سورة الناس
| |||||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
إحصائيات السُّورة | |||||||||||
| |||||||||||
تَرتيب السُّورة في المُصحَف | |||||||||||
|
|||||||||||
نُزول السُّورة | |||||||||||
النزول | مكية | ||||||||||
نص السورة | |||||||||||
|
|||||||||||
بوابة القرآن | |||||||||||
تعديل مصدري - تعديل |
سورة الناس هي سورة مكية، من المفصل، آياتها 6، وترتيبها في المصحف الأخيرة، في الجزء الثلاثين، بدأت بفعل أمر قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، نزلت بعد سورة الفلق، ويطلق عليها وعلى سورة الفلق اسم المعوذتين.
التسمية
سمى النبي محمد سورة النّاس بـ "قلْ أعوذ بربّ النّاس"، وهي وسورة الفلق تسمّيان «الْمعوّذتيْن»،[1] ذلك لأنهما تبتدئان بعبارة ﴿قُلْ اَعوذُ﴾. فقد روى أبو داود والترمذي وأحمد بن حنبل عن عقبة بن عامر قال: أمرني رسول الله أن أقرأ بالمعوذات أي: آيات السورتين، وفي رواية بالمعوذتين في دبر كل صلاة، ولم يذكر أحد من المفسرين أن الواحدة منهما تسمى المعوذة بالإفراد،[2] وسماها ابن عطية الأندلسي في «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» «سورة الْمعوّذة الثّانية»، وعنْونهما أبو عيسى محمد الترمذي في سننه «الْمعوّذتيْن»، وعنْونها محمد بن إسماعيل البخاري في «صحيحه» «سورة قلْ أعوذ بربّ النّاس» وتسميتها في المصاحف وكتب التفسير «سُورَةَ النَّاسِ».[3]
كما تُسمى مع سورة الفلق «المشقشقتين» بتقْديم الشينين على الْقافيْن، كقولهم خطيب مُشَقشق، أي مسترسل القول تشبيهًا له بالفَحل الكريم من الإِبل يَهْدِر بشِقْشَقَةٍ وهي كاللحم يبرز من فيه إذا غضب.[4] وذكر الزمخشري والقرطبي أنّهما تسميان «المقشقشين» بتقْديم الْقافيْن على الشّينيْن، أي تبرئان من النفاق،[1] والمُقَشْقِشَتان: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، لأَنهما كَانَا يُبْرَأُ بِهِمَا مِنَ النِّفَاقِ إِبراءَ المريضِ مِنْ علَّته؛[5] قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: كَمَا يُقَشْقِشُ الهِنَاءُ الجرَبَ فيُبْرِئُه، وَقِيلَ: هُمَا: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.[6] وقال الطيبي: فيكون اسم المقشقشة مشتركًا بين أربع سور هذه - أي سورة الإخلاص -، وسورة الناس، وسورة براءة، وسورة الكافرون.[7]
سبب نزول السورة
ذكر المفسرون أن المعوذتين نزلتا بسبب أن لبيد بن الأعصم سَحَرَ النبي، وبالرغم من أن قصة لبيد بن الأعصم وردت في الصحيحين إلا أن الربط بينها وبين نزول السورتين لم يرد في الكتب الستة، وقد قيل إن سبب نزولهما أن قريشًا ندبوا من اشتهر بينهم أنه يصيب النبي بعينه -أي بالحسد-، فنزلت المعوذتان ليتعوذ منهم بهما؛ لكن السبب الأول أشهر.[8]
ورد في سبب نزول سورتي المعوذتين، ما ذكره جلال الدين السيوطي في كتابه لباب النقول في أسباب النزول، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة عن ابن عباس قال: مرض رسول الله ﷺ مرضًا شديدًا، فأتاه مَلَكان، فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما ترى؟ قال: طُبَّ، قال: وما طُبَّ؟ قال: سُحِرَ، قال: ومَنْ سَحَره؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: أين هو؟ قال: في بئر آل فلان تحت صخرة في رَكِيَّة، فَأْتوا الرَّكِيَّة، فانزحوا ماءها، وارفعوا الصخرة، ثم خذوا الكُدْية وأحرقوها، فلما أصبح رسول الله ﷺ بعث عمار بن ياسر في نفر، فَأَتوا الرَّكِيَّةَ، فإذا ماؤها مثل ماء الحناء، فنزحوا الماء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الكُدْيَةَ، وأحرقوها، فإذا فيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة، وأُنزلت عليه هاتان السورتان، فَجَعل كلما قرأ آية انحلت عقدة: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . وفي ذات السبب أخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن أنس بن مالك قال: صنعت اليهود لرسول الله ﷺ شيئًا، فأصابه من ذلك وجع شديد، فدخل عليه أصحابه فظنوا أنه لُمَّ به، فأتاه جبريل بالمعوذتين، فعوذوه بهما، فخرج إلى أصحابه صحيحًا.[9]
