انتقل إلى المحتوى

مستخدم:أبو العباس/ملعب 1

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
أمير المؤمنين
أبو جعفر المنصور
عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي
رسم تخيلي للخليفة أبو جعفر عبد الله المنصور

معلومات شخصية
اسم الولادة عبد الله بن محمد
الميلاد صفر 95هـ / نوفمبر 713م
الحميمة، جند الأردن، الخلافة الأمويَّة
الوفاة 6 ذو الحجة 158هـ / 6 أكتوبر 775م

(بالهجري:63 سنة و9 أشهر)

(بالميلادي: 61 سنة و 11 شهر)
مكة، الحجاز، الخلافة العبَّاسية
مكان الدفن مقبرة المعلاة، مكَّة المكرَّمة، السعودية
الكنية أبو جعفر
اللقب المنصور
العرق عربي
الديانة مسلمٌ سُنيٌ
الزوج/الزوجة (زوجاته):
أم موسى الحِميريةحمادة بنت عيسىفاطمة بنت محمد التيمي
الأولاد جعفر الأكبر

محمد المهدي
سليمان
جعفر الأصغر
صالح المسكين
عيسى
يعقوب
القاسم

العالية
الأب مُحمَّد بن علي العبَّاسي
الأم سلامة البربريَّة
إخوة وأخوات إبراهيم الإمام

عبد الله السَّفَّاح
داود
عبيد الله
يحيى
موسى
العباس
إسماعيل
يعقوب
لبابة

العالية
منصب
الخليفة العباسي الثاني
الحياة العملية
معلومات عامة
الفترة 13 ذو الحجة 136 - 6 ذو الحجة 158 هـ
(10 يونيو 754 - 6 أكتوبر 775)
أبو العبَّاس السَّفَّاح
أبو عبد الله المهدي
السلالة بنو العبَّاس

أميرُ المُؤمِنين وخليفةُ المُسْلمين أبُو جَعْفَر عبد الله المَنْصُور بن مُحمَّد بن علي بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المُطَّلب الهاشميُّ القُرشي (صفر 95 - 6 ذو الحجَّة 158هـ / نوفمبر 713 - 6 أكتوبر 775م) المعرُوف اختصارًا بكنيته ولقبه معًا أبُو جَعْفَر المَنْصُور أو المَنْصُور، هو ثاني خُلفاء بني العبَّاس، والخليفة الواحد والعشرون في ترتيب الخُلفاء بعد النَّبيُّ مُحمَّد. بُويع له بالخلافة في 13 ذو الحجَّة 136هـ / العاشِر من يونيو 754م، بعد وفاة أخيه أبي العَبَّاس السَّفاح.

وُلد عبد الله بن مُحمَّد المعرُوف لاحقًا بكنيته أبي جعفر ..

شارك أبو جعفر في الثورة العبَّاسيَّة ..

ساهم أبو جعفر في خلافة أخيه ..

تولَّى أبو جعفر الخلافة بعد ..

واجه أبو جعفر العديد من الثورات والتحديات ..

ونتيجةً لاهتمامه بالعِلم والعُلماء ..

بنى المنصُور عاصمته الجديدة بغداد ..

تُوفي المنصُور أثناء سفره للحج ..

يُعتبر المنصُور المُؤسس الحقيقي .. والجد الجامع للعباسيين ..

نشأته وتعليمه[عدل]

نسبه[عدل]

هو عبد الله المنصور بن مُحمَّد بن عليُّ بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المُطَّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالِب بن فهر بن مالك بن النَّضر بن كِنانة بن خُزَيمة بن مُدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

والدهُ هو الإمام مُحمَّد بن علي الحفيد المباشر للصَّحابي عبد الله بن عبَّاس، ويُصنف من التابعين، فقد كان عالمًا زاهدًا، وأكبر أولاد أبيه عليُّ بن عَبدِ الله المعرُوف بالسَّجَّاد. تولَّى الإمامة بعد أن أوصى إليه عبد الله بن مُحمَّد بن الحنفيَّة العلوي الهاشمي، زعيم الكيسانيَّة، فأعاد تنظيم الدَّعوة وعمل الترتيبات اللَّازمة لنشر الدَّعوة بهدف الإطاحة بحكم بني أميَّة والعمل على إيصال ذُريته لحُكم الخلافة الإسلاميَّة، فقد كان العبَّاسيُّون يتطلعون إلى الخلافة منذ عهد جدهم العبَّاس بن عبد المُطَّلب.[1]

