منهم بعض الصحابة والتابعين، ومنهم محدثون وقصاص وقُرَّاء، ومنهم أخباريون. أشهرهم " أبا عبيدة معمر بن المثنى".

قد تسرَّبت الثقافة اليهودية إلى من جاورهم من العرب، فقد جاء في الحديث عن ابن عباس:" كان هذا الحيُّ-من الأنصار- وهم أهل وثنٍ مع هذا الحيَّ من اليهود، وهم أهل كتاب، فكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم، وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم"

وكان بعض المسلمين في العصور الأولى يطّلعون على الكتب الأخرى المنزّلة ويتلونها، وفي الحديث عن أبي هريرة قال: " كان أهل الكتاب يقرؤون من التوراة بالعبرانية ويفسرونها لأهل الإسلام بالعرببة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنّا بالذي أٌنزل إلينا وأُنزِل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد".

منزلة التوراة في الإسلام

ومما يدل على عِظم منزلتها، أن الله خطها بيده كما ورد في حديث مُحاجَّة آدم موسى، عن أبى هريرة عن النبى أنه قال: احتجَّ آدمُ وموسَى عليهما السَّلامُ فقالَ لَه موسَى يا آدمُ أنتَ أبونا خيَّبتَنا وأخرجتَنا منَ الجنَّةِ بذنبِك فقالَ لَه آدمُ يا موسَى

صلاة اليهود داخل كنيس يهودي 1816م

اصطفاكَ اللَّهُ بِكلامِه وخطَّ لَك التَّوراةَ بيدِه أتلومني علَى أمرٍ قدَّرَه اللَّهُ عليَّ قبلَ أن يخلقني بأربعينَ سنةً فحجَّ آدمُ موسَى فحجَّ آدمُ موسَى فحجَّ آدمُ موسَى ثلاثًا. أخرجه البخاري (6614)، ومسلم (2652)، وابن ماجه (80) واللفظ له.

التوراة في القرآن

وقد ورد ذِكر لفظ التوراة في القران 18 مرة.

  • نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴿3: آل عمران﴾
  • وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةَ  وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ ﴿50: آل عمران﴾
  • يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةَ  وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿65: آل عمران﴾
  • حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةَ  ۗ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ ﴿93 :آل عمران﴾
  • وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةَ  فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ﴿43: المائدة﴾
  • إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ  فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ ﴿44: المائدة﴾
  • مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةَ  ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا ﴿46: المائدة﴾
  • وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا ﴿66 :المائدة﴾
  • لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ۗ ﴿68: المائدة﴾
  • الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ ﴿157: الأعراف﴾
  • اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ ﴿111 :التوبة﴾
  • وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةَ  ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴿29: الفتح﴾
  • رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةَ  وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴿6: الصف﴾
  • مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴿5: الجمعة﴾

الفرق بين القرآن والتوراة في تفسير بعض الآيات[2]

التوراة والقرآن يتفقان في إيراد بعض المسائل، وخاصة قصص الأنبياء، ولكن القرآن يقتصر على مواضع العِظة، ولا يتعرض لتفصيل جُزئيات المسائل، فهو لا يذكر تاريخ الوقائع ولا أسماء البلدان التي حصلت فيها، ولا أسماء الأشخاص الذين جرت على يدهم بعض الحوادث، إنما يتخير ما يمسُّ جوهر الموضوع وموضع العبرة مثال ذلك  قصة آدم، في سورة البقرة: { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجنّة وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (35ـ39). فالقرآن هنا لم يتعرض لمكان الجنة، ولا نوع الشجرة التي نُهي آدم عليه السلام عن الأكل منها، ولا بيّن الحيوان الذي تقّمّصه الشيطان، ولا تفصيل الحوار بين الله تعالى وآدم عليه السلام، ولكن التوراة تعرَّضت لكل ذلك وأكثر منه، فأبانت إن الجنة في عَدَن شرقاً، وإن الشجرة التي نُهيا عنها كانت في وسط الجنة، وإنها شجرة الحياة، وإن الذي خاطب حواء هو الحية، وذكرت ما انتقم الله به من الحية التي أغوتهما بأن جعلها تسعى على بطنها وتأكل التراب، وانتقم من حواء بتعبها هي ونسلها في حبلها، فجاء المفسرون  للقرآن ينقلون عن مسلمة اليهود ما جاء في كتبهم ويضعونه شروحاً.

التوراة في السُنة

عن واثلة بن الأسقع- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  أُنزلت صُحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأُنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأُنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان ".السلسلة الصحيحة "(1575).