قال البغوي: «وقيل: كانت مغروزة بالإبر، فأنزل الله عز وجل هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية: سورة الفلق خمس آيات، وسورة الناس ست آيات، فكلما قرأ آية انحلت عقدة، حتى انحلت العقد كلها، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عِقال، قال: وروي أنه لبث فيه ستة أشهر، واشتد عليه ثلاثة أيام، فنزلت المعوذتان.».[10]
زمن النزول
اختلف في زمن نزول سورة الناس، فهي مكية في قول الذين قالوا في سورة الفلق إنها مكية، ومدنية في قول الذين قالوا في سورة الفلق إنها مدنية. فقد نزلتا متعاقبتين، فالخلاف في إحداهما كالخلاف في الأخرى، والأشهر أنها مكيّة؛ فقد نزلت سورة الناس بعد نزول سورة الفلق وقبل نزول سورة الإخلاص، فتكون على ذلك السورة الحادية والعشرين من سور القرآن نزولًا. وبالرغم من عدم وجود خلاف في مكيّة سورة الإخلاص إلا أن الخلاف في زمن نزول المعوذتين يأتي من ربط بعض المُفسِّرين بين نزولهما وقصة لبيد بن الأعصم التي حدثت في المدينة. لذا أنكر عدد من المُفسِّرين العلاقة بينهما مثل الواحدي ومحمد الطاهر بن عاشور، وقالا بأنهما مكيتان،[11] بينما رجح ابن كثير الدمشقي،[12] والسيوطي أنهما مدنيتان.[9]
فضلها
ورد العديد من الأحاديث النبوية في فضل سورة الناس، فقد كان النبي يقرأ هاتين المعوذتين إذا آوى إلى فراشه وينفث يديه ويمسح بهما ما أقبل وأدبر من بدنه، ويأمر بقراءتهما دبر كل صلاة، كما حث النبي على قراءتهما ثلاثًا في الصباح والمساء مع سورة الإخلاص وأن قراءتهم تكفي المرء من كل شيء.[13] ومن الأحاديث التي وردت في فضلها:
- عن عقبة بن عامر قال: بينا أنا أقود برسول الله ﷺ في نقب من تلك النقاب، إذ قال لي: "يا عقب، ألا تركب؟" قال: فأجللت رسول الله ﷺ أن أركب مركبه، ثم قال: "يا عقب، ألا تركب؟" قال: فأشفقت أن تكون معصية، قال: فنزل رسول الله ﷺ وركبت هنية، ثم ركب، ثم قال: "يا عقب، ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟" قال: قلت: بلى يا رسول الله. قال: فأقرأني: قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس، ثم أقيمت الصلاة، فتقدم رسول الله ﷺ فقرأ بهما، ثم مر بي، قال: " كيف رأيت يا عقب؟ اقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت.[14]
- وروى مسلم بن الحجاج في صحيحه عن قيس بن أبي حازم، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط: "قل أعوذ برب الفلق" و"قل أعوذ برب الناس".[15]
- وعن عبد الله بن خبيب قال: خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب النبي ﷺ ليصلي لنا، فأدركناه فقال: قل، فلم أقل شيئا، ثم قال: قل، فلم أقل شيئا، ثم قال: قل، فقلت: يا رسول الله ما أقول؟ قال: قل "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "، وَالمُعَوِّذَتَيْنِ، حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.[16][17]
- وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ الْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ.[18]
- عن عائشة بنت أبي بكر قالت: كان إذا اشتكى يقرأُ على نفسِهِ بالمعوِّذاتِ وينفثُ، فلما اشتد وجعُه كنتُ أقرأ عليه وأمسحُ عليه بيمينِه رجاءَ بركتِها.[19]
- عَنْ عائشة بنت أبي بكر: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.[20]
- وعن ابْنَ عَابِسٍ الْجُهَنِيِّ عن النبي أنه قال: يَا ابْنَ عَابِسٍ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا يَتَعَوَّذُ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ.[21]
- وعَنْ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، وَالنَّاسُ يَعْتَقِبُونَ، وَفِي الظَّهْرِ قِلَّةٌ، فَحَانَتْ نَزْلَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَنَزْلَتِي، فَلَحِقَنِي فَضَرَبَ مَنْكِبِيَّ، فَقَالَ: "قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ"، فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَرَأْتُهَا مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: "قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِّ النَّاسِ"، فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَرَأْتُهَا مَعَهُ، فَقَالَ: "إِذَا صَلَّيْتَ فَاقْرَأْ بِهِمَا".[12]
- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ أَعْيُنِ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَ بِهِمَا، وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا.[12]
واستنادًا على هذه الأحاديث فقد استحب العلماء قراءة الإخلاص والفلق والناس بعد صلاتي الفجر والمغرب ثلاث مرات، فهما صلاتان الصباح والمساء، وأما بعد باقي الصلوات فمرة واحدة دبر كل صلاة. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: «ورد قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين دبر كل صلاة، لما رواه أبو داود في سننه عن عقبة بن عامر قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة)، وفي رواية الترمذي: (بالمعوذتين) بدل المعوذات. فينبغي أن يقرأ: (قل هو الله أحد)، و(قل أعوذ برب الفلق)، و(قل أعوذ برب الناس) دبر كل صلاة، وأن تكرر عقب صلاة الفجر والمغرب ثلاث مرات، يقرأها كل إنسان وحده بقدر ما يسمع نفسه.».[17] وقيل بأن تكرارها ثلاث مرات فهو في الصباح والمساء، فأما دبر صلاتي الفجر والمغرب فواحدة مثل باقي الصلوات.[18]
واستدل العلماء على أنهما تكفيان من كل شر، قال الطيبي: «أي تدفع عنك كل سوء، فمن زائدة في الإثبات على مذهب جماعة وعلى مذهب الجمهور أيضا، لأن يكفيك متضمنة للنفي، كما يعلم من تفسيرها بتدفع، ويصح أن تكون لابتداء الغاية، أي تدفع عنك من أول مراتب السوء إلى آخرها، أو تبعيضية، أي بعض كل نوع من أنواع السوء، ويحتمل أن يكون المعنى: تغنيك عما سواها، وينصر المعنى الثاني ما في الحديث الأول وهو حديث عقبة لقوله: فما تعوذ متعوذ بمثلها.».[16]
المحتوى العام للسورة
محتوى السورة هو أمر الله للنبي محمد بأن يتعوذ بالله ربه من شر الوسواس الذي يحاول إفساد عمل الناس، وإفساد إرشاده، ويلقي في نفوس الناس الإعراض عن دعوته.[22] وقد جاء ترتيب سورة الناس في المصحف السورة رقم 114 والأخيرة، وجاءت قبلها سورة الفلق، يقول في ذلك جلال الدين السيوطي: «قدمت الفلق على الناس -وإن كانت أقصر منها- لمناسبة مقطعها في الوزن لفواصل الإخلاص مع مقطع تبت.» وعلق فخر الدين الرازي على مناسبة السورة بما قبلها من السور فقال: «بدأ بذكر صفات الله، وشرح جلاله في سورة "الإخلاص"، ثم أتبعه بذكر مراتب مخلوقاته في "الفلق"، ثم ختم بذكر مراتب النفس الإنسانية في "الناس"، وعند ذلك ختم الكتاب.» ثم فصّل ذلك بعد تفصيله سورة الفلق فقال:[23] «ثم إنه لم يبق من السفليات بعد هذه المرتبة سوى النفس الإنسانية، وهى المستعيذة، فلا يكون مستعاذا منها فلا جرم قطع هذه السورة، وذكر بعدها في سورة "الناس" مراتب ودرجات النفس الإنسانية.»
تفسير السورة
- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ : هذه ثلاث صفات من صفات الرب: الربوبية والملك والإلهية فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيد له فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس وهو الشيطان الموكل بالإنسان فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش ولا يألوه جهدًا في الخيال والمعصوم من عصمه الله.[24] وقد ثبت في الصحيح أنه (ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير).[25][26] وثبت في الصحيح عن أنس في قصة زيارة صفية بنت حيي للنبي وهو معتكف وخروجه معها ليلًا ليردها إلى منزلها فلقيه رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي أسرعا فقال رسول الله: (على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله يا رسول الله فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا ـ أو قال شرًا)[27][28]، وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا محمد بن بحر حدثنا عدي بن أبي عمارة حدثنا زياد النميري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: (إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس) غريب.[29] وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف رسول الله قال: (عثر بالنبي حماره فقلت تعس الشيطان فقال النبي: لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت: تعس الشيطان تعاظم وقال: بقوتي صرعته وإذا قلت: بسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب وغلب) تفرد به أحمد [30] إسناده جيد قوي وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الضحاك بن عثمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: (قال رسول الله: إن أحدكم إذا كان في المسجد جاءه الشيطان فالتبس به كما يلتبس الرجل بدابته فإذا سكن له زنقه أو ألجمه) قال أبو هريرة: وأنتم ترون ذلك أما المزنوق فتراه مائلًا كذا لا يذكر الله وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله تفرد به أحمد.[31]
- مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ : روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله خنس، وكذا قال مجاهد وقتادة، وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه: ذكر لي أن الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح فإذا ذكر الله خنس، وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: {الوسواس} قال: هو الشيطان يأمر فإذا أطيع خنس.[32]
- الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ : قيل هل يختص هذا ببني آدم كما هو الظاهر أو يعم بني آدم والجن؟ فيه قولان ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليبًا وقال ابن جرير: وقد استعمل فيهم رجال من الجن فلا بدع في إطلاق الناس عليهم.[33]
- مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ هل هو تفصيل لقوله: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ثم بينهم فقال: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ وهذا يقوي القول الثاني وقيل لقوله: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ تفسير للذي يوسوس في صدور الناس من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ .[34] وكما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا المسعودي حدثنا أبو عمر الدمشقي حدثنا عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر قال: (أتيت رسول الله وهو في المسجد فجلست فقال: يا أبا ذر هل صليت؟ قلت: لا قال: قم فصل قال: فقمت فصليت ثم جلست فقال: يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن قال: فقلت يا رسول الله وللإنس شياطين؟ قال: نعم قال: فقلت يا رسول الله الصلاة؟ قال: خير موضوع من شاء أقل ومن شاء أكثر قلت: يا رسول الله فالصوم قال: فرض مجزئ وعند الله مزيد قلت: يا رسول الله فالصدقة؟ قال: أضعاف مضاعفة قلت: يا رسول الله فأيها أفضل قال: جهد من مقل أو سر إلى فقير قلت: يا رسول الله أي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم قلت: يا رسول الله ونبيا كان؟ قال: نعم نبي مكلم قلت: يا رسول الله كم المرسلون؟ قال: ثلثمائة وبضعة عشر جما غفيرا وقال مرة: خمسة عشر قلت: يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم }). ورواه النسائي من حديث أبي عمر الدمشقي به وقد أخرج هذا الحديث مطولا جدا أبو حاتم بن حبان في صحيحه بطريق آخر ولفظ آخر مطول جدًا فالله أعلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن ذر بن عبد الله الهمداني عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال: (جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به قال: فقال النبي: الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة). ورواه أبو داود والنسائي من حديث منصور زاد النسائي والأعمش كلاهما عن ذر به.[35]
- وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره، أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن لهم الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه. فينبغي له أن يستعين ويستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم. وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها. وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ .[36]
- وقد قال ابن الزملكاني في أسراره فقال: إضافة "رب" إلى "الناس" تؤذن بأن المراد بالناس: الأطفال; لأن الرب من ربه يربه، وهم إلى التربية أحوج، وإضافة "ملك" إلى "الناس" تؤذن بإرادة الشباب به; إذ لفظ "ملك" يؤذن بالسياسة والعزة، والشبان إليها أحوج، وإضافة "إله" إلى "الناس" تؤذن بأن المراد به الشيوخ; لأن ذاته مستحقة للطاعة والعبادة، وهم أقرب، وقوله: يوسوس في صدور الناس: يؤذن بأن المراد بالناس العلماء والعباد; لأن الوسوسة غالبا عن الشبه، وقوله: من الجنة والناس: يؤذن بأن المراد بالناس الأشرار، وهم شياطين الإنس الذين يوسوسون لهم.[23]
انظر أيضًا
مراجع
- ^ ا ب القرطبي (1985). "الجامع لاحكام القرآن، تفسير القرطبي، جـ 20". shiaonlinelibrary.com. دار إحياء التراث العربي. ص. 251. مؤرشف من الأصل في 2020-11-28. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
- ^ "إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة الفلق". islamweb.net. مؤرشف من الأصل في 2020-11-28. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
- ^ محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (1984). التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد». تونس: الدار التونسية للنشر. ج. 30. ص. 631. مؤرشف من الأصل في 2020-11-28.