والدتُه هي أمُّ ولد تُدعى سلامة بنت بشير من قبيلة صنهاجة البربريَّة من مدينة نفزة في إفريقية.[2][3] وقيل من مولَّدات البصرة.[4] اشتراها مُحمَّد بن علي، وحَظيت عنده، فولدت له عبد الله واعتقها.[5][6][7]

ولادته[عدل]

ولد عبد الله في شهر صفر سنة 95هـ / نوفمبر 713م على أصح الأقوال.[8][9][10][11][12][3] ويُقال أنه ولد في ذو الحجَّة سنة 95هـ / سبتمبر 714م،[13][14] وقيل بل ولد في سنة 101 هـ / 720 م،[15] أو في إحدى السنوات التالية 93 و94 و95هـ / 712 و713 و714م.[16]

أجمع معظم المُؤرخين أنه ولد في قرية صغيرة تُدعى الحميمة، وهي من بلاد البلقاء الواقعة في جند الشراة الشَّامية.[3][11][17][18] وقيل بل ولد في إيذج من خوزستان.[19] نقل عن والدته سلامة قولها بعد أن ولدته: «رأيتُ حين حملتُ به، كأنه خرج مني أسد فزأر، وأقعى على يديه، فما بقي أسد حتى جاء فسجد له».[11]

وهو الولد الثاني بعد أخيه غير الشَّقيق إبراهيم. يُقال أن تسميته بعبد الله هو نتيجة وصيَّة من أبي هاشم إلى مُحمَّد بن علي قائلًا له:«.. وأعلم أن صاحب هذا الأمر من ولدك عبد الله بن الحارثيَّة ثم عبد الله أخوه الذي أكبر منه ..»، ما جعل مُحمَّد بن علي يُطلق اسم عبد الله على كلا ولديه، إيمانًا منه بأن الخلافة ستؤول إلى أحدهما، وخوفًا من أن يموت أحدٌ منهما قبل أن يتم له الأمر، وبذلك يضمن ما تنبأت به الوصيَّة.[20] جاءت ولادة أبو جعفر عبد الله في السنة التي توفي فيها الحجَّاج بن يوسف الثَّقفي والي العراق،[21] وفي آخر خلافة الوليد بن عبد الملك الأموي (حكم 86-96هـ / 705-715م).[22]

طفولته[عدل]

نشأ عبد الله والذي كنَّاه والده أبُو جعفر، في قرية الحميمة، وهي قرية صغيرة لم يكن لها شأنٌ يُذكر فيما مضى، إلا أن أمرها ظهر للوجود منذ أن نزلها جده، علي بن عبد الله بن عبَّاس بقرار من الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، لسببين أساسيين، الأول هو زواج عليًا من لبابة بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهي ابنة عم هاشميَّة له، وكان ذلك مرفوضًا لدى الخليفة الوليد، لكونها كانت إحدى زوجات أبيه الخليفة عبد الملك بن مروان، واتهمه قائلًا: «انما تتزوج أمهات أولاد الخلفاء لتضع منهم»، وأما السبب الآخر فهو لأن عليًا كان يقول أن الخلافة ستكون في ولده، الأمر الذي جعل الخليفة الوليد يبقيه بالقرب منه تحت الإقامة الجبريَّة، إلا إن أراد القيام بالحج.[7][19][23] وقد أصبحت الحميمة مقر عائلة بني العبَّاس، فازداد عيالهم وتكاثرت ذرية عليًا حتى ولد له نيف وعشرون ذكرًا. ومنذ أن انتقلت الإمامة من أبي هاشم عبد الله بن مُحمَّد بن الحنفيَّة إلى والد أبو جعفر، مُحمَّد بن علي، أصبحت الحميمة مركزًا مهمًا من مراكز الدَّعوة العبَّاسيَّة، وأخذ شأنها يزداد أهمية.[24]

رأى أبو جعفر في طفولته أو صباه منامًا ذكره لجلسائه حين أصبح خليفة، فقال: «رأيت كأني في المسجد الحرام وإذا رسُول الله صلَّ الله عليه وسلَّم في الكعبة والناس مجتمعون حولها، فخرج من عنده مناد فنادى: أين عبد الله؟ فقام أخي السَّفَّاح يتخطى الرجال حتى جاء باب الكعبة فأخذ بيده فأدخله إياها، فما لبث أن خرج ومعه لواء أسود. ثم نودي: أين عبد الله؟ فقمت أنا وعمي عبد الله بن علي نستبق، فسبقته إلى باب الكعبة فدخلتها، فإذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو بكر وعمر وبلال، فعقد لي لواء وأوصاني بأمته وعممني عمامة كورها ثلاثة وعشرون كورًا، وقال: خذها إليك أبا الخُلفاء إلى يوم القيامة».[11][25][26] ويُفسر المنام بأنه شبيهًا بالوحي، ويُبين عدد السنوات التي سيحكمها الأخوين أبو العبَّاس وأبو جعفر، وأن عبد الله بن علي طلب الخلافة فلم يصل إليها.[27] كان يُقال لأبي جعفر في صغره عبد الله الطَّويل لطوله،[28] ومُدرك التُّراب،[29] ومقلاص، والتي تعني النَّاقة التي تسمن في الصَّيف، وتهزل في الشتاء، وكذلك كان حال أبي جعفر.[30][31][32]