وقد أخبرنا الله عز وجل في كتابِه أن أهل الكتاب حرفوا التوراة والإنجيل وبدلوا كلام الله، فقال تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة: 75). وهذا التحريف يكون إما بتغيير اللفظ أو المعنى أوكلاهما. غير أن هذا التحريف لم يطل كل ما جاء في كتبهِم. ومما يدل على وجود أجزاء من التوراة لم يطلها التحريف حتى زمن الرسول، ما ورد عن ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ يَهُودَ، فَقَالَ: ( مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى ؟) قَالُوا: نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا، وَنُحَمِّلُهُمَا، وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا، وَيُطَافُ بِهِمَا، قَالَ : ( فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )، فَجَاءُوا بِهَا فَقَرَؤوهَا حَتَّى إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ الرَّجْمِ وَضَعَ الْفَتَى الَّذِي يَقْرَأُ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، وَقَرَأَ مَا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَمَا وَرَاءَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرْهُ فَلْيَرْفَعْ يَدَه، فَرَفَعَهَا فَإِذَا تَحْتَهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرُجِمَا ". رواه البخاري (7543)، ومسلم (1699) - واللفظ له.

ومن نصارى العرب الذين أسلموا في عهد النبى صلى الله عليه وسلم، الجارود بن عمرو، وكان سيدًا في قومه بني عبد آلاف ورئيسًا فيهم، وكان يسكن البحرين، فقد وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة تسع من الهجرة، وفرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بمقدمه، وقد كان صلبًا في إسلامه، وقد ثبت على الإسلام بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن تبعه من قومه، ولم يرتد مع من ارتدوا . [3][ابن عبد البر، في كتاب الاستيعاب 1/263، والإصابة 1-441 ].

وأشير في الأحاديث إلى التوراة، وذُكرَ فيها بعض أحكامها. من ذلك ما روى أبو داود عن ابن عمر، قال:  أتى نفر من يهود ، فدعوا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى القف، فأتاهم في بيت المدارس ، فقالوا : يا أبًا القاسم ! إن رجلا منا زنى بًامرأة ، فاحكم بينهم ، فوضعوا لرسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وسادة ، فجلس عليها ، ثم قال ائتوني بًالتوراة ، فأتي بها ، فنزع الوسادة من تحته ، فوضع التوراة عليها ، ثم قال : آمنت بك وبمن أنزلك ، ثم قال : ائتوني بأعلمكم . فأتي بفتى شاب – ثم ذكر قصة الرجم.

تحريف التوراة

ومما لا شك فيه أن التوراة المتواجدة الآن قد دخلها التحريف بكل أنواعه سواء بزيادة أو نقصان أوتغيير المعنى، ومن الدليل على ذلك:

1- الإختلاف الواضح بين نسخ التوراة المتواجدة، فالتوراة الحالية ليست نسخة واحدة مُجمعًا عليها اليهود والنصارى، وإنما هي ثلاث نسخ مختلفة: التوراة العبرية، التوراة السامرية، التوراة اليونانية. وقد قال تعالى في محكم آياته:( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)*سورة النساء:82.

2- اشتمالها على سبِّ الأنبياء والطعن فيهم.

3- اشتمالها على إلحاق النقص بالله وتشبيهه بالمخلوقين، ومن ذلك قولهم : " إن الله تصارع مع يعقوب ليلة كاملة فصرعه يعقوب !. وقد ورد العديد من التناقضات في سفر التكوين.

4- الإختلاف مع الحقائق العلمية والتاريخية، ومن الكتب التي تناولت هذا الموضوع كتابان هما : " أصل الإنسان " و " التوراة والإنجيل والقرآن بمقياس العلم الحديث " للعالم الفرنسي الطبيب " موريس بوكاي " حيث أثبت وجود أخطاء علمية في التوراة والإنجيل، وأثبت في الوقت نفسه عدم تعارض القرآن مع العلم الحديث وحقائقه.[4]

نظرة المسلمين في تحريفها[5]

وقد اختلفت أنظار المسلمين إلى التوراة على أقوال ثلاثة، فقال قوم: إنها كلها أو أكثرها مُبَّدلَّةٌ مُغيَّرة، ليست هي التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام. وتعرض هؤلاء لتناقضها، وتكذيب بعضها لبعض[6]. وذهبت طائفة أخرى من أئمة الحديث والفقه والكلام إلى أن التبديل وقع في التأويل لا في التنزيل، وذهب البخاري في صحيحه:"يُحرّفُون الكلم عن مواضعه": يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتابٍ من كُتب الله تعالى، ولكنهم يتأولونه على غير تأويله، وهذا هو ما اختاره الرازي في تفسيره. "ومن حجة هؤلاء أن التوراة قد طَبَّقت مشارق الأرض ومغاربها، ولا يعلم عدد نُسخها إلا الله، ومن الممتنع أن يقع التواطؤ على التبديل والتغيير في جميع تلك النسخ، بحيث لا يبقى في الأرض نسخة إلا مبدلة مُغيّرة، والتغيير على منهاج واحد، وهذا ما يحيله العقل ويشهد ببطلانه، قالوا: وقد بيّن الله تعالى لنبيه عليه السلام محتجَّا على اليهود بها: (قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَىٰةِ فَٱتْلُوهَآ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ)*آل عمران:93 وذهبت طائفة ثالثة إلى أنه قد زيدَ فيها، وغُيَّرَ ألفاظٌ يسيرة، ولكنَّ أكثرها باقٍ على ما أُنزل عليه، والتبديل في يسيرٍ منها جدّاً. وممن اختار هذا القول ابن تيمية في كتاب"الجواب الصحيح لمن بدَّلَ دين المسيح"[7]. ومثّل لذلك بما جاء فيها: "إن الله سبحانه وتعالى قال لإبراهيم عليه السلام: اذبح ولدك بكرك أو واحدك إسحاف" فإسحاق زيادة منهم في لفظ التوراة.