{{استشهاد بكتاب}}
: يحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ:|بواسطة=
(مساعدة) - ^ السيوطي، جلال الدين (1999م). "الإتقان في علوم القرآن، النوع السابع عشر في معرفة أسمائه وأسماء سوره، فصل قد يكون للسورة اسمان فأكثر، الجزء رقم1". islamweb.net. دار الكتاب العربي. ص. 193: 204. مؤرشف من الأصل في 2020-11-28. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
- ^ "لسان العرب - صفحة 3349". www.marqoom.org. مؤرشف من الأصل في 2020-11-28. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
- ^ ابن عادل الحنبلي. "تفسير اللباب في علوم الكتاب، الجزء: 16". بيروت. دار الكتب العلمية. ص. 529. مؤرشف من الأصل في 2020-11-28. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
- ^ "السورة التي تسمى المقشقشة - إسلام ويب - مركز الفتوى". www.islamweb.net. مؤرشف من الأصل في 2020-11-28. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
- ^ ابن عاشور، محمد الطاهر. التحرير والتنوير. تونس: دار سحنون. ج. 31. ص. 623: 625. مؤرشف من الأصل في 2020-12-04.
{{استشهاد بكتاب}}
:|عمل=
تُجوهل (مساعدة) ويحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ:|بواسطة=
(مساعدة) - ^ ا ب جلال الدين السيوطي (1426 هـ - 2006). عبد الرزاق المهدي (المحرر). لباب النقول في أسباب النزول (PDF). بيروت - لبنان: دار الكتاب العربي. ص. 269، 270. ISBN:9953271348. مؤرشف من الأصل (PDF) في 2021-02-13.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) ويحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ:|بواسطة=
(مساعدة) - ^ يسري السيد محمد؛ صالح أحمد الشامي (1427 هـ). بدائع التفسير، الجامع لما فسره الإمام ابن قيم الجوزية (ط. الأولى). الرياض: دار ابن الجوزي. ج. 3. ص. 414. مؤرشف من الأصل في 13 فبراير 2021.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) ويحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ:|بواسطة=
(مساعدة) - ^ ابن عاشور، محمد الطاهر. "التحرير والتنوير، سورة الناس، مقدمة السورة، الجزء رقم31". islamweb.net. دار سحنون. ص. 631. مؤرشف من الأصل في 2021-02-13. اطلع عليه بتاريخ 2021-02-13.
- ^ ا ب ج ابن كثير الدمشقي، إسماعيل بن عمر (1422هـ / 2002م). "تفسير ابن كثير، تفسير سورتي المعوذتين، جزء 8". islamweb.net. دار طيبة. ص. 530: 534. مؤرشف من الأصل في 2020-08-13. اطلع عليه بتاريخ 2021-02-13.
{{استشهاد ويب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ ابن عبد الوهاب، محمد (1414 هـ). فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي (المحرر). تفسير سورة الناس (PDF) (ط. الثانية). الرياض: مؤسسة الرسالة. ص. 51. مؤرشف من الأصل (PDF) في 2021-02-13.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) ويحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ:|بواسطة=
(مساعدة) - ^ السندي، نور الدين محمد بن عبد الهادي (1428هـ / 2008م). "حاشية مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسانيد المقلين، عقبة بن عام، الجزء رقم10". islamweb.net. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر. ص. 180. مؤرشف من الأصل في 2021-02-13. اطلع عليه بتاريخ 2021-02-13.
{{استشهاد ويب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ النووي (1416هـ / 1996م). "شرح النووي على مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة المعوذتين، الجزء رقم6". islamweb.net. دار الخير. ص. 420. مؤرشف من الأصل في 2021-02-13. اطلع عليه بتاريخ 2021-02-13.
{{استشهاد ويب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ ا ب "معنى قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي تكفيك من كل شيء وهل تجزئ عن غيرها، إسلام ويب، مركز الفتوى". www.islamweb.net. مؤرشف من الأصل في 2020-08-11. اطلع عليه بتاريخ 2021-02-13.
- ^ ا ب "استحباب قراة المعوذات بعد كل صلاة مرة، وفي الصباح والمساء ثلاث مرات، الإسلام سؤال وجواب". islamqa.info. مؤرشف من الأصل في 2021-02-13. اطلع عليه بتاريخ 2021-02-13.
- ^ ا ب "مشروعية وعدد قراءة المعوذات دبر الصلوات والصباح والمساء، إسلام ويب، مركز الفتوى". www.islamweb.net. مؤرشف من الأصل في 2019-02-27. اطلع عليه بتاريخ 2021-02-13.
- ^ الزرقاني، محمد بن عبد الباقي (1424هـ / 2003م). "شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، كتاب الجامع، باب العين والمرض، التعوذ والرقية من المرض، الجزء رقم4". islamweb.net. مكتبة الثقافة الدينية. ص. 517. مؤرشف من الأصل في 2021-02-13. اطلع عليه بتاريخ 2021-02-13.
{{استشهاد ويب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ "هل النفث يكون قبل القراءة أو بعدها ؟ - الإسلام سؤال وجواب". islamqa.info. مؤرشف من الأصل في 2021-02-13. اطلع عليه بتاريخ 2021-02-13.
- ^ السيوطي (1406هـ / 1986م). "شرح السيوطي لسنن النسائي، كتاب الاستعاذة، الجزء رقم8". islamweb.net. دار البشائر الإسلامية. ص. 250. مؤرشف من الأصل في 13 فبراير 2021. اطلع عليه بتاريخ 2021-02-13.
{{استشهاد ويب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ ابن عاشور، محمد الطاهر. "التحرير والتنوير، سورة الناس، أغراض السورة، الجزء رقم31". islamweb.net. دار سحنون. ص. 632. مؤرشف من الأصل في 2021-02-23. اطلع عليه بتاريخ 2021-02-23.
- ^ ا ب السيوطي، جلال الدين (1398 هـ - 1978 م). "أسرار ترتيب القرآن، سورة الفلق والناس". islamweb.net (ط. الثانية). دار الاعتصام. ص. 162: 167. مؤرشف من الأصل في 5 ديسمبر 2020. اطلع عليه بتاريخ 2021-02-23.
{{استشهاد ويب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 8، ص 539
- ^ صحيح الإمام مسلم، حديث رقم (5034)
- ^ صحيح بن حبان، حيث رقم (6524)
- ^ صحيح الإمام البخاري، حيث رقم (3039)
- ^ صحيح الإمام مسلم، حيث رقم (4041)
- ^ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 5، ص 507
- ^ مسند الإمام أحمد بن حنبل، حديث رقم (19683)
- ^ مسند الإمام أحمد بن حنبل، حيث رقم (8020)
- ^ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 5، ص 540 .
- ^ المرجع السابق ج 5، ص 540 .
- ^ سورة الأنعام:112
- ^ تفسير المراغي - أحمد مصطفى المراغي.
- ^ السعدي،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 937 .
وصلات خارجية
- سورة الناس، بصوت مشاري بن راشد العفاسي.
- سورة الناس دراسة صوتية دلالية، لشاكر سبع الأسدي، المكتبة الشاملة.