تعليمه[عدل]

درس أبو جعفر في أيام نشأته وصباه علومًا مُهمة كثيرة، منها علم النَّحو، واللُّغة العربيَّة، والتَّاريخ، وألم بسير السلف من المُلوك والأمراء، فنمت ذاكرته واتَّسعت مداركه. كان صحيح البنية، نشيط الحركة، حاد الذكاء وسريع الفهم، ميالًا لطلب العلم.[33] أولى أبو جعفر اهتمامًا في الأمور الدينيَّة، فقرأ القُرآن الكريم وحفظه وتفهَّم معانيه، كما سمع الأحاديث وتعلَّم السُّنن، وتعمَّق في الفُقه لاستنباط الأحكام والشَّرائع، وكان ذلك اعتياديًا حسب خلفيته العائليَّة، لكونه ينتمي لأهل دينٍ وورع وتقوى،[34][35] فقد قال ابن سعد في طبقاته حول خلفية أبو جعفر الأسريَّة: «لقد أفضت الخلافة إليهم - للعبَّاسيين - وما في الأرض أحد أكثر قارئًا للقُرآن ولا أفضل عابدًا وناسكًا منهم بالحميمة».[36] حفظ أبو جعفر الكثير من الخُطب البليغة، والقصائد المُعبرة، والكثير من شعر العرب وسمع بعضًا من قصصهم، فنشأ فصيحًا، بليغ اللسان.[33][30] كان لأبو جعفر إلمامٌ واهتمام في علم الفلك والنُّجوم، وتنقَّل في سبيل العلم، باتجاه مدن عديدة اعتنت بالتعليم، مثل البصرة، والكوفة، والموصل، فكان يحضر حلقات الدراسة في الأدب والفُقه، فتعلَّم على يد عدد من كبار العُلماء والفقهاء، مثل عالم اللُّغَة الخليل بن أحمد الفراهيدي، والأديب النَّحوي يونس بن حبيب، والمُحدث أزهر بن حبيب السمان، وغيرهم.[30][37] سمع الحديث ورواه عن جده وجده الأكبر الصَّحابي عبد الله بن العبَّاس، أن النبيِّ مُحمَّد كان يتختَّم في يمينه، وهو حديثٌ أورده الحافظ ابن عساكر.[11]

حياته قبل الثورة العبَّاسية[عدل]

شهد عبد الله والذي عُرف بكنيته أبو جعفر، أحداث الضَّعف التي دبَّت في أنحاء الخلافة الأمويَّة في عهد آخر خُلفائها الأقوياء هشام بن عبد الملك (حكم 105-125هـ / 724-743م)، فقد بُويع ابن أخيه الوليد بن يزيد (125-126هـ / 743-744م) للخلافة من بعده، إلا أنه أساء السيرة ولم يلبث حاكمًا سوى سنة واحدة، فقد خُلع وقُتل بعد انقلاب ابن عمِّه يزيد بن الوليد عليه في 28 جُمادى الآخرة سنة 126 هـ / 16 أبريل 744 م، فثار أهل حمص، وتمرَّد أهالي فلسطين والأردن في نفس السنة، وبدأت البلاد تواجه ضعفًا متزايدًا وانقسامًا واسعًا في أنحائها.[38] لم يدم حكم يزيد للخلافة ولم تطل أيامه، فقد تُوفي بعد ستة شهور، ليخلفه أخوه إبراهيم بن الوليد في الحكم، إلا أن الأخير لم يحظى بالخلافة سوى لبضعة أسابيع، فقد شن قريبه مروان بن محمَّد (127-132 هـ / 744-750م) حملة عسكريَّة كبيرة نحو دمشق تمكن فيها من خلع ابن عمه إبراهيم، ليبايع للخلافة في سنة 127 هـ / 744 م، مواجهًا ثوراتٍ عديدة وأزمات مُتراكمة.[39]

عمله في الدَّعوة العبَّاسية[عدل]

خلفية[عدل]

كان علي بن عبد الله بن عبَّاس وأولاده من المشهورين بالزُّهد والتعبُّد مما زاد من حُب الناس إليهم، إلا أنه كان يجهر بأن الخلافة ستؤول إلى ذُريته، قائلًا: «إي والله لتكونن الخلافة في ولدي، ولا تزال فيهم إلى أن يأتيهم العلج من خُراسان فينزعها منهم»، كما تزوَّج من لبابة بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهي ابنة عم هاشميَّة له، لتكون تلك الأسباب مثيرة لغضب الخليفة الوليد بن عبد الملك الأموي (حكم 86-96هـ / 705-715م)، فجلده للمرة الأولى لأن لُبابة كانت طليقة والده الخليفة عبد الملك بن مروان (65-86هـ / 685-705) مُتهمًا إياه بأنه يريد الحط من أمهات أولاد خُلفاء بني أميَّة بزواجه،[40] وأما السبب الآخر والأكثر أهمية، فهو لأن عليًا كان يُصرح علنًا بأن الخلافة ستؤول إلى أولاده، ويحلف بالله قائلًا: «والله ليكونن فيهم حتى يملكهم عبيدهم الصغار العيون، العراض الوجوه، الذين كأن وجوههم المجانُّ المطرقة»، الأمر الذي جعل الوليد يأمر بجلده والطوف به على جمل مقلوبًا مُشهرًا به مُنادى بكذبه، لأن تحقُّق كلامه قد يؤدي للإطاحة بحكم بني أميَّة حتى وإن كانت مجرد أقوال عابرة.[7][41][19] وفي عهد الخليفة هشام بن عبد الملك (105-125هـ / 724-743م)، زار علي بن عبد الله مجلس الخليفة مع حفيديه أبو العبَّاس وأبو جعفر، وكان عليه دينًا بثلاثين ألفًا، فأكرمه الخليفة وقضاها له، ثم حين كان علي يسير للخروج، سمع هشام وهو يقول لمجلسه باختلال عقل علي وكبر سنه بسبب ما يقوله عن انتقال الخلافة لولده، فالتفت إليه علي وحلف للخليفة قائلًا: «والله ليكونن ذاك، وليملكن هذان»، وأشار إلى حفيديه الحاضرين أبُو العبَّاس وأبو جعفر.[42] ومما زاد من مخاوف الخليفة هشام تجاهه، أن عليًا أعقب الكثير من العيال، ما جعله يقطع لعلي وأولاده أرض الحميمة من جند الشَّراة للسكن بها، ووضعه تحت الإقامة الجبريَّة، وذلك راجعًا لعدة أسباب، أولها لإبعاده عن الالتقاء بالناس وثانيها لمنعه من تكوين الأتباع لما يدَّعيه، وثالثها هو الحفاظ على وجوده وذريته قريبًا من العاصمة دمشق إذا بدرت منهم الأخطار، وسمح له باستثناء للخروج في حال أراد القيام بشعائر الحج.[43]

صادف ولادة المنصُور، الفترة التي ابتدأت فيها الدَّعوة العبَّاسيَّة السِرَّيَّة من قبل والده مُحمَّد بن علي، بعد أن انتقلت إليه من قريبه أبُو هاشم عبد الله بن مُحمَّد بن علي بن أبي طالب إمام الكيسانيَّة، وهو الحفيد المُباشر لرابع الخُلفاء الرَّاشدين علي بن أبي طالب وأوَّل الأئمة عند الإماميَّة. ومع أن بعض المُؤرخين لم يصدق هذه الرواية، واعتبروها نوعًا من إضفاء الشَّرعيَّة على حُكم بني العبَّاس، إلا أن المُؤرخون الأوائل أثبتوا هذه الواقعة في كتبهم وتلقوها بالقبول.[44] ومنذ ذلك الحين، عمل مُحمَّد بن علي بتنظيم أمور الدعوة وإرسال الدُّعاة والنُّقباء إلى مُختلف الأمصار، بهدف الإطاحة بخلافة بني أميَّة، وكان يقول: «لنا ثلاثة أوقات، موت يزيد بن معاوية، ورأس الماية، وفتق بإفريقيا، فعند ذلك يدعو لنا دُعاة، ثم يقبل أنصارنا من الشَّرق حتى ترد خيولهم المغرب». قُتل الوالي الأموي يزيد بن أبي مسلم الثقفي في إفريقية سنة 102 هـ / 720 م، وتمكَّن البربر من السَّيطرة على المغربان الأوسط والأقصى في ثورةٍ عارمة خرجوا فيه عن طاعة بني أميَّة بين عامي 122 و125 هـ / 739 و743 م، وجد مُحمَّد بن علي أن علامات النَّبوءة تحقَّقت، فبعث بالدُّعاة إلى الكوفة، وخُراسان بهدف العمل على استقطاب المُناصرين والتبشير بالخلاص من الحُكم الأموي، لصالح خلافة من آل النَّبي مُحمَّد.[45]

دعمه لثورة عبد الله بن معاوية[عدل]

بعد تولي مروان بن محمَّد عرش الخلافة، قرَّر عبد الله بن معاوية حفيد جعفر بن أبي طالب، إعلان ثورته من مدينة الكوفة مُطالبًا بالخلافة في سنة 127 هـ / 745 م، فدعا النَّاس لمُبايعته ولبس الصُّوف وأظهر صفات الخير، وكان شاعرًا ظريفًا من بني هاشم، إلا أنه تجادل المُؤرخين في حُسن سيرته، إلى الحد الذي رُمي فيه بالزَّندقة.[46] اختلفت الروايات حول مسار ثورته، إلا أن الرَّاجح أنه اجتمع إلى ابن مُعاوية القليل فقط من أهل الكوفة، بسبب رفض الأغلبيَّة مُبايعته قائلين: «ما فينا بقيَّة، فقد قُتل جمهورنا مع أهل هذا البيت - يقصدون بنو أميَّة -»، فتحرَّك نحو فارس وعرض عليهم أمره، فبايعوه، واجتمع تحته عددًا كبيرًا من الرجال، فسيطر على منطقة كبيرة تشمل الكوفة، وحُلوان، وهمذان، وقُم، والرَّي، واتَّخذ من أصبهان قاعدةً له، وأرسل بالكُتُب إلى الأمصار يدعوهم لمُبايعته على الخلافة.[46][47] توجَّه بنو هاشم إلى ابن مُعاوية داعمين، وعلى رأسهم أبو العبَّاس، وأخيه أبو جعفر، وعمهما عيسى بن علي، بالإضافة إلى وجوه بني أميَّة، ومنهم سليمان بن هشام بن عبد الملك، فاستعان بهم ابن مُعاوية في أعماله، وعيَّن أبو جعفر على كورة إيذج بين خوزستان وأصبهان، وكان عمره 32 سنة.[46]

القبض عليه وسجنه[عدل]

في إحدى الأيام التي كانت ينتقل فيها أبو جعفر في جنوب العراق، تمكَّنت عيون العامل الأموي، سُليمان بن حبيب بن المُهلَّب، من إلقاء القبض عليه بعد أن وضع الأرصاد والعيون على جميع عُمَّال ابن مُعاوية في المنطقة، وأخذ إلى سُليمان ولديه أبو أيُّوب المورياني يكتب له، فقال له سُليمان: «هات المال الذي اختنته»، فرد أبو جعفر: «لا مال عندي»، فدعا له بالسياط لجلده، إلا أبُو أيُّوب الكاتب قال له: «أيُّها الأمير، توقف عن ضربه! فإن الخلافة إن بقيت في بنو أميَّة فلن يسوغ لك ضرب رجل من عبد مناف، وإن صار المُلك إلى بني هاشم لم تكن لك بلاد الإسلام بلادًا»، فرفض كلامه، وضُرب أبو جعفر اثنين وأربعين سوطًا حتى قفز إليه أبُو أيُّوب وألقى نفسه مُمانعًا لضربه، ولم يزل يسأله الكف عن ضرب أبو جعفر حتى توقف عن ضربه وأمر بحبسه في سجن الأهواز.[48] ثارت ثائرة المضريَّة لضرب أبو جعفر وحبسه، فتجمَّعوا وتوجهوا نحو السجن فكسروه وأطلقوا سراح أبو جعفر، ليذهب الأخير إلى البصرة، وكان قد أعجب بأبو أيُّوب ولما كان منه فحفظها له، ولم يزل الأخير في الأهواز. بقي ابن مُعاوية مُقيمًا في النواحي التي سيطر عليها، حتى وجَّه إليه الخليفة مروان بن مُحمَّد جيشًا كثيفًا بقيادة عامر بن ضبارة، فهرب ابن مُعاوية وإخوته إلى خُراسان، بعد أن ظهر بها أبُو مُسلم الخُراساني بالدَّعوة العبَّاسية، إلا أن الأخير حبسه بعد أن طمع في نصرته، واختلف في أمره بعد محبسه.[49]

حدث في أيَّام سجن أبو جعفر قصَّة عجيبة، فقد التقى برجل فارسي في سجن الأهواز يُدعى نوبَخْت المُنجِّم، وكان يُدين بالمجُوسيَّة، فرأى على أبو جعفر علامات الرِّياسة، فسألهُ نوبخت عمَّن يكون، فأجاب أبو جعفر عن نسبه وكنيته، فقال له نوبخت: «أنت الخليفةُ الذي تلي الأرض!»، فرد أبو جعفر:«ويحك! ماذا تقُول؟»، فقال: «هو ما أقول لك! فضع لي خطَّك في هذه الرُّقعة أن تعطيني شيئًا إذا وليت»، فكتب لهُ وهو مستغربًا من شأنه، وبعد مُرور عُقود، وتولَّي أبو جعفر المنصُور للخلافة، جاء نوبخت إليه، فأكرمهُ المنصُور وأعطاه، كما أسلم نوبخت على يديه، وأصبح من المُقرَّبين إليه.[11][50]

دخوله في سلك الدَّعوة[عدل]

بعد أن كبر أبو جعفر واشتد ساعده، وكان قد نال حظًا جيدًا من العلم والمعرفة وقوة الشخصيَّة، ورأى والده منه ما يسرُّه، أفضى إليه أبوه ولأخوته وأسرته بأسرار الدَّعوة، فتشرَّب مبادئها، واستوعب أهدافها وأدرك خطورة الدور السياسي المُلقى على عاتق والده خاصة، والعائلة عامة. أصبح أبو جعفر أحد دُعاتها البارزين، واعتمد والده عليه على الرُّغم من صغر سنه، فأصبح بمثابة السفير المُتجول، فشدَّ الرحال، وأخذ يجوب الأمصار والبلدان، ويتصل بالدُّعاة والأعوان. تعرَّف أبو جعفر على أمور الدعوة وما آلت إليه، فعرَّكته الأيام وازداد خبرة واطلاعًا بأحوال الناس. وحين أصبح في الثامنة عشرة من عمره، سافر إلى الموصل في رحلة استطلاعيَّة على أحوال الدعوة، واتصل بواليها الأموي الحر بن يوسف، فوصله وشكر له أبو جعفر ذلك، ثم عاد إلى الحميمة، ولم تكن هذه السفرة هي الوحيدة له إلى الموصل.[51]

هروبه من الملاحقة الأمويَّة وتنقلاته في أرض السَّواد[عدل]

بعد أن عاد أبو جعفر إلى الحميمة، وجد نفسه في ضائقة ماليَّة، فهداه تفكيره أن يعمل في بعض الأعمال، وربما لصرف الأنظار عن نشاطه السياسي، فاضطَّر وربما عن قصد، أن يعمل مع بعض ولاة بني أميَّة، فعمل في وظيفة شرطي لدى الوالي خالد بن عبد الله القسري براتب شهري مقداره 68 درهمًا، وكان عمره آنذاك لا يتعدى العشرين عامًا، بحدود سنة 115هـ / 733م. وعلى الرُّغم من قلة المعلومات حول مدة عمله، فإنه من المُؤكد أنه اتصل بالناس يدعوهم لمناصرة الدعوة العبَّاسية، فجلب بنشاطه وتحرُّكاته الأنظار إليه، فارتاب الأمويُّون من تصرفاته، خاصةً وأنهم كانوا يراقبون نشاط العباسيين ودعاتهم وجعلوهم تحت رقابة شديدة، وما يُؤيد هذه المراقبة قول الخليفة هشام بن عبد الملك إلى مُحمَّد بن علي حين وفد عليه لحاجة: «انتظر بها دولتكم التي تتوقعونها وتروون فيها الأحاديث».[52]

علم أبو جعفر أن أعين الشُّرطة الأمويَّة قد تسلَّطت عليه، فخاف أن ينكشف أمره، ظانًا بنفسه من أن يناله المكروه، فسافر متنكرًا إلى بلاد الجزيرة، وتسلَّل بين العيون والأرصاد، حتى وصل من جديد إلى الموصل، فاستقر فيها واشتغل مع الملاحين في مدادي السُّفن مُتسترًا عن هويته، كما تواصل مع أهل الدعوة وأعوانها. وبعد أن هدأت الأمور حينًا، تزوَّج امرأة كرديَّة، ولكنه لم يخبرها عن حاله خيفةً على أمره، حتى حملت بطفلهما، فقال لها أبو جعفر: «هذه رقعة مختومة عندك لا تفتحيها حتى تضعي ما في بطنك، فإن ولدت ابنًا فسميه جعفرًا وكنيه أبا عبد الله، وإن ولدت بنتًا فسميها فلانه، وأنا عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، فاستري أمري، فإنا قومٌ مطلوبون والسُّلطان إلينا سريع»، فودعها وخرج. وبعد أن ولدت الطفل، سمته جعفرًا، وعرف لاحقًا بابن الكرديَّة.[53][54]

غادر أبو جعفر إلى الكوفة قادمًا من الموصل، إلا أنه لم يمكث فيها طويلًا بسبب الرَّقابة الأمويَّة الشديدة على المدينة المُضطربة أحوالها، خاصة وأنه تركها سابقًا إلى الموصل لهذا السبب، فعزم على المضي إلى مدينة البصرة، إلى الجنوب من السَّواد، فوصلها واستقرَّ فيها، واتصل بعلمائها ومفكريها البارزين من أمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي، ويونس بن حبيب، كما التقى بعمرو بن عبيد المُعتزلي،[55] ووطد صداقة معه، كما حضر الكثير من حلقات المُحدث أزهر بن سعد السمان، إلا أنه لم يلبث فيها طويلًا، فقد عاد أدراجه إلى الحميمة الذي نشأ بها في صباه، ومن المُحتمل أنه التقى بوالده وقدم له تقريرًا شاملًا بصفته إمام الدَّعوة وشيخها، ونقل إليه وضع الأهالي وما هم عليه من تذمُّر وسخط تجاه الحكم الأموي، خاصة أنها كانت تمر في فترة حرجة من تاريخها، فاستبشر أبوه بذلك خيرًا.[56]

السفر إلى إفريقية وزواجه من الحِميَريَّة[عدل]

بعد أن عاد أبو جعفر إلى والده مُحمَّد بن علي إمام الدَّعوة في الحميمة، اعتمد عليه كثيرًا، حتى قرر انتدابه دون سائر إخوانه إلى إفريقية (تونس المُعاصرة) البعيدة عن أجواء الصراعات في قلب الخلافة، في مهمة خاصة إلى القيروان، ووجدها أبو جعفر فرصة للابتعاد عن أنظار الأمويين التي تحاول القبض عليه، ومنها لجس نبض أهالي الولايات التي سيمر بها، خاصةً في مصر وإفريقية، وربما يتمكن من نشر الدعوة وجمع المؤيدين والأنصار لها.[32][57]

خلافته[عدل]

وفاته[عدل]

نهضة اقتصادية[عدل]

حياته الشخصية[عدل]

صفاته[عدل]

صفته الخلقيَّة[عدل]

وُصف المنصُور بأنه رجلًا طويلًا، نحيف الجسم، أسمر اللَّون، موفر اللِّمَّة أي أن شعره جاوز أذنيه ولم يصل إلى كتفيه، خفيفُ شعر العارضين، رحِب الجبهة، أقنى الأنف، يخضب بالسَّواد.[11][58][59] ينقل المُؤرخان ابن كثير الدمشقي، والخطيب البغدادي عن علي بن ميسرة الرَّازي حينما رأى المنصُور قائلًا: «رأيت سنة خمس وعشرين أبا جعفر المنصُور بمكة، فتى أسمر رقيق السَّمرة، موفر اللِّمة، خفيف اللَّحية، رحب الجبهة، أقنى الأنف بين القنى، أعْيَن كأن عينيه لسانان ناطقان تخالطه أبهة الملوك بزي النُّساك، تقبله القلوب وتتبعه العيون، يُعرف الشرف في تواضعه والعتق في صورته، والليث في مشيته».[8][11]

أخلاقه ودينه[عدل]

وصف الخليفة المنصُور بأنه كان شديد التمسُّك بالدين، بعيدًا عن الشُّبهات، فخلى قصره وحاشيته من مظاهر الأبَّهة والغناء وما إلى ذلك. كان كريمًا في موضع العطاء، وشُحًا في موضع المنع، حتى سار المثل بشحِّه وسُمي «أبا الدَّوانيق» لشدته في مُحاسبة العُمَّال والصُّنَّاع على الحبَّة والدَّانق. حرص المنصُور على الأموال العامَّة والخاصَّة، وقد يُؤثر التَّضحية بالدماء في سبيل التضيحة بالأموال. كان مقدامًا حازمًا لا يتورَّع في التنفيذ، ولا يتهيَّب الوسائل، وكانت الغاية لديه تبرر الوسيلة، حتى لو اضطَّر لنقض الوعود ونكث العهود.[60]

أقواله[عدل]

ينسب إلى المنصُور العديد من الأقوال، ومنها:

ميراثه[عدل]

المُؤيدون[عدل]

المُتوازنون[عدل]

الأديب والمُؤرخ الأندلسي ابن دحية الكلبي: «وكان المنصور أحزم الناس، قد عركته الأيام أيَّما عرك، وحكَّته بتقلبه فيها قبل إفضاء الأمر إليه بكل محك، فكان يجود بالأموال حتى يقال هو أسمح الناس، ويمنع في بعض الأوقات حتى يقال هو أبخل الناس، ويسوس سياسة الملوك، ويثب وثبة الأسد العادي على الناس، ويتذكر ما فعل بنو أمية ببني علي وبني العباس».[63]

المُنتقدون[عدل]

انظر أيضًا[عدل]

مراجع[عدل]

فهرس المنشورات[عدل]

  1. ^ أدهم (1969)، ص. 13.
  2. ^ ابن عبد ربه (1983)، ج. 5، ص. 370.
  3. ^ ا ب ج السيوطي (2004)، ص. 206.
  4. ^ المسعودي (1893)، ص. 340.
  5. ^ الروحي (2001)، ص. 106.
  6. ^ أدهم (1969)، ص. 57 - 58.
  7. ^ ا ب ج العاني (1981)، ص. 46.
  8. ^ ا ب البغدادي (2004)، ج. 10، ص. 55.
  9. ^ الطبري (2004)، ص. 1259.
  10. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 663.
  11. ^ ا ب ج د ه و ز ح ط ابن كثير (2004)، ص. 1520.
  12. ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 6، ص. 335.
  13. ^ ابن عبد ربه (1983)، ج. 5، ص. 370.
  14. ^ العاني (1981)، ص. 45.
  15. ^ الخضري (2003)، ص. 56.
  16. ^ العاني (1981)، ص. 44-45.
  17. ^ ابن عبد ربه (1983)، ج. 5، ص. 370.
  18. ^ العاني (1981)، ص. 46.
  19. ^ ا ب ج ابن العمراني (1999)، ص. 62.
  20. ^ العاني (1981)، ص. 40-41.
  21. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 661.
  22. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 665.
  23. ^ أدهم (1969)، ص. 28-29.
  24. ^ أدهم (1969)، ص. 58.
  25. ^ السيوطي (2003)، ص. 207.
  26. ^ ابن العمراني (1999)، ص. 62-63.
  27. ^ ابن العمراني (1999)، ص. 63.
  28. ^ ابن العمراني (1999)، ص. 62.
  29. ^ العاني (1981)، ص. 48.
  30. ^ ا ب ج أدهم (1969)، ص. 58.
  31. ^ العاني (1981)، ص. 48-49.
  32. ^ ا ب ابن الأبار (1985)، ج. 1، ص. 33.
  33. ^ ا ب العاني (1981)، ص. 47.
  34. ^ ابن دحية (1946)، ص. 30.
  35. ^ العاني (1981)، ص. 46-47.
  36. ^ ابن سعد (1968)، ج. 5، ص. 314.
  37. ^ العاني (1981)، ص. 54.
  38. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 742-743.
  39. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 750-751.
  40. ^ المبرد (1997)، ج. 2، ص. 161.
  41. ^ المبرد (1997)، ج. 2، ص. 161-162.
  42. ^ المبرد (1997)، ج. 2، ص. 162.
  43. ^ إلهامي (2013)، ص. 80.
  44. ^ إلهامي (2013)، ص. 82.
  45. ^ العاني (1981)، ص. 51-52.
  46. ^ ا ب ج أدهم (1969)، ص. 59.
  47. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 751-752.
  48. ^ أدهم (1969)، ص. 59-60.
  49. ^ أدهم (1969)، ص. 60.
  50. ^ البغدادي (2004)، ج. 10، ص. 56.
  51. ^ العاني (1981)، ص. 52.
  52. ^ العاني (1981)، ص. 52-53.
  53. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 837-838.
  54. ^ العاني (1981)، ص. 53-54.
  55. ^ ابن خلكان (1978)، ج. 3، ص. 461.
  56. ^ العاني (1981)، ص. 54-55.
  57. ^ العاني (1981)، ص. 55.
  58. ^ الطبري (2004)، ص. 1589.
  59. ^ العاني (1981)، ص. 47 و49.
  60. ^ خليفة (1931)، ص. 52.
  61. ^ البغدادي (2004)، ج. 10، ص. 56.
  62. ^ ابن الأبار (1985)، ج. 1، ص. 34.
  63. ^ ابن دحية (1946)، ص. 25.

معلومات المنشورات كاملة[عدل]

الكُتُب مُرتَّبة حَسَب تاريخ النَّشر

أبُو جعفر المنصُور
ولد: صفر 95 هـ / نوفمبر 713 م توفي: 6 ذو الحجَّة 158 هـ / 6 أكتوبر 775 م
ألقاب سُنيَّة
سبقه
أبُو العبَّاس السَّفَّاح
أمِيرُ المُؤمِنين

13 ذو الحجَّة 136 – 6 ذو الحجَّة 158 هـ
10 يونيو 754 – 6 أكتوبر 775 م

تبعه
مُحمَّد المهدي