أثر التوراة على المسلمين[8]

قد عني المسلمون بنقل تاريخ بني أسرائيل وأنبيائهم، كما فعل الطبري في تاريخه، وكما فعل ابن قتيبة في كتابه "المعارف". وكان لليهود أثر غير قليل في بعض المذاهب الإسلامية. ودخلت كتب الأدب نصائح يهودية تُروى عن أنبيائهم كالذي روي أن شعيا قال لبني أسرائيل: " إن الجسد إذا صلح كفاه القليل من الطعام، وإنَّ القلب إذا صلحَ كفاه قليلٌ من الحكمة!. "[9].

وقد واجه اليهود كثيرا من المسائل وبحثوا عنها واختلفوا فيها، فقد بحثوا في النَّسخ،وقالوا إن الشريعة لا تكون إلا واحدةً، وقد بدأت بموسى وتمت به، فلا يجوز النّسخ، لأن النّسخ في الأوامر بداءٌ، ولا يجوز البداء على الله.

وتكلموا في التشبيه؛ لأنهم وجدوا  التوراة مملوءة بألفاظ تشعر بالتشبيه، مثل الصورة والمشافهة، والتكلم جهرا، والنزول على طور سيناء، وجواز الرؤية وتعرّضوا للرجعة، أي رجوع بعض الأفراد للحياة بعد الموت، وجاءهم في ذلك من أن عزيزا أماته الله مائة عام ثم بعثه. وقالوا إنه مات وسيرجع[10].

كذلك انتقل إلى المسلمين ما دار بين اليهود في التشبيه. فقد وضِعت للبحث الآيات القرآنية التي تُشعر بذلك، مثل : ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾* الفتح:10. الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)*طه:5. وما ورد في الحديث كقوله: " قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن". وقد انقسم المسلمون فيها أقساماً، فقال قوم من السلف نؤمن بذلك ولا نتعرض للتأويل بعد أن نعلم قطعاً أن الله لا يشبه شيئاً من المخلوقات، ويقول الشهرستاني إنهم أجرووٌا الاحاديث الواردة في ذاك على ما يُتعارف في صفات الأجسام، وزادوا في الأخبار ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثرها مقتبس من اليهود.

وقد قال الرسول عن أبي سعيد رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ))؛ قلنا: يا رسول الله؛ اليهودُ والنَّصارى[1]؟ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((فَمَن؟!))؛ رواه الشيخان[2].

مراجع

  1. ^ احمد امين. ضحى الاسلام. ج 1 317: الدار المصرية اللبنانية.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: مكان (link)
  2. ^ احمد امين. ضحى الاسلام. ج1-ص 317: مؤسسة اقرا للنشر والتوزيع.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: مكان (link)
  3. ^ ابن عبد البر. الاستيعاب. 1\263.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: مكان (link)
  4. ^ "المبحث الثاني: نقد التوراة المحرفة وما يتبعها من الأسفار:". dorar.net. مؤرشف من الأصل في 2018-10-18. اطلع عليه بتاريخ 2020-12-05.
  5. ^ احمد امين. ضحى الاسلام. ج1\330: الدار المصرية اللبنانية.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: مكان (link)
  6. ^ ابن حزم. الملل والنحل.
  7. ^ شمس الدين ابن القيم. اغاثة اللهفان في مصايد الشيطان. ص415.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: مكان (link)
  8. ^ احمد امين. ضحى الاسلام. 330 \ج1: الدار المصرية اللبنانية.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: مكان (link)
  9. ^ صلاح الدين الصفدي. الوافي بالوفيات. ج1\ص73: دار احياء التراث.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: مكان (link)
  10. ^ الشهرستاني. الملل والنحل. ص85\86.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: مكان (link)
صفحة من كتاب عرائس المجالس المسمى قصص الأنبياء لأبو إسحاق الثعلبي النيسابوري، يظهر فيها موسى وهارون. حوالي العام 1